أفلاطون، البلاغة الکلاسيکية، الخطابة السياسية، الخطابة القضائية، التراث البلاغي.

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية ,کلية الأداب ،جامعة القاهرة

المستخلص

انشغل العرب المحدثون على مدار ما يقرب من قرن من الزمان بدراسة الأثر اليوناني والروماني في البلاغة العربية. وتُرکّز معظم هذه الدراسات على بحث الأثر الأرسطي في البلاغة العربية، إلى حدّ يکاد يختزل الأثر الهلّليني بأکمله في الأثر الأرسطي. ويحتاج هذا الأمر إلى مراجعة فاحصة تکون غايتها دراسة التلقي العربي لکتابات بلاغية لفلاسفة آخرين، وفحص مدى تأثيرها في التراث البلاغي العربي. ويسعى هذا المقال لسد فجوة في الدراسات الراهنة عن التأثير اليوناني في البلاغة العربية، إذ إنه يُعالج موضوعًا غير مطروق من قبل، هو حدود التأثير الذي ترکته أعمال أفلاطون في البلاغة العربية منذ الجاحظ حتى الوقت الراهن. ويحاول أن يُجيب عن أسئلة محدّدة هي؛ هل عرف العرب القدامى أعمال أفلاطون حول البلاغة؟ ما مدى تأثرهم بها؟ ولماذا؟ لماذا يستعيد البلاغيون المحدثون أعمال أفلاطون في الوقت الحاضرة؟ وما الذي يميز الکتابات المستمدة منه؟

الكلمات الرئيسية


أفلاطون فی التراث البلاغی: زمن التهمیش

انشغل العرب المحدثون على مدار ما یقرب من قرن من الزمان بدراسة الأثر الیونانی والرومانی فی البلاغة العربیة. وتبنّت بعض هذه الدراسات موقفین متطرفین؛ یذهب أولهما إلى تبعیّة البلاغة العربیة للبلاغة الیونانیة، فی حین ینفی الطرف الآخر وجود أی تأثیر للبلاغة الیونانیة فی المنجز البلاغی العربی. وما بین التبعیة والنفی قُدّمت وجهات نظر أخرى عدیدة تمیل إلى هذا الطرف أو ذاک[i]. مهما یکن من أمر، فإن معظم هذه الدراسات تُعنى ببحث الأثر الأرسطی فی البلاغة العربیة، إلى حدّ یکاد یختزل الأثر الهللینی بأکمله فی الأثر الأرسطی. ویحتاج هذا الأمر إلى مراجعة فاحصة تکون غایتها دراسة التلقی العربی لکتابات بلاغیة لفلاسفة آخرین، وفحص مدى تأثیرها فی التراث البلاغی العربی. ویسعى هذا المقال لسدّ فجوة فی الدراسات الراهنة عن الأثر الیونانی فی البلاغة العربیة؛ إذ إنّه یُعالج موضوعًا غیر مطروق من قبل، هو حدود التأثیر الذی ترکته أعمال أفلاطون فی البلاغة العربیة منذ الجاحظ حتى الوقت الراهن.

لقد کانت البلاغة بوصفها فن الإقناع والتأثیر محط اهتمام النخب الفکریة والسیاسیة فی الیونان القدیمة. وعلى مدار عقود طویلة قدّم سوفسطائیون مثل جُورْجْیَاسْ وبولس، وفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو، ومعلمو بلاغة محترفون مثل إیزوقراط، إسهامات معرفیة مهمة حول البلاغة بممارساتها المختلفة، خاصة الخطابة. ولم یکن بعض هذا التراث الیونانی بعیدًا عن متناول العرب فی العصر الوسیط من خلال الترجمة عبر لغات وسیطة کالسُریانیة.

من بین هذه الأعمال، کان الاهتمام الذی حظی به کتاب "الخطابة/ البلاغة On Rhetoric" لأرسطو لافتًا. فقد تُرجم إلى العربیة فی فترة مبکرة، ربما تعود إلى ما بین أواخر القرن الثانی والثلث الأول من القرن الثالث الهجریین[ii]، وشرحه ولخصه فلاسفة عظام مثل الفارابی (260-339 هـ) وابن سینا (370-427 هـ) وابن رشد (520-595 هـ)[iii]. وتجاوز تأثیره نطاق دراسات البلاغة والخطابة إلى دراسات النقد والأدب[iv].

فی مقابل هذا الاحتفاء العربی بمؤلَّف أرسطو عن البلاغة یمکن أن نلحظ - بسهولة - ضعف اهتمام العرب القدماء بمؤلّفات أخرى عن البلاغة حظیت فی السیاق الغربی باهتمام کبیر، قد یکون أهمها محاورَتا ‘جورجیاس’ و‘فیدروس’ لأفلاطون. فعلى الرغم من أن موضوع هاتین المحاورتین هو البلاغة، وأن بعض أعمال أفلاطون کانت معروفة للعرب، فإنه لم تصل إلینا أیّة معلومة عن وجود شرح، أو تلخیص لأیّهما فی التراث العربی القدیم، باستثناء بضع فقرات کتبها الفارابی، سوف نفصّل الحدیث عنها لاحقًا.

یظهر التفاوت الکبیر بین تقدیر العرب للبلاغتین الأرسطیة والأفلاطونیة فی الاهتمام الاستثنائی الذی أولاه العرب لأعمال أرسطو (المُعلّم الأول) مقارنة بأعمال أفلاطون، إلى حد جعل الفیلسوف عبد الرحمن بدوی یتحدّث عن "المصیر البائس الذی لقیته مؤلفات أفلاطون" فی التراث العربی[v]. وهذه اللهجة العاطفیة المستنکِرة تدعمها مفارقة یرى بدوی أن هذا التجاهل یکشف عنها؛ وهی أن مؤلفات أفلاطون ذات المصیر البائس هی الأقرب إلى الروح العربیة من مؤلفات أرسطو المُحتفى بها. وتبدو المفارقة مثیرة لکثیر من الدهشة إذا وضعنا فی الاعتبار أن بعض أعمال أفلاطون وشراحه، لم یُکتب لها الازدهار فی التراث العربی إلا لأنها نُسبت إلى أرسطو[vi]. وهذه المفارقة تحتاج بالطبع إلى مزید من التفسیر.

أفلاطون بلاغیًّا: ما الذی عرفه العرب عن بلاغة أفلاطون؟

یجب، بادئ ذی بدء، التنویه إلى أن التراث الیونانی، وإنْ أثّر بأشکال مختلفة فی البلاغة العربیة، فإن هذا التأثیر لم یکن حاسمًا. یرجع ذلک، إلى حد کبیر، إلى ارتباط البلاغة العربیة منذ بواکیر نشأتها بالنص القرآنی وشعر ما قبل الإسلام من ناحیة، وإلى شیوع موقف رافض للتراث الیونانی من ناحیة أخرى. وفی الحقیقة، لم یکن کثیر من دارسی البلاغة العربیة متحمسًا للأخذ عن الفلسفة الیونانیة عمومًا، التی کان یُشار إلیها بتعبیر "علوم الأوائل"، تمییزًا لها عن علوم العربیة وعلوم المحدثین. وهو موقف یتماهى مع موقف مقبول لدى شرائح واسعة من علماء العرب والمسلمین ممن غلب علیهم النزوع إلى رفض التراث الیونانی، استنادًا إلى مخاوف دینیة، ربما یُلخّصها جمیعًا قولٌ راج فی أوساط الفقهاء، هو: "مَنْ تمنطقَ تزندقَ". غیر أن هذا الموقف من التراث الیونانی لم یحُل دون تسرب أفکار یونانیة إلى البلاغة العربیة، وبخاصة من الفلسفة الأرسطیة.[vii] وکان أفلاطون، کذلک، معروفًا على نطاق واسع عند العرب القدماء، وکانوا یطلقون علیه بمعیة أرسطو تسمیة "الحکیمین"[viii]. وقد تُرجِمت بعض مؤلفاته إلى العربیة فی وقت مبکر یرجع إلى القرن الثالث الهجری، یذکر فالترز أن من بینها:

  • کتاب الجمهوریة أو السیاسة: نقله حنین بن إسحاق؛
  • کتاب القوانین أو النوامیس: نقله حنین بن إسحاق ویحیى بن عدی؛
  • کتاب طیماوس: نقله، فی الأغلب، ابن البطریق وحنین بن إسحاق، وأصلحه یحیى بن عدی؛
  • کتاب السوفسطائی: نقله إسحاق بن حنین.[ix]

کما تُرجمت مقتطفات من محاورتی فیدون وأقریطون[x]. إضافة إلى ذلک، نسب العرب إلى أفلاطون العدید من الکتب، والفصول، والأقوال، التی لیست من تألیفه[xi]، واشتملت هذه النصوص المنسوبة إلیه على مئات الحکم والأمثال والعبارات.

علاوة على ترجمة نصوص أفلاطون بشکل مباشر أو غیر مباشر، قدّم المفکرون العرب کتابات ممهّدة لدراسة فلسفة أفلاطون؛ مثل المقدّمة التی ألّفها حنین بن إسحاق تمهیدًا لفلسفته بعنوان "ما ینبغی أن یُقرأ قبل کتب أفلاطون[xii]". أما أبو نصر الفارابی (المعلم الثانی) فقد ألّف فصلاً بعنوان "فلسفة أفلاطون، وأجزاؤها، ومراتب أجزائها، من أوّلها إلى آخرها"، یُعرّف فیه بکتبه، والمسائل التی تُعالجها[xiii]. کما وظّف الکثیر من آراء أفلاطون فی تصوره للمدینة الفاضلة[xiv]. کذلک کتب الفیلسوف العربی الأشهر ابن رشد شرحًا وافیًا لمحاورة الجمهوریة (السیاسة)، ضمّنه کثیرًا من تعلیقاته[xv]. وقد أورد فی هذا الشرح فقرتین عن البلاغة تحدث فی أولاهما عن اختلاف طرق الإقناع فی المجتمع؛ إذ یرى أن الإقناع بالأقاویل الخطابیة والشعریة یجب أن یُستعمل مع العامة أو الجماهیر، أما الخاصة فتُستعمل لإقناعها الأقاویل البرهانیة[xvi]. وفی الموضع الثانی حضرت البلاغة بوصفها شرطًا من الشروط الواجب توافرها فی الحاکم فی رأی ابن رشد؛ إذ یرى أنّ من بین هذه الشروط: "أن یکون خطیبًا فصیحًا یُترجم عنه لسانه ما یمر بخاطره"[xvii].

من ناحیة أخرى، کان أفلاطون حاضرًا بقوة فی التراث العربی بوصفه أحد حکماء الزمان، عبرَ آلاف العبارات المنسوبة إلیه، والتی تُعالج جُملة من الاهتمامات المعرفیة الإنسانیة منها المیتافیزیقا، وعلوم الأدیان، والتصوف، والفلک، والموسیقى، والریاضیات، والأخلاق، والمعرفة، وغیرها. فماذا کان نصیب البلاغة من کل ذلک؟

أول ما یُثیر اهتمامنا هو أنّ أیًّا من کتب أفلاطون المکرّسة للبلاغة لم یُترجم إلى العربیة؛ وهی بالتحدید محاورات جورجیاس، وفیدروس، ومنکسینوس. والسؤال هو: هل کان هذا راجعًا إلى عدم معرفة العرب بوجود هذه الأعمال، أم أن ثمّة تجاهلاً مقصودًا لها؟ والإجابة عن السؤال سوف تکون قاطعة، وهی أن العرب عرفوا هذه المحاورات الثلاث، وعرفوا موضوعها. ولیس أدل على ذلک من الموجز الذی أعده أبو نصر الفارابی عن کتب أفلاطون، وأورد فیه تلخیصًا شدید الإیجاز للمحاورات الثلاث، على النحو الآتی[xviii]:

  1. نص الفارابی عن محاورة جورجیاس

خمسة سطور فحسب هی کل ما کتبه الفارابی عن محاورة جُورْجْیَاسْ لأفلاطون، وهی العمل الأهم من بین أعمال أفلاطون المخصّصة للبلاغة. فبعد أن عرض الفارابی لمحاورة "أیون" التی تُعالج فن الشعر، تحدّث عن محاورة جُورْجْیَاسْ قائلًا:

"ثُمّ فَحَصَ (أی أفلاطون) مثل ذلک الفحص [یقصد بحث العلاقة بین صنعة الخطابة والعلم[xix]]عن صناعة الخطابة: هل الخطابة أو استعمال الرأی الخطبی عند النظر فی الموجودات یُعطینا فیها ذلک العلم أو یعطینا علم تلک السیرة. فبیّن أنه لا یفعل ذلک. وتبیّن له مع ذلک، کم مقدار ما تعطیه الخطابة من العلم، وما غناء مقدار ما تعطیه (من) ذلک. وذلک فی کتابه المعروف بـ"غورجیس"، ومعناه الخدمة"[xx].

تتسم سطور الفارابی عن محاورة جُورْجْیَاسْ بالغموض، ویبدو أنها تُلخّص مسألة واحدة من المسائل العدیدة التی عالجتها محاورة جورجیاس؛ هی: هل الخطابة علم أم تقنیة؟ وهی مسألة محوریة فی تصور أفلاطون للبلاغة؛ لأن نفیه "معرفیة" الخطابة، کان أحد أبرز انتقاداته لها. ویبدو أن الفارابی تعامل مع أسماء محاورات أفلاطون على نحو تقلیدی، فبحث فی دلالة العنوان، فی حین تحمل العناوین الأساسیة للمحاورات أسماء الشخصیات الأساسیة التی یحاورها سقراط فی کل محاورة. والخلاصة أن ثمّة صعوبة کبیرة فی تأسیس تصور ما للخطابة استنادًا إلى هذه السطور المقتضبة التی کتبها الفارابی عن جورجیاس، کما یغیب عنها شعور المرارة والرفض المهیمن على موقف أفلاطون من البلاغة عمومًا، والخطابة خصوصًا فی جورجیاس[xxi].

  1. نص الفارابی عن محاورة فیدروس

یخصُّ الفارابی محاورة فیدروس بصفحتین من مدخله القصیر، غیر أن جُلَّ هاتین الصفحتین مُخصص لمناقشة مسألة العشق، وهی موضوع الخطبة التی ألقاها سقراط فی معرض تمییزه بین البلاغة الجیدة والبلاغة الردیئة. وفی ختام عرضه للمحاورة، عرضَ الشق الذی یخص البلاغة من المحاورة قائلا:

"ثُمّ فحص (أی أفلاطون) عن الطریق التی سبیل الإنسان الذی یقصد الفلسفة أن یتعلّمها فی فحصه. وذکر أنهما طریق القسمة، وطریق الترتیب. ثم فحص عن طریق التعلیم، وأنه بطریقین: طریق الخطابة، وطریق آخر أسماه الجدل. وأن هذین الطریقین جمیعًا یمکن أن یُستعملا بالمشافهة والمخاطبة، ویُستعملا بالکتابة. ثُمّ بیّن ما غناء المشافهة، وغناء الکتابة، ومقدار ما ینقص الکتابة فی التعلیم عن المشافهة، وما الذی تبغیه الکتابة، ومقدار ما تنقص المشافهة عنه، وأن الطریق الأول فی التعلیم هو المشافهة، وطریق الکتابة متأخر. وبیّن ما الأشیاء التی سبیل الإنسان أن یعرفها حتى یصیر فیلسوفًا. وهذا کله فی کتاب له سماه "فادروس" [ومعنى هذه اللفظة بالعربیة: معطی الضیاء أو معطی النور].

یبدو تلخیص محاورة فیدروس أکثر وضوحًا وشمولاً مقارنة بتلخیص جورجیاس. فالفقرة السابقة، رغم محدودیتها، تُلخّص الإشکالین الأساسیین فی محاورة فیدروس؛ وهما: التمییز بین الخطابة والجدل من ناحیة، ومزایا المشافهة (المحاضرة) مقارنة بالکتابة من ناحیة أخرى، غیر أنّ الفارابی یُخصّص للحدیث عن المسائل البلاغیة ربع المساحة التی أفردها للحدیث عن محاورة فیدروس تقریبًا؛ إذ یتعامل مع المحاورة على أنها کتاب متعدد الموضوعات. وهو فی هذا لا یُغرّد فی السرب وحده، إذ هناک - بالفعل - اختلاف بین شراح أفلاطون ومترجمیه بشأن الموضوع الأساس لهذه المحاورة. فمنذ وقت مبکر یرجع إلى القرن الثانی بعد المیلاد، کتب دیوجین لایرتی Diogenes Laertius سیرةً لحیاة أفلاطون، عرض فیها محتویات کتبه، ذاکرًا محاورة فیدروس تحت عنوان فرعی هو "عن الحب"[xxii]، فی حین حَمَلت الترجمة العربیة الحدیثة للمحاورة، التی أنجزتها أمیرة حلمی مطر عام 1986، عنوانًا فرعیًا مغایرًا هو "عن الجمال". کما نلاحظ هنا أیضًا أن عرض الفارابی للمحاورة قد جرّدها من النزعة الجدالیة التی تهیمن علیها بوصفها محاورة تفنید. وهو أسلوب شائع فی التعامل العربی مع هذه المحاورات، ولم یشذ عرض الفارابی لمحاورة منکسینوس عنه.

  1. نص الفارابی عن محاورة منکسینوس

کتب الفارابی أربعة سطور عن محاورة منکسینوس قال فیها:

"ثم بعد ذلک فحص (أی أفلاطون) کیف ینبغی أن تکون مراتب الملوک والفلاسفة والأفاضل فی نفوس أهل المدینة، وبأی شیء ینبغی أن یُعظّمهم أهل المدینة، وبأی شیء ینبغی أن یُمجّد الأفاضل، ویُمجّد الملوک، وذلک فی کتابه "منکسانس"، وذکر أن من تَقدّمه کانوا قد أغفلوا ذلک[xxiii]".

هذه السطور الأربعة تخلو من أی حدیث عن الخطابة، وإنْ کانت تشیر إلى الصفات التی یجب أن یُمدح بها علیة القوم، وهذا اهتمام أصیل من اهتمامات البلاغة، خاصة بلاغة الشعر[xxiv]. ویبدو هذا مفهومًا إلى حد ما؛ إذ إن المحاورة فی أصلها الیونانی لا تُخصّص إلا عدة صفحات فی مقدمتها للحدیث عن قضایا نظریة حول الخطابة التأبینیة، أما متن المحاورة فهو نموذج خطبة ألقاها سقراط؛ للتمثیل على ما ذهب إلیه من رأی بخصوص کیفیة إنشاء الخطب التأبینیة[xxv].

بعد أن استعرضنا ما سجّله الفارابی عن أعمال أفلاطون حول البلاغة یُمکن باطمئنان کبیر أن نقول إنّ ما أورده، ما کان له - بسبب من إیجازه الشدید - أن یؤثّر کثیرًا فی المعرفة البلاغیة العربیة فی زمنه، غیر أنه یؤکد بما لا یدع مجالا للشک أن العرب عرفوا مبکرًا وجود أعمال لأفلاطون تُعالج مسائل بلاغیة. ومن الجلی أن هذه الأعمال ما کان لها أن تؤتی ثمارها لو لم تترجم إلى العربیة. وسوف نتتبع بالتحدید حضور أفلاطون فی متن المنجز البلاغی عند کُتّاب عرب یُمثّلون محطات محوریة فی تاریخ البلاغة. وسوف نعتمد معیارًا واحدًا لتتبع ذلک هو معیار الإحالة المباشرة إلى الکاتب فی متن الکتب أو هوامشها. ویبدو هذا المعیار غیر دقیق فی تتبع أثر کاتب أو کتاب تراثی ما فی الأعمال التالیة علیه؛ بسبب وجود نزوع نحو تداول الأفکار السابقة دون إحالة دقیقة إلى أصحابها لدى بعض الکتاب التراثیین؛ على نحو ما یظهر بجلاء فی أعمال مثل "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، و"المثل السائر" لابن الأثیر وغیرهما[xxvi]. ومع ذلک، فإن هذه الطریقة هی وحدها الآمنة فی ضبط علاقات التأثیر والتأثر فی حالة بلاغة أفلاطون. فلیس لدینا نص مترجم یمکن الاستناد إلیه فی تتبع العلاقات النصیة بینه وبین کتب التراث العربی، ولیست لدینا فکرة واضحة عن طبیعة الأفکار التی عرف البلاغیون العرب بأنها تنتمی إلى أفلاطون. وعلى سبیل المثال، فإن ما نجده فی التراث العربی من نقد للبلاغة على أساس مباینتها للواقع (وهو أحد أهم إسهامات أفلاطون) نابع فی التراث العربی من الخبرة المباشرة، لممارسات خطابیة محلیّة مثل ممارسات الحجاج بن یوسف الثقفی، ولیست نتاج تأثر بأقوال أفلاطون. ومن ثمّ، سیکون من الصعب عزو الأفکار المتشابهة، إنْ وجدتْ، إلى التأثیر والتأثر. ولعل العامل الحاسم أصلا هو قلة الأفکار العربیة التی تتلاقى مع المعالجة الأفلاطونیة للبلاغة.

بلاغة أفلاطون فی التراث العربی: من الجاحظ إلى القرطاجنی

من المؤکد أن ترجمات بعض أعمال أفلاطون کانت متاحة للجاحظ (ت 255 هـ)؛ إذ ینقل بول کراوس عن الجاحظ فی الجزء الأول من کتاب الحیوان، قوله:

"فمتى کان، رحمه الله تعالى، ابن البطریق، وابن ناعمة، وأبو قرة، وابن فهر، وابن وهیلی، وابن المقفع مثل أرسطاطالیس، ومتى کان خالد مثل أفلاطون؟ ولابد للترجمان من أن یکون بیانه فی نفس الترجمة فی وزن علمه فی نفس المعرفة، وینبغی أن یکون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إلیها حتى یکون فیهما سواء وغایة"[xxvii].

یأتی ذکر أفلاطون فی هذه الفقرة فی سیاق طرح الجاحظ لفکرة أن الترجمة لا یُمکن أن تُغنی عن الأصل، وضرورة إتقان المترجِم للغة المنقول منها، واللغة المنقول إلیها، وأن یحصّل معرفة مساویة لمعرفة المؤلِّف. وعلى الرغم من أننا لا نعرف على وجه الیقین من هو خالد الذی أشار إلیه الجاحظ بوصفه مترجم أفلاطون، فإن النتیجة تظل سواء، هی أن أعمالاً لأفلاطون کانت مترجمة على عهد الجاحظ، وأن هذه الأعمال کان یُقرن بینها وبین أعمال أرسطو. ومع ذلک، فإننا لا ندری هل کانت محاورات أفلاطون حول البلاغة من بین هذه الأعمال أم لا؟ والشیء الیقینی الذی نعرفه هو أن الجاحظ لم یذکر اسم أفلاطون فی أهم کتبه المعنیة بالبلاغة، أعنی "البیان والتبیین"، فی حین یکتفی فقط بذکر أرسطو مرتین[xxviii]. أمّا فی "کتاب الحیوان" فیرد ذِکر أفلاطون مرتین؛ الأولى فی سیاق التدلیل على أن الشعر العربی حدیث زمان النشأة إذا قورن بکتابات الأقدمین؛ مثل "کتب أرسطوطالیس، ومُعلّمه أفلاطون، ثم بطلیموس، ودیمقراطس، (فهی) قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور، والأحقاب قبل الأحقاب"[xxix]. أما الموضع الثانی ففی سیاق حدیثه عن المقارنة بین عِلم المؤلّف وعِلم المترجم الذی سبق أن أشرنا إلیه فی مفتتح الفقرة. فی حین یذکر الجاحظ اسم أرسطو فی الکتاب نفسه ثلاثًا وستین مرة. وبالطبع فإن هذا التفاوت له ما یبرره فی کتاب مثل "کتاب الحیوان"، یفید فیه الجاحظ من کتابات أرسطو حول الموضوع نفسه.

على خلاف ما قد نتوقع، لم یؤد تعاقب القرون، وتطور علم البلاغة إلى تعزیز حضور أفلاطون فی أدبیات البلاغة العربیة، بل على العکس من ذلک، سوف نجد أن کتابًا مثل "الصناعتین: الکتابة والشعر" لأبی هلال العسکری (ت 395 هـ) یخلو من أیة إشارة إلى أفلاطون أو أرسطو[xxx]، مثله مثل کتاب "سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجی (ت 466هـ)، أما "العُمدة فی محاسن الشعر" لابن رشیق (ت 456 هـ)، فیخلو من أی ذکر لأفلاطون، ویورد جملة واحدة على لسان أرسطو فی سیاق الزعم بأن سائلًا سأله: "ما البلاغة؟ فقال: حُسن الاستعارة"[xxxi]. هذا الغیاب یُحلّق أیضًا فی فضاءات الإمام عبد القاهر الجرجانی (ت 471 هـ)، إذ لم یُشر إلى أفلاطون فی کتابیه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" مطلقًا. وفی الواقع لم یُشر عبد القاهر، الذی شکّل منجزه نقطة تحول جذری فی تاریخ البلاغة العربیة، مطلقًا إلى أیٍّ من فلاسفة الیونان أو علمائهم. والمُدهش أیضًا أن کتاب "مفتاح العلوم"، لأبی یعقوب السکاکی (ت 626هـ)، الذی یُعد بدوره ذروة التأسیس المنهجی للبلاغة العربیة، لا یتضمن أیة إشارة إلى أفلاطون، ولا إلى أرسطو أو غیره من فلاسفة الیونان، رغم کل الدعاوى التی ترى فی الکتاب أثرًا جلیًّا لعلم المنطق[xxxii]. فی حین أن کتاب "المثل السائر فی أدب الشاعر والناثر" لضیاء الدین ابن الأثیر (ت 637 هـ) ینطوی على إشارة مهمة یحسن التوقف عندها على نحو تفصیلی.

ورد اسم أفلاطون مرتین فی "المثل السائر"؛ جاءت الأولى فی سیاق شرح ابن الأثیر لعبارة نُسبت لأفلاطون هی "ترک الدواء دواء"، محاولاً استکناه سر التعارض المُلبس فیها[xxxiii]. أما الثانیة فجاءت فی معرض رده على انتقاد موجه إلى لغة القرآن الکریم، وسوف أنقل النص الثانی هنا لأهمیته:

"وحضر عندی فی بعض الأیّام رجل متفلسف فجرى ذکر القرآن الکریم، فأخذتُ فی وصفه، وذکر ما اشتملت علیه ألفاظه ومعانیه من الفصاحة والبلاغة، فقال ذلک الرجل: وأیّ فصاحة هناک، وهو یقول: تلک إذا قسمة ضیزى؟ فهل فی لفظة (ضیزى) من الحسن ما یوصف؟ فقلت له: اعلم أن لاستعمال الألفاظ أسرارا لم تقف علیها أنت، ولا أئمتک، مثل ابن سینا والفارابی، ولا من أضلّهم مثل أرسطالیس وأفلاطون، وهذه اللفظة التی أنکرتها فی القرآن، وهی لفظة (ضیزى) فإنها فی موضعها لا یسدّ غیرها مسدّها؛ ألا ترى أن السورة کلها التی هی سورة النجم مسجوعة على حرف الیاء، ..، وهذا لا یخفى على من له ذوق ومعرفة بنظم الکلام، فلما سمع ذلک الرجل ما أوردته علیه ربا لسانه فی فمه إفحامًا، ولم یکن عنده فی ذلک شیء سوى العناد الذی مستنده تقلید بعض الزنادقة الذین یکفرون تشهیًا، ویقولون ما یقولونه جهلا، وإذا حُوْقِقوا علیه ظهر عجزهم وقصورهم[xxxiv]."

تکشف العبارة السابقة عن أحد أوجه الصراع بین تیارین فی الدرس البلاغی العربی؛ الأول هو تیار الفلاسفة، الذی یُذکر من أعلامه ابن سینا والفارابی، والذی یستمد مرجعیته الفکریة من الفلاسفة الأوائل، الممثّل لهم بأفلاطون وأرسطو. أما التیار الثانی فهم البلاغیون العرب من غیر المتفلسفین، الذین یُمثلهم ابن الأثیر نفسه. والشاهد فی اقتباسنا لهذا النص هو الصفات التی یعزوها ابن الأثیر للبلاغیین المتفلسفین؛ وهی صفات تدور فی ثلاثة حقول دلالیّة؛ الأول هو حقل الکفر الدینی (الزنادقة، یکفرون، أضلهم)، والثانی هو حقل الجهل (جهلا، أفحمه، إفحامًا)؛ أما الثالث فهو حقل العجز (ظهر عجزهم، وقصورهم). وفی الحقیقة فإن هذه الفقرة - على قسوة الاتهامات التی فیها - تُعبّر بقوة عن موقف تراثی شائع من البلاغة المعضودة بالفلسفة، ربما کان محفِّزًا على تجاهل مقولات الفلاسفة الأولین، أو تهمیشها، أو عدم الإشارة إلیها بشکل جلی.

لم یَحل هذا الموقف المُعادی لبلاغات الأوائل دون وجود إشارات محدودة فی عدد من کتب البلاغة التی عُرِفت بصلتها الوثیقة بالتراث الیونانی، کما هو الحال فی کتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" للقرطاجنی (ت 684 هـ). فقد ورد ذکر أفلاطون فیه مرة واحدة فقط. ففی سیاق حدیث القرطاجنی عن البناء التخییلی للنص فی الشعر، یقول:

"وقد قال أفلاطون فی کتاب السیاسة له: "إنا لا نلوم مصورًا إن صوّر صورة إنسان فجعل جمیع أعضائه على غایة الحسن، فنقول له إنه لیس یمکن أن یکون إنسان على هذه الصورة، وذلک أن المثال ینبغی أن یکون کاملاً. وأما سائر الأشیاء التی هو لها مثال، فحسنها بقدر مشارکتها لذلک المثال"[xxxv].

والنص مأخوذ عن محاورة الجمهوریة (السیاسة)، ولیس من إحدى محاورات أفلاطون المخصصة للبلاغة. وهو یناقش مسألة مهمّة فی الفن - عمومًا - وفی الشعر على وجه الخصوص، تخصُّ نزوع بعض الأدباء والفنانین إلى إضفاء سمات الکمال على الأشخاص، أو الأشیاء، التی یصورونها، على نحو ما نرى فی قصائد المدح العربی التی تُقدم صورة مثالیة للممدوح. کما یقارب النص إشکالاً آخر یرتبط بفکرة الصدق الفنی، وعلاقة الفن، والأدب، بالواقع الذی یُحاکیانه. ویمکن أن نجد آثارًا لهذا الفکرة فی محاورة منکسینوس، وبخاصة فی الصفحات الافتتاحیة للمحاورة، والتی خُصّصت للبحث فی ماهیة الصفات التی تُعزى للراحلین فی مقام تأبینهم، على نحو ما أشرت سابقًا.

إذا انتقلنا إلى بلاغی عربی آخر ممن عُرفوا بتأثرهم بالفلسفة الیونانیة، هو السجلماسی صاحب "المنزع البدیع"، نجد أنه لم یُشر - مطلقًا - إلى أفلاطون، فی حین بلغ عدد مرات ذکره لأرسطو إحدى عشرة مرة[xxxvi]. وعلى نحو مشابه، لم یذکر ابن البناء المراکشی العددی (ت 721ه) صاحب "الروض المریع فی صناعة البدیع" أفلاطون مطلقًا، وإن کان قد ذکر أرسطو مرة واحدة[xxxvii]. وفی هذا دلالة على أن أفلاطون لم یکن حاضرًا باسمه فی کتب البلاغة العربیة المعضودة بالفلسفة. لکن المثیر للتساؤل حقًا هو أن أفلاطون لم یکن حاضرًا فی شروح الفلاسفة المسلمین أنفسهم للخطابة.

وبالطبع فإننا نتوقع أن یکون الفارابی هو الأکثر احتفاءً بأفلاطون فی کتاباته عن الخطابة؛ بسبب اهتمامه البالغ بأعماله. ولسوء الحظ فإن شرح الفارابی لکتاب "الخطابة" لأرسطو لم یصل إلینا[xxxviii]. وما وصل إلینا لا یعدو ملخصًا موجزًا، "تتضاءل فیه الموضوعات الخطابیة المحض أمام المناقشات المنطقیة"[xxxix]. ورغم ذلک، تضمّن هذا الموجز بالفعل إشارتین إلى أفلاطون. جاءت الإشارة الأولى فی سیاق حدیثه عن تطور وسائل الاستدلال عند الیونان، وهی التی أطلق علیها العرب "الصناعات الخمس"؛ وهی البرهان، والجدل، والخطابة، والشعر، والمغالطة. ویرى الفارابی أن أفلاطون هو "أول من شعر بالطریق البرهانیّة، ومیزها عن الجدلیّة والسوفسطائیة والخطبیّة والشعریّة، ... من غیر أن یُشرِّع لها قوانین کلیة، إلى أن شرّع أرسطوطالیس فی کتاب البرهان وقوانینه"[xl]. أما الإشارة الثانیة فجاءت فی عنوان کتاب طبی لجالینوس، هو: "آراء أبقراط وأفلاطون"[xli]. ومن الجلی أن الإشارتین الواردتین فی موجز الفارابی لا تخصّان البلاغة. أما شرح ابن رشد الکبیر لخطابة أرسطو فلم یرد فیه اسم أفلاطون سوى مرة واحدة، وذلک فی سیاق استطرادی، لا یتعلق بالبلاغة، أو الخطابة نفسها[xlii]. وهو ما یدعم فکرة أن المقاربة الأفلاطونیة للبلاغة لم تحظ باهتمام یُذکر من الفلاسفة المسلمین، فیما وصل إلینا من کتابات.

استنادًا إلى هذا التتبع الدقیق لتأثیر أفلاطون فی البلاغة العربیة القدیمة یُمکن أن نصل إلى حُکم نطمئن إلیه هو أن هذا التأثیر کان منعدمًا تقریبًا؛ سواء فی کتب البلاغة العامة أو التطبیقیة؛ فی الکتب المعضودة بالفلسفة (الیونانیة) أو غیر المعضودة بها، على امتداد التاریخ المزدهر للبلاغة العربیة من القرن الثالث حتى الثامن الهجریین. ومن ثمّ، فإن الحدیث عن تأثیر یونانی فی البلاغة العربیة یحتاج إلى تصحیح؛ إذ یجدر بنا أن نتحدث عن تأثیر أرسطی فی البلاغة العربیة، ولیس أکثر من ذلک. هذا التأثیر الأرسطی یبدو - بدوره - محدودًا للغایة، إذا نظرنا إلیه من زاویة الاستدعاء المباشر لکتابات أرسطو فی المتن البلاغی العربی. وتتطابق هذه النتیجة مع نتائج أبحاث أخرى عُنیت بتتبع جذور الأفکار البلاغیة، لتصل - أیضًا - إلى محدودیة التأثیر الأرسطی فی البلاغة العربیة، على خلاف بعض الأطروحات التی قدمت تقدیرات مبالغًا فیها لهذا التأثیر. مهما یکن من أمر، فإن التفاوت بین غیاب تأثیر أفلاطون على البلاغة العربیة، ومحدودیة تأثیر أرسطو علیها، یسهل تفسیره سواء من زاویة عامة تخص درجة التأثیر الأرسطی فی التراث العربی عمومًا، أو من زاویة خاصة تتعلق بالطبیعة النوعیة للبلاغة الأفلاطونیة.

ربما یعود الفارق الکبیر بین مدى حضور الفیلسوفین فی التراث البلاغی إلى هیمنة أرسطو على التراث الفلسفی العربی. وربما کانت عبارة عبد الرحمن بدوی السابق ذکرها، دالة على تأثیر مرکزیة أرسطو فی تهمیش أعمال فلاسفة آخرین وتجاهلها، وعلى رأسهم أفلاطون. ورغم ذلک، یبدو هذا التهمیش مبررًا؛ بأسباب أخرى وثیقة الصلة بطبیعة البلاغة الأفلاطونیة، على نحو ما أشرنا إلیه من قبل، وهو ما یحتاج إلى مزید من التفصیل.

انتقاد البلاغة فی ثقافة تقدیس البلاغة

یمکن تفسیر تفاوت اهتمام العرب القدماء ببلاغتی أرسطو وأفلاطون عبر تحلیل طبیعة البلاغتین، ومدى مواءمتهما للواقع الدینی والسیاسی العربی فی العصر الوسیط. ویمکن المحاججة - على نحو دقیق - بأن انتقاد أفلاطون القاسی للبلاغة کان مؤثرًا فی تفاوت استقبال البلاغتین فی التراث العربی القدیم، وربما حتى الوقت الراهن.

لقد کان هجوم أفلاطون على بعض الممارسات البلاغیة جذریًا وحاسمًا، بما یصعب تکییفه مع ثقافة تأسستْ على تقدیس البلاغة. لقد کان العرب یحتفون بمیلاد الخطیب والشاعر، وکانوا إذا افتقدوا وجود أحدهما فی القبیلة بالنسب، اشتروا ولاءه بالمال، فی حین کان أفلاطون قد عقد عزمه على طرد الخطباء المحترفین، والشعراء المبدعین، من مدینته الفاضلة، ولربما ضَرَبَ رقابهم لو أتیح له المجال! إن الفرق بین هذین الموقفین من البلاغة یُلخص - بشکل جلی - الفرق بین البلاغتین العربیة والأفلاطونیة، والصعوبات التی کان تقف حجر عثرة أمام محاولات الإفادة من بلاغة أفلاطون على نحو مماثل لإفادتهم من بلاغة أرسطو. یُضاف إلى ذلک، أن نقد أفلاطون للکلام البیانی المنمَّق، والولع بالبراعة اللغویة، یبدو غیر متسق مع الانشغال الأعظم للبلاغة العربیة، التی کرّستْ الشطر الأکبر من جهدها لاستکناه الأسرار البلاغیة فی النص القرآنی، الذی یُمثّل قیمة بیانیة متفرّدة، بوصفه النص المعجز بلاغیًا.

علاوة على ذلک، ربما وقفت بنیة کتب أفلاطون حجر عثرة أمام إتاحة أعماله باللغة العربیة عبر الترجمة المباشرة. فقد جاءت کتب أفلاطون عن البلاغة فی شکل المحاورة. وعلى الرغم من أن کل محاورة تُعالِج موضوعًا أساسیًا وحزمة موضوعات فرعیة، فإن الانتقال بین الموضوعات ربما کان یُمثّل بعض الصعوبة أمام تشکیل نسق متکامل من الأفکار. یزید من هذه الصعوبة أن المحاورات حافلة بإشارات ثقافیة وحضاریة، ربما مثّل فهمها بعض الإشکال أمام قارئ ینتمی إلى ثقافة مغایرة إلى حد کبیر. وفی الحقیقة، فإن الترجمات العربیة القدیمة لکتب أفلاطون أعید بناؤها، لتتخلص من شکل المحاورة، وذلک على خلاف الترجمات العربیة المعاصرة، التی حافظت على بنیتها الأصلیة، واحتفت بها أیضًا.

بلاغة أفلاطون فی العالم العربی المعاصر: زمن الاستعادة

ظلت أعمال أفلاطون حول البلاغة غیر متاحة باللغة العربیة حتى أواسط العقد السابع من القرن العشرین، حین نشر أدیب نصور ترجمته لمحاورة جورجیاس، تحت عنوان "الخطیب: حوار لأفلاطون فی الخطاب والسیاسة والحیاة"، عن دار صادر اللبنانیة عام 1966. وبعد أقل من أربع سنوات، نشر محمد حسن ظاظا ترجمته للمحاورة نفسها، تحت عنوان "محاورة جورجیاس"، عن الهیئة المصریة العامة للتألیف والنشر عام 1970. وبعد عامین فقط، نشر عبد الله حسن المسلمی ترجمته لمحاورة منکسینوس تحت عنوان "محاورة منکسینوس أو عن الخطابة"، عن دار نشر جامعة بنغازی اللیبیة عام 1972. وإثر مرور عقدین، نشرت أمیرة حلمی مطر الترجمة العربیة لمحاورة فیدروس، ثانی أهم أعمال أفلاطون حول البلاغة، عن دار المعارف بالقاهرة، بمعیّة محاورة ثیاتیتوس، تحت عنوان "محاورات ونصوص لأفلاطون" عام 1986[xliii]، لتکتمل بذلک ترجمة أعمال أفلاطون التی کرّسها - بالأساس - لمعالجة البلاغة عمومًا، والخطابة على نحو الخصوص. ثُمّ أعیدت ترجمة هذه الأعمال جمیعًا على ید شوقی تمراز، الذی ترجم الأعمال الکاملة لأفلاطون، ونشرها عام1994.

أنجز الباحثون العرب ترجمة الأعمال الأساسیة لأفلاطون حول البلاغة فی نحو عقدین من الزمن. وکعادة الجهود العربیة المهدرة، وبعد أن ظلت المحاورات غیر مترجمة لأکثر من ألف عام من معرفة العرب بها، تُرجمت محاورة جُورْجْیَاسْ مرتین فی نحو ست سنوات (أعوام 1966إلى 1970)، وتُرجمت مرة ثالثة بعد أقل من عقدین من نشر الترجمة الثانیة (1994)[xliv]. وبالمثل تُرجمت محاورة فیدروس مرتین فی أقل من عقد من الزمان ( 1986 و1994)[xlv]، وتُرجمت محاورة منکسینوس مرتین فی نحو عقدین أیضًا (1972-1994)[xlvi].

لقد ظل الاهتمام البحثی العربی بالبلاغة عند أفلاطون فلسفیًّا إلى حد کبیر حتى أوائل القرن الحادی والعشرین، حین نشر هشام الریفی دراسةً حول "الحجاج عند أرسطو"، ضمّنها معالجة فاحصة لنقد أفلاطون للخطابة[xlvii]. وحتى العام 2008، حین نشر عماد عبد اللطیف دراسته المعنونة بـ"موقف أفلاطون من البلاغة من خلال محاورتی جُورْجْیَاسْ وفیدروس"، لم تکن قد نُشرت بعدُ أیّة دراسة مستقلة ذات منطلق بلاغی تختص بمعالجة أعمال أفلاطون.

لماذا یجدر بالبلاغیین العرب المحدثین أن یهتموا ببلاغة أفلاطون؟

لا تنشأ المعارف من فراغ، وإنما تُحرکها دومًا أغراض ومصالح وثیقة الصلة بزمنها الراهن. فقد انطلقت الأبحاث المحدودة التی اختصت بدراسة بلاغة أفلاطون من أسئلة معرفیة وحیاتیة راهنة، شکّلت المنطلق والغایة فی الوقت نفسه. وسوف أبرهن على الصلة الوثیقة بین البحوث العربیة المنجزة حول بلاغة أفلاطون والواقع العربی من خلال التعرض لبحوث أربعة هی جُلُّ ما نُشر من أبحاث مستقلة عن أفلاطون بلاغیًا. یستحضر البحث الأول المعنون بـ"موقف أفلاطون من البلاغة من خلال محاورتی جُورْجْیَاسْ وفیدروس" لعماد عبد اللطیف، نقد أفلاطون للتلاعب فی الخطابات الجماهیریة فی أثینا القدیمة، بوصفه محطة ملهمة من محطات مقاومة التلاعب بعقول البشر. ورغم ارتباط أفکار أفلاطون بسیاقات کان التواصل الجماهیری فیها محدودًا بقیود الإمکانات الفیزیقیة للصوت البشری، فی مجتمع بسیط للغایة مقارنة بالمجتمعات البشریة الراهنة، فإنها لا تزال تمثل صیحة فزع مما یمکن أن تقود إلیه الخطابة التلاعبیة، خاصة فی المجال السیاسی. إضافة إلى ذلک، فإن هذا البحث یأتی فی إطار طموح آخر، هو إعادة کتابة تاریخ البلاغة عبر إنجاز حفریات معرفیة فی ماضی هذا العلم العتیق؛ بهدف تبئیر البلاغات المهمّشة، ووضعها فی صدارة تاریخ جدیدٍ. هذه المراجعات الضروریة لتاریخ العلم تمثل تصحیحًا لتاریخ الأفکار من ناحیة، وتطویرًا لبرامج تدریس العلم من ناحیة أخرى[xlviii].

على نحو مشابه، فإن بحث "على هامش خطابة أفلاطون: عودة إلى محاورات لم تنل حظّها من البحث" لحاتم عبید، المنشور فی مارس 2014، یطمح إلى استجلاء موقف أفلاطون من الخطابة، واستکمال الصورة الناقصة التی نشأت عن الاعتماد على محاورتَی جُورْجْیَاسْ وفیدروس وحدهما. ویکرّس البحث نفسه لاستکشاف تصورات أفلاطون للخطابة کما تجلّت فی محاورات یوثیدیموس وبروتاجوراس ومینون، وهی محاورات خُصّصت لمعالجة قضایا أخرى، وورد الحدیث عن الخطابة فیها فی سیاقات فرعیة، لکنها دالة ومهمة[xlix].

أما دراسة الدکتور محمد الولی بعنوان "تأملات فی محاورات أفلاطون جُورْجْیَاسْ، وفیدروس، والجُمهورِیّة" فإنها تؤسّس رابطة وثیقة بین البلاغة القدیمة والواقع الراهن. ویتخذ الولی موقفًا أفلاطونیًا بامتیاز، یمثل دافعه للبحث فی بلاغة أفلاطون. إنه یواجه ما یُطلق علیه "تغوُّل العامة". ففی خاتمة مقاله یُحدد المؤلف غایته من حفریاته المطولة فی تاریخ البلاغة الأفلاطونیة القدیمة":

"وبعد، هو هذا أفلاطون؛ وهی هذه محاورات جُورْجْیَاسْ وفیدروس والجمْهُوریَّة. إننی لا أسعى من وراء هذا العرض إلى التباکی على أطلال أثینا. ولا إلى الحنین إلى ذلک الماضی الذی شهد إحدى النهضات الإنسانیة الفریدة. إننی لا أبشِّرُ، ولا أقوم بالدعوة. هذه المهمة لا تلیق بی، ولا ألیق بها. إننی أتحدث من خلال هذه المحاورات عن واقعٍ قائمٍ راهنٍ فی بلدی. هذا العرض استعارة تمثیلیة، وإن شئت فقل ألِیغُورْیَا. إننی أبیّن، من خلال هذه الذریعة الأفلاطونیة، أن الأشجان القدیمة، التی عمّرت خمسةً وعشرین قرنًا، وأوجاع سقراط المتولِّدة عن تغوُّل العامة ورموزها، وعن ازدراء العقل، والعدالة، والتشریع الإنسانی، والحقیقة، والفکر، وقیم الجدل والحوار، وعن تعطیل القانون، وتلطیخ الأخلاق، ما تزال قائمةً".

إن حدیث الأستاذ الولی عن الأشجان القدیمة/الراهنة، یُلخّص بإیجاز مسعى معظم الدراسات المعنیة ببلاغة أفلاطون. فالقراءات العربیة لخطابة أفلاطون لم تحرکها أهداف أکادیمیة خالصة، بل انشغالات الواقع والحیاة وهمومها. وفی الحقیقة، تبدو قدرة أفلاطون على الإلهام مثیرة للدهشة. وقد لخّص الفیلسوف عبد الرحمن بدوی - فی لمحة ثاقبة - حدود الفرق بین تأثیر الفلسفتین الأرسطیة والأفلاطونیة فی مفتتح کتابه "المثل العقلیة الأفلاطونیة"، بقوله:

"إن الدور الذی یمکن لأفلاطون، وأمثاله، أن یؤثروا فیه غیر الدور الذی یمکن لأرسطو ومن على شاکلته أن یکون لهم نفوذ فیه مبسوط. فأفلاطون یَحدث أثره المسیطر فی أدوار الابتکار، والخصب الروحی؛ لأنّ تأثیره من باطن، بمعنى أنه یهب المنفعل قوة مولّدة لأفکار جدیدة ومذاهب جدیدة. بینما أثر أرسطو یظهر فی أدوار العقم، والتقلید، والتحصیل، والعرض التفصیلی للآراء؛ لأن تأثیرَه من خارج؛ إذ یُقدم النتائج إلیک معدّة من قبل دون أن یجعلک تنفعل وإیاه من باطن. فأولئک الذین یطلبون من المتقدمین مجرد قوة دافعة مُلهمة، لا نتائج معدّة حاضرة، یتعلقون بأفلاطون. وهؤلاء الذین یُنشدون مذاهب ناجزة، یتخذونها تقلیدًا وتحصیلا، فلا یکون عملهم معها إلا مجرد الشرح، والتفصیل، والتحلیل، یلجؤون إلى أرسطو[l]".

إننا لا نملک إلا أن نصدّق على کلمات بدوی باقتناع، ونحن نرى کیف یستخدم باحثون عرب بعض مفاهیم أرسطو البلاغیة مثل الإیتوس، والباتوس، واللوجوس، بفهم تبسیطی؛ لإنتاج تصنیفات هشّة، وتحلیلات آلیة؛ لإنجاز بحوث تفتقد إلى الإبداع. وعلى خلاف ذلک، فإن الدراسات العربیة المعاصرة حول بلاغة أفلاطون تشترک فی أنها تُمثّل استجابات أصیلة لتحدی الإلهام الأفلاطونی، وتبرهن على أن بعض الأطروحات البلاغیة القدیمة قابلة للاستثمار - بأریحیة - فی مشاریع معرفیة تستجیب لتحدیات راهنة، وما زالت الأبواب مشرعة لإنجاز دراسات أخرى عدّة. وفیما یأتی بعض أهم الفضاءات الخصبة فی بلاغة أفلاطون، عسى أن تستنبتها دراسات عربیة جدیدة:

•        النقد الإبستمولوجی للخطابة الشعبویة؛

•        الاستبصارات العمیقة حول العلاقة بین الخطاب والسلطة؛

•        التأسیس لمقاربة قیمیة للکلام الجماهیری؛

•        نقد التلاعب بواسطة اللغة والأداء فی المجالین السیاسی والقضائی؛

بالطبع، فإن مشکلة الطرح الأفلاطونی تکمن فی أنه لا یُقدّم إجراءات تحلیل، ولا لوائح تصنیف، أو قوائم أسالیب، على نحو ما یفعل أرسطو. لکن القیمة الحقیقیة لإسهامات أفلاطون تکمن فی استبصاراته العمیقة، وفی قدرته على مساءلة قضایا تبدو غیر قابلة للفناء، وفی إکراهه للباحثین على أن یکونوا أنفسهم.

رغم تشابه الدراسات المعنیة ببلاغة أفلاطون، لم یحل هذا دون وجود تباینات عدیدة فیما بینها، یمکن تلخیصها فیما یأتی:

  1. تباین الخلفیات المعرفیة

تتباین الخلفیة المعرفیة لدارسی بلاغة أفلاطون، ففی حین یستعین عبید وعبد اللطیف بأدبیات أنجلو سکسونیة، یستند الأستاذ الولی إلى خلفیة فرانکفونیة، وهو یتشابه فی هذا مع مترجمی محاورتی جُورْجْیَاسْ (السید حسن ظاظا)، وفیدروس (الدکتورة أمیرة حلمی مطر)؛ اللذین نقلاهما من الفرنسیة إلى العربیة، وترجما المقدمات الفرنسیة التی صدّر بها مترجما المحاورتین الفرنسیین ترجمتهما عن الیونانیة. أما مؤلف محاورة منکسینوس فلم یُصرح باللغة التی ترجم عنها، وإن کان تخصصه فی الکلاسیکیات، یدفعنا إلى تخمین أنه نقل المحاورة القصیرة عن الیونانیة. غیر أن هذا التباین فی الخلفیات المعرفیة یبدو غیر ذی تأثیر کبیر، مقارنة بالتباین فی التراجم العربیة للمصطلحات الأساسیة.

  1. لسان واحد، ومقابلات عدیدة

لا یزال مُشکل اضطراب البنى الاصطلاحیة یُلقی بظلاله على حقل البلاغة العربیة. ویزداد الأمر تعقیدًا فی الترجمات؛ إذ تشیع ظاهرة تعدد المقابلات العربیة للمصطلح الأجنبی الواحد. بالطبع یُمکن أن نردّ هذا التعدد إلى تباین تعریفات المصطلح الواحد فی الکتابات الأصلیة، إما لاختلاف دلالة المصطلح عند المؤلفین، أو لتغیر مفهوم المصطلح فی فترات مختلفة من حیاة مؤلّف واحد، أو غیرها. ویُنظر إلى تنوع البدائل العربیة فی هذه الحالات على أنه طلب للدقة، وانعکاس لسمات النص الأصلی. لکن المشکلة الحقیقة تنشأ حین تختلف المقابلات لمصطلح واحد فی کتاب بعینه، تعاوَر على ترجمته، أو التألیف عنه، عدد من الباحثین. ویُقدم مصطلح Rhetoric مثالاً دالاً فی هذا السیاق.

استخدم ظاظا (1970) فی نقله لمحاورة جُورْجْیَاسْ بدیلین عربیین لترجمة کلمة rhetoric: الأول هو "البیان"، وهی الترجمة الأکثر شیوعًا فی ترجمته لمتن المحاورة، والثانی هو "البلاغة"، وترجم العنوان الفرعی لجُورْجْیَاسْ على النحو الآتی: "فی الرد على أهل البلاغة والسفسطة"[li]. وعلى خلاف ذلک، رکن المسلمی (1972) إلى الاختیار التراثی القدیم؛ أعنی الإبقاء على الکلمة الیونانیة دون ترجمتها، مستخدمًا کلمة "ریطوریقا" على مدار ترجمته لمحاورة منکسینوس. فی حین استعملت مطر (1986) بدیلین آخرین هما؛ “فن الخطابة” و"الخطابة" فی نقلها لمحاورة فیدروس إلى العربیة. أما تمراز (1994) فقد استخدم أربعة مقابلات هی؛ "فن الخطابة"، و"الخطابة"، و"علم الکلام"، و"فن الکلام". وقد وضع – بالفعل- تعبیر "علم الکلام"، عنوانًا فرعیًا لترجمته لمحاورة جورجیاس[lii]. وهکذا، ففی أقل من عشرین عامًا، استخدم مترجمو أفلاطون سبعة مقابلات عربیة مختلفة لترجمة مصطلح واحد هو "rhetoric". بالطبع یعود جزء من هذا التعدد فی البدائل العربیة إلى الدلالة المزدوجة للکلمة؛ إذ قد تعنی فن الإقناع والتأثیر، أو العلم الذی یدرس هذا الفن. غیر أن هذه الدلالة المزدوجة لا تبرر ظهور هذا الکم الکبیر من المقابلات العربیة.

تعکس الدراسات المعنیة ببلاغة أفلاطون درجة أقل من التشتت المصطلحی؛ فقد استُخدمت ثلاثة مصطلحات فقط؛ الأول هو البلاغة، والثانی هو الخطابة، والثالث هو فن الخطابة، بدیلا لکلمة rhetoric.

یرجع اختیار عدم توحید المصطلحات إلى أن التنوع الاصطلاحی لا یزال أمرًا خلافیًّا، ولم یتسن للباحثین العرب مناقشته مناقشة موسعة؛ لیستقروا على مقابلات موحّدة. ومع ذلک، تبدو ترجمة مصطلح rhetoric بـ"البلاغة" وجیهة؛ وذلک، أولاً، لأنّ دلالة المصطلح فی استخدامه الأفلاطونی أوسع من المفهوم الذی یحتمله ویؤدیه مصطلح “الخطابة”، سواء فی “جُورْجْیَاسْ”؛ إذ تُعرّف بأنها "القدرة على الإقناع بواسطة الحدیث"، أو فی فیدروس؛ إذ تُعرّف بأنها "فن قیادة النفوس بواسطة الأحادیث"، والخطابة فی التعریفین لیست إلا نوعًا واحدًا من أنواع بلاغیة عدیدة. وفی الحقیقة، فإنّ النوع البلاغی النموذجی فی محاورة فیدروس، لیس هو الخطابة، بل المحاضرة التعلیمیة؛ ویدافع أفلاطون بقوة عن هذا النوع البلاغی فی مقابل نوع بلاغی آخر انتقده بشدة هو نوع المقال المکتوب. أما ترجمة الکلمة بمصطلح “البیان”، فتبدو غیر موفقة؛ لأن مصطلح "البیان" یُطلق، فی البلاغة العربیة السکاکیة، على حقل بعینه من البحث البلاغی یُعنى بدراسة المجاز بأنواعه، وربما یؤدی استخدام مصطلح (البیان) بوصفه ترجمة لمصطلح rhetoric إلى بعض الالتباس. وإذا وضعنا فی الاعتبار ما ذکره جرونبک من احتمال أن یکون أفلاطون هو الذی اخترع کلمة rhetorikê لیصف الخطابات السیاسیة والاجتماعیة التی لا تنتج سوى الاعتقادات الشعبیة doxa فإن استخدام کلمتی “البیان” أو” الخطابة” بدیلا لکلمة rhetoric على طول الخط سوف یکون غیر دقیق. بالإضافة إلى ذلک، فإن نصوص محاورات أفلاطون تضمّنت ثنائیة متکررة هی ثنائیة البلاغی rhetorician والخطیب orator، وهی امتداد لثنائیة البلاغة rhetoric والخطابة oratory[liii]. ومن ثمّ فإن ترجمة کلمة rhetoric بأنها الخطابة أو فن الخطابة، قد تؤدی إلى تشوش النص الأفلاطونی إلى حد کبیر.

إن احتمال أن یکون أفلاطون هو من اخترع کلمة rhetoric لوصم ممارسات الکلام السفسطائی، تجعل من الضروری استخدم مصطلح الخطابة فی بعض السیاقات ترجمة لها، وذلک حین یکون الکلام على لسان جُورْجْیَاسْ أو بولس أو کلیکالیس (محاوری سقراط من السفسطائیین)، أو یتضمن عرضا لأفکارهم. ویعنی ذلک إمکانیة ترجمة هذا المصطلح بتسمیتین فی دراسة محاورة جُورْجْیَاسْ تحدیدًا؛ الخطابة: تسمیة السفسطائیین الخطباء لعملهم، والبلاغة: تسمیة أفلاطون لعمل السفسطائیین الخطباء. یرجع ذلک إلى أن المحاورة تکشف عن تنازع قوی على التسمیة، فثمة عبارة دالة لأفلاطون تکشف عن الصراع بین السفسطائیین وسقراط على تسمیة "فن الإقناع بالأحادیث"، ففی سیاق إلحاحه على جُورْجْیَاسْ لکی یکشف عن الاسم الذی یُطلقه على الفن الذی یمارسه یقول سقراط: "لست أدری إن کنتُ قد فهمتُ الصفة التی تصف بها البیان، والتی تجعلک تُسمی هذا الفن بالخطابة"[liv]. ومن الجلی أن هذا التنازع الإیدیولوجی على التسمیات أدى إلى مزید من اضطراب البنى الاصطلاحیة فی هذا العلم العتیق.

یُمکن القول إن ترجمة rhetoric مثلت مأزقًا فعلیًا أمام الباحثین العرب المعاصرین، وفی الحقیقة فإن قائمة البدائل اتسعت لتشمل کلمات أخرى، غیر تلک التی أوردها مترجمو أفلاطون ودارسوه. ومن أهم هذه البدائل، اقتراح الأستاذ محمد العمری باستخدام کلمة "خَطابیّة" على غرار مصطلح "شعریّة"؛ لیشکلا معًا جناحی البلاغة بشقیها التداولی والتخییلی بتعبیر الدکتور العمری[lv]، وهو اختیار وجیه إذا نظرنا إلیه من زاویة قدرته على أن یعکس الفصل بین الشعریّة والخَطابیّة عند أرسطو، غیر أن هذا البدیل لا یخلو بدوره من مشکلات؛ منها أنه غیر متداول على نطاق شائع، ولم یرد مطلقًا فی ترجمات أعمال أفلاطون. وهو أیضًا قریب الشبه بمصطلح آخر مستقل هو "خِطابیة"، الذی یُستخدم لترجمة کلمة discursivity، والفرق بین المصطلحین لیس إلا حرکة الحرف الأول. کما أنّ مصطلح "خَطابیّة" لا یتیسر منه اشتقاق مقابلات دقیقة لکلمات مثل rhetorical  أو rhetorician أو rhetoricity وغیرها من المصطلحات المهمة المشتقة من کلمة rhetoric.

یمکن تفهم المبررات العلمیة التی قد تکمن وراء بعض حالات تعدد المقابلات العربیة للمصطلحات البلاغیة، غیر أن هذا التفهم لا ینفی أننا نکاد نکون أمام فوضى اصطلاحیة. ولعلنا فی مسیس الحاجة إلى جهد أکادیمی منظم لمقاومة هذه الفوضى. ومهما یکن من أمر، فإن هذا التباین فی المقابلات الاصطلاحیة لقاموس البلاغة عند أفلاطون هو عرض لمشکلة أکبر وأکثر خطورة هی ضعف التواصل الأکادیمی بین الباحثین العرب، وهی مشکلة تمثل تحدیًا معرفیًا حقیقیًا.

  1. غیاب التراکم المعرفی: فی نقد غیاب المجتمع البحثی العربی الموحد

نُشرت الأبحاث الأربعة التی اختصت بدراسة بلاغة أفلاطون فی الفترة من1998 إلى 2014؛ أی فی نحو ست عشرة سنة، فی دوریات أو مواقع عبر الإنترنت أو کتب محررة. ومع ذلک، لا یتضمن أیٌّ من هذه الأبحاث أیة إحالة إلى أی بحث آخر. قد یرجع هذا إلى عدم التوفیق فی العثور على هذه الکتابات، أو إلى أسباب أخرى، غیر أن النتیجة النهائیة هی أن المقالات العربیة حول بلاغة أفلاطون لا تعکس تراکمًا معرفیًا حول القضیة موضوع الدراسة.

لحسن الحظ، لم یؤد غیاب هذا التراکم إلى الکثیر من الجهد الضائع، على نحو ما یتجلى - على سبیل المثال - فی تعدد ترجمات محاورات فیدروس وجورجیاس، أو فی تعدد البدائل العربیة المستخدمة لترجمة مصطلح یونانی واحد. ویرجع هذا إلى مصادفة غریبة؛ إذ انشغل المؤلفون بدراسة جوانب مختلفة من بلاغة أفلاطون. ففی حین یرکز الریفی على دراسة الأبعاد الحجاجیة فی المعالجة الأفلاطونیة للبلاغة، یُحاول عبد اللطیف تفسیر الموقف العدوانی لأفلاطون تجاه البلاغة، مرکزًا على محاورتی جُورْجْیَاسْ وفیدروس، ویکرس عبید دراسته لمحاورات أخرى أقل محوریة من حیث اهتمامها بالبلاغة، لکنها لا تقل أهمیة من حیث الأفکار والآراء التی تضمنتها. وأخیرًا، فإن مقال الولی أشبه ببانوراما صوتیة، نسمع من خلاله أصوات سقراط وأفلاطون، وأرسطو، وهم یتحدثون مباشرة عن بلاغاتهم، بعد أن هندس الولی أحادیثهم، واختار من أقوالهم ما یُجیب عن تساؤلاته البحثیة على أفضل نحو. ومن ثمّ، فإن البحث المطول باقتباساته الطویلة یکاد یُغنی عن قراءة متن أفلاطون نفسه فی کثیر من الأحیان. إضافة إلى ذلک، فإن دراسة الأستاذ الولی تُعطی مساحة واسعة لمناقشة العلاقة بین الخطابة ومفهومین أساسیین فی فلسفة أفلاطون هما الفضیلة والعدل، فی حین تنشغل دراسة عبد اللطیف - الأقرب فی اهتمامها إلى دراسة الولی - بالعلاقة بین البلاغة ومفهومین آخرین، هما: السلطة والتلاعب. وفی الحقیقة، فإنه على الرغم من أن هذه الدراسات لم تُنجز تراکمًا معرفیًا فیما بینها على نحو مقصود، فإنها تُحدث ذلک، وإن لم یکن مقصودًا؛ إذ تتکامل لتقدم أبعادًا ومنظورات مختلفة لبلاغة أفلاطون. ومهما یکن من أمر، فإن غیاب التراکم المعرفی لا یزال یُشکل تحدیًا حقیقیًا أمام البحث العلمی فی العالم العربی، وکان من المتوقع أن تکتسب هذه الأبحاث ثراءً إضافیًّا لو أنها راکمت على المعارف السابقة علیها.

خاتمة

تناول هذا البحث التلقی العربی لبلاغة أفلاطون من الجاحظ إلى وقتنا الراهن. وبرهن على أن الحضور البلاغی لأفلاطون کان هامشیًا لدى البلاغیین العرب حتى أوائل القرن الحادی والعشرین. وأرجع هامشیة هذا الحضور إلى مجموعة من العلل؛ منها هیمنة أرسطو على الاهتمامات الفلسفیة العربیة القدیمة، وموقف أفلاطون العدائی من البلاغة، وطبیعة نوع المحاورات الذی اتخذه أفلاطون نافذة للتعریف بفلسفته. کما فحص البحث جهود العرب المعاصرین فی استعادة الدرس الأفلاطونی للبلاغة؛ سواء عبر ترجمة أعماله عنها، أو دراستها. وقدّم مراجعة نقدیة لأعمالهم، محددًا السمات المشترکة فیما بینها، وما یتفرد به کل عمل. واقترح فی سیاق ذلک قائمة قصیرة بموضوعات بحثیة لم تنل اهتمامًا کافیًا من البحث، على أمل أن تکون هذه القائمة حافزًا على إجراء مزید من الدراسات، تُعزز من إفادة البلاغة العربیة من الإسهام الأفلاطونی المهم فی دراستها.



[i] من الکتابات التی قدّمت تقدیرات تبدو مبالغة بشأن هذا التأثیر مقال طه حسین: تمهید فی البیان العربی من الجاحظ إلى عبد القاهر، فی مقدمة "نقد النثر "المنسوب خطأً لقدامة بن جعفر، المطبعة الأمیریة ببولاق، القاهرة، 1941. ومن الکتابات المهمة التی قدمت وجهة نظر مضادة بشأن التأثیر الأرسطی فی البلاغة العربیة کتاب عباس أرحیلة: الأثر الأرسطی فی النقد والبلاغة العربیین إلى حدود القرن الثامن الهجری، منشورات کلیة الآداب، الرباط، 1999.

[ii] انظر، الخطابة، لأرسطو: الترجمة العربیة القدیمة، مقدمة عبد الرحمن بدوی، بیروت، دار القلم، 1979، ص (ی).

[iii] حقق محمد سلیم سالم کتاب الخطابة للفارابی، الهیئة المصریة للکتاب، 1976؛ کما حقق کتاب الخطابة من کتاب الشفاء لابن سینا، وصدر عن وزارة المعارف بالقاهرة، 1954؛ وحقق الفیلسوف عبد الرحمن بدوی تلخیص الخطابة لابن رشد، ونشره فی دار القلم، بیروت، ط1 1959.

[iv] هذا الاحتفاء بأرسطو تلخصه عبارة للشهرستانی، أوردها جمیل صلیبا، یقول فیها: "إن المتأخرین من فلاسفة الإسلام قد سلکوا طریقة أرسطاطالیس (أرسطو) فی جمیع ما ذهب إلیه وانفرد به، سوى کلمات یسیرة ربما رأوا فیها رأی أفلاطون والمتقدمین". نقلا عن: صلیبا، جمیل. (1983). من أفلاطون إلى ابن سینا. دار الأندلس، بیروت، ط3، ص 19.

[v] بدوی، عبد الرحمن. (1977). الأفلاطونیة المحدثة عند العرب. وکالة المطبوعات، الکویت، ص 1.

[vi] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[vii] لتتبع دقیق للأثر الیونانی فی البلاغة العربیة یمکن الرجوع إلى: عباس، إحسان. ملامح یونانیة فی الأدب العربی. المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، ط3 1993.

[viii] کما یظهر، على سبیل المثال، فی عنوان کتاب الفارابی "الجمع بین رأیی الحکیمین؛ أفلاطون وأرسطو"، وهناک تسمیة نُسبت إلى أفلاطون على سبیل الخطأ فی کتاب فالتزر. (1982). أفلاطون: تصوره لإله واحد ونظرة المسلمین فی فلسفته، ترجمة، إبراهیم خورشید، وعبد الحمید یونس، وحسن عثمان، دار الکتاب اللبنانی، بیروت، ص 26.  هذه التسمیة هی "الشیخ الیونانی"، وفی الحقیقة، فإن هذه التسمیة هی التی شاعت إشارة إلى أفلوطین، فیلسوف الإسکندریة الشهیر (205-270 م تقریبًا).

[ix] المرجع نفسه، ص 17-19.

[x] بدوی، عبد الرحمن. (1982). أفلاطون فی الإسلام، دار الأندلس، بیروت، ط 3 ص 136-145.

[xi] المرجع نفسه، ص 20-24؛ وقد بذل الفیلسوف العربی عبد الرحمن بدوی جهدًا وافرًا فی جمع الترجمات العربیة القدیمة لأعمال أفلاطون، سواء الأصلی منها أو المنسوب إلیه، وتحقیقها، والتعلیق علیها، ونشرها فی کتاب "أفلاطون فی الإسلام"، وقسّم الکتاب إلى قسمین الأول أفلاطون الصحیح، والثانی أفلاطون المنحول.

[xii] فالتزر، مرجع سابق، ص 22، ولم تصل إلینا هذه المقدمة.

[xiii] حققه عبد الرحمن بدوی ونشره فی "أفلاطون فی الإسلام"، مرجع سابق، ص 5-27.

[xiv] الفارابی، کتاب آراء أهل المدینة الفاضلة. مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1906.

[xv]ابن رشد، مختصر السیاسة لأفلاطون. ترجمه عن العبریة د. أحمد شحلان، نشر مرکز دراسات الوحدة العربیة، ط1 1998.

[xvi] ابن رشد، مختصر السیاسة لأفلاطون. مرجع سابق، ص 78-79.

[xvii] المرجع السابق، ص 138.

[xviii] یذکر الدکتور عبد الرحمن بدوی أنه یُحتمل أن یکون المصدر الذی استعان به الفارابی هو کتاب ثاون "مراتب قراءة کتب فلاطن (أفلاطون) وأسماء ما صنّفه"، وهو کتاب مذکور فی الفهرست لابن الندیم، بحسب بدوی أیضًا. انظر: بدوی، عبد الرحمن. (1982). أفلاطون فی الإسلام، دار الأندلس، بیروت، ط3، ص 29.

[xix] ما بین الأقواس من وضع المؤلف؛ لتیسیر فهم العبارة.

[xx] انظر، أفلاطون فی الإسلام، مرجع سابق، ص 11.

[xxi] لیس هناک ما یؤکد أن محاورة جورجیاس قد نُقلت إلى العربیة، غیر أنه توجد إشارات إلى نسخة مترجمة إلى السریانیة. وترد الإشارة إلى المحاورة فی کشف الظنون لحاجی خلیفة، والفهرست لابن الندیم. نقلا عن جمیل صلیبا "من أفلاطون إلى ابن سینا"، مرجع سابق، ص 22، وعبد الرحمن بدوی، المُثُل العقلیة الأفلاطونیة، مرجع سابق، ص 46-47.

[xxii] انظر ترجمة إنجلیزیة لهذه السیرة على الرابط الآتی: http://www.classicpersuasion.org/pw/diogenes/dlplato.htm

[xxiii] المرجع السابق، ص 26.

[xxiv] انظر، على سبیل المثال، نقاشًا مستفیضًا للسمات التی یُمدح بها الرجل فی باب "نعت المدیح"، ضمن کتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر، نشر مطبعة الجوائب، القسطنطینیة، ط1، 1302 هجریة، ص 30-33.

[xxv] انظر الترجمة العربیة للمحاورة بقلم عبد الله حسن السلمی، نشر جامعة بنغازی، ط1، 1972.

[xxvi]یمکن، على سبیل المثال، الرجوع إلى دراسة: عبد اللطیف، عماد. 2014. تحلیل الخطاب البلاغی: دراسة فی تشکل المفاهیم والوظائف. کنوز المعرفة، الأردن، التی تتبع فیها بعض النقول غیر الموثقة فی باب واحد من أبواب البلاغة هو الالتفات، ص 80، وص 138-139.

[xxvii] کراوس، بول. (1940). التراجم الأرسططالیة المنسوبة لابن المقفع. ضمن التراث الیونانی فی الحضارة الإسلامیة، ترجمة وتحریر عبد الرحمن بدوی، نشر مکتبة النهضة المصریة، ص 103-105. والنص وارد فی الجزء الأول من الحیوان؛ انظر: الجاحظ، أبا عمرو بن العلاء. الحیوان، تحقیق عبد السلام هارون، نشر مکتبة الخانجی، القاهرة، ط2، 1965ص 76.

[xxviii] الجاحظ، أبو عمرو بن العلاء. البیان والتبیین، تحقیق عبد السلام هارون، نشر مکتبة الخانجی، القاهرة، ط7، 1998 ج4، ص 242.

[xxix] الجاحظ. الحیوان، مرجع سابق، ج 1، ص 74.

[xxx] العسکری، أبو هلال (ت 395 هـ). کتاب الصناعتین، تحقیق مفید قمیحة، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت ط2 1984م.

[xxxi] ابن رشیق، أبو على الحسن (ت 456 هـ) العمدة فی محاسن الشعر وآدابه، تحقیق محیی الدین عبد الحمید، نشر دار الجیل، بیروت. ط4 1972، ص 245.

[xxxii] انظر، السکاکی، أبا یعقوب (ت 626 هـ). مفتاح العلوم، نشر مکتبة البابی الحلبى، مصر، ط2، 1990م.

[xxxiii] ابن الأثیر، ضیاء الدین. المثل السائر فی أدب الکاتب والشاعر. المکتبة العصریة، تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید، مکتبة مصطفى البابی الحلبی، د.ت. ج1، ص 38.

[xxxiv] انظر، ابن الأثیر، المثل السائر، مرجع سابق، ص 156-157.

[xxxv] القرطاجنی، حازم. منهاج البلغاء وسراج الأدباء. تحقیق محمد الحبیب بن الخوجة، الدار العربیة للکتاب، تونس، ط3، 2008، ص 105.

[xxxvi] السجلماسی، أبو محمد القاسم، (ت 704هـ). المنزع البدیع فی تجنیس أسالیب البدیع، تحقیق علال الغازى، نشر مکتبة المعارف، الرباط، المغرب ط1 1980م.

[xxxvii] العددی، ابن البناء. (ت 721هـ). الروض المریع فی صناعة البدیع، تحقیق رضوان بن شقرون، دار النشر المغربیة، ط1 1985م.

[xxxviii] انظر، الفارابی، کتاب فی المنطق: الخطابة. تحقیق محمد سلیم سالم، دار الکتب، مصر، 1976، ص 3.

[xxxix] المرجع نفسه، ص 5.

[xl] نفسه، ص 22.

[xli] نفسه، ص 33

[xlii] انظر، ابن رشد، أبا الولید. (ت 595). تلخیص الخطابة، تحقیق عبد الرحمن بدوی، نشر وکالة المطبوعات الکویت، دار القلم بیروت د.ت.

[xliii] أُعید نشر محاورة فیدروس فی کتاب مستقل عن دار غریب بالقاهرة عام 2000، بعنوان "محاورة فیدروس لأفلاطون أو عن الجمال"، بمقدمة مطولة للمترجمة.

[xliv] قام بالترجمة الثالثة شوقی داوود تمراز عن الإنجلیزیة ضمن عدد من المجلدات ترجم فیها أعمال أفلاطون کاملة، ونشرها فی الدار الأهلیة للنشر والتوزیع ببیروت 1994، ووردت محاورة جورجیاس فی المجلد الثانی، ص 294-434. وتفتقد هذه الترجمة إلى الدقة فی کثیر من المواضع، کما یظهر - بجلاء - فی عناوین المحاورات الفرعیة، ویحتاج هذا إلى بحث تفصیلی.

[xlv] المرجع نفسه، المجلد الرابع، ص 9-103.

[xlvi] الترجمة الثانیة لتمراز أیضًا، وتأتی فی المجلد الثالث، ص 336-356.

[xlvii] انظر، الریفی، هشام، الحجاج عند أرسطو، ضمن "أهم نظریات الحجاج فی التقالید الغربیة من أرسطو إلى الیوم"، منشورات جامعة منوبة، تونس، 1998.

[xlviii] انظر، عبد اللطیف، عماد. موقف أفلاطون من البلاغة من خلال محاورتی جورجیاس وفیدروس، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الاجتماعیة والإنسانیة، مجلة علمیة محکَّمة، الشارقة، الإمارات العربیة المتحدة، مجلد 5، عدد 3 (2008)، ص 227-244.

[xlix] انظر، عبید، حاتم. "على هامش خطابة أفلاطون: عودة إلى محاورات لم تنل حظّها من البحث"، موقع مؤمنون بلا حدود، 2014.على الرابط الآتی: http://www.mominoun.com/articles/1961

[l] انظر، بدوی، عبد الرحمن. (1980). المثل العقلیة الأفلاطونیة. ص 7-8.

[li] أفلاطون. محاورة جورجیاس، ترجمة حسن ظاظا، مرجع سابق، ص 31.

[lii] أفلاطون: المحاورات الکاملة، ترجمة شوقی داوود تمراز، الأهلیة للنشر والتوزیع، بیروت، ج2 ص 294.

[liii] انظر، الترجمة الإنجلیزیة لمحاورة جورجیاس، بقلم بنجامین جویت، وتوجد نسخة مجانیة منها على الرابط الآتی: http://www.gutenberg.org/files/1672/1672-h/1672-h.htm

[liv] انظر، جورجیاس، مرجع سابق، ص 37.

[lv] انظر، العمری، محمد. (2005). البلاغة الجدیدة بین التخییل والتداول. إفریقیا الشرق، المغرب، ص 14.

ابن الأثیر، ضیاء الدین. المثل السائر فی أدب الکاتب والشاعر. المکتبة العصریة، تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید، مکتبة مصطفى البابی الحلبی، د.ت.
ابن جعفر، قدامة. نقد الشعر، نشر مطبعة الجوائب، القسطنطینیة، ط1، 1302 هـ.
ابن رشد، أبو الولید (ت 595 هـ). تلخیص الخطابة، تحقیق عبد الرحمن بدوی، وکالة المطبوعات الکویت، دار القلم بیروت د.ت.
ابن رشد، أبو الولید (ت 595 هـ). مختصر السیاسة لأفلاطون. ترجمه عن العبریة د. أحمد شحلان، مرکز دراسات الوحدة العربیة، ط1، 1998.
ابن رشیق، أبو على الحسن (ت 456 هـ). العمدة فی محاسن الشعر وآدابه. تحقیق محیی الدین عبد الحمید، نشر دار الجیل، بیروت. ط4، 1972م.
ابن سینا، أبو علی الحسین. الخطابة من کتاب الشفاء. تحقیق محمد سلیم سالم، وزارة المعارف العمومیة، القاهرة، 1954.
أرحیلة، عباس. الأثر الأرسطی فی النقد والبلاغة العربیین إلى حدود القرن الثامن الهجری، منشورات کلیة الآداب، الرباط، 1999.
أرسطو. الخطابة، ترجمة عبد الرحمن بدوی، دار الشؤون الثقافیة العامة، بغداد، 1986.
أفلاطون. المحاورات الکاملة. نقلها إلى العربیّة شوقی داود تمراز، الأهلیّة للنشر والتوزیع، بیروت، 1994.
أفلاطون. محاورة جُورْجْیَاسْ. ترجمها عن الفرنسیة محمد حسن ظاظا، مراجعة علی سامی النشار، الهیئة المصریة العامة للتألیف والنشر، 1970.
أفلاطون. محاورة فیدروس أو عن الجمال، ترجمة وتقدیم أمیرة حلمی مطر، دار غریب للطباعة والنشر والتوزیع، القاهرة، 2000.
بدوی، عبد الرحمن. أفلاطون فی الإسلام. دار الأندلس، بیروت، ط 3، 1982.
بدوی، عبد الرحمن. الأفلاطونیة المحدثة عند العرب. وکالة المطبوعات، الکویت، 1977.
بدوی، عبد الرحمن. (تحقیق، وتعلیق). المُثُل العقلیة الأفلاطونیة. دار الکتب المصریة، القاهرة، 1947.
الجاحظ، أبو عمرو بن العلاء. البیان والتبیین. تحقیق عبد السلام هارون، نشر مکتبة الخانجی، القاهرة، ط7، 1998.
الجاحظ، أبو عمرو بن العلاء. الحیوان. تحقیق عبد السلام هارون، مکتبة الخانجی، القاهرة، ط2، 1965.
حسین، طه. تمهید فی البیان العربی من الجاحظ إلى عبد القاهر، ضمن مقدمة "نقد النثر" المنسوب خطأً لقدامة بن جعفر، المطبعة الأمیریة ببولاق، القاهرة، 1941.
الریفی، هشام. الحجاج عند أرسطو. ضمن کتاب "أهم نظریّات الحجاج فی التقالید الغربیّة من أرسطو إلى الیوم"، إشراف حمّادی صمّود، منشورات کلّیة الآداب بمنّوبة، تونس، 1998.
السجلماسی، أبو محمد القاسم (ت 704 هـ). المنزع البدیع فی تجنیس أسالیب البدیع. تحقیق علال الغازی، مکتبة المعارف، الرباط، المغرب ط1، 1980م.
السکاکی، أبو یعقوب (ت 626 هـ). مفتاح العلوم. مکتبة البابی الحلبی، مصر، ط2، 1990م.
صلیبا، جمیل. من أفلاطون إلى ابن سینا. دار الأندلس، بیروت، ط3، 1983.
عباس، إحسان. ملامح یونانیة فی الأدب العربی. المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، ط3، 1993.
عبد اللطیف، عماد. موقف أفلاطون من البلاغة من خلال محاورتی جُورْجْیَاسْ وفیدروس، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الاجتماعیة والإنسانیة، الشارقة، الإمارات العربیة المتحدة، مجلد 5، عدد 3 (2008)، ص 227-244.
عبید، حاتم. "على هامش خطابة أفلاطون: عودة إلى محاورات لم تنل حظّها من البحث"، موقع مؤمنون بلا حدود، 2014. على الرابط الآتی: http://www.mominoun.com/articles/1961
العددی، ابن البناء (ت 721 هـ). الروض المریع فی صناعة البدیع. تحقیق رضوان بن شقرون، دار النشر المغربیة، ط1، 1985م.
العسکری، أبو هلال (ت 395 هـ). کتاب الصناعتین: الکتابة والشعر. تحقیق مفید قمیحة، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت، ط2، 1984م.
العمری، محمد. البلاغة الجدیدة بین التخییل والتداول. إفریقیا الشرق، المغرب، 2005.
الفارابی، أبو نصر. کتاب آراء أهل المدینة الفاضلة. مطبعة السعادة، مصر، ط1، 1906.
الفارابی، أبو نصر. کتاب فی المنطق: الخطابة. تحقیق محمد سلیم سالم، الهیئة المصریة للکتاب، القاهرة، 1976.
فالتزر. أفلاطون: تصوره لإله واحد ونظرة المسلمین فی فلسفته، ترجمة، إبراهیم خورشید، وعبد الحمید یونس، وحسن عثمان، دار الکتاب اللبنانی، بیروت، 1982.
القرطاجنی، حازم. منهاج البلغاء وسراج الأدباء. تحقیق محمد الحبیب بن الخوجة، الدار العربیة للکتاب، تونس، ط 3، 2008.
کراوس، بول. التراجم الأرسططالیة المنسوبة لابن المقفع. ضمن "التراث الیونانی فی الحضارة الإسلامیة"، ترجمة وتحریر عبد الرحمن بدوی، نشر مکتبة النهضة المصریة، 1940.
الولی. محمد. تأملات فی محاورات أفلاطون جُورْجْیَاسْ وفیدروس والجُمهورِیّة، ضمن کتاب "البلاغة والخطاب"، تحریر محمد مشبال، دار منشورات الاختلاف، الجزائر، 2014.
المسلمی، عبد الله. محاورة منکسینوس أو عن الخطابة. دار نشر جامعة بنغازی، بنغازی، 1972.