(دلالات سيميائية في الرواية العُمانية)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مُحاضر لغة عربية في کلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الشرقية/سلطنة عُمان

المستخلص

يتناول هذا البحث ثلاث روايات عُمانية وهي: رواية بن سولع لعلي المعمري، ورواية نارنجة لجوخة الحارثي، ورواية سندريلات مسقط لهُدى حمد، وجاء اختيار الروايات الثلاث بسبب ما حققته من مکانة مهمة في الوسط النقدي/الثقافي العُماني والعربي، وقد نالت روايتا بن سولع وسندريلات مسقط على جائزة أفضل رواية من الجمعية العُمانية للکتاب والأدباء لعامي 2011م و 2017م، کما فازت رواية نارنجة بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب. وتکشف الروايات الثلاث مراحل النمو التي وصلت إليها الرواية العُمانية في طريق تحوّلها إلى لغة سردية تدمج فيه الذاتي بالآخر في قالبٍ أدبي عالمي؛ حيثُ جاء عنوان البحث باسم:  (دلالات سيميائية في الرواية العُمانية)، کما أن الدراسة تکشف عمق الدلالة السردية وعلاماتها المُضمرة.

الكلمات الرئيسية


مُقدّمة:

    إن الروایة العُمانیة حالها کحال أی منجزٍ ثقافی  أو اجتماعی أو اقتصادی أو سیاسی؛ فکل تلک المنجزات متشابکة مع بعضها ومترابطة أشد الترابط، فإما أن تقوم معا أو تهوی معا، وما خالف هذا المنطق فهو مخالفة الشذوذ، لا یُقامُ علیه قاعدة وهو عادة ما یکون حالات فردیة؛ فقد رأینا ما تمیّز به العصر العباسی من ثقافة وأدب وترجمة؛ وکان ذلک ضمن حضارة متکاملة البنیان. ورأینا فی العصر الحدیث ما تمیّزتْ به مِصر العربیة من نهضة کبیرة رافقها عدد کبیر من المفکرین والأدباء المؤسِّسین. والحال لا یختلف کثیرا عن نهضة الخلیج العربی وما رافقها من منجزات ثقافیة  واجتماعیة وسیاسیة واقتصادیة.

    وعُمان إحدى بُقع شبه الجزیرة العربیة التی عانت قبیل عام1970م من ویلات الانقسامات الداخلیة، وما اتّسمت به السیاسیة العُمانیة من کبتٍ وسلطة قسریة، مما انعکس سلبا على حیاة الإنسان العُمانی؛ مسببا له الهجرة القسریة والطوعیة معا ؛ للتخلص من تلک الأزمات إلى مناطق مختلفة کإفریقا والخلیج العربی، مع العلم أنّ عُمان فی فترات متعددة من تاریخها قد تمیزتْ بألق أدبی وعسکری واجتماعی واقتصادی ، امتدّ إلى خارجها فی فتراتٍ مُتعدّدة من فترات التاریخ العُمانی المضیء، من عَهدیّ دولة الیعاربة، ودولة البوسعید.

        فإذا ما جئنا لتأریخ الروایة العمانیة فسنجدُ اختلافا حول کتابة أول روایة فی سلطنة عُمان لاختلاف المعاییر المُحدِّدة لذلک، وتشیر أغلب الدراسات إلى ریادة عبداالله الطائی (1927- 1973) فی المجال السردی بصنفیه القصصی والروائی، وهذه الریادة لها أسبابها فی ما یتعلق بحیاة الطائی التی قضاها متنقلا ما بین عدة مدن بدایة من بغداد حینما بُعث طالباً لإکمال دراسته،مرورا بمُدن الخلیج العربی،" والدراسات التی تناولت الروایة العُمانیة – على قلّتها -  تُشیر إلى أن أول روایة عمانیة منشورة تعود للعام 1981م،(..) وقد یعود بنا التاریخ إلى أقدم من ذلک، إلى عام 1963، حین کتب عبدالله الطائی – الذی یُعد أول من کتب روایة فی عُمان - روایته  ( ملائکة الجبل الأخضر) ثُمّ أتبعها بأعوام روایته الثانیة (الشراع الکبیر) التی کتبها ما بین عامی 1969 – 1971م وهی التی نشرت فی عُمان 1981م"[1]

     " حیثُ کتب الطائی روایتین هما: "ملائکة الجبل الأخضر" التی تدور أحداثها فی منطقة الجبل الأخضر، فی إبان فترة الصراع العسکری هناک مصورة روح النضال والکفاح ضد المستعمرین، وقد صدرت هذه الروایة بدون تاریخ، ویُظن أنها کُتبت سنة (1963م). أما الروایة الثانیة " الشراع الکبیر" فهی روایة تاریخیة تتحدث عن کفاح الخلیج العربی ضد المستعمر البرتغالی فی القرن السادس عشر، مستلهمة أهداف الوحدة، والتکاتف، والثورة على الاستعمار، وقد کتبها ما بین عامی( 1969م – 1971م)وتولى أبناؤه طبعها من بعده..."[2]

    "وکتب الطائی سبع قصص إحداها طویلة وهی ( المغلغل)، أما الست الأخریات فطابعها طابع القصة القصیرة، وهی (خیانات زوجیة)،( اختفاء امرأة)،( دوار جامع الحسین)،( مأساة صبحیة)،( عبدالبدیع)، وقد اختار الطائی بنفسه للقصص الأربع الأولى تلک العناوین، أما القصص الثلاث الأخرى ترکها بلا عنوان، وقد تولى أبناؤه من بعده اختیار عناوین لها، وتشیر تواریخ القصص الأربع الأولى إلى أن الطائی قام بکتابتها عام 1942، أثناء تواجده فی بغداد طالبا فی مدارسها الابتدائیة والإعدادیة ، أما القصص الثلاث الأخرى فلم یؤرخ لتاریخ کتابتها، وتقودنا طبیعتها و أحداثها إلى أن الطائی کتبها فی الفترة المتأخرة من الستینیات فی أثناء تواجده بدولة الکویت"[3]

 " والأزمة لا ترتبط ضرورة ببدایات هذا النوع الأدبی الذی لا یملکُ فی عُمان ودول الخلیج العربی من العُمق ما یملکه نوع أدبی آخر مثل الشعر، إذ إنّ ذلک أمر طبیعی یرافق البدایات کلَّها، وإنما هی ترتبط بالمظاهر المرافقة لمرحلة الانتقال السریعة فی الحیاة العُمانیة والخلیجیة المُعاصرة وهی تقف على أعتاب عصر جدید مختلف عن کل ما عهده إنسانها فی حیاته السابقة المُمتدّة عبر قرون طویلة خلتْ"[4]، وسیتناول البحث ثلاثة محاور بحثیة لثلاث روایات عُمانیة وهی کما یأتی:

1-    روایة (بن سولع) علی المعمری:) تفکیک مُضمرات المحکی، ودلالاته التأویلیة).

2-    روایة (نارنجة) جوخة الحارثی: )سؤال المصیر ؟ وسؤال الحزن؟)!

3-    روایة سندریلات مسقط:(رمزیة السندریلات بین الحَکی وهواجس الأنثى، الفانتازیّة والعجائبیّة الحکائیة):

      وتمّ اختیار الروایات الثلاث؛ إما لبروزها فی وسط المجتمع النقدی والثقافی منذ صدورها وهی روایة ( بن سولع) للروائی الراحل علی المعمری، الصادرة فی طبعتها الأولى عن دار شرقیات فی عام ،2011م ،کما أنها حققت جائزة أفضل روایة من الجمعیة العُمانیة للکتاب والأدباء لعام2011م، وإمّا لحصدها جائزة مُهمة وهی روایة ( نارنجة) الحائزة على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، والتی صدرت طبعتها الأولى عام 2016، عن دار الآداب؛ وإمّا لحداثة صدورها مؤخرا ورواجها الأدبی والإعلامی فی الوسط الثقافی، وأیضا فوزها بجائزة الإبداع الثقافی من الجمعیّة العُمانیّة للکتاب والأدباء2017م، وهی روایة (سندریلات مسقط)، الصادرة فی طبعتها الأولى عام 2016، عن دار الآداب، ویجمع هذه الروایات إنها من السرد العُمانی الجدید فنیّا وزمنیا؛ فزمانها لا یتجاوز ثمانی سنوات حتى لحظة کتابة هذه المُقدّمة؛ وعلّة الاختیار وفق الزمنیة والفنیّة علّة ٌعلى سبیل التمثیل فی الروایة العُمانیة الجدیدة لا على سبیل الحصر؛ فهناک ما یُستحق نقده وقراءته.

     ویسعى البحث فی روایاته الثلاث إلى قراءة نصوص المحکی وعتباته الموازیة؛ للکشف عن سنن العلامات الدالة وتأویلاتها المُمکنة ، من خلال السیاق الداخلی للمحکی،  والسیاق الخارجی المرجعی/التداولی، بالاستفادة من السیمیائیات التأویلیة لا سیّما دراسات المنظّر الإیطالی أمبرتو إیکو کما فی کتابه:( القارئ فی الحکایة)، وسوف تنتهج الدراسة القراءات الدلالیة المفتوحة، والمُمکنة للنص الحکائی عبر الموسوعة الثقافیة والتاریخیة لزمنی النص والقارئ.

المبحث الأول:

روایة (بن سولع) علی المعمری:) تفکیک مُضمرات المحکی، ودلالاته التأویلیة(:[5]

4-   أولاً:مدخل إلى الروایة:

    روایة " بن سولع" تبیّن مجموعة من الأحداث التاریخیة الهامة فی تاریخ منطقة شبه الجزیرة العربیة؛ فقد کان زمن کتابة الروایة فی تاریخ "10/10/2010م"[6]، بینما زمن أحداث الروایة التاریخیة کانت فی عام 1977م، " هذا إذا صباح الثامن عشر من نوفمبر عام 1977م"[7]،" ویعتقد النقّاد الروائیون المعاصرون بوجود ثلاثة أضرب من الزمن تتلبس بالحدث السردی، وتلازمه ملازمة مطلقة:   1- زمن الحکایة، أو الزمن المحکی. 2- زمن الکتابة. 3- زمن القراءة"[8].

    تتعلق هذه الروایة بمجموعة من المضمرات والهموم السیاسیة والتاریخیة والاجتماعیة فی منطقة شبه الجزیرة العربیة والخلیج العربی تحدیدا، وکانت هناک عددا من القوى فی منطقة الخلیج قد أثرت على تشکیل الخلیج سیاسیا وجغرافیا ومن تلک القوى:

  • عُمان( سلطنة مسقط وعُمان)
  • عُمان( الإمامة)
  • الإمارات المتصالحة وقطر والبحرین والکویت.
  • أبناء سعود.
  • الاستعمار البریطانی.
  • الحضور الإیرانی.

    ارتبط الراوی " بن سولع" بمجموعة من العلاقات البشریة فی  "لندن" بعضهم عربا وبعضهم لیسوا بعرب، وکانت شخصیة  " بن سولع"  تتشابه مع "حیوان بن سولع" الذی یعیش فی محمیة جدَّة الحراسیس؛ فالراوی هو " سریدان الحرسوسی" وتلقّب بهذا الاسم "بن سولع" أثناء دراسته فی "لندن" نتیجة التشابه بین حیوان "بن سولع الصحراوی" و"بن سولع البدوی" فی الجفل والغربة بعد أن سیطرت " وکالة الجراد" وهم المستعمرون على مناطق الخلیج لأجل السیطرة على مکامن البترول، انتقل سریدان أو بن سولع لمدینة مسقط، وبعدها حصل على وظیفة عسکریة ولم یرغب بها ، ثم انتقل لدراسة تاریخ عمان والخلیج فی "لندن" فی برنامج الدراسات العلیا، ویبدو أن حیوان " بن سولع" قد عانى من الصید البشری الجائر وحاول أن یجد مکانا مناسبا له للعیش، وکان مهددا بالانقراض من بیئته الأصلیّة، وهذا الحال ینطبق تماما على شخصیة البدوی " سریدان أو بن سولع" الذی کان ینتمی لجدَّة الحراسیس[9] فی الربع الخالی، وحاول بعد ذلک أن یجد وطنا ومکانا آمنا  یحقق فیها أحلامه، ویعیش فیها بحرّیة فی ظل التغیرات التی طرأت على  المکان والبشر فی عُمان والخلیج؛ فسافر إلى " لندن".

    ارتبط بن سولع فی "لندن" بعدّة علاقات عاطفیة وجسدیة وانتهتْ کلها مع نهایة الرغبة الجسدیة، ونجحت علاقته العاطفیة مع میثاء العُمانیة حیث انتهتْ بالزواج منها، بعد أن أحبها قلبه منذ اللحظة الأولى، وقرر أن یهجر وطنه عُمان و یعیش فی "لندن" وإن کان بشکل مؤقت ؛ وذلک لما کان یراه سلبیا فی وطنه، "وها أنا ذا أبحث من جدید عن حل مؤقت لقضیة لم أحسمها، وهی أن مسألة الوطن والمواطنة یجب ألا تعالج بطرقنا المثالیة (..) وأنا شخصیا لا أعلم ماذا سیکون علیه الغد، حینما تشرق علینا الشمس، أنا وخطیبتی میثاء، فی مدینة الضباب.."[10]

    قرر "بن سولع" الارتباط بمیثاء العُمانیة  فی "لندن" رغم أن عمتها "حمدة" بالتَّبنِّی وأخ عمتها "ود السهیلة دین بن لیه" أصبحا من مواطنی دولة الإمارات العربیة المتحدة وهی یتیمة الأب والأم(الخادم بن طنّاف العُمانی/ غریبة) فی دلالة واضحة على أن الحدود السیاسیة وإن تقسّمت على المزاج الاستعماری؛ فستبقى هناک عوامل صعبة التقسیم والتحدید، کما أن الراوی  البدوی" بن سولع"  ارتبط بمیثاء وهی من أسرة لأب ینتمی إلى فئة " العبید" فی إشارة لکسر هم من الهموم الاجتماعیة التی تمیز بها المجتمع فی التفریق ما بین الأنساب.

 ·         ثانیا:عتبة العنوان:

الاحتمالات الدلالیة لعتبة عنوان الروایة " بن سولع":

 الاحتمال الأول : رمز الإنسان العربی. ورمز الوطن والحنین إلیه. حیثُ إنّ  حالة   " بن سولع" تشبه حالة الإنسان العربی فی کثیر من الأحیان فی الغربة والهجرة القسریة من وطنه إلى وطن آخر؛ فهو یعیش فی عالم غریب عنه محاولا العیش قدر الإمکان بحریة وکرامة بدون ضغوطات تُمَارس علیه؛ کمثل حال حیوان "بن سولع" فی صحراء الربع الخالی. " إننی أشبهه بالوعل العربی الکاسر، الذی یعیش فی محمیات طبیعیة ، ویرید مناطحة کل من یلقاه قبل أن یوشک على الانقراض من العربیة السعیدة عُمان"[11] "إنه بن سولع(..) إنه یرعى فی عالم السراب، وضباب لندن ألا ترینه جذلا وفرحا وسعیدا بالأمان الذی یحیاه بعیدا عن جدّة الحراسیس"[12]، " وتحمل شخصیة "بن سولع" صورة العربی المتواجد ( وأقصد الکلمة بمعنى تفاعل الوجد ) مع الغرب، یعیش حیاتهم، ویأکل أکلهم، وینام مع نسائهم، ویقرأ کتبهم، ویتحرک حرکتهم، ولکنه یحمل فی ذهنه وطنا وثقافة ووعیا.."[13]، ویقول حسن بحراوی عن الاسم الشخصی فی الروایة:" یسعى الروائی وهو یضع  الأسماء لشخصیاته أن تکون متناسبة ومنسجمة بحیث تحقق للنص مقروئیته وللشخصیة احتمالیتها ووجودها".[14]

الاحتمال الثانی :  رمز المُستعمر الأجنبی؛ فکما أن "بن سولع" یبحث عن وطن آمن للعیش یُؤمِّن فیها حیاته من المرعى فی صحراء الربع الخالی، کذلک المستعمر لم یترک مکانا فی الصحراء إلا وبحث فیها عن مکامن البترول لتأمین الاقتصاد الأجنبی، " بن سولع الآن خارج محمیة "یعلونی" بجدّة الحراسیس ، وکأنه فی بلاد أصبح بعض من مواطنیها زعماء فی وکالة الجراد، ومازالوا یتحکمون فی الکون کیفما یشاؤون"[15]

الاحتمال الثالث : هو اسم للشخصیة المحوریة فی الروایة؛ فهو علامة على أهمیة هذه الشخصیة، الباحثة عن التاریخ فی منطقة شبه الجزیرة العربیة، فجعل الکاتب اسما ممیزا للراوی هو " بن سولع" ، کما أن حیوان  "بن سولع" یعتبر حیوانا ممیزا وفریدا فی صحراء الربع الخالی وتحدیدا فی جدَّة الحراسیس. " أنا بن سولع التائه عن مضاربه فی مدینة الضباب"[16]

حیوان "بن سولع"

شخصیة سریدان السردیة والمُلقّب "بن سولع"

یعیش فی صحراء جدَّة الحراسیس فی صحراء الربع الخالی، فی محافظة الوسطى، فی سلطنة عُمان.

 شخصیة سردیة، وهو" سریدان الحرسوسی" واسمه الذی تلقّب به فی لندن" بن سولع" للتشابه ما بینه وبین صفات حیوان "بن سولع". کان یعیش فی زمن الطفولة بجدَّة الحراسیس، وهی نفس المنطقة التی یعیش بها حیوان  "بن سولع".

یتمیز بصفات : الحذر/ والبعد عن البشر/ ومحاولة البحث عن أماکن آمنة من الصید البشری الجائر فی الصحراء.

شخصیة سردیة تتمیز بصفات: الهجرة /والغربة / والخجل/والحذر/والبحث عن الأحلام والحریة خارج الوطن/ نقد الوطن والسفر المؤقت لعدم رضاه عن عدد من القضایا فی وطنه عُمان.

صفة العیش فی بیئته الأصلیة فی جدّة الحراسیس، وعدم استطاعته بالعیش فی بیئات أخرى، غیر مناسبة لهذا الحیوان.

عدم نجاح العلاقات العاطفیة مع عدد من البشر فی لندن(کرستی/کارن/بروین) ونجاح علاقته الوحیدة مع میثاء العُمانیة، وانتهتْ بالزواج.

 الاحتمال الرابع :  حالة حیوان " بن سولع"  المُهدّد بالانقراض من الصید الجائر فی صحراء الربع الخالی، تشبه حالة التغیّرات التی طرأت على  منطقة الخلیج فی کل الجوانب (السیاسیة/الاقتصادیة/الاجتماعیة). " وجدتُ أن عودة بن سولع إلى محمیّته مستحیلة(..) أن هناک آفة سوف یجلبها الزمن المُقبل بأننی سوف أنقرض من وطنی، کما انقرض بن سولع من محمیاته الطبیعیة"[17]

ثالثا: الهم الوطنی/المواطنة ، وتعدد الأمکنة ،والحنین للمنازل الأولى:

یقول الراوی: ".. ترکنا جدَّة الحراسیس موطنی الأصلی منذ أواسط الستینیات، ونعیش الآن فی مسقط العاصمة العُمانیة، وحالیا أقومُ بتحضیر الدراسات العلیا بجامعة لندن.." [1]                            وکان بن سولع/الراوی یتراوح فی السرد عن نفسه غالبا بین " لندن" (موطن الدراسة الجامعیة، والهجرة المؤقتة لابن سولع، ومکان روایة الأحداث) ، وذکریات الطفولة والحنین لها فی جدَّة الحراسیس،(موطن طفولة بن سولع):

أ‌-      مدینة " لندن" :                                                                                                       اختیار مدینة "لندن" مکاناً للروایة، ودلالاتها الاحتمالیة:                                                               الاحتمال الأول:                                                                                                            

    "لندن" هی عاصمة بریطانیا، وهذه دلالة على الوجود الإنجلیزی الاستعماری فی منطقة الخلیج العربی، وتأثیر الإنجلیز على کثیر من الأحداث السیاسیة والتاریخیة ؛"حیثُ یُمثّل عنصر المکان فی الفنون السردیة على نحو خاص رکنا رئیسیا یجعل منه ملمحا فنّیا رئیسیا فارقا "[2]؛ ولذلک اختارها الکاتب لکی تکون مکانا لروایة أحداث تاریخیة ماضیة مع المستعمر الإنجلیزی. "وجدتُ نفسی بین لیلة وضحاها أتمخطر وأتنطط فی شوارع قلب لندن"[3]        

 

  الاحتمال الثانی:                                                                                                                 اختار الکاتب "لندن"؛ باعتبارها مکانا لحرّیة الکتابة ،والتعبیر عن الرأی، وموطنا مناسبا للغربة والهجرة المؤقّتة مقارنة بغیرها من المدن العربیة والغ ربیة، "وجدتُ فی مدینة الضباب ما یعوضنی عن حرائقی التی أصابتنی"[4]" رجعنا أنا وخطیبتی میثاء العُمانیة (..) إلى عاصمة الضباب لندن، أحمل عدم رضای عن ما یحدث فی الوطن"[5]

ب‌-   منازل الطفولة والحنین لها (جدَّة الحراسیس):

    وهذه المنازل تحمل ُ معنى الارتداد إلى الوطن/ والحنین للمنازل الأولى لطفولة بن سولع، فی جدّة الحراسیس، فی ولایة هیما/محافظة الوسطى العُمانیة، بصحراء الربع الخالی من سلطنة عُمان، کما أنّ هذا الحنین للمکان، یمُثل أهمیة سردیة فی المحکی؛ فهو نسیجٌ من الدلالات المُضمرة ، والمفارقات الحکائیّة/الواقعیة ، ما بین الماضی والحاضر والتغیرات التی أصابت الإنسان والمکان، لا سیّما أمکنة بن سولع الصحراوی، "رجعتْ بی جرعات الویسکی أبعد ، حیث ولدتُ تحت خیمة من الشَّعر ، غزلتها أمی مع جاراتها البدویات"[6] "ترسلنی نحو الغیب. وترجع بی ثلاثمائة وتسعون درجة إلى الماضی، حیث منازل الخطوة الأولى فی طفولتی وإلى جدّة الحراسیس. وأخذتُ (..) أردد لحنا من تغارید جدّة الحراسیس" [7]"ها أنا فی المدینة لم أغتسل بعد من الصحراء العالقة فی فؤادی وعقلی"[8]"، "قرحة العافیة ستکون أحد أجود الأسماء وأقربها لروح المکان ، لقد کانت قرحة العافیة سریرا کبیرا ینام على رمالها ، ومن دون فراش کل سکان الجدّة (..) وهکذا أصبحت بشقة بن سولع الصغیرة من رمل خریطة شبه الجزیرة العربیة"[9]

ت‌-   حضور المکان/الوطن "عُمان"  فی "لندن":

    کان الوطن " عُمان" حاضرا فی المحکی ونقصدُ بهذا الحضور، الحضور السردی حینما کان یحکی الراوی الأحداث وهو فی مدینة لندن، کان الوطن/ المواطنة یُمثل هاجسا مؤرقا للراوی؛ مما دعاه للهجرة المؤقتة خارج حدوده الجغرافیة، ولکن مازال الوطن/المکان موجوداً بقوةٍ، فی سیرورة المحکی وتماسک فکرته الرئیسة؛ فکانت الشخصیات العُمانیة فی المحکی حاضرةً فی لندن/ مکان الروایة وهی: العمة حمدة/میثاء العُمانیة/  بن سولع /ودالسهیلة/النقیب عبید بن باروت/رسائل شقیقة بن سولع من عُمان. هکذا یقول بن سولع وهو فی لندن:

    "أودُّ أن أعزمک على قهوة عُمانیة، ورطب الخلاص وصل لنا البارحة من العَیْن[10]، تخیّل أنت فی لندن، وتأکل رطب الخلاص[11](..)ألیست هذه مفاجأة تنتظرها یا بن سولع"[12] "أستمع لشریط جلبته معی من عُمان للفنان محمد سلطان المقیمی، وکانت أغنیته: (أرسلت مکتوب من بحرین المنامة إلى المحبوب فی ساحل عُمان)،ینبعث من کلماتها ولحنها الحنین، کل الحنین للوطن والمحبوبة"[13]" أغنیة شجیة للمطرب علی بن روغة "[14] "أدندن مقطعا من کلمات فتاة الخلیج"[15]"

ث‌-   العاطفة، ورغبات الجسد، ودلالاتها الرمزیة:

   یمثّل الجسد علامة دالة فی الأعمال الأدبیة لا سیّما فی السرد؛ فالجسد لا یعنی الجسد فقط، ولکنه یتعدى کونه جسدا إلى خلقِ عوالم حکائیة، ملیئة بالحیویة والدلالة والرمزیة، ویقول شوکت نبیل المصری فی کتابه"شعریة الجسد": الجسد الإنسانی أحد أجدر الدوال الوجودیة بتحقیق نسقٍ تداولی متمیّز، حیثُ إنّه یمتلک أبعاداً معرفیّة تمتدُّ ما امتدتْ التجربة الإنسانیة للوجود البشری، کما أنّ مفرداته المختلفة تستطیع تجاوز حدود المباشرة الدلالیة"[16]وهناک رغبتان تتقاسمان الراوی فی "لندن" وهما:                           رغبة الحبالصادق/ الزوجة/ الشریکة/ العاطفة، وقد تمثّل ذلک فی العلاقة مع میثاء العُمانیة، وهیرمز الوطن العُمانی، العلاقة تقتضی أن تکون علاقة ناجحة، انتهت بالزواج. ".. رأیتُ فی وجه الآنسة میثاء (..) وقارنتُ بینها وبین کرستی وجارتی السیدة الإیرانیة؛ فوجدتُ کافة موازیین الجذب تمیل للآنسة میثاء العُمانیة دون شک.."[17] "الرغبة الأخرى هی رغبةالجسد/ والمتعةالجسدیة فقط. ولها فی المحکی مسارین هما: العلاقةمع کرستی رمزالوجودالأجنبی الاستعماری فی المنطقة،والعلاقة مع بروین رمز الوجود الإیرانی فی المنطقة. العلاقة معهما تقتضی أن تکون علاقة فاشلة، لم تدم طویلا، "هذه العُمانیة أحبُّها حُبّا جمّا، وجارتی الإیرانیة أشتهیها، وأرغبُ فی جسدها کل لحظة(..)أما الویلزیة ذات النمش الذی على جسدها فإننی أستعذبها.."[18] " أصبحتْ حیاتی العاطفیة والجنسیة مُقسّمة بین ثلاث نساء.."[19].

المبحث الثانی:

روایة (نارنجة) جوخة الحارثی: )سؤال المصیر ؟ وسؤال الحزن؟! الروایة الحائزة على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب(:

أولا:مدخل إلى الروایة:

إن هذه الروایة مَلأى بالحزن والتعب والضیق، إن شخصیات روایة "نارنجة"[20] کلها تُعانی من أوجاع الحیاة، إنها شخصیات مأزومة تبحث عن مخارج؛ حیثُ تحکی الراویة "العُمانیة"  - ولیست بالضرورة هی الکاتبة - روایتها وهی فی بلاد الثلج،  هناک فی سکن الطالبات تتعرف زهور  الراویة على سرور وکحل الباکستانیین الجنسیة، أما سرور فهی أکثر محافظة من أختها کحل التی أخذت فی مواجهة عادات وأعراف عائلتها فی باکستان ،نشأتْ صداقة ما بین "زهور العُمانیة"، وکحل وعمران وزهور الباکستانیین ؛ فهی  تروی هموم وطنها وخاصة الزمن الماضی ، وذکریات الوطن "عُمان" وخاصة مع "ذاکرة الجدّة" رمز الإنسان العُمانی ما بین نهضة عُمان الحدیثة عام 1970، وما بعدها من تحولات.

نشأتْ علاقة حُبٍ ما بین عمران "الفلاح" الذی لم یعُد بعد ذلک لدیه مزرعة ولا أرض بعد وفاة أبیه، کان أبو عمران قاسیا جدا على ابنه حینما کان فی باکستان؛ فکانت أسیاخ الحدید تظهر على جسده، أراد کُل من عمران وکحل أن یجتمعا طویلا إلا أن علاقتهما لم تدُمْ؛ حیثُ قرر عمران العودة إلى قریته فی باکستان، وبذلک قرر أن یعود إلى لا مکان وإلى لا شیء، ولکنه قرر العودة بعد وفاة الأب ، وعاد الحزن القدیم إلى قلبه بعد هذا الفراق الحزین، فی وسط البحث الدؤوب عن الوجود ، البحث عن المکان، البحث عن الذات، البحث عن الحریة، البحث عن السعادة. 

کانت زهور تستعیدُ ذکریاتها وذکریات جدتها الحالمة بحقل ومزرعة ولکن لم یتحقق ذلک، کان منصور الأب لزهور /الراویة هو الآخر یبحث عن الأرض المناسبة التی تأویه کوطنٍ فی الوطن عُمان؛ فبعد أن طلّق زوجته الأولى "کافّة" رغما عنه حینما کان فی قریته وکانت کافّة فی "العزیب"[21]؛ حیثُ طلّقها مجبرا عنه بإصرارٍ منها، حزن کثیرا لذلک الأمر بعد أن دلّلها وأعطاها کل ما یملک من حُبٍ وحنان، تزوّج بعد عشرین سنة زوجة أخرى، وکان لا یملکُ تلک الصفة المُدلِّلة لزوجته الثانیة رغم حُبه لها؛ فأنجب منها زهور راویة المحکی فی نارنجة، وسُمیّة وهاجروا برفقة الجدّة إلى مدینة صور البحریة فی شرق عُمان بحثا عن مکانٍ آخر للعیش فیه أو بالأحرى لمحاولة العیش والوجود فیه ، ولم تتمکن عائلة منصور البقاء طویلا فی صور؛ فضاق بهم المکان، وهاجروا إلى الإمارات، ولکنهم ترکوا الجدّة وحدها فی القریة؛ لرفضها الذهاب معهم ، وترک المکان،  إلا مرةً واحدة قامت بزیارتهم هناک فی الإمارات.

    إنّ هذه الروایة کانت رحلة للبحث لإیجاد الحلول لأزمات الإنسان، والبحث عن السعادة، وهذا ما قالته الراویة أو دار النشر على غلاف الروایة الأخیر" إنه مثلّث یحومُ حول السؤال الأزلی: هل من علاج للحزن؟ "[22] الإجابة نراها موجودة فی نص المحکی؛ فمثلا فی صفحة 158 ذکرت الساردة ذلک المعنى بقولها: " هکذا دخلتْ جدّتی إلى ذلک الزمن، الذی بلا هواء وبلا نور وبلا نهایة، الزمن الذی تبدو کل حیاة إلى جانبه قصیرة، حتى حیاة جدّتی"[23]

ثانیاً:عتبة " العنوان":

    إنّ السرد بطبیعته یحوم حول منعطفات ،ویرى ما لا یراه القارئ العادی، وسیرورة العمل الأدبی الشعری/السردی تخلقُ من الفکرة الصغیرة فکرة أکبر، ویخلقُ من الفکرة المنسیّة فکرةً أوسع، ویخلقُ من الفکرة الغامضة فکرة أوضح ، وقد یکون العکس من ذلک تماما فیخلق مثلا من الفکرة الواضحة فکرة شدیدة الغموض وهکذا، وعلى القارئ الضمنی أو القارئ النموذجی تحویل هذه الأفکار إلى تأویلات شتى غیر محدودة، وهذا ما یکون مع العمل الأدبی النموذجی أیضا، " ویأتی العنوان فی طلیعة العتبات لأنه بوابة العمل الروائی، فمن خلاله تُفتَح أبواب النّص المُغلقة، وتُستَقى بعض المعلومات الخاصة بالعمل الروائی، ومن خلاله  أیضاً یُنفَض الغبار عنه"[24]

أ‌-      الاحتمالات الدلالیة لعتبة العنوان قبل قراءة المحکی:

1-     الطعم الحامض لثمرة النارنجة، یُوحی بالهم والتعب والضیق، لما سیأتی من أحداث المحکی.

2-     موسم ثمرة النارنجة، موسم الشتاء البارد وهو أیضا ما یوحی بالهم والتعب والضیق .

3-     لفظة عُمانیة مرتبطة بالإنسان العُمانی، وخاصة الإنسان قبل نهضة عُمان الحدیثة، باعتبار أهمیة هذه الثمرة کمصدر من مصادر وجود الإنسان وغذائه ، وتاریخه ومکانه.

ب‌-   الاحتمالات الدلالیة لعتبةالعنوان أثناء وبعدالقراءة:

1-    النارنجة رمز الزمن الماضی، الزمن القاسی فی الأمکنة القرویة العُمانیة " لمّا ضاقت الحیاة بسلمان فی قریته ،هاجر إلى زنجبار یافعا، استدان واشترى مزرعة صغیرة هناک"[25]

2-    معاناة الإنسان العُمانی واضطراره لهجرة وطنه الأصلی "زادت حکومة السلطان سعید بن تیمور فی مسقط الضرائب على التمور المصدرة"[26]

3-    النارنجة تُمثّل شخصیة الجدّة وشظف العیش بینهما، العلاقة التی تجمع الجدّة بالنارنجة هی علاقة المصیر؛ فالجدّة آلت إلى الموت ولم تحقق حلمها، والنارنجة آلت إلى الجفاف والموت حینما فقدت من یسقیها ویرعاها وهی الجدّة نفسها، حموضة النارنجة وقسوة العیش لإنسان عُمان فی زمنٍ ما، "أتخیل کیف یعیش المرء، ثمانین سنة بعینٍ واحدة، تسیل الدموع من عینیّ الاثنتین السلیمتین على عینها الوحیدة المعطوبة، على أعشاب الجهل، وقسوة الطفولة، على یتم الأم، وطرد الأب، وفجیعة الأخ، على حقل لم تملکه، على ألیف لم تحظ به، على ولد لیس لها، على أحفاد صدیقة ماتت".[27]

4-     علامة نارنجة لها دلالة "الحزن الإنسانی" المُلازم للإنسان أینما حلّ، ؛" فالعلامة هی شیءٌ مادی محسوس ولکنها فی -نفس الوقت- ترتبطُ بالدلالة من حیثُ أنّها تصوّر ذهنی لأشیاء موجودة فی العالم الخارجی"[28]  ؛ إذا جاء فی نص المحکی: "لحقتْ الثریا بزوجها المدفون غریبا فی مومبی، فدُفنتْ مُکفّنة فی لحاف ابنتها حسینة"[29]

ثالثاً: الکثافة اللغویة:

تمیّز المحکی بکثافة سردیة؛ فکانت الروایة عبارة عن عناوین فرعیة لا تتجاوز أربع صفحات غالبا؛ ولذلک من المُمکن أن یمثّل کل عنوان قصةً بذاته، کما أنه یُمثل جزءا من المحکی، هذه العناوین الفرعیة تُعطی للمحکی حیویّة وتوقعا ، ولکنها قد تقطع أحبال القراءة لما قبلها وما بعدها من أحداث، وعلى سبیل المثال فقد جاءت فی العنوان الفرعی "الأزرق" ألفاظٌ وجمل لها من الکثافة القصصیة، تقول الراویة:" تنظرُ سمیّة لیدیها الخالیتین(..) أظافرها الطویلة(..) تنظرُ سمیّة لیدیها طویلا(..) تتأرجح بین الشمسین"[30] " وجدتُ رأسی یدور فی الثلج، ویرتطم فی صدر عمران، لکنّ قُدّ من صخر، فتحطّم رأسی، تفتّتت فی الشارع، فصنعَ منه الأولاد رجل الثلج. رأیتُ عینیّ فی عینیه الثلجیتین، وأنفی المهشّم فی جزرة وجهه".[31]

رابعاً: بؤرة الزمکان السردی:

یُشکلّ الزمکان فی  المحکی أهمیة کُبرى؛ حیث إنّه کان مبئرا رئیسیا ذا طاقة دلالیة؛ باعتباره مُفارقة ما بین زمن " الحکایة" وهو الزمن الذی تُروى فیه الأحداث، وزمن " استرجاع الأحداث"، یقول غاستون باشلار Gaston Bachelardفی کتابه (جمالیات المکان)La poetique de l'espace: "إنّ ماضینا یتحوّل إلى مکان آخر، ویصبح الزمان والمکان مختَرقَیْن و مُتخلَّلیْن بحسّ غیر واقعی"[32] ؛ حیثُ لم یلتزم السرد الحکائی بخط زمنی منتظم ؛ فکانت الروایة تروی قصصاً مُفرّقة ، وإنْ کانت لنفس الشخصیات؛ فنجد مثلا قصة حدثت فی زمن السلطان سعید بن تیمور قبل عام 1970، وحدث آخر یُحکى زمن غزو العراق لنفس الشخصیة، وفی صفحة 105 تقول الراویة " و ماتت جدّتی"[33] ومن ثُم تعود فی ص107 لتقول عنها حکایة جدیدة قبل موتها. و کان السرد مُتشابکاً ما بین زمن الجدّة "الماضی"، وأحداث القریة القدیمة، وزمن مدینة الثلج "الحاضر" وهو زمن روایة المحکی، وکان المکان مُتشابکاً هو الآخر؛ فهناک تشابک ما بین أمکنة /عمران/کحل/زهور/سرور/کرستین/ فی مدینة الثلج من ناحیة ،وأمکنة القریة/عُمان/صور/الإمارات/مسقط، من ناحیة أخرى.

أ‌-      القریة :

  تُمثل  القریة عنصرا فنیا مُهما ینطلق منها المحکی؛ باعتبارها المکان الذی تنطلق منه حکایات الراویة " زهور" حینما کانت مع زمیلاتها فی مدینة الثلج، إنّ حضور القریة " الجدّة" له من الدلالات التاریخیة، والاجتماعیة والثقافیة على المتلقی!  ذلک الزمن وما عاناه الناس من مرارة العیش؛ فهو محکی عن "ذلک الزمن"، وهو  یُمثل - بطبیعة الحال -  مُفارقة مع "هذا الزمن"- هکذا تقول الموسوعة الثقافیة – فحینما نذکر أو تذکر الروایة ذلک الزمن یتبادر لنا هذا الزمن والعکس صحیح، وأما أیقونة            ( القریة ) فتقتضی علامات تدلُّ علیها فی النص الحکائی ،والجدول  الآتی یبین بعضاًمن تلک العلامات:

العلامة

 الصفحة

" تمرّغنی فطوم بالتراب"

13

 اللهجة  القرویة العُمانیة مثل " ما تخجلْ تجلس على صحن أبوک"

16

الجدّة المُلازمة للقریة " کانت تُحمِّص فیه الحبّات البنیّة بنفسها وتطحنها بالهاوی الحدیدی"

20

الإبریق/الفناجین/الصحن/الحجل/

31

شجرة النارنج

31

"یغمسُ منصور قدمیه فی الفلج"[34]

49

" مُشاهدة البدو وهم یجنون الثمار أعالی النخیل"

134

 

 

 

 

 

 

 

ب‌-   مکان السرد/ الکتابة :

   وهی (مدینة الثلج/ لندن) ومن أمکنتها سکن الطالبات، ومقهى  القرود الثلاثة، فی مدینة الثلج کانت الراویة تسترجع ذکریاتها مع الجدّة والقریة والوطن. " أکون فی سریری الضیق فی غرفتی الجامعیة فی الطابق الأخیر، أستیقظ وأرى الثلج یتساقط عبر النافذة"[35]

ج‌-   المهجر العُمانی/ قلقُ المواطنة :

    وهو زنجبار، الوجود العُمانی/العربی، ما بین الرجوع لعُمان الوطن/ وزنجبار وطن الغربة " لمْ یسمع أیُّ أحدٍ عن حسینة حتى مننتصف الثمانینات حیث عاد أحفادها إلى عُمان مطالبین – بلا جدوى – بالجنسیة العُمانیة "[36]

    کان المکان " الوطنی" یُمثّل هاجسا مؤرقا فی المحکی، بل یُمثّل بؤرة دلالیة؛ فمن خلال الأمکنة وتعددها ما بین عُمان وزنجبار یتعدد الإنسان فی وجوده وفی حیاته وفی أوطانه؛ فریّا ورایة تعودان من جدید إلى عُمان بعد أن هاجرا سابقا مع أبیهما إلى زنجبار بعد وفاة أمهما، وها هما تعودان إلى عُمان غریبتین فی وطنهم الأصلی بعد أن عاشا فترة من الزمن فی زنجبار، " بعد تردد طویل، قررتْ ریا ورایة العودة إلى عُمان، لم تستطیعا تذکر أی شیء عن حیاتهما وأهلهما هناک"[37]

خامسا: رمزیة  الشخصیات

أ‌-       " الجدّة":

    تحمل الجدّة فی رمزیتها " الزمن المفقود/ الزمن الماضی"، فهی تُمثل الزمن وکأنها المرحلة التی لا یُمکن أن تعود إلى الحاضر، فهی ماتت، و شجرة النارنجة ماتت معها وقبل ذلک عانت من العزلة وحدها فی القریة. " کنتُ أذهب (زهووور.. زهووور) لم أکن زهورا، لم ألتفت، ظلتْ تصرخ شهرا کاملا:  ( لا تذهبوا لا تذهبوا ، ابقوا معی) ولم نبق، لا أنا ، ولا أخی سفیان، ولا أختی سمیّة"[38]

ب‌-   سلمان وثریا:

صورة الإنسان العُمانی فی المهجر الإفریقی" لمّا ضاقت الحیاة بسلمان فی قریته، هاجر إلى زنجبار یافعا"[39]

ت‌-   ریا ورایة:

شخصیتان  تمثلان " الوطن" واللاوطن. تُمثلان الأرض والإنسان، حیث هاجرا قریتهما رغما عنهما لزنجبار مع أبیهما بعد موت أمهما ،ولکن ما لبثا أن عادا مرة أخرى لیرمما بیتهما القدیم فی القریة العُمانیة.

ث‌-   عمران وکحل وسرور:

    رمز الآخر حیث جمع زهور الراویة  بتلک الشخصیات، الهموم والأحزان؛ فأباحتْ سرور بهمومها وذکریاتها وأباحوا بهمومهم وأحزانهم، " تصوّری یا زهور أختی أنا تتزوج هذا الفلاح" [40]                                                                   

    وتُمثّل الروایة تشابکا إنسانیا أزلیا حول وجود الإنسان والأحزان التی ترافقه فی مصیره وقدره، و تجتمعُ زهور العُمانیة مع کُلٍ من کحل وسرور وعمران الباکستانیین فی مدینة الثلج؛ حیثُ یجمعهم الثلج، ولکن الروایة تفتحُ قلبها لأحلام الجدّة فی عُمان، التی صورتها فی أتعس حالتها؛ فلم تُحقق شیئا من أحلامها فی ذلک الزمن الحزین، و تتشابک هذه الأحلام مع أحلام کحل وعمران.

 

 

المبحث الثالث  :                                                                                                       روایة سندریلات مسقط:(رمزیة السندریلات بین الحَکی وهواجس الأنثى. الفانتازیّة والعجائبیّة الحکائیة):

أولاً:مدخل إلى الروایة:

    إنها فکرة ذکیّة لوصف ما حلَّ بالمجتمع عامّة، وبالمرأة خاصة بعد الکهرباء. أنثى سندریلا مسقط القدیمة، وسندریلا مسقط المُعاصرة؛ فهی تصفُ زمنین هذا ما جاء على لسان زبیدة/الراویة فی أول المحکی:" الجنّیات ما عُدنَ یأتینَ لمسقط کما فی سالف الأزمان، لیزحن قلیلا من وطأة الواقع (..) الجنّیات هجرن مسقط منذ أن أصبحت مُضاءة بالکهرباء ومنذ أن تجمّد الناس فی منازلهم الإسمنیّة"[41]

    المحکی ینتزع صورة القصة العالمیة " سندریلا" لیحبکها فی فکرة جدیدة وهی "سندریلات مسقط" بل إن ما سمعناه من بعض المثقفین والأکادیمیین بأنّ هناک قصص شعبیة عُمانیة تشبه فی تمفصلاتها الحکائیة العامة السندریلا العالمیّة، قد تکون من هذا المنطلق السردی روایة سندریلات مسقط امتداداً لقصص "سندریلات عُمان الشعبیّة" إنْ صح التأویل؛ وهی إذن من الممکن أن تکون تناصاً مع الحکایات الشعبیة العُمانیة، کما أنها من المحتمل أن تکون تناصاً مع الحکایة العالمیة  "..وکل تأویل للعلامات عند بیرس((Peirce هو تداولی بالمعنى الذی تکون فیه العلامة هی ما تنتجه، ونتیجة لذلک فإنّ کل قراءة للعلامات هی قراءة سیاقیّة.."[42]

    تتحوّل تلک البنات العادیّات القادمات من قرى مختلفة فی عمان بفعل الجنّیات إلى سندریلات جمیلة وعجیبة یکون الحکی هو أساسه؛ فهن ذات جمال وأشکال وأفعال ساحرة، یُبهرن مَن یراهن ویسمعهُن، هناک على شاطئ القرم فی مسقط تلتقی تلک الفتیات لتتحول إلى سندریلات؛ فیتحول اسم مطعم الشیف رامون إلى مطعم السندریلات.

 

    تحکی زبیدة/الساردة ، ومن ثم تحکی بقیّة السندریلات/الساردات فی أشکال قصص مع کل واحدة منهن، فی شکل نقدٍ اجتماعی، وهواجس تنتاب الأنثى فی مجتمعهن، وربما قیل الحکی من أجل الحکی نفسه. الحکی الذی یُوهم الحالمین بشیء ما ولو على غیر الحقیقة "فی حقیقة الأمر، إننا نتغیّر، وتتغیّر طعم حکایاتنا لیلة بعد أخرى. لذا کنتُ أراهن على هذه الخدعة الصغیرة والتی یمکن أن تنقذ الحکی من فخاخ الملل"[43]

ثانیاً:جسد الروایة:

    انقسمتْ الروایة إلى ثلاثة أجزاء شکلیّة: أمّا الجزء الأول فهو یبدأ من صفحة(7) وینتهی عند صفحة(30)، یبدأ من زبیدة/الراویة وهی إحدى السندریلات أیضا؛ ولکنها مختلفة عن بقیّة السندریلات باعتبار أنّها-کما یظهرُ للقارئ-الراویة لقصّتها ولقصص بقیّة السندریلات، وإنْ تمظهرتْ السندریلات أیضاً باعتبارهنّ ساردات لقصصهنّ.[44]

    تبدأ الروایة بمقدّمة من ثلاثة أسطر غیر مفهومة مبدئیا، وهی موجّهة إلى القارئ وکأنّ الأمیر الصغیر هو قائلها ، هکذا جاءت العبارة " ینبغی أن تکون صبورا. اجلس على مبعدة منی قلیلا. سأرمقک بطرف عینیّ، ولا تقل شیئا.فاللغة هی مصدر الخلاف. لکن بإمکانک أن تقترب منّی شیئا فشیئا" الأمیر الصغیر"[45]

    تعوّد القارئ فی صفحات المحکی مع کل السندریلات أن تکون هناک مُقدّمة صغیرة وتحتها اسم السندریلا؛ فظننا بهذه اللعبة السردیة أن الأمیر الصغیر وهو    " رامون" رئیس الطباخین هو مَن قال ذلک الکلام. بل لم نتأکد أنه رامون نفسه ولکن کان ذلک احتمالا، واکتشفنا حقیقة الأمر فی صفحة(147) -أی قبل نهایة الروایة بصفحات قلیلة ؛ فالنهایة کانت فی صفحة (158)-، هکذا قالت زبیدة/الراویة:"لقد قلتُ لرامون قبل أن ینضم إلینا، ما قاله الثعلب للأمیر الصغیر عندما طلب تدجینه،قلتُ له: یا رامون،ینبغی أن تکون صبورا(...)"[46] ، وهکذا قالت زبیدة/الراویة أیضا :" حسنا.. کان من المفترض أن أبدأ حکایتی من هنا"[47] ، ولکن زبیدة  وقبل أن تقول حکایتها قالت لنا حکایات صدیقاتها السندریلات الأخریات.

أما الجزء الثانی للروایة فهو یبدأ من صفحة(31) وینتهی عند صفحة (142) وهو ما یمثل قصص السندریلات بالترتیب الآتی( فتحیّة، سارة، نوف، ربیعة، تهانی، ریّا، علیا)، ونستطیع القول إنّ هذا الجسد هو الجسد الأساس للروایة شکلا ومضمونا.

   وأمّا الجزء الثالث للروایة فهو یبدأ من صفحة(143) وینتهی عند صفحة(158)؛ حیث تعود زبیدة/ الراویة للحدیث مرّة أخرى لروایة الأحداث، ولکن هذه المرة أکثر ذاتیة؛ فکانت راویةً لقصصها هی، وعن حکایاتها بعکس ما جاء فی بدایة الروایة.

ثالثا: الشخصیات:

أ‌-      فتحیّة:

    کانتْ فتحیّة تتألم من مأزق اجتماعی/عائلی موجع؛ حیث إنّها بعد أن شاهدتْ صورة "البطّة السوداء" على غلاف المجلة، راحت ْ تربط ما بین بشرتها السمراء - رغم أنّ أمها وأخواتها جمیلات کما یبدو لها – وتلک البطّة السوداء.

   بعد أن تزوجتْ وصار "حمد" من نصیبها، وبعد أن أصبحت فتحیّة  أکثر جمالا بفعل اهتمامها واهتمام حمد بلون بشرتها وتخفیف وزنها وسمنتها، صارت أکثر قلقا وتوترا من تلک الصورة المُعلّقة على باب صالون البیت فأرادت أن تمسح تلک الذاکرة من ذاکرتها وذاکرت عائلتها وجیرانها؛ ولکن قوبلتْ فکرتها برفض أخواتها؛ فتلک الصورة قد جمعتْ العائلة مع الأب قبل وفاته، وهی آخر صورة حدیثة. حاولتْ طلب ذلک من أمها، ولکنْ قبل أن تطلب ما تتمناه وهی فی لحظة توتر وارتباک، قاطعتها الأم، فی لحظة فانتازیّة بقولها" والدک یخرج من الصورة فی کل لیلة، ویأتی لیجلس معی ویحکی قصصا لا نهائیة، ومن ثمّ یعود، و یجلس فی الصورة"[48]؛لتظل الصورة ککابوس فی ذاکرة فتحیّة.

ب‌-   سارة:

   السندریلا سارة تحکی عن قصة جدتها، وتجعلها کأیقونة مُضمرَة فیها الکثیر مما کان ومازال یُسیّر المجتمع أو بالأحرى سلطة المجتمع، تحکی عن الرعایة الصعبة التی کانت تُقدمها الأم لأمها أو لجّدة سارة، بعد أن أصبحتْ الجدّة عجوزا خرِفة، ولکن تح ت سلطة الجارات کانت الأم تجزع أن یُقالُ عنها إنّها قصّرت فی حق أمها وفی رعایتها، کانت تقوم بعمل کل صعب. سارة قامتْ بتغسیل جدّتها بعد موتها رغما عنها تحت سلطة النساء باعتبارها القریبة من الدرجة الأولى." وانطلقتُ أنا کسندریلا هاربة من رقصةِ أمیرٍ بغیض"[49]

ت‌-   نوف:

    مازال الهم الاجتماعی والهاجس الأنثوی مستمرا مع نوف الباحثة عن عریس وسط قیود اجتماعیة متنوعة ومنها اختیار الرجال للزوجة وفق أوصاف معینة. أخذت نوف بالحکی والتنفیس عن همها الاجتماعی/الزواج، وهی فی صالون التجمیل مع الفلبینیّة وهی تقوم بتدلیک وتنظیف وجهها ورقبتها وتقول بأن الحکی هو سرٌ ولأول مرة یُباح فی دلالة على المنع والکبت الاجتماعی حتى من القول والحکی للعائلة والمقرّبین. "لأکن صریحة الأول والثانی لم یخبرانی عن أسباب فسخ الخطبة ولی أن أتکهّن أی سبب فی الدنیا، لکنّ الثالث قالها لی یا "ماس" صراحة، قالها من دون أن یخجل" لا أرید أن أعیش مع امرأة بلا تضاریس"[50]

ث‌-   ربیعة:

    هی الأخرى تحکی عن قصتها مع زوجها/الرجل "رائد" فی صورة نقدٍ اجتماعی لسلطة الرجل على المرأة، ربیعة التی تزوجت من رائد، تنغّصتْ حیاتها بعد الزواج، کان رائد یرغب أن یحدث کل شیء على مزاجه ، أن یحدث کل شیء فی دقّة، الکلام والتنظیف والملابس والطعام إلى درجة فرحه الشدید حینما أجهضتْ زوجته فی حملها الأول، حرم زوجته من ممارسة ریاضتها خارج البیت؛ فاشترى لها آلة ریاضیة. "علیّ أن أکون ککل شیء فی بیت رائد "[51]"اشتیاقه جارف، لکن ذلک الاحتضان اللیلی الجامح، لا یسفر عن فرجة أمل صغیرة"[52] وعلى الرغم من ذلک قال سیحرق نفسه عندما رغبت ربیعة التخلی عنه وقال: " لو خرجتِ یوما من هذا البیت.. لأی سبب کان سأسکب البنزین فوق رأسی"[53] ،وتشبّه ربیعة حالها بحال الدجاجة المثلّجة، التی تمکثُ فی البیت طوال الوقت لکی لا یتغیّر شکلها ولونها وتبقى جمیلة، ولکی تبقى مرابطة فی البیت تقول:" حتما سوف أتغیّر.لن أبقى دجاجة مُثلّجة إلى الأبد"[54] إنه هم وهاجس أنثوی فی إشارة لقضیة اجتماعیة تتعلق بالأنثى حین تکون مع الرجل کالسجینة لا تستطیع التخلّی عنه ولا تستطیع العیش معه بسعادة أو بهدوء على أقل تقدیر.

ج‌-   تهانی:

    وها هی تهانی تستمرّ فی الشکوى من سلطة الرجل/المجتمع ، یوسف الزوج الذی لا یضرب ولا یسب، ولکنْ تهانی تقول إنه یصیب ما یرید من أهداف، إنها تکره بناتها الثلاث ویزداد کرهها لبناتها کل یوم.  وهذا الکره سببه الأساسی یوسف. رغم أن یوسف له من الأخلاق الحسنة وهو معروف مع الجمیع بأخلاقه وطیبته مما جعل صدیقات تهانی یدافعن عن یوسف بل ویتمنین أزواجا مثله. یوسف یعتنی ببناته ولا یبالی کثیرا بتهانی/الزوجة، وکأنها غیر موجودة. صوّر المحکی "الرجل" فی صورٍ سلبیّة للغایة ، و أقصدُ هنا فی شخصیة یوسف ومن ذلک علاقته الدنیئة مع الخادمة "نانسی" " فی المساء یمکن لهذا الزوج الطیب أن یتسلل من غرفة بناته بعد أن یکون قد قصّ علیهن القصص إلى غرفتها، ویقضی بقیّة اللیل.. إذا ما الفرق بینی وبین نانسی.. لا شیء البتة"[55]

ح‌-   ریّا:

    إنه نقد لاذع من سندریلا قرویّة إلى رجل بدوی، جاء تحت عنوان" لیس له قلب فلّاح" إنه نقد موجه إلى رجل بدوی. وهو فی حقیقته موجها إلى الرجل بصفة عامة، أکثر مما هو موجه إلى الرجل بصفته البدویّة، والبدوی ما هو إلا سلّمٌ تصعد به أحداث السرد؛" فلا سبیل لإدراک العلامات ودلالاتها إلا إذا خضعتْ لشروط السنن وللمعطیات التداولیّة داخل محیط اجتماعی معلوم تتعاضد فیه الاعتباطیّة بالتعلیلیة.."[56]

    لم تکتفِ السندریلات فی سرد ما یُعانینهُن  من سلطة الرجل بل ذهبن إلى أبعد من ذلک فی روایة قصصهُن. ربّتْ ریّا فی قریتها بقرة صغیرة دلّلتها واعتنتْ بها کابنها الصغیر، ولکن أتى الیوم الذی تنتشرُ فیه الفضیحة/العیب – ولو بصورة غامضة کما جاء فی المحکی - ولکنّها واضحة فی عین القارئ/الناقد. کیف سیکون السرد؟ کیف ستکون ردّة فعل تهانی لو کانت تلک الفضیحة واضحة للجمیع؟ بکل تأکید سیجری السرد مجرى آخر لو کان ذلکّ!!

    تلک القصة تعود حینما رأى الهندی "مهن" البقرة  وهی تُقاوم " سعد" البدوی. یبدو للقارئ أنّ سعدَ مارس المُحرّم/الفاحش مع تلک البقرة، وکأنها إنسان، شاهد "مهن" الهندی ذلک بصورة غیر واضحة حینما کان فوق شجرة النخیل، ولکن یؤکد لنفسه ولمطوّع القریة إنه سعد.

    حکم المطوّع على سعد بالطرد من القریة والبقرة بالقتل والتی کانت تُدعى" الخِصب" کنایة على أنها وُلِدتْ فی موسم خصب، ولکنّ الخصب ماتت قبل تنفیذ الحکم علیها. إنها صورة شدیدة السلبیة إلى الرجل فی خروقاته  الاجتماعیة التی طالتْ الحیوان أیضا. هکذا کان سعد السبب وراء هجرة تهانی و أسرتها إلى مسقط ، وبیع کل ما یملکونه فی القریة، هربا من شر الفضیحة والعیب. " لم یکن موت الخِصب عادیا، کان سببا کافیا لکی أنتقل مع زوجی و أولادی إلى مسقط، وأن أبتر کل ما یربطنی بقریتی التی أحببتُ"[57]" لم یدافع سعد عن نفسه ولم یعترف بشیء. لقد کان الرحیل هاجسه الحقیقی"[58]

خ‌-   علیا:

    هی السندریلا الأخیرة، التی تحکی عنها زبیدة/الراویة. تبدو قصّتها أکثر فانتازیّة/ عجائبیّة مُقارنة بقصص السندریلات الأخریات؛ حیثُ إن فتحیّة تمیّزت بأکثر واقعیّة ما عدا خبر الأم المُفاجئ من أن زوجها المیّت یخرج من صورة الحائط فی کل لیلة لیتحدث معها. أما سارة ونوف وربیعة وتهانی وریّا فهن أکثر واقعیة، أی أنّ زبیدة / الراویة بدأت حکایاتها مع فتحیة وانتهت مع علیا وهما أکثر فانتازیّة من السندریلات الخمس.

    قصّة علیا تتراوح ما بین الواقعیّة والفانتازیّة الخیالیّة بل العجائبیة أکثر فیها، علیا تغیّرت حیاتها منذ أن أخبرتها صدیقتها " مریم"  فی المدرسة ،أنّ أبطال قصّة المسلسل المکسیکی "ألیخاندروا وآنا کریستینا" یظهران فی بیتهم فی القریة فی مناظر عجائبیة ویتحدثون معهما. ساور الشک علیا بهذا الخبر العجیب مما دعا مریم أن تقول لعلیا أن تتأکد من أختها "شیخة" أثناء لقائها فی المدرسة. " اسألی أختی شیخة. أعرف أنک لا تصدّقین"[59]" أعادت مریم القول:" قولی یا شیخة لعلیا.. لدینا حوض سباحة، ومن البلکونة نطلُّ على صدیقة جمیلة.. قولی لها یا شیخة، أرجوک.. إن ألیخاندروا وآنا کریستینا یقضیان إجازتهما فی بیتنا."[60] ،لم تکتفِ مریم وعلیا بذلک؛ فکانت هناک مراسلات ما بین آنا کریستینا ومریم، وکانت علیا سعیدة بتلک الصداقة؛ فهی لا تملک صدیقات، وأیضا هی لا تخرج مع الجیران بسبب قیود أمها.

    أصبحتْ سعیدة لکتابة أول رسالة فی حیاتها؛ وحتى صداقتها مع مریم کانت بسبب ألیخاندروا وکریستینا" شعرتُ أنی واقعة فی شرک کبیر عندما أحضرتْ لی مریم رسالة مکتوبة بحروف لا تُقرأ. قالت إنها اللغة الإسبانیة (..) هل یُعقل أنهما یعرفان حقا بوجودی، وأنا صدیقة مریم؟!"[61]

    مرضتْ مریم. أو تمارضتْ بسبب اختفاء ألیخاندروا وآنا کریستینا. حزنت علیا أیضا لغیاب مریم وغیاب أخبار ألیخاندروا وآنا کریستینا، ولکن کانت المفاجأة حین زارت علیا بیت صدیقتها مریم فلم تجد ما حکته صدیقتها حقیقة من أخبار فی بیتهم؛ فوجدتْ البیت بسیطا وعادیاً وکان مجرد خیال أو ربما حلم مُضمر فی شکل قصة فانتازیّة. " کنتُ متأکدة من أن قصّة آنا کریستینا وآلیخاندروا ستنتهی یوما کما انتهى المسلسل، وفسد مزاج قریتنا، فعادوا إلى حیاة رتیبة وکلام عادی وأحلام بلا أبطال"[62]" تقول مریم لعیا : " أنتِ کاذبة جئتِ لأجلهما. أنا أعرف.. هما لیسا هنا الآن، ولکنهما سیعودان.. سیعودان عمّا قریب.. اسألی شیخة. أرجوک اسألی شیخة"[63]

 

د‌-     زبیدة:

   زبیدة هی الذات الراویة/ الکاتبة، التی تحمل هاجس الحکی والکتابة وهاجس المثقّف. لا نعلمُ إنْ کانت زبیدة هی الراویة والکاتبة معا، بل لا نعلمُ إن کانتْ الراویة زبیدة هی من تتخبأ خلفها الکاتبة "هدى حمد". إنه احتمال وارد. هناک احتمال آخر وهو هاجس المثقف/ الکاتب بشکلٍ عام، الذی یبحث عن مخارج أزماته وأزمات مجتمعه من خلال الحکی والکلام والکتابة، بل قد تکون کل الروایة لعبة سردیة تتخبأ خلفها العدید من الهموم الاجتماعیة وخاصة هموم وقلق الأنثى.          

   إن هذه الاحتمالات تستند على سرد زبیدة/الراویة لقصتها فی نهایة الروایة؛ فهی لم تکتفِ بسرد روایات صدیقاتها السندریلات بل راحتْ تتحدث عن قصتها حین کانت فی مستشفى النهضة الواقع فی مسقط، حین کانت أمها و عمها یزوراها فی المستشفى خوفا أن تبقى فی ثلاجة الموتى، ولکنّ الحال تغیّر حین قفزتْ جنّیة  کانت تقف على نافذة غرفتها وهی راقدة فی السریر على جسدها فاختلطت تلک الجنّیة بجسد زبیدة.

     تشافت زبیدة فجأة من المرض ، وأصبحت سندریلا.تقول زبیدة إنها تحکی من أجل بئر عمتها مزنة الذی لا تتمناه أن ینضب؛  إنه احتیال فنیٌ سردی، نسجت زبیدة/ الراویة قصتها من أجل أن تحقق غرضها وهو الاستمرار فی الحکی؛ فجدتها کانت کثیرة الحکی وکثیرة الکلام بل کثیرة قول الأناشید والقصص والشعر" أنا أکتبُ حقا لکی لا تعاود نظرات عمتی مزنة الظهور فی کوابیسی. أکتبُ لکی لا یجفُّ بئری. وکنتُ أفکر "یالله .. ماذا لو منحتنی السندریلات قصصا مثیرة وصالحة للکتابة"[64]

رابعاً: الفانتازیّة والعجائبیّة:

یتشکّل المحکی فی فکرته الأساسیة من خیوط فانتازیة  تنقل القارئ/الناقد فی رحلة ما بین الواقع والخیال السحری معا؛"والفانتازیا تُصبح أکثر تشویقا ، وقوتها تصبح أکثر ذکاء،حین یتم تحلیلها،وکأنّها تمثیلات لعواقب صراعات أودیبیّة غیر محلولة.."[65]؛فهذه السندریلات المتحوّلات فی مطعم على بحر عمان فی شاطئ القرم یحکین من الواقع الحقیقی فی حیاتهن المُتشابهة مع الحیاة العادیة، ویحکین من الخیال العجیب؛ فهن یتحولن بفعل الجنّیات إلى تلک الحالة السندریلانیّة . کما أنّ الروایة تمیّزت بفجأة حکائیة غیر متوقعة، وهذا الجدول یبن بعض علامات السرد الحکائی/ المُفاجئ:

العلامة

الصفحة

 وهو یضع ورقة استقالته فوق الطاولة

22

صرخن جمیعا فی وقت واحد هذه المرة "بسببنا"

25

یصمت الشیف رامون قلیلا

28

 لم یتمکن الشیف رامون من قبض دموعه الغزیرة کان یبدو کالأطفال

29

هنا تطلب ریا بوقار من الشیف رامون أن یغادر الطاولة

29

بدتْ أمی لحظتها أشبه بالساحرات(..) وهی تقرّب وجهها من أذنی " والدک یخرج من الصورة کل لیلة "

46

المرّة الوحیدة التی خرجت فیها أمی عن طورها .صفعتْ العجوز.

60

هل یمکن لأبطال المسلسل المکسیکی أن یکونا ضیفی والدها حقا. إنها تحکی أشیاء غریبة طوال الوقت

125

 

خامساً: أیقونة الغلاف والعنوان:

 یُحیلنا غلاف الروایة إلى أنها تتحدث عن سندریلات أی عن مجموعة من البنات، وکذا الأمر مع عنوان الروایة اللافت وهو ( سندریلات مسقط)؛ فنحنُ أثناء قراءة العنوان مع أیقونة الغلاف نسترجع القصة العالمیّة الشهیرة " سندریلا".

کانت صورة الغلاف ذات دلالة، من خلال عدد السندریلات على الغلاف، سبع سندریلات على الغلاف الأمامی وهن فتحیة وسارة ونوف وربیعة وتهانی وریا،وعلیا، وأما الغلاف الأخیر فعلیه سندریلا واحدة وهی أقرب أن تکون زبیدة/الراویة، بدتْ أکثر جمالا وتحمل على رأسها فردة الحذاء. ربما تحمل معها الحکی وحده. کما أنّ للسندریلات خصوصیة تمنحهنّ صفة " المسقطیّة" أو قُل العُمانیّة لأنهن جئنَ من قرى متنوعة، وأیضا ألوان و أشکال ثیابهن المزرکشة تبدو علیها السمة العُمانیة التقلیدیة ؛ مما یعطیهن صفة أکثر عربیة/ عُمانیة.

    والتأویل یعطی القراءة أبعاداً لا محدودة عبر موسوعة الثقافة من خلال الإحالات المتنوعة، یقول أمبرتو إیکوUmberto Eco  :".. قد أقرأ نصاً لأستلهمُ منه تأمّلاً ذاتیا. أما إذا أردتُ تأویل هذا النص فعلیّ أنْ أحترمَ خلفیّته الثقافیة واللسانیّة.."[66] وانطلاقا من التأویل اللسانی والثقافی؛فإنّ العنوان شدید الکثافة؛ فلا هو حلمٌ حقیقی وممکن الحدوث ولا هو حلمٌ واقعی قد حدث، قد تکون کل الأحداث مجرّد خیال حدث أی أنّ هذا المحکی هو مجرّد أحلام أنثى/إناث. هذا العنوان یحیلُ لنا صعوبة وقسوة ومعانة الأنثى/الساردة تجاه المجتمع/الرجل وسلطته القهریة.

سادساً: الفضاء الروائی:

    اختارتْ الساردة مسقط/القرم مکانا مرکزیا للسرد. ولماذا القرم تحدیدا؟ لماذا لم تخترْ الساردة فضاءً قرویا لروایتها؛ فکان من الممکن أن تکون إحدى قرى السندریلات التی أتینَ منها هی مکانا مبئرا للسرد؟!  هذا ما یقوله التأویل المُمکن أنّ مسقط مقارنة بمدن وقرى عُمان تسکّل للساردة/الأنثى مکانا أقلّ سلطةً من قرى السندریلات الهاربات منها أصلا، على أمل تحقیق رغباتهن وأحلامهن المفقودة؛ ولذلک جعلتْ الساردة (مسقط) منطلقاًللرغبات وتحقیق الأحلام. ".. یتحولنَ فی مسقط إلى أن یستقرّ بهنّ المکان فی ذلک المطعم المُطل على شاطئ القرم، والذی تحوّل اسمه بقدرةِ قادر إلى مطعم السندریلات.."[67]

سابعاً: زمن المحکی:

    یبدأ المحکی وکأنه عن الزمن الماضی. تقول الساردة زبیدة: ".. الجنیّات ما عُدنَ یأتینَ لمسقط کما فی سالف الأزمان، لیزحنَ قلیلا من وطأة الواقع.."[68]، ولکن فی  حقیقة المحکی إنه لا یرتکزُ على عدم مجئ الجنیّات لمسقط وقلّة ظهورهنّ؛ فرغم قسوة الحی اة سابقا إلا أن الحاضر یحکی والواقع یحکی الکثیر من المعاناة التی تخصّ السندریلات. هکذا ختمتْ زبیدة مقولتها فی مقدمة المحکی ".. سأقول ذلک بجرأة الآن.. نحنُ الجنیّات نتمتّع  الآن بقوى الجنیّات الخائبات"[69]، ختمت زبیدة/الساردة جملتها وهی تستخدم ضمیر الجمع( نحن) وظرف الزمان ( الآن) فی إشارة صریحة إلى الزمن الواقعی والحالی للساردة.أی أنها تنقلنا من الزمن الماضی لحقیقة الجنیات إلى الزمن الحاضر لحقیقة المحکی(الآن).

ثامناً: الانتصار للأنثى:

    إن فی بدایة روایة " سندریلات مسقط" تتضح ملامح هذه السندریلات وما دعاهن للخروج أو للهروب إلى هذا المطعم فی مسقط.وهنا نطرحُ السؤال مرة أخرى!لماذا مسقط وهُن من قرى مختلفة؟!. ربما مسقط لأنها تُمثّل لهنّ أو تُمثل للمرجع الثقافی التأویلی، الخیار الأمثل أو مسقط هی المتنفس لهن. یقول إیکو فی کتابهِ(القارئ فی الحکایة):".. إنّ عالماً مُمکناً هو بناء ثقافی.."[70] ،ومَن یعرف " شاطئ القرم" فی مسقط ، یعلم جیدا أهمیته للشباب والشابات والأسر من أجل النزهة والترفیه على شاطئه الرملی الأخّاذ؛ فکان اختیار المحکی له اختیارا صائبا؛ لکی تلتقی فیه السندریلات ،وتبوح کل واحدة منهنّ عن أسرارها " فی مثل هذه اللیلة من کل شهر، تهرب السندریلات من قرف البیت والأولاد والأزواج المتطلبین"[71]

    ولأنّ علامة ( الأنثى ) تستدعی علامة ( الرجل) والعکس صحیح؛ فإن صورة الرجل فی المحکی تمیّزت بالکثیر من تمظهرات السلطة والسلبیة، بدایةً من الیوم الأول الذی تهجرُ فیه السندریلات بیوتهنّ ویهربْنَ لمسقط. ".. فی مثل هذه اللیلة تحدیداً(..) سیقبلون بالخبز المحمّص والبطاطا التی سیطبخها الآباء نیئةً فی أحسن الأحوال.."[72] .کما أنّ السندریلات یتفقنَ بأنّ "الأمراء یجلبونَ التعاسة غالباً، وإنْ بدا الرقصُ معهم مسلیّاً لذا من الجیّد عدم التفکیر بهم اللیلة.."[73] ،وأیضا تصفُ الساردة حال الآباء، فی یوم خروجهنّ بأنهم "..سیکونون أغلبهم بربع ضمیر أو نصف ضمیر فی أحسن الأحوال.."[74]

    وها هو رئیس الطباخین لم یعُد طبخه هو الآخر لذیذاً کلذّةِ طبخ السندریلات فی المطعم الذی یلتقین فیه. إنه انتصار للأنثى بلا منازع. ".. یذوّق رئیس الطّباخین مرقتها، فتکبر الحسرة فی روحه.. تضحک سارة وهی تقول: السر لیس فی المقادیر یاعزیزی.."[75]؛ولذلک نقولُ بأن المحکی کان حاملا لعددٍ من علامات الهمّ الاجتماعی ومن أبرزها متطلبّات الأزواج والأبناء/سلطة الرجل/خیانة الرجل /جمال الأنثى/الزواج/الخطیئة.

    والمخطط الدلالی الآتی یُمثّلُ أنموذجاً لعلاقة اجتماعیّة ثلاثیة ما بین الرجل( یوسف)،والأنثى(تهانی) ،و(الأبناء). وهذا التأویل جاء وفقا للسیاقین السردی والاجتماعی؛"..فحیثُ یرى الناس الأشیاء ترى السیمیائیات دلالات.."[76].  حیثُ یشیر الرقم(1) إلى علاقة الزوج بالزوجة باعتباره المسؤول الأوّل عن علاقة(اللاحب)، کما أنه المسؤول الأوّل عن علاقة(اللاحب ما بین الأبناء و الأم . بینما یشیر الرقم (2) إلى علاقة الزوجة بالرجل أو علاقة الأم بالأبناء باعتبارها النتیجة المُتحقّقة التى آلتْ إلیها العلاقة وهی علاقة( اللاحب)، والتی کان سببها(الرجل أو الزوج)، بینما العلاقة ما بین الأب والأبناء فإنها تبدو علاقة طبیعیة أی أنها علاقة حبٍ متبادلة ما بین الأب والأبناء، وهنا یظهر تأثیر وقوة سلطة الرجل على سلطة الأنثى ، من قدرةٍ فی تثبیت علاقة الحُب الطبیعیة ما بین الأب والأبناء، بینما نلاحظ هدماً لعلاقة الحُب الطبیعیة ما بین الأم والأبناء بسبب (سلطة الرجل):[77]

 

تاسعاً: ملاحظات نقدیة حول السارد:

    لم تکُن الساردة زُبیدة هی الساردة الوحیدة فی المحکی، کما أنها لم تُکن الساردة الموازیة لبقیّة الساردات. زُبیدة بدأت بسرد المحکی ولکنها توقفتْ عند صفحة30 ، ثمّ بعد ذلک بدأتْ باقی السندریلات بالحکی واحدة تلوَ الأخرى من خلال تسجیل اسم کل سندریلا/ساردة تحت مقدمة خاصة بها واستمر سرد السندریلات إلى ص142، لتبدأ  زُبیدة مرة أخرى بالسرد عن قصصها الخاصة  من خلال عنوانین من عنوانات الروایة الفرعیة، ولم تُسجّل الساردة/ الکاتبة  زبیدة اسمها هذه المرة على ذلک العنوانین وکأنّ القارئ قد عرف بأنّ زُبیدة هی الساردة أصلا لکل القصص وإن کانت کل سندریلا/ساردة قد روتْ قصتها بنفسها -هذا ما وهمنا به السرد –ونصیغ الآن احتمالین أساسیین من الاحتمالات المتعلقة بالسارد فی هذا المحکی:

الاحتمال الأول:

   أنْ تکون زُبیدة هی الساردة  الأساسیة والوحیدة للمحکی، وقد جاء هذا التأویل وفقا للعلامات الدالة على ذلک؛فهی بدأت  المحکی إلى ص30 وقد کتبت اسمها أی زُبیدة فی هذه الصفحة قبل الانتقال لروایات السندریلات الأخریات، ثمّ توقّفت زبیدة لسرد قصص السندریلات حتى ص142، کلّ سندریلا على حِدة، ثم بدأت مرة أخرى بسرد قصصها الخاصة من ص143 وإلى ص158، والغریب هنا أنها لم تذکر اسمها کما فعلت مع باقی السندریلات وکأنها هی الساردة الوحیدة فی المحکی.أی هی التی تروی قصتها کما کانت تروی قصص صدیقاتها السندریلات.

    أیضا هناک علامات أخرى تعطی  القارئ تصوّرا بأن السندریلا/زُبیدة هی ساردة المحکی، حیثُ أنّ الغلاف الأمامی یتکون من سبع سندریلات وهی (فتحیة/سارة/نوف/ربیعة/تهانی/ریّا/علیا)، بینما الغلاف الخلفیّ جاء بسندریلا واحدة أی هی زُبیدة الساردة ومما یؤکّد ذلک ما کتبته الساردة/الکاتبة على الغلاف حیثُ جاء النص الآتی:" تختفی جنیّات مسقط لتحلّ قواهن السحریة فی السندریلات. تُحدّثنا زُبیدة عن طقوس العشاء الشهریّ، الذی تحکی خلاله کلُّ منهن تجربتها ومأزقها ومخاوفها وصراعاتها" ولکن فی حقیقة الأمر فإن الذی سیُحدثنا لیست فقط السندریلات الأخریات بل إنّ زُبیدة ستُحدّثنا أیضا عن قصصها کما ستحدّثنا عن العشاء الشهری أیضا، وهکذا نحن اعتقدنا بأنّ زُبیدة هی ساردة المحکی، وهذا ما نرجّحه فی تحلیلنا هذا، إلا أننا لا نُنکر عدم الترابط الفنی اللازم ما بین الساردة زُبیدة والمحکی؛ فالقارئ یتوهم أحیانا بأنّ زُبیدة هی الساردة الوحیدة للمحکی، وأحیانا أخرى یتوهم بأن کل سندریلا هی ساردة.

الاحتمال الثانی:

    أن تکون زُبیدة هی مجرّد ساردة لذاتها فقط أی هی إحدى السندریلات الساردات، قالت زُبیدة:"حسنا..کان من المفترض أن أبدأ حکایتی من هنا.."[78] ، کما أنّ المحکی فصلَ کل قصة على حِدة أثناء روایة کل سندریلا ، وکانت کل واحدة منهنّ تُسجّل اسمها تحت مقدمة صغیرة فی بدایة کل قصة ؛ مما یوحی للقارئ أیضا احتمالیة أن تکون کل سندریلا ساردة فی المحکی أی أنّ هناک أکثر من سارد.ولکن کلّ ما سبق یجعلُ القارئ فی حیرة وخاصة بأنّ زُبیدة أخذت حیّزا کبیرا من السرد أی أنها کانت الساردة بشکل مباشر من ص7 إلى ص30، و أیضا ساردة بشکل صریح من ص143 وإلى ص158.

    وتؤکّد زُبیدة فی ص154 عن نفسها أنها هی مَن تملک الحکی بقولها:" یا الله .. ماذا لو منحتنی السندریلات قصصاً مثیرة وصالحة للکتابة" وکأنها تقول:(أنا ساردة المحکی)بالإضافة أیضا للدلالات الأخرى التی ذکرناها سابقا، وهنا أیضا لا ننکر - إنْ کانت زُبیدة لیست الساردة الوحیدة فی المحکی- الإشکالیة الفنیّة والاتزان الحکائی ما بین السارد والنص السردی أی ذلک الاتزان الفنی المُتوقّع من القارئ والحبکة الروائیة المُتماسکة وبنیات السرد المتمثلة فی مقدمة الروایة مع زبیدة ووسط الروایة الذی شمل مختلف السندریلات والنهایة مع زُبیدة مرة أخرى.

الخاتمة ونتائج البحث:

    إنّ قراءة السرد یحیلُ القاریء/الناقد إلى عوالم متنوعة، یختارُ فیها الباحث العالمَ الأکثر بروزا فی النص السردی، وفی قراءتنا للروایات الثلاث السابقة، تظهر مجموعة من السمات السردیة الممیزة، لعلّ أبرزَها البحث عن وجود الإنسان وحریته فی عالم سردی ملئ بالمتناقضات؛ فنجد بن سولع البدوی تائها بین الوجودِ فی عُمان وطنه الأصلی، وبین الوجود فی لندن موطن الغربة، بل إنه یقرر العَیش مع میثاء العُمانیة فی هجرة مؤقتة فی لندن، إنّ روایة بن سولع لا تحکی همّا ذاتیا، ولکنها تحکی همّا أصاب الجزیرة العربیة وغیّر ملامحها الوجودیّة، و أما روایة نارنجة ؛ فهی الأخرى تحکی فی ثنایاها الوجود الإنسانی؛ فعمران الباکستانی عاد لقریته مرة أخرى رغم القسوة التی عانها سابقا، ورغم سعادتهُ مع کحل مؤقتا فی لندن إلا أنه قرر العودة، بل إنّ الروایة تحکی أیضا عن وجود الإنسان العُمانی ، والتحولات التی غیّرت مصیره ما بین زنجبار وعُمان من ناحیة، وما بین قرى عُمان المختلفة من ناحیة أخرى. وأما روایة  سندریلات مسقط ؛ فهی تُعالج هواجس الأنثى فی مجتمع أبوی ذکوریّ، ابتعدتْ فیه الکاتبة من الذات/الأنا المُفردة إلى الذات الأنثویّة، بل من الجسد الذاتی/المفرد، إلى جسد الآخر/الأنثى أینما کانت، ونذکر مجموعة من الملاحظات السردیة المُمیّزة للروایات المدروسة:

  •  اختیار عناوین من البیئة العُمانیة: ( بن سولع/ نارنجة/ مسقط).
  • بطل الروایة فی الروایات الثلاث ، یکون هو الراوی نفسه ، ومن المحتمل تأویلیلا وسیاقیا أن یکون الکاتب نفسه ، متخبئاً خلف راوی الحکایة، ولکن من المحتمل أیضاً أن الراوی لیس بالضرورة هو الکاتب                                                               :(بن سولع/زهور/زبیدة).
  • الوطن والمکان العُمانی یُمثّل هاجسا فی کل الروایات:( جدّة الحراسیس/ قریة الجدّة/ شاطئ القرم/ قرى السندریلات)، وفی روایة سندریلات مسقط کانت کلُّ أحداث السرد فی الأمکنة المحلیّة العُمانیة، بینما فی روایتی (بن سولع، ونارنجة)، یترواح السرد ما بین الأمکنة المحلیة وأمکنة الآخر.
  • حضور الآخر فی الروایات الثلاث:( کرستی/ کحل/ الشیف رامون).
  • حضور مکان الآخر کمُبئّر رئیسی للمحکی؛ ،إذ مثّلتْ لندن مکانا للکتابة والحکی،( روایة بن سولع/ روایة نارنجة).


[1]- الروایة،ص142.

[2]- درویش، أحمد، النّص والتّلقی،( حوار مع نقد الحداثة) ، ط1،  الدار المصریة اللبنانیة : القاهرة،2015، ص270.

[3]- الروایة،ص30.

[4]- الروایة،ص372.

[5]- الروایة،ص438.

[6]- الروایة،ص131.

[7]- الروایة،ص297.

[8]- الروایة،ص314.

[9]- الروایة،ص375.

[10]- العَیْن، إحدى مُدن دولة الإمارات العربیة المُتّحدة.

[11]- رطَب الخَلاص، الخلاص: أحد أجود أنواع التمور. والرطَب:  ثمر النخلة الغض، ویُقطَف عادةً قبل أن یصل لنضجه التام.

[12]-الروایة،ص207.

[13] الروایة،ص237.

[14] الروایة،ص246.

[15]- الروایة،ص250.

[16]- المصری، شوکت نبیل، شعریة الجسد، دراسة فی أعمال محمد عفیفی مطر الشعریة،الهیئة المصریة العامة للکتاب: القاهرة،2012،ص76.

[17]- الروایة،ص139.

[18]- الروایة،ص278.

[19]- الروایة،ص167.

[20]- " نارنجة" شجرة لها ثمرة تشبه ثمرة البرتقال المعروف، تشتهر بها ضواحی وبساتین جبال حجر عُمان، ولها طعم حامض، وقد تُؤکل مع الملح لتقلیل حموضتها، کما أنّ لها موسما خاصا فی العام وهو موسم الشتاء البارد.

[21]- " العزیب" هذه الکلمة منشقة من لفظة " عزبة" وهی لفظة مرتبطة بحیاة الإنسان البدوی خاصة، حیث تقوم مقام البیت أو المنطقة التی یحلُّ فیها البدو لفترة ما مع  المواشی والإبل، أو هی المکان المخصص للمواشی والإبل فقط بعیدا عن المأوى.

[22]- غلاف الروایة الأخیر.

[23]- الحارثی، جوخة، نارنجة،ط2، بیروت: دار الآداب، 2017،ص158.

[24]- إسماعیل، عزوز،  عتبات النص فی الروایة العربیة، دراسة سیمیولوجیة سردیة،الهیئة المصریة العامة للکتاب: القاهرة،ص74.

[25]- الروایة، ص33.

[26]- الروایة،41.

[27]- الروایة،ص109.

[28] - رشید، أمینة، السیمیوطیقا فی الوعی المعرفی المعاصر، ضمن کتاب:  قاسم ، سیزا، ونصر حامد أبو زید، أنظمة العلامات فی اللغة والأدب والثقافة، دار الیاس العصریة: القاهرة، 1986، ص49.

[29]- الروایة،ص33.

[30]- الروایة،ص84 الفلج،هو قناة الماء التی تروی البساتین والضواحی عادة فی عُمان ، ارتبط الفلج بالإنسان والمکان فی عُمان، ارتبط بمصیر وجوده ، وحیاته، وصار الفلج علامة على الحیاة، حیاة الإنسان والحیوان والنبات. اشتهرت عُمان بمهارة تصمیم الأفلاج قدیما، واعتمدت الیونسکو خمسة من الأفلاج  العُمانیة فی قائمة التراث العالمی وهی ( فلج دارس، فلج الخطمین، فلج الملکی، فلج المیسر،فلج الجیلة).

[31]- الروایة،ص120.

[32]- غاستون، باشلار، جمالیات المکان،ترجمة: غالب هلسا،ط6، مجد المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع: بیروت،2006،ص75.

[33]- الروایة،ص105.

[34]- الروایة ،ص49.

[35]- الروایة،ص9.

[36]- الروایة،ص42.

[37]- الروایة،ص88.

[38]- الروایة،27.

[39]- الروایة،ص33.

[40]- الروایة،ص13.

[41]- حمد، هُدى، سندریلات مسقط، ،ط1، دار الآداب: بیروت 2016،ص7.

[42]- دولودال، جیرار، السیمیائیات أو نظریة العلامات،ط1، ترجمة: عبدالرحمن بو علی،دار الحوار: اللاذقیّة،2004،ص185.

[43] - الروایة،ص146.

[44]- انظر: المبحث الأخیر من تحلیل الروایة( ملاحظات نقدیة حول السارد).

[45]- الروایة،ص5.

[46]- الروایة،ص147.

[47]- الروایة،ص147.

[48]- الروایة،ص46.

[49]- الروایة،ص62.

[50]- الروایة،ص69.

[51]- الروایة،ص81.

[52]- الروایة،ص82.

[53]- الروایة،ص81.

[54]- الروایة،ص86.

[55]- الروایة،ص104.

[56]- یوسف، أحمد، السیمیائیات الواصفة/المنطق السیمیائی وجبر العلامات،ط1، منشورات الاختلاف/المرکز الثقافی العربی/الدار العربیة للعلوم:الجزائر/الدار البیضاء ،بیروت/بیروت، 2005،ص107،ص108.

[57]- الروایة،ص109.

[58]- الروایة، ص119.

[59]- الروایة،ص123.

[60]- الروایة،ص123،ص124.

[61]- الروایة،ص129.

[62]- الروایة،ص137.

[63]- الروایة،ص141.

[64]- الروایة،ص154.

[65]- کلر، جوناثان، مطاردة العلامات،علم العلامات والأدب والتفکیک، ترجمة: خیری دومة، المرکز القومی للترجمة: القاهرة،2018،ص36.

[66]- إیکو، أمبرتو، التأویل بین السیمیائیات والتفکیکیّة، ترجمة: سعید بنکراد،ط2، المرکز الثقافی العربی: الدار البیضاء/بیروت،2004،ص86.

[67]- الروایة،ص10.

[68]- الروایة،ص7.

[69]- الروایة،ص8.

[70]- إیکو، إمبرتو، القارئ فی الحکایة،ط1، ترجمة: أنطوان أبو زید، المرکز الثقافی العربی: الدار البیضاء/بیروت،1996،ص170.

[71]- الروایة، ص9.

[72]- الروایة،ص9.

[73]- الروایة،ص12.

[74]- الروایة،ص13.

[75]- الروایة،ص19.

[76]- بنکراد، سعید ، السیمیائیات: النشأة والموضوع، مجلة عالم الفکر، العدد(3)، مجلد(35)، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب:الکویت،2007،ص27.

[77] انظر: الروایة،ص89.

[78]- الروایة،ص147.



[1]- السلیمی،منى بنت حبراس، الأصوات الروائیة الجدیدة فی عُمان، مجلة نزوى،العدد (85)،مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان: مسقط، 2016، ص111.

[2]- القرینی. بخیتة بنت خمیس بن عامر، توظیف التراث فی الروایة العُمانیة فی العقد الأخیر من القرن العشرین،ط1، بیروت: الانتشار العربی ،2014،ص12.

[3]-الیحیائی. شریفة خلفان، و میدان.أیمن، دراسات فی أدب عُمان والخلیج،ط1، عمّان – الأردن:دار المسیرة ، 2004،ص217،ص218.

[4]-خضیر، ضیاء، القلعة الثانیة، دراسة نقدیة فی القصة العُمانیة القصیرة، ط1،بیروت:الانتشار العربی،2009،ص21.

 

[5]- انظر: المعمری، یوسف، قراءة فی مُضمرات علی المعمری الروائیة(دراسة سیمیائیة- تأویلیة)، دمشق: دار الفرقد،2017.

[6]- المعمری.علی، بن سولع، ، ط1، القاهرة: دار شرقیات، 2010،ص439

[7]- الروایة،ص9.

[8]- مرتاض. عبدالملک، فی نظریة الروایة، بحث فی تقنیات السرد، الکویت:المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب ،1998،ص209

[9]- جدّة الحراسیس، هی محمیة طبیعیة کبیرة، فی الربع الخالی من صحراء سلطنة عُمان فی ولایة هیما بمحافظة الوسطى، والحراسیس نسبة إلى قبیلة الحرسوسی هناک، اشتهرت المنطقة بتکاثر حیوان المها طبیعیا فیها؛ مما دعا الحکومة حینما تولى السلطان قابوس مقالید حکم البلاد إلى إعلانها محمیّة طبیعة قبل انقراض المها بسبب الصید الجائر، والظروف الطبیعیة.

[10]- الروایة،ص439.

[11]- الروایة،ص18.

[12]- الروایة،ص264.

[13]-الحجری. هلال،وزروق. محمد،عالم علی المعمری السردی،( أعمال ندوة علمیة)،جامعة السلطان قابوس: کلیة الآداب، 2011م.ص137.

[14] - بحراوی، حسن، بنیة الشکل الروائی،ط1، المرکز الثقافی العربی: بیروت/الدار البیضاء/الأحباس،1990،ص247.

[15]- الروایة،ص314.

[16]- الروایة،ص372.

[17]- ص322.

  • أولا: قائمة المصدر:

    •  الحارثی، جوخة، نارنجة،ط2، بیروت: دار الآداب، 2017.
    •  حمد، هُدى، سندریلات مسقط، ،ط1، دار الآداب: بیروت 2016.

    المعمری، علی، بن سولع،ط1، دار شرقیّات: القاهرة،2011.

     ثانیاً: قائمة المراجع العربیة:

    •   إسماعیل، عزوز علی،  عتبات النص فی الروایة العربیة، دراسة سیمیولوجیة سردیة،الهیئة المصریة العامة للکتاب: القاهرة.
    •   بحراوی، حسن، بنیة الشکل الروائی،ط1، المرکز الثقافی العربی: بیروت/الدار البیضاء/الأحباس،1990.
    •   الحجری. هلال،وزروق. محمد،عالم علی المعمری السردی،( أعمال ندوةعلمیة) ،جامعة السلطان قابوس: کلیة الآداب، 2011.
    •   خضیر،ضیاء،القلعةالثانیة،دراسة نقدیة فی القصة العُمانیة  القصیرة، ط1، بیروت:الانتشارالعربی،2009.
    •  درویش،أحمد، النّص والتّلقی،( حوار مع نقد الحداثة) ، ط1،  القاهرة: الدار المصریة اللبنانیة، 2015.
    •   قاسم ، سیزا، ونصر حامد أبو زید، أنظمة العلامات فی اللغة والأدب والثقافة، دار الیاس العصریة: القاهرة، 1986.
    •  القرینی. بخیتة بنت خمیس بن عامر،توظیف التراث فی الروایة العُمانیة فی العقد الأخیرمن القرن العشرین،ط1،بیروت: الانتشارالعربی،2014.
    •   مرتاض. عبدالملک، فی نظریة الروایة، بحث فی تقنیات السرد، الکویت: المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب ،1998.
    •    المصری، شوکت نبیل، شعریة الجسد، دراسة فی أعمال محمد عفیفی مطر الشعریة،الهیئة المصریة العامة للکتاب: القاهرة،2012.
    •   المعمری، یوسف، قراءة فی مُضمرات علی المعمری الروائیة(دراسة سیمیائیة- تأویلیة)، دمشق: دار الفرقد،2017.
    •  الیحیائی. شریفة خلفان،ومیدان.أیمن،دراسات فی أدب عُمان والخلیج،ط1،عمّان – الأردن:دارالمسیرة، 2004.
    •   یوسف، أحمد، السیمیائیات الواصفة/المنطق السیمیائی وجبر العلامات،ط1، منشورات الاختلاف/ المرکز الثقافی العربی/ الدار العربیة للعلوم:  الجزائر/الدار البیضاء،بیروت/بیروت، 2005.

     ثالثا: قائمة المراجع المترجمة:

    • إیکو، أمبرتو، التأویل بین السیمیائیات والتفکیکیّة، ترجمة: سعید بنکراد،ط2، المرکز الثقافی العربی: الدار البیضاء/بیروت،2004.
    • إیکو، أمبرتو، القارئ فی الحکایة،ط1، ترجمة: أنطوان أبو زید، المرکز الثقافی العربی: الدار البیضاء/بیروت،1996.
    • دولودال، جیرار، السیمیائیات أو نظریة العلامات،ط1، ترجمة: عبدالرحمن بو علی،دار الحوار: اللاذقیّة،2004.
    • غاستون، باشلار، جمالیات المکان،ترجمة: غالب هلسا،ط6، مجد المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع: بیروت،2006.
    • کلر، جوناثان، مطاردة العلامات،علم العلامات والأدب والتفکیک، ترجمة: خیری دومة، المرکز القومی للترجمة: القاهرة،2018.

     رابعاً: المجلات:

    • مجلة عالم الفکر، العدد(3)، مجلد(35)، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب:الکویت،2007.
    • مجلة نزوى، العدد(85)، مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان: مسقط،2016.