الحبک في شعر ابن مجبر الأندلسي

المؤلف

باحث دکتوراة

المستخلص

         تسعى هذه الدراسة إلى الکشف عن خصوصية ديوان ابن مجبر الأندلسي في ضوء المنهج النصي من خلال دراسة الحبکة النصية، وذلک انطلاقًا من الأهمية التي يتميز بها هذا الديوان حيث يتمتع بخصوصية شديدة لسببين، السبب الأول أن يحيى بن مجبر البلنسي الإشبيلي(535 – 588هـ) يعد واحدًا من أعظم الشعراء في عصره، حيث اتصل بخلفاء الدولة الموحدية -خاصة الخليفة المنصور- وأمرائها وقادتها، واعتبر شاعر القصر الأول نظرًا لموهبته الفذة وتمکنه من أدواته الفنية وثقافته الواسعة، ومما يشي ببراعة شاعرنا أيضًا أنه لُقب ببحتري الأندلس، ومن الجدير بالذکر أن معظم شعر ابن مجبر مفقود ولم يصلنا منه إلا بعض أشعاره المتناثرة في ثنايا الکتب، والتي قام بجمعها وتحقيقها الأستاذ الدکتور محمد زکريا عناني، أما السبب الثاني لتميز هذا الديوان فيعود إلى خصوصية العصر نفسه حيث يکشف عن مدى النضج الفني الذي بلغته الأندلس في القرن السادس، والذي يعتبر في رأي کثير من الدارسين أزهى فترات النضج الفني في الأندلس، لذلک يعد ديوان ابن مجبر الأندلسي من أهم الدواوين الشعرية الباقية من هذا العصر.
        وارتأت الدراسة أن تقوم بدراسة الحبکة النصية في هذا الديوان، والحبکة النصية منهج نقدي حديث يتکئ على علم النص وإجراءاته، هذا العلم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم اللغة إلا أنه لا يتوقف عنده بل يجعله نقطة البداية للولوج إلى داخل النص الأدبي وتحديد مکوناته، کما يمهد السبيل إلى فک شفرات النص المتعددة والمتداخلة في آن، وذلک من خلال التوقف أمام النص باعتباره وحدة کبرى يندرج تحتها وحدات أصغر تُشکلها، ومن هنا کانت الحبکة النصية معيارًا من ضمن معايير علم النص يبحث في کيفية ترابط هذه الوحدات ووسائل تماسکها.

الكلمات الرئيسية


مقدمة

        ینطلق علم النص من النص ذاته، ویُنظر إلیه باعتباره وحدة کبرى یندرج تحتها وحدات أصغر تُشکلها، ومن هنا کان من ضمن معاییر علم النص معیار یبحث فی کیفیة ترابط هذه الوحدات ووسائل تماسکها، وهو ما أطلق علیه دی بو جراند معیار الحبک(Coherence) ، والحَبکَ فی اللغة هو " الشدّ....والحَبْکَة: الحَبْلُ یُشَدُّ بِه على الوسط. والتحْبِیک التوثیق وقد حَبَّکْتُ العقدة أَی وثقتها..... والمَحْبُوک ما أُجید عمله والمَحْبُوک المُحْکَمُ الخلق من حَبَکْتُ الثوب إِذا أَحْکَمْت نَسْجه المَحْبُوک: ما أجید عمله.... وحبک الثوب یَحْبِکه ویَحْبُکه حبکًا: أجاد نسجه وحسَّن أثر الصنعة فیه"([i])، وفی المعجم الوسیط معنى " حَبَکَ الشیءَ ـحَبْکاً: أحکَمَه. یقال: حبَک الثَّوب: أجاد نَسْجه. وحَبَک الحبْل: شدَّ فَتْلَه. وحبک العُقْدَة: قوَّى عقْدها ووثَّقها. وحبک الأمرَ: أحسن تدبیره. وـ الثَّوبَ: ثَنَى طَرَفَه وخاطَه.( حَبَّک)الشیءَ: حَبَکَ و- الشَّعْر: جَعَّدَه، و- الثَّوبَ: نَسَجه مُخَطَّطاً، و- الریحُ الرمْلَ والماءَ الساکِنَ: جعلت فیه طرائق.( احْتَبَکَ ) الشیءَحَبَکَه، (تَحَبَّکَ ): شدَّ الحُبْکة. (الحِبَاک): الطریقة تُحْدثها الرِّیحُ فی الرملِ والماءِ الساکن. - حظیرة من قَصَب مشْدود بعضه إلى بعْض.وحِبَاکُ الثَّوْب: ما ثُنِیَ وخیط من أطرافه"([ii]) والحبک بهذا المعنى یدل على الترابط والتماسک الموجود داخل النسیج ویشی ببراعة النسَّاج وشدة نظامه.

        ولم یبتعد المفهوم الاصطلاحی کثیرًا عن التعریف اللغوی، حیث أدرک القدماء ضرورة أن یکون النص محبوکًا أی متماسک الأجزاء، فلا یمکن حذف أی جزء من النص وإلا اختل بأکمله، ویبدو من المفید التوقف أمام وجهة نظر بعض النقاد المعاصرین الذین اعتبروا أن الناقد القدیم لم یمتلک النظرة الشمولیة للقصیدة واتهموا معه الشعر العربی بالتفکک وعدم وجود رابط حقیقی بین الأبیات فی القصیدة الواحدة نظرًا لتعدد أغراضها، فیقول الدکتور محمد غنیمی هلال "فلیست للقصیدة الجاهلیة وحدة عضویة فی شکل ما من الأشکال، لأنه لا صلة فکریة بین أجزائها، فالوحدة فیها خارجیة لا رابط فیها من ناحیة خیال الجاهلی وحالته النفسیة فی وصفه الرحلة لمدح الممدوح. وکان لهذا الرابط الواهی مبرر من المبررات فی العصر الجاهلی، ثم صار تقلیدها على مر العصور... وبَینَّا خطأ القدامى - من نقاد العرب – فی تردیدهم لکلمة الوحدة العضویة دون أن یفهموها. ولهذا لم تترک أثرًا ما فی النتاج الأدبی".([iii])   

الحبک فی الدراسات النصیة

        یعد الحبک عنصرًا من عناصر النظریة النصیة وتنحصر مهمته فی تحدید العلاقات الدلالیة التی تربط بین وحدات النص الجزئیة لتشکیل الوحدة النصیة الکلیة لنص ما، فالنص هو وحدة کبرى یتشکل من أجزاء مختلفة، تقع من الناحیة اللغویة والترکیبیة على مستوى أفقی ومن الناحیة الدلالیة على مستوى رأسی فـ " عناصر السبک تمثل البنیة السطحیة القائمة على بنیة تحتیة تعمل أساسًا لها، وهی الحبک" ([iv])، والنص االذی یفتقد الحبک بین وحداته یفقد حقیقة کونه نصًا بالأساس، لأن أی نص هو رسالة إلى المتلقی، والحبک هو الکیفیة التی یستطیع المتلقی من خلالها فهم المعنى المراد توصیله.

        فالمتلقی یتفاعل مع المعلومات التی یعرضها النص وفی ذهنه تصوراته السابقة عن العالم وتجربته الذاتیة، وبالتالی یکون المتلقی – فی جانب من الجوانب – صانع الحبک للنص،  وفی بعض الأحیان یکون المتلقی هو المسئول عن فقده للتماسک داخل النص إذا فشل فی سد الفجوات بین الأفکار التی یطرحها المبدع ([v]) بسبب عدم انتباه للروابط الدلالیة الصریحة أو الضمنیة داخل النص أو لإغفاله الربط بین النص وبین السیاق الخارجی الذی أُنتج فیه.

الحبک عند فان دایک

        یتبدى الحبک عند فان دایک فی عدة مظاهر لابد أن تتوافر فی النص لکی یکون منسجمًا، هذه المظاهر هی الترابط بین القضایا، وترتیب الخطاب، الخطاب الناقص والخطاب التام، والبنیة الکبرى.

أولاً: الترابط بین القضایا

        تعد قضیة الترابط بین القضایا داخل النص من الأسس الواجب توافرها لتحقیق انسجام النص، ولکی یتم الترابط الدلالی بین الجمل لابد من استیعاب طبیعة العلاقة بین معانی الکلمات الواردة فی الجمل،  فهناک " سلسلة من القضایا یتم التعبیر عنها من خلال جملة أو من خلال عدد من الجمل، ویمکننا أن نقول عن القضیة إنها صحیحة أو خطأ. وبقول آخر فإن القضیة تحیل أو لا تحیل إلى حدث. وإن الواقع التاریخی الذی نعیش فیه إنما هو مجموعة من الحوادث تسمى أیضًا العالم الممکن.. وإن الوقائع التی تحیل إلیها الجمل المتعاقبة فی التتابع تنتمی غالبًا إلى عالم واحد هو العالم الممکن نفسه( العالم الواقعی أو العالم المتخیل)"([vi])، فالنص یتشکل من مجموعة منتظمة من القضایا أو المرکبات القضویة، تترابط مع بعضها البعض على أساس محوری– موضوعی أو جملة أساس، من خلال علاقات منطقیة دلالیة ([vii]) مثل السبب والنتیجة والسؤال والجواب.

        ولکن لا یحتاج الترابط – من وجهة نظر فان دایک – أن یکون تصوریا فقط بل یجب أن یکون متحققا فی الواقع على معنى أن أحوال المقام ( کوحدات الزمان والمکان فی العالم) تتخصص بحیث یصیر الأفراد والخواص والأحداث مترابطة ( على صفة من الهویة، ومبدأ السبق، واللحوق، والتعاقب )([viii])، فالربط بین القضایا یضم بین طیاته العلاقات الدلالیة والإحالیة فی آن، حیث یُفترض وجود علاقات إحالیة بین منطوقات اللغة والوحدات فی الواقع الخارجی، ومن ثم یفترض أن القضایا ترتبط بوقائع فی العالم الخارجی، أو أن القضیة ما هی إلا تصور محدد لواقعة ممکنة فی جملة ما یُعبر عنها فی سیاق معین. ([ix])   

ثانیًا: الأطُر

        هی معطیات ثابتة تتناسب مع الذوات المصاحبة والسیاق المحیط بها، یستدعیها المتلقی من ذاکرته من خلال معرفته بالعالم، فعلى سبیل المثال عندما تُذکر کلمة ( حرب) یتداعى إلى ذهننا مباشرة الأسلحة والدماء والمصابین والصرعى و....إلخ، فهذا ما یسمى بنیة الإطار. ([x])

ثالثًا: ترتیب الخطاب

        یعتقد فان دایک أن المبدع علیه أن یتبع ترتیبًا معینًا عندما یقدم معلوماته داخل النص، ویکون هذا الترتیب خاضعًا لمبادىء مختلفة ومن أهمها معرفتنا بالعالم، لأن هذه المعرفة تمکننا من التفرقة بین الترتیب العادی وغیر العادی للنص، فأحیانًا یلجأ المبدع إلى تغییر الترتیب لإحداث " تداولیة ملائمة لمهمة التواصل وغرضه لبعض القضایا، وقد تکون أنماط أخرى من التحول راجعة إلى تغییر الإدراک الحسی والمعرفی وتحوله على نحو أکثر عمومیة، وهو تغیر لا یمس ترکیب الأحداث نفسها، وإنما ترتیب الادرکات الحسیة والمعرفیة لهذه الأحداث هو الذی یحدد بنیة الخطاب" ([xi])، والمبدع إذا أراد أن یغیر البنیة السیمانطیقیة للخطاب فعلیه أن یترک إشارات واضحة وأمارات مخصوصة للمتلقی حتى یصل إلى التأویل الأکثر ملائمة للنص، ومن هذه الأمارات حرف الاستدراک ( لکن) ([xii])، ویعد مفهوم الترتیب المعتاد للنص مفهومًا نظریًا، إذ إنه لیس صارما إلى درجة استحالة تغییر الترتیب فی متتالیة ما، لأنه لیس قانونًا یجب على الجمیع الالتزام به، فاحتمالیة التغییر تکون مصحوبة بنتائج تجعل التأویل مختلفًا من زاویة تداولیة. ([xiii])

ولقد حدد فان دایک العلاقات الضابطة التی تحدد الترتیب الطبیعی للوقائع المتتالیة، وهی:

أ . عام - خاص

ب. کل – جزء / مرکب

ج. مجموعة – فئة – عنصر

د. المتضمّن – المتضمَّن

هـ. کبیر – صغیر

و. خارج – داخل

ز. المالک – المملوک

فهذا الترتیب یقوم بدور أساسی وواضح فی انسجام النص، وإذا حدثت مخالفة لهذا الترتیب دون أن یکون محققًا لأغراض وأهداف محددة سلفا من قِبل المبدع کان الخطاب غیر منسجم.([xiv])

رابعًا: البنیة الکبرى

        وجاء تطویر فان دایک لمصطلح البنیة العمیقة لتشومسکی لیحوله لمصطلـــــــــح البنیة الکبـــــــــــری (Macrostructure) فی علم النص، فهو یُعنى بالفکرة الأساسیة للخطاب ککل ولیس التوقف أمام الجملة فقط کما فعل تشومسکی، ولکن لا ینبغی أن یُفهم أن الخطاب هنا یقابل الجملة ولکنها تکونه، ولا شک أن تجاوز حدود "الجملة فی التحلیل یسمح بطرح إمکانات متعددة للفهم وفضاءات أرحب فی التفسیر.([xv])

            وتتکون البنیة الکبرى من مجموع الأبنیة الصغرى (Microstructure) ([xvi])، هذه الأبنیة الصغرى تنتظم بواسطة أنواع من العلاقات الدلالیة داخل النص، فالقضایا تنتظم داخل النص على شکل بناء هرمی، قمته البنیة الکبرى وقاعدته القضایا المفردة المترابطة، لذا یکون مستوى تذکر الأبنیة الکبرى للنص أفضل کثیرًا من الأبنیة الصغرى.

        ویختلف تحدید البنیة الکبرى للنص من قارىء إلى آخر، وذلک لأن القراء " یختارون من النص عناصر مهمة تتباین باختلاف معارفهم واهتماماتهم أو آرائهم. وعلیه یمکن أن تتغیر البنیة الکبرى من شخص إلى آخر. لکن بالرغم من هذه الاختلافات یلاحظ على مستوى التفسیر الإجمالی لأحد النصوص وجود توافق کبیر بین مستعملی اللغة " ([xvii])، ولذلک حاول فان دایک ووالتر کینیتش ( Walter Kintsch ) وضع قواعد کبرى تساهم فی تحدید البنیة الکبرى للنص([xviii])، هذه القواعد هی:

1-قاعدة الحذف:  Deletion Rule                                                 

     تعنی أن کل معلومة غیر مهمة، ولیست جوهریة أو ثانویة یمکن أن تحذف، فعندما یکون

لدینا مجموعة من الأقوال یمکننا ببساطة أن نحذف منها ما لیست له وظیفة یقوم بها فی النص، ولیست شرطًا لتفسیر تتابع القضایا بصورة مباشرة أو غیر مباشرة. ([xix])

2- قاعدة الاختیار: Selection Rule

تتعلق هذه القاعدة بحذف کم محدد من المعلومات یمکن أن یعرفه القارىء بناء على معرفته بالعالم، فالاختیار قائم على معارف أکثر عمومیة عن المواقف أو الأحداث أو بناء على مسلمات دلالیة بالنسبة للتصورات. فعلى سبیل المثال:

 (أ) عاد محمد إلى سیارته.  ( ب) رکبها.      (ج) سافر إلى القاهرة.

فیمکن أن نحذف القضیتین (أ) و(ب) لأنها قیود أو أجزاء أو فرضیات مسبقة أو توابع لقضیة أخرى لا یمکن أن تحذف (ج) ([xx])

3-قاعدة التعمیم : Generalization Rule

تقوم هذه القاعدة بحذف معلومات أساسیة لتصور ما، وتحل من خلال ذلک قضیة جدیدة محل قضیة ( قدیمة)، فمثلًا:

(أ)على الأرض دمیة  ( ب) على الأرض قطار خشبی  (ج) على الأرض مکعبات

فیمکن حذف کل هذه القضایا لتحل قضیة أخرى هی: (د) على الأرض لعب. ([xxi])      

4- قاعدة الترکیب: Construction Rule

فی هذه القاعدة یمکن بناء قضیة کبرى من مجموعة من القضایا المفردة، فهی تعطی معلومة جدیدة دون حذف أو اختیار، مثل:

(أ) ذهبت إلى محطة القطار   (ب) اشتریت تذکرة   ( ج) اقتربت من الرصیف   (د) صعدت إلى القطار   (ه) تحرک القطار.

فتتحدد هذه السلسة فی قضیة کبرى هی : (و) رکبت القطار. ([xxii])

وتطبیق هذه القواعد نسبی بین مستخدمی اللغة وفقًا لعوامل کثیرة مثل الاهتمام والمعرفة والرغبات والأهداف، ومن المفید الإشارة إلى أن هناک وسائل أخرى تساعد على تحدید البنیة الکبرى من (عناوین – کلمات رئیسیة – خلاصات - ...)، فحاول فان دایک ووالتر کینیتش التوصل للبنیة الکبرى عن طریق وضع هذه القواعد إیمانا بأن البنیة الدلالیة العامة لنص ما تتمثل بصورة مجردة فی البنیة الکبرى. ([xxiii])

 

الحبک فی شعر ابن مُجبر:

        ستحاول الدراسة رصد الحبک فی شعر ابن مجبر من خلال نظریة فان دایک إلا إن هذا لا یمنع استفادة الدراسة من الدراسات النقدیة الحدیثة والقدیمة للوصول للحبکة المضمونیة فی بنیة ظاهر النص، وذلک من خلال عدة مظاهر، وهی: الترابط بین أجزاء القصائد، والعلاقات بین الجمل، والإطار، والتغریض، والبنیة الکبرى.

أ- الترابط بین أجزاء القصیدة

        یتمظهر الترابط بین أجزاء القصیدة فی ثلاثة مواضع، فی حسن الابتداء، وحسن التخلص، وحسن الانتهاء، ولقد أشار ابن رشیق إلى ذلک حین قال" قیل لبعض الحذاق بصناعة الشعر: لقد طار اسمک واشتهر، فقال: لأنی أقللت الحز، وطبقت المفصل، وأصبت مقاتل الکلام، وقرطست نکت الأغراض بحسن الفواتح والخواتم ولطف الخروج إلى المدح والهجاء، وقد صدق، لأن حسن الافتتاح داعیة الانشراح، ومطیة النجاح، ولطافة الخروج إلى المدیح، سبب ارتیاح الممدوح، وخاتمة الکلام أبقى فی السمع، وألصق بالنفس؛ لقرب العهد بها: فإن حسنت حسن، وإن قبحت قبح، والأعمال بخواتیمها، کما قال رسول الله صلى الله علیه وسلم"([xxiv])، فهذه المواضع الثلاثة تمثل مفاصل القصیدة.

1- حسن الابتداء:

        شدد قدامى النقاد على أهمیة حسن الابتداء فی القصیدة، فوضعوا مبادىء عامة یُفضل أن یُطبقها المبدع، لأن أول بیت فی القصیدة هو أول ما یتلقفه المتلقی فتثیر فیه الحماسة أو الملل من الأبیات التالیة، ومن هنا کان على الشاعر " أن یحترز فی أشعاره ومفتتح أقواله مما یتطیر به أو یستجفى من الکلام والمخاطبات کذکر البکاء ووصف إقفار الدیار وتشتت الألاف، ونعی الشباب وذم الزمان، لا سیما فی القصائد التی تُضمّن المدائح والتهانی، وتستعمل هذه المعانی فی المراثی ووصف الخطوب الحادثة، فإن الکلام إذا کان مؤسسًا على هذا المثال تطیر منه سامعه، وإن کان یعلم أن الشاعر إنما یخاطب نفسه دون الممدوح ". ([xxv])

        ویجب على الشاعر کذلک أن یختار المعنى الشریف، وأن تکون الدلالة على المعنى واضحة، والألفاظ مستحسنة غیر کریهة من جهة السمع أو الفهم، وذلک لأن النفس تکون متطلعة لما یستفتح لها الکلام به، فهى تنبسط لاستقبالها الحسن أولا، وتنقبض لاستقبالها القبیح أیضًا، وربما کان بدء القصیدة بالتصریع أفضل لأنه یضفی الجمال علیها، وبه یُستَدلُ على قافیة القصیدة مما له الوقع الحسن فی أذن المتلقی ونفسه([xxvi])، ومن المفید الإشارة إلى أن أغلب قصائد ابن مجبر بدأت بالتصریع.

        ویعتبر الشاعر مُقتدرًا إذا استطاع أن یتقن حسن الابتداء لأنه ذو صلة دلالیة وثیقة بما بعده، ولذا اُعتبر من " ضروب الصنعة التی یقدمها أمراء الکلام ونقاد الشعر وجهابذة الألفاظ، فینبغی للشاعر إذا ابتدأ قصیدة مدحا أو ذما أو فخرا أو وصفا أو غیر ذلک من أفانین الشعر ابتدأها بما یدل على غرضه فیها([xxvii]).

        ولقد تجلى حسن الابتداء فی بعض قصائد ابن مُجبر الأندلسی، مثل: ( البسیط )

بُشْرایَ هذا لِواءٌ قَلَّ ما عُقِدا             إلا ومد لَهُ الروحُ الأمینُ یَدَا([xxviii])

        فالبیت الأول من هذه القصیدة یشیر بوضوح إلى موضوعها، فالقصیدة غرضها مدح المنصور وحشوده الضخمة التی تجمعت من سائر القبائل والمدن قبل تحرکها لاستعادة مدینة (شلب) عام 586هـ بعد أن استولى علیها ابن الرنک. ([xxix])

        وهذا البیت یشی بعدة دلالات، فالدلالة الأولى تتضح فی قوة المنصور لقدرته على تجهیز جیش بهذه الضخامة والقدرة، ثانیا أن تکوین جیش بهذه الضخامة یبعث على التفاؤل والسعادة للنصر المرتقب، ثالثًا أنه جیش مبارک من الله، لأن النصر المنتظر سیکون بمعاونة سیدنا (جبریل) علیه السلام، وهذا ما یمکن تبینه بعد ذلک بمزید من الوضوح عبر القصیدة ککل.

ومن حسن الابتداء أیضًا: (الطویل)

دَع العینَ تَجْنِی الحُبَّ مِنْ موقِعِ النَّظَرْ          وَتَغرسُ وَرْدَ الحُسنِ فی رَوْضَةِ الخَفَرْ([xxx])

        یکشف لنا هذا البیت عن غرض القصیدة وهو (الغزل)، فالشاعر یطلب من محبوبته الجمیلة أن تترکه ینظر لها کما یشاء حتى یزداد حبها فی قلبه ولا تجعل الحیاء یقف حائلا بینها وبینه، ویحاول الشاعر على امتداد قصیدته أن یقنعها بالتخلی عن هذا التدلل والحیاء وأن تتقرب منه.

2- حسن التّخلّص :

        ویُقصد به حسن انتقال الشاعر من معنى إلى آخر دون أن یشعر المتلقی أن هناک فجوة فی الاتصال بین أجزاء النص " فهو – أی التخلص- أن یأخذ المؤلف فی معنى من المعانی، فبینما هو فیه إذ أخذ معنى آخر وجعل الأول سببًا إلیه، فیکون بعضه آخذًا برقاب بعض، من غیر أن یقطع المؤلف کلامه ویستأنف کلامًا آخر، بل یکون جمیع کلامه کأنما أُفرغ إِفراغًا، وذلک مما یدلّ على حذق الشاعر، وقوة تصرفه، وطول باعه، واتساع قدرته"([xxxi])، وعَدَّ قدامى النقاد حسن التخلص مما أبدعه المحدثون من الشعراء، لأن معظم الشعراء القدامى کانوا ینتقلون من معنى إلى آخر دون أن تکون هناک علاقة سببیة قویة وهو ما یسمى بالاقتضاب([xxxii])   

 ولقد تبدى حسن التخلص عند ابن مجبر فی عدة قصائد کما فی قوله(الوافر)

            أَتَرْجُو فِطرَ أَهْلِ الصَّومِ عِندی؟       لقـــــــــــــــد أَصْبَحْــــــــــــتَ ذا رَأْیٍ فَطِیــــــــــــــــرِ

            أَإِحْسَانَ الرَّشیـد ظَننتَ عِنْـــــــدِی       فَأْنْـــــــــتَ تَــرُومُ تَیْسیـــــــــــــــرَ العَسِیــــــــــــــــرِ

            أراکَ شَمَمْــــــــــــــتَ رائحةَ الأمانِی       لذِلکَ شِمْــــــــــــتَ بارقـَــــــــــــةَ السُّــــــــــــــــــرورِ

ثم ینتقل الشاعر إلى:

            أَمیــــــرٌ قَد مَحـــــــــا ظُلَم اللّیَالـــی       وأَغَـــــرَقَ جـــــــــــــــودُه نُـــــــوَبَ الدُّهُــــــــــــورِ

            یَمَـــــــــــــلُّ الدهرُ من یَأسٍ وبَأسٍ      ولیــــــــــس یمَـــــــــلُّ مِنْ خیــــــــرٍ وخیـــــــــــــــرِ([xxxiii])

        ففی بدایة القصیدة یحاول الشاعر أن یتحایل على الکیال حتى یحصل منه على طعام، ولکن الکیال یکشف حیلته ویقول : إنک لن تخدعنی بروایة أشعار جریر والفرزدق وأخبار الأمم الماضیة لأننی لن أستفید من هذا الحکی شیئًا، فأنا لست الرشید فی الإحسان، والرشید هذا هو المقصود بالمدح، وهو رشید الموحدین الأمیر أبو حفص عمر بن یوسف بن عبد المؤمن بن علی والی شرق الأندلس([xxxiv])، وعندما یَذکر الکیال اسم هذا الأمیر تتحول حیاة الشاعر إلى الأمانی السعیدة والسرور، فهو أمیر جواد یتحدى بکرمه مصائب الزمن ویزیلها ولا یتوقف أبدًا عن فعل الخیر.

3- حسن الانتهاء:

        تشی براعة الانتهاء بقدرة الشاعر وتمکنه من موهبته، حیث یتجلى فیها قدرته على الخروج من القصیدة بطریقة ملفتة ومثیرة لإعجاب المتلقی، ففی خاتمة القصیدة یجب " أن یکون ما وقع فیها من الکلام کأحسن ما اندرج فی حشو القصیدة، وأن یتحرز فیها من قطع الکلام على لفظ کریه أو معنى منفر للنّفس عما قصدت إمالتها إلیه أو ممیل لها إلى ما قصدت تنفرها عنه"([xxxv])، وعندما تکون الخاتمة مزیلة بالأبیات الحکمیة أو بالدعاء فهذه أفضل نهایة ممکنة للقصیدة؛ لأنها تترک أثرًا کبیرًا فی نفسیة المتلقی.

یقول ابن مُجبر فی قصیدة یمدح فیها المنصور: (البسیط)

دُمْتُمْ حَیَاة مدَى الدُّنیا ودَاَم لَکُمْ       نَصْرٌ وفَتْحٌ وتمکِینٌ وتَأْییدُ([xxxvi])

فالشاعر هنا یدعو للممدوح بطول العمر وکثرة الانتصارات على الأعداء، فهذه الخاتمة مرتبطة ومتماسکة مع موضوع القصیدة التی تدور حول فتح المنصور لبلاد الجرید وهزیمته للأعداء.

ویختم قصیدته فی مدح الرشید بقوله: (الوافر)

            بَقِیــتَ لنا وسَمْعُک لیـــــــــس یَخْلُو       مِنِ اسْتِحسْانِ مُثْنٍ أَو مُشِیرِ([xxxvii])

فهذه الخاتمة تنتهی بالدعاء للممدوح والثناء على کرمه البالغ، ولا نعدم فیها رابطا بینها وبین القصیدة التی تدور حول کرم الأمیر الرشید على الناس ووقوفه بجانبهم فی المصائب.

وکذلک یقول:  (الکامل)

           إِنْ شئــــتَ ظِلا لا یزُول بحاَلـــةٍ       فاعْمدْ إلیهِ ذی الإِمامِ العادلِ([xxxviii])

        استطاع ابن مُجبر أن یربط بین رثاء الشباب والمدح، فهو فی مقطوعته یتحسر على فترة شبابه التی مرت سریعًا فلم یستطع أن یشعر بها أو یعتمد علیها، ولکنه یختمها بأن الحاکم الصالح هو من یجب أن تعتمد علیه ولیس شبابک الزائل.

وفی حسن الانتهاء أیضا یقول: (الطویل)

وتَجْحَـــــــدُ أَنوارَ الُحمَیَّـــــــا بلونِهـــــــــــــا        کقلــــــــــــبِ حسُــــــودٍ جاحدٍ یدَ مُنْعِــــــــــمِ([xxxix])

فلقد وجه ابن مُجبر توبیخًا قاسیًا فی هذا البیت لحاسد، وذلک حین قرر أن یختبر موهبة شاعرنا فی الارتجال ولکن جاء هذا الاختبار على صورة مهینة وهی وصف زجاجة خمر، فعلى الرغم من أن الشاعر قدم له الخیر کثیرًا إلا أن هذا الرجل کان جاحدًا لهذا الخیر وحاسدًا لابن مُجبر، فأصبح قلبه أسود مثل زجاجة الخمر، فکانت أحسن الانتهاءات ما أذنت بانتهاء الکلام. ([xl])

 

 

ب – العلاقات الدلالیة بین القضایا:

        فطن البلاغیون القدامى إلى أنماط الترابط الدلالی بین القضایا، وتم تصنیفها فی إطار ما یسمى بالإطناب المفید، واستطاع حازم القرطاجنی بعد ذلک أن یحدد العلاقات الأساسیة للتماسک الدلالی بین القضایا المثارة بالنص، فلابد " أن یردف البیت الأول من الفصل بما یکون لائقًا به من باقی معانی الفصل؛ مثل أن یکون مقابلًا له على جهة من جهات التقابل أو بعضه مقابلًا لبعضه، أو یکون مقتضى له مثل أن یکون مسببًا عنه، أو تفسیرًا له، أو محاکی بعض ما فیه ببعض ما فی الآخر، أو غیر ذلک من الوجوه التی تقتضی ذکر شیء بعد شیء آخر. وکذلک الحکم فی ما یتلى به الثانی والثالث إلى آخر الفصل"([xli])، فهناک إذن علاقة تفسیریة وسببیة ومقابلة ومحاکاة أو غیر ذلک مثل (الاعتراض) تؤدی لنص متماسک، ویندرج أسفل هذه العلاقات الأساسیة جمیع أنواع الترابط الدلالی التی أشار إلیها البلاغیون القدماء.

         ومن المفید الإشارة إلى أن هورســـت أیزنبرج  Horest Isenbergقد حدد العلامات الدلالیة الممیزة للتماسک بین الأبیات، وهی تقترب بدرجة کبیرة من الأنماط التی أشار إلیها القدماء([xlii])، وهذا إنما یدل على مدى الوعی الکبیر لحازم القرطاجنی والبلاغیین القدماء بعملیة تشکیل المعانی داخل النص، إلا أنه لا یمکن الادعاء أن البلاغیین کانوا على علم کامل بخطوات التحلیل النصی وهذا لا ینتقص من قیمتهم شیئًا، لأن السمة الأساسیة للزمن هی التطور.

        وستقوم الدراسة باستخلاص ما یناسبها من هذه العلاقات وهی:

أولًا: العلاقة التفسیریة:

أ- الإیضاح بعد الإبهام:

 تساهم هذه العلاقة فی ضمان الاستمراریة الدلالیة داخل النص، ویندرج تحت هذه العلاقة علاقات فرعیة مثل:  1- علاقة التفصیل بعد الإجمال: وهی أن " یورد المتکلم المعنى مبهمًا، وبعد ذلک یورده موضحًا"([xliii]) ، ولقد تعددت هذه العلاقة داخل دیوان ابن مُجبر، مثل قوله:(البسیط)

مشمِّر البُرد للحربِ الزبونِ وقد     ضفت علیه من التَقْوَى جلابیبُ

     فالبیضُ منهنَّ مسلـــــولٌ ومدخرُ    والخیلُ منهنَّ مرْکــــوبٌ ومَجْنوبُ([xliv])

یصف الشاعر هنا حال المنصور فهو رجل حرب من الطراز الأول ولا یخشى شیئًا، وعلى الرغم من ذلک فهو یتقی الله ولیس بظالم لأحد، لذلک تجد السیف فی وضع الاستعداد للقتال (مسلول)، أو أن هناک استسلامًا من الأعداء فسیفه فی الغمد( مدخر)، وکذلک الخیل فهی ( مرکوب ) وقت الحرب الطاحنة، أو ( مجنوب ) بعد انتهاء المعرکة وإحلال السلام.

ومنه قوله: (البسیط)

     هذی أعادیه قد صارت مُقَسَّمَةً        على البلایا فمقتولٌ ومَسلوبُ([xlv])

وفصّل ابن مجبر حالة أعداء المنصور بعد انتهاء المعرکة وانتصاره فیها بأنهم صرعى أو یرسفون فی الأسر ( مقتول ومسلوب).

وقوله: (المدید)

وأردتُم غصــبَ أنفســـــــــــــــهم       فبثثتُم بینهـــــــــــــا المُقــــــــلا

لیتنا خُضنا السیوفَ ولــــــــــم       نلقَ تلک الأعیُنَ النُجَــــــــلا

عارضتنا منکــــــــــــــــــــــمُ فئـــــةٌ       أحدثت فی عهدِنا دخــــــلا

                 ثعلیــــــــــــــــاتٌ جفونهــــــــــــــــــــم(*)     وهم لم یعرفوا ثُعــــــــــــــــــــلا

                 أشرعُوا الأعطافَ ناعمــــــــــــــةً       حین أشرعنا القَنَا الذبَــــلا

واستفزتنــــــــــــا عیونهــــــــــــــــــم       فخلعنا البیضَ والأســـــــلا

   ورمتنا بالسهام فَلَــــــــــــــــــــــــــم       نر إلا الحلیَ والحَــــــــــــلــلا([xlvi])

توقف ابن مجبر فی هذه الأبیات عند عیون محبوبته ( فبثثتم بینها المقلا) هذه العیون شرعت فی السیطرة علیه لأنها ( الأعین النجلا ) و( ثعلیات جفونهم ) و( الأعطاف ناعمة) و(السهام) أی النظرات الآسرة، وهذا یُعد من التفصیل بعد الإجمال.

        2- علاقة التوشیع: وهی أن یُؤْتَى فی آخر الکلام بمثنَّى مُفسر بمفردینِ، ثَانیهما معطوف على الأول مِنْهما، کقول الرسول صلى الله علیه وسلم فیما روى مسلم عن أنس قال: قال النبیُّ صلى الله علیه وسلم "یَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَیَشِبٌّ مِنْهُ اثْنَانِ: الحرصُ على المال، والحرصُ عَلَى الْعُمْرِ" ([xlvii])، ومنه قول ابن مُجبر: (الکامل)

ولکَ الحسامـــــــــانِ اللذان هُما همـــــا       السیفُ مــــــاضٍ والدُعاءُ مجـــــابُ([xlviii])

فسلاح المنصور أبو یعقوب ضد الأعداء لیس السیف القاطع فقط بل کذلک الدعاء المستجاب من الله سبحانه وتعالى، فهنا یجمع الشاعر بین القوة وتقوى الله فی شخص ممدوحه.

ومنه قوله: (البسیط)

رأى العُداةَ ومنهــــــــم من دنا ونأى     فاستعملَ الماضیین السیفَ والقلَــــما

    فلا الذی فَرَّ منهُم فی البلادِ نَجَــــا     ولا الذی جاء یبغی حربَــــــــــــــهُ سَلمـا([xlix])

یتعجب الشاعر من قوة ممدوحه فی استخدام ( الماضیین) وهی قوة السیف فی الحرب أمام الأعداء وجهًا لوجه، وقوة علاقاته الدبلوماسیة بالدول الأخرى والتی تنفذ ما یطلبه منها، ولذلک لا ینجو من یعادیه إن کان هاربًا فی دولة أخرى، أو إذا کان فی الحرب أمامه.

ب- التذییل:

        وهو تعقیب الجملة بجملة أخرى متفقة معها فی المعنى توکیدا لمنطوقها أو لمفهومها، وهو ینقسم إلى قسمین:

        1- ما یجری مجرى المثل: ویُقصد بذلک ما استقل معناه ولم یرتبط بما قبله، مثل قوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل کَانَ زَهُوقًا([l])، فجملة (إِنَّ الباطل کَانَ زَهُوقًا) تحمل معنى ما قبلها، ولکنها یُمکن أن تکون قائمة بذاتها.

ومنه قول الشاعر: (البسیط) ﴾

توهمت أن أهل البغی تمنعُها       وقلما حَمَتِ الشهدَ الیعاسیبُ([li])

یتحدث الشاعر فی هذا البیت عن أهل مدینة قفصة الذین انشقوا عن المنصور فحاربهم وانتصر علیهم ودمر المدینة، فالعلاقة الثانیة ما هی إلا تذییلا للعلاقة الأولى وهو مما یجری مجرى المثل.

وقوله: (البسیط)

لم یُصغِ للوعظِ لا قلبًا ولا أُذُنًا       وکیف تُصغی إلى الوعظِ الجلامیدُ؟([lii])

یصف شاعرنا حالة ابن غانیة الذی رفض أن یستمع إلى النصیحة، فهو مثل الأحجار التی لا تسمع ولا تعی ما حولها، فتأتی العلاقة الثانیة تذییلًا للعلاقة الأولى ومؤکدة لمعناها.

        2- ما لا یجری مجرى المثل: فهو یؤکد معنى ما قبله دون أن یستقل عنه، مثل قوله تعالى ﴿ ذلِکَ جَزَیْنَاهُمْ بِمَا کَفَرُواْ وَهَلْ نجازی إِلاَّ الکفور﴾([liii])، فجملة (وَهَلْ نُجَازی إلاَّ الکفُور؟) بها تذییل یؤکد معنى ما قبلها دون أن یستقل معناه، لأن معنى الآیة أن الله لا یجزی مثل هذا الجزاء المعجّل بالعقاب الشدید للقوم إلاَّ من کان کفورًا بربه.

ومنه قول الشاعر: (المدید)

          أودع الإحســـــــــــــــــــــانُ صفحَتَـــــــــــــهُ        ماء بشـــــــــر ینقَعُ الغلَـــــــــــــــــــــــــــــلا([liv])             

        یمدح ابن مُجبر المنصور بأن وجهه یفیض جمالًا وحسنًا لا یمل منه من یراه، فهو دائما وأبدًا یتلهف على رؤیته کتلهفِ من یشعرُ بالعطش أمام الماء الصافی، فالشطر الثانی لا یستقل بالمعنى عن الشطر الأول.

وقوله: (الوافر)

          لـــه فی شِـــــــدَّةِ الأزمَـــــــــــــــــاتِ رَوْحٌ       کَبــــــــــــردِ الظــــــلِ فی حـــــرِ الهَجِیــــــــــرِ([lv])

        یعدد ابن مُجبر فضائل الرشید من کرم ونجدة للملهوف ومساعدة الناس على تجاوز المصائب، ویؤکد هذا المعنى بتذییل الشطر الثانی للشطر الأول، فالممدوح مثل الظل الذی یحتمی فیه الناس من شدة الحرارة، ولکن العلاقة الثانیة لا  تستقل عن العلاقة الأولى.

ج- الاحتراس:

        یُقصد به توضیح المعنى المقصود وإبعاد أی معنى آخر محتمل منعا لحدوث فهم خاطئ للمتلقی، فالاحتراس " أن یؤتى بعد کلام یوهم خلاف المقصود بما یدفع ذلک الإبهام – فالاحتراس – یُوجد حینما یأتی المتکلم بمعنى یُمکن أن یدخل علیه فیه لوم، فیفطن لذلک ویأتی بما یخلصه".([lvi])

ومنه قول ابن مُجبر: ( البسیط)

کمِبْرَدِ القَیــــــــنِ إذْ یَعْلُـــــــــــــو الحدیدُ به      ولیـــــــــــــــسَ یَأْکُلـــــــــــــــــــُهُ إلا لِیصْلِحَــــــــــهُ([lvii])

أراد شاعرنا فی هذا البیت أن یدفع التأویل الخاطئ له، فعلى الرغم من أن المبرد یزیل طبقات من معدن الحدید ولکنه فی الحقیقة ینقذه من الفساد، فحین ینتشر الصدأ یصبح الحدید لا قیمة له إلا إذا جُلى بالمبرد فإن قیمته تعود إلیه مرة أخرى، ومن المفید الإشارة أنه ضرب هذا المثل فی معرض حدیثه عن الإنسان کریم الأصل الذی یواجه المواقف الصعبة بشجاعة وصبر وعزة نفس تُظهر معدنه الحقیقی. 

ومنه قوله: (الطویل)

    أَتتــــــــک أَسارَى الرُّومِ وهـــــــــی أَقلُّهـــــــــا       فَمِـــــــــــنْ فَضَــــــلات القَتْــــــــــلِ یُنْتَجعُ الأَسْرُ([lviii])

عند قراءة الشطر الأول من هذا البیت یشعر المتلقی بأن هذا البیت ینضوی تحت غرض الذم ولیس المدح، فالمعرکة بین المنصور والنصارى أسفرت عن عدد قلیل من الأسرى مما یوحی ضمنًا بأن الانتصار کان صعبًا ولیس ذا قیمة کبیرة ولکن الشطر الثانی یؤدی إلى معنى مختلف تمام الاختلاف عن هذا التأویل، وذلک لأن هؤلاء الأسرى هم کل ما تبقى من جیش الأعداء لأن معظمه قتل فی المعرکة، وهذا یدل على عظمة الممدوح وانتصاره الکبیر على الأعداء. 

د- الطرد والعکس:

        تقوم هذه العلاقة بین جملتین تقرر کل منها بمنطوقها مفهوم الأخرى، وذلک مثل قوله تعالى ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَیْهَا مَلَائِکَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ ([lix])، فمنطوق (لا یعصون الله ما أمرهم) تعنی عدم المعصیة والمفهوم الطاعة المطلقة وهذا ما عناه الله سبحانه وتعالى فی (یفعلون ما یأمرون) لأن منطوقها یعنی الطاعة المطلقة ومفهومها عدم المعصیة مطلقًا ([lx])، ومنه قول ابن مُجبر: (الوافر)

      جَنَاحِـــــــی قُـــــــــــصَّ بالأَزمَـــــاتِ لَکِـــــــــــــــنْ   بِوفْــــرِک ســــــــــــــوف یُصْبِـــــــــــحُ ذا وُفُـــــورِ

     ولو قَـــــــــــــد رِشْتَـــــهُ طَـــــــــارَ انتِهَاضًـــــــــــــا    فَمَا هُو بالمَهِیــــــــــــضِ وَلا الکَسِیـــــــــــــــــــــرِ([lxi])

        یتحدث الشاعر هنا عن ممدوحه( الرشید ) الذی وقف بجانبه فی أزماته، فحوله من رجل لا حول له ولا قوة إلى رجل قادر على تخطی الصعاب، فیصبح مثل الطائر التی عادت أجنحته قادرة على الطیران مرة أخرى( طار انتهاضا) فالمنطوق یدل على القدرة على التحلیق، ویُفهم منها انتفاء العجز عن الطیران وهذا ما عبر عنه منطوق الشطر الثانی. 

ومنه أیضًا: (الطویل)

    لَقدْ کَانَ فی الأحْــــــــوَالِ عُســــــــرٌ فکلَّمــــــا    دَنَوتَ استمـــــــــــــر الیُسْرُ فَارتَفَــــــعَ العُسْرُ([lxii])                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         

یمتدح الشاعر أبا یعقوب المنصور ویصفه بأنه مصدر الخیر فی کل مکان یحل فیه ( استمر الیسر) مما یعنی ضمنًا أنه لا مکان لشظف العیش والفقر وهذا ما یدل علیه ( فارتفع العسر ).

ه- الاستقصاء:

        هی علاقة یتناول فیها المتکلم بیان معنى معین " فیستقصیه من کل جوانبه، آتیا بجمیع عوارضه، ولوازمه، بعد أن یستقصی جمیع أوصافه الذاتیة، حتى لا یترک لمن یتناوله بعده مقالًا إضافیًا فیه " ([lxiii])، ومن صور الاستقصاء الفریدة هذه الآیة الکریمة ﴿ أَیَوَدُّ أَحَدُکُمْ أَن تَکُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِیلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِیهَا مِن کُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْکِبَرُ وَلَهُ ذُرِّیَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِیهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ کَذَٰلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمُ الْآیَاتِ لَعَلَّکُمْ تَتَفَکَّرُونَ([lxiv])، فالله سبحانه وتعالى فی هذه الآیة لم یکتف بذکر أن یکون للإنسان جنة ولکنه وصف هذه الجنة بالتفصیل فهی بها النخیل والأعناب المختلفة الشکل والطعم واللون، ثم أضاف الله سبحانه وتعالى أن الأنهار تجری من تحتها وبها من کل الثمرات لیدلل على الصورة النموذجیة للجنة لمن یعطی الصدقات، ولکن إذا تبع هذه الصدقات المن والأذی فتتحول الجنة إلى رماد، فسیصیبها إعصار ضخم عنیف وبه نیران مدمرة فتحولت الجنة إلى أثر بعد عین، فهذه الآیة هی صورة استقصائیة للجنة ونعیمها ثم تدمیرها.

        ولقد تعددت علاقة الاستقصاء داخل دیوان ابن مُجبر مثل قوله فی وصف حال مدینة قفصة عندما هاجمها المنصور بالمجانیق:(البسیط)

         تَرمی المَجَانِیقُ بِالأَحْجار فَضْلَةَ مَنْ       رَمَتْهُ منهم بها الجُرْدُ السَّراحِیبُ

         مِنْ کل مَلْمُومـــــــةٍ صَمَّــــــــاء حائِمةٍ       على النفوس فتصعید وتصویبُ

         یَقولُ مُبْصِرُها فی الجوِ صَاعِــــــــدَةً        هذا بلاءٌ على الکفارِ مَصْبـــوبُ([lxv]) 

        فالمجانیق فی هذه الأبیات تقذف على أهل المدینة وتقتل منهم من لم تقتله السیوف القاطعة، فالقذائف الصخریة الضخمة التی تطلقها هذه المجانیق تطیر بسرعة عالیة وهی تعرف أهدافها بدقة فتدمر کل شىء یعترض طریقها، ویقول من یراها وهی طائرة فی السماء أن أبواب الجحیم فُتحت على أهل هذه المدینة الظالمة، فالأبیات تعرض صورة مفصلة عن المجانیق وقذائفها ومدى تأثیرها على الخصم.

        وکذلک ظهرت علاقة الاستقصاء فی وصف ابن مُجبر للمقصورة التی صٌنعت خصیصًا للمنصور فیقول: (الکامل)

طـــــــــورًا تکونُ بما حَوَتْـــــــه مُحیطــــــــةً       فکأنهــــــا سُــــــورٌ من الأسْــــــــــوارِ

وتکــــــــــونُ طَوراً عنهُــــــــــــــــمُ مخبــــوءةً       فَکَأنَّهــــــــــــا سِــــــرٌّ مِنْ الأســـــــــــرارِ

وکَأنَّهـــــــــا عَلِمَـــــــــتْ مَقَادِیــــــرَ الهــــوى       فَتَصَــــــــرفتْ لَهُـــــــمُ علــــى مِقْـــدارِ

فإذا أَحسّــــــــت بالإِمـــــــــامِ یزورُهـــــــــــــــــا       فی قومِــــــــــــهِ قـــــــامَت إلى الزُّوارِ

        یَبْـــــــــــدُو فتبـــــــــــدُو ثـــــــمَّ تَخْفَـــى بعـدَهُ        کَتَکَوُّنِ الهـــــــــــــــــــالاتِ للأقمـــــــــــارِ([lxvi])

        یستقصی ابن مُجبر فی وصف المقصورة العجیبة التی تتحرک وتظهر للناس فقط عندما یأتی المنصور إلیها، وعندما یبتعد تغلق على نفسها مرة أخرى کأن بینها وبین الإمام (المنصور) علاقة ود ومحبة.

ثانیًا: العلاقة السببیة:

أ- التعلیل:

        تعتمد هذه العلاقة على " زیادة فی الکلام عن أصل المعنى الذی یُقصد التعبیر عنه لبیان علته، أو سببه، أو الدلیل على صحته أو نفعه وفائدته، وفائدة التعلیل الشامل لبیان العلة أو السبب أو الدلیل:

1- الإقناع بصحة الکلام، أو بفائدة العمل بمقتضاه.

2- تولید الدافع الذاتی للعمل بمقتضاه.

3- زیادة تقریر مضمون الکلام بذکر علته" ([lxvii])  

ولقد تعدد ظهور هذه العلاقة فی شعر ابن مجبر، مثل قوله: (الرمل)

  أَحجــــــــــمَ الأَعــــــــــــــــــدَاءُ عَنْکُــــــم رهبــــــــــــةً      مَنْ رَأى المَــــــوتَ عِیَــــــــــانًا یَرْهَــــــــــــــــــــبِ([lxviii])

        ففی هذا البیت یمدح ابن مجبر المنصور بأن الأعداء شعروا بالخوف الشدید وأحجموا عن الصدام معک عندما رأوا الموت ضرب بمخالبه کل من یعادیک، فالشطر الثانی تعلیل للشطر الأول.

وکذلک قوله: (البسیط)

   إِنَّ الشَدائِــــــــــدَ قَـــــــدْ تَغْشَى الکریـــــــــمَ لأَنْ      تُبَیِــــــــــــــــن فضـــــــــلَ سَجَایاه وَتُوَضِحَـــــهُ([lxix])

        فجملة (تبین فضل سجایاه وتوضحه) هی تعلیل لجملة (إن الشدائد قد تغشى الکریم)، لأن حقیقة الإنسان تُعرف عندما یصاب بالشدائد، فکریم الأصل یظهر معدنه فی تحمل المصائب ومساعدة الآخرین على تجاوزها، أما النذل فلا یستطیع تحمل التبعات ویهرب من المسئولیة.

ب- علاقة التطابق بین الإجابة والسؤال:

        تساهم هذه العلاقة فی بناء النص من حیث کونها تربط بین معنیین، الأول هو المعنى المراد تعیینه من خلال السؤال والثانی هو المعنى الفعلی الذی تتضمنه الإجابة، مثل " ماذا فعلتْ لیلة أمس؟ ذهبتْ إلى السینما" والسؤال هنا سؤال عن فعل شخص آخر، وقد تحدد هذا الفعل بالإجابة (الذهاب إلى السینما)"([lxx])، وربما یعد من المفید الإشارة أن هناک نوعین من الاستفهام النوع الأول: الاستفهام الحقیقی والمراد به منه معرفة إجابة واضحة محددة من المسئول، والنوع الثانی: الاستفهام المجازی ( غیر حقیقی ) ولا یکون غرضه معرفة الجواب ولکنه یفید الإنکار أو التعجب أو التنبیه أو التأکید أو التحقق أو التقریر أو التبکیت أو الحیرة أو الشکوى أو غیر ذلک.

        ویصعب فی کثیر من الأحیان تحدید معنى واضح ومحدد للاستفهام الواحد " فنقول مثلًا فی قوله تعالى ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنَّ یُتْرَکُوا أَنَّ یَقُولُوا آَمَنَّا﴾([lxxi])، إنه إنکار وتوبیخ وعتاب وتعجب، وهذا التعدد دلیل على ما نرید أن نؤکده من أن المعنى الذی یفیده الاستفهام خفی ومتفلت، وأننا نحاول السیطرة علیه بمثل هذه الأوصــــــــاف الکثیرة الناقصة التی نتوهم أنها تحیط به ولکنها لا تستخرج منه إلا بعض إشاراته أو لا تصف منه إلا ما یظهر"([lxxii])، ولذلک ستحاول الدراسة اختیار أقرب تفسیر ممکن للمعنى الذی یفیده الاستفهام، ولقد ظهرت العلاقة بین السؤال والجواب عبر صورتین:

 

- الصورة الأولى: سؤال لا یحتاج إلى إجابة:

وذلک مثل قوله: (الکامل)

      هــــــل دبَّ منهم فی حِماکُـــــــمْ دَارِجٌ        إلَّا وصــــــُبَّ علیـــــه مِنْـــــک عِقــــــابُ؟

      أو جـــــــاء مُسْترقًــــــــــا إلیکُـــــــــمْ مَاردٌ       إلَّا وأحرَقَــــــــــهُ هنـــــــــــــــاک شِهـــــــــابُ؟

      أو فــــــــارقَ المغرورُ منهم کَهْفَــــــهُ       یَوْمًــــــــا فَکَــــــــان لَـــــــهُ إِلیــــــــهِ إِیـــابُ؟([lxxiii])

فهذه الأبیات تتابعت وترابطت بأداة استفهام واحدة (هل)، وأفاد الاستفهام هنا التأکید والتحقق حیث أراد الشاعر أن یؤکد على فکرة أن من یعادی الممدوح لابد وأن یلق عقابه على اختلاف صور هذا العقاب.

وکذلک قوله: (الطویل)

      وَزَائــــــــــــرَةٍ وَاللیـــــــــلُ مُلْـــــــقٍ رُوَاقَـــــهُ     وَمِـــــنْ أَیـــنَ للظلمَــــــاءِ أَنْ تَکْتُـــمَ القمَــرْ؟!([lxxiv])

یتساءل الشاعر فی هذا البیت عن کیفیة حجب ظلمة اللیل لوجه حبیبته التی تشبه القمر فی جمال ضیائه، وهنا لا یحتاج السؤال إلى إجابة لأن غرضه هو نفی قدرة ظلام اللیل على حجب جمال محبوبته.

- الصورة الثانیة: سؤال یعقبه إجابة:

مثل قوله: (الطویل)

     أَلَا اصْفَحْ عن الطرفِ الذی زَلَّ إِذْ جَرَى        أَیَثْبُتُ طِرْفٌ فَوْقه النَّاسُ وَالدهرُ؟!

      تَدَاخَلَــــــــه کِبْــــرٌ لَئِـــــن کُنـــــــتَ فَوْقَــــــــــــهُ        فَتلکَ لَعَمْـــــــرِی زلــــــــــةٌ جَرَّها الکِبْرُ([lxxv])

یطرح الشاعر فی البیت الأول تساؤلًا یفید التأکید على عدم ثبات الجواد وفوقه ممدوحه الذی صوره بالعالم الکبیر، وتأتی الإجابة أن الجواد شعر بالفخر والخیلاء لأن الممدوح یمتطیه فتسبب هذا الشعور بعدم الانتباه للطریق فزل الجواد عنه.

وقوله: (المدید)

                    أَتـــــــراهُ یَتْــــــــــــــــــــــرکُ الغَزَلا     وعلیـــــــه شَـــــبَّ واکْتَهَلا

                    کَلِفٌ بالغِیـــــــــــــــدِ مَا عَقَلَت     نَفْسُه السُّلْوانَ مُذْ عَقَلا([lxxvi])

یتحدث الشاعر فی هذین البیتین عن نفسه بضمیر الغائب، ویتساءل فی شک واضح عن مدى استمراره فی التغزل فی النساء الجمیلة على الرغم من کونه کهلًا، وتأتی الإجابة بطریقة غیر مباشرة فهو لن یترک التغزل أبدًا لأن قلبه معلق بهن منذ أن بدأ الحب والاشتیاق یعرف الطریق إلى قلبه، وهنا " لا یقتصر دور علاقة السؤال والجواب بالربط بین القضایا داخل النص فقط، بل نجدها تسهم فی ربط النص بالسیاق من خلال إحالة النص على العالم الخارجی، أو الظروف الاجتماعیة المحیطة التی تتعرض لها الأندلس".([lxxvii])

ج- التتابع:

        تقوم هذه العلاقة بربط أجزاء النص المختلفة، فکل جملة ترتبط بما یلیها من الجمل وتتعالق به بما یساهم فی بناء نص محکم ومتماسک، وهذا الربط یکون من خلال الحکی الذی یخضع للترتیب الزمنی المتوالی، ومن أمثلة ذلک قوله: (البسیط)

         مَا غَرَّ قَفْصَــــــــةَ إِلا أَنَّهـــــا اجْتَرمَـتْ       فَلَــم یَکُنْ عند أَهْل الحِلَّمِ تَثْرِیبُ

         ........

         یَقولُ مُبْصِرُها فی الجوِ صَاعِــــــــدَةً        هذا بلاءٌ على الکفارِ مَصْبـــوبُ([lxxviii]) 

فالأحداث تتابع فی هذه الأبیات بدایة من خروج مدینة قفصة عن طاعة المنصور ثم تحرک المنصور بالجیوش لعقاب أهل المدینة، وخوضه غمار المعرکة التی ینتصر فیها ویقتل من أهلها الکثیر، ثم حصاره للمدینة وضربها بالمجانیق حتى خضعت له بعدما أذاق أهلها الخسف والهوان.

کما استخدم هذه العلاقة فی قوله: (الوافر)

          وَوَجْهُ العُـــــــــذْرِ فِی الأَسفَارِ بَادٍ       فَلا أَحْتـــــــــــاجُ فیه إلى سُفُـــــــــــــــــــــــــــــورِ

         ............

          أَمیــــــرٌ قَد مَحـــــــــا ظُلَم اللّیَالـــــی      وأَغَـــــرَقَ جـــــــــــــــودُه نُـــــــوَبَ الدُّهُــــــــــــورِ([lxxix])

        یستدعی الشاعر فی هذه الأبیات ذکریات رحلته الطویلة حتى لحظة وصوله للممدوح، فهو یحکی عن رحلته منذ أن أخذ قرارًا ببدء السفر نظرًا لسوء الحالة المادیة لدیه ثم معاناته أثناء السفر الطویل من شعوره والجواد بالجوع والعطش ثم الوصول إلى الکیال ومحاولة مقایضته، ولکنه یرفض فی النهایة هذه المقایضة بعد أن أنهک التعب الشاعر فی روایته للأشعار عن کبار الشعراء، ثم لحظة وصوله إلى المممدوح ونجدته للشاعر.

د- التتابع الشاذ:

        هی علاقة وظیفتها تقدیم أحداث جدیدة بصورة فجائیة لا تعتمد على ما قبلها أثناء الحکی، کما فی قوله: (الطویل)

     وَزَائــــــــــــرَةٍ وَاللیــــــــــــــلُ مُلْـــــــقٍ رُوَاقَـــــهُ     وَمِـــــنْ أَیـــنَ للظلمَــــــاءِ أَنْ تَکْتُـــمَ القمَــرْ؟

     حَدرْت نِقَابَ الصَّونِ عَنْ صَفْحِ خَدهَا     فیا حُسْنَ ما انشَقَّ الکِمـــــــامُ عن الزَّهَرْ

     وَروادتُها عَنْ لَثْمِــــــــــــهِ فَتَمنعَــــــــــــــتْ      وَما عَادةُ الأَغصــــــانِ أَنَّ تَمْنــــــعَ الثَّمَرْ([lxxx])

زارت المحبوبة الشاعر لیلًا وکَشفت له عن وجهها، فحاول الشاعر أن یُقبلها إلا أنها رفضت طلبه فی خطوة مفاجئة منها، لذلک أبدى اندهاشه من هذا الفعل فی الشطر الثانی من البیت الأخیر حین قال إنه لیس من عادة الأشجار أن تمنع نضج الثمار فکیف تمنعه حبیبته عن تقبیلها.

وکذلک قوله: (المدید)

        نَظَــــــــــــــــرتْ عَیْنِـــــــــــی لِشِقْوَتِــــــــها         نَظَــــــــــــرَاتٍ وَافَقَـــــــــــــــتْ أَجَــــــــــــلا

       غَـــــــــــادةٌ لمـــــــــا مَثَلْــــــــــــــــــــــــتُ لَهَا         تَرَکَتْنِـــــــــی فـــــــــی الهَــــــــوَى مَثَلا([lxxxi])

فالشاعر فی هذین البیتین یتحدث عن نظرات إعجاب وشغف متبادلة بینه وبین محبوبته، فلما حاول التصریح لها بحبه، ترکته فی حالة یُرثى لها حتى أصبح مثالًا حیًا للشقاء، وذلک على الرغم من مجاراتها له من البدایة ومبادلته نظرات الحب فکان رد فعلها غیر متوقع للشاعر وهذا ما زاده شقاءً.

ومنه قوله: (المدید)

      عَرَضْـــــــــت دَلَّا فَـــــــإِذْ فَطِنَــــــــــــــــــــتْ         بِوُلُوعـــــــــــــــی أَعرضــــــــــتْ خَجَلا([lxxxii])

یقول الشاعر فی هذا البیت إن محبوبته تَقربت منه أولا وأظهرت له جمالها وإعجابها به فلما علمت تعلقه بها، کانت المفاجأة أنها ابتعدت عنه بسبب حیائها الشدید!!

ثالثًا: علاقة المقابلة:

أ- الإضراب بین الوقائع:

هی علاقة تقوم على الربط بین الأقوال التی تبدو متناقضة وذلک فیما یُسمى بالربط المنعکس    (Contrajunction)، ولقد تبدت هذه العلاقة فی قول ابن مُجبر: (الطویل)

     وَمَا کَـــــــان قَبـــــل الیــــومِ سَهْلًا مَرَامُـــها    وَلَکنْ عَــــــــــلَا الإِســـــلامُ ما اتَّضَــــــــعَ الکُفْرُ([lxxxiii])

یوضح الشاعر فی الشطر الأول حقیقة قوة العدو فیما یُعرف بفن المنصفة، فهو عدو قوی ولم تکن هزیمته سهلة فی یوم من الأیام، وفی الشطر الثانی یتحدث عن علو الإسلام والذل الذی حاق بالکفر، وربط الشاعر بین هذین المعنیین بـ ( لکن) فتماسک البیت ککل.

ب- علاقة المقارنة:

تتبدى هذه العلاقة عندما یعقد الشاعر مقارنة بین حدثین أو أکثر، وذلک مثل قوله: (البسیط)

     عَدُوَّکُــــــمْ بِخُطُـــــــوبِ الدَّهـــــرِ مَقْصُـــــودُ      وأَمــــرُکُمْ باتّصــــال النَّصْرِ مَوْعُـــــودُ([lxxxiv])

عقد الشاعر فی هذا البیت مقارنة بین حال الأعداء وحال الممدوح، فالأول تلاحقه مصائب الزمن أینما ذهب بسبب خسائره الکبیرة فی الحروب، أما حال المنصور فهو السعادة لتتابع انتصاراته على الأعداء، فالمقارنة هنا تربط بین الشطرین.

ومثل قوله: (الکامل)

         مَا مَاتَ مَنْ مـــــاتَ والإِقــــــدامُ یورِدُه      وَإِنَّمـــــا مَــــات حَیًّــــا کُــــلُّ فَـــرَّارِ([lxxxv])

عند المقارنة بین حال المقاتل الشجاع والمقاتل الجبان فی قول البیت السابق، یتحدث الشاعر عن المقاتل الشجاع الذی تبقى سیرته عطرة ودائمة بین الناس وهم عند الله أحیاء یرزقون، أما المقاتل الرعدید فإنه یموت معنویًا بسبب نظرات الناس القاسیة تجاهه فلا یستطیع أن یقیم رأسه بینهم.

وکذلک قوله: (الوافر)

          کَأَنَّ الحـــــــــــــربَ کانت ذاتَ عَقْــــــــل       صَحِیــــــــحٍ لَمْ یحــــــلَّ به السَّقَــــــــــامُ

          فَــــــأَفْنت کُـــــــلَّ مَنْ دَمُــــــه حـــــــــلالٌ       وأَبْقَــــت کُــــــــــلَّ مَنْ دمُـــــه حَـــــــــــــرامُ([lxxxvi])

فالحرب فی نظر ابن مُجبر تتمتع بالعقل السلیم لکی تقرر ماذا تفعل بالمقاتلین الذین یخوضون غمارها، فهی تقضی على من کان قتله مباح لمحاربته المنصور، وتُبْقی على من کان قتله مُحرم لأنه من جنود المنصور، فالحرب تقارن بین من یحارب العدل ومن یحارب طلبًا للعدل ثم تقرر مصیره بناءً على ذلک.

رابعًا: علاقة المحاکاة:

أ- التماثل:

        هی " علاقة دلالیة تعنی تکرار نفس المحتوى الرئیسی لقضیة کبرى، فی قضیة أخرى مع التغییر فی المقولات المصاحبة للخبر، وهی بذلک تختلف عن بنیة التکرار حیث إن التکرار یکون للخبر وما یتعلق به من مقولات"([lxxxvii])، وکان من البدهی فی العصر المضطرب الذی عاش فیه ابن مُجبر وظهور الانشقاقات والثورات الضخمة أن یکون المحور الأساسی لشاعر البلاط أن یتغنى بانتصارات وبطولات ممدوحه، وظهر ذلک جلیًا فی شعر ابن مُجبر فی مدحه للمنصور، فکان التماثل بین القصائد " شکلًا من أشکال التکرار، یکرر به نفس المعانی، فتتحول إلى مفردات مباشرة للبنیة الکبرى العامة للنص، وتکتمل عناصر تلک البنیة بدخول تلک المفردات فی علاقات دلالیة مع بنى کبرى أخرى على مستوى النص".([lxxxviii])        

        وفی دیوان ابن مُجبر نجد ظهورًا واضحًا لهذه العلاقة فی أکثر مــــــن موضـــــــــــــــــــــع، فتتابع

الانتصارات کان حاضرًا بقوة فی إبداع ابن مُجبر الشعری، مثل قوله: (البسیط)

             وَاستَقْبَلتْهُ تَبَاشِیرُ الفُتــــــــوحِ فَقَدْ     کَـــــــادَت تَکُونُ على أَکْتَافِه لَبِدَا([lxxxix])

مع قوله: (الوافر)

             أَتَتْ کُتْبُ البَشَائِر عَنْــــه تَتْـــــــرَی     کَمَــــــــا یَتَحَمَّـــــلُ الزَّهْــــرَ الکِمَــامُ([xc])

فعلى الرغم من أن کل قصیدة قیلت فی سیاق مختلف تمامًا عن الأخرى إلا إنه یُلاحظ التماثل بین المعنیین، فتدور أحداث القصیدة التی منها البیت الأول حول فتح مدینة شلب عام 586ه وهزیمة ابن الرنک، أما البیت الثانی فقیل ضمن قصیدة مُدح بها المنصور لفتحه بلاد الجرید سنة 583ه، ولکن المعنى ینحصر فی توالی الانتصارات على المنصور والدالة على قوته وحکمته.

        ومن صور التماثل الدلالی کذلک صورة الاستعانة بالقوة لفرض الحق والعدل بین الناس، فیقول ابن مُجبر: (البسیط)

           وَلیْسَ یَظْفَرُ بِالغایَاتِ طَالِبُهَا        إلاَّ إِذا قُرِعَت فیها الطَّنابِیبُ([xci])

تماثل مع قوله: (الرمل)

           یَقْتَضُون الوَعْدَ بِالنصـرِ لَکُمْ        وَهْوَ قَد خُطَّ لَکُـــــم فی الکُتُبِ

           غَیر أَنَّ السَعْیَ مَحْمُـــودٌ ولا        یَقْطَعُ السیـــفُ إِذا لم یَضْرِبِ([xcii])

فلا یکفی للوصول إلى الهدف المراد النیة الطیبة والعمل الصالح ولکن لابد أن یصحبهما القدرة بمفهومها العسکری لتجاوز الصعاب ولتذلیل العقبات، فالطبول تقرع فی أرض المعرکة للوصول إلى الغایات وکذلک السیف الذی تَکْمُن أهمیته فی ضرب رقاب الأعداء به إذا لم یمتثلوا للمنصور وجیشه ومنعوه عن تحقیق مراده.

        وتتبدى علاقة التماثل مرة أخرى فی شعره حین یتوقف عند علاقة المنصور بأعدائه، فهو یهددهم أولاً لکی یبتعدوا عن أرضه ولا یعیثوا فسادًا فیها، فإن أَبَوا فالسیف مستعد وجاهز لردعهم بقسوة، وذلک مثل قوله: (البسیط)

             مَنْ لَمْ یُؤَدَّبْهُ تَأْدیبُ الکِتَابِ فما        لَهُ بِغَیر ذُبَابِ السَّیفِ تَأْدیِبُ ([xciii])

وقوله: (البسیط)

             وَالسیفُ أَبْلغُ فِیمنْ لَیْسَ یَرْدَعُهُ       عَنْ الغِوایــــــةِ إِبْعَــادٌ وَتَهْــدِیدُ ([xciv]) 

ففی البیت الأول یتحدث الشاعر عن الخارجین عن سلطة المنصور الذین إذا لم یردعهم رسالة السلطان لهم فلیس لهم إلا السیف، فهو الکفیل بهم ویتماثل هذا فی المعنى مع قوله فی البیت الثانی حیث یکون السیف هو الرادع عندما لا یفلح مع هؤلاء الخارجین الإبعاد والتهدید.

ب- التکرار:

        تتعدد الأغراض البلاغیة للتکرار، فأحیانًا یکون التکرار لتأکید الإنذار، مثل قوله تعالى ﴿أَلْهَاکُمُ التَّکَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ* کَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ کَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾([xcv])، وقد یُقصد به الحث على شکر نعمة من نِعم الله، کما فی قوله تعالى﴿ فَبِأَیِّ آلاء رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ([xcvi])، التی تکررت إحدى وثلاثین مرة، وجاءت هذه العلاقة أیضًا للحث على تدبر القرآن وتذکره فی قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ یَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّکْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّکِرٍ([xcvii])، فلقد تکررت أربع مرات خلال السورة.

ولقد تعددت ظاهرة التکرار فی شعر ابن مُجبر کما فی قوله:(السریع)

       مِـــــــــلْءُ فُـــــــــؤادِی زَفْـــــــــــرَةٌ تَلْتَـــــظِی      ومِـــــــلْءُ عَیْنِــــی عَبْـــــرةٌ تَجْـــــــــــــری ([xcviii])

فلقد کرر الشاعر لفظ ( ملء ) فی بدایة الشطر الأول وبدایة الشطر الثانی، ففی الشطر الأول استخدمها الشاعر لکی یعبر عن مدى المعاناة التی یکابدها قلبه، حیث تملأ الزفرة الحارة قلبه فتذیقه من ویلات الحب، وهذا ما یملأ عینیه بالدموع المنهمرة التی لا تتوقف، فکأنما أراد الشاعر باستخدام هذا اللفظ مرتین أن یوضح وصوله للحد الأقصى من المعاناة والتعذیب بسبب الحب.

خامسًا: علاقة الاعتراض:

       وهی " أن یُؤتَى فی أثناء الکلام أو بین کلامین متصلین فی معناهما بجملة أو أکثر لا محل لها من الإعراب لنکتة بلاغیة"([xcix])، وتتعدد أغراض الاعتراض البلاغیة فمنها: التنزیه، الدعاء، التنبیه على أمر، التبرک، التقریر فی نفس السامع، التصریح بما هو مقصود، الاستعطاف..إلخ. ومن المفید الإشارة إلى أنه إذا استخدم الاعتراض لدفع الإیهام فإنه یعد من (الاحتراس).

       ومن أمثلة الاعتراض فی القرآن الکریم قوله تعالى ﴿ وَیَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا یَشْتَهُونَ([c])، فعبارة (سبحانه) جملة اعتراضیة بین کلامین متصلین فی معناهما لتنزیه الله سبحانه وتعالى أن یکون له بنات والتشنیع على من جعلَهُن له بتصورهم الفاسد، وأقوالهم الکاذبة.([ci])

ومنه فی شعر ابن مُجبر قوله: (البسیط)

        أَمَا دَرَى - لا درى- عُقْبَى عَداوتِکم       کلٌّ بحدِّ حُسامِ الحـــــــق محصُـــــــودُ([cii])

فالجملة الاعتراضیة هی (لا درى) جاءت دعائیة علیه بعدم الفهم والإدراک لخطورة عقوبة العداء مع المنصور وهی القتل بسیف الحق.

وکذلک کانت علاقة الاعتراض حاضرة فی قوله: (الطویل)

    فَمَـــــنْ یَقَـــــــقٍ کالطّـــــــرْسِ تَحْسَــــــبُ أَنَّه       وَإِنْ جَـــــــرَّدُوه فی مُــــــلَاءَتِه التفّـــــــا([ciii])

فجملة ( وإن جردوه فی ملاءته ) اعتراضیة، وقعت بین اسم إن وخبرها، وذلک لتوضیح هیئة وشکل الجواد الأصیل.

ج- الإطار

        یطرح فان دایک مفهوم الإطار والذی یتضمن تناسب الذوات المصاحبة والأنشطة مع المحیط السیاقی، فالمبدع یعتمد على معرفتنا بالعالم والعلاقات المعقدة بداخله من خلال سحب المعلومات من الذاکرة وربطها مع الخطاب الآنی([civ])، وعلى سبیل المثال یقول ابن مُجبر: (البسیط)

      أَلْقَى الســــــــــلاحَ وولَّــــى یبتغی أمــدَا         یُنجیهِ وهوَ مَروُعُ القَلبِ مفـــــؤود

      ما مر یوماً ببابِ ظنِّــــــــــــــــــــهِ سبَبــــًا         إلى التخلصِ إلا وهوَ مَســــــــــدُودُ

 أنحى الزمانُ على الأعداء واجتهدت         فی قَطعِ خضرائِهِم أحداثُهُ السوُدُ ([cv])

یذکر الشاعر فی هذین البیتین مشهد هروب ابن غانیة من معرکة الحمة التی دارت رحاها عام 583ه، فإطار الحرب هنا یضم الذوات المتصاحبة من المنصور وعدوه ابن غانیة، وأدوات الحرب مثل السیوف والرماح، والنشاط المصاحب هنا هو الفر من جبهة المعرکة، وفزعه الشدید من إلقاء القبض علیه، ثم یذکر حال جیش ابن غانیة الذی تقطعت أوصاله، وأخذتهم السیوف من کل مأخذ، فهم إما صریع أو جریح أو هارب لا یلوی على شیء مطلقًا.

وفی مثال آخر یقول ابن مُجبر: (الوافر)

ورمــــــــــتُ أخادِعُ الکَیَّـــــالَ فیمــــــا        لدیه فقال لــی نَــــــــــــزرا بزور

وأُنشِدُهُ من المَــــــــروِیِّ طـــــــــــوراً        وطوراً من بُنَیّـــــاتِ الضمیـــــــرِ

وأذکرُ للفــــــــــــــرزدقِ ألفَ بیــــــــتٍ       وأُکثِرُ فی الروایةِ عــــــن جریــرِ

فقالَ لِیَ الذَمیمُ إلیـــــــــــــــــکَ عَنِّی        فلیسَ الشِّعرُ یُقبَلُ فی الشَّعیرِ

فلا تُخبر عن الأمــــــــم المواضی        فإنَّکَ قد سقطتَ على الخبیــــــرِ

    أترجو فِطرَ أهل الصَّـــــــومِ عِندی        فأنت ترومُ تَیسیرَ العسیـــــــــــرِ([cvi])

فتدور هذه الأبیات حول مقایضة ذات طبیعة خاصة، یحاول فیها الشاعر أن یحتال على الکیال عن طریق مقایضته روایة أشعار القدماء بالشعیر، فإطار المقایضة یضم الذوات المتصاحبة من الشاعر والکیال، ومواد المقایضة أشعار وقصص من جانب الشاعر وشعیر من جانب الکیال، والنشاط المصاحب هو التفاوض على هذه المقایضة، والنتیجة فشل المقایضة نظرًا لفهم الکیال الحیلة التی أراد الشاعر أن یحتال بها علیه.

د- التغریض:

وهو یعنی أن کل جملة تحیل إلى الجملة التالیة لها، ولا تساهم فی تأویل الفقرة فقط بل فی تأویل النص بأکمله، مما یجعله بناءً متکامل الأجزاء، وذلک عن طریق تکریر اسم الشخص أو استعمال ضمیر یدل علیه أو غیر ذلک، وستطبق الدراسة التغریض على قصیدة من قصائد ابن مُجبر والتی مطلعها: (البسیط)

     عَدُوَّکُــــــمْ بِخُطُـــــــوبِ الدَّهـــــرِ مَقْصُـــــودُ      وأَمــــرُکُمْ باتّصــــال النَّصْرِ مَوْعُـــــودُ

     رأى الشَّقــــــــــــاءَ ابنُ إِسْحَــــاق أَحَقَّ بِهِ      مِــــــنَ السَّعـــــادةِ والمَحْـُدودُ محدُودُ([cvii])

یبدأ الشاعر قصیدته بکشف المصائب التی تتوالى على الأعداء وعلى النقیض تمامًا عند المنصور حیث تغمره السعادة والفرحة بالانتصارات، ثم یسوقنا البیت الأول إلى البیت الثانی من خلال تصریحه عن العدو المقصود وهو (ابن إسحاق) الذی یعیش فی الشقاء ولا یجد الراحة فی أی مکان، ثم یحدد الشاعر نوع الشقاء الذی یرسف فیه فهو شقاء فی الدنیا بسبب مطاردة المنصور له، وفی الآخرة هو مطرود من رحمة الله.

ثم یبدأ الوصف المعنوی لهذا العدو، فیقول:

       أَعْمَــــــى وَنُــــــورُ الهُــــــــدَى بَادٍ لَهُ وَکَذَا      مَــــنْ لَــــمْ یُساعِــدْه تَوفِیقٌ وَتَسْدِیدُ

       لــــــم یُصــــــــــغِ للوعظِ لا قلـــــــــبًا ولا أُذُنًا      وکیف تُصغی إلى الوعظِ الجلامیدُ؟

       لَجَّـــــــــــــتْ ثَمُـــــــودٌ وَعَادٌ فی ضَلالِهـــــــمُ      وَلَــمْ یَدَعْ صَالحٌ نُصْحًــــــا ولا هُــــودُ

فهو لا یهتدی إلى الحق على الرغم من وضوحه له، ولم یستمع إلى النصح المتکرر ولم یعبأ به، ویطرح شاعرنا سؤالا غرضه تبکیت ابن إسحاق عندما جعله مثل الأحجار الصلدة التی لا تسمع ولا تفهم، ثم یستدعی قصص الأمم السابقة لیقارن بطریقة غیر مباشرة بینهم وبین ابن إسحاق، فثمود وعاد لم یستمعوا إلى النصح على الرغم من نصح سیدنا صالح وهود المتکرر لهم.

         وتتم الإحالة إلى البیت الذی یلی هذه الأبیات من خلال إظهار الشاعر عاقبة عدم الاستماع للنصح، فالسیف أبلغ فی الردع إذا أصر على العصیان وعدم طاعة المنصور، ولو أعطى نفسه وقتًا لیفکر ویتدبر لکان أفضل له، ثم یقول:

        أَمَا دَرَى - لا درى- عُقْبَى عَداوتِکم       کلٌّ بحدِّ حُسامِ الحـــــــق محصُـــــــودُ

ولکنه استمر فی العصیان لأنه لم یدرک العاقبة إلا عندما رأى سیف الحق یحصد رقاب الأعداء، وکان الفاعل المستتر (هو) للفعل (درى) الذی یدل على ابن إسحاق، وکذلک الضمیر (کم) فی کلمة (عداوتکم) المعبر عن الممدوح هما الرابطان بین البیت السابق واللاحق.

ثم یبدأ ابن مُجبر وصف ابن إسحاق فی المعرکة عندما رأى العقاب رأی العین، فیقول:

        أَلْقَى الســــــــــلاحَ وولَّــــى یبتغی أمــدَا       یُنجیهِ وهوَ مَروُعُ القَلبِ مفـــــؤود

         ما مر یوماً ببابِ ظنِّــــــــــــــــــــهِ سبَبًـــــــا       إلى التخلصِ إلا وهوَ مَســــــــــدُودُ

فلقد هرب من أرض المعرکة وهو یرتعد بشدة بعدما ألقى سلاحه، وأدرک أنه محاصر عندما وجد أن کل الأبواب سُدت فی وجهه ولم یجد ملجأً یهرب إلیه، ثم یطرح الشاعر فرضیة عن نجاة ابن إسحاق من هذا الحصار الخانق ویتساءل عن قیمة الحیاة وهو مطارد ولا یستطیع أن یعیش حیاة طبیعیة فیفضل له الموت على هذه الحیاة المریرة.

ومن خلال ابن إسحاق ینتقل ابن مُجبر لتصویر جیش الأعداء، فیقول:

         أَنْحَى الزَّمَانُ على الأَعْداءِ وَاجتَهَدَتْ      فِی قَطْعِ خَضْرَاتِهم أَحدَاثُهُ السُّودُ

         وَنـــازَعَتْهُمْ نُفُـــــــوسُ الهِنْدِ أَنْفُسَـــــهمْ      فَلَمْ یُفِدْهُم على الهَیْجَــاءِ تَعْرِیــــــــدُ

         فَهُمْ على التُّربِ صَرْعى مِثْلِهُ عَــدَدا      إِنْ کان یُقْضَی بأنَّ التُّربَ مَعْـــــدُودُ

فالأعداء یمرون بظروف بالغة الصعوبة وتحولت حیاتهم لجحیم، وتسابقت السیوف فی انتزاع أرواحهم فلم یکن لدیهم الوقت للهروب منها، فأصبح عدد القتلى کبیرًا أکثر من عدد الرمال، ثم یستکمل المشهد ویصف مشهد هروب بعض الأعداء من المعرکة وترکهم کل ما بأیدیهم وانفضت علاقة الصداقة والبنوة بینهم رغبة فی التشبث فی الحیاة.

ثم یُعرجُ الشاعر على وصف هذا الیوم فی معسکر الموحدین فلقد أصبح عیدًا سعیدًا لهذا الانتصار الضخم الذی تحقق بفضل حکمة وعظمة المنصور، ثم ینتقل الشاعر لمدح المنصور فیقول:

        أَنْتُمْ سُلیمانُ فی المُلْکِ العَظِیمِ وفی      طُولِ التَّهجُدِ فی المِحْرَاب دَاوُودُ

        قَدْ أَبْهَــــــــــجَ الدِینَ وَالدُّنیــــــا مُقَامُکُمُ      وَکَیْفَ لا وَهْوَ عند اللهِ مَحْمـــــــُودُ

وتخلق الضمائر حالة من التماثل مع التشبیهات العدیدة داخل الأبیات، فضمیر المخاطب (أنتم) یعود على الممدوح الذی یُشبهه بسیدنا ( سلیمان ) علیه السلام فی قوته وسیطرته على مساحات شاسعة من الأرض، وجاء حرف العطف( و ) لیربط بین الضمیر والتشبیه الآخر بسیدنا (داوود) علیه السلام رغبة فی إضفاء صفة التقوى على الممدوح، ثم یستکمل الشاعر مدحه للمنصور بأنه مصدر بهجة للدین والدنیا، ثم یصرح الشاعر أنه حاول أن یعدد صفات ممدوحه لکنه بعد طول وصف فشل فی الإلمام بها لکثرتها، ثم یدعو الشاعر فی آخر القصیدة للممدوح بحیاة مدیدة واستمرار الانتصارات على الأعداء.

        لقد اعتمد الشاعر على الأسماء وعلى ضمائر المخاطب والغائب، هذه الضمائر أحالت تارة إلى الممدوح وتارة أخرى إلى العدو من بدایة القصیدة إلى نهایتها، مما یوضح کیفیة ترابط القضایا المفردة والتی تُکون فی مجموعها البنیة الکبرى للنص.

ه- البنیة الکبرى:

تنوعت البنى الکبرى فی دیوان ابن مُجبر بسبب تعدد القصائد واختلاف التجربة الشعریة التی مرّ بها الشاعر فی کل قصیدة، وکذلک السیاق السابق والمصاحب واللاحق، وشخصیة المتلقی الأول، ولذلک ستحاول الدراسة تحدید البنیة الکبرى فی القصیدة السابق ذکرها فی التغریض کنموذج من دیوان ابن مُجبر.

        لابد من الإشارة أولا إلى سیاق الموقف الذی أنتجت خلاله هذه القصیدة، فلقد انتصر المنصور فی معرکة الحمة سنة 583هـ على ابن إسحاق المعروف بابن غانیة، وجاء إلیه الشعراء لتهنئته بهذا النصر الکبیر وکان ممن حضر ابن مُجبر فمدحه بهذه القصیدة، ونسجها على بحر (البسیط) واختار لها قافیة واحدة بحرف (الدال) وهذا من ناحیة الشکل.

        تعددت البنى الصغرى داخل القصیدة ومعها تبدلت مشاعر المبدع من شعور بالسخط إلى السعادة إلى الرضا، إلا إن هذا الانفصام الظاهری للبنى الصغرى إلا أنها تنضوی تحت قضیة کبرى واحدة، والبنى الصغرى فی القصیدة هی:

1- من البیت الأول إلى البیت السادس: توقف فیها الشاعر عند قضیة تمرد ابن إسحاق ومحاولة المنصور نصحه مرة وتهدیده مرة أخرى ولکنه لا یستمع إلى أحد.

2- من البیت السابع إلى البیت الثانی عشر: وفیه یتحدث الشاعر عن هروب ابن إسحاق عقب هزیمة المنصور له، وحالته النفسیة السیئة وشعوره بالمطاردة والشقاء الممتد.



( [i]) ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بیروت، مادة (حبک).

( [ii]) مجمع اللغة العربیة: المعجم الوسیط، مکتبة الشروق الدولیة، القاهرة، الطبعة الرابعة،2004م، مادة (حبک).

([iii]) محمد غنیمی هلال: النقد الأدبی الحدیث، نهضة مصر للطباعة، القاهرة، الطبعة السادسة، یونیو 2005م، ص374-375. وراجع ما قاله الشاعر نزار قبانی " إن القصیدة العربیة لیس لها مخطط، والشاعر العربی هو صیاد مصادفات من الطراز الأول، فهو یتنقل من وصف سیفه إلى ثغر حبیبته، ویقفز من سرج حصانه إلى حضن الخلیفة بخفة بهلوان، وما دامت القافیة مواتیة والمنبر مریحا، فکل موضوع هو موضوعه، وکل میدان هو فارسه" من کتاب الشعر قندیل أخضر، بیروت، الطبعة الثالثة، 1967م، ص23.

([iv]) حسام أحمد فرج: نظریة علم النص رؤیة منهجیة فی بناء النص النثری، مکتبة الآداب، ط3، القاهرة، 2018م، ص19.

) [v]( Fleckenstein, Kristie S.” An Appetite for Coherence” College Composition and Communication

 (ترجمة الباحث) Vol. 43, No. 1 (Feb., 1992, P.83.   

( [vi]) منذر العیاشی: العلاماتیة وعلم النص، المرکز الثقافی العربی، الدار البیضاء، الطبعة الأولى، 2004م، ص156-157.

( [vii]) سعید حسن بحیری: علم لغة النص-  المفاهیم والاتجاهات، الشرکة المصریة العالمیة للنشر، ط1، القاهرة، 1997م، ص110.

( [viii]) فان دایک: النص والسیاق، استقصاء البحث فی الخطاب الدلالی والتداولی، ترجمة عبد القادر قنینی، أفریقیا الشرق، المغرب، 2000م، ص 82.

( [ix]) عزة شبل: علم لغة النص، مکتبة الآداب، ط2، القاهرة، 2009م، ص 188.

( [x]) محمد خطابی : لسانیات النص، المرکز الثقافی العربی، ط1، بیروت، 1991م، ص37.

( [xi]) فان دایک: النص والسیاق، استقصاء البحث فی الخطاب الدلالی والتداولی، ص 142.

( [xii]) المرجع السابق، ص 144.

( [xiii]) محمد خطابی : لسانیات النص، ص38.

( [xiv]) المرجع السابق، ص40.

( [xv]) سعید حسن بحیری: دراسات لغویة تطبیقیة فی البنیة والدلالة، مکتبة الآداب، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005م، ص93.

( [xvi]) فان دایک: علم النص مدخل متداخل الاختصاصات، ترجمة سعید بحیری، دار القاهرة، ط1، القاهرة، 2001م، ص 75.

( [xvii]) صلاح فضل: بلاغة الخطاب وعلم النص، عالم المعرفة، عدد أغسطس، الکویت، 1992م، ص 237.

([xviii])Van Dijk & Walter kintsch: toward a model of text comprehension and production, P 372.

& Teun A. van Dijk: Semantic Macro-Structures and Knowledge Frames in Discourse Comprehension,                        (ترجمة الباحث) P6-8.                              

( [xix]) فان دایک: علم النص مدخل متداخل الاختصاصات، ص 81.

( [xx]) المرجع السابق، ص 82 - 83.

( [xxi]) المرجع السابق، ص 83- 84.

( [xxii]) المرجع السابق، ص 84- 85.

 

([xxiii]) Van Dijk & Walter kintsch: toward a model of text comprehension and production, P 369 . 

(ترجمة الباحث)

( [xxiv]) ابن رشیق: العمدة فی محاسن الشعر، تحقیق محمد محیی الدین عبد الحمید، دار الجیل، ط5، القاهرة،1981م، 1/217.

( [xxv]) ابن طباطبا: عیار الشعر، تحقیق عباس عبد الساتر، دار الکتب العلمیة، ط1، بیروت، 1982م، ص 126.

( [xxvi]) حازم القرطاجنی: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقیق محمد الحبیب ابن الخوجة، الدار العربیة للکتاب، ط3، تونس، 2008م، ص253-254.

( [xxvii]) البغدادی: قانون البلاغة فی نقد النثر والشعر، مطبوع فی رسائل البلغاء لمحمد کرد علی، ط4، القاهرة، 1954م، ص450.

( [xxviii]) ابن مجبر: الدیوان، جمع وتحقیق ودراسة محمد زکریا عنانی، دار الثقافة، بیروت، ط1، 2000م، ص91.

( [xxix]) ابن عذارى: البیان المغرب فی اختصار أخبار ملوک الأندلس والمغرب، تحقیق بشار عواد معروف ومحمود بشار، دار الغرب الإسلامی، ط1، تونس، 2013م، 3/307-308

( [xxx]) ابن مجبر: الدیوان، ص97.

( [xxxi]) ابن الأثیر: الجامع الکبیر فی صناعة المنظوم من الکلام والمنثور، تحقیق مصطفى جواد وجمیل سعید، مطبعة المجمع العلمی العراقی، 1956م، ص 181.

( [xxxii]) راجع ابن طباطبا: عیار الشعر، ص115. وحازم القرطاجنی: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، 275/286. وابن الأثیر: الجامع الکبیر، ص 181. وکذلک القزوینی: الإیضاح فی علوم البلاغة المعانی والبیان والبدیع، دار الکتب العلمیة، ط1، بیروت، 2003م، ص324.

( [xxxiii]) ابن مجبر: الدیوان، ص98 -99 .

( [xxxiv]) ابن صفوان الإدریسی: زاد المسافر، ص 11.

( [xxxv]) حازم القرطاجنی: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص256.

( [xxxvi]) ابن مجبر: الدیوان، ص93.

( [xxxvii]) المرجع السابق، ص99.

( [xxxviii]) المرجع السابق، ص115.

( [xxxix]) المرجع السابق، ص119.

( [xl]) القزوینی: الإیضاح فی علوم البلاغة المعانی والبیان والبدیع، ص326.

( [xli]) حازم القرطاجنی: منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص261.

( [xlii]) محمد العبد: اللغة والإبداع الأدبی، دار الفکر للدراسات والنشر والتوزیع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1989م، ص40-43.

( [xliii]) عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، دار القلم، الطبعة الأولى، دمشق، 1996م، 2/66

( [xliv]) ابن مجبر: الدیوان، ص84.

( [xlv]) المرجع السابق، ص85.

(  * ) یقصد الشاعر بنی ثعل، وهم قوم اشتهروا بالمهارة فی الصید. راجع محمد زکریا عنانی: دیوان ابن مجبر، ص 113.

( [xlvi]) ابن مجبر: الدیوان، ص113.

( [xlvii]) مسلم بن حجاج: صحیح مسلم، تحقیق محمد الفاریابی أبو قتیبة، دار طیبة، الطبعة الأولى، 2006م، 1/462-463، حدیث رقم 1047.

( [xlviii]) ابن مجبر: الدیوان، ص81.

( [xlix]) المرجع السابق والصفحة.

( [l]) سورة الإسراء: الآیة 81.

( [li]) ابن مجبر: الدیوان ، ص84.

( [lii]) المرجع السابق، ص92.

( [liii]) سبأ: الآیة 17.

( [liv]) ابن مجبر: الدیوان ، ص114.

( [lv]) المرجع السابق، ص99.

( [lvi]) السید أحمد الهاشمی: جواهر البلاغة فب المعانی والبیان والبدیع، المکتبة العصریة، ط1، بیروت، 1999م، ص205.

( [lvii]) ابن مجبر: الدیوان، ص88.

( [lviii]) المرجع السابق، ص97.

( [lix]) سورة التحریم: الآیة 6.

( [lx]) عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، 2/91.

( [lxi]) ابن مجبر: الدیوان، ص99.

([lxii]) المرجع السابق، ص107.

([lxiii]) عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، 2/92.

([lxiv]) سورة البقرة: الآیة 266.

([lxv]) ابن مجبر: الدیوان، ص85.

([lxvi]) المرجع السابق، ص103-104.

([lxvii]) عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، 2/93-94.

([lxviii]) ابن مجبر: الدیوان، ص83.

([lxix]) المرجع السابق، ص88.

([lxx]) محمد العبد: اللغة والإبداع الأدبی، ص42.

([lxxi]) سورة العنکبوت آیة 2.

([lxxii]) محمد محمد أبو موسى: دلالات التراکیب دراسة بلاغیة، مکتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثانیة، 1987م، ص217-218.

 

([lxxiii]) ابن مجبر: الدیوان، ص81.

([lxxiv]) المرجع السابق، ص97.

([lxxv]) المرجع السابق، ص102.

([lxxvi]) المرجع السابق، ص112.

([lxxvii]) عزة شبل: علم لغة النص، ص208.

([lxxviii]) ابن مجبر: الدیوان، ص84.

([lxxix]) المرجع السابق، ص85.

([lxxx]) المرجع السابق، ص97.

([lxxxi]) المرجع السابق، ص112.

([lxxxii]) المرجع السابق والصفحة.

([lxxxiii]) المرجع السابق، ص107.

([lxxxiv]) المرجع السابق، 92.

([lxxxv]) المرجع السابق، 96.

([lxxxvi]) المرجع السابق، ص122.

([lxxxvii]) حسام أحمد فرج: نظریة علم النص رؤیة منهجیة فی بناء النص النثری، مکتبة الآداب، ط3، القاهرة، 2018م، ص148.

([lxxxviii]) المرجع السابق، ص149.

([lxxxix]) ابن مجبر: الدیوان، ص91.

([xc]) المرجع السابق، ص121.

([xci]) المرجع السابق، ص84.

([xcii]) المرجع السابق، ص82.

([xciii]) المرجع السابق، ص84.

([xciv]) المرجع السابق، ص92.

([xcv]) التکاثر الآیات 1- 4.

([xcvi]) الرحمن الآیة 13.

([xcvii]) القمر الآیة 17.

([xcviii]) المرجع السابق، ص95.

([xcix]) عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، 2/80.

([c]) النحل الآیة 57.

([ci]) عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، 2/81.

([cii]) ابن مجبر: الدیوان، ص92.

([ciii]) المرجع السابق، ص109.

([civ]) محمد خطابی : لسانیات النص، ص62.

([cv]) ابن مجبر: الدیوان، ص92.

([cvi]) المرجع السابق، ص98.

([cvii]) المرجع السابق، ص92-93.

المراجع
- حسام أحمد فرج: نظریة علم النص رؤیة منهجیة فی بناء النص النثری، مکتبة الآداب، ط3، القاهرة، 2018م.
- سعید حسن بحیری: دراسات لغویة تطبیقیة فی البنیة والدلالة، مکتبة الآداب، الطبعة الأولى، القاهرة، 2005م.
- سعید حسن بحیری: علم لغة النص-  المفاهیم والاتجاهات، الشرکة المصریة العالمیة للنشر، ط1، القاهرة، 1997م.
- السید أحمد الهاشمی: جواهر البلاغة فب المعانی والبیان والبدیع، المکتبة العصریة، ط1، بیروت، 1999م.
- عبد الرحمن حسن حنبکة: البلاغة العربیة أُسسها وعلومها وفنونها، دار القلم، ط1، دمشق، 1996م.
- عزة شبل: علم لغة النص النظریة والتطبیق، مکتبة الآداب، ط2، القاهرة، 2009م.
- محمد خطابی : لسانیات النص مدخل إلى انسجام النص، المرکز الثقافی العربی، ط1، بیروت، 1991م.
- محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام فی الأندلس عصر المرابطین والموحدین، الخانجی، ط2، القاهرة، 1990م.
- محمد العبد: اللغة والإبداع الأدبی، دار الفکر للدراسات والنشر والتوزیع، ط1، القاهرة، 1989م.
- محمد غنیمی هلال: النقد الأدبی الحدیث، نهضة مصر للطباعة، ط6، القاهرة، 2005م.
- محمد محمد أبو موسى: دلالات التراکیب دراسة بلاغیة، مکتبة وهبة، ط2، القاهرة، 1987م.
- منذر العیاشی: العلاماتیة وعلم النص(نصوص مترجمة)، المرکز الثقافی العربی، ط1، الدار البیضاء، 2004م.
 
المراجع المترجمة
- جولیا کریستیفا: علم النص، ترجمة فرید الزاهی، دار توبقال للنشر، ط1، المغرب، الدار البیضاء، 1991م.
- جون لاینز: اللغة والمعنى والسیاق، ترجمة عباس صادق، دار الشؤون الثقافیة العامة، ط1، 1987م.
- فان دایک: علم النص مدخل متداخل الاختصاصات، ترجمة سعید بحیری، دار القاهرة للکتاب، القاهرة، ط1، 2001م.
- فان دایک: النص والسیاق، استقصاء البحث فی الخطاب الدلالی والتداولی، ترجمة عبد القادر قنینی، أفریقیا الشرق، المغرب، 2000م.
- فولفجانج هاینه مان دیتر: مدخل إلى علم لغة النص، ترجمة سعید حسن بحیری، زهراء الشرق، ط1، القاهرة، 2004م.
المراجع الأجنبیة
- Fleckenstein, Kristie S.” An Appetite for Coherence” College Composition and Communication Vol. 43, No. 1 Feb., 1992. 
http://www.jstor.org/stable/357367?seq=1#page_scan_tab_contents
- Van Dijk & Walter kintsch.” toward a model of text comprehension and production” Psychological Review  Vol. 85,  No 5. Sep 1978.
https://pdfs.semanticscholar.org/1133/9a042ddff3670b07dec625c9d7ac91d92dd0.pdf?_ga=2.65486958.1728612628.1520340607-633750533.1520340607
- Teun A. van Dijk: Semantic Macro-Structures and Knowledge Frames in Discourse Comprehension.