منهجية الخشت التأويلية فى الدين والميتافيزيقا "هيوم أنموذجًا"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الفلسفة الحديثة والمعاصرة کلية الآداب بقنا – جامعة جنوب الوادى جمهورية مصر العربية

المستخلص

يدور البحث حول منهج التأويل الذىأضفاه الخشت على فلسفة هيوم، فلم يتوقف تأويل الخشت عند حد الميتافيزيقا، بل قام الخشت بتفکيک الفکرة التقليدية التى رسخت فى عقول الباحثين حول فلسفة هيوم بصفة عامة، والميتافيزيقا بصفة خاصة، حتى رأينا الخشت يقدم هيوم فى ثوبٍ جديدٍ لم نکن نألفه من قبل فى الکتابات الغربية التى تناولت هيوم، وذلک من خلال استخدام الخشت لمنهجه التأويلى، وهو ما أثبته الخشت فى مقدمة دراسته – عن هيوم وکانط – بقوله "أن تلک البحوث عن هذين الفيلسوفين لا تخرج عن کونها عرضًا أو تقديمًا لفلسفتيهما، وکأن کل فيلسوف منهما بعد أن عبر عن فلسفته بلغته الوطنية فى القرن الثامن عشر، يعبر عنها هنا الآن باللغة العربية". وبالتالى يمکن القول أن منهجية الخشت التأويلية أظهرت لنا هيوم داعية للميتافيزيقا العلمية، وذلک بعد أن ظهرهيوم فى الکتابات العربية والغربية على السواء بأنه الفيلسوف الذى نادى بتهافت الميتافيزيقا.

الكلمات الرئيسية


مقدمة البحث:

        فى منتصف القرن العشرین المیلادى لٌقّبَ الفیلسوف الإنجلیزى برتراند رسل بأنه الفیلسوف الموسوعى، وذلک لتنوع کتاباته الفلسفیة والعلمیة، فقد کتب فى جمیع مجالات الفلسفة إلا مجال علم الجمال وفلسفة الفن، وعلیها لُقّب رسل بالفیلسوف الموسوعى، فإنى أقول إن ما ینطبق على رسل فى القرن العشرین ینطبق بالضرورة على الأستاذ الدکتور: محمد عثمان الخشت فى القرن الحادى والعشرین، فهو بالفعل المفکر الموسوعى الذى لم یترک مجالاً من المجالات العلمیة والفلسفیة والدینیة إلا وکان له الرأى فیها والتعلیق علیها، فتنوعت کتاباته العقلانیة والتأویلیة، ویظهر ذلک من خلال مؤلفاته فى مجال الفلسفة الحدیثة والمعاصرة، وکذلک فلسفة الأدیان، کما أنه نادى بتجدید الخطاب الدینى حتى یُخلص الجنس البشرى من أوهام الإرهاب والتفکیر الدوجماطیقى وکذلک الفهم الخاطىء للدین، أضف إلى ذلک أنه کان صاحب رؤیة جدیدة فى فلسفة الأخلاق، فبأخلاق التقدم تحول الفکر الأخلاقى من التنظیر إلى التطبیق.

        وتکمن أهمیة البحث هنا فى محاور أربع، أولها: ما جاء على لسان الدکتور حسن حنفى فى تصدیره لرسالة الماجستیر الخاصة بالدکتور: محمد عثمان الخشت فى قوله "تقدم هذه الدراسة رؤیةً جدیدةً لتاریخ الفلسفة الغربیة تتجاوز الصراع التقلیدى منذ بدایة العصور الحدیثة"، کما قال أیضًا - د. حسن حنفى عنها - " فى هذا العصر الذى تتکاثر فیه الدراسات وتتکرر المادة العلمیة تبدو هذه الرسالة فریدة من نوعها، لما تتمیز به من موقف فلسفى نتفق علیه أو نختلف. وما أحوجنا إلى مثلها فى عصر تعز فیه المواقف". أضف إلى ذلک ما قاله الدکتور: مراد وهبه – أثناء مناقشة هذه الرسالة – أنها إبداع فلسفى أصیل.

      ویکمن المحور الثانى من محاور البحث: أن الخشت قدم فى مجال البحث المیتافیزیقى عدة کتابات، وکلها اتصفت بالعمق والشمول، بالإضافة إلى کونها تتصف بالبساطة والوضوح، فهى کتابات یمکن وصفها بأنها- دیکارتیة الطابع- وذلک من حیث وضوح الفکرة الفلسفیة وعمقها، ومن أهم هذه الکتابات:"المیتافیزیقا بین هیوم وکانط"، "المیتافیزیقا قراءات نقدیة"، " العقلانیة المغلقة أو الدوجماطیقیة"، "الفلسفة الحدیثة: قراءات نقدیة"، "الدین الطبیعى عند هیوم".

        ویکمن المحور الثالث وراء اختیار البحث، وهو دیفید هیوم (1711- 1776م) D. Hume فمن المألوف لدى دارسى الفکر الفلسفى أن هیوم – فیلسوف تجریبى صارم – هذا ما دأب علیه باحثو العرب والغرب على السواء، فدائما یرددون عنه أنه الفیلسوف الأول الذى دقّ شعاب الرفض نحو استبعاد المیتافیزیقا، بل یقولون أنه الفیلسوف الذى هدم المیتافیزیقا، وکان النواة الرئیسة لمن بعده من الفلاسفة فى تقویض وهدم المیتافیزیقا، معتمدین فى ذلک على کونه فیلسوفًا تجریبیًا صارمًا، أضف إلى ذلک أن هیوم یقبع ضمن الفلاسفة المؤمنین بالطبیعة والدین الطبیعى، بالإضافة إلى اهتماماته العلمیة والأخلاقیة، فهو فیلسوف العاطفة الأخلاقیة.

        أما المحور الرابع: وهو یکمن فى التأویل الجدید الذى أضفاه الخشت على فلسفة هیوم، فلم یتوقف تأویل الخشت عند حد المیتافیزیقا، بل قام الخشت بتفکیک الفکرة التقلیدیة التى رسخت فى عقول الباحثین حول فلسفة هیوم بصفة عامة، والمیتافیزیقا بصفة خاصة، حتى رأینا الخشت یقدم هیوم فى ثوبٍ جدیدٍ لم نکن نألفه من قبل فى الکتابات الغربیة التى تناولت هیوم، وذلک من خلال استخدام الخشت لمنهجه التأویلى، وهو ما أثبته الخشت فى مقدمة دراسته – عن هیوم وکانط – بقوله "أن تلک البحوث عن هذین الفیلسوفین لا تخرج عن کونها عرضًا أو تقدیمًا لفلسفتیهما، وکأن کل فیلسوف منهما بعد أن عبر عن فلسفته بلغته الوطنیة فى القرن الثامن عشر، یعبر عنها هنا الآن باللغة العربیة". وبالتالى یمکن القول أن منهجیة الخشت التأویلیة أظهرت لنا هیوم داعیة للمیتافیزیقا العلمیة، وذلک بعد أن ظهر هیوم فى الکتابات العربیة والغربیة على السواء بأنه الفیلسوف الذى نادى بتهافت المیتافیزیقا.

        ومن خلال هذه الدوافع تکونت الإشکالیات المتعلقة بموضوع البحث، والتى على غرارها جاء عنوان البحث "رؤیة الخشت التأویلیة لفلسفة هیوم"، وأهم هذه الإشکالیات:

  1. إلى أی حد ظهر هیوم فى الکتابات العربیة والغربیة مدافعًا عن العلم والتجربة؟ وإذا کان هیوم کذلک، فهل یعنى القول بالعلم والتجربة أنه یرفض العقلانیة؟ وکیف عالج الخشت هذه المعضلة وکیف بدت فى تأویلاته؟
  2. کیف تصور الخشت فلسفة هیوم ؟ وهل هناک رؤیة جدیدة قدمها الخشت فى کتاباته- تجعلنا نقول- أن هیوم فیلسوف میتافیزیقى؟
  3. إلى أی حد یمکن القول أن الرؤیة الخشتیة عن هیوم رؤیة جدیدة؟ بمعنى هل الرؤیة المقدمة فى کتابات الخشت جدیدة فى الحقل المیتافیزیقى؟ أم أنها عبارة عن تأویل جدید لنصوص هیوم؟

ومن خلال هذه التساؤلات آثرت استخدام منهجى التحلیل والتأویل حیث أنهما المناهج التى تصلح لمعالجة هذا البحث، بالإضافة إلى استخدام المناهج المساعدة مثل المنهج المقارن والنقدى حیث أقوم بتحلیل أفکار دیفید هیوم کما- جاءت فى کتابات الخشت التأویلیة - ومقارنتها بمثیلاتها، وکذلک نقد الفکرة حتى تکون أقرب للصواب. 

      والله من وراء القصد،

 أولاً: هیوم بین التجریبیة والعقلانیة.

       یدور مضمون البحث حول تساؤل فلسفی أصیل وهو: إلى أى حد کان هیوم فیلسوفًا تجریبیًا ؟ وهل أکد الخشت تجریبیة هیوم فى کتاباته أم لا ؟

        یمکن القول أن التجریبیین الإنجلیز یختلفون بشکل رئیس مع مفکرى المذاهب العقلانیة فى القارة الأوربیة، حیث نضع دائمًا التجریبیة والعقلانیة –کمذاهب فلسفسة أصیلة- فى کلمة واحدة فى الفلسفة الحدیثة أکثر من النظر إلیهما فى تاریخ فلسفى مستقل لکل مذهب منهما، فالتجریبیة الإنجلیزیة جاءت – کرد فعل أو کبدیل – للمذاهب الدیکارتیة فى الفکر الفلسفى الحدیث، حیث قامت بطرح حلول بدیلة لإشکالیات العلم الکلى universal science مستخدمة نفس مصطلحات المذهب العقلى([1]).

        من هنا دأبت الدراسات الفلسفیة الشائعة على اعتبار أن دیفید هیوم أحد أعمدة الفلسفة التجریبیة الأصیلة فى الفلسفة الحدیثة، فهو فیلسوفٌ تجریبیٌ صارمٌ، أو کما جاء فى معجم الفلسفة "أن الفیلسوف الاسکتلندى دیفید هیوم یعد أعظم التجریبیین الإنجلیز فى عصره([2])  The Greatest of British Empiricists، وفى ذلک الوقت الذى دأبت فیه هذه الدراسات على هذه الوجهة من النظر، قال البعض أیضًا أن هیوم وصل باستنتاجاته إلى "أن العقل هو لا شىء سوى حزمة من التصورات"  The Mind as a bundle of perceptions أو مجموعة من التصورات المختلفة التى ینتج بعضها البعض بسرعة لا یمکن تصورها، وهى فى تدفق دائم"([3]).

 وهذا ما یسمیه البعض بـ"فضیحة هیوم" Hume`s Scandal  على حد تعبیر أستاذى أ.د: محمد مدین، وقد یشیر بعضهم - إلى ذلک أحیانًا - بأنها "مقصلة هیوم" Hume`s Guillotine مستندین فى ذلک لعبارة هیوم الشائعة، والتى یقول فیها "إن العقل وحده لا یمکنه، بحال، أن یؤثر فى الأفعال، وأنه عبد للعواطف"([4]).

        وقد استند أصحاب هذه الوجهة من النظر إلى قول هیوم: "إنه لا یمکن الائتمان إلى استنتاجات العقل حیث یمکن المغالطة فیها، فالعقل بطىء فى عملیاته، ضامر تمام الضمور خلال مرحلة الطفولة الأولى، وهو فى أحسن الأحوال معّرض للخطأ وسوء التقدیر فى أی مرحلة من مراحل الحیاة الإنسانیة"([5]).

وهذا القول یٌعد إثباتًا حقیقیًا فى هذه الدراسات على تجریبیة هیوم، واعتماده بشکل کلى على التجربة، کما یؤکد أیضًا - أن هیوم رفض العقل - کأساس للمعرفة الفلسفیة، فالعقل على حد تعبیرهم عند هیوم ما هو إلا مجموعة من التصورات الفارغة.

        هذه الفکرة السابقة والتى مفادها _أن هیوم فیلسوف تجریبى- کانت البنیة الرئیسیة التى بدأ منها الخشت مشروعه التأویلى، لیثبت للفکر الفلسفى بأکمله أن القول بالتجریبیة لا ینفى العقل أو العقلانیة، أو بالأحرى تنصب تأویلات الخشت فى فکرة واحدة ألا وهى القول بالتجریبیة لا یرفض القول بالمیتافیزیقا، بل یدعمها لیجعلها تنتقل من التقلید إلى العلمیة، فالخشت هنا - یعتنق کانطًا فى فکره - وبالتالى لا یمکن لمنهج الخشت التأویلی أن یمضى قدمًا دون المنهج البنیوى، فالخشت فى جل کتاباته یعتمد على التأویل والبناء، فهو صاحب مشروع فلسفى فى صیاغة المنهج.

        یبدأ الخشت تأویله لفلسفة هیوم من مقدمات فلسفیة دأبت علیها الدراسات المرکزیة الشائعة، وعلیها بُنیت التأویلات المیتافیزیقیة (تأویل وبناء) فیقول:

1-  هیوم تجریبى.                   

2-  هیوم هدم المیتافیزیقا ورفضها کلیة..

3-  العلاقة بین هیوم وکانط علاقة تضاد وتصادم بین فیلسوف تجریبى وفیلسوف عقلانى([6]).

هذه المقدمات الثلاثة التى عرضها الخشت فى کتابه العقل .. وما بعد الطبیعة، هى عبارة عن أساس فلسفى بُنیت علیه الدراسات المرکزیة الشائعة، وهى الدراسات التى تقف عند حد العرض والتقدیم فقط، فلو أمعنا النظر فى المقدمة الأولى نجد أن المقدمة الثانیة ما هى إلا نتیجة عن الأولى، والمقدمة الثالثة عبارة عن استنتاج تحلیلى للمقدمتین الأولى والثانیة. وعلیها یشرع الخشت فى البدء بالتأویل قائلاً : "ماذا یکون الأمر لو استطعنا تصدیع تلک المقدمات أو بعضها ؟ هل سننتهى إلى نفس النتائج التى انتهت إلیها الدراسات المرکزیة الشائعة ؟"، یجیب الخشت على تساؤله السابق بقوله "بدیهیًا ..لا "([7]).

 یبدأ الخشت فى تحلیل نصوص الدراسات الشائعة حول هیوم، وهى الدراسات المؤکدة لتجریبیته والرافضة لمیتافیزیقیته، لاعتقادهم أن التجربة والمیتافیزیقا لا یجتمعان معًا، ثم یستخدم الخشت التأویل من جدید لبناء فلسفة هیوم الجدیدة أو التى أطلق علیها – الهیومکنطیة- فیقول "فمن خلال القراءة وجدنا کثیرًا من القرائن، بل ومن الشواهد، ما یجعلنا نجد مبررًا لإعادة النظر فى تلک المقدمات، ذلک أن تلک النصوص والدراسات تشیر – وبشدة – إلى زیف التجریبیة الإنجلیزیة وإلى کونها تجریبیة هشة، وبالتالى ترفض وصف هیوم بالتجریبى الصارم، وتعده عقلانیًا دیکارتیًا قام برسم صورة واقعیة للإنسان والطبیعة والمجتمع ابتداءً من عناصر ذاتیة خالصة، هى الأفکار، بل وإنه حاول اتخاذ المیتافیزیقا علمًا عن طریق استرشاده بالمنهج الذى وفق إلیه نیوتن فى مجال المیکانیکا السماویة وتطبیقه على دراسة الذهن البشرى، وبالتالى السعى إلى الانتقال من أحکامنا الجزئیة التى نطلقها على الأشیاء إلى مبادئها الأعم([8]).

        یشیر الخشت فى نصه السابق إلى وجود قرائن وشواهد تؤکد على زیف التجریبیة وبالتالى رفض الفکرة القائلة بأن هیوم رفض المیتافیزیقا، مسترشدًا فى ذلک بإسحاق نیوتن الذى ألهم دیفید هیوم أفکاره، وهذا ما أکده – أیضًا – "هوغ میللر" Hugh Miller بقوله "وتحت تأثیر الفیزیاء النیوتونیة قام هیوم بتشبیه حرکة الأفکار الذهنیة بحرکة الأجرام السماویة، وبالتالى أصبح هیوم على قناعة فلسفیة بأن التعمیم التجریبى الذى أکدته الملاحظة یُشکل معرفة مطلقة وفوریة من نوعها"([9]). ولم یتوقف هیوم فى استرشاده بنیوتن إلى هذا الحد – کما یشیر میللر – بل طبق هیوم عناصر النظام النیوتونى الجدید على مبادىء العاطفة والأخلاق، حیث رأى هیوم أن مفهوم النفس المیتافیزیقى یمکن ملاحظته من خلال أفعال السلوک([10]).

        إن اعتماد هیوم على فیزیاء نیوتن یمکن رؤیته بمنظورین مختلفین، وبعیدین کل البعد عن بعضهما البعض، الرؤیة الأولى التى قدمتها الدراسات الشائعة – على حد تعبیر الخشت – فى کتاباته، وهى أن هیوم فیلسوف تجریبى حقًا، الرؤیة الثانیة وهى الرؤیة التأویلیة التى استنتجها الخشت من القرائن والشواهد على اعتبار أن القول بالتجربة لا ینفى القول بالعقل، بل یمکن الإنطلاق من التجربة کمقدمة أولى فى البناء لنصل من خلالها إلى تأسیس میتافیزیقى عقلانى، أو میتافیزیقا علمیة، وهو ما أکده کینى A. Kenny بقوله "بعد فترة وجیزة من وفاة بیرکلى Berkeley فى دُبلن Dublin مُنح العالم تجریبیة هیوم المیتافیزیقیة، حیث أخذ هیوم المبادىء التجریبیة لیطبقها على المیتافیزیقا المتطرفة"([11]).

        وهنا وقف الفیلسوف التأویلى محمد عثمان الخشت معارضًا شتى الأقوال التى نادت بتجریبیة هیوم، وهذه الأقوال لأقطاب رائدة فى الفکر الفلسفى، حیث عارض الخشت – یوسف کرم- فى قوله "لقد سلم دیفید هیوم بالمبدأ الحسی، وذهب إلى نتیجته المنطقیة، فبلغ إلى الظاهریة المطلقة التى ترد المعرفة إلى ظواهر لا یربط بینها سوى علاقات تجریبیة"([12]). کما اختلف الخشت مع استاذه د.حسن حنفى فى الرأى الذى ذهب إلیه د. حنفى عن هیوم ومفاده:"أن هیوم یؤسس العلوم بمنهج تجریبی فى مقابل المنهج الهندسی عند اسبینوزا، ویطبقه فى شتى العلوم الإنسانیة کالفلسفة، والأخلاق، وعلم النفس، والدین، والتاریخ"([13]). وهذه الآراء أکدها أیضًا - الفیلسوف التحلیلى برتراند رسل - حین قال أن هیوم أحد أهم الفلاسفة، لأنه وصل بفلسفة لوک، وبارکلى، التجریبیة إلى نتیجتها المنطقیة([14]).   

        من خلال ما سبق طرحه، نستطیع أن نستنتج فکرة تأویلیة مرکزیة یحتکم فیها البحث الهیومی، وهى الموقف الذى تبناه الخشت هنا، ومفاده أن القول بالتجریبیة – خاصة لدى هیوم – لا ینفى القول بالعقلانیة، والدلیل على ذلک قول هیوم: "الإنسان کائن عاقل، وهو بوصفه کذلک یتلقى من العلم غذاءه وزاده، إلا أن قیود الفهم البشری هى أضیق من أن یمکن لها أن تأمل سوى القلیل من الرضا حول هذه المسألة، والإنسان کائن اجتماعی أیضًا لا یقل عن کونه انسانًا عاقلاً، فکن فیلسوفًا کیفما شئت، ولکن.. تذکر خلال فلسفتک أنک ما زلت إنسانًا"([15]).

ولم یقف هیوم عند هذا الحد، حیث وجد الباحث نصوصًا لهیوم تُضعف من اعتماده على التجربة وتجعلها إثارة للشک والریبة فى فلسفته، حیث ذکر هیوم: "أنه رغم استنتاجاتنا المأخوذة من التجربة تجعلنا نذهب إلى أبعد من ذاکرتنا وحواسنا، وتجعلنا واثقین من الوقائع التى حدثت فى أقدم الأزمنة، فإنه لابد أن یکون ثمة عیان ما دائم الحضور أمام الحواس أو فى الذاکرة، منه ننطلق إلى استخراج تلک النتائج"([16]). کما یقول أیضًا: "على الرغم من کون التجربة هى مرشدنا ودلیلنا الوحید فى استدلالاتنا حول الوقائع، فإنه مع ذلک یجب الإقرار بأن هذا المرشد لیس معصومًا من الخطأ، فإن التجربة فى کثیر من الأحیان تکون سببًا قویًا لوقوعنا فى الأخطاء"([17]).

 هذه النصوص (الهیومیة) السابقة هى التى اعتمد علیها الخشت فى تأویله، والدلیل هنا أیضًا- ما ذکره الخشت - وأیده میللر، وهو تأثر دیفید هیوم بنیوتن فى التشبیهات السابقة، فکیف یتسنى تفسیر ما هو میتافیزیقى "النفس" أو الغیر محسوس "العبارات الأخلاقیة" بما هو تجریبى إلا من خلال العقل، إذن هیوم هنا یقف بین التجریبیة والعقلانیة، وإن کان اعتماده على العقلانیة ضئیل جدا، فهیوم حاول الإعتماد على العقل والربط بینه وبین التجربة - فعلى حد تعبیر الخشت – ظن هیوم أن سبب تقدم العلم یکمن فى استخدامه للمنهج التجریبى، ولم یتمکن من اکتشاف عقلانیة هذا المنهج، حیث صدق نیوتن فى وصفه لمنهجه بأنه تجریبى([18]).

        أى أن هیوم حاول جاهدًا اخضاع منهجه التجریبى لمبدأ العقل حتى یحاول فهم الفروض التجریبیة المستخدمة فى العلم من خلال العقل، ولکنه على حد تعبیر الخشت فشل فى اکتشاف عقلانیة العلم([19]). وهنا أختلف(*) مع - أستاذنا الخشت - فى فکرته لهیوم السابقة، وهى قوله بفشل هیوم فى اکتشاف عقلانیة العلم، والدلیل على ذلک أن الفیلسوف إذا حاول جاهدًا وفشل فى محاولته فإن هذه المحاولة تعد نجاحًا فى مذهبه، لکون مذهبه مبنیًا على التجریبیة غیر مکترثٍ بالعقل، ولکنه أراد اخضاع العلم برمته إلى العقل، فإن هذه المحاولة لا تعد فشلاً کما یقول أستاذنا د. الخشت بل تعد فکرة ناقصة البناء.

        إن محاولة الخشت التأویلیة لإثبات العقلانیة فى رحم فلسفة هیوم التجریبیة تعد محاولة أصیلة وفریدة من نوعها، فالخشت لم یقف عند حد العرض والتقدیم - القول بالتجریبیة - بل بحث فى عمق النص الهیومی لیثبت أن هیوم حاول الجمع بین التجریبیة والعقلانیة، وهیوم هنا یشبه فرنسیس بیکون الذى حاول الجمع بین العقلانیة المجردة والتجریبیة الخالصة، فکان کثیرًا ما یردد "لا تفصلوا بین النظر والعلم، بل وحدوا بینهما"([20])، فالمفکر التجریبى یشبه النملة التى تجمع قوتها وتختزنه، والمفکر العقلانى القطعى یشبه العنکبوت الذى ینسج خیوطه من المادة التى یستخرجها من جوفه، أما النحلة فهى تستخرج مادتها الأولى من رحیق الزهور فى الحقول، وتحول بفنها الجمیل هذا الرحیق إلى عسل حلو المذاق، وهى بذلک تکون فى موقف وسط بین النملة والعنکبوت، فالفیلسوف الحقیقى – على حد تعبیر د. نازلى إسماعیل حسین – یصنع مثل هذا العمل، ویعمل بنفس الصورة التى تعمل بها النحلة([21])، فثروة الفکر الحقیقى هى الجمع بین الملکتین: التجریبیة والعقلانیة فى نسق واحد([22]).

        وهنا لابد أن نتساءل ..لماذا جمع الخشت بین هیوم وکانط فى مصطلح واحد وهو الهیومکنطیة ؟

        إن الإجابة على هذا التساؤل الفلسفى هى بمثابة النتیجة الرئیسة لهذا البحث، حیث انصّبت تأویلات الخشت هنا فى بیان عقلانیة هیوم، والقول بالعقلانیة هنا هو التأویل الجدید الذى أضفاه الخشت على فلسفة هیوم، فهیوم یشبه کانط فى الجمع بین العقلانیة والتجریبیة، لذلک عبر الخشت عنهما بمصطلح – الهیومکنطیة – وهو مصلح جدید من ابتکارات الخشت التأویلیة، فإذا ما استطاع الخشت إثبات العقلانیة - شیئا ما – فى فلسفة هیوم، سیتسنى له بعد ذلک إثبات المیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، وبالتالى رفض الأفکار القائلة بأن هیوم رفض المیتافیزیقا لکونه فیلسوفًا تجریبیًا صارمًا.

        وعلى ذلک یمکن القول أن العلاقة بین هیوم وکانط لم تکن علاقة انفصال، بل کانت علاقة اتصال وتلازم فى الفکر، فمن خلال - تأویلات الخشت – یمکن القول أن الفیلسوفین أجمعا على أن التجریبیة لا یمکن أن تسیر قدمًا دون العقل، والعکس صحیح، فالتصورات بغیر العیانات تکون جوفاء، والعیانات بغیر التصورات تکون عمیاء، ولذلک أجاب کانط على سؤال هیوم الفلسفى بقوله: "اتفق مع هیوم فى قوله بأن العلاقة السببیة لا یمکن الاستدلال علیها من التجربة، فطبقًا لرؤیة هیوم تکون التصورات السببیة عبارة عن افتراضات من التجربة، لکون التجربة لها القوة الکاملة the full force فى المعرفة العلمیة، وقد قبل کانط هذا الاستنتاج الهیومی دون تحفظ، ولکن اقتراح کانط کان مفاده أن السببیة یجب أن تکون افتراضًا سابقًا على التجربة([23])، من هنا نؤکد ما وصلت إلیه تأویلات الخشت فى استخدامه لمصطلح الهیومکنطیة، فالتجربة موجودة ولکن لابد لها من تأکید عقلى عند الفیلسوفین. وعلیها یمکن القول – حقًا – أن کانط یشبه هیوم فى تجریبیته، ولکن تجریبیة کانط مشروطة، حیث تعمل على فحص معطیات الخبرة الحسیة([24]).

        إن ما وصل إلیه التأویل فى فلسفة هیوم یمکن إیجازه فیما کتبه الخشت قائلاً: "لقد آن الأوان للقضاء على اعتقاد شائع فى مجال الدراسات الفلسفیة، فحواه أن هیوم فیلسوف تجریبى صارم، سار بالتجریبیة حتى نهایاتها المنطقیة، حتى أصبح من المستحیل المضى أبعد مما وصل إلیه، حتى اعتبره الوضعیون المناطقة رائدًا لهم وواضعًا لأصولهم الفلسفیة، ویستطرد – الخشت تأویله العقلانى لفلسفة هیوم قائلاً – هذا الاعتقاد الشائع قام نتیجة فهم خاطىء لفلسفة هیوم، وکان السبب فى تکونه أن أصحابه لم ینظروا إلى فلسفة هیوم نظرة مجردة، وإنما وضعوها فى سیاق التجریبیة الإنجلیزیة، ونظروا إلیه عبر هذا المنظور، ومن ثم أظهرت هذه العدسة التجریبیة هیوم لکل راءٍ کفیلسوف تجریبى"([25]).

        وخلاصة القول التأویلى فى فلسفة هیوم، یقول الخشت رؤیته فى هذا الصدد "وعلى العکس تمامًا من هذا التصور الشائع (القائل بأن هیوم تجریبى صارم) ، فإن القراءة المتأنیة لنصوص هیوم وتتبع جذورها فى الفلسفة الأوربیة لا سیما عند دیکارت، تثبت أنه فیلسوف عقلانى دیکارتى، قام برسم صورة موضوعیة للإنسان، والطبیعة، والمجتمع، من عناصر ذاتیة خالصة، هى الأفکار، وعلیها لم یکن هیوم فیلسوفًا تجریبیًا صارمًا، نعم ربما یکون قد اعترف بأهمیة التجربة فى المعرفة، لکنه أنکر أن تکون هذه التجربة قادرةً على تقدیم معرفة تتسم بسمتى الضرورة والکلیة"([26]).

ثانیًا: موقف هیوم من الدین.

        قبیل الشروح فى تحدید المنهجیة التأویلیة التى بنى الخشت علیها موقف هیوم الفلسفى من الدین، لابد من تحدید الفروق الفلسفیة بین مصطلحات متباینة فى المعنى، استخدمها الخشت – کثیرًا – فى کتاباته الفلسفیة، وهى الدین، فلسفة الدین، فلسفة اللاهوت، حتى نصل إلى الهدف الذى من أجله کان البحث، وهو موقف هیوم من الدین.

من خلال  تحلیل التعریف اللغوى للدین والذى عرّفه الرازى، یقول الخشت "الدین فى اللغة هو العادة، وربما أُعتبر الدین عادة؛ لأن الناس لا تعیش غالبًا بدون دین سواءً کان سماویًا أو وضعیًا؛ فالدین عادة إنسانیة"([1]). بینما یکمن التعریف الاصطلاحى کما یقول الخشت "الدین وضع إلهى یدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عند الرسول"([2]). فى حین جاء الدین فى المغجم الفلسفى – على حد تعبیر الخشت – "الدین نسق فردى لمشاعر واعتقادات وأفعال مألوفة، موضوعها الله. فالدین هو تحدید المطالبة بوجهة نظر الشعور والإیمان، إلى جانب وجهة نظر العلم"([3]). والدین أیضًا هو علاقة الوعى الذاتى بالله أو بالروح المطلق الذى یحقق ذاته فى ذلک الوعى الذى من أجله بالذات یکون وجوده([4]).

        وتکمن الخلاصة من خلال تعریفات الخشت السابقة للدین فى کون الدین – کما یقول الخشت فى کتابه نحو تأسیس عصر دینى جدید – مثل الماء، الماء سبب للحیاة المادیة، والدین سبب للحیاة الروحیة، فدرجة الحرارة المنخفضة تحول الماء إلى مادة صلبة، والتقلید یحول الفکر الدینى إلى قصر من الخرسانة المتجمدة لکنه یقف على أقدام فخاریة، الماء لا یمکن أن یُشرب ویرتوى منه الجسد دون أن یتحول إلى سائل مرن، والدین لا یحیى روح الإنسان ویُصلح الواقع المتجدد دون أن یکون الفهم الإنسانى له متجددًا دومًا([5]).

أما فلسفة الدین Philosophy of Religion فهى لیست جزءًا من التعالیم الدینیة، ولا ینبغى أن تعالج من وجهة نظر دینیة، والدلیل على ذلک أن الملحد والمتشکک واللاأدرى والمؤمن جمیعهم یستطیعون التفلسف حول الدین([6])، الأمر الذى لا یجعل فلسفة الدین فرعًا من فروع الدین أو اللاهوت بالمعنى العقائدى، بل هى فرع من فروع الفلسفة تدرس المفاهیم والمعتقدات الدینیة([7]). فإذا کان الدین یهتم بالإیمان بالله، وأیضًا الصلوات والشعائر الکنسیة، فإن فلسفة الدین تهتم بالقراءة النقدیة للنصوص الدینیة عن طریق الدلائل والبراهین العقلیة – أى من خلال منظور عقلى- فهى تحاول إزالة التناقضات فى المعتقدات الدینیة، والکشف عن مشکلاتها([8]).

وقد عوَّل الخشت على التعریفات السابقة لفلسفة الدین بقوله "هى التفسیر العقلانى لتکوین وبنیة الدین عبر الفحص الحر للأدیان، والکشف عن طبیعة الدین من حیث هو دین، أى عن الدین بشکل عام من حیث هو منظومة متماسکة من المعتقدات والممارسات المتعلقة بأمور مقدسة، ومن حیث هو نمط للتفکیر فى قضایا الوجود، وامتحان العقائد والتصورات الدینیة للألوهیة والکون والإنسان، وتحدید طبیعة العلاقة بین کل مستوى من مستویات الوجود، والبحث فى الطبیعة الکلیة للقیم والنظم والممارسات الدینیة، ونمط تطور الفکر الدینى فى التاریخ، وتحدید العلاقة بین التفکیر الدینى وأنماط التفکیر الأخرى، بغرض الوصول لتفسیر کلى للدین، یکشف عن منابعه فى العقل والنفس والطبیعة، وأسسه التى یقوم علیها، وطبیعة تصوره للعلاقة بین المتناهى واللامتناهى، والمنطق الذى یحکم نشأته وتطوره واضمحلاله"([9]).

یتبن مما سبق أن الخشت أقرب إلى جون هوسبرس (الفیلسوف الأخلاقى) فى تحدیده لماهیة فلسفة الدین، کما یتفق - الخشت أیضًا – مع جون هیک (الفیلسوف الدینى) فى التفرقة التى وضعها هیک بین الدین وفلسفة الدین، مع العلم أن الخشت زاد على هؤلاء تحدید بنیة المنهج الفلسفى الذى یناسب البحث فى فلسفة الدین بقوله "تنتهج فلسفة الدین المنهج العقلانى النقدى فى دراسة الدین، أو هکذا ینبغى أن تکون"([10]). وعلیها تکون فلسفة الدین لیست هى الدین ذاته، وإنما هى البحث العقلى والنقدى لما جاء به الدین من حقائق، وما عرضته الکتب السماویة من مشکلات دینیة تستحق البحث والنتقیب.

کما تختلف فلسفة الدین فى التعریفات السابقة عن مفهوم الدین، فإنها تختلف أیضًا عن فلسفة اللاهوت Philosophy of Theology من حیث کون الأولى أعم وأشمل، حیث تهتم بالتحلیل والفحص العقلانى الدقیق للمعتقدات الدینیة، معوّلة فى ذلک على المنهج النقدى والعقلانى فى مباحثها ومشکلاتها، ومن ثم نظر المشتغلون بفلسفة الدین إلى المعتقدات الدینیة باعتبارها ظاهرة قابلة للحذف أو التعدیل، أما فلسفة اللاهوت فقد عولت على المنهج التحلیلى والجدلى للکشف عن جوهر الدین من جهة، وتبریر عقائده عقلیًا من خلال الکتب السماویة من جهة أخرى، ففیلسوف الدین یتخذ من الدین أداة لخدمة العقل، بینما یعوّل فیلسوف اللاهوت على العقل کأداة لخدمة الدین، وذلک عن طریق الدفاع العقلى عن الدین([11]).    

وهنا یتساءل الباحث ..

ما التأویل الذى اتخذه الخشت سبیًلا لفهم موقف هیوم الدینى ؟ وهل یعد هیوم من خلال تأویلات الخشت مؤمنًا أم ملحدًا أم لا أدریًا ؟ وهل تعد رؤیة الخشت لموقف هیوم الدینی تحیلیلاً أم تأویلاً ؟

فى الفصل الأول من محاوراته فى الدین الطبیعی، عرض هیوم على لسان "بامفیلوس" قضیةً فلسفیةً مهمةً جدًا، وهذه القضیة لابد من النظر إلیها نظرة جوانیة، حیث یقول: "فأیة حقیقة غایة فى الوضوح والیقین مثل وجود إله! وهى التى عرفته أجهل العصور وجهدت أعظم العبقریات طامحة إلى إیجاد أدلة وحجج علیها؟ أی حقیقة أهم من هذه وهى أساس آمالنا جمیعًا، وأوثق دعامة للأخلاق، وأرسخ عضد للمجتمع، والمبدأ الوحید الذى لا یغیب عن أفکارنا وتأملاتنا لحظة؟ ولکن أی مسائل غامضة تتعلق بطبیعة ذلک الموجود الإلهی، بصفاته ونوامیسه وخطته فى العنایة، أیّ مسائل غامضة تواجهنا حین نتناول هذه الحقیقة الواضحة المهمة؟ ولقد تعرّضت هذه المسائل دائمًا لاختلافات الناس، ولم یصل العقل البشرى إلى یقین عنها، ولکنها موضوعات شائقة لا نستطیع أن نَکبح أنفسنا إزاءها عن البحث الدائب فیها، ولو أننا لا نخلص من أدق أبحاثنا بغیر الشک والتناقض وعدم الیقین"([12]). علمًا بأن هیوم قبل أن یطرح هذه المشکلة قال لصدیقه "هرمبوس": "وحتى العقل البشری لا یستطع أن یصل فیها إلى قرار محدد، بل قد یقع العقلاء من الناس فى الاختلاف فى المواطن التى لا یستطیعون الوصول فیها إلى إجابة قاطعة"([13])

من هنا وقف الفیلسوف التأویلى محمد عثمان الخشت على فلسفة دیفید هیوم الدینیة باعتبارها فلسفة مهمة للغایة، حیث إنها تصب فى تأکید حضور الوعی الدینی منذ القدم، فالاهتمام بالدین قدیم قدم الإنسان، ومن هذه الزاویة الحفریة یتابع الخشت کل الخطوات التى سایرها هیوم فى دراسته للدین، والجدیر بالذکر هنا، هو أن الخشت یلقى الضوء على الأحوال الشخصیة التى میزت طفولة هیوم الدینیة، کونه نشأ تنشئة دینیة صرفة، ونحن نعتبر هذه المحاولة ثمینة علمیًا فى المقاربة بین المراحل التکوینیة الشخصیة([14]). حیث یقول الخشت - فى تأویله - للفلسفة الهیومیة "تدل فلسفة هیوم الدینیة دلالة قویة على هذا الحکم، حیث إن اهتمامه بالدین لم یفتر فى أى وقت من الأوقات، ففى طفولته تشرب لاهوت کالفن على ید أسرته المتدینة، وکان یحافظ على الصلوات فى الکنیسة کل أحد، فضلاً عن تعبده فى داره، لکنه ما إن شبَّ عن الطوق وبدأ فى قراءات جون لوک John Lock، وکلارک Clark حتى فقد إیمانه الدینى([15]).

یرید الخشت أن یؤکد فى نصه السابق، أن هیوم الفیلسوف الإسکتلندى نشأ فى بیته نشأة دینیة صرفة، فکونه یحافظ على الصلوات والتعبد – حتى فى داره- هذا إن دل على شىء، فإنما یدل على أن فلسفة هیوم الدینیة من منظور الخشت هى فلسفة إیمانیة فى المقام الأول، فالکثیر من الفلاسفة المحدثین والمعاصرین أیضًا قد بدأوا حیاتهم الفکریة متشبعین بالإفکار الدینیة ومؤمنین بها، مثل الفیلسوف الوجودى "نیتشه" الذى لُقب فى صباه "بالقسیس الصغیر"([16])، کما کان یطمع فى صغره إلى أن یصیر قسیسًا فى المستقبل([17])، فى حین أنهى حیاته فى المستقبل بقوله لأخته "عدینى إذا مت أن لا یقف حول جثمانى إلا الأصدقاء، وأن لا یدخل الفضولیون من الناس. ولا تدعی قسیسًا ینطق بالأباطیل والأکاذیب على قبرى فى وقت لا استطیع الدفاع عن نفسى، أرید أن أدفن فى قبری وثنیًا شریفًا"([18]).

وکذلک "برتراند رسل" أیضًا- الفیلسوف الإنجلیزى- الذى نشأ على العقیدة المسیحیة فى صباه، وذلک قبیل إلتحاقه بجامعة کیمبردج([19])، وقد أکد رسل ذلک القول بصریح العبارة فى سیرته الذاتیة حیث یقول "فلما بلغت الثامنة عشرة من عمرى، وقبل التحاقی بجامعة کمبردج وقعت عینی على کتاب لـ"جون ستیوارت مل" هو( سیرته الذاتیة) قرأته فلفتت نظرى جملة فیه مؤداها أن والده علمه أن هذا السؤال: من خلقک؟ لا یمکن العثور له على جواب شاف، وذلک لأنه یوحى مباشرة بسؤال آخر: ومن الذى خلق الله؟ وصرفنى هذا عن حکایة "العلة الأولى"، وأصبحت بعدها ملحدًا، ولکنى فى أثناء تلک الفترة الطویلة من الشکوک الدینیة کان ینتابنى الشعور بالشقاء والتعاسة، لأنى کنت أتخلى تدریجیًا عن عقیدتى، غیر أن هذه العملیة ما کادت تتم وتصل إلى قرار حتى وجدت لفرط دهشتى أننى مسرور جدًا لأننى تخلصت من الموضوع برمته".([20])

 إن المقاربة المبدئیة بین کل من هیوم ونیتشه ورسل لها دلالات أکیدة فى الفکر الدینى لدى هوؤلاء الفلاسفة، فالدلالة الحقیقة هى التى أکدها الخشت فى بدایة کتابه عن هیوم، بأنه بدأ حیاته متدینًا متعبدًا محافظًا على الصلوات، فما أن قرأ لوک وکلارک حتى فقد إیمانه، فالتأثر هنا هو الذى یغیر من فکر الفیلسوف، کما إن التعلیم والترحال له باعث أساسی فى تشکیل فکر الفیلسوف الدینی. فعلى حد تعبیر الخشت إذا کان هیوم فقد إیمانه الدینی فإنه لم یفقد أبدًا اهتمامه به، ومؤلفاته المتعددة تشهد على ذلک([21]).

ویؤکد الخشت أن اهتمام هیوم بالدین لم یکن أسیرًا للرؤى والمناهج التقلیدیة، إذ إنه سعى لتطویر نظریة وضعیة فى الدین، حدد فیها ما هو أساسى وطبیعى فى الاعتقاد الدینى، من خلال تتبع تاریخ الدین الطبیعى، حیث أسس هیوم نظریة فى الدین قائمة على ملاحظة الطبیعة الإنسانیة ذاتها من حیث أهوائها، وحاجاتها، ودوافعها، ومیولها، فضلاً عن ملاحظة الفاعلیات الاجتماعیة([22]).

إن الذى أثار انتباه الفیلسوف التأویلى محمد عثمان الخشت حول فلسفة الدین الهیومیة، هو أن هیوم قدم قراءات مجددة تختلف کل الاختلاف عن الدراسات الکلاسیکیة للدین، خاصة وأنه سعى إلى وضع دراسة علمیة وضعیة للدین، حدد فیها ما هو أساسی وطبیعی فى الاعتقاد الدینی، من خلال تتبع التاریخ الطبیعی للدین Natural History of Religion ، الذى یعکس رفضه للتاریخ التقدیسی للدین. وبلغة أخرى اهتم هیوم – بالدین – الذى أنتج داخل التاریخ، دون الدین الذى یشکل ما فوق التاریخ الذى اهتمت به الکتب السماویة الکبرى بشرحه وتقدیمه، وهذه الطریقة اعتبرها الخشت محاولة جبارة قام بها هیوم فى قراءته للدین، بما أنه أسس رؤیته للدین على ملاحظة الطبیعة البشریة ذاتها من حیث أهوائها وحاجاتها ودوافعها([23]).

وهنا لابد أن أسأل فیلسوفنا التأویلی قائلاً: إذا کان هیوم قام بدراسة مسحیة لنشأة الاعتقاد الدینى فى التاریخ، فما هو أصل الدین عند هیوم؟

یرى الخشت أنه شاع فى عصر هیوم تفسیران لنشأة الاعتقاد الدینی: أولهما یقول بأن الدین الأول للإنسان کان هو التوحید الإلهی الذى عرفه الإنسان عن طریق الوحی ولیس عن طریق التأمل النظری، ثم حاد الإنسان عن التوحید وسقط نتیجة الخطیئة فى الشرک والوثنیة، وثانیهما: یقول بأن تعدد الألهة أو الشرک کان هو أول مظهر للدین، وقد عرفه الإنسان نتیجة التأمل فى انتظام الکون، والبحث عن علل ظواهر الطبیعة، وکان القائل بهذا التفسیر هو "فونتنیل"، وقد وافق هیوم رأى "فونتنیل" فى أن الشرک کان المظهر الأول للدین، ولکنه على حد تعبیر الخشت – اختلف معه-  فى تحدید الأسباب التى أدت بالإنسان إلى الشرک، إذ یستبعد هیوم أن یکون التأمل النظرى  فى انتظام علل الطبیعة من بین الاهتمامات التى شغلت تفکیر الإنسان البدائى بهمجیته وبربریته. فکما قال هیوم على لسان الخشت" لقد کان الشرک هو الدین الأول للإنسان"([24]).

یحاول الفیلسوف التأویلی محمد عثمان الخشت أن یُبحر فى عمق النص الهیومی، فإذا کان "الشرک هو الدین الأول للإنسانیة"([25]) على حد تعبیر دیفید هیوم Polytheism was the primary Religion of men"، فلو وضعنا فى الاعتبار الکیفیة التى تحول من خلالها المجتمع البشری منذ النشأة الأولى فى عصر الجاهلیة، وکیف وصل إلى حالة الکمال الأعظم greater perfection التى هو علیها الآن ، فإننی أقول أن الشرک polytheism أو الوثنیةidolatry یجب أن یکون الدین الأول فى تاریخ البشریة([26]). فلو أننا نظرنا 1700 سنة مضت لوجدنا النوع الإنسانی کله غارقًا فى الشرک([27]).

ویبدأ الخشت فى البرهنة على ما قال به دیفید هیوم فیقول "إننا إذ نرجع إلى الوراء فى أعماق العصور القدیمة، وکلما توغلنا، نجد النوع الإنسانی غارقًا فى الشرک، ولیس هناک ما یدل على أن الإنسانیة فى ذلک التاریخ السحیق، قد عرفت أیَّ دین آخر یتسم بصورة أکثر کمالاً من الشرک. ومعظم المدونات القدیمة عن النوع الإنسانی لا تزال تقدم لنا هذه المنظومة (أى عقیدة الشرک) بوصفها عقیدة شائعة وراسخة، فالشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، یقدمون دلیلهم الاجتماعی على الواقعة نفسها"([28]). وهذا یعد عند هیوم کما – یقول الخشت – دلیل من الکمال والقوة بحیث لا یوجد دلیل آخر یمکن أن یعارضه([29]).

وإذا کان الشرک کما – یقول هیوم – هو الأصل الأول للأدیان الإنسانیة، فکیف وصل الإنسان الأول إلیه ؟

یستخلص الخشت تأویله من النصوص الهیومیة بقوله "إن أفکار الدین الأول لم تنشأ من التفکیر فى أعمال الطبیعة، وإنما نشأت من القلق إزاء أحداث الحیاة، ومن الآمال والمخاوف المستمرة التى تحرک العقل الإنسانی" فلم یکن الإنسان البدائى حلى حد تعبیر – فیلسوفنا التأویلی – یملک من الوعی ما یجعله یفکر نظریًا فى الظواهر الکونیة، ولم یکن مشغولاً بالتفسیر العقلى لأعمال الطبیعة لمعرفة العلل الحقیقیة التى تکمن وراءها، فضلاً عن کونه لم یکن لیرقى بتفکیره إلى درجة افتراض أنها تُرد فى النهایة إلى علة واحدة کبرى([30]).

یقول هیوم موضحًا ما سبق "ینشأ الدین البدائى primary Religion  للنوع الإنسانی من الخوف والقلق من أحداث المستقبل، ومن الأفکار التى یضمرها الإنسان عن القوى اللامرئیة، وغیر المعروفة"([31]) ، فتقلب أحداث الحیاة بین صحة ومرض، وبین نجاح وفشل، وبین انتصار وهزیمة، وبین سعادة وتعاسة، وبین حظ مواتٍ وحظٍ معاکس، وتعدد أحوال الظواهر الطبیعیة بین أحوال مفیدة وأحوال ضارة، والحوادث الکونیة المفاجئة مثل الزلازل والبراکین والفیضانات والصواعق والعواصف، کل ذلک وما شابهه جعل الإنسان فى حالة من القلق الدائم والخوف والأمل المستمرین، ونتج عن هذه الحالة أن عزا الإنسان کل ظاهرة طبیعیة وکل شأن من شئون الحیاة إلى قوى خفیة عاقلة، وتعددت هذه القوى بتعدد الظواهر الطبیعیة وشئون الحیاة، ونسب الإنسان لتلک القوى الخفیة أو الآلهة اختصاصات محددة، وقسم مناطق نفوذها، فجونو یتوسل إلیها فى الزواج، ولوسینا فى الولادة، ونبتون یستقبل صلوات البحارة، ومارس یستقبل صلوات المحاربین، والمزارع یحرث حقله تحت رعایة کیرس، والتاجر یسلم بسلطة عطارد Mercury. ویفترض أن کل حادثة طبیعیة محکومة بقوة عاقلة ما، ولا شىء ناجح أو مناوىء یمکن أن یحدث فى الحیاة بدون أن یکون متوقفًا على صلوات خصوصیة أو شکر"([32]). ولما کان الإنسان یستشعر الخوف من تلک الآلهة، فقد حاول أن یسترضیها مثلما یسترضی إنسان إنسانًا آخر ذا جاه أو منصب([33]).

وفى هذه الحالة یقول الخشت: "أن هیوم رفض رأى فونتنیل الذى فحواه أن الإنسان الأول اعتقد فى تعدد الآلهة نتیجة التأمل فى الظواهر الطبیعیة، ومحاولة اکتشاف العلل التى تحرکها. ویؤکد فى المقابل أن تحلیل الطبیعة النفسیة والعقلیة للإنسان البدائی یکشف عن کونه لم یکن مهتمًا بمسألة التفسیر النظرى لإنتظام الظواهر الطبیعیة والکونیة، وإنما کان مهتمًا بمحاولة التغلب على شعوره بالخوف على حاضره ومستقبله، وهذا الخوف هو الذى جعل خیاله یجسد قوى الطبیعة تجسیدات شخصیة على شکل آلهة، لکنها آلهة لها صفات بشریة مضخمة من حیث درجة القوة واستمراریة البقاء، ومن ثم یمکن استرضاؤها بوسائل الاسترضاء الإنسانى رغبة فى اجتذاب خیرها واتقاء غضبها"([34]).

ما سبق طرحه على لسان - الخشت التأویلی – مفاده أن هیوم حاول فى تفسیر أصل الدین إقامة مشروع سیکولوجی أهَّم خصائصه "علم الإنسان" Science of Man([35])، حیث سعى هیوم إلى تطویر ما سماه بعلم الإنسان أو علم الطبیعة البشریة، من خلال الترکیز على أنشطة الذهن البشری فى علاج هذه المشکلات الفلسفیة الغیبیة([36]). وهذا ما حاول أن یصل إلیه الخشت فى تأویله، حیث جعل محور تفکیر هیوم فى مسألة الدین الإنسان، فبدأ الخشت هنا من الإنسان کمحور رئیس فى الکون لیصل منه إلى خالقه أى الإنتقال – من الجزء إلى الکل – معلنًا أن هیوم فى تفکیره الدینی لم یکن یرمی إلى عقلانیة صرفة بینما الأمور الغیبیة هى التى جعلت الإنسان یفسر فى خلق الکون، وعلیها ظهر الشرک کأصل أول للدین عند هیوم.

وبالفعل فقد جادل هیوم بأن التفکیر العقلانی أو التضرع إلى الله الخالق لا یمکن أن یکون سببًا لوجودنا فى هذا العالم المادی، والفلسفة التى تسعى إلى هذه التفسیرات أو تبریر ذلک الاعتقاد هى فلسفة جوفاء یضیع وقتها بلا ثمن([37]). وقد أقر - الخشت قول هولاند السابق – حیث یرى فیلسوفنا التأویلى محمد عثمان الخشت أن هیوم وجه نقدًا عنیفًا للطقوس والشعائر الدینیة، فتراه یقول (أى هیوم): "یعتقد بشکل عام أن الثناء على الإله لا یعدو أن یکون طقوسًا عدیمة الشأن أو دروشة أو تصدیقًا غیبیًا شدیدا، ولسنا بحاجة إلى الرجوع إلى العصور الغابرة، أو للذهاب إلى مناطق بعیدة لکى نتعرف على نماذج لهذا الإنتکاس"([38]).

وهنا یشرح الخشت ما قاله هیوم بطریقة تأویلیة لم یسبقه إلیها أحد، إذ یقول أن - مضمون موقف هیوم الدینی - ینطوى على أن العبادات الدینیة ینتج عنها برودة وخمول للقلب، وشیوع عادة النفاق والریاء، وسیادة مبدأ الغدر والزیف، فإذا کانت هذه العبادات تنطوى على ثناء الذات الإلهیة، فإنها تنزل من قیمة الألوهیة، لأن تصور الإله على أنه یشتاق للحمد والثناء یعنى أنه ذو عاطفة بشریة، وهذه العاطفة من أدنى العواطف البشریة وهى عاطفة الرغبة فى ثناء الآخرین واستحسانهم. أضف إلى ذلک أن هذا النوع من العبادة یهبط بالله إلى حالة بشریة متدنیة، حیث یستمتع البشر ویسعدون بالتملق والهدایا والاسترحام والتوسلات، لذا وجب إدانة تلک العبادات التى تهبط بالله إلى مستوى البشر، بل تتخیله – أحیانًا – فى وضع شیطان متقلب الأهواء یمارس قوته بلا حکمة وبدون شفقة([39]).

وقد نوه الخشت – القارىء – إلى أن دیفید هیوم یرفض مثل هذه العبادات، بل أراد هیوم إلغاءها تمامًا، لأن الشر سیصبح قرینًا لمعظم الخرافات الشعبیة. ویفسر الخشت - قول هیوم السابق - بأنه لو صح تصور الإله بمثل هذه العواطف البشریة التى تتوق إلى الهدایا والتملق، فإنه یمکن أن یستجیب الإله لطلبات البشر الشریرة المصحوبة بتقدیم بعض النذور له([40]). وقد اتَّفقَ مع هذا القول "کانط" Kant إذ یقول أن مما یدخل فى دائرة الوهم والخرافة الاعتقاد بأن وسیلة خلاص الإنسان وتبرئته لذاته تکمن فى الطقوس والشعائر، والإیمان ببعض المعتقدات وطاعة الکنیسة، والسبب الذی یستند إلیه "کانط" فى اعتبار أن مثل هذه الوسائل وهمیة وخرافیة کونها غیر أخلاقیة([41]).

وهنا یمکن القول أن الخشت فى رؤیته لموقف هیوم الدینى من العبادات، وکذلک مشکلة الشر فى العالم، یتفق تمامًا مع الفیلسوف الدینى "جون هیک" إذ رأى الأخیر أن هیوم استخدم مشکلة الشر باعتبارها حجة تدحض الإیمان بالله، فى حین أنه خلط بین ما یجب أن یکون علیه الفردوس باعتبارها بیئة للموجودات المتناهیة الکاملة، وما یجب أن یکون علیه العالم باعتباره بیئة للموجودات التى تمر بعملیة التحول نحو الکمال([42]).

مما سبق نستنتج أن هیوم هاجم التصور اللاهوتى Theological Conception للطبیعة البشریة من شتى جوانبه، فالاعتقاد فى القول بأن الله خلق جمیع الموجودات الإنسانیة Human Being لأجل بعض الأهداف الأخلاقیة (مثل العبادات) – مرفوضًا لدى هیوم – وإن کان هذا القول قد سیطر على معظم فلسفات الأخلاق فى بریطانیا العظمى خلال القرنین السابع عشر والثامن عشر، وهنا - خالف هیوم - قول أستاذه "هتشیسون" Hutcheson الذى رأى أن الأخلاق تبنى على التصور اللاهوتى للطبیعة البشریة([43]).  کما عارض أیضًا رأى جون هیک القائل بأن الدین فى الأصل هو أخلاق أُشعلت عن طریق المشاعر، فهو عبارة عن استجابة بشریة للإله، أو کما عبر عنه "هربرت سبنسر" الدین هوالاعتراف بأن کل الأشیاء هى مظاهر للقوى التى تفوق معرفتنا([44]).

وإذا کان هیوم رفض أدیان الشرک – کما یقول الخشت – وکذلک رفضه للتصور اللاهوتى للطبیعة البشریة من خلال رفضه لمشکلة الشر فى العالم، فهذا لا یعنى أن هیوم اعتنق دین التوحید، فالخشت یقرر أن هیوم رفض دین التوحید أیًا کان هذا الدین من زوایا متعددة على المستوى السیاسى والاجتماعی والفلسفی، فدین التوحید قد طالب بإزالة کل العقائد الأخرى، وجاهد من أجل القضاء على التعددیة وعلى الخلاف العقائدی، وهذا بدوره أدى إلى نشوء التعصب وشیوع الإضطهاد لدى اتباعه، مع أنه کان یجب بحکم کونه أکثر عقلانیة من الشرک، أن یبدى تسامحًا أکبر وعدالة أکثر، ولذلک فدین التوحید –کما یقرر الخشت – على لسان هیوم سواء کان یهودیًا أم مسیحیًا أم إسلامیًا هو دین خطر من الناحیة السیاسیة([45]).

وهنا لابد أن نسأل الخشت بوصفه الفیلسوف التجدیدى للفکر الدینی، إذا کان هیوم قام برفض کافة أدیان الشرک القدیمة، وکذلک التصورات اللاهوتیة للطبیعة البشریة، وأیضًا رفضه لمشکلة الشر فى العالم، ورفضه لدین التوحید من جمیع جوانبه، فما الدین الذى اعتنقه هیوم فى فلسفته ؟ وهل هذا الدین الهیومی یجعل من هیوم فیلسوفًا مؤمنًا بوجود الله تعالى أم لا ؟

عرض دیفید هیوم للدین الطبیعی Natural Religion  فی کتابین من کتبه هما: محاورات فی الدین الطبیعی، وثانیهما: التاریخ الطبیعی للدین – وفیهما آثار الشک فی إمکانیة التدلیل على وجود الله أو الحیاة الآخرة، متأثراً فى ذلک بمعاصریه من الفلاسفة الفرنسیین والإنجلیز فی الدین الطبیعی، وذلک إبان القرن الثامن عشر، حیث أن الدین الموحى به من عند الله ینقلنا إلى مجال یتجاوز حدود التجربة وحدود العقل، وهما قوام العلم([46]). ومع أن الدین الطبیعی هو دین الصفوة من بعض العقول الفلسفیة، إلا أن هیوم یرى أن إیمان الدین الطبیعی بإله واحد حکیم علیم لیس معتقدًا توحیدیًا خالصًا، لأنه یوجد مختلطاً بتصورات غیر ورعة عن الطبیعة الإلهیة([47]).

وهذا ما أقره بالفعل هیوم فى محاوراته، حیث یقول: "وفى الحق یا فیلون یبدو یقینًا أن الإنسان وإن یکن فى اهتیاج مزاجه عقب تفکیر عنیف فى العدید من نقائض العقل ونقائصه، قد ینبذ نبذًا تامًا کل اعتقاد ورأی، فإنه لیستحیل علیه أن یُصرح به فى سلوکه لبضع ساعات. فالموضوعات الخارجیة تضغط علیه، والعواطف تُلح علیه، فیتبدد تأمله الفلسفی الحزین، بل ولن یکون فى مقدور أقصى عنف فى مزاجه الخاص أن یبقى وقتًا ما على مظهر الشک البائس، ثم لأی سبب یفرض على نفسه مثل هذا العنف؟ هذه نقطة یستحیل علیه استحالة تامة أن یُقنع نفسه فیها اقتناعًا تامًا یوائم مبادئه الشکیة"([48]).

وعلى هذا القول الأخیر ینوه الخشت إلى أن هیوم لم یقبل الدین الطبیعی أیضًا – کما یظن البعض – أن هیوم اعتنق الدین الطبیعی، حیث إن هیوم قام بنقد أدلة وجود إله مفسر لوجود الکون، کما شکک فى صلاحیته، مما یدل على أن هیوم ضد الدین أیًا کان نوعه، لأنه یرفض الفرضیة التى یقوم علیها أی دین، أعنی أن هیوم یرفض فرضیة وجود الله على الإطلاق([49]). والدلیل على ذلک قوله "فالمسألة لیست تختص بوجود الله بل بطبیعته، وإننی لأقرر أن هذه الطبیعة کانت دائمًا مستغلقة على الفهم، مجهولة لنا لنقائص فى فهمنا البشرى. إن جوهر ذلک الذهن السامی وصفاته وطریقة وجوده وطبیعة بقائه هذه، وکذلک کل جزئیة تختص بهذا الموجود الإلهی غامضة على الناس"([50]).

ولم یتوقف الأمر عند هذا الحد – کما یقول الخشت – بل ذهب هیوم إلى أن الموت هو عدم تام، لأن الطبیعة تؤکد أن البدن والروح مرتبطان معًا من البدایة حتى النهایة، من المولد فالطفولة، إلى الصبى والشباب حتى الکهولة والشیخوخة، وکل منهما یتوافق مع الآخر ویلازمه تلازمًا طردیًا، بشکل یصعب معه الفصل بینهما، مما یؤکد أن النفس أو الروح تفنى بفناء الجسد، ومن ثم فلا معنى لوجود ثواب وعقاب أبدیین. وعلى هذا فالدین عند هیوم أمر غیر ممکن عقلیًا على مستوى أهم عقیدتین من عقائده وهما: وجود إله شخصی ذو عنایة بالکون، وخلود الروح([51]).

إن الذى جعل هیوم یصل إلى مثل هذا التجدیف وإنکار الیوم الآخر، هو إیمانه المطلق باقتران العلة بالمعلول، فتراه یقول :"أنه هناک ثمة ارتباط وثیق بین الواقعة الراهنة والواقعة المستنتجة منها، ولو لم یکن ثمة ما یربط بینهما لکان الاستنتاج فارغًا، فإذا سمعنا فى الظلمة ترکیبًا صوتیًا، وکلامًا معقولاً یؤکد لنا وجود شخص ما فى هذه الظلمة ..لماذا ؟ لأن هذه التراکیب الصوتیة وهذا الکلام المعقول هى آثار لوجود الإنسان، ومرتبطة به ارتباطًا شدیدًا. ولو قمنا بشرح جمیع الاستدلالات بین الوقائع لوجدناها قائمة على العلاقة بین العلة والمعلول (السبب والمسبب)، وأن هذه العلاقة قریبة أو بعیدة، وقد تکون مباشرةً أو غیر مباشرةٍ، فالحرارة والضوء آثاران جانبیان لوجود النار، ویجوز أن یستنتج أحدهما من الآخر"([52]).

ولم یقف هیوم عند هذا الحد، بل أدى به إقتران العلیة - أیضًا – إلى إنکار المعجزات، فالخشت یُصرح بأن هیوم هاجم مفهوم المعجزة، وبرهن على أن المعجزة خرق للمسلک العام للطبیعة، ولذلک لا یمکن حدوثها، ولا یمکن التصدیق بها. فالعقلیة العلمیة المتشبعة بفیزیاء نیوتن تؤکد انتظام واطراد قوانین الطبیعة بصورة لا تسمح أبدًا بوجود ذلک الاستثناء الذى یقتضیه حدوث المعجزات([53]). والدلیل على ذلک نجده فى کتابات هیوم ذاته، حیث یقول مستندًا إلى العلاقة القائمة بین العلة والمعلول: "أن جمیع استدلالاتنا المتعلقة بالوقائع الحیاتیة قائمة على العلاقة بین العلة والمعلول، إذ بواسطة هذه العلاقة یمکننا أن نذهب إلى ما بعد ذاکرتنا وحواسنا، فلو کان لک أن تسأل شخصًا عما یجعله یُصدق - واقعة حدثت -  وهو غائب عنها، کأن یعتقد مثلاً أن صدیقه فى فرنسا، فسوف یعطیک سببًا مقنعًا، وهذا السبب سیکون بعد واقعة أخرى: رسالة – مثلاً تلقاها منه، أو معرفة سابقة بقراراته ومشاریعه. وإذا ما عثر أحدهم على ساعة یدویة أو أی آلة أخرى فى جزیرة خالیة، فإنه سیستنتج – بالضرورة – أنه کان ثمة فى یوم ما بشر فى تلک الجزیرة، فجمیع استدلالاتنا المتعلقة بالوقائع الحیاتیة هى من نفس هذه الطبیعة. إذن هناک ارتباطًا بین الواقعة الراهنة والواقعة المستنتجة منها."([54]).

وتأکیدًا لما سبق طرحه یرى هیوم أن المعیار الأقصى الذى نحسم به کل الخصومات التى قد تنشأ فى الحیاة دومًا هو معیار مستمد من التجربة والملاحظة، فإذا لم تکن هذه التجربة متواترة تمام التواتر على جانب من جوانبها، تلقیناها بأحکام لا تخلو من التضارب والتناقض، فکثیرًا ما نتردد فى تصدیق الأخبار التى ینقلها الآخرون ، فنوازنها بما یقابلها من الحیثیات التى تولد الشک وقلة الیقین([55]).

إذن لم یکن بِدعًا أن یقرر الخشت مفاد رأیه عن هیوم، بأنه رفض المعجزات، وکذلک رفض الإیمان بالیوم الآخر – ما بعد الموت - فمما یؤکد قول الخشت –أیضًا - ألا وهو رفض هیوم لفرض الدین – وهو الله تعالى – قول "ولیم کلى رایت" فى تاریخ الفلسفة الحدیثة، حیث یقول "رایت": "أن هیوم عندما جاءه خبر وفاة والدته أثناء إقامته فى لندن، وجده مستر بویل (الشخص الذى کان یعیش معه فى نفس المنزل) فى کربٍ عمیقٍ، وحزنٍ شدیدٍ، ودموعه تتدفق بغزارة، فقال له بویل بعد أن واساه "صدیقى ! إن سبب هذا الحزن غیر المعتاد هو نبذک لمبادىء الدین وطرحها جانبًا، لأنک لو لم تفعل ذلک لواساک الإیمان الراسخ الذى یقول أن هذه السیدة الطیبة التى لیست هى أفضل الأمهات فحسب، بل هى أکثر المسیحیات تقوى، لابد لها أن تکون سعیدة الآن تمامًا فى دار العدل"([56]).

وإلى هذا الحد یخلص الخشت بتأویل صریح متضمنًا قراءته الهیومیة، وهذا التأویل –إن کان تأویلاً – هو أساس للمنهج البنیوى الذى أسسه الخشت فى فلسفة هیوم، فالخشت حاول جاهدًا تفکیک النصوص الهیومیة، ویبدأ فى تحلیل النصوص – المسکوت عنها – فى الدراسات الغربیة والعربیة، ومن خلال تحلیلاته ینبثق التأویل من رحم التحلیل، وإذا انبثق التأویل من رحم التحلیل، فإن الخشت یؤسس لمنهج البناء، إذن فما البناء الذى شیده الخشت – ویعد أساسًا متینًا- لفلسفة هیوم الدینیة ؟

إن الفیلسوف الذی یمقُت دین التوحید، والمعجزات، وکذلک خلود الروح، والحیاة الأخرویة، والثواب والعقاب، وأیضًا مشکلة الشر فى العالم کمشکلة أخلاقیة، علمًا بأن الأخلاق تنبثق من رحم الدین، فإن الفیلسوف الذى ینقض ذلک ما هو إلا ملحــد، وعلى حد تعبیر الخشت أن الإلحاد  Atheism مصطلح متعدد الدلالات، فلا یقصد به – فقط – إنکار وجود الله، وإنما له عشرة وجوه منها:

  1. السلوک والتصرف فى الحیاة  کما لو کان الله غیر موجود مع الإیمان نظریًا بوجود الله، وهذا هو الإلحاد العملی.
  2. عدم الاهتمام بوجود الله أو عدم وجوده.
  3. إنکار النبوات.
  4. نسبة التحکم فى بعض الظواهر الکونیة إلى غیر الله الأحد، أو الشرک.
  5. وصف الله بما یتنزه عنه من صفات وأفعال ، أو تأویل أسمائه على ما لا یلیق به.
  6. الاعتقاد فى الإنسان کوعی ووجود مبدع دون الإیمان بموجود مفارق.
  7. إنکار العنایة الإلهیة مع التسلیم بوجود الله.
  8. الاعتقاد فى أن إنسانًا ما له طابع إلهی أو من أصل إلهی.
  9. تحریف تفسیر آیات القرآن أو الطعن فى صحتها([57]).

الخشت وتأویل موقف هیوم المیتافیزیقی.

هل کان دیفید هیوم فیلسوفًا میتافیزیقیًا ؟؟ وإذا کان کذلک – فإلى أى حد یمکن قبول الفکرة القائلة "بأن هیوم کان النواة الأولى للوضعیة المنطقیة المعاصرة فى دحضها للمیتافیزیقا"" ؟؟ وإذا لم یکن هیوم میتافیزیقیًا – فما هى الرؤیة الجدیدة التى قدمها الخشت فى أطروحته للماجستیر مما جعل الدکتور مراد وهبه - یقول عنها فى المناقشة – أنها إبــداع فلسفى ؟

تلک هى الإشکالیة الرئیسیة والوحیدة التى یحاول البحث الإجابة عنها، ومن ثم تقدیم التأویلات الجدیدة التى حاول الخشت أن یبرهن علیها فى کتابه "العقل وما بعد الطبیعة" لیکشف النقاب بتأویله عن مضمون فلسفة دیفید هیوم التجریبیة حتى تصبح فلسفته أکثر عقلانیة، ومن ثم قبول - ما یمکن أن یندرج-  تحت مضمون العقلانیة من تبریرات میتافیزیقیة أو لاهوتیة، لذلک فإن الإجابات المقدمة فى البحث ستکون محدودة العمق والیقین، لأن البحث فى میتافیزیقا هیوم من منظور تأویلات الخشت یحتاج إلى العدید من الدراسات الفلسفیة والمیتافیزیقیة.

ولکی نبدأ فى فهم منهج التأویل المیتافیزیقی الذى قدمه الخشت هنا، لابد أن نعرف مفهوم المیتافیزیقا بوجه عام، وکذلک مضمون المنهج ذاته فى کتابات الخشت، فالمیتافیزیقا: هى إحدى الفروع الرئیسیة للفلسفة، وهى الفرع الذى یختص بمفهوم کینونة الوجود، ویختص أیضًا بمفاهیم عدیدة متصلة بهذا المفهوم، مثل الجوهر والمادة والمکان. وتتألف المیتافیزیقا من مبادىء المعرفة إطلاقًا، والأمور العامة للوجود، والألوهیة وهى رأس الوجود، وهى مباحث تشترک فى أعلى درجة من التجرید، وتسمى بالحکمة أو الفلسفة الأولى، أو العلم الإلهى([58]).

أما المنهج فیقصد به الخشت "مجموعة من القواعد والفرضیات والإجراءات والأمثلة لتحدید مدى وحدود الموضوع، وإنشاء طرق مقبولة للعمل ضمن هذه الحدود للوصول إلى الحقیقة" - وبعبارة أخرى – المنهج هو الطریقة التى نسیر علیها وفق قواعد ومعاییر للانتقال من المجهول إلى المعلوم، ومن الشک إلى المعرفة([59]).

وإذا کان المنهج – کما یقول الفیلسوف التأویلی – معاییر ننتقل بها من المجهول إلى المعلوم، فما هو المجهول أو بالأحرى – المسکوت عنه – فى میتافیزیقا هیوم؟

فى مقدمة کتاب تحقیق فى الذهن البشری An Enquiry Concerning Human Understanding أعلن هیوم مُفتتح لدحض المیتافیزیقا، إذ یقول: "إن الفلسفة البسیطة والواضحة ستظل دومًا تحظو بتفضیل عامة الناس لها على الفلسفة الدقیقة والمستعصیة (یقصد المیتافیزیقا)، وما من شک فى أن الکثیر سیوصون بها خیراً، لا لأنها أحب إلیهم فحسب، وإنما لکونها تعود علیهم بفائدة من الثانیة. حیث تدخل فى حیاة الناس، فتنقى القلب والأهواء، إذ أنها تشتغل بتلک المبادىء التى تُسیّر أفعال الناس، لُتصلح من سلوکهم وتقربهم من أنموذج الکمال الذى تصفه لهم. وعلى النقیض من ذلک، فإن الفلسفة الدقیقة المستغلقة لا تدخل فى مشاغل الحیاة أو العمل الإنسانی، ولا یمکن لمبادئها أن تحافظ بسهولة ویسر على أی تأثیر فى سیرتنا وسلوکنا"([60]).

ولا یقف هیوم عند هذا الحد بل قال بصریح العبارة: "إذا کان عامة الجنس البشری یکتفون بتفضیل الفلسفة البسیطة على الفلسفة المجردة المستغلقة بدون أن یحتقروها، فقد یکون من المناسب أن نُسایر هذا الرأى العام، وأن نوافق بأن یتصرف کل واحد دون اعتراض حسب شعوره الخاص، ولکننا فیما بعد، سنذهب جمیعًا إلى رفض جمیع الاستدلالات المتعمقة والمستغلقة ، بمعنى رفض کل ما یسمى عادة میتافیزیقا رفضًا مطلقًا"([61]).

ویسایر هیوم حملته الهجومیة على المیتافیزیقا حیث لا یقتصر على حد الرفض أو الدحض فحسب، وإنما یأخذ فى شرح الأسباب التى تجعل کافة البشر یستنکرونها فتراه یقول: "لکن یؤخذ على غموض الفلسفة المجردة المتعمقة (المیتافیزیقا) فى المبادىء الأولى أنها مُزعجة ومُرهقة، کما أنها مصدر للریبة والوهم لا عاصم منه، وهنا یکمن أفضل اعتراض على المیتافیزیقا لکونها لیست علمًا بأی معنى من معانی العلم، بل هى ولیدة عُقم جهود الغرور البشری الذى یرید الدخول فى موضوعات لا یمکن للذهن البشری أن یتعقلها، أو هی ولیدة مکر الخرافات الشعبیة التى تعجز أن تدفع عن نفسها فى أرض صالحة"([62]).

وهنا یأتى دور الخشت ویبدأ فى تأویل النصوص بشکل کلی لیقف على المعنى الباطنى للنص الهیومی، فیبدأ الخشت بتوضیح غرضه من التأویل ومن تفسیر المجهول فى کتاباته بقوله: "إن البحث الفلسفی یصعد من الشرح النصی إلى التأویل الفلسفی، عبر قراءة لا تتعقب التفاصیل ولا تغرق فى الجزئیات، لأنها قراءة للنسق فى بنائه الداخلی، قراءة کاشفة مشخصة للأعراض ، تقف عند لحظات المنهج لتتفحص  مدى عقلانیته، کما تقف عند الفضاء الموجود بین تلک اللحظات أو ورائها، لتتصید المعنى الباطنی (الجوانی) أکثر مما تتصید المعنى الظاهری (البرانی)، لیست قانعة بما هو منطوق به وحده، بل متطلعة إلى استنباط ما هو مسکوت عنه أو ما یعجز عنه نطاق القول"([63])

إذن یحاولالخشت تأویل میتافیزیقا هیوم من خلال الغوص والتعمق فى المسکوت عنه، فیستخدم منهجی التأویل والبناء  – وهما المناهج الوحیدة المناسبة للخشت فى میتافیزیقا هیوم – على الرغم من استخدامه لمناهج عدة فى کتاباته حسب ما یقتضیه البحث الذى یقوم به ؟ إذن ما التبریرات التى استند علیها الخشت فى تأویله لمیتافیزیقا هیوم ؟؟

        یبدأ الخشت فى تقدیم تبریراته الفلسفیة لإثبات وجود المیتافیزیقا العلمیة فى فلسفة هیوم، کما وصفه من قبل بالعقلانیة الدیکارتیة، فیرى الخشت أن هناک الکثیر من من کبار المؤرخین والفلاسفة حاولوا جاهدین إثبات تهافت النظریات القدیمة التى تقول بأن هیوم رفض المیتافیزیقا رفضًا کلیًا، وعلى رأس هؤلاء المؤرخین کان "إمیل برهییه" (1876- 1952)  حیث نص حرفیًا – کما یقول الخشت – على أن "هدف هیوم هو هدف کثیر من مفکرى زمانه وعلى الأخص منهم کوندیاک، وهو اتخاذ المیتافیزیقا علمًا" کما أن هناک فیلسوفًا کبیرًا مثل هیجل - یراه الخشت – أنه قد نص حرفیًا فى موسوعة العلوم الفلسفیة على أن: " کل فلسفة تصف نفسها بالتجریبیة العلمیة (ومنها طبعًا فلسفة هیوم) تستخدم مقولات میتافیزیقیة مثل: المادة، القوة، الواحد، الکثیر، العمومیة، واللامتناهى...إلخ، وتتابع هذه المقولات وتستخرج منها نتائجها، وهى بذلک تفترض الصورة القیاسیة (أو شکل القیاس فى التفکیر) وتستخدمها، دون أن تدرک طوال هذا الوقت أنها تتضمن فى جوفها المیتافیزیقا، وأنها تستعمل هذه المیتافیزیقا، وتستفید من هذه المقولات وتراکیبها بأسلوب غیر نقدى"([64]).  

        ویضیف الخشت أیضًا - أن هیجل أکد على - أن التحلیل الفلسفى الذى یبدأ من العینى (کما هو الحال عند هیوم) والاستحواز على هذه المادة یعطیه میزة لها اعتبارها یتفوق بها على التفکیر المجرد الذى کانت تأخذ به المیتافیزیقا القدیمة، فهو یؤکد الفروق والاختلافات فى الأشیاء، وتلک مسألة بالغة الأهمیة. لکن هذه الاختلافات نفسها لیس قبل کل شىء سوى صفات مجردة – أعنى أفکارًا – ولقد قیل أن هذه الأفکار هى الماهیة الحقیقیة للأشیاء، وهکذا نرى البدیهیة القدیمة التى کانت تأخذ بها المیتافیزیقا تعود إلى الظهور من جدید وهى القول بأن حقیقة الأشیاء تکمن فى الفکر([65]).

        ولکن على الرغم مما قاله الفیلسوف الألمانى الکبیر هیجل عن وجود نوع من المیتافیزیقا فى فلسفة هیوم إلا أن الخشت هنا یفصح عن أهمیة النص السابق حتى لا یتم تأویله من زاویة واحدة، فیقول الخشت: "ولا یعنى استشهادنا بهیجل أن میتافیزیقا هیوم کانت میتافیزیقا تقلیدیة، فقد تکون میتافیزیقا هیوم متضمنة لبعض مقولات المیتافیزیقا التقلیدیة، لکنها فى نهایة الأمر ومن حیث الجوهر تختلف تمامًا عن ذلک النوع من المیتافیزیقا التى کانت تحلق بأجنحة الوهم فى عالم الأحلام بعیدًا عن أرض الواقع"([66]).

        ویبرر الخشت موقفه من النصوص الهیجلیلة السابقة مستندًا هنا إلى ما قاله "بییر دوکاسیه" فى کتابه (الفلسفات الکبرى) لیبرهن بآراء دوکاسیه وجود نوع معین من المیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، حیث جاء على لسان دوکاسیه قوله: "أما هدف هیوم فإنه ینحصر فى محاولة تحویل المیتافیزیقا إلى علم (نیوتونى) وفى الإنتقال من أحکامنا الفردیة على الأشیاء إلى مبادئها العامة"([67]). ویستند الخشت هنا أیضًا إلى ما قاله الفیلسوف الإنجلیزى برتراند رسل فى "حکمة الغرب" عن فلسفة هیوم بقوله: " توحى محاولته – أى هیوم – تشیید مذهب جدید بأنه تأثر بالمذهب العقلى السائد فى القارة الأوربیة، وذلک بسبب الصلات التى ربطت بینه وبین المفکرین الفرنسیین الذین ظلوا متأثرین بالمبادىء الدیکارتیة"([68]).

          إن الذى حدا بالخشت إلى ذکر هذه الدلالات التى تؤکد أن فلسفة هیوم – فلسفة تحوی فى باطنها میتافیزیقا علمیة – ما ذکره هیوم أیضًا فى بعض سطور کتابه – تحقیق فى الذهن البشری – إذ یقول: "والطریقة الوحیدة لتخلیص العلم مرة واحدة من هذه المسائل الملتویة، هو أن نبحث بجدیة فى طبیعة الفهم البشری، وأن نُظهر بالتحلیل الدقیق قدرته وطاقته، أنه لیس بوسعه – بأى شکل من الأشکال – أن ینخرط فى مثل هذه المسائل البعیدة الشائکة. وعلینا أن نتحمل هذه المشقة لکی نعیش، بلطف ما تبقى من الزمان. وعلینا أن نراعی المیتافیزیقا الحقیقیة، ونعتنى بها، لکی نقوض المیتافیزیقا المزورة. فالدواء الناجح الوحید  الشافی لکل الأشخاص وکافة الأوضاع هو الاستدلال السلیم، وهو وحده القادر على تقویض الفلسفة الشائکة واللغو المیتافیزیقی"([69]).

        یمکن القول أن الخشت بنى تأویلاته المیتافیزیقیة فى فلسفة هیوم من خلال سطور النص السابق، حیث عمل الخشت على الخوض فى باطن النص ولیس ظاهره، ومضمون النص السابق جعل الخشت یستشهد بالکثیرین الذین قالوا بأن فلسفة هیوم تحوى فى باطنها میتافیزیقا علمیة أمثال "إمیل برهییه"، "بییر دو کاسیه"،  "هیجل" ،"برتراند رسل". بل ثمة رؤیة أخرى أضافها محرر الموسوعة الفلسفیة عن المیتافیزیقا – کما یقول الخشت – حیث یقول المحرر: "وثمة تحول للتأکید أکثر إثارة للانتباه حین ننتقل إلى المیتافیزیقیین النقدیین هیوم وکانط..." کما یقول المحرر فى موضع آخر: "ویتطلب هیوم وکانط، ذلکما المیتافیزیقیان النقدیان، انتباهًا خاصًا منفصلاً"([70]). وعندما یتکلم کانط عن هیوم وخصومه فإنه یقول أنهم: "أنکروا ما قام به – یقصد هیوم – من أجل إصلاح المیتافیزیقا". والأکثر من هذا کله – کما یقول الخشت – أن هناک نصوصًا عند هیوم تشیر صراحة إلى کونه لم یرفض المیتافیزیقا على الإطلاق، وإنما رفض المیتافیزیقا الزائفة فحسب، حیث وصف -هیوم البحث - فى طبیعة العقل الإنسانى أنه: "تحصیل المیتافیزیقا الحقة بشىء من العنایة لتحطیم المیتافیزیقا الزائفة والدخیلة"([71]).

ویؤکد الخشت أن هناک نصوصًا لـ "هیـوم" تثیر الشک فى تجریبیته الأصیلة مثل قوله: " مهما کانت درجة ترکیزنا لانتباهنا خارج أنفسنا، ومهما تعقبنا خیالنا إلى السموات أو إلى أطراف الکون، فلن نتقدم بالفعل خطوة واحدة خارج أنفسنا". أضف إلى ذلک أن المنهج التجریبى فى العلوم الطبیعیة الذى حاول هیوم إدخاله فى الفلسفة – کما یقول الخشت – هو نفسه عقلانى البدایة والأصل"([72]).

وبعد أن قام الخشت بتقدیم تبریراته التى استند علیها فى جعل فیلسوفه میتافیزیقیًا، فإن السؤال الذى یتبادر إلى الأذهان فى هذا المقام یکون کالتالى:

        إذا کان هیوم فیلسوفًا میتافیزیقیًا، فبأى معنى کان میتافیزیقیًا ..؟؟

یرى الخشت أن الإجابة الدقیقة على هذا التساؤل تلزمنا منطقیًا بضرورة البدء بتحدید معانى المیتافیزیقا السائدة فى الوسط الفلسفى، حیث تذکر الموسوعة الفلسفیة – کما یقول الخشت([73]) – عدة معان للمیتافیزیقا، وهى کالتالى:

  1. المیتافیزیقا دراسة شاملة لما هو جوهرى فى المعرفة والتفسیر والوجود.
  2. وهى دراسة للواقع من حیث أنه یقابل الظاهر المحض.
  3. وموضوعها هو – أو قد کان – مما یتجاوز الخبرة.
  4. المیتافیزیقا دراسة الجهاز العقلى أو حدود الکائنات الإنسانیة، أو هکذا ینبغى أن تکون.
  5. ومنهجها "قبلى" أکثر من أن یکون تجریبیًا أو هکذا کان.
  6. تقترح المیتافیزیقا مراجعة لمجموعة الأفکار التى على أساسها نفکر فى العالم، وتغییرات فى مجموعة أفکارنا، وطریقة جدیدة فى الکلام.

ویفسر الخشت هذه المعانى السابقة من خلال النظر فى معنى ومدلول کل تعریف من التعریفات السابقة، فیرى أن الناظر فى قائمة التعریفات السابقة وفى مضمون العمل الفلسفى عند هیوم، یجد أنه کان میتافیزیقیًا بالمعنى الرابع والسادس والأول، فى حین أنه هاجم سائر معانى المیتافیزیقا المذکورة فى القائمة، حیث یمیز هیوم بین معان مقبولة للمیتافیزیقا ومعان مرفوضة لها، فالأولى تجعل المیتافیزیقا علمًا، والثانیة تدخلها فى دائرة الرؤى والأحلام([74]).

وإذا کان کانط – کما یقول الخشت – قد رأى أن المیتافیزیقا عبارة عن نقدٍ للعقل المحض، ونقدٍ للعقل العملى، ونقدٍ لملکة الحکم، أى أنها عبارة عن فحص للملکات الإنسانیة بهدف الکشف عن حدود الملکات لتقریر إمکان المیتافیزیقا بوجه عام وتحدید مصادرها ومداها وحدودها. وبهذا التأویل الکانطى للمیتافیزیقا سعى هیوم – کما یقول الخشت – فى أن یقیم المیتافیزیقا علمًا دقیقًا، ورأى أن هذا لا یتأتى إلا بجعل موضوعها هو "تحلیل الطبیعة الإنسانیة بطریقة منظمة بهدف استکشاف مبادىء الطبیعة الإنسانیة، حیث أراد إیجاد نظریة عامة تمامًا عن تلک الطبیعة تفسر الأسباب التى تجعل الکائنات الإنسانیة تفکر، تدرک، تفعل، وتشعر([75]).

وهنا یلاحظ الخشت – أن المیتافیزیقا مع هیوم – أصبحت علمًا للإنسان، حیث صارت تتساءل عن شروط ومبادىء المعرفة والأخلاق والعواطف، کما أصبحت ذات أهمیة جوهریة لکل العلوم الأخرى التى تعتمد علیها أساسیًا، فالهندسة، والفلسفة الطبیعیة (أى علم الطبیعة)، والدین الطبیعى، تعتمد کلها على علم الإنسان لأنها تخضع لمعرفة الإنسان وتحکمها طاقاته وقدراته، ومن ثم یلزم أن نعرف حدود وطبیعة هذه الطاقات والملکات إذ ما أردنا لتلک العلوم أن تقوم على أساس سلیم. وتعتبر علوم المنطق، والأخلاق، والنقد، والسیاسة أکثر قربًا وصلة بالطبیعة الإنسانیة([76]).

إن ما سبق تقدیمه عن میتافیزیقا هیوم من منظور تأویلى لفلسفته، نجد أن الخشت هنا – یساوى بین المیتافیزیقا وعلم الإنسان – فکما یقول أن هیوم یزعم فى تقدیمه لعلم الإنسان (= المیتافیزیقا) إنما یقدم فى الواقع نسقًا تامًا للعلوم معتمدًا على أساس جدید تمامًا على وجه التقریب، ویعد هذا هو الأساس الوحید الذى یمکن للعلوم أن تقوم علیه بشکل آمن. إذن فالمیتافیزیقا (= علم الإنسان) هو أساس کل العلوم النظریة والعملیة، ولذا فإن تقدیم تصورات جدیدة عن الطبیعة الإنسانیة لابد أن یترتب علیه تغییر فى تصورات تلک العلوم، وعلیها کانت المیتافیزیقا فى فلسفة هیوم مساویة لعلم الإنسان ذلک العلم الذى یعتبره هیوم أساسًا لکل العلوم الأخرى التى تندرج تحته([77]).

وفضلاً عن هذا یقول الخشت – أن هیوم أعلن صراحة – أن هدفه یتمثل فى محاولة إدخال منهج الإستدلال التجریبى فى الموضوعات الأخلاقیة، وبصرف النظر عن حقیقة ذلک المنهج: هل هو فعلاً منهج تجریبى أم أنه عقلى، فإن من الواضح أن هیوم مهتم بتحقیق تقدم فى الموضوعات الأخلاقیة مثل التقدم الذى حققه نیوتن فى علم الطبیعة، ولیس المقصود بالموضوعات الأخلاقیة هنا – نفس المعنى الدلالى الذى یحمله علم الأخلاق الآن، وإنما کان المقصود به على وجه التحدید هو "المیتافیزیقا" فقد کان تعبیر الموضوعات الأخلاقیة فى القرن الثامن عشر یعادل کلمة المیتافیزیقا، وقد صرح هیوم بذلک فى عبارة له یقول فیها: "تتمثل العقبة الرئیسیة التى تقف أمام تقدمنا فى العلوم الأخلاقیة أو المیتافیزیقیة فى غموض الأفکار والتباس معانى المصطلحات"([78]).

لقد أکد الخشت فى تأویله لمیتافیزیقا هیوم، أن محور اهتمام دیفید هیوم هو القضاء على غموض أفکار المیتافیزیقا من خلال تحلیل العقل الإنسانى وطاقاته وحدوده وطبیعة أفکاره، إنما یعد فى طلیعة میتافیزیقى القرن الثامن عشر، حیث کان موضوع المیتافیزیقا فى القرن الثامن عشر هو دراسة العقل الإنسانى وفحص ملکاته، أو کما یقول - الأب بوفییه – (1661- 1737م) : "إن موضوع المیتافیزیقا هو القیام بتحلیل صحیح جدًا لموضوعات الذهن بحیث نجرى محاکمتنا العقلیة بصدد الأشیاء بأعظم قدر ممکن من الصحة والدقة"([79]). ولا شک هنا کما یقول الخشت – أن الموضوع الذى کان یدرسه هیوم یتطابق تمامًا مع موضوع المیتافیزیقا الذى یتحدث عنه الأب بوفییه.

من خلال السطور السابقة یتضح أن الخشت یرى من خلال النصوص الهیومیة أن فیلسوفه کان میتافیزیقیا من الطراز الأول، ولکن میتافیزیقا هیوم کما - صرح الخشت – تختلف عن المیتافیزیقا التقلیدیة التى تحلق فى أفاق من الیوتوبیا والأحلام، وإنما المیتافیزیقا التى قصدها هیوم فى بحثه کانت هى المیتافیزیقا العلمیة، وبالتالى فإن هیوم من منظور تأویلات الخشت لم یرفض المیتافیزیقا بالمعنى الکلى للکلمة، وإنما بالفعل رفض المیتافیزیقا التقلیدیة التى لا تستند فى منهجها إلى واقعیات الکون، وإنما کان مرجعها هو أن تحلق فى عالم خیالى من الرؤى والأحلام الیوتوبیة.

ویأتى السؤال الذى یطرحه الخشت، ویراه الباحث من الأسئلة المهمة والشائکة فى حقل الدراسات المیتافیزیقیة على الإطلاق، حیث کان هذا السؤال بالفعل المرجع الرئیسى الذى استندت إلیه الوضعیة المنطقیة برمتها فى دحض المیتافیزیقا، والسـؤال کالتالى:

لماذا اعتبر المحللون والکتاب هیوم محطمًا لکل میتافیزیقا على الإطلاق؟؟   

یرى الخشت أن الإجابة على هذا التساؤل الفلسفى تکمن فى ثلاث نقاط مهمة([80])، کالتالى:

الأول: أن میتافیزیقا هیوم کانت میتافیزیقا جدیدة، تمثل فى حقیقتها ثورة جذریة على کل المیتافیزیقیات التقلیدیة، فظن المحللون أن تلک الثورة الجذریة تعنى رفض المیتافیزیقا على الإطلاق. وکان ظنهم هذا نتیجة أنهم اعتادوا قیاس الحاضر على الماضى، فقاسوا مواقف هیوم الفلسفیة على میتافیزیقیات الماضى، فوجدوها مباینة لها تمامًا، ومن ثم صدر حکمهم المتقدم، ونسوا أن میتافیزیقیات الماضى لیست کل المیتافیزیقا، وأنها لا تعدو أن تکون محاولات إنسانیة أولى لفهم العالم لابد من تجاوزها فى یوم ما.

        الثانى: وهذا السبب متفرع عن السبب الأول .. ویتمثل فى الظن بأن تفنید هیوم الفلسفى للأدلة القبلیة والبعدیة على تحدید طبیعة الله وإنکاره للأدلة على جوهریة النفس – یعنى أنه لیس میتافیزیقیا- فأن تکون میتافیزیقیا فى نظرهم لابد أن تکون مؤمنًا من الناحیة الفلسفیة بطبیعة محددة لله ومعتقدًا فى جوهریة النفس.

ولا ریب أن هذا ظن خاطىء لأن هیوم إذ یتفلسف على ذلک النحو إنما یقدم تصورات جدیدة للکون والحیاة والإنسان، تقنع بالوقوف عند هذا العالم، وتلتمس مبادىء تفسیره من داخله. وبالتالى فإنه یقدم میتافیزیقا جدیدة تسعى لاکتشاف الحقیقة الموجودة داخل العالم بدلاً من التحلیق فى عوالم الأوهام.

        الثالث: الفهم الخاطىء لقول هیوم: "أننا إذا ما استعرضنا المکتبات مزودین بهذه المبادىء فیالها من إبادة تلک التى نضطر إلى فعلها، فلو تناولنا بأیدینا کتابًا کائنًا ما کان، کتابًا فى اللاهوت أو فى المیتافیزیقا المدرسیة – مثلاً – فلنسأل هل یحتوى هذا الکتاب على تدلیلات مجردة خاصة بالکم والعدد ؟؟ لا ..هل یحتوى على تدلیلات تجریبیة خاصة بأمور الواقع والوجود ؟؟ لا .. إذن فألق به إلى النار لأنه یستحیل أن ینطوى على شىء غیر السفسطة والوهم". أضف إلى هذا النص الأخیر الذى استشهد به الخشت قول هیوم – أیضًا – "أنه عندما یکون إلتحام أجزاء قطعة الحجر أو حتى ذلک التألیف بین الأجزاء الذى یجعلها ممتدة، أقول عندما تکون هذه الموضوعات المألوفة مستعصیة التفسیر، ومشتملة على ملابسات بالغة التنافر والتناقض، فکیف نستطیع أن نصل إلى رأى قاطع فى أصل العوالم، أو نتتبع تاریخها من الأزل إلى الأبد"([81]).

        وفى محاورته مع فیلون ذکر هیوم على لسان بامفیلوس هذا التساؤل العجیب، والذى مفاده أنه لا جدوى من دراسة المیتافیزیقا، إذ یسأل صدیق المحاورة قائلاً: "وماذا أنت قائل فى شخص لم یکن لدیه شىء جزئی یُطبق علیه حجج "کوبرنیقوس" و "جالیلیو" عن حرکة الأرض فامتنع عن التصدیق بها استنادًا إلى ذلک المبدأ العام، وهو أن هذه الموضوعات أبعد من أن یفسرها عقل البشر الضیق المغالط"([82]).

من هنا یمکن القول أن هذه النصوص التى ذکرها هیوم فى کتاباته "بحث فى العقل الإنسانى" وکذلک فى "محاورات فى الدین الطبیعی" یستشهد بها المحللون دائمًا على رفض هیوم للمیتافیزیقا على الإطلاق. فقد أخذ بهذا النص السابق کل من: "کارناب" و "آیر"(*)  و"جون ویزدم"(**) من دعاة الوضعیة المنطقیة Logical positivism حیث رأى "کارناب" أن المیتافیزیقا محاولة للتعبیر عن أشیاء لا یستطیع العلم التجریبی تناولها، ولا یقوى على الوصول إلیها، حیث قسم کارناب القضایا التى تحمل معنى إلى ثلاث فئات، الأولى: قضایا صادقة بالنسبة لصورتها وحدها (القضایا التحلیلیة فى المنطق والریاضیات) وهى لا تخبرنا بشىء عن الواقع، الثانیة: قضایا تنطوى على تناقض منطقی وهذه قضایا کاذبة بالنسبة لصورتها، الثالثة: قضایا تجریبیة وقد تکون صادقة أو کاذبة([83]).

        وأما القضایا التى لا تنتمی إلى أی من هذه الفئات الثلاثة، فهی خلو من کل معنى، وقضایا المیتافیزیقا عند کارناب – من هذا القبیل – حیث أکد أن العمل الأساسی للوضعیة المنطقیة هو التحلیل المنطقی لا الفلسفة، والفلسفة التى یتبرأ منها هى المیتافیزیقا بالمعنى الذى یجعل المیتافیزیقا بحث فى أشیاء لا تقع فى المجال الحسی مثل "الشىء فى ذاته" و "المطلق" و "المثل الأفلاطونیة" و "العلة الأولى للعالم" و "العدم" و "القیم الأخلاقیة والجمالیة" وما إلى ذلک([84]).

        وقد انسحب هذا الموقف الرافض للمیتافیزیقا إلى الأخلاق، حیث یقول هانز رایشنباخ "إن البدیهیات الأخلاقیة Ethical Axioms لیست حقائق ضروریة، لأنها لیست حقائق من أی نوع، فالحقیقة صفة لقضایا، بینما التعبیرات اللغویة الأخلاقیة لیست قضایا statements بل هى توجیهات directives، والتوجیه لا یمکن تصنیفه على أساس کونه صوابًا أو خطأً، فالجمل التوجیهیة لها طبیعة منطقیة تحتلف عن طبیعة الجمل الإخباریة"([85]). فلو أتاک فیلسوف – على حد تعبیر رایشنباخ – یُخبرک بأنه قد اهتدى للحقیقیة النهائیة ultimate truth فلا تُصدقه، لأنه یردد أخطاء ظل أسلافه یرتکبونها طوال 2000 عام. فالفیلسوف یجب أن یکون متواضعًا کالعالم، وعندئذ قد یُحرز من النجاح ما أحرزه رجل العلم، وذلک حین یتوقف عن أسئلة ما ینبغی أن یکون([86]). وقد انبثق موقفهم هذا من علم الأخلاق من موقفهم الفلسفی العام – کما یقول الخشت – فهم لا یؤمنون إلا بما هو وضعی حسی وثبت علمیًا ویمکن التحقق منه بواسطة مبدأ التحقق من المعنى principle of Verification ، فما ثبت أنه واقعة حسیة معطاة تجریبیًا هو الصادق، وما هو معارض للمعطى الحسی هو الکاذب، أما ما لا یمکن التحقق منه، بأن نجد أنه لا هو متوافق مع الواقع الحسی، ولا هو متعارض معه، فهذا یکون أمرًا بلا معنى meaningless ومجرد لغو. ومن هذا القبیل فى مجال الدین: الألوهیة، الروح، الملائکة،....إلخ، أما فى مجال المیتافیزیقا فمثل: العلة، الجوهر، العدم، الوجود الکلی،...إلخ([87]).

        ومن هنا یرفض الوضعیون المناطقة الأخلاق ذات الطابع المیتافیزیقی أو الدینی، لأنها خالیة من المعنى، إذ لا یمکن التحقق منها لخلو قضایاها من المضمون التجریبی. وحاولوا إقامة الأخلاق على المنفعة أو تحقیق سعادة الإنسان([88]). وعلى ذلک یکون الوضعیون المناطقة طالبوا – بالفعل – حذف المیتافیزیقا من مجال البحث الفلسفى بزعم خلوها من المعنى، فى حین رفض "کارل بوبر" موقف الوضعیین المناطقة وهاجمه بشدة مبینًا تهافته([89]).   

        وهنا یمکن القول أن "کارناب" و "رایشنباخ" وکل دعاة الوضعیة المنطقیة اعتمدوا اعتمادًا کلیًا على ما قال به دیفید هیوم فى شأن المیتافیزیقا،  فقد عقب کارناب على قول هیوم "ونحن على اتفاق مع هذا الرأى الذى یدین به هیوم – وخلاصته مترجمًا إلى لغتنا – أى لغة الوضعیة المنطقیة، أن قوانین العلوم الریاضیة والتجریبیة هى وحدها التى تحمل معنى، أما غیرها من قضایا العلوم المزعومة الأخرى فإنها عدیمة المعنى، لأنها فى رأیه تحصیل حاصل لا تنبىء عن علم جدید([90]).

فالمیتافیزیقا أقرب إلى الشعر – على حد تعبیر کارناب – ولکن الفرق بین المیتافیزیقی والشاعر أن المیتافیزیقی لا یعترف بأن أقواله ولیدة الانفعال والعاطفة، أما الشاعر فهو یسلم بأن شعره مجرد أداة فنیة یعبر بها عن شعوره بالحیاة، والموسیقى أقدر من الفلسفة فى التعبیر عن هذا الشعور: فالمیتافیزیقی موسیقی تنقصه کل المواهب الموسیقیة([91]).

وهنا یفسر الخشت النص السابق الذى اعتمد علیه الوضعیون المناطقة، ذلک النص الذى یعد نکسة لمیتافیزیقا هیوم، وبل ونکسة المیتافیزیقا المعاصرة، فیقول الخشت: "لکن لو أمعنا النظر فى عبارات هذا النص لوجدنا أن هیوم لم ینصح بإبادة کتب المیتافیزیقا مطلقًا دون تقیید بشرط أو سبب، وإنما اشترط خلوها من الاستدلالات الاستنباطیة والاستقرائیة، لأنها بفقدانها لهذه الاستدلالات تفقد صفة العلم الدقیق، ومن ثم فإنها لا تحوى إلا استدلالات سفسطائیة وأحکامًا وهمیة"([92]). وعلیها فإن هیوم رفض المیتافیزیقا القدیمة المشتملة على السفسطة والوهم، وسعى جاهدًا إلى ادخال الأنواع الدقیقة من الاستدلال فى دراسة المیتافیزیقا بهدف جعلها علمًا محکمًا.

        ومن خلال ما سبق نستطیع القول بصراحة – أن الخشت أثبت تهافت – ما استندت علیه الوضعیة المنطقیة فى فهمها الخاطىء لنصوص دیفید هیوم التى عولت علیه بأنه من أوائل التجریبیین الذین دقوا شعاب الرفض نحو استبعاد المیتافیزیقا من الحقل الفلسفى، إذ رأت الوضعیة المنطقیة أن کل ما استندت إلیه فلسفة هیوم فى المیتافیزیقا، هو النص الأخیر الذى أورده الخشت وقام بتحلیله من زاویة علمیة، وبالتالى رفضت الوضعیة المنطقیة المیتافیزیقا، ولکن رفضها لم یکن من فراغ فلسفى، إذ شیدت رؤیتها على التحلیل الخاطىء لنصوص هیوم، إلى أن جاء الخشت فى أطروحته للماجستیر التى قال عنها - اعضاء لجنة المناقشة-  أنها عبارة عن إبـــداع فلسفى، وأثبت فیها بجداره من خلال تأویل عمیق لفلسفة هیوم وکانط، أن دیفید هیوم لم یکن محطمًا للمیتافیزیقًا، بینما کان من أوائل من قالوا بالمیتافیزیقا العلمیة.

 

 نتائج البحث

       وختامًا.. یمکن أن نستخلص من هذا البحث عدة نتائج، وذلک من خلال تتبعنا لمنهجیة الفیلسوف التأویلی محمد عثمان الخشت فى تفسیر الدین والمیتافیزیقا لدى هیوم، وأهم النتائج ما یلی:

أولاً: تقف فلسفة د. محمد عثمان الخشت بشکل عام على فکرة تأویل النص الفلسفی، فالتأویل لازمة أساسیة بُنی علیها فکره بشکل کلی، فى حین لا تقف فلسفته عند حد التأویل، حیث یستخدم المنهج البنیوی مباشرة بعد قیامه بتأویل المسکوت عنه من النصوص، وعلیها یکون الخشت صاحب مذهب فلسفی أصیل.

ثانیًا: من خلال تتبع العدد الزخم من - مؤلفات الخشت – یمکن أن نطلق علیه الفیلسوف الموسوعی، حیث کتب فى شتى المجالات الفلسفیة والدینیة، وکذلک الحیاة والأمور الاجتماعیة الخاصة باشباب، فى حین لم یکتب الخشت – ولو ورقة واحدة – فى مضمار علم الجمال وفلسفة الفن، حیث تشکلت فلسفته فى مناقشة قضایا الأدیان والمذاهب الحدیثة والمعاصرة.

ثالثًا: یظهر تأویل الخشت فى فلسفة هیوم باعتباره یقف بین التجریبیة والعقلانیة، وهذا یعد سابقة للخشت فى تفسیر فلسفة هیوم بمنهجیة تأویلة، إذ دأبت الدراسات التى تقف عند ظاهر النص إلى اعتبار هیوم تجریبى صارم، بینما بُنى الخشت مذهب هیوم فى صورة جدیدة، یجمع فیها بینه وبین کانط، لذا صک الخشت اصطلاح الهیومکنطیة.

رابعًا: من خلال تحلیلات الخشت یعد هیوم أحد الفلاسفة المهتمین بمعالجة المشکلات الدینیة فى الفکر الفلسفی، والدلیل على ذلک کتاباته التى اعتمد علیها الخشت بصورة رئیسة، بینما یعد هیوم من خلال تأویلات الخشت الفیلسوف الملحد الذی رفض فرضیة وجود الله فى الکون، وعلى ذلک یمکن القول أن الخشت اعتمد على منهج التحلیل فى موقف هیوم الدینى أکثر من اعتماده على التأویل.

خامسًا: الخشت صاحب نظریة تأویلیة أصیلة فى المیتافیزیقا، حیث أثبت أن هیوم داعیة للمیتافیزیقا العلمیة، مثله فى ذلک – مثل کانط- رافضًا فى ذلک شتى الدراسات التى تقول أن هیوم أول من رفض المیتافیزیقا.



([1]) الخشت: مدخل إلى فلسفة الدین، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 2001م، ص11.

([2]) المصدر السابق: ص14.

([3]) المصدر السابق: ص19.

([4]) المصدر السابق: ص18.

([5]) الخشت: نحو تأسیس عصر دینى جدید، نیو بوک للنشر والتوزیع، القاهرة، 2017م، ص56.

([6])  John Hick: Philosophy of Religion, Prentice Hall, Hnternational, Hnc, Fourth Edition, 1990, p.1.

([7]) مصطفى فواز صدیق مناع: فلسفة الدین عند هیوم، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة الآداب، جامعة أسیوط، 2011م، ص 14.

([8]) John Hospers: An Introduction to Philosophical Analysis, Routledge and Kegan Paul LTD, California, Second Edition,1996, p.425.

([9]) الخشت: مدخل إلى فلسفة الدین، مصدر سابق، ص35.

([10]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([11]) على حسین قاسم: فلسفة الدین عند مارتن بوبر، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة الآداب بسوهاج، جامعة جنوب الوادى، 2000م، ص121. .

([12]) هیوم: محاورات فى الدین الطبیعى، ترجمة: محمد فتحی الشنیطی، تصدیر: عثمان أمین، مکتبة القاهرة الحدیثة، 1956م، ص12.

([13]) المصدر السابق: ص11.

([14]) مونیس بخضرة: محمد عثمان الخشت فیلسوف الترحال والتأویل والجرأة، بحث منشور فى عقلانیة بلا ضفاف – الظاهرة الدینیة والسیاسیة فى أعمال الخشت الفکریة، تحریر د. غیضان السید على، مراجعة وتقدیم أ.د. عصمت نصار، دار الکتاب العربى، دمشق – القاهرة، 2013م، ص 53.

([15]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 1997م، ص7.

([16]) عبد الرحمن بدوى: نیتشه، وکالة المطبوعات، الکویت، الطبعة الخامسة، 1975م، ص31.

([17]) صفاء عبد السلام جعفر: محاولة جدیدة لقراءة فریدریش نیتشه، دار المعرفة الجامعیة، الإسکندریة، 1999م، ص 16.

([18]) ول دیورانت: قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون دیوى، ترجمة د. فتح الله المشعشع، مکتبة منشأة المعارف، بیروت، الطبعة السادسة، 1988م، ص 517.

([19]) B. Russell: My Mental Development, in: the Philosophy of Bertrand Russell, edited by, p. A.  Schilpp, The Library of Living Philosophers, Tudor Publishing company, New York, 1951, P.4.

([20]) برتراند رسل: سیرتى الذاتیة، ترجمة/ عبد الله عبد الحافظ وآخرون، مراجعة شوقى السکرى، دار المعارف، القاهرة، 1970م، ص53.

([21]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص7.

([22]) المصدر السابق: ص8.

([23])  مونیس بخضرة: محمد عثمان الخشت فیلسوف الترحال والتأویل والجرأة، مرجع سابق، ص ص 53 ،54.

([24]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص14.

([25])  David Hume: Natrual History of Religion, in The Philosophical Works of David Hume, Vol, IV, printed for Adam Black and Charles Tait, London, 1826, p.436.

([26])  Ibid: p.436.

([27])  Ibid: p.437.

([28]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص15.

([29]) المصدر السابق: ص16.

([30]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([31])  David Hume: Natrual History of Religion, op. cit, p.499.

([32]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص17.

([33]) المصدر السابق: ص18.

([34]) المصدر السابق: ص18.

([35]) Abraham Sesshu Roth: What was Hume`s problem eith personal Identity, Philosophy and Phenomenological Research, Vol 61, No,1 (jul., 2000), p. 111.

([36]) Aaron Thomas Holland: Natural Belief and Hume`s Philosophy of Religion, degree of Doctor of Philosophy, Philosophy dept., University of Utah, 2005, p.1.

([37]) Ibid: p. 1.

([38]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص 20.

([39]) المصدر السابق: ص21.

([40]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([41]) الخشت: المعقول واللامعقول فى الأدیان – فلسفة الدین بین العقلانیة النقدیة والعقلانیة المنحازة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2006م، ص 128.

([42]) منى أحمد محمود: فلسفة الدین عند جون هِک، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة الآداب، جامعة سوهاج، 2015، ص217.

([43]) Michael B. Gill: A fundamental Difference between Hutcheson and Hume, Hume studies, Volume xxii, N.1, (April 1996), p.23.

([44])  John Hick: Philosophy of Religion, op. cit, p.2.

([45]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص 22.

 ([46]) توفیق الطویل: قضایا من رحاب الفلسفة والعلم، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1986م ، ص 218.

([47]) الخشت: مدخل إلى فلسفة الدین، مصدر سابق، ص21.

([48]) هیوم: محاورات فى الدین الطبیعى، مصدر سابق، ص18.

([49]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص23.

([50]) هیوم: محاورات فى الدین الطبیعى، مصدر سابق، ص31.

([51]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص31.

([52]) هیوم: تحقیق فى الذهن البشرى، مصدر سابق، ص53.

([53]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص32.

([54]) هیوم: تحقیق فى الذهن البشرى، مصدر سابق، ص53.

([55]) المصدر السابق:ص 148.

([56]) ولیم کلی رایت: تاریخ الفلسفة الحدیثة، ترجمة د. محمود سید أحمد، مراجعة د. إمام عبد الفتاح إمام، التنویر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت – لبنان، 2010م، ص23.

([57]) الخشت: ثغرات فى جدار الإلحاد،بحث منشور فى مجلة الاستغراب، تصدر  عن المرکز الإسلامی للدراسات الاستراتیجیة، بیروت، العدد السابع، السنة الثالثة، ربیع 2017م،  ص139.

([58]) Micheal Jubien: Contemporary Metaphysics "An Introduction", Black Well, U. S. A, 1997, p.1.

وأنظر أیضًا -  یوسف کـرم: الطبیعة وما بعد الطبیعة، دار المعارف ، القاهرة، الطبعة الثالثة، د. ت، ص133.

([59]) الخشت: نحو تأسیس عصر دینی جدید، مصدر سابق، ص131.

([60]) دیفید هیوم: تحقیق فى الذهن البشری، مصدر سابق، ص27.

([61]) المصدر السابق: ص30.

([62]) المصدر السابق: ص32.

([63]) الخشت: أقنعة دیکارت العقلانیة تتساقط، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 1998م، ص9.

([64]) الخشت: العقل .. وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص10.

([65]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص60.

([66]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([67]) الخشت: العقل.. وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص10.

([68]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([69]) هیوم: تحقیق فى الذهن البشری، مصدر سابق، ص30.

([70]) الخشت: العقل.. وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص10.

([71]) المصدر السابق: ص11.

([72]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([73]) الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، مصدر سابق، ص54.

([74]) المصدر السابق: ص55.

([75]) المصدر السابق: ص ص54، 55.

([76]) المصدر السابق: ص ص56، 57.

([77]) المصدر السابق: ص57.

([78]) المصدر السابق: ص58.

([79]) المصدر السابق: ص59.

([80]) الخشت: العقل.. وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص114.

([81]) هیوم: محاورات فى الدین الطبیعى، مصدر سابق، ص17.

([82]) المصدر السابق: ص31.

(*)  یشیر الباحث أن موقف "آیر" فى رفضه للمیتافیزیقا اعتمادًا على مبدأ التحقق من المعنى کان له أثر کبیر فى مصر عند الدکتور: زکى نجیب محمود، حیث یقول المفکر المصری زکى نجیب محمود فى مقدمته لتجدید الفکر العربی:"لم تکن قد اُتیحت لکاتب هذه الصفحات فى معظم أعوامه الماضیة فرصة طویلة الأمد تمکنه من مطالعة صحائف تُراثنا العربی على مهل، فهو واحد من المثقفین العرب (یقصد نفسه) الذین فُتحت عیونهم على فکر أوروبی، ولبثت هذه الحالة مع کاتب هذه الصفحات أعوامًا، ثم أخذته فى أعوامه الأخیرة (یقصد هنا آیر ممثلاً للفکر الأوروبی الوضعی المنطقی) صحوة قلقة".

انظر – زکى نجیب محمود: تجدید الفکر العربی، دار الشروق، بیروت – لبنان، 1971م، ص ص 5، 6. 

(**)  کان أستاذًا للفلسفة بجامعة الإسکندریة قبیل الحرب العالمیة الثانیة وأثناءها ( بعدها استقر فى جامعة کیمبردج) حیث حاول "ویزدم" أن یکتشف الحالات النفسیة التى تمهد لظهور أعراض الفکر المیتافیزیقی، کما هاجم حقل البحث المیتافیزیقی بوصفه خرافة.

انظر – عبد الفتاح الدیدی: الاتجاهات المعاصرة فى الفلسفة، الدار القومیة للطباعة والنشر، الإسکندریة، 1966م، ص291.

([83]) محمود رجب: المیتافیزیقا عند الفلاسفة المعاصرین، دار المعارف، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1987م، ص238.

([84]) زکی نجیب محمود: موقف من المیتافیزیقا، دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 1983م، ص201.

([85]) Hans Reichenbach: The Nature of Ethics, in, Essential Readings in Logical Positivism, Edited by, Oswald Hanfling, Basil Blackwell, first published, Oxford, 1981. P.227.  

([86])  Ibid: p. 242.  

([87]) الخشت: أخلاق التقدم – رؤیة فلسفیة تطبیقیة، تقدیم د. عمرو شریف، دار نیو بوک للنشر والتوزیع، القاهرة، 2017م، ص 74.

([88]) المصدر السابق: نفس الصفحة.

([89]) حسین علی: المیتافیزیقا والعلم، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2006م، ص13.

([90]) توفیق الطویل: أسس الفلسفة، مکتبة النهضة المصریة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1952م، ص 102.

([91]) محمد مهران، محمد مدین: مقدمة فى الفلسفة المعاصرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2004م، ص196.

([92]) الخشت: العقل.. وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص115.



([1])  Hugh Miller: The Naturalism of Hume, the Philosophical Review, Vol.38, No.5 (sep. 1929), p. 469.  

([2]) A.R. Lacey: A Dictionary of Philosophy, Routledge & Kegan Paul, Ltd, third edition, 1996, p.139.

)[3]( Donald C. Ainslie: Hume`s Reflections of the Identity and Simplicity of Mind, Philosophy and Phenomenological Research, Vol.62, No.3 (May, 2001), p. 559.

([4]) محمد مدین: نظریة القیمة عند دیفید هیوم – بحث فى إعادة بناء الرسالة، دار الثقافة للنشر والتوزیع، القاهرة، 1997، ص5.

([5]) دیفید هیوم: تحقیق فى الذهن البشری، ترجمة د. محمد محجوب، المنظمة العربیة للترجمة، بیروت، 2008م، ص85.

([6]) محمد عثمان الخشت: العقل .. وما بعد الطبیعة – تأویل جدید لفلسفتى هیوم وکانط، دار الثقافة العربیة، القاهرة، 2013م، ص8.

([7])  المصدر السابق: ص9.

([8])  المصدر السابق: ص9.

([9])  Hugh Miller: The Naturalism of Hume, op. cit, p. 475.  

([10])  Ibid: p. 477.  

([11]) Anthony Kenny: The Rise of Modern Philosophy, Vol, III, Clarendon press, Oxford, 2006, p. 80.

([12])  یوسف کرم: تاریخ الفلسفة الحدیثة، دار المعارف، الطبعة الخامسة، القاهرة،1985م، ص140،.

([13])  حسن حنفى: مقدمة فى علم الاستغراب، الدار الفنیة للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 1991م، ص260.

([14])  غیضان السید على: الخشت.. ووجه آخر للفیلسوف – ظاهرة الاشتباه فى الفلسفة الحدیثة، بحث منشور فى – عقلانیة بلا ضفاف – الظاهرة الدینیة والظاهرة السیاسیة فى أعمال الخشت الفکریة، مراجعة وتقدیم أ.د. عصمت نصار، دار الکتاب العربى، دمشق – القاهرة، 2013م ص67.

([15]) دیفید هیوم: تحقیق فى الذهن البشری، مصدر سابق، ص29.

([16]) المصدر السابق: ص74.

([17]) المصدر السابق: ص146.

([18]) الخشت: العقل وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص16.

([19]) المصدر السابق: ص17.

(*) لیس عیبًا أن یختلف التلمیذ مع أستاذه فى الرأى، فقد إختلف د. الخشت سابقًا مع أستاذه د. یحیى هویدى فى رسالته للماجستیر، وکان یناقشه فیها کل من: أ.د / یحیى حامد هویدى "مشرفـًا" ، أ.د/ مـــراد وهـبه "عضوًا" ، أ.د / حـسن حنـفى "عضوًا" ، حیث یقول الخشت"وإننا إذ نختلف مع أستاذنا د. هویدى فى الرأى، فإننا نکون متفقین معه تمامًا فى منهجه الفلسفى الذى تعلمنا منه أن الخلاف بین التلمیذ والأستاذ أمر مشروع إذا کان یستند إلى أساس، وکلى أمل أن یکون خلافى فى هذا الرأى مع أستاذى مبنیًا على أسباب منطقیة".

أنظر – العقل .. وما بعد الطبیعة، ص 24.   

([20]) حسین على: مفهوم الإحتمال فى فلسفة العلم المعاصرة، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1994م، ص130.

([21]) نازلى إسماعیل حسین: الفلسفة الحدیثة، مکتبة سید عبدالله وهبه، القاهرة، 1987م، ص 198.

([22]) حسین على: مفهوم الإحتمال فى فلسفة العلم المعاصرة، مرجع سابق، ص131.

([23]) Dennis A. Rohatyn: Kant, Hume and Causality, Journal for General Philosophy of science, Vol.6, No.1 (1975), p.34.

([24]) Ibid: p.36.

([25]) الخشت: العقل .. وما بعد الطبیعة، مصدر سابق، ص56.

([26]) المصدر السابق: ص ص56 ،57.

أولاً: مصادر د. الخشت، ودیفید هیوم بالعربیة والإنجلیزیة.
1        محمد عثمان الخشت: الدین والمیتافیزیقا فى فلسفة هیوم، دار قباء للطباعة                 والنشر والتوزیع، القاهرة، 1997م.
2        ــــــــــ: أقنعة دیکارت العقلانیة تتساقط، دار قباء للطباعة                   والنشر والتوزیع، القاهرة، 1998م.
3        ــــــــــ: مدخل إلى فلسفة الدین، دار قباء للطباعة والنشر                   والتوزیع، القاهرة، 2001م.
4        ــــــــــ: المعقول واللامعقول فى الأدیان – فلسفة الدین بین                 العقلانیة النقدیة والعقلانیة المنحازة، دار نهضة                      مصر للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2006م.
5        ــــــــــ: العقل.. وما بعد الطبیعة – تأویل جدید لفلسفتى هیوم وکانط، دار الثقافة العربیة، القاهرة، 2013م.
6        ــــــــــ: نحو تأسیس عصر دینى جدید، نیو بوک للنشر والتوزیع، القاهرة، 2017م.
7        ــــــــــ: أخلاق التقدم – رؤیة فلسفیة تطبیقیة، تقدیم د. عمرو شریف، دار نیو بوک للنشر والتوزیع، القاهرة، 2017م.
8   ــــــــــ: ثغرات فى جدار الإلحاد،بحث منشور فى مجلة الاستغراب، تصدر عن المرکز الإسلامی للدراسات الاستراتیجیة، بیروت، العدد السابع، السنة الثالثة، ربیع 2017م.
9        دیفید هیوم: تحقیق فى الذهن البشری، ترجمة د. محمد محجوب، المنظمة العربیة للترجمة، بیروت، 2008م.
10   ــــــ: محاورات فى الدین الطبیعى، ترجمة: محمد فتحی الشنیطی، تصدیر: عثمان أمین، مکتبة القاهرة الحدیثة، 1956م.
11                                                  Hume (David): Natrual History of Religion, in The Philosophical Works of David Hume, Vol, IV, printed for Adam Black and Charles Tait, London, 1826.
ثانیًا: مراجع البحث العربیة.
12  توفیق الطویل: أسس الفلسفة، مکتبة النهضة المصریة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1952م.
13  ـــــــ: قضایا من رحاب الفلسفة والعلم، دار النهضة العربیة، القاهرة، 1986م.
14  حسن حنفى: مقدمة فى علم الاستغراب، الدار الفنیة للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 1991م.
15  حسین على: مفهوم الإحتمال فى فلسفة العلم المعاصرة، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1994م.
16  ــــــ: المیتافیزیقا والعلم، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2006م.
17  زکى نجیب محمود: تجدید الفکر العربی، دار الشروق، بیروت – لبنان، 1971م.
18  ــــــــــ: موقف من المیتافیزیقا، دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة، 1983م.
19  صفاء عبد السلام جعفر: محاولة جدیدة لقراءة فریدریش نیتشه، دار المعرفة الجامعیة، الإسکندریة، 1999م.
20  عبد الرحمن بدوى: نیتشه، وکالة المطبوعات، الکویت، الطبعة الخامسة، 1975م.
21  عبد الفتاح الدیدی: الاتجاهات المعاصرة فى الفلسفة، الدار القومیة للطباعة والنشر، الإسکندریة، 1966م.
22 غیضان السید على: الخشت.. ووجه آخر للفیلسوف – ظاهرة الاشتباه فى الفلسفة الحدیثة، بحث منشور فى – عقلانیة بلا ضفاف – الظاهرة الدینیة والظاهرة السیاسیة فى أعمال الخشت الفکریة، مراجعة وتقدیم أ.د. عصمت نصار، دار الکتاب العربى، دمشق – القاهرة، 2013م.
23  محمد مهران، محمد مدین: مقدمة فى الفلسفة المعاصرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2004م.
24  محمود رجب: المیتافیزیقا عند الفلاسفة المعاصرین، دار المعارف، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1987م.
25 مونیس بخضرة: محمد عثمان الخشت فیلسوف الترحال والتأویل والجرأة، بحث منشور فى عقلانیة بلا ضفاف – الظاهرة الدینیة والسیاسیة فى أعمال الخشت الفکریة، تحریر د. غیضان السید على، مراجعة وتقدیم أ.د. عصمت نصار، دار الکتاب العربى، دمشق – القاهرة، 2013م.
26  نازلى إسماعیل حسین: الفلسفة الحدیثة، مکتبة سید عبدالله وهبه، القاهرة، 1987م.
27  یوسف کـرم: الطبیعة وما بعد الطبیعة، دار المعارف ، القاهرة، الطبعة الثالثة، د. ت.
28  ــــــــ: تاریخ الفلسفة الحدیثة، دار المعارف، الطبعة الخامسة، القاهرة،1985م.
ثالثًا: المراجع الأجنبیة.
29   - Gill (Michael B.): A fundamental Difference between Hutcheson and Hume, Hume studies, Volume xxii, N.1, (April 1996).
30- Hick (John): Philosophy of Religion, Prentice Hall, Hnternational, Hnc, Fourth Edition, 1990.
31  - Hospers (John): An Introduction to Philosophical Analysis, Routledge and Kegan Paul LTD, California, Second Edition,1996.
32 - Jubien (Micheal): Contemporary Metaphysics "An Introduction", Black Well, U. S. A, 1997.
33- Kenny (Anthony): The Rise of Modern Philosophy, Vol, III, Clarendon press, Oxford, 2006.
34 - Lacey  (A.R.): A Dictionary of Philosophy, Routledge & Kegan Paul, Ltd, third edition, 1996.
35  - Miller (Hugh): The Naturalism of Hume, the Philosophical Review, Vol.38, No.5 (sep. 1929).
36  -Reichenbach (Hans): The Nature of Ethics, in, Essential Readings in Logical Positivism, Edited by, Oswald Hanfling, Basil Blackwell, first published, Oxford, 1981.
37- Reichenbach (Hans): The Nature of Ethics, in, Essential Readings in Logical Positivism, Edited by, Oswald Hanfling, Basil Blackwell, first published, Oxford, 1981.
38-  Rohatyn (Dennis A.): Kant, Hume and Causality, Journal for General Philosophy of science, Vol.6, No.1 (1975).
39 - Russell (Bertrand.): My Mental Development, in: the Philosophy of Bertrand Russell, edited by, p. A.  Schilpp, The Library of Living Philosophers, Tudor Publishing company, New York, 1951.
رابعًا: المراجع الأجنبیة المترجمة إلى العربیة.
39 ولیم کلی رایت: تاریخ الفلسفة الحدیثة، ترجمة د. محمود سید أحمد، مراجعة د. إمام عبد الفتاح إمام، التنویر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت – لبنان، 2010م.
40  برتراند رسل: سیرتى الذاتیة، ترجمة/ عبد الله عبد الحافظ وآخرون، مراجعة شوقى السکرى، دار المعارف، القاهرة، 1970م.
41 ول دیورانت: قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون دیوى، ترجمة د. فتح الله المشعشع، مکتبة منشأة المعارف، بیروت، الطبعة السادسة، 1988م.
خامسًا: الرسائل الجامعیة.
42  -على حسین قاسم: فلسفة الدین عند مارتن بوبر، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة الآداب بسوهاج، جامعة جنوب الوادى، 2000م.
43 -مصطفى فواز صدیق مناع: فلسفة الدین عند هیوم، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة الآداب، جامعة أسیوط، 2011م.
44-  منى أحمد محمود: فلسفة الدین عند جون هِک، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة الآداب، جامعة سوهاج، 2015.