الوثيقة المترجمة في علم الوثائق

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

1 مدرس الوثائق والمعلومات

2 مدرس الوثائق قسم المکتبات والوثائق وتقنية المعلومات - کلية الآداب – جامعة القاهرة

المستخلص

يتناول هذا البحث العلاقة بين النص الأصلي وترجمته من منطلق علم الوثائق ومنهجه، فيناقش مفهومي الأصالة والموثوقية للنص المترجَم ويستوضح دور المترجم في إنشاء الوثيقة المترجمة مستعينًا في ذلک بنموذج لوثيقة إدارية تنتمي إلى زمن الحملة الفرنسية محررة باللغة الفرنسية ومترجمة إلى اللغة العربية.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


تمهید :

تثیر مسألة اختلاف اللغات المحرر بها نص واحد فی بعض أنواع الوثائق
– کالاتفاقیات والمعاهدات وغیرها – إشکالات فی نقد الوثیقة وتقییمها کشاهد تاریخی، فإذا عرضنا لهذه الإشکالات فی ضوء محاور أو فصول علم الوثائق المتعلقة بالتقلید([i]) والتکوین، تکون هی کالتالی :

  • هویة الوثیقة المترجمة فهل هی أصل ثانی أم نسخة ؟
  • مفهوم التطابق بین النصین " النص المصدر، النص الهدف " وتأثیر ذلک على موثوقیة الوثیقة المترجمة " النص الهدف " وأصالتها.
  • دور " المترجم " فی إنشاء النص الهدف " الوثیقة المترجمة " فهل یعد منشئًا جدیدًا ؟

النموذج المقدم فی البحث هو منشور إداری أصدره " منو "([ii]) حین کان حاکمًا إدرایًا على رشید وإقطاعها فی الأیام الأولى للحملة الفرنسیة موجه إلى المواطنین فی رشید، وقد تم تحریره باللغة الفرنسیة ثم تُرجم إلى اللغة العربیة، والنصان غیر مؤرخین.

أهمیة هذا النموذج :

1)    یُمثل واحدًا من مئات – ربما آلاف – الوثائق الأصلیة غیر المنشورة
للحملة الفرنسیة المحفوظة بالأرشیف التاریخی للقوات البریة الفرنسیة([iii]) Archives Historique l'Armée de Terre فی فنسن بضواحی باریس Archives Du chateau De Vincenne وتحمل رقم B6 " 16 ".

2)    یُمثل هذا النموذج الخطاب الأول لمنو حین کان حاکمًا إداریًا على رشید وإقطاعها تحت قیادة بونابرت فی الأیام الأولى للحملة الفرنسیة، ومثل هذه النماذج تفتقر إلیها المصادر التاریخیة المعاصرة سواء فی رصد أخبار الأقالیم وحوادثها – اللهم إلا الحوادث العظیمة فیها – أو فی رصد إدارة شؤونها وتنظیمها تفصیلاً، فالحدیث عن الأقالیم غالبًا ما یبدو حدیثًا باهتًا – فی أغلب المصادر –.

3)    یعکس هذا النموذج السیاسة المحلیة والدینیة التی رسمها الحکام المحلیین فی إدارة أقالیم ومدى توافقها مع تلک التی وضعها وأقرها بونابرت فی القاهرة فی الأیام الأولى للحملة.

4)    نناقش من خلال هذا النموذج - بشکل أساسی - أهمیة الفعل الترجمی لإکساب الوثیقة تمامها وکمالها، وتأثیر استراتیجیات الترجمة المتبعة فی التعامل مع الوثیقة المترجمة من حیث نوعها، وأصالتها، وموثوقیتها.

 

مقدمة :

الترجمة لغةً وتاریخًا :

ترجمَ لـــ یُترجم، ترجمة فهو مُترجم والمفعول مُترجَم ورد للفظة " الترجمة فی المعاجم اللغویة معان عدة نذکر منها :

ترجم الکتاب : نقله من لغة إلى أخرى، فسره بلغة أخرى([iv]).

ترجم البیان : بینه ووضحه.

والتُرْجُمان والتَرْجَمان : المفسر للسان وهو الذی یترجم الکلام أی ینقله من لغةٍ إلى أخرى والجمع التراجم([v]).

بزغت الترجمة کنتیجة للأنشطة الإنسانیة وما تضمنته من نشاطات دینیة واقتصادیة وعسکریة، استطاعت أن تخرج الشعوب من حدودها الجغرافیة لتتفاعل مع جیرانها، وکانت أولى صور الترجمة هی الترجمة الشفویة نظرًا لبساطة النظم اللغویة وعدم اختراع الکتابة، فکانت الترجمة هی أداة التفاهم بین القبائل والتجمعات البشریة خصوصًا خلال الأنشطة التجاریة التی تتم وقت السلم([vi]).

أمَّا ظهورها  فی الشکل المکتوب فیدلل علیه نماذج متعددة عبر التاریخ، فتمثل وثائق " تل العمارنة "([vii]) أنموذجًا یخبر بوجود نشاط ترجمی مکثف بین مصر القدیمة وبلاد الرافدین کان یَمُد جسرًا للتواصل بین الثقافات والحضارات منذ أقدم العصور([viii]). کما أنها تشی بنشوء ازدواج لغوی فی المجتمعات المتبادل بینها تلک الرسائل، إذ استخدمت الأکادیة فی الوثائق الرسمیة([ix]).کذلک هناک معاهدة " قادش" أول معاهدة سلام مکتوبة – مکتشفة إلى الآن - وموثقة فی التاریخ "رمسیس الثانی – الحیثیین 1270 ق.م ([x]).

أمَّا العرب فقد استمروا على نفس هذا النهج من حیث الاختلاط اللغوی والثقافی، حیث اختلطوا بالأجانب (الأعاجم) بحکم رحلاتهم التجاریة منذ ما قبل الإسلام فاحتکوا بثلاث أمم مجاورة لجزیرتهم : الفرس، الروم، الأحباش وإلى حد ما السریان والهنود والمصریین وظهرت نتیجة هذا الاحتکاک فی شکل دخول عدد من المفردات الفارسیة والیونانیة، الرومانیة فی أشعار العرب([xi])، ولعل أشهرهم فی هذا الشأن الأعشى([xii]).

وقد أبدى العرب اهتمامًا کبیرًا بالترجمة منذ بدایة عصر فجر الإسلام والذی نشطت من خلاله عملیة الدعوة إلى الإسلام خارج حدود شبه جزیرة العرب([xiii])، وبدایة الفتوحات الإسلامیة فی عهد الخلفاء الراشدین والذی استوجب ضرورة التواصل مع الأمم الأخرى([xiv]). خلال ذلک حررت الوثائق السیاسیة للدولة باللغة العربیة، بید أن الأمر قد استغرق سنوات حتى اکتمل التعریب فی مجال تدوین الوثائق المالیة للدولة تعریبًا کاملاً حتى بعد قرار تعریب الدواوین([xv]) فی زمن الخلیفة الأموی عبدالملک بن مروان (65-88ه)، فعندما تولى الخلیفة الأموی عبدالملک بین مروان الحکم کانت دواوین الدولة تستخدم اللغات السائدة فی المناطق التی فتحها العرب، فکانت الفارسیة تستخدم إلى جانب العربیة فی العراق وفارس والیونانیة تستخدم فی الشام ومصر إلى جانب العربیة، کما کانت القبطیة تستخدم کذلک فی مصر إلى جانب الیونانیة والعربیة لکن بدرجة أقل، وتشهد البردیات المکتشفة فی مصر على استمرار استخدام اللغة الیونانیة إلى جانب اللغة العربیة لأکثر من عشر سنوات بعد قرارات عبدالملک بن مروان بتعریب الدواوین سنة 76/77ه([xvi]). بعد بضعة عقود کادت العربیة أن تصبح اللغة الوحیدة المستخدمة لکتابة الوثائق فی مصر خاصة الوثائق الإداریة والقانونیة إلى أن جاء الاحتلال العثمانی للمنطقة فصارت الترکیة([xvii]) لغة رسمیة لتدوین الوثائق إلى جانب العربیة واستمر الحال على ذلک حتى زمن الحملة الفرنسیة لتدخل الفرنسیة فی عمل الدواوین وتتوارى الترکیة حتى تختفی تمامًا([xviii])، ثم تعود مرة أخرى بزوال حکم الفرنسیین لتزدوج مرة أخرى مع اللغة العربیة وتتداولها الدواوین المصریة([xix]).

کان المترجم هو حلقة الوصل بین طرفین یتحدثان لغتین مغایرتین، ومن ثم کان تواجده حتمیًا کعنصر أساسی فی الجهاز الإداری للدولة له اشترطات فی اختیاره ومهمات یقوم بها، أفصح عنها الجاحظ منذ ألف ومائتی عام([xx])، حینما أورد فی کتابه "الحیوان" شروطًا للترجمة وممارستها ومن یمارسها([xxi])، ولخطورة مهمته وأهمیتها الکبرى وارتباطها بمصالح الدولة کانت تحت الإشراف المباشر لکاتب السر([xxii]) فی أهم دواوین الدولة فی فترة العصور الوسطى ألا وهو دیوان الإنشاء([xxiii])، کما لعبت بعض الاعتبارات السیاسیة دورًا هامً فی فرض الحاجة إلى الترجمة، ومن ذلک حاجة الغزاة والمستعمرین لمترجمین، وهذا ما بینه دوجلاس روبنسون حین یقول " إن الترجمة کانت على الدوام قناة لا غنى عنها للفتح والاحتلال، وکان المستعمرون یقومون بعنایة باختیار مترجمین للتوسط بینهم وبین المستعمرین وإعدادهم لهذه المهمة لیضمنوا ولاءهم"([xxiv]).

مترجمو الحملة الفرنسیة وحالة الترجمة فی زمانها :

کان فی مصر إبان وجود الحملة نوعان من الترجمة : ترجمة رسمیة، وترجمة علمیة، فالحملة من الناحیة الرسمیة کانت فی أشد الحاجة إلى مترجمین دائمین ینقلون عنها الأوامر ویترجمون المنشورات ویسجلون محاضر الدواوین ویکونون الوسطاء فی نقل الحدیث بین الحکام والمحکومین.

انقسمت جماعة المترجمین الرسمیین فی عهد الحملة إلى الهیئات التالیة :

  • الأسرى الذین کانوا فی جزیرة مالطة من مغاربة وعرب وأتراک، وقد أطلق سراحم رجال الحملة بعد استیلائهم على مالطة وصحبوهم معهم إلى مصر.
  • العارفون باللغة العربیة من رجال الحملة الفرنسیة وأشهرهم فنتور، لوماکا، حنا روکه.
  • المترجمون السوریون، حیث أرسل نابلیون وهو یعد العدة للحملة إلى العالِم مونج والجنرال دیزیه فی روما یأمرهما أن یتعاقدا مع بعض المترجمین من الشرقیین المقیمین فی إیطالیا أشهرهم : إلیاس فتح الله، یوسف مسابکی، یوسف فرحات، میخائیل کحیل وممن کان مقیمًا منهم فی مصر، وأشهر القس رفائیل، إلیاس فخر([xxv]).

واجهت الترجمة من الفرنسیة إلى العربیة صعوبات لیست بالهینة، وهو ما انعکس بوضوح فی ضعف الترکیبة اللغویة المستخدمة فی الترجمة وبالقدر نفسه فی الغموض الذی غلف مجمل النصوص المترجمة، والتی سببت فی کثیر من الأحیان صعوبة فی فهم المصریین آنذاک لمضمونها، ولهذا اضطر الفرنسیون فی بعض الحالات إلى إعادة ترجمة بعض المنشورات مرتین([xxvi])، یؤکد على ذلک الجبرتی فی أکثر من موضع :

" .. تعبیرات سخیفة یُفهم منها المراد بعد التأمل الکثیر لعدم معرفتهم بقوانین التراکیب العربیة "([xxvii]).

" تفسیر بعض ما أودعه هذا المکتوب من الکلمات المفککة والتراکیب الملعبکة"([xxviii]).

مراحل نشأة الوثیقة المترجمة زمن الحملة الفرنسیة :

ما هی الوثیقة التی تترجم ؟

بشکل أساسی هی کل الوثائق الإداریة([xxix]) من بیانات وأوامر کانت تصدرها القیادة السیاسیة والعسکریة إلى المصریین من عامة الناس أو إلى بعض الفئات مثل عمد وشیوخ البلاد([xxx]). هناک أیضًا اللوائح التنظیمیة للدواوین الرسمیة – قوائم حسابیة وأوراق مالیة وغیرها من وثائق أنشئت بهدف تنظیم وإدارة العمل بالدولة فی ظروف الاحتلال، حُررت هذه الوثائق باللغة الفرنسیة وتُرجمت إلى اللغة العربیة.

على الجانب الآخر هناک الالتماسات والشکاوى التی یحررها المصریون لتوصیلها إلى المحتل الفرنسی([xxxi])، کذلک کل وقائع الدواوین الرسمیة للدولة آنذاک وکل ما یصدر عن الدیوان أو یستقبله من وثائق ومکاتبات، تحرر هذه الوثائق باللغة العربیة وتترجم إلى الفرنسیة.

تُحرر الوثائق بأی من اللغتین – العربیة أو الفرنسیة – حَسَب مُصدرها وتُسلَّم إلى المترجمین المعنیین للعمل مع الإدارة الفرنسیة – سبق توضیح هویتهم – لیشرعوا فی ترجمتها.

کان یخصص للمترجمین مکانًا خاصًا بهم داخل الدیوان یستقبلون فیه کل الأوراق التی سیتعین ترجمتها، ولهم خزانتهم الخاصة التی یحتفظون فیها بأوراقهم ودفاترهم التی یسجل فیها کل ما یصدر أو یُستقبل أیضًا فی الدیوان([xxxii]). فیذکر الجبرتی فی حدیثه عن تنظیم الدیوان فی عهد منو :

" واستهل شهر جمادی الثانیة سنة 1215 ... وفیه شرعوا فی ترتیب الدیوان على نسق غیر الأول ..... ولیس فیه خصوصی وعمومی ..... بل هو دیوان واحد مرکب من تسعة رؤسائهم ..... وترجمان کبیر القس رفاییل وترجمان صغیر إلیاس فخر الشامی ..... وأعدو للمترجمین والکتبة الفرنساویة مکانًا خاصًا یجلسون به فی غیر وقت الدیوان على الدوام لترجمة أوراق الوقایع وغیرها وجعلوا لها خزانة ... "([xxxiii]).

فی بعض الأحیان کانت تتراکم الوثائق – بأی اللغتین – التی تحتاج إلى ترجمة ولا تترجم فی ذات الیوم الذی صدرت أو استقبلت فیه – ربما کان ذلک بسبب کثرة ما یستقبلوه فی ذاک الیوم أو ربما لإنشغالهم بأعمال أخرى یکلفون بها غیر ترجمة الأوراق کحضور جلسات الدیوان الیومیة والقیام بمهمة الترجمة الفوریة([xxxiv]). الجدیر بالذکر هنا أن التاریخ الذی تحمله الوثیقة هو تاریخ واحد وهو التاریخ الذی حرر فیه الأصل ذاته بصرف النظر عن تمام الترجمة فی ذات الیوم أو تأخرت عنه([xxxv]).

" .... ومما کتب فی ذلک الیوم ولم یرفع أیضًا ولم یترجم الفرمان الذی التمس کتابته ... "([xxxvi]).

نلاحظ فی شکل إخراج الوثیقة  المترجمة أنه فی أغلب الأحوال کان یأتی النصان على بدن وثیقة واحدة إمَّا فوق بعضهما البعض([xxxvii])، أو إلى جوار بعضهما حیث تبدو وکأنها مقسومة بالطول یحتل أحد النصین الجانب الأیمن والآخر الجانب الأیسر، وفی حالة طول النص المصدر بحیث یستغرق مساحة الوثیقة کلها أو أغلبها بقدر لا یسمح بوضع الترجمة للغة الأخرى علیها کان یُفرد للترجمة ورقة أخرى - مثل النموذج محل الدراسة - یربط بین الوثیقتین اللتین تحملان النص المصدر، النص الهدف (المترجم) رقم واحد یوضع بأقصى الطرف العلوی الأیمن للوثیقتین، هو فیما یبدو رقم حفظهما بالدیوان([xxxviii]).

قیمة فعل الترجمة للوثیقة من الناحیة الدیبلوماتیة :

فی حدیثه عن " الشکل " یقول حسن الحلوة :

الشکل " أی مجموع خصائص الوثیقة الخارجیة والداخلیة " هو جوهر الوثیقة القانونیة وسر کیانها فإذا هو روعی فصدرت الوثیقة فی الشکل المتفق علیه فی الدیوان المنشء أو لدى الشخص المنشئ، تحقق لها بذلک کمالها وتمامها وترتب علیها آثارها القانونیة، وإذا هو أغفل لسبب من الأسباب فصدرت على غیر القواعد المرعیة لدى المنشئ لم یتحقق لها بذلک کمالها وتمامها وفقدت بالتالی قیمتها القانونیة وأفاتت صاحبها الغایة المرجوة منها "([xxxix]).

الوثیقة التامة، هی الکاملة النهائیة بدون عیب أو نقص وقابلة للتنفیذ أی قادرة على تحقیق کل النتائج التی یقصدها منشئ الوثیقة، وشکل الوثیقة یمنحها وبقوة تمامها وکمالها([xl]).

ولکی تصبح الوثیقة قادرة على تحقیق النتائج التی یقصدها مُنشئ الوثیقة لابد أن تُفهم رسالتها أو المغزى الذی ینقله محتواها، ولکن کیف یمکن أن یحدث ذلک إذا کانت اللغة التی یستخدمها المصدر لیعبر عن مقصده ویتواصل بها مع المخاطب مختلفة عن لغته التی یفهمها ویستوعبها ؟ إذًا ... فإن اللغة هنا مثلت عائقًا أمام تمام الوثیقة أو کمالها وعطلت إحداث أثرها. تبرز هنا قیمة الفعل الترجمی من الناحیة الدیبلوماتیة، فالترجمة هنا هی المعنیة بتحقیق کمال الوثیقة وتمام الغایة المرجوة منها بعد أن تُبین الکلام وتوضحه فی لسان الآخر (المخاطب فی الوثیقة). إلا أنه مشروط ما تحققه بنجاحها – أی اللغة – أن تُمثل منشئها بدقة وإلا لا یتحقق کمالها أو تمامها وتفقد قیمتها القانونیة، ولا تتحقق الغایة من إنشائها " ... فإذا صدرت على غیر القواعد المرعیة لدى المنشئ لم یتحقق لها کمالها وتمامها وفقدت قیمتها القانونیة وأفاتت صاحبها الغایة المرجوة منها ".

ولتحقیق هذا الشرط فی حال اختلاف لغة المنشئ عن لغة المخاطب فإن النصین المصدر، الهدف (المترجم)، لابد وأن یکونا متطابقان.

فإلى أی مدى یمکن تحقیق ذلک ؟

التطابق لغة یعنی : تطابق الشکلان : تساویًا، توافقًا، تماثلاً، اتفقا([xli]).

والتطابق اصطلاحًا فی الترجمة یعنی : نقل عناصر النص الأصلی ومکوناته بما یشمله من مکونات دلالیة ونحویة وأسلوبیة وشکلیة ومضمونیة وتأثیریة إنفعالیة إلى نص الترجمة نقلاً کامل الأبعاد([xlii]).

یتفق هذا المعنى الاصطلاحی للتطابق مع التطابق الذی یقصده الدیبلوماتی حیث یُعلى من قیمة الشکل، ویُعنی بلغة ونص المصدر، ومن ثم یُتوقع من المترجم أن یصل إلى مستوى منشئ النص، ویحافظ على أسلوب الکاتب الذی یترجم له وعلى ممیزات کتابته، وهذا هو عین ما نرجو أن نرصده فی النص الهدف (المترجم).

أثبتت کل دراسات الترجمة أن الوصول إلى حالة التطابق التام بین النص الأصلی بلغة المصدر والنص المترجم بلغة الهدف مستحیل([xliii])، فما من لغة تطابق لغة أخرى على کافة المستویات([xliv])، فإن اللغات لا تتفق فی دلالات مفرداتها وتراکیبها أو عدد تلک المفردات والتراکیب، ومن ثم لا یمکننا أن نلتزم بنفس عدد المفردات مع محاولة تحقیق الإفادة المعنویة بل ونقل الخصائص الجمالیة أیضًا، فهناک بعض المعانی والتراکیب التی یصعب على المترجم ترجمتها خاصة فی ظل الفوارق والممیزات اللغویة والثقافیة لکل لغة([xlv]). فإذا ما أُصِرَّ على التطابق تأثر / تشوه المخرج النهائی وشقَّ فهم الرسالة، وهذا ما نلمسه متحققًا فی النموذج محل الدراسة، إذ غلب على ترجمة المنشور الترجمة الحرفیة([xlvi]) فأضفى ذلک على النص فی بعض مواضعه رکاکة مثل :

" إذا کان شیء مودوع عند التجار الذی لم یظهر ذلک ویظهر عنده یزبط جمیع موجوده ویحصل له مزید الضرر الوافد من کل جانب لأننا إن درینا بذلک علیکم .... ".

خضعت الترجمة فی بعض مواضع من المنشور لما یسمى بـــ "الترجمة المتصرفة "([xlvii]) Traduction libre حیث لجأ المترجم إلى تطویع بعض الکلمات أو العبارات من النص الأصلی إلى النص المترجم بما یتناسب مع المتلقی([xlviii]) (أهالی رشید – المصریون)، مثال :

النص بالفرنسیة :

La Continuation De remptir les fonctions Doivent être basée sur la justue et non sur la partiatité, Des grands.

ترجمته :

یجب على الفرنسیین الاستمرار فی أداء رسالتهم التی أقیمت على العدل ولیس على التحیز للکبار.

الترجمة بالمنشور :

" ... والمداومة تکون شرعیة لا تکون بأغراض الکبار ".

استبدال کلمة " الشرع " محل " العدل " یکشف عن وعی المُترجم بالموروث الدینی والثقافی لدى المتلقى([xlix]) (المجتمع المصری) وأن الشرع أو الشریعة هی مصدر تحقیق العدل.

و:  la réligion noble Dl l'islamsá

وترجمتها إلى " الدین الإسلامی الشریف "، واستخدام کلمة "الشریف "تعبیرًا ملائمًا للحدیث عن " الدین الإسلامی ".

 

Armée D'orientو:      

وترجمتها "جیش الشرق"

ولکن کانت الترجمة المعتمدة – لیس على هذا المنشور الذی یمثله نموذج الدراسة فحسب، بل على أغلب المنشورات الإداریة الفرنسیة – " العمارة الواردة من الشرق ". حیث استخدم المترجم لفظ " العمارة " للدلالة على الأسطول البحری الفرنسی القادم من فرنسا إلى بلاد الشرق، وهو ذات اللفظ المستخدم فی میدان البحریة العربیة الإسلامیة للإشارة إلى الأساطیل والمراکب والسفن بأنواعها المختلفة([l]).

و : Mameluks  وتترجم إلى الممالیک إلا أنها تُرجمت إلى " الغز "([li]).

من مراقبة المنشورات الإداریة الفرنسیة المترجمة إلى العربیة لدى الجبرتی یلاحظ استخدام الکلمتین إما منفصلتان أو معًا مما قد یشی بوجود تمییز بینهما، مثال:

" ... فحضر الآن ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طویلة هذه الزمرة الممالیک المجلوبین من بلاد الأبازة والجراکسة یفسدون فی الإقلیم ..."([lii]).

"... نعلمکم أننا حضرنا هذا الطرف لقصد طرد الممالیک ... "([liii]).

" ... وفی یوم الاثنین نادوا فی الأسواق على الممالیک والغز والأجناد الأغراب أن یحضرون لبیت الوکیل "([liv]).

" ... وأهل الصعید طردوا الغز من بلادهم خوفًا على أنفسهم وهلاک عیالهم..."([lv]).

على الجانب الآخب یُطلق نیقولا الترک على الممالیک أکثر من اسم : " الغز"، " الممالیک الغز "، " الغز الممالیک "([lvi]) دون فاصل بـــ " الواو " مما یعنی أنهما کیانًا واحدًا.

ومن ثم لا تبریر مؤکد لدى الباحثتان حول الدافع وراء تغییر الکلمة فی الترجمة، فهو یتم وفقًا لما یتراءى للمترجم !

والآن السؤال :

ما هو تأثیر هذا التصرف / التدخل على الوثیقة المترجمة عن الأصل من ناحیة موثوقیتها القانونیة وموثوقیتها الدیبلوماتیة، نوعها ؟

السؤال بشکل آخر :

هل یعتبر هذا التدخل إحدى طرق " التزویر المعنوی "([lvii]) التی تقع على المحررات الرسمیة ؟([lviii])

إن الوثیقة ذات الثقة (الموثوق فیها )هی تلک الوثیقة التی یمکن إثبات أنها کما تدعی أنها هی والتی لم تتغیر أو تتلف فی نواح جوهریة. یتم تقییم موثوقیة الوثیقة من حیث هویتها (أی هل کتبت بواسطة الشخص الذی یدَّعی أنه کتبها ؟) وسلامتها أو نزاهتها (أی هل تم تغییرها بأی طریقة منذ إنشائها أول مرة ؟ وإذا حدث ذلک، هل هذا التبدیل غیَّر من خصائصها الجوهریة ؟)([lix]). ویستدل على ذلک عادة من الدلیل الداخلی والخارجی، متضمنًا خصائصها المادیة وهیکلها ومحتواها وسیاقها([lx]).

والتزویر أو التزییف هو الکذب المکتوب، " والکذب المکتوب " هو تغییر للحقیقة بحیث یترتب على ذلک إعطاء فهم غیر صحیح  وغیر عادل لحقائق معینة تُعد حقائق جوهریة فی هذا المحرر([lxi]). لکن لا یقصد بتغییر الحقیقة مطلق المساس بکتابة المحرر، بل المقصود المساس الذی یؤدی إلى تغییر أصل الحقیقة أوعنصر فیها فلا یُعد من هذا القبیل ما یطرأ على کتابة المحرر من زیادة أو نقص إذا لم یکن من شأنه إبدال الحقیقة کلیًا أو جزئیًا([lxii]).

ومن ثم فإن ما حدث من تغییر أو تصرف أحدثه المترجم فی النسخة المترجمة – قدمنا له – لا یُعد تزویرًا أو تزییفًا بأی حال من الأحوال، فتدخل المترجم کان لأجل تأکید المعنى وتحقیق الهدف الذی أراده منشئ الوثیقة المصدر ولم یحدث من وراءه تغییر للحقیقة.

أمَّا الموثوقیة القانونیة فقد اکتسبتها الوثیقة – النموذج محل الدراسة – من التصدیق علیها من السلطة المختصة بذلک ألا وهو ختم منشئ الوثیقة " منو " الذی نلحظه على کل من الوثیقتین الأصل والهدف " المترجمة ".

وأمَّا الموثوقیة الدیبلوماتیة([lxiii]) فهو أمر لا یمکن الحکم به إلا إذا کانت تلک الوثیقة – محل الدراسة – خرجت وفقًا للقواعد المرعیة فی تحریر هذه الوثائق لدى منشئها، وهذا یستوجب دراسة لکل وثائق الحملة للتطلع إلى سماتها الدیبلوماتیة العامة.

نوع الوثیقة المترجمة ( أصل / نسخة ) :

یُعرّف القانون الإنجلیزی الوثیقة الأصل Original document بأنها النموذج الأول التام الذی تنتسخ منه حرفیًا وثیقة أخرى. اشتمل هذا التعریف فی مضمونه على العناصر التی یجب أن تتوافر فی الوثیقة التی توصف بأنها أصلیة " original " :

العنصر الأول Primitive أی أولیة " الأولى فی الترتیب ".

العنصر الثانی Perfection أی التمام والکمال.

وهذا المصطلح Perfection من الناحیة القانونیة، الدیبلوماتیة یعنی أنها نهائیة بدون عیب أو نقص وقابلة للتنفیذ وقادرة على تحقیق کل النتائج التی یقصدها منشئ الوثیقة([lxiv]).

من الممکن أن یکون هناک أکثر من أصل لنفس الوثیقة وهذا عادة ما یحدث فی حالات الالتزام المشترک (کالعقود بین اثنین أو أکثر – المعاهدات – المفاوضات) أو حین یکون هناک أکثر من مخاطب أو جهة توجه لها الوثیقة (کالقرارات – النشرات الدوریة – الدعوات ... إلخ) على أیة حال فنحن نواجه أصول عدة لنفس الوثیقة ولکن فقط عندما تکون هذه الأصول متطابقة تمام التطابق([lxv]).

ومن ثم ووفقًا لهذا التعریف، وما قدمناه من تطابق النصان - المصدر والهدف - فنحن أمام أصلان تمم فعل الترجمة فیهما کمال الوثیقة وتمامها وأنفذها، ومهرت الوثیقتان الرسمیتان بختم منشئها.

دور المترجم فی نشأة الوثیقة المترجمة :

لا توجد وثیقة أو تصرف([lxvi]) دون منشئ لهما، فهل ما یقوم به المترجم من نقل رسالة أو نص من لغة إلى أخرى، وما یضطره ذلک أحیانًا إلى التدخل / التصرف علىالنص المصدر للحفاظ على المعنى، یجعله ذلک بشکل ما منشئا آخر للوثیقة والنص المترجم ؟

إن الحدیث عن الأشخاص المتوافقین مع تکوین الوثیقة إنما هو حدیث عن الأهلیات والمسؤولیات([lxvii]) فی حدود علاقة ذلک بالنظام القانونی للزمان والمکان المتعلق بهم([lxviii]) فلو تساءلنا تطبیقًا على النموذج محل الدراسة :

  •  من هو الشخص([lxix]) المؤهل لإنجاز هذا التصرف ؟ أو بمعنى آخر، من یمتلک السلطة على إنجاز هذا التصرف ؟
  •  من هو المؤهل لیصدر الوثیقة ؟
  •  من هو المسؤول عن التعبیر بالکتابة ؟

الإجابة عن ذلک یمکن أن توضح دور المترجم وتفسره :

فمنشئ الوثیقة هو : الشخص أو الأشخاص المؤهلون (ذوو الأهلیة) لإنشاء الوثیقة التی أصدرها / هو / هم أو صدرت بأمره / بأمرهم.

منشئ التصرف : هو الشخص الذی إرادته أنتجت التصرف.

وعادة ما یکون منشئ الوثیقة متطابقًا مع صاحب التصرف، لأن الشخص الذی أوجدت إرادته التصرف یمیل إلى أن یکون هو الشخص الکفؤ لإنشاء الوثائق المتعلقة بهذا التصرف([lxx]).

ومن ثم فإن منشئ الوثیقة والتصرف فی النموذج محل الدراسة هو " منو " فبصفته حاکمًا إداریًا مخول له سلطة إصدار المنشورات الإداریة . کما أنه هو ذاته صاحب التصرف فی الوثیقة الذی إرادته أظهرت هذا التصرف للوجود.

أمَّا کاتب الوثیقة : فهو الشخص المسؤول عن إدراک مضمون ولفظ الکتابة([lxxi]).

إذًا فالکاتب إنما یصیغ أفکار وکلام المنشئ لیصل به إلى المتلقی (المخاطب)، هکذا أیضًا المترجم فهو یصوغ أفکارًا لیست بأفکاره، وإن کان الأمر لیس بالهین حیث نجده یبذل قصارى جهده فی ألا یمس المعنى مع المحافظة على شکل النص وجمالیاته. إلا أن هذا الجهد لا یرفعه إلى مرتبة المنشئ فإن کان المترجم هو الذی یحرر أیضًا بخطه فهو فی منزلة " کاتب الوثیقة " وإذا کان المترجم والکاتب (کاتب النص المترجم) شخصان منفصلان کأن یکون المترجم یملی والکاتب یکتب ما یملی علیه فالمترجم هنا یصنف من الأشخاص  المشارکون فی تکوین الوثیقة ولهم تأثیر فقط فی فعالیتها.

الوثیقة .. دراسة ونشرًا وتحقیقًا :

أدرک بونابرت بثاقب فکره الخطة السیاسیة التی یجب إتباعها فی مصر بمجرد وضع قدمه فیها فکان علیه التخلص من الممالیک، وفیما یختص بالباب العالی فکان من الواجب التظاهر بعدم الرغبة فی التعدی على حقوق سیادته، أمَّا فیما یخص الأهالی فقد کان یدرک أنه لن یستطیع تحقیق آماله ما لم یَفُز بثقة المصریین وما لم یجتذبهم إلى جانبه([lxxii]). فی سبیل تحقیق ذلک کانت سیاسته هی التحالف والتهدئة والإخضاع والتهدید، تبین ذلک من مراسیمه العامة أو منشوراته الإداریة إلى البلاد التی یدخل علیها([lxxiii]).

حرص بونابرت بعد نزول قواته إلى الأراضی المصریة أن یسیر قواده - الذین کان یرسلهم فی حملات متوالیة لجهات القطر المختلفة للاستیلاء علیها([lxxiv]) - على نفس النهج فی الجهات التی یسیطرون علیها ویدیرونها([lxxv])، مؤکدًا علیهم بقوله :

"أنه فی بدایة تنظیم البلد یجب علینا أن نکتسب جانب الأهالی بفضل إدارة رشیدة "([lxxvi]).

نستطیع أن نتبین – من خلال ما یرصده الجبرتی – ملامح هذه الإدارة التی أرساها بونابرت منذ لحظة دخوله الإسکندریة، والأوامر والتعلیمات التی ألزم الأهالی باتباعها وحذرهم أیما تحذیر من مخالفتها. إلا أن الجبرتی یخلو من ذکر أی شیء عن رصد ملامح هذه الإدارة فی الأقالیم لحظة دخول قواد بونابرت إلیها، وإلى أی مدى اتفقت أو اختلفت عنها، ومن هنا تکمن أهمیة هذا المنشور – الوثیقة محل الدراسة – حیث أنها تمثل أول خطاب من منو – بصفته حاکمًا إداریًا على رشید – لأهالی رشید.

ذکر ما اشتمل علیه المنشور بترتیب وروده فیه :

1)         التأکید على حسن معاملة الرعیة ومحبة الفرنسیین لهم.

2)         التأکید على استمرار الفرنسیین فی أداء رسالتهم التی قوامها العدل لا التحیز لأی فئة.

3)   الفرنسیون أتوا لأجل العمار لا الخراب ولأجل راحة الرعیة ولیس لمضایقتهم وأن حمایة التجار والمزارعین والصناع واجب علیهم.

4)   على الجمیع أن یأمنوا على حیاتهم وثرواتهم بل یسعوا إلى تنمیتها، والمزارع الذی ینمی زراعته إنما هو عندهم عظیمًا.

5)         یتعهد الفرنسیون للرعیة ألا یتعرض لهم أحد بالسرقة.

6)         قریبًا، سیصدر أمرًا جدیدًا فیما یخص رفع مظالم الناس وإلى حینه یبقى الحال کما هو علیه.

7)   على جمیع المشایخ أن یعلموا الإدارة الفرنسیة بکل ما یملکه الممالیک من أراضی ومنشآت وحدائق ومواشی وکذلک کل ما یدینوا به للدولة، ومَنْ یقم بإخفاء معلومات عن ممتلکات أو مستحقات حتى لو کانت مؤجلة تتم مصادرتها منه ویعاقب بعقوبة شدیدة.

8)         على جمیع المشایخ حمایة الأراضی والمزارع المؤجرة من الممالیک بقدر المستطاع ودفع مستحقاتها للفرنسیین.

9)   على جمیع مشایخ القرى الواقعة على ضفاف النیل حمایة المراکب العابرة بالقرب من شواطئهم، وفی حالة حدوث مکروه لأحد المراکب لدى عبوره عند قریة ما یکون شیخ القریة مسؤولاً عن ذلک، کما یجب علیه تسلیم أی شخص یقوم بأی عمل عدائی للقائد الفرنسی.

10)    على جمیع المشایخ والقضاة والأئمة وأصحاب الوظائف أن یقسموا یمین الولاء وعدم الخیانة للحاکم الفرنسی.

11)  حمایة الدین الإسلامی الشریف واجب علیهم (أی الفرنسیون)، کذلک الأدیان الأخرى لأن الله لم یمیز بینهم ولم یحتقر أیًا منهم.

12)  القوات الفرنسیة فی حاجة إلى مخزون غذائی من جاموس، غنم، أبقار، أرز، شعیر، تبن، فول، عدس وخضروات تکفی لمدة ثلاثة شهور من الآن. سیقدم ذلک رشید والبلاد التابعة لها، کل أحد بقدر مقدرته، ومَن یقدم شیئًا یُعطى إیصالاً مختومًا لیخصم من أصل ما علیه من أموال.

13)  یجب على نفس هذه القرى والتی تقع غربی النیل تقدیم أربعمائة فرسًا صغیرًا مناسبًا لأجل استخدامهم فی ترحیل العرب وبذلک یتحقق أمن الأهالی.

14)  یجب أن یتواجد جمیع المشایخ فی مثل هذا الیوم (السبت) من الأسبوع القادم فی مدینة رشید للمثول أمام القائد الفرنسی والتعرف علیه وتلقی الأوامر منه.

15)    فی النهایة على جمیع المشایخ حمل الرایة الفرنسیة.

 

التعلیق على ما ورد بالمنشور :

1 ) یُدلل البند الرابع عشر على أن هذا المنشور هو أول ما یصدره " منو " بصفته حاکمًا إداریًا مخاطبًا به أهالی رشید حیث یدعو فیه " منو " جمیع المشایخ للمثول بین یدیه للتعرف علیه وتلقی الأوامر منه.

2 ) تماثلت السیاسة المحلیة التی وضعها " منو " فی بدایة تنظیمیة لشؤون البلاد مع تلک التی وضعها " بونابرت " لخطة دخوله الإسکندریة وکذلک القاهرة، نلحظ منها فی هذا المنشور مما أتى ذکره :

‌أ)    مسألة تأمین الرعیة على حیاتهم وأموالهم، وإظهار الفرنسیین بمظهر الأصدقاء المحبین، وأنهم ما أتو إلا لرفع الظلم لأن رسالتهم قوامها العدل، احترام الدین الإسلامی وسائر الأدیان الأخرى([lxxvii]).

‌ب)    مصادرة جمیع ممتلکات الممالیک وتهدید من یخالف الإبلاغ عن هذا الشأن بالعقاب الشدید([lxxviii]).

‌ج)  الحرص على جمع خیل مناسبة لحاجة القوات الفرنسیة إلیها، ولاستخدامها فی ترحیل العرب فیتحقق الأمن والأمان للرعیة.

مثلت الجمال والخیول موارد حیویة کان لابد من تأمین توفیرها للجیش إتفاقًا([lxxix]) أو غصبًا وعدوانًا من لحظة دخول الفرنسیین وطوال فترة تواجدهم،        فنقرأ :

بونابرت عضو المعهد الوطنی، القائد العام

مرکز القیادة على سطح " الأوریان " 24 یونیو 1798([lxxx]).

م3: کافة الجیاد یتم الاستیلاء علیها ویتم تسلیمها لرئیس فیلق الفرسان والذی علیه توزیعها على الجنود ولهذا الغرض فهم یحملون معهم الألجمة.

م6: الجمال سوف یتم استئجارها ووضعها تحت أمر قائد المدفعیة، وتلک التی ستؤخذ من الممالیک أو تؤخذ من العدو ستستخدم فی نقل المدفعیة والذخائر.

م10: الخیل والجمال التی تُستولى علیها بعد معرکة أو قتل([lxxxi]) مَنْ کان یرکبها سوف یتم وضع ثمن لها .... 4 قطع لویس ذهبیة للفرس الواحد، ستة للجمل.

ونقرأ فی خطاب آخر بتاریخ 9 ترمیدور / 27 یولیو 1798 :

من بونابرت عضو المجلس الوطنی والقائد العام إلى قائد فیلق کلیبر سوف تجد رفق هذا أیها الجنرال المواطن نسخة من التنظیم المؤقت لمصر

بند 4 : علیک أن توصی بجمع کافة الخیل لسلاح الفرسان([lxxxii]).

بند 5 : أرجو اتخاذ کافة الإجراءات الکفیلة بالإبقاء على الهدوء والنظام السلیم.

3 ) إقرار النظام الإداری السابق فیما یخص استقبال مشاکل الرعیة، التنویه عن قرب إعلان تنظیم جدید فی هذا الشأن([lxxxiii]). یُقصد بذلک " دواوین الأقالیم ".

4 ) التأکید على التزام جمیع مشایخ القرى([lxxxiv]) / البلاد بمهمتی الجبایة والحمایة المعتادون القیام بها، وعلیهم خصوصًا الالتزام بجمع الأموال المستحقة من أرض الممالیک المؤجرة وتسلیمها للإدارة الفرنسیة، وکذلک الحمایة الأمنیة للطریق النیلی([lxxxv]) ومسؤولیتهم الکاملة أمام الإدارة الفرنسیة عن أی جرم أو حادث یقع.

5 ) نصت المادة الثالثة من بیان " التنظیم المؤقت لمصر" الذی أصدره بونابرت فی 27 یولیو 1798 على " ... تحصیل الضرائب المیری وضرائب الفدان وکافة الإیرادات التی کانت فی السابق للممالیک والتی أصبحت الیوم تخص الجمهوریة... "([lxxxvi]).

ویأتی البند الثانی عشر – السابق عرضه فیما تضمنه المنشور – لیؤکد على التزام الحاکم الإداری " منو " بتنفیذ هذا الأمر التنظیمی أولاً فی بیانه الأول لأهالی مقاطعته التی یحکمها ویدیرها.

ولیؤکد على اعتماد الفرنسیین فی تدبیر شؤونهم وسد حاجة حملتهم فی هذه البلاد على موارد القطر الداخلیة([lxxxvii]).

یوضح هذا البند نوع الضریبة المتحصلة وهی أحد أنواع الضرائب المکونة لمال الکشوفیة المقررة على الفلاحین المسماة " مطالب حاکم الولایة "([lxxxviii])، وهذه المطالب على الدوام عینیة، تُبلغ کل قریة بالجزء الذی علیها أن تدفعه وهی ضریبة غیر محددة. وکما هو واضح من نظام تحصیلها بهذا البند أن مَنْ یقدّم على قدر مقدرته یأخذ بما دفعه وصلاً مختومًا لیخصم من أصل ما علیه من أموال أخرى مقررة علیه.

6 ) شکل الاهتمام بالجانب الاقتصادی للبلاد (زراعة – صناعة – تجارة) أمرًا ضروریًا وحیویًا للحملة، لیس لسد احتیاجاتها من موارد البلاد الداخلیة فحسب وإنما لدعم أرکان المستعمرة المزمع تأسیسها فی مصر، فجاء تشجیع المزارعین على تنمیة زراعاتهم (بند 4 فی المنشور) والعنایة التی قدمتها الدولة فیما بعد لمشاریع الری وإصلاح الأراضی واستنبات المحاصیل الجدیدة مسایرة لتحقیق هذا الهدف([lxxxix]).

7 ) إلزام المشایخ والعلماء بحلف یمین الولاء للحاکم الفرنسی إنما یعکس إدراکًا لقیمة تأثیرهم على الشعب فإذا خضعوا هم، خضع لهم الشعب – کما یعتقد -([xc]).

 

من الجمهور الفرنساوی([xci])العمارة الواردة من الشرق

 حریة           ومساویه([xcii])

 

          العمود الأول                                         العمود الثانی

1)  من صارى عسکر منوه([xciii]) حاکم رشید([xciv]) وإقطاعها

 

1)  جمیع المشایخ وأصحاب الوظایف بأن یحلفو

2)  بأن کامل الرعایا یکونوا فی حالهم مثلما کانو([xcv])

 

2)  بالأمانة أعنی عدم الخیانة إلى الفرنساویة

3)  وإنما الکبار یعاملو الصغار مثل الأب إلى

 

3)  وهم المشایخ والقضاة والأیمة من قبل الدین

4)  ابنه بکل محبه ولا یکون بالظلم والجزر([1])

 

4)  الإسلامی الشریف هذا واجب علینا حمایته

5)  بغیر طریقة والمداومة تکون شرعیة لا تکون

 

5)  وکذلک نحمی جمیع الأدیان لأن الله راید بهم

6)  } لا تکون {بأغراض الکبار

 

6)  فی ملکه لم یمکن نحتقر أحد منهم

7)  الفرنساویة حضرو لأجل العمار ومعونه

 

7)  والآن لازمنا القومانیة إلى المعسکر جاموس

8)  الرعایة لا لأجل ظلم ولا زجر مخلوق إنما

 

8)  غنم بقر أرز شعیر تبن فول عدس وذلک

9)  لأجل حمایة التجار والمزارعین والصنایع

 

9)  ثلاثة أشهر بتوع الترویج وذلک نطلبه من جمیع

10)  جمیعها وجمیع الناس کبار وصغار یتهنى

 

10)  البلادد التابعین رشید کل أحد }کل أحد{قدر

11)  فی ماله ورزقه ویزید على قدر إمکانه لأن

 

11)  مقدرته ویاخد بیده وصول([2]) مختوم من أصل

12)  لم أحدا یتعرضه فی شیء أبدًا فی نصف فضه

 

12)  الأموال الذی علیه وکذلک مطلوبنا الآن

13)  واحد وکلمن زاد فی الزراعة هذه یسمى

 

13)  أربعمایة حصان من البلاد المذکورین یکونو

14)  عظیمًا عندهم لازم بعد تاریخه یتجدد

 

14)  خیل مناسبین وصغار وذلک أبلغهم من

15)  أمر إلى راحة الناس جمیعًا فی رفع المظالم

 

15)  البر الغربی لأن مقصودنا بهم ترحیل العرب

16)  وإنما بتاریخه کل شی على ما هو علیه لحین

 

16)  وکذلک لأجل أمن أهالی البلاد ونخبرکم

17)  تجدید الأمر المذکور جمیع ملزومین

 

17)  بأن جمیع مشایخ البلاد تحضرو فی رشید

18)  بأن یظهروا جمیع أماکن الدولة الذی فضیة

 

18)  یوم السبت لا فی مثل الیوم لأجل ینظروا

19)  من أراضی وزرعه وجناین وبهایم وأماین

 

19)  ویعرفو الأحکام الذین یأمروهم راضین

20)  والذی علیهم للمذکورین وإن کان شی

 

20)  ملزومین الجمیع یحلموا([3]) النشان الفرنساوی([xcvi])([xcvii])

21)  مودوع عند التجار الذی لم یظهر ذلک

 

 

22)  ویظهر عنده یزبط جمیع موجوده ویحصل

 

 

23)  له مزید الضرر الوافد من کل جانب لإننا

 

 

24)  إن درینا بذلک علیکم وملزومین جمیع المشایخ

 

 

25)  بأن الذی مأجرین محلات الغز المذکورة

 

 

26)  بأن یخدموها بکل اجتهاد ویدفعو الأموال

 

 

27)  بید المتولی من الفرنساویة([xcviii]) جمیع

 

 

28)  المشایخ القاطنین بجانب البحر ملزومین

 

 

29)  فی حمایة المراکب الشاردة والواردة علیهم

 

 

30)  کل منهم فی قدر محلاته والذی یحدث له أمر

 

 

31)  من بلده یکون شیخ البلد ملزوم فیها ویحوش

 

 

32)  أولاد الحرام یسلمهم لید الحاکم وجمیع

 

 

33)  المشایخ ملزومین تمنعو الذین یقومون على

 

 

34)  بعضهم بآخر جزر والمنع الکلی وکذلک