" نظرية التظاهر الفني عند جريجوري کيوراي "

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد الفلسفة الحديثة والمعاصرة ورئيس قسم الفلسفة - کلية الآداب - جامعة الفيوم

المستخلص

نظرية التظاهر الفني هى إحدى النظريات الفنية التى تعبر عن فعالية الخيال فى السينما والأدب، وهى النظرية التى تکشف عن دور العوامل الذهنية لدى الفنان / المتلقي، حيث يرتبط التظاهر الفني بحالة الميتا- تمثيلية، والخيال التظاهري. وتتصف النظرية بالواقعية، والتمثيلية، والتعددية، وهو ما يفسر التجريبية الجمالية لدى کيوراي، وبالتالى تختلف نظرية التظاهر الفني عند الفيلسوف عن حالات الادعاء الفني.

الكلمات الرئيسية


حدود الدراسة :

التجریبیة الجمالیة هى فلسفة واقعیة فى اهتمامها بالتجربة ، وتحدید الخصائص الادراکیة فى الشکل الفنی الظاهری .

عملیة التظاهر الفنی هى بنیة فنیة – تجمع بین الاعتقادات، والرغبات ، والتخیلات ، وتکون ذات دور وظیفی جمالی معرفی .

الادعاء هو عملیة قصد منح التظاهر الخاص بعمل شیء ما ، وفى الواقع لایقوم الشخص بهذا العمل . وبالتالی ، قد ینتج التظاهر عن الادعاء بینما لا ینتج الادعاء عن التظاهر .

أفعال التظاهر هى أفعال تواصلیة غیر تعبیریة والتى تعکس وجود مقاصد خیالیة لدى الفنان مما یجعله یتظاهر بأن أدائه وقصته حقیقیة

مقدمة:

یقول جریجوری کیورای G. Currie (1950-   ) :"عن طریق وسائل الرؤیة، تقدم لنا الکامیرا الأشیاء وکأن أعییننا لم ترها من قبل؛ مثل رؤیة رئیس الوزراء فى التلفاز. ففى هذه الحالة، أتظاهر بأننی أحدد مکان الشخصیات، کما أننی عندما أشاهد فیلمًا وثائقیًّا لأحداث فعلیة فى أماکن وأزمنة مختلفة، تجعلنی أنتقل من مکانی وزمانی لمکان وزمان أخرىن. تکون وجهة نظری – إذن – مُعْتَقَدَا بها بوصفها وجهة نظر محددة بالکامیرا التى سجلت هذه الأحداث ...

وعن طریق ما نراه، فإننا نرى على خشبة المسرح أو على الشاشة شخصًا – یتحرک بطریقة فعلیة، هذا الشخص یلعب شخصیة، وهذه الحرکات – تتحدد کجزء من محتوى المسرحیة أو الفیلم، وبالتالى فنحن نتظاهر بهذا المحتوى ...

وفى الروایة، فإن ما نتظاهر به إنما یعتمد على ما نقرأه، والقراءة -هنا- لیست موضوعًا للرؤیة؛ فإننی أرى الممثل – یتحرک عندما أتظاهر بأن الشخصیة تتحرک فعلیًّا، ومن ثم توجد علاقة ارتباطیة بین حرکات الممثل والحرکات التى أتظاهر بها.

... وفى کل الأحوال، تتطلب بعض القواعد أن یقوم المشاهد بدور المنقّح للأحداث، ومراجعة المعلومات المکتسبة منها، حتى یندمج فى المشهد، وهو ما یُعرف بدعوة المشاهد إلى إعادة بناء القصة وأحداثها، الأمر الذی یتطلب حالة من التظاهر."([i])

نظریة التظاهر هى نظریة فنیة – تؤکد على العلاقة الارتباطیة بین شخصیات العمل الفنی، بین المؤلف أو المخرج الفنی ومتلقی العمل الفنی من خلال البنیة الأنطولوجیة للعمل، وما تتضمنه هذه البنیة من شخصیات خیالیة. حیث یتظاهر المؤلف بأنه یعبر عن حقیقة ما، ویتظاهر المتلقی بأنه یدرک هذه الحقائق، وتتظاهر الشخصیات الخیالیة فى العمل الفنی بأنها تقوم بأدوار فعلیة فى الحیاة. وفى کل الأحوال، تدرک هذه العوامل خیالیة العمل الفنی.

ومادام العمل الفنی هو الوسیط الذی یجسد موضوع التظاهر، إذن یصبح هذا الوسیط بما یتضمنه وقائع فعلیة. وفى هذه الحالة، یکون التظاهر الفنی حقیقیًّا، ویکون قابلًا للصدق الخیالی عن طریق عملیات الاستدلال، ومن ثم یکون محلًا للأحکام الجمالیة.

تمتد نظریة التظاهر الفنی -فلسفیًّا- إلى سقراط وأفلاطون. حیث تظاهر سقراط بشخصیة الجاهل الذی لا یعرف الحقیقة، ومن ثم أخذ یسأل غیره من الذین تظاهروا بأنهم ملاک الحقیقة المطلقة، وعن طریق منهجه فى التهکم والتولید حاول سقراط تولید الحقائق الکلیة الثابتة، وهو ما یُعرَف بالتظاهر المعرفی.

وأما أفلاطون فقد ظهرت نظریته فى التظاهر داخل کل محاوراته الفلسفیة، وهى المحاورات التى تجسد البنیة الفعلیة للعمل الفنی الذی یقوم بأدائه مجموعة من الشخصیات التى یتظاهر کل منهم بحالة معینة، وهو ما یعرف بالتظاهر المیتافیزیقی.

ولقد ظهرت نظریة التظاهر الفنی – من الجانب السیکولوجی – فى القرن العشرین، وبخاصة بعد انتشار مرض التوحد autism بین الأطفال، مما دفع البعض إلى اعتبار نظریة التظاهر طریقة من الطرق العلاجیة التى تمکِّن الأطفال من مشارکة الأخرىن فى الواقع، وهو ما یعرف بالتظاهر السیکولوجی العلاجی.

وهکذا، تتعدد أنماط نظریة التظاهر فیما بین التظاهر المعرفی، والتظاهر المیتافیزیقی (الوجودی)، والتظاهر النفسی، إلى جانب وجود حالة من التظاهر الاقتصادی التى یتظاهر فیها البعض باتخاذ إجراءات الإصلاح الاقتصادی، ویتظاهر أیضًا آخرون بمعقولیة الأسعار، واستقرار الأمور الاقتصادیة، إلى جانب التظاهر السیاسی الذی یتظاهر فیه المسؤولون باستقرار البیئة السیاسیة، وتحقیق العدید من الإنجازات والإصلاحات.

ومن ثم، فى ظل تعدد أشکال التظاهر، تبقى نظریة التظاهر قائمة ببنیتها الأنطولوجیة وعواملها المکونة، وغایتها العملیة، ثابتة. ففى کل الحالات، یکون الخیال هو أساس عملیة التظاهر، ویکون التظاهر مرتبطًا دائمًا بالأداء الفعلی real performance، ویستند هذا الأداء على محتوى العمل، من أجل الکشف عن الحالة الذهنیة التى تقف وراء عملیة التظاهر، التی یتظاهر الشخص بها بوصفها حقیقة، ویتظاهر أنه یعرف أیضًا أنه یتظاهر بالحقیقة.

تعد نظریة التظاهر، إذن، نظریة فنیة معاصرة –  تمتد بجذورها إلى حالة التظاهر المعرفی عند سقراط، نظرًا لوجود حاجة معاصرة إلیها بوصفها وسیلة – تکشف للمتلقی عن حقیقة البنیة المعرفیة فى الخبرة الفنیة، وأیضًا وسیلة للارتقاء بقدرات الإبداع والذوق الفنی. الأمر الذی یفسر، اهتمام عدید من فلاسفة الفن والسیکولوجیین المعاصرین بها، أمثال: جون سیرل * J.Searl (1932-     ) ، وکیندال والتون**  K.Walton (1939-   )، وجون بری§  John Perry  (1943-      ) وإدوارد زالتا¨ Edward N.Zalta (1952-  )، وآلان لیسلی*AlanM. Leslie .

وأما جریجوری کیورای فهو أستاذ الفلسفة بقسم الفلسفة، جامعة یورک York، فقد تعلم بمدرسة الاقتصاد فى لندن، وجامعة کالیفورنیا- بیرکلی Berkeley، ثم انتقل إلى جامعة سیدنی بأسترالیا حتى أصبح زمیلًا فى الأکادیمیة الأسترالیة للإنسانیات، ثم رئیسًا للجمعیة الأسترالیة فى الفلسفة، حتى أصبح أستاذًا للفلسفة وباحثًا فى الإنسانیات حتى عام 2013، ثم أصبح أستاذًا وعمیدًا لمدرسة الآداب فی جامعة فلندرز- أدلیدا Flinders - Adelaide University، ثم التحق بقسم الفلسفة بجامعة نوتنجهام Nottingham ([ii]).

ویعد کیورای فیلسوفًا جمالیًّا موسوعیًّا؛ حیث قدم عدیدًا من المؤلفات، والمقالات التى تجسد عمقه الفلسفی، وولعه الجمالی. فمن جانب، یعد اهتمام کیورای بالفن القصصی بمثابة إعلانه عن المبادئ الجمالیة التى یتبناها، حیث یقرر الفیلسوف جوهریة الزمانیة فى إبداع العمل الفنی وتذوقه، وعلاقة الزمانیة بنظریة الأنماط التى تؤول إلى نظریة التظاهر الفنی، إلى جانب ترکیزه على العلاقة بین المؤلف والقارئ عن طریق النص؛ الأمر الذی یفسر مؤلفه: "الحکایات والرواة: فلسفة القصص" عام 2010 الذی یذکر فیه: "تعد القصص إنتاجًا خاصًّا بالعامل (المؤلف)، وهى وسائل تواصلیة من شخص لآخر، وبالتالى تمثل الحکایات قصصها بطریقة خاصة براویها."([iii])

وینصب اهتمام کیورای على فلسفة الجمال، وبخاصة تحلیله لطبیعة الخیال، من خلال مؤلفه: "طبیعة الخیال" عام 2008 الذی یکشف فیه عن دور التخییل fiction فى عملیة التظاهر الفنی؛ مما یفسر اهتمامه بالأداء الفنی الخاص بعوامل الخبرة الفنیة، فیقول: "الوجود فى الخیال لیس طریقة أو أسلوب فى الوجود ... فالوجود فی الخیال – یتم إبداعه من خلال فعل الدلالة المتظاهر به."([iv])

ولم یعد اهتمام کیورای بنظریة التظاهر فى الجمالیة التجریبیة قائمًا فقط على مبادئ جمالیة خالصة، ولکنه یحرص على التعمق فى داخل البنیة العمیقة للذات الإنسانیة، وهى بنیة معرفیة – تتکون من الاعتقادات، والرغبات، والتخیلات، والتى تعد مقومات أساسیة فى نظریه التظاهر. حیث یحرص الفیلسوف على تقدیم نظریات جمالیة – تقدم نوعًا من المعرفة الجمالیة، وهی المعرفة التی تجد أدلتها فی أعمال الفن الموضوعیة. وفی هذه الحالة، یؤکد الفیلسوف على العلاقة بین المؤلف والمتلقی عن طریق تظاهر کلا منهما بمعرفته الحالة الذهنیة للآخر، وهو ما یفسر اهتمامه بتحلیل العلاقة بین الفیلم والفلسفة والعلم المعرفی فی مؤلفه: "الصورة والعقل" عام 1995، الذی یقول فیه:" فالقدرة على التظاهر هی شیء ما نحن نطبقه على الأعمال الخیالیة، وبالتالی یکون للتظاهر وظیفتان مختلفتان أحیانًا".([v])

وبالتالی ، یقرر کیورای أنطولوجیة العمل الفنی، وهی أنطولوجیة الخصائص التی یقسمها الفیلسوف إلى خصائص جوهریة (کالبنیة)، وخصائص غیر جوهریة (کالتاریخیة)، وکلاهما خصائص موضوعیة – ترتبط بظاهر العمل الفنی، وهو ما یؤکد تجریبیته الجمالیة، وتعد هذه الأنطولوجیا الفنیة دعامة رئیسة لکل نظریات الفیلسوف: نظریة الخیال، ونظریة الأنماط ، ونظریة الأداء، ونظریته موضوع البحث، وهی نظریة التظاهر الفنی، یقول الفیلسوف فی مؤلفه: "أنطولوجیا الفن" عام 1989 : "وإننی أثبت أنه یوجد تأمل للنظامین: التطابق والوحدة، حول الطریقة التی ترتبط بها أعمال الفن مع بعضها البعض، ومع الأشیاء الأخرى. حیث یوجد شیء مشترک یجمع أعمال الفن، وهو المقولة التی نفهمها عن طریق الفلاسفة، المقولة اللاأنطولوجیة الطبیعیة."([vi]) Natural Ontological Category 

وهکذا، تفیض مؤلفات الفیلسوف بالأفکار الفلسفیة والجمالیة، وهی أفکار بنائیة مترابطة معًا، وفی نفس الوقت تتوج هذه المؤلفات بالعدید من المقالات المتنوعة أیضًا؛ ومنها:

-      مقالة فى:" التخییلات المرئیة " عام 2014.

-      مقالة فی: "الفن الواقعی، والفن الممکن، وتعریف الفن" عام 2010.

-      مقالة فی: "حقیقة الخیال" عام 2010.

-      مقالة فی: "بعض الطرق فى فهم البشر" عام 2008.

-      مقالة فی: "جوانب القصة معًا: تفسیر الأحداث فى السردیة" عام 2007.

إلى جانب عدید من المقالات الأخرى التی تؤسس نظریته فى التظاهر عن طریق کشف علاقة النظریة المختارة بطبیعة الفن، والخیال والتخییل فی مختلف الفنون: الموسیقى، والأدب، والسینما.

فمن جانب، یؤکد کیورای على أن الموجودات الإنسانیة تکون متساویة فی أمرین؛ وهما: أولًا – هى المخلوقات الوحیدة التی تصور العلاقات الواضحة للخیال Unambiguous Signs of imagination، وهی المخلوقات الوحیدة التی تعیش مرحلة الطفولة التی یکون فیها التظاهر باللعب واضحًا، وقابلًا للإدراک. الأمر الذی یوضح کیف یقرر کیورای حقیقة وجود عملیة التخیل وراء حالة التظاهر، ویوضح أیضًا وحدة بنیة التظاهر الفنی فی مختلف المراحل العمریة. حیث یرتبط الأمران؛ فعندما یبدأ مفهوم التظاهر بوصفه شیئًا ما مرتبطًا بالتخیل، فربما یکون للأطفال اعتقادات ورغبات مثل الکبار، وهو ما یکفی للحث على الأفعال التی نصفها بالتظاهر عن طریق فعل ما، وتکون أشیاءً مختلفة؛ فالطفل الذی یرغب فى التظاهر بشیء ما هو F، فإنه یتظاهر عن طریق خیالاته O الخاصة بالموضوع X.

وبالتالی، توجد علاقة ارتباطیة بین تخیلات الأشخاص وأفعالهم الخاصة بالتظاهر، وهو ما یؤکد على فعالیة دور الخیال فی تفسیر التظاهر من جانب، ویؤکد أیضًا على وجود الاعتقادات والرغبات التی تدفع الشخص نحو التظاهر، وبناءً علیه تکشف عملیة التظاهر عن بنیة الحالة الذهنیة للأشخاص، وهنا تتحدد قیمة نظریة التظاهر فی أنها تساعد الشخص على فهم العملیات الذهنیة للشخص الآخر الذی یکون فى موقف فعلی ما، بدون الحاجة لوجود أیة علاقة سببیة أولیة  The Causal Chain be initiated بین المتظاهر والموقف الفعلی، من جانب آخر.

ففى نظریة التظاهر عند کیورای، یعرف المتظاهر أن خیاله کاذب، وفی الوقت نفسه یکون التظاهر وسیلة معرفیة، وبخاصة عندما یرتبط المتظاهر بأصل الواقعة المتخیلة، وهو ما یعرف عند کیورای بجذور الواقعة a background of fact؛ فالتخیل هو تخیل شیء ما واقعی بصورة غیر واقعیة، التی یدرکها الشخص فی التظاهر، ثم یتظاهر الشخص – فی مرحلة أخرى- بشیء آخر أکثر تخیلًا، وفی هذه الحالة، یحدث نوع من المغالاة Exaggeration، هذه المغالاة هی التی یکتشفها المتظاهر عن طریق الخیال، فیدرک موقف العقل من الموضوع X.

وهکذا، تکون نظریة التظاهر الفنی وسیلة للمعرفة الأخلاقیة، حی یمکن للمتلقی فی سماعه لعمل فنی ما، أو فی رؤیته لحرکة الممثلین على خشبة المسـرح، أو فی مشاهدته لأحداث الفیلم السینمائی، أن یکتشف مجموعة من القیم الأخلاقیة عن طریق فعالیة الخیال. الأمر الذی یفسر، طبیعة عقلانیة المتلقی، وهی عقلانیة عملیة – تساعده فی تکوین اعتقادات ورغبات جدیدة، بحیث تُمکِّنه الأخیرة من تکوین قرارات ذاتیة یتم ترجمتها بالفعل فی الواقع عن طریق عملیة التظاهر بأداء فعل ما.

وفی هذه الحالة، ترتبط عملیة التظاهر الفنی بالعملیة الخاصة بالمیتا-تمثیلیة أکثر من ارتباطها بالتمثیل فقط؛ حیث ترتبط نظریة التظاهر فی حالة التمثیل بمضمون العمل الفنی فقط، وهو المضمون الذی یؤکد على أن العمل الفنی- یمثل موضوعات واقعیة بدون الحاجة إلى البحث عن الحالة الذهنیة سواء للمؤلف الفعلی أو المؤلف الخیالی، أو البحث عن الشخصیات الفنیة الفعلیة أو الشخصیات الخیالیة، فی حین تتحقق الغایة الأخلاقیة فی نظریة التظاهر عند ارتباطها بالمیتا- تمثیلیة، وبخاصة عندما تکشف المیتا- تمثیلیة عن فعالیة الاعتقادات والرغبات بجانب الخیال فی نظریة التظاهر، وهو ما یفسـر 

حالات الاتفاق والاختلاف بین: کیورای، وکیندال، ولیسلی وغیرهم...

ففی نظریة التظاهر الفنی عند کیورای، یمکن للمرء أن یستدل على اعتقادات المؤلف ورغباته عن طریق تطویر کلمات النص وما یتضمنها من معانی، وبناءً علیه یصل المتلقی إلى قراراته بخصوص ما یکون حقیقیًّا – بالخیال – بدون الاعتقاد بالنص، ولکن عن طریق التظاهر بأنه یکون حقیقیًّا.

ومن ثم، تصبح نظریة التظاهر نسقًا رمزیًّا، یتکون هذا النسق من عدة رموز ذات معانی مختلفة، بحیث تساهم هذه الرموز – مختلف الموضوعات والأفعال – فی إثراء المعنى. وفی هذا السیاق، یتضح کیف یقرر کیورای فعالیة العقل وبخاصة عندما یکون منتجًا للأحداث الذاتیة، وعندما ینتج أیضًا الأحداث الموضوعیة. مما یفسر الوظیفة السیمیوطیقیة الخاصة بالبنیة الرمزیة لنظریة التظاهر الفنی، وهی الوظیفة الخاصة بالتواصل التخییلی. Fictive Communication

وفی هذا المقام، یهتم کیورای بتطبیق نظریة التظاهر الفنی فی مختلف الأعمال الفنیة الخیالیة، فی حین یؤثر الباحث تطبیقها فی الأدب (القصة) والسینما. وفی الحالتین، یکون العمل الفنی نمطًا للفعل. ففی الأدب، تکون البنیة سلسلة من أنماط الکلمة، وفی الموسیقى تکون البنیة سلسلة من أنماط الصوت، وتکون بنیة التصویر هی بنیة الأشکال الملونة، وتظهر بنیة الفیلم فی جملة الصور والحرکات المتتابعة.

ففی فن القصة، یمثل تتابع العملیات الذهنیة المصاحبة لأحداث القصة مصادر للتظاهر. حیث یمکن للقارئ أن یضع نفسه فى موضع المؤلف معتقدًا بأنه الشخص الذی أبدع النص، ثم یسأل نفسه عن مقاصد القصة التی أدت به إلى کتابتها، ثم یتظاهر القارئ بذلک، مقارنًا بینه وبین المؤلف حتى یکون تظاهره کافیًا لتقدیم تفسیر مناسب للعمل الفنی، ولکن فی الحقیقة یکون التظاهر ضروریًّا، ولیس کافیًا فى عملیة التفسیر.

وأما الفیلم فهو وسیط تصویری a pictorial medium، بحیث تکون صور الفیلم واقعیة realistic؛ بمعنى أن المشاهد- یدرک محتویاتها التمثیلیة بنفس الطرق التى یدرک بها وقائع العالم، وبالتالی لا یعد التمثیل السینمائی للفیلم وهمیًّا. وفی هذه الحالة، یتظاهر المشاهد بحقیقة أحداث الفیلم على الرغم من ثقته فى کونها أحداث خیالیة، إلّا أن صدقها – یستند على حقیقة اعتقاده بأن العمل خیالی.

وهکذا، تتحدد أهمیة البحث فی نظریة التظاهر الفنی عند کیورای بوصفها محاولة خاصة بتقدیم تفسیرات على عدة تساؤلات ومنها:

1-    ما مفهوم التظاهر الفنی؟

2-    کیف تمیز بین مفهوم التظاهر والمفاهىم الأخرى؛ مثل: مفهوم الادعاء Make-Believe، ومفهوم التقلید Simulation؟

3-    هل یمکن تحدید عوامل التظاهر الفنی؟

4-    ما حدود نظریة التظاهر؟

5-    ماذا عن نظریات التظاهر الفنی؟

6-    کیف یبدو التظاهر کبنیة رمزیة؟

7-    ما الافتراضات التى تقوم علیها نظریة التظاهر؟

8-    لما یعد منهج التظاهر استدلالیًّا؟

9-    هل توجد علاقة بین فلسفة الخیال ونظریة التظاهر؟

10-    کیف یمکن تطبیق نظریة التظاهر فى الأدب والسینما؟

وفى هذا السیاق، یعتمد الباحث على خصائص المنهج التحلیلی بوصفه منهجًا تحلیلیًّا نقدیًّا مقارنًا.

یظهر المنهج فى بعده التحلیلی من خلال تحلیل نصوص بعض مصادر الفیلسوف، وتحلیل اتجاهه الفلسفی الذی یتمثل فى التجریبیة الجمالیة، وتحلیل مواقفه الفلسفیة بدقة حتى یتم تحدید ملامح موقفه من نظریة التظاهر.

وأما المنهج فى بعده النقدی، فهو یعد محاولة فى تقییم نظریة التظاهر لدى الفیلسوف من خلال تحدید حالات القوة وحالات الضعف فى النظریة، وهى محاولة لتطویر رؤیته فى التظاهر عن طریق تنقیح مناط النقص فیها، بجانب التعرف على موقف الفیلسوف النقدی من غیره من الفلاسفة، بالإضافة أیضًا إلى إعلان الباحث عن رؤیته الخاصة الموضوعیة سواء فى نظریة التظاهر الخاصة لدى کیورای، أو فى السیناریو الجدلی بینه وبین غیره من الفلاسفة.

وأما المنهج بوصفه مقارنًا، فهو یتضح من خلال مقارنة آراء الفیلسوف بغیره من الفلاسفة المعاصرین دون مراعاة البعد التاریخی فى التحلیل والمقارنة اعتقادًا من الباحث بتعایش الفلاسفة معا.

ومن ثم، یقسم الباحث هذا العمل – وفقًا للمنهج التحلیلی النقدی المقارن- إلى مقدمة وثلاثة محاور رئیسة وخاتمة مزیلة بهوامش البحث التى تتضمن مجموعة من مصادر الفیلسوف: مؤلفات ومقالات، وأهم المراجع الأجنبیة فى نظریات التظاهر.

ففى المقدمة، یتناول الباحث أهمیة البحث فى نظریة التظاهر عند جریجوری کیورای، وتساؤلاته، والمنهج المستخدم والذى على أساسه یتم تجرید البحث.

وأما المحور الأول، وعنوانه:" ماهىة التظاهر الفنی"، وفیه یتم تحدید الاتجاه الجمالی عند کیورای، وتحدید مفاهىم التظاهر الفنی من خلال المقارنة بین مختلف المفاهىم المستخدمة فى عملیة التظاهر، وتحدید طبیعة التظاهر الفنی عن طریق تحدید الخصائص الرئیسة فى النظریة وحدودها الخاصة.

وأما المحور الثانی، وعنوانه: "البنیة الأنطولوجیة فى نظریة التظاهر"، حیث یمکن تحدید أهم الافتراضات التى تقوم علیها النظریة، وهى افتراضات أساسیة، وافتراضات ثانویة، إلى جانب تحدید بعض طرق التظاهر بوصفها مناهج تطبیقیة للنظریة، وأخیراً التعرف على الغایة من نظریة التظاهر. وفى کل الحالات، یؤکد الفیلسوف على حقیقة وجود فعالیة الخیال وراء عملیة التظاهر الفنی، مما یفسر اتجاهه نحو تحدید مفهوم الخیال وطبیعته، ومضمونه الدلالی، ومدى حقیقة وجود الصدق الخیالی عن طریق المقارنة بین الوجود الخیالی والوجود الفعلی.

وأما المحور الثالث، وعنوانه: "نظریة التظاهر فى الواقع الفنی"، وهو عبارة عن تطبیق نظریة التظاهر فى فنون الأدب وبخاصة فى فن القصة، من حیث: مفهوم القصة وبنیتها الفنیة، وعلاقتها بالتهکم، ودور الأسماء الخیالیة فى تقییم حجة الإقصاء، وکیفیة تفسیر القصة. ومن جانب آخر، یحاول الباحث تحدید العلاقة بین الأفلام السینمائیة بنظریة التظاهر الفنی، عن طریق تحدید طبیعة الأفلام الوثائقیة، وأیضًا الواقعیة فى الفیلم السینمائی.

وفى الخاتمة، یحدد الباحث أهم نتائج البحث.

- المحور الأول – ماهیة التظاهر الفنی

The Essence of Art Pretense

فى هذا المحور، یحاول الباحث تحدید الاتجاه الجمالی عند کیورای، کمدخل لنظریته فى التظاهر الفنی، وأیضًا تناول بعض مفاهىم التظاهر من أجل مقارنة مفهوم التظاهر عند کیورای بالمفاهىم الأخرى لدى غیره من الفلاسفة، وکذلک محاولة الکشف عن طبیعة التظاهر الفنی وحدوده.

-1-

الاتجاه الجمالی عند کیورای

Currie's the aesthetic attitude

یحدد کیورای اتجاهه الجمالی فى التجریبیة الجمالیة aesthetic Empiricism، فیقول:" إننی أطلق على النظریة التى أتناولها اسم: "التجریبیة الجمالیة" ... فالتجریبیة الجمالیة إنما تعنی الحدود الخاصة بالإستطیقا، وهى: حدود الرؤیة، وحدود السمع، والفهم اللفظی Verbal Understanding، اعتمادًا على خصائص الشکل الفنی ... فالتجریبیة هی خطاب موجه للاستطیقا."([i])

والتجریبیة الجمالیة هی فلسفة واقعیة ولکنها لا تتناقض مع اتجاهات اللا- واقعیة. حیث تکون التجریبیة الجمالیة واقعیة فى اهتمامها بالتجربة، وبتحدید الخصائص الإدراکیة فى الشکل الفنی الظاهری. وفى هذه الحالة، یکون عمل الفن تمثیلًا لموضوعات الواقع عن طریق المحتوى الجمالی فى داخل العمل الفنی. وهنا، لا یقف کیورای عند حد التمثیل المعرفی، ولکنه یحاول أن یکشف بنیة الحالة الذهنیة للفنان، یکشف عن اعتقادات الفنان ورغباته التى تمثل هى الأخرى اتجاهه القصدی، الأمر الذی یجسد أیضا لا – واقعیة التجریبیة الجمالیة لدیه.

ومن ثم، یمکن للمتذوق أن یکتشف الحالة الذهنیة للفنان من خلال الترکیز على الخصائص الفنیة الموضوعیة، وفهم هذه الخصائص فی سیاقها التاریخی؛ مما یفسر حقیقة ارتباط الحکم الجمالی على الخاصیة بوصفها موضوعیة. وبناءً علیه، یتظاهر المتلقی – افتراضیًّا – بإدراکه للحالة الذهنیة لدى الفنان، ویتظاهر بأن معرفته بها حقیقیة.

إذن، تجد التجریبیة تعبیرها الطبیعی عند کیورای فى الاستطیقا، ویصبح العمل الفنی ظاهرًا حسیًّا a sensory surface، بحیث تتضمن هذه الظواهر الفنیة قیمًا جمالیة. وبالتالی، تکون القیم الجمالیة محورًا جوهریًّا فى عملیة التقییم الفنی عند کیورای، الأمر الذی یفسـر حقیقة اختلاف التجریبیة الجمالیة لدیه عن التجریبیة العلمیة.

فمن جانب، تعتمد القیم الجمالیة فی التجریبیة الجمالیة على تاریخ إنتاج العمل الفنی، على أساس اعتبار القیم الجمالیة سیاقیة contextual؛ وفى هذه الحالة قد یکون لعمل فنی x أکثر من قیمة جمالیة فى سیاقات مختلفة. فى حین، یعتمد تقییم النظریات العلمیة على علاقة النظریة بالدلیل الواقعی Real Evidence، مما یعنی عدم توافق العوامل التاریخیة والشخصیة الخاصة بالتجریبیة الجمالیة مع حالات إنتاج التجریبیة العلمیة.

لا یعنی القول السابق، تقریر کیورای للقطیعة المعرفیة بین تجریبیته الجمالیة والتجریبیة العلمیة، بقدر اتجاهه نحو الکشف عن طرق جدیدة لتطویر العلاقة بینهما، فمثلًا، یقول کیورای:" یعد الفیلم وسیطًا تمثیلیًّا، هو تمثیل سینمائی، قد تم إنتاجه وعرضه على الجمهور." ([ii]) حیث یکون الفیلم عملًا سینمائیًّا عندما تتوافر فیه مجموعة من الشروط الضروریة والکافیة لجعله فیلمًا، وبالتالی :" تکون الأفلام – کما یذکر کیورای – مثل الأمثلة الخاصة بالماء، یکون لدیها شیئًا مشترکًا، هذا الشیء هو الذی یجعلها أفلاماً ولا یجعلها شیئاً آخرًا.")[iii]) وهو ما یفسـر إمکانیة تحدید تجریبیته الجمالیة فى حدود: الموضوعیة، وقابلیة الإدراک والفهم، والرمزیة، والاحتمالیة، وقابلیة التنبؤ، علمًا بأن هذه الحدود هى من معالم نظریته فى التظاهر الفنی، من جانب آخر.

فمن منظور التجریبیة الجمالیة، ینقد کیورای نظریة الدعم الدلیلی the theory of evidential support، وهى النظریة التى تحدد العلاقة الثنائیة بین النظریة والدلیل، وهی علاقة منطقیة – تفترض هذه العلاقة ارتباط T1، و T2 بالتساوی مع الدلیل الواقعی E، عندما یؤدی إلى نفس النتیجة A. وهنا، یعتقد کیورای بعدم کفایة هذه النظریة؛ لأنها لم توضح إمکانیة وجود جزء آخر – یشارک فى تشکیل نظریة أخرى. وفی هذه الحالة، لو تکون E واقعة غیر معروفة، وهى الواقعة التى تتوقعها T1 لإنتاج A، فسوف تکون T2 غیر قادرة على التوقع لاختلاف الحالة الذهنیة، فیما بین T1، و T2، وأما عندما تصبح E معروفة بعد توقع T1 لها، فسوف تنتج نظریة جدیدة هى T21 التى تختلف عن T2. ومن ثم، تنتج E منT1 و T2 معًا، إلّا أن علاقة T1 مع E تکون أقوى من علاقة T21 مع E، لأن E تظل معروفة فى T1، أی أن E ناتجة عن معرفة T1 بها، فى حین تکون E مُنتِّجة لنظریة T21، الأمر الذی یوضح أن الدعم التجریبی لدى کیورای – لا یکون بسیطًا ثنائیًّا بین النظریة والدلیل، ولکنه ثلاثی العلاقة بین: النظریة، والدلیل، والمنهج .)[iv])

ومن منظور التجریبیة العلمیة ، ینقد کیورای ما یقرره والتون من توافق تاریخ إنتاج عمل فنی مع تقدیره جمالیًّا، حیث یهتم والتون بنوع واحد جزئی من الأداء الفنی ، ویعتبره أساسًا للأحکام الجمالیة عبر تاریخ إنتاج العمل الفنی ، فى حین یعتقد کیورای بأن حالة والتون – تبدو کحالة جزئیة خاصة بظاهرة کلیة. الأمر الذی یفسـر قول کیورای :" إن تقدیر صورة أو روایة أو سیمفونیة ما إنما یرتبط بتقدیر أداء الفنان فى عملیة إنتاج هذه الصورة أو الروایة أو السیمفونیة، ولعل ذلک هو السبب فى اعتبار معالجة والتون للتجریبیة الجمالیة غیر کافیة ... حیث تتطلب عملیة تقدیر صورة ما الاعتراف بدور مختلف العناصر التى تشکل ظاهر العمل .")[v]) وفى هذه الحالة ، یؤکد کیورای على إمکانیة إنتاج صور فنیة بوصفها نسخًا فنیة لعمل أصلی ، وبناءً علیه یظل العمل الفنی الأصیل هو نوع واحد من العامل factor الذی تمثله المقولة الفنیة – اتفاقًا- وبالتالی تظل المقولة الفنیة التى تصف مختلف أعمال الفن بمثابة الأداء الذی تتمتع به جمیع الأشخاص ، من خلال العناصر المرئیة للصورة .

وهکذا، تجمع التجریبیة الجمالیة لدى کیورای بین التجریبیة الواقعیة (البعد العلمی) وتناولها من منظور جمالی، بحیث تبدو تجریبیته ذات وحدة فلسفیة – تتجاوز کل الثنائیات ما عدا الثنائیة بین الخصائص الذهنیة والخصائص الفنیة. فمن جانب، یؤکد الفیلسوف على أنطولوجیة العمل الفنی – من خلال تحدید خصائصه الموضوعیة - دون أن ینکر دور الحالة الذهنیة للعامل – الفنان /المتذوق/الناقد – فى تحقیق إنجاز العمل، وفى کل الحالات تعلن نظریة التظاهر الفنی عن نفسها، حتى تبدو کبنیة أنطولوجیة أیضًا ذات دلالة ذهنیة معرفیة، وعلیه تکون نظریة التظاهر طریقًا جدیدًا معاصرًا – یجسد الروح العلمیة فى عالم الفن.

-2-

مفهوم التظاهر

The Concept of Pretense

فى عملیة تحدید التظاهر فى فلسفة کیورای، یجب التفرقة بین مفهوم التظاهر فى أعماله ومقالاته قبل عام 1989، ومفهوم التظاهر فى مؤلفاته ومقالاته بعد عام 1989.

قبل عام 1989، استخدم الفیلسوف بعض العبارات التى تدل على التظاهر فى ظاهرها، ولکنها تختلف عن التظاهر من حیث المعنى، ومنها: الادعاء Make -believe، والتظاهر pretense، والتهکم Irony\ parody، والتقلید simulation.

فمن جانب یختلف الادعاء عن التظاهر، حیث یمتد الادعاء إلى البیئة الداخلیة – الجانب الذاتی للشخص. وفى هذه الحالة، یرتبط الادعاء بالخیال الذی یبدع صورًا ذهنیة، وبالتالی یتوقف الادعاء على قدرة الشخص على تخیل صور ذهنیة، وهنا یقول کیورای:" لا یعد الادعاء حدًّا من حدود الفن، فى حین یسمح لنا بإنجاز ما ننکره فى الواقع.")[vi])

وفى هذه الحالة، لا یکون الادعاء عند کیورای اتجاهًا غرضیًّا، أو حالة فینومینولوجیة، وبخاصة لاتجاهه نحو تمثیل المحتوى الافتراضی للخیال فقط، والتزامه بهذا المحتوى، الأمر الذی یثبت کیف تکون فکرة التمثیل أساسیة فى الادعاء، وهى عملیة تمثیل الخیال لوقائع العالم الخارجی، ویفسـر أیضا اتفاق کیورای مع تمثیلیة والتون. حیث یعد التمثیل أیضا بمثابة الفکرة المرکزیة فى خطاب الادعاء M-B عند کیندال والتون، بقوله:" ... یلتزم المتحدثون فى نظریاتهم بالکیانات غیر الموجودة non- existent entities، حتى تکون مفهومه فى عملیة الادعاء.")[vii]( انظر شکل -1)

وفى الوقت نفسه، قد یصبح الادعاء تظاهرًا عندما یکون مرتبطًا بالاعتقاد فى اتجاهه نحو محتوى الموضوع. وفى هذه الحالة، یکون الادعاء مرتبطًا بالاعتقاد أکثر من ارتباطه بمحتوى الموضوع. الأمر الذی یوضح حقیقة تفرقة کیورای بین الاتجاه والمحتوى. ففى الحقیقة، یمکن لشخص – کما یذکر کیورای – أن یکون لدیه اعتقاد بدون أن یکون لدیه مفهوم الاعتقاد، ویمکنه أن یتخیل بدون مفهوم التخیل. وبناءً علیه، قد یکون لدى الأشخاص اعتقادات بخصوص عملیات الاعتقادات، ویکون لدیهم تخیلات Imaginings بخصوص تخیلاتهم، دون أن تکون هذه الاعتقادات، والتخیلات أجزاء من محتواها التصوری؛ لذا یعتقد شخص بأنه یعتقد بشیء ما، ویتخیل أنه یعتقد أو یرى شیئًا ما قد تخیله، الأمر الذی یفسر کیفیة التظاهر فى السینما .)[viii])

فلا ینتج الفیلم السینمائی أوهامًا معرفیة أو إدراکیة cognitive or perceptual illusions؛ لأن الحرکة السینمائیة هى حرکة واقعیة real motion، کما أن الفارق بین الأوهام المعرفیة، والأوهام الإدراکیة هو أن الأولى – تشارک الاعتقاد الوهمی ، وأما الأخرى فهى الخبرة بالمحتوى الوهمی.([ix])