اللغة في المسرح السياسي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

باحثة دکتوراة بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة

المستخلص

اللغة المسرحية لغة مختلفة , لأنها تعتمد أول ما تعتمد علي رسم الصورة للمشاهدة , وتقوم غالبًا علي الجدلية لطرح موضوعها , ومن هنا يتناول هذا البحث اللغة في المسرح السياسي , ويحاول الإجابة علي سؤال . هل تختلف اللغة في المسرح السياسي عن غيره من أشکال المسرح الأخري ؟ , والإجابة نعم لأن اللغة المسرحية في العموم هي لغة متحرکة , خُلقت لتتحرک لا لُتقرأ فقط , والمسرح السياسي يهدف أول ما يهدف إلي ايقاظ الجمهور وتنبيهه لما يدور حوله ومناقشة واقعه , وحثه علي عدم الاستسلام لمعاناته , إذن فاللغة في المسرح السياسي يجب أن تکون لغة استفزازية وتحريضية حتي يتمکن المسرح السياسي من أداء مهمته , إلي جانب أنها يجب أن تتمکن من خلق جدلية مع الواقع وذلک من خلال تغريب هذا الواقع حتي يتمکن المتلقي من التحاور مع هذا الواقع , والرمزية التي تخلقها هذه اللغة التحريضية , وتتميز اللغة في المسرح السياسي بالغنائية , فيناقش البحث اللغة من خلال الغنائية في الحوار , وتتنوع اللغة في المسرح السياسي بالتنوع ما بين لغة حوارية و سردية وبين غنائية وبين فصحي وعامية , وهذا التنوع خلق من اللغة في المسرح السياسي لغة متميزة .

الكلمات الرئيسية


الکلمة فی المسرح السیاسی " یجب أن تفرض , و أن تستفز , و أن تتحول من مجرد الدعوة إلی التوعیة والتثقیف والتوضیح والتحریض[1]  , ولأنها أحد عناصر الدراما " فقد حاولت أن تقف موقفًا وسطًا بین القدیم والجدید , والأصالة والمعاصرة , فإذا بها لا تغلو فی التعبیر , وربما یعود هذا إلی وعی الکاتب المسرحی الذی أدرک أن المسرح مهما یکن له لغة " خاصة " به وهی لغة نابعة من روح " المشاهدة " "[2]" , تعرضت اللغة الدرامیة للعدید من المناقشات والاختلافات علی ألسنة النقاد والمسرحیین , فالبعض یمیل لاستخدام الفصحی کلغة للکتابة المسرحیة , والبعض الآخر یری أن الفصحی لغة جامدة لا تصلح لفن یعتمد علی الحرکة والمشاهدة حتی أثناء القراءة لیس فقط العرض , وبین هذا وذاک " فقد مرت اللغة بأطوار عدیدة , وشهدت تطورات کثیرة بدءًا من فرح أنطون فی مسرحیته " مصر الجدیدة " عام 1912 إلی أبو العلا السلامونی الذی حصل علی جائزة الدولة التشجیعیة عام 1985 عن مسرحیته " رجل فی القلعة " فالأول آثر الإزدواجیة التی تجعل شخصیات الطبقة الأرستقراطیة تتکلم الفصحی وشخصیات البیئة الشعبیة تتحدث العامیة , بینما الآخر – السلامونی – أجری لغة إنسانیة واحدة علی ألسنة الشخصیات " [3] , ویستخدم رأفت الدویری علی سبیل المثال اللغة الطقسیة التی تعبر عن النماء , وهی تتوزع علی طول المسرحیة .

المنادی الأول : والخیر زاد

المجموعة الأولی : عوف الله

المنادی الثانی : فاض علی البلاد

المجموعة الثانیة : عوف الله

المنادی الثالث : وحل جبر الخواطر

المجموعة الثالثة : عوف الله

المنادی الأول : وجبر الخواطر علی الله

المجموعة الأولی : عوف الله  [4]

وتختلف اللغة حسب نوعیة العمل الذی تؤدیه , فاللغة فی المسرح السیاسی لغة تحریضیة , وهناک تنوع فی الأدوات التی تساعد اللغة فی المسرح السیاسی حتی تصل للمعنی الثوری ومنها .

-    الغنائیة فی الحوار -

تتسم اللغة داخل المسرح السیاسی بالنبرة الغنائیة , والغنائیة تعنی " التعبیر عن الحالات الوجدانیة والانفعالات والعواطف بطریقة آخاذة تستمیل النفوس "[5] , والغنائیة فی اللغة تتنوع ما بین لغة شعریة وبین أغانی وبین وصف للحالة النفسیة للشخصیة , والاتجاه البریختی یُعطی للغنائیة دورًا مهما حیث إن الأغانی تقوم "لتلخیص الأحداث , والتعلیق علیها , والتمهید لأحداث اللاحقة " [6]

لجأ المسرح السیاسی المصری للفن الشعبی لیناقش من خلاله قضایاه ومن الأشکال التی لجأ إلیها السیرة الشعبیة , حیث تتمیز بالمزاوجة بین الشعر والسرد النثری , والغنائیة فی الحوار ودرامیة اللغة حیث إن الراوی للسیرة یروی السیرة من خلال الصوت والحرکة أیضا" , فمسرحیة الهلالیة استخدمت المزاوجة بین السرد والشعر .

بدیر : یا سادتی . ذاک لب المسألة . ( یأتی بفخامة وتأثر )

کنا بنجد فی سرور وفی هنا          بنعم و إحسان وفی هنا

وکان بها عنب الدوالی مکعبا       والخوخ والرومان والتفاح

جنتتا أراضی نجد بعد عزها سبع سنین کاملات شحاح [7]

أحیانا یقوم الشعر کمقدمة للأحداث کما جاء علی لسان الأقنعة الثلاثة , کما أنه یقطع سیر الأحداث فبین الحین والحین یُذکر المتلقی بأن النص مأخوذ عن السیرة الشعبیة فیُحدث فی ذهن المتلقی مقارنة بین أحداث السیرة وما یرید العمل أن یناقش , فینتبه لقیمة الجموع دون الفرد حتی وإن کانت أحلام البطل أحلامًا نبیلة , وتبین المسرحیة ذلک عندما تسخر من لفظة السیرة الشعبیة بنطقها مقطعة , وهذا بدوره یُلغی اندماج المتلقی مع الحکایة أو الحدوته داخل العمل المسرحی .

قناع 1 : مکسور الشعر .

قناع 2 : مکتوب کدة فی السیرة .

قناع 3 : الش ... بی ...یة . " ص13".

أما  مسرحیة " یا عنترة " تترکز الغنائیة علی الحوار من خلال الترکیز علی عنترة الإنسان الباحث عن حریته لا عنترة الشاعر , الصراع داخل عنترة علی أشده وحواره مع نفسه طوال المسرحیة , وکذلک الحبشی هو الآخر باحث عن حریته بطریقته , والنبوءة التی یذکرنا بها الشیخ طوال المسرحیة من أنه لابد أن یأتی یوما ویظهر النور الذی یکشف ذل العبودیة لعز الحریة , ومن الغنائیات فی المسرحیة ما جاء علی لسان عنترة واصفا حاله نفسیا .

عنترة : ( یصیح ) کفوا ( صمت ) لم هذا کله !!

یا عبس لم ! .. لم تنطلق الأصوات الوحشیة

و تحاصرنی ؟ .. وکأن لکل منکم ثأرا عندی ..

من زمن ..

وکأنی أحجب عنکم ضوء الشمس ..

مع أنی أعلم رجالا منکم لا تفضل علق الأرض ...

سود الأفئدة ذئاب ...

یمضی الواحد منهم ویبیع أخاه بوجه بش ...

یمضی ویلوک اللفظ الرنان عن النیل وعن شرف الکلمة ...

وهو رخیص لا کلمة له .. " "ص94" 

المنولوجات الکثیرة علی لسان عنترة بهذا الشجن حولت عنترة من مرتبة الشاعر الفارس الأسطورة لشخص ثوری یکتشف بنفسه أزمته الحقیقیة , فهو بعد وصوله للقمة اکتشف أنه لم یجن سوی سراب .

فی موضع آخر یتنبأ الحبشی عند موته بإن الحریة مطلب لابد وأن یأتی یوما یتحقق فیه  .

الحبشی : یومی فی زمن آخر إنی أعرف ...

یوما یأتی ینصف کل عبید الأرض ..

یتغیر معه وجه العالم هذا المسخ ..

( یصیح ) لکنی لا لن أقتل رفقة آلامی .. " ص 91"  

المسرحیة جعلت  الحبشی أکثر فلسفة وتفهما للواقع من عنترة , وبذلک تکون اللغة حققت الصراع داخل المتلقی الذی قارن بین شخصیة عنترة البطل المغوار و بین عنترة العبد المنشغل فقط بحریته داخل المسرحیة وذلک من خلال لغته الغنائیة التی حولته لشخصیة ثوریة , فینتبه لمفهوم البطولة الحقیقی الذی فهمه العبید و علی رأسهم الحبشی وهو أن عنتره وسط العبید یجب أن یبحث عن حریته وحریتهم وبذلک یکون عنترة العبد , بینما إذا بحث عن حریته وسط الساده وحده فهو عنترة الکلب حارس السادة .

 یستخدم المسرح السیاسی الأغانی لایقاظ وعی الجمهور , ولفت انتباهه لأهمیة القضیة المُتحدث عنها , و تلعب الأغانی فی مسرحیة " النار والزیتون " دورًا مهمًا لتأکید أهمیة القضیة الفلسطینیة , فالأغنیة الأولی تقوم بدور البرلوج لمعرفة أبعاد القضیة وأن الموضوع أکبر من احتلال فلسطین ولکنها قضیة الحریة الإنسانیة .

و أعلم بأن الظلم واحد والعدو واحد

والعدل والحریة واحدة .. والسلام واحد

.........................

حریتک . دارک . ومستقبل ولادک

خد بندقیة أو علم أو میکرفون .

وأدخل معانا الصف . صف الثائرین .

علشان ضمیرک حی بیغزک

علشان شظایا الحرب حتصیبک وحتجرک

علشان علیک الدور . حیجی بعدنا دورک

خد بندقیة أو علم أو میکرفون .

وادخل معانا الصف . صف الثائرین .  " ص79" 

الأغنیة فی بدایة المسرحیة قامت بدور عرض الفکرة , وفی بدایة الفصل الثانی من المسرحیة توضح القرار الذی وصل له الفدائیون وهو عدم الاستسلام للنکسة .

المغنون : أنا ما استسلمتش للنکسة .

أنا مش مصدوم .

أنا مش مصدوع . " ص80 " 

وانتهت المسرحیة بأغنیة موجهة للجمهور , وقد تحول المتلقی لثائر .

المجموعة : انتباه ! قف !

و إلی القدس تقدم .

افتح الأبواب لحریة بلادنا .

ارفع الرایات ترفرف .

فوق سناکی الفدائیین وعلی رؤوسهم ترفرف

وإلی القدس ... تقدم .

المغنون : أدفن ملیون لغم فی سکنهم . " ص 91 " 

وتناولت مسرحیة " الیهودی التائه " الأغانی علی لسان الفتیات یقدمن من خلالها حکایة سرحان .

الفتیات : ( یتجهن صوب العجائز راقصات ) فلنتمجد ولیأخذکن ملاک الموت ...

یا أحلام الحب والوصایا العشر ...

أنتن المضحکات المبکیات ... من ألف ألف عام ...

تمتن کل یوم الف مرة ... کل یوم ألف مرة ..

دورة الموت الیومیة هذه ما عادت تسلینا ..

فزماننا هذا زمن اللعبة الأخیرة ...

فلتمتن إلی الأبد ..

( خلال ذلک یطاردن العجائز حتی یختفین یعدن إلی المقدمة راقصات حول الصبی ) هو لن یعود ... وهم کان ویبقی وهما .. ولیبارکنا الشیطان . نحن الحقیقة کلها ولتبدأ رحلة هذا الصبی سرحان ... فی انتظار یسوع الذی لن یجئ فبرحلته تدق أمامکم الساعة دقتها الحاسمة نحو انتحار العالم .... ) "ص 17"

 لم تلعب الأغانی فی المسرحیة التقدیم للقصة فقط ولکنها تعلق أیضا علی الأحداث بالسخریة , وهذا بطبعه یؤدی إلی ایقاظ ذهن المتلقی لما یحدث حوله , وقلب الحقائق وخصوصا فی عرض القضیة الفلسطینیة .

( یتقدمن فی ایقاع أبطأ حتی أقصی المقدمة )

فی الحکایات القدیمة والأساطیر کنا وهما لکنا فی هذا الزمان .. زمن الأساطیر بحق .. نحن الحقیقة کلها ...

وتنتهی الأغنیة بالسخریة من طلب العدل لأن مجتمعًا کهذا لا یعرف العدل .

سترون حکایة هذا الزمان فی حکایته

علیکم سیعرضها ویعرض مطلبه

 وإن وجد ردا علی مطلبه

فله الحق کله أن یرقب عودة المسیح المنتظر

ولینته عندها اله اللعبة الأخیرة ...

ولکنه لن یجد ردا ... لن یجد

لأنه ویا للعجب ..

یطلب للإنسان العدل . .. "ص21"

اللغة فی مسرحیة النار والزیتون خلیط بین السرد النثری والجملة الشعریة , والإسلوب التعبیری , فالمسرحیة تقطع حوار سلمی الفدائیة الفلسطینیة بأبیات من قصیدة لمحمود درویش " وقطع حکایة سلمى هنا بأشعار محمود درویش , من شأنه أن یکسر أی استغراق للمشاهدین , ویجعلهم فی یقظة تامة للتفکیر فیما یُطرح أمامهم[8]

سلمى : أنا العائدة الفلسطینیة سلمى . من معسکر عمر المختار ما بدیش أحدثکم عن حالی . بدی أحدثکم عن حالکم ....

المغنون : رأیتک فی جبال الشوک

راعیة بلا أغنام

مطاردة . وفی الأطلال

وکنت حدیقتی .. وأنا غریب الدار

أدق الباب یا قلبی

علی قلبی

علی قلبی

یقوم الباب والشباک

سلمی : فی صباح قالت الأمم المتحدة : " کل عربی یعود لأرضه " جمعنا أسمالنا واتلمینا بعزم راجعیین ..... " " ص 77 "

واستخدم رأفت الدویری الأغانی لتأکید جوه الطقوسی , فهی أغنیة تأمل فی ارتفاع منسوب الخیر علی البلاد , وتتوزع الأغنیة علی مدار العمل 

لعبت الغنائیة داخل العمل المسرحی دورًا مهما فی تثویر القضیة المطروحة , فالموسیقى والأغانی لها دور مؤثر فی نفسیة الإنسان وشحذ همته أقوی من مجرد سرد الحکایة .

  -    التنوع فی اللغة -

 والتنوع بین الفصحی والعامیة والانتقال بینهما لم یخلق طبقیة أو ازدواجیة فی اللغة وإنما الثنائیة " أدرکت الایقاع " المتوحد " فی هذه اللغة الدرامیة [9] , وهذه الثنائیة وهذا الإدراک للغة ساعد فی الوصول لعقلیة ومخاطبتة عن أمور بلاده فالحوار بلغته هو لا بلغة السادة حتی لغة السادة مفهومة بالنسبة له  .

المسرح السیاسی فی أغلبه مسرح قضیة , وبالتالی فاللغة فی المسرح السیاسی " لم تعد قضیة ( قوالب ) بقدر ما أصبحت قضیة تطور ومعاصرة ... إنها اللغة الخاصة للدراما " [10]

تدرجت اللغة عند یسری الجندی بین العامیة والفصحی حسب القضیة التی یعالجها ففی مسرحیتی " ما حدث للیهودی التائه " و " یاعنترة " یستخدم الفصحی , فالمسرحیة الأولى تناقش قضیة العدل من خلال التوازی بین تطور الوعی عند المواطن العادی الذی یمثله سرحان بشارة و تعقید القضیة الفلسطینیة وتطورها , ورغم أن اللغة فی المسرحیة هی الفصحی لکن المسرحیة ملیئة بعناصر درامیة تحول اللغة من لغة جامدة للغة متحرکة ومن هذه العناصر : استخدام الحلم , کثرة الجمل الإنشائیة القصیرة  .

سرحان : فلیستعمل کل عینیه ... أو فلیفقد بصره .

لنواجه هذا المعبود فی کل تحدیدات حضارة هذا العصر . کل أفانین زمانه .. فی کل جنوده ...

بقلاع مسیح العصر المنتشرة ..

بقلاع الکذب وتجار الکلمات ...

بقلاع العملاء المأجورین ...

بقلاع لصوص الإنسان ..

یا کل الناس ویا إسحق التاه

یا کل المخدوعین بإسرائیل...

فلیلحق کل منکم ببدایة تاریخ الانسان المقبل ..

فلینضم إلینا .. " ص221 " 

 والحوار وإن کان الجانب السردی فیه کثیر بکثرة المنولوجات الداخلیة الا أن الجدلیة التی یطرحها الحوار حولت اللغة للغة خاصة مرنة لیست جامدة حتی فی أقوى المواجهات.

المسیح الأمریکی : ( کمحاولة أخیرة ) یا طفلی ...

یا طفلی البائس لیس خلاصک بالحمق ...

غیرک قد لبس رداء الطاعون ...

غیرک ممن یقف علی قدمیه ... لیس بجوف الحوت کمثلک

لیس کمثلک ملقی فی صحراء الإنکار

ماذا صنعوا ؟ لا شیء... سدی

فأنا السید فی هذا العالم

لن یصعد فی وجهی هذا الطاعون بأی مکان ." ص207 "

ومسرحیة یا "عنترة " رغم أنها تعالج قضیة الحریة بمعناها الواسع من خلال شخصیة تاریخیة فقط ولکنها شخصیة الشاعر الجاهلی عنترة .. یعنی هذا أن عنترة فی السیرة ذو لغة جذلة قویة جامدة . کیف عالجها یسری الجندی فی مسرحیته " یا عنترة " , " الهلالیة"  یقول یسری الجندی فی لقاء له " أظن أننی اجتهدت کثیرا فی تثویر التراث المسرحی ومفرداته , فمثلا الکورس فی مسرحیة عنترة قاموا بدور العبید الذین تنکر لهم عنترة , وفی مسرحیات أخری لعبوا دور المهرجین والفلاسفة والممثلین . إذن فقد تنوعت لغة الکورس بل وتعددت مستویات اللغة خاصة فی مسرحیة الهلالیة من عامیة دارجة إلی عامیة راقیة إلی فصحى ثم إلی شعریة خالصة [11] بدأت مسرحیة " یا عنترة " بمدخل یربط بین شخصیة علی الزیبق وعنترة وهذا التمهید باللغة العامیة ثم بدأت المسرحیة ببرلوج یقدم من خلاله کورس العبید شخصیة المسرحیة وموضوعها .

العبید أن یقتل عبد عبدًا ... لا شیء ...

أن نتجرع خمر الذل وننهش ما بقی من الأشلاء بنا .. لا شیء ...

لکن البطل المغوار العبد ... ینظر للأمر بشکل آخر .

تلک قضیة .. "ص25"

تتمیز اللغة عند محمد سلماوی بأنها لغة مجردة " تتخذ أشکالها تبعًا لمضامینها الزمنیة فی الحاضر فهی تتخذ من العامیة إیقاعًا واحدًا کما هو الحال فی ( فوت علینا بکرة ) و ( اللی بعده ) [12] , والحوار فی مسرحیات سلماوى مختلف فهو لیس بالشکل العبثی الغربی و لا هو جملة شعریة وإنما حواره واقعی " فهو یفسر حضور الحوار دون ما غموض , کما أن الکلمة تعنی فی تکرارها أو فی تفردها معنی واحدا  [13] .

عبد السلام أفندی : أیوه هی بنات الناس لعبة ولا إیه ؟

عبد العال (بک) : ( معلنًا ) التحقیق !

موظف 1 : أنت مین ؟

موظف 2 : اسمک إیه ؟

موظف 3 : مین اللی بعتک ؟

موظف4 : عایز إیه ؟ " ص39 "

مسرحیة فوت علینا بکرة واللی بعده تتخذ الکومیدیا ستارًا لها لتناقش الواقع وما به من تناقضات , فاللغة فی المسرحیات " تحمل لغة خاصة لقضایانا کما أنها , نابعة , أیضا, من طبیعة العلاقة بین الفرد والسلطة فی مجتمعنا [14]

حمدیة : والنبی ضحکوا علی یا بنی .

حمیدو : لیه دفعوا لک کام ؟

حمدیه : دفعوا ؟ دفعوا إیه یا حسرة ده أنا اللی دفعت .

حمیدو : دفعتی إیه ؟ فلوس ؟

حمدیة : أمال هو الخلو بیندفع إیه حمص ؟

حمیدو: دفعتی خلو رجل یعنی ؟

حمدیه : أیوه خلو رجل وهو حد بیسیب مکانه بالساهل ؟ کل واحد متحصل علی شبر أرض لابد فیه زی القرادة وعایز الشیء الفلانی علشان یسیبه , تجاره یعنی , کله بقی تجارة , أنا عارفة إیه الغلب ده ألا هم یا بنی یبیعوا إیه فی الطابور ده ؟" "ص59" 

انتقلت بنا اللغة من واقعیة محمد سلماوی متخذة الکومیدیا قناعاً لها للمفارقة اللغویة و اللغة الساخرة الناقدة للواقع فی مسرح نبیل بدران , فمسرحیة " البعض یأکلونها والعة " تتخذ  الکومیدیا وسیلة لها لمناقشة قضایا حیویة ضاعت وسط الظلم والقهر الذی یعانی منه المجتمع کالثقافة بأشکالها المتنوعة , والحریة والعدل وغیرها من القضایا , متخذة اللغة الساخرة وسیلة لها حیث تخلق المفارقة بین الشخصیة واللغة التی تتحدث بها , ومن هذه المفارقات حوار الکاتب حول القضیة الفلسطینیة .

الکاتب : القاهرة جمیلة جمیلة . أروع قصیدة .

الفتاة الأولی : بتبص لی کده لیه ؟

الکاتب : عینیکی .

الفتاة الأولی : مالها .

الکاتب : شایف فیها القضیة ... صدرک بیفکرنی بالرمان ... ببرتقال یافا .. شفایفک بتذکرنی بکرز لبنان ... جسمک بیفکرنی بحمامات طبریا وصابون نابلس وماء الفرات ... وبردی .. والخلیج ... والنیل ... نهدک بیذکرنی ببطیخ طولکرم .. ( ثم یحتضنها ) المجرمین ... اللصوص ... ما حدن یأخدک منی ." ص 173 , 174"

استخدام اللغة بهذا الشکل یعکس الحال المتردی الذی یصل بنا لمناقشة أن القضیة الفلسطینة لیست مهملة ومهمشة من الخارج فقط ولکنها مهمشة من أهلها أنفسهم , وکثیرة هی اللقطات التی توضح نقاط الضعف فی المجتمع , واللغة بما تخلقة من مفارقة تساعد علی هذا .

تستخدم مسرحیة " النار والزیتون " اللغة العامیة باللهجة الفلسطینیة وهذا ساعد المسرحیة من تحقیق فکرتها وهی أن القضیة هی البطل الحقیقی , إلی جانب المصداقیة التی تطرحها اللغة الفصحی المکتوب بها التقاریر , والثنائیة اللغویة هنا لیست تقسیمًا طبقیًا ولکنها ثنایة متطابقة مع فکرة المسرحیة .

استخدم السلامونی فی مسرحیته مآذن المحروسة اللغة العامیة أثناء حوار المحبظاتیة بعضهما البعض أو المحبظاتیة وغیرهم .

سعدون : ( مقبلا وبأعلی صوته ) سکات ... کله سکات یا غجر ... کله یستعد .. ( لأحدهم ) یا خویا بطل تزمیر الله لا یسیئک ... ( لاخر ) بطل أنت راخر الله یخرب بیتک .. ( لثالث ) أنت کمان أطرش ما بتسمعش .. لهی یا شیخ یاخدنی ویریحنی من شغلتکوا دی اللی تحرق الدم .. علیه النعمة لو الواحد بیحارب فی الفرنسیس کان أهون .. " ص7"

تستخدم المسرحیة الکثیر من الفاظ البیئة الشعبیة " مجنون – فاضی للمسخرة – طلع علی شونة _ أهطل – مخلول ) حتی أسماء المحبظاتیة علی کاکا _ أبو عجور  , وقد نجحت اللغة بهذا الشکل فی الدخول بسلاسة لموضوع المسرحیة و هو الرغبة فی محاربة الفرنسیس الذین هم رمز القهر فی کل مکان ,,, فأبسط فئات المجتمع المصری وهم المحبظاتیة یکرهون الظلم والقهر واحتلال البلاد ویودون محاربة الفرنسیس , فما بال باقی أفراد الشعب ألا یستحقو أن یفهموا حتی یتخذوا موقفًا ما ضد هذا القهر والعدوان .

تستخدم المسرحیة لغة ممیزة عند حوار المثقفین مع بعضهم البعض کالشیخ أحمد والشیخ محمد خلیط بین الفصحی والعامیة لخلق جدلیة فی الحوار لغة یدخل فیها علامات الترقیم التی تعطیها القدرة علی الحرکة , لیست لغة راکدة .

محمد : احنا وسائلنا معروفة یا شیخ أحمد .. وعارف إن دورنا فی الأزهر مش... هنا ...

أحمد : بالعکس ... الثورة اللی حاتنطلق من الأزهر .. لازم نمهد لها فی کل مکان عن طریق الفن وتأثیره فی وجدان الناس ... وهو ده اللی بدأ ینتبه له ساری عسکر نابلیون .. کل اهتمامه دی الوقت ازای یوصل لمشاعر الناس وعواطفهم ... وأزای یکسب عامة الجماهیر وتأییدهم ... وعشان کده بدأ یلجأ لسیاسة الاحتفالات .. وکان ترکیزه واهتمامه علی مسألة فن الشعب ... لأنه عارف قد ایه الشعب المصری مغرم بالفنون الشعبیة والظواهر الاحتفالیة .... " ص27".

أما فی حالة التحدث عن قضایا تاریخیة یقومون بتشخیصها فیلجأ المؤلف للغة الفصحی و هی لغة خفیفة ومتحرکة .

وهناک أیضًا اللغة التی یستخدمها غیر الناطقین بها عندما یتکلمون العربیة بغیر إتقان لها علی لسان برتلمی.

بارتلمی : جناب ساری عسکر نابلیون بونابرته .. قائد جیوش فرنسیس .. ناوی یقیم احتفالات عظیمات ... بمناسبات وفاء نیل .. مولد نبوی .. عید جمهوریات فرنساویات . "ص96"

وهناک اللغة التی یستخدمها المحبظاتیة لتقدیم العروض التی یشخصونها , وهی لغة بسیطة تشعر وأنت تسمعها کأنها لغة متحرکة إلی جانب أنها تناسب الفئة البسیطة التی تخاطبها المسرحیة .

سعدون : طب أبدأ یا خویا وخلصنی ربنا یخلصنی منکوا علی خیر ...

( یتجه حسون إلی ما وراء خیال الظل ) اتفرج یا سلام ... البطل الهمام ... عنتر بن شداد ... بقرش تعریفة بس ... وتشوف فارس الفرسان راکب حصان بقرش تعریفة وتسمع أعظم الأشعار ... من البطل المغوار عنتر بن شداد ... ) "ص19 "

والتنوع ما بین اللغة العامیة والفصحى واللهجة الفلسطینة ولغة التقاریر , کل هذا لم یخلق طبقیة داخل العمل ولکنه خلق صراعًا خاصًا داخل العمل من خلال اللغة نفسها .

 -    التغریب من خلال اللغة –

" عرفت اللغة کإحدى وسائل التغریب التی یمکن باستخدام حیلها الإفادة مما یمکن أن تهبه من تناقض لوضع المتفرج فی حالة مخالفة لما یقال [15] , ویری نبیل بدران أن " الواقع نفسه الذی فاق تصورات کل المبدعین ... و أصبح أقوى من کل خیال .. وهذا ما یجعل المؤلف مطالبا بتغریب ذلک الواقع لکی یجعله أشد غرابة .. و أقوی مدلولا و تأثیرًا .. لأن ذلک التغریب المقصود یحول المواقف و الأحداث العادیة التی نراها کل یوم مألوفة و طبیعیة .. إلی مواقف و أحداثًا مدهشة .. غریبة .. باعثة علی التفکیر العمیق ! [16]. , وهذا ما حاوله محمد سلماوی فی مسرحیته " فوت علینا بکرة " من خلال رصد الظاهرة من الخارج حتی إنه حول ختم الدولة لنسر کاسر یقتل البشر من خلال استخدم کلمة اختم اختم , وفی مسرحیته " اللی بعده " عندما حول الوطن کله لمجرد طابور کبیر لا یستفید منه سوى الانتهازیین وأصحاب الکراسی فقط , وحاول یسری الجندی من خلال تغریبه لواقع السیرة وشخصیاتها , وفی مسرحیته " الیهودی التائه " یتضح جلیًا التأثیر البریختی فی التغریب من خلال تکنیک المسرحیة ولغتها , فقد استخدم اقنعة المجانین والمهرجین لقلب الحقائق من خلال لغة هؤلاء .

آخر : ( یلتقط قناع مهرج آخر ... یقفز إلی المقدمة ... یبدأ فی التحرک بوقار ) فلیعرف کل موضع قدمه ... بدل الفوضی یا حضرات..

اسکت .. هس 

( ثم بصوت قوی جلیل ... ولکن مع التعبیر بالحرکة الهستیریة )

هذی المحکمة المحترمة ...

ککل المحاکم المحترمة تنظر فی شأن العدل وهؤلاء الناس المحترمون فی هذا المسرح المحترم ...

والذین یجلسون علی کراسی محترمة ...

ویحملون فی رؤوسهم عقولا محترمة ..

قد جاءوا یشاهدون هنا ونحن نقیم محاکمة هائلة ... غیر معروفة .. من أجل العدل .

بأن نکشف الشر .. نعریه ... نتفرس فیه بعقولنا المحترمة ... ونمیزه بدهشة وبیقظة ...

بعدها ... وفی حالة من الغضب المتفق علیه بیننا وبین الناس المحترمین فی هذا المسرح المحترم ...

نبدأ بجدع أنفه ... ثم ندفع به إلی الرکن الضیق ... ثم لکمة سریعة بالیسار وأخرى تحت القفص ... ثم خاطفة وعنیفة خلف الأذن ... وتکون القاضیة .. ویخر الشر صریعا مدحورا ... ( صمت قصیر .. یجفف عرقه ویتابع بنبرة عالیة )

وفی نهایة حوار المهرج یندمج الجمیع معه ویبدأ الهتاف الذی یؤکد أیضاً التغریب من خلال اللغة بخلط المفاهیم والألفاظ .

هتاف : یحیا العدل ... وخشبة المسرح ..

نحیا الکراسی المحترمة ... " ص37"

ومحمد سلماوی من خلال تغریبه للواقع المعاش بواسطة حکایات التاریخ التی یستعین بها فی مسرحه , ورأفت الدویری من خلال استخدامه للغة الطقوسیة .

- اللغة الرمزیة -

المسرح السیاسی یحتاج لیصل إلی فکرته إلی  الرمز حیث إن الرمز فی أبسط صوره هو " علامة أو إشارة – قد تکون – صورة أو کلمة أو نغمة – لها دلالة أو معنى معین فی مجال التجربة الإنسانیة المحسوسة والمتوارثة " [17]  فالمسرح المصری  غالبًا ما یلجأ للتراث والتاریخ للتعبیر عما یرید أن یقوله ولا یستطیع  , وبما إن من تقنیات المسرح السیاسی  التغریب لإیقاظ جمهورهم وحثهم علی الثورة علی الأوضاع الفاسدة فی الواقع المعیش , فهو بذلک کثیرا ما یلجأ للرمز فیتطور استخدام اللغة حتی اختلط الشکل الکلاسیکی بالجو الطقوسی ووصول الرمز لدرجة غامضة کما هو الحال فی مسرحیة " قطة بسبع تراوح " التی تحولت فیها اللغة لرموز طقسیة , وتختلط هنا اللغة التراثیة باللغة الشاعریة بالرمز حتی تصل اللغة لدرجة الغموض فی العدید من اللوحات .

خضرة : والمدنة عالیة .. عالیة

متقال : عالیة تقطع النفس .. من بلد لبلد . من کفر لکفر .. من فرح لفرح وربابتی خضرة علی قلبی وأفضل أغنی - أغنی - أغنی

خضرة : والمدنة عالیة – عالیة – عالیة ." " ص60 "

والمدنة هنا ترمز للنقود , للعملة الورقیة التی لم یستطیعا الوصول إلیها لیتمکنا من الزواج ,  وکثیرة هی الصور الرمزیة بمسرحیة قطة بسبع ترواح ومن هذه الصور الرمزیة الصورة التی تشبه فیها خضرة إیزیس وهی تبحث عن أشلاء جسد زوجها اوزوریس , فالرمز کما عرفه کاسیرر هو " وسیلة لتخزین وحفظ التجارب الحسیة البسیطة العابرة بحیث تکتسب صفة الدوام التی لا یمکن للخبرة الإنسانیة أن تنمو بدونها " [18]

خضرة : شاطر .. خد .. استنی أما أقولک .. قولی یا نضری و أنت بتستحمی فی النیل ما نضرتش صندوق کده و لا کده ؟ ایوه صندوق کبیر قوی .. قامة رجل ! ایه نضرته فین یا نضری ؟ هناک .. عند الموردة البحریة ... طیب کتر خیرک یا ضنایا .. ( ثم ترجع إلی الصبی الوهمی ) خد یا کبدی خد حلی خشمک ( ثم تواصل صعودها لأعلی وسط المسرح وتبحث حولها فی الفراغ ... ثم تغمغم بخیبة أمل ) الموج یا ینه شاله وسافر .. سافر لبعید لبعید ... بعید بعد عین الشمس وأکثر عن ( تنهار علی الأرض ) . " ص80 "

ومن الحیل الرمزیة التی تناولها المسرح السیاسی " الحلم " ففی مسرحیة " الیهودی التائه " یلعب الحلم دورًا مهمًا لیکتشف سرحان أنه لابد من فعل شیء ولا ینتظر من مسیحه فعل أی شئ .

سرحان : وعندها ظهر المسیح عند البوابة . وأقبل نحوی

( صمت الخلفیة تضئ ثانیة . بضوء خافت . ظلال تمثل الرؤیا )

کأن رأسه یعوه غار الشوک وکانت جراحه علی الصلیب ما تزال تنزف ومن خلال إجهاده الشدید کان یبتسم لی ... کنت ما أزال مفزوعا أرتعد . ورائحة الدم تزکم أنفی مد لی یده برفق مهدئا فتشبثت به وصحت :

أنت یا سیدی ... أنت أیها السید لماذا ترکتهم یفعلون ذلک ... لماذا ..؟

لکنه لم یجب ... وضع یده الأخری علی رأسی ... فنظرت فی عینیه ... وعندما أدرکت کم هو محزون متعب وأحسست فجأة بحرقة جراحه فی جسدی فهمست مرتعبًا :

أنت أیضا حزین یا أبی مجروح لماذا ینالک هذا الأذی وینالنا ... کررتها فبکی السید "ص17".....  إلی آخر الحلم حتی یسلمه الأب لسیفه الخشبى , ولکن مع تقدم الأحداث والمواجه بین سرحان وإسحاق القدیم والجدید والخط المتوازی بین ذات الرداء والمسیح الأمریکی یکتشف سرحان أن الانتظار واستخدام الاتکأ علی الصلیب أمور لا تفید قضیته فی شیئ فالحل الحقیقی هو ما أوصلته له ذات الرداء هو الثورة علی هذا الزیف حتی فکرة انتظار المسیح الذی لن یأتی زیف , بینما عکست

و ذات الرداء نفسها هی عبارة عن رمز کبیر یرمز إلی الثورة , الثورة التی بدأت صغیرة مع میلاد فکرة الصهوینیة , وکبرت کلما کان الخطر یکبر , وأخذت علی عاتقها یقظة الفقراء المغیبین الذین سُرق منهم کل شیئ حتی فکرة أن یکون لهم وطن .... سُرق منهم حتی مجرد الحلم .

ذات الرداء : وکما کان ندائی وسط الفقراء المنهوبین . سببا فی إسراع الکهنة نحو السید إسحاق الثانی ...

کان ندائی سببا فی إسراع السید إسحاق نحو الکهنة مع صوتی الصارخ فی البریة

بدأت جماهیر الیهود الکادحة تطمح فی الإفلات من الحلقة ... "ص167 "

تناولت مسرحیة " النار والزیتون "  العلاقة بین العرب والیهود من خلال رمزیة الحلم الذی یدور فیه الحوار بین شریف المناضل الفلسطینی , وناتالیا الیهودیة الدیانة , عربیة الجنسیة التی غیرها لبس الکاکی فنسیت أنها ولدت وتربت فی فلسطین , لکن کل ما تذکرته هو کونها إسرائیلیة والعرب هم أعدااؤها , ورسمت المسرحیة ذلک من خلال الربط بین لبس الکاکی وغیاب الماضی وإحلال الحاضر شیئا فشیئًا , وفی مسرحیة " یا عنترة "تؤکد إحساسه بالقهر من خلال المکاشفة مع واقعه فهو مجرد عبد مهما حاول .إلی جانب أن هذا أیضا یؤکد خطأ عنترة حیث اختار التسید علی الأسیاد ولم یختر التسید مع طبقته علی قوانین العبودیة بأشکالها المختلفة وحلم عنترة کان یرمز للنهایة .... الموت ....

( اظلام یتردد معه صدی النداء ... فی الوقت الذی یظهر البدر فی العمق مکتملا .. یسقط ضوء حول عنترة بالمستوى الأسفل نائما مستندا برأسه إلی حجر وسیفه بجانبه ... لحن یمهد لجو الحلم تظهر عبلة بأعلی فی ثوب ابیض وکأنها تقف علی سطح القمر )

عبلة : ( فی صوت ذی أصداء ) مولای .

ص عنترة : ( هو فی نومته لا یتحرک ) مولاک ! هل أنت تدعونی أنا !؟

عبلة : مولای أنت وسیدی ..

ص عنترک : أنا عبدک المقهور .... الخ الحلم . " ص27 "

وعکس محمد سلماوی فی مسرحیته " فوت علینا بکرة " و" اللی بعده " من خلال لغته التجریدة الرمزیة واقعه المعاش الذی أصبح عبارة عن کومة من الورق والأختام حتی تحول الختم من ختم للورق لألة اغتصاب للإنسانیة کلها .

عبد العال بک : احنا الماضی صحیح وعلشان کده احنا کمان الحاضر و حانکون المستقبل کمان , بتزاحمونا لیه ؟ اختم یا عبد السلام أفندی اختم .

عبد السلام أفندی : سبعة

أحمد : آه !

عبد العال یک : اختم کمان . من النهاردة مش حانخلی ولا ورقة لأی حد منکم . کله حایتختم . اختم یا عبد السلام أفندی .

نبیله : أنت شیاطین , شیاطین !

عبد السلام أفندی : ثمانیة

أحمد : ...

عبد العال بک : اختم

عبد السلام أفندی : تسعة

أحمد : ... "" ص45" .

الخ المشهد الذی حول أحمد من إنسان لمجرد ورق تختم , والموقف کله یرمز للواقع الورقی الذی یتسبب فی ضیاع الشباب , وحولهم لمجرد أوراق تختم .

والطابور فی مسرحیة " اللی بعده " لیس طابورا عادیا" بل طابور رمزی ینجح المؤلف فی الارتقاء به من دائرة الخاص إلی العام , ومن حدود المکان الضیق إلی رحابة اللامکان واللازمان فی نفس الوقت " [19]

محمود : الأسماء هنل موش مهمة .. الألوان هنا موش مهمة هنا فیه نظام , فیه عدالة . کل الأسماء سواء , کل الألوان سواء , کمان کل الأجناس سواء . راجل , ست , دررزی , هندی , کله زی بعضه المهم النمرة , اللی بیفرق واحد عن واحد فی الطابور موش اسمه ولا شکله لکن نمرته . طبعا اللی قدام أهم من اللی ورا.

محمود ( لحمیدة ) : انت نمرتک کام ست أنت ؟

حمیدة . أنا ما لیش نمرة یا أخویا , أنا موش فی الطابور .

حمیدو ( یهرع إلی الدکتور حامد ) : سعادة البیه الست دی موش معانا فی الطابور.

محمود : أیوه یا فندم واعترفت بکده لوحدها من غیر لا تعذیب ولا حاجة .

الدکتور حامد : موش معانا إزای ؟ أمال بتعمل إیه هنا ؟ أطردوها بره فورًا , لازم یکون فیه نظام , ألا والله أسیبکم وأمشی , أنا قاعد فی الکرسی ده غصب عنی . "ص42" , ومن التیمات الرمزیة التی یلجأ لها المسرح السیاسی " المحاکمة" وفکرة المحاکمة هذه تحمل ما تحمل من رموز , فمسرحیة " مآذن المحروسة " حاکمت التاریخ کله من خلال سرد حکایات الحکام وکیفیة حکمهم , وإلی أی مدی کانوا ظالمین ومستغلین لکل ما یستطیعوا لیصلوا إلی کرسی الحکم , وأدانت أیضا الشعب بشکل غیر مباشر لأن بطولاته دائما فردیة , وعلاقاتهم ببطلهم علی مر التاریخ عبارة عن تعاطف وحب بل یصل الأمر للتقدیس , کموقف الشیخ الشرقاوی وغیره علی مر التاریخ .. کلها محاولات فردیة , وهذا ما جعل نابلیون یقلل من رفض المصریین لرغباته .

نابلیون : حسنا یا علما الأزهر ... سنرى إن کان لرفضکم معنی أم محض هراء .. ( ینادی ) جنرال دیبوی "ص96 "

المسرحیة فی کل أحداثها وإختیاراتها الدقیقیة من مقتطفات مصر التاریخیة أنما ترمز للمصریین فی کل زمان , لأن المصرین لم یتغیروا بعد فالأمر یحتاج لثورة یشترک فیها الشعب بکل طوائفه , ولیس فقط الثورة ولکن الحفاظ علیها ومکتسباتها إلی جانب الإشارة المهمة التی تریدها المسرحیة هو تحدید الهدف من الثورة , ولم تحدد المسرحیة هدف الشعب من ثورته لأنه مازال شعبا جاهلا یتحرک حسب عواطفه من خلال الفن تارة , ومن خلال تذکیره بتاریخه تارة أخری , لکن لن تجد الثورة هدفها لأن المثقفین قلة , ویترکون الشعب بعدما یصلوا لما یریدون مما أدی بالمسرحیة لتناول فئة الأزهرین لیکونوا مدخلا للمسرحیة لأن تُرجع الأمر لله .

محمد : الله الباعث للثورة ضد الظلم و الشر ... ضد الأوثان الشریرة فی زمن القهر ....

أحمد : أیضا نأتی بالقهوة نخرجها من أعماق الضعف ... نأتی بالعظمة من بین البسطاء ...

هذا هو یا سادة ...

ما نعهده دوما فی مصر المحروسة ...

مصر البسطاء ... " ص102 "

بینما استخدمت مسرحیة " الیهودی التائه " المحاکمة لتدین من خلالها العصر الحدیث بثقافاته المزیفة , مما أدی بالمحاکمة أن تکون بلا قاضی وبلا متهمین , لأن الکل فی نظر المسرحیة مدان , والکل قاض , فإذا کانت التیمة التی تتحرک حولها المسرحیة هی فکرة ضیاع الوطن , فإن الوطن لن یعود بالانتظار ولکن یعود بالثورة الحقیقیة علی سلبیاتنا ثم المعرفة الجیدة للعدو حتی نتمکن من التخلص من سطوته علینا وتدخله فی سیاستنا الداخلیة .

الجمیع : محکمة بلا قاض ..

بلا قاض تبدأ ... بلا قاض تنتهی ... " " ص44 "

ومن هنا تحاول المسرحیة - من خلال رمزها للظلم السائد – البحث عن بدایة , وبالتالی فهی تدین کل التاریخ منذ آدم حتی الأن فالتاریخ کله دموی .

آخر : بل فی البدء کان الدم یا أفاضل ... ومن هنا نبدأ...

آخر : نعم ... اللون الأحمر الدافئ جد الخلیفة ... علینا بقصته

آخر : هو ذاک لنبدأ من قصته .. حیث شربت الأرض منه وثملت ..

آخر : قابیل وأوزوریس .. المسیح والحسین بن علی .. جیفارا ومارتن لوثر کینج . " ص46 ", أدانت المسرحیة من خلال رمزیتها باستخدام هذه الأسماء إلی النهایة الطبیعیة للمحاولات الفردیة وهی النهایة الدمویة , وأشارت المسرحیة لأن هناک بدایة تستحق أن نبدأ بها وهی السبیل الحقیقی لأی مغتصب , وهی تجویع الشعب وتهمیشه حتی یستطیع السیطرة علیه من خلال بثه للثقافة التی یرید نشرها حتی وإن کانت مزیفة .

آخر : أنا من یأتیکم بالحل ..

مجموعة : ( فی قوة ودفعة واحدة ) بل ابدأوا من الجوع فی بطوننا ..

مجموعة 2 : القید فی أعناقنا

مجموعة 1 : دمنا المراق صباح مساء

مجموعة 2 : الشقاء الأبکم زاحفا فی کل اتجاه

مجموعة 1 : الحمق والمهانة وسوء النیة حولنا

مجموعة 2 : التواطؤ والجنون ضدنا ... " ص46,47"

ومسرحیة "  النار والزیتون " , ومسرحیة " فوت علینا بکرة " المحاکمة من خلال تلفیق التهم , والمحاکمات التی أشارت لها المسرحیات ترمز للظلم الناتج عن الفساد وتسقط هذه المسرحیات من خلال هذه المحاکمات علی واقعها الرأسمالی .

تنوعت اللغة داخل المسرحیات ما بین فصحی وعامیة , ولغة شعریة وأخری رمزیة , و أحیانا لغة ساخرة , وهذا التنوع فی اللغة یساعد المسرحیة من الوصول لهدفها .



[2] مصطفی عبد الغنی – مرجع سابق ص266 .

[3] المرجع نفسه ص267 .

[4] رأفت الدویری – قطة بسبع ترواح – مجلة المسرح – عدد دیسمبر 1980 – ص60 .

[5] المعجم الوسیط – ویکیدیا الموسوعة الحرة – شبکة الإنترنت .

[6] -  رأنیا فتح الله – مرجع سابق – ص 21 .

[7] یسری الجندی – مسرحیة ما حدث للیهودی التائه – القاهرة -  الهیئة المسریة العامة للکتاب 1987 ص13.

 

[8] الفرید فرج – مسرحیة النار والزیتون – مجلة المسرح عدد ینایر 1970 ص79.

[9] -   توفیق موسی اللوح – مرجع سابق  ص147 .

[10] مصطفی عمر – مرجع سابق ص 267.

[11] المرجع نفسه ص270 .

[12] أحمد عبد العظیم - حوار علی صحیفة الأهرام بتاریخ 18 / 4/ 2011 ..

[13] مصطفی عبد الغنی - مرجع سابق ص271

[14] - مصطفی عبد الغنی – مرجع سابق ص272 .

[15] مصطفی عبد الغنی  ص 272.

[16] نبیل بدران – مقال بعنوان " الجمهور ومسرح الدولة " - مجلة آخر ساعة – 7 مارس 1984.

[17] نهاد صلیحة – المدارس المسرحیة – القاهرة - الهیئة المصریة العامة للکتاب 1994 ص 19.

[18] المرجع نفسه – ص 9 .

[19] مسرح محمد سلماوی –م2 – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 2015  مقالة بعنوان " المعادلة الصعبة " عبد العزیز حمودة ص104.

اولاً المصادر :
1-   – أبو العلا السلامونی – مسرحیة مآذن المحروسة - مؤلفات أبو العلا السلامونی – م2 القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 1995 .
2-  الفرید فرج – مسرحیة النار والزیتون – القاهرة – مجلة المسرح عدد ینایر 1970 .
3-   رأفت الدویری – مسرحیة قطة بسبع ترواح – مجلة المسرح – عدد دیسمبر 1980
4-  محمد سلماوی – مسرحیة "فوت علینا بکرة " – مسرح محمد سلماوی – م1 – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 2015 .
-       " اللی بعده "
5-  نبیل بدران – مسرحیة البعض یأکلونها والعة – أعمال نبیل بدران م1 – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 2005 .
6- یسری الجندی – مسرحیة الهلالیة – مختارات من مؤلفات یسری الجندی – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 2010 .
-       مسرحیة یا عنترة – مؤلفات یسری الجندی ج2 – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 1995 .
-       مسرحیة الیهودی التائه - القاهرة -  الهیئة المصریة العامة للکتاب 1987 .
 
-      ثانیاً المراجع :
2-  سعد أردش - المخرج فی المسرح المعاصر – الکویت – سلسلة عالم المعرفة  1979 .
3-  رانیا فتح الله – الاتجاه الملحمی فی مسرح الفرید فرج – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 1998.
4-  مصطفی عبد الغنی - المسرح المصری فی الثمانینیات – القاهرة - الهیة المصریة العامة 1995 .
5-  -   نبیل بدران – مقال بعنوان " الجمهور ومسرح الدولة " - مجلة آخر ساعة – 7 مارس 1984
6-  نهاد صلیحة – المدارس المسرحیة – القاهرة - الهیئة المصریة العامة للکتاب 1994.
7-  مسرح محمد سلماوی –م2 – القاهرة – الهیئة المصریة العامة للکتاب 2015  مقالة بعنوان " المعادلة الصعبة " عبد العزیز حمودة .