بعض الظواهر اللغويّة والأسلوبية في الخطاب السياسي الإعلامي " مشروع الدستور والتأسيسية في الصحف المصرية " نموذجًا

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس أدب عربي بکلية التربية جامعة 6 أکتوبر " انتداب حر"

المستخلص

هذا البحث يقدم دراسة لبعض السمات الفنية ، والظواهر الأسلوبية في الخطاب السياسي الإعلامي ، حيث يستجلي الکثير من السمات اللغوية والظواهر الأسلوبية التي استعملت في الحوار السياسي في الفترة الماضية ، وذلک في ضوء تحليل بعض المقالات المتنوعة في الصحف المصرية ، وقد آثر البحث أن يجري هذه الدراسة في الإعلام المقروء، و تم تحديد الفترة والقضية السياسية لتناسب مساحة البحث ، فکانت الفترة ما بين شهري نوفمبر 2012 ، و ديسمبر 2012 ، أما القضية فکانت "  مشروع الدستور والتأسيسية " وما سبقهما من إعلانات دستورية أدت إلى کثير من اللغط والحوارات على کل المستويات في الشارع المصري.
  وقد أفادت هذه الدراسة من المنهج الأسلوبي في ضوء مجموعة من الإجراءات التي تکفل للبحث الوصول إلى نتائج علمية موضوعية. ومن أهم هذه الإجراءات أن يتم تحليل الظواهر اللغوية على مختلف المستويات؛ المعجمي منها  والصوتي ، وکذلک تحليل البنية الصرفية، والتراکيب النحوية بأنماطها المختلفة.
    کما قامت مادة البحث على  ثلاثة أنواع  مختلفة من الصحف المصرية، وهي الصحف القومية الرسمية، والصحف المستقلة، والصحف الحزبية، وقد تم رصد کثير من المقالات المتعلقة بموضوع الدراسة في هذه الصحف؛ وقد وقع الاختيار على بعضها لتکون نموذجًا تطبيقيًا ؛ حتى تناسب مساحة البحث، وقد روعي فيها أن تبرز الممارسة الأدبية الکتابية التي تمکننا من الوصول إلى أهم ملامح الأسلوب في تناول الإعلام المقروء لهذه القضية، في تلک الفترة الحرجة من الحياة السياسية في مصر .
    وقد حاولت الدراسة أن تبرز معظم التوجهات الأسلوبية، وما ينتظمها من إيديولوجيات فکرية متعددة ومختلفة ؛ وذلک في ضوء تحليل نماذج مقالية  متنوعة من الجرائد القومية ( الأهرام – الأخبار ) ، وکذلک مقالات من الصحف المستقلة ( اليوم السابع – الشروق ) ، ومن الصحف الحزبية ( الحرية والعدالة – الوفد ) على سبيل المثال لا الحصر .
    وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام البحث  کان منصبًا على المقال ونصه، وتحليل سماته اللغوية في المرتبة الأولى ، للوصول إلى استجلاء ملامح الأسلوب وخصائصه فيه

الكلمات الرئيسية


شهد القرن العشرون، تحولات عظیمة فی دراسة الأدب بفعل تطوّر اللسانیات وظهور علم الأسلوب.

وتنطلق هذه الدراسة فی ضوء هذا العلم، علم الأسلوب، وتحلیل الممارسات الکتابیة للوصول إلى بعض ظواهرها الأسلوبیة، وخاصة فی ظل المتغیرات السیاسیة المتلاحقة فی مصر، حیث أصبح على المهتمین بهذا العلم تتبع لغة الخطاب السیاسی فی الإعلام، ورصد ما بها من خصائص أسلوبیة، وما طرأ علیها من مستجدات، فی ظل حالة الحراک السیاسی التی تمر بها البلاد الآن.

ونظرا لتشعب وتعدد منابر الإعلام السیاسی، ما بین مسموع ومقروء ومرئی؛ وزخم الموضوعات المطروحة کذلک؛ آثر البحث أن یقتصر على الإعلام المقروء، فی طرحه لقضیة أثارت الرأی العام إلى أبعد مدى؛ وأعنی بذلک قضیة "الدستور والتأسیسیة" ومادار حولهما من جدل، وإعلان دستوری للرئیس " مرسی". وانتصارا للموضوعیة؛ فقد کان الاختیار موزّعا بین الصحف القومیة والمستقلة والحزبیة. فتم تحلیل بعض المقالات من جریدتی "الأهرام" و"الأخبار"، ثم  " المصری الیوم " و"الشروق"، ثم "الحریة والعدالة" و" الوفد".

     وقد اعتمد هذا البحث على الدراسة النصیة للمقال، دون الخوض فی التعریف بالکاتب أو مرجعیته الثقافیة أو الدینیة؛ لأن المحک الأصیل فی هذا العمل هو النص لا کاتبه. وکانت مقومات تلک الدراسة النصیة تناوّل المقال بالعرض الموضوعی أولا؛ لمعرفة الفکرة العامة له. ثم تحلیله أسلوبیا على عدة مستویات متداخلة منها، الترکیبی، والمعجمی ، والصرفی، والصوتی والدلالی والبلاغی، ثانیا.

  وانتظم هذا البحث ثلاثة أقسام، تسبقها هذه المقدمة وتلحقها خاتمة، ثم المراجع والمصادر، وجاءت الأقسام الثلاثة على النحو التالی:

  • تحلیل الخطاب السیاسی الإعلامی فی الصحف القومیة . ( الأهرام – الأخبار ) نموذجا.
  • تحلیل الخطاب السیاسی الإعلامی فی الصحف المستقلة. ( المصری الیوم – الشروق ) نموذجا.
  • تحلیل الخطاب السیاسی الإعلامی فی الصحف الحزبیة. ( الحریة والعدالة – الوفد ) نموذجا.

والله أسأل أن ینال هذا البحث قدرا وفیرا مرضیا من التوفیق والسداد. فإن أصبت فتلک منة من الله، وإن کانت الأخرى فمن نفسی.


[1] تحلیل الخطاب السیاسی الإعلامی فی الصحف القومیة ( الأهرام – الأخبار ) نموذجا

عنوان المقال: مسئولیة شعب (1)                           

بقلم: عبدالناصر سلامة.

العرض الموضوعی :

      عنوان هذا المقال "مسئولیة شعب" یعلن عن محتواه؛ حیث یبرز دور الشعب وتثمین هذا الدور فی تلک المحنة.. محنة الدستور والتأسیسیة. وأن على الشعب أن یقرر مصیر هذا الدستور من خلال صنادیق الاستفتاء، وعلى کل القوى أن تلتزم بالصنادیق وتحترم النتیجة؛ انطلاقًا من مبدأ الدیمقراطیة الذی أعلنته ثورة 25 ینایر، کما یوجه فیه کلمة للحکومة أن تراجع أداءها المخل فی معالجة الأمور والأزمات .

 التحلیل الأسلوبی :

      بدأ المقال بجملة خبریة ولکنها توحی بالتساؤل الدهشة،  مما یثیر فضول القارئ حیث یقول:

"سواء أجاب الناس (بنعم أو لا) غدًا فی الاستفتاء على الدستور، فالنتیجة واحدة "، فکیف تکون النتیجة واحدة؟ وکیف تکون التسویة بین (نعم ولا)؟ وتأتی الجملة التالیة لها مفسرة وموضحة: " وهی أننا أمام شعب على مستوى المسئولیة". ونلحظ استعمال الضمیر (هی) فی صدارة الجملة؛ إحالة قبلیة على " النتیجة"؛ لتوضیح الجملة الاسمیة السابقة علیها (النتیجة واحدة) لأننا أمام شعب على مستوى المسئولیة، بتنکیر لفظ (شعب) الذی یمنح الکلمة کثیرا من الظلال والإیحاءات (2)؛ کما یتیح  الفرصة لعقل القارئ لاستدرار مخزونه عن صفات هذا الشعب النبیل.

  ویکرر الکاتب کلمة (سواء)  لتکون المحک بین الأمر ونقیضه، وتصبح الکلمة المفتاح لهذا المقال على النحو التالی: (سواء ذهب البعض إلى لجان الاستفتاء أو أحجم عنها ).

       (سواء رأت طائفة ما أن هناک قصورًا فی مواد الدستور ، ورأت طائفة أخرى غیر ذلک).

  (سواء تشدد البعض فی انتقاد الدولة الرسمیة على خلفیة هذا الدستور، أو بالغ البعض الآخر فی مدحها).

   فقد وظّف الکاتب تلک الجمل المزدوجة؛ بما صاحبها من إیقاع موسیقی، لتدعیم فکرة مقاله وهی: أن حالة التناقض هذه  ضروریة وحتمیة إثر الثورات، والتغیرات السیاسیة بل هی حالة صحیة، یقول :

  ( سواء... فنحن أمام حالة صحیة کنا ننشدها ...، فهذه هی الحالة الثوریة التی کان من الضروری أن تفرض نفسها على مجریات حیاتنا الیومیة ).

  ومن الظواهر الأسلوبیة اللافتة للنظر فی مقدمة هذا المقال، الکثرة فی استعمال الروابط الإحالیة من الضمائر وأسماء الإشارة وتوظیفها للتوضیح أو التأکید وتماسک بنیة النص، ونموذج ذلک ما یلی:

  (وهی أننا...)، (فنحن أمام...)، (سواء جاهر هؤلاء أو أولئک)، (فهی دیمقراطیة)، (على خلفیة هذا الدستور(فهذه هی الحالة الثوریة ) وما تقدم ورد تقریبًا فی ستة أسطر مما یوحی بأن الکاتب حاول أن یبرز ویبرهن ویقدم فکرته بصورة  مفصلة مؤکدة .. فمثلاً قوله: " فهذه هی الحالة الثوریة " ، کان من الممکن أن یختزلها فی ( فهذه الحالة الثوریة) ولکنه لجأ إلى استعمال ضمیر (الفصل:هی) للتوکید والتوضیح بتقنیة الإحالة بالضمیر.
ثم انتقل الکاتب إلى فکرة ربط الاعتراض على الدستور بتعطیل حرکة العمل والإنتاج، واستعمل الأسلوب ذاته الذی بدأ به المقال، وهو فکرة المطابقة من خلال بیان الصورة المضادة لطبیعة شعب مصر فیقول: ""أما أن یبالغ البعض بالدعوة إلى تعطیل الإنتاج...أو بالدعوة إلى قطع وتخریب وسائل المواصلات... فلسنا أبدًا أمام حالة صحیة ولا ثوریة ولا حتى أخلاقیة".

   ثم یلجأ الکاتب إلى لغة الأرقام؛ لیبرهن على حجم الخسارة، التی یتحملها الشعب من جراء تعطیل العمل، ولعل التعرض للإحصاء أضحى من أدبیات کتابة المقالات السیاسیة، فی الفترة الراهنة نظرا لتعمیم نظریة التکذیب والتخوین؛ فهو أداة من أدوات التوثیق، وتقنیة حجاجیة لإقناع المتلقی (القارئ)؛ وإمعانا فی التوثیق أسند هذه الأرقام إلى جهاتها المسئولة، یقول:" فقد تحدث وزیر التخطیط عن خسائر بلغت أکثر من 100 ملیار جنیه جراء الملیونیات والاضطرابات، کما تحدث وزیر المالیة عن عجز فی الموازنة بلغ 185 ملیار جنیه... بینما تحدث رئیس مجلس الوزراءعن تجاوز الدین العام 1,2 تریلیون جنیه... وتحدثت الأرقام عن ارتفاع البطالة بین الشباب إلى 30%..."

     وقد اعتمد المقال فی معظمه على صیغ المضارعة (3) ، فی سیاق استفهامی متکرر ، حیث استثمر الکاتب ما فی الفعل المضارع من طاقات دلالیة على الحرکة والتغییر، وکأن الکاتب بهذا الأداء اللغوی والصوتی؛ یستنهض المجتمع والنخب للتحرک، محدثا نوعا من التناسق بین الأداء اللغوی، والجرس الصوتی، والبعد النفسی.ونموذج ذلک: "ماذا ننتظر إذن حتى نعی أن الخطر قادم، إن لم یکن قد أتى بالفعل ؟"،  " ماذا تنتظر النخبة السیاسیة حتى تعی أن الوقت یداهمنا؟ ماذا تنتظر السلطة الرسمیة حتى تعی أنها یجب أن تتحمل مسئولیتها تجاه هذا التدهور؟"

    ولنتأمل الجملة الأولى على سبیل المثال : "ماذا ننتظر ... نعی ... ؟"  حیث یرتبط الفعل الثانی (نعی) بـ (تنتظر) وکل من الفعلین یرتبط بأداة الاستفهام (ماذا)، ثم یلی ذلک الاستفهام جمل استفهامیة أخرى، بطریقة العطف مما یبعد حالة الرتابة عن القارئ، ویعمق لدیه الإحساس بخطورة الموقف الذی یعیشه المصریون .

   ولا یغفل الأسلوب فی تلک الجمل الاستفهامیة التنوع، والانتقال من صیغة صرفیة إلى أخرى؛ حیث انتقل من المضارع الصحیح (ننتظر)، إلى المضارع الناقص (نعی) إلى الأجوف المجزوم المحذوف الوسط (لم یکن) إلى الماضی الناقص المؤکد بقد فی (قد أتى).

  کذلک التنوع فی الترکیب النحوی بین الاسمیة والفعلیة؛ حیث نجد الجملة الاسمیة ترد أحیانًا فی سیاق الجملة الفعلیة والعکس. کقول الکاتب: "... حتى نعی أن الخطر قادم"، فالجملة الاسمیة من أن واسمها وخبرها ( أن الخطر قادم) فی محل نصب على المفعولیة للفعل نعی. ونلحظ أن خبر (أنّ) على صیغة اسم الفاعل (قادم) بدلالته على وشک وقوع الحدث، وإیقاعه الصوتی اللذی یوحی بالزحف المستمر للخطر. ویتکرر هذا فی الجملة المعطوفة (...حتى نعی أن الوقت یداهمنا) حیث ترتبط الجملة الاسمیة بالفعل "نعی"، مع الفرق أن خبر"أن" فی هذه الجملة أتى جملة فعلیة، فعلها مضارع یتسق مع نتیجة اسم الفاعل (قادم)؛ وهی "یداهمنا.

   وثم ظاهرة أسلوبیة أخیرة فی هذا المقال؛ وهی توظیف بعض وسائل التوکید، " إنّ" المشددة، و" إنما " وکذلک ضمیر الغائب "هو" للإحالة البعدیة، کآلیة حجاجیة لتوثیق ما یدعو إلیه الکاتب، ونموذج ذلک :

-       استعمال (أنّ) المشددة: "ولأنّ الأمر کذلک..."، "وسوف نظل نؤکد أنّ ...".

-       استعمال ضمیر الغائب (هو.. للإحالة البعدیة + أنّ المشددة):     "ما أود تأکیده هو أنّ نتیجة استفتاء...".

 

-       استعمال القصر (إنما + ضمیر الغائب هو.. للإحالة البعدیة):     "..وإنما هو نتاج حالة الیأس والضجر...".

-       استعمال القصر بالنفی والاستثناء:   " وما على هؤلاء وأولئک إلا الامتثال...".

وما سبق نماذج على سبیل المثال، فالمقال ثریٌّ بکثیر من هذه المؤکدات التی تدعم فکرة الکاتب.

  وإضافة إلى تلک الظواهر الأسلوبیة المتنوعة فی هذا المقال، یتبقى أن نشیر إلى موضوعیة الکاتب فی العرض حیث لم یمل لفئة دون أخرى، أو یجامل فصیلا دون غیره، وتوجه بصدق ظاهر إلى الشعب باعثًا فیه إحساسه بدوره، وخاتمًا مقاله بتلک الصحوة الوطنیة:

              "الکلمة غدًا للشعب، وباستطاعته أن یسطر فصلاً جدیدًا فی تاریخه المجید ".

 

 عنوان المقال: برؤیة طائر ینظر للمشهد الحالی من فوق (4).                   بقلم: مها عبدالفتاح.

العرض الموضوعی :

   بیان لحالة الانقسام بین فئات الشعب؛ التی إن لم تُتدارک؛ فسوف تؤدی لحرب أهلیة، وعلى الرغم من أن  الکاتبة أعلنت الموضوعیة ببدایة المقال، فإنها لم تمارسها أثناء الکتابة؛ حیث وجهت التهم إلى التیار الإسلامی، والسلطة الحاکمة؛ بل وزادت على ذلک، بأن وصمتهم بأنهم على علاقة مع المخابرات الأمریکیة، لیس الوقت الحالى فقط؛ بل وقبل سقوط نظام "مبارک".

التحلیل الأسلوبی :

   بدایة من القراءة الأسلوبیة لعنوان المقال ( برؤیة طائر ینظر للمشهد الحالی من فوق) نلحظ المعجم اللغوی (طائر ینظر... من فوق) وقد تدل هذه الألفاظ على الموضوعیة، أو الاستعلاء على المشهد السیاسی ککل ..

   یُفتتح المقال بشبه الجملة، بخلاف المعیار المتعارف علیه من البدء بالجملة الفعلیة أوالاسمیة، حیث کانت البدایة بقولها: "فی الأزمات والملمات..." وقد یکون هذا البناء اللغوی للفت الانتباه، فی ضوء التحول عن الطریقة التقلیدیة للکتابة، ثم یلی ذلک ترکیب الجملة الفعلیة الطبیعی "یحاول الکاتب أن یتجرد من قناعاته وانتماءاته". "یتطلع للمشهد بنظرة طائر": أسلوب استعاری على سبیل الاستعارة التصریحیة التی ترمز إلى الرؤیة الصحیحة؛ لأنها فوقیة رؤیة طائر یحلق فوق المشهد السیاسی لا داخله.

   وقد جاءت مفردات الکاتبة حافلة بکثیرٍ من الألفاظ التشاؤمیة، التی قد تصیب المتلقی بخیبة أمل أکثر مما تضعه أمام حلٍ للمشکلة، ومن ذلک قولها: "الطائر یرى تیارین بفکرین متباینین وشد مختلفین وتوجهین مغایرین، وثقة مفتقدة بین طرفین، الأمور متجهة لمرحلة ما یسبق مواجهة أهلیة حادة ودمویة، لم یعرفها تاریخنا کله"، "إذن المسرح معد لمرحلة شلل سیاسی واقتصادی"،  "لم یسبق أن عرفنا ماهو أکثر رداءة من الأجواء الحالیة التی تسود البلاد"،  "أسوأ الکوابیس بدأت تتجلى ، تنبئ ببوادر صدام مخیف" ، "الخطب أکبر بکثیر جدًا من عناد السلطة ".  

    هذا المعجم التشاؤمی ورد کذلک فی بعض الأحیان فی سیاق توکیدی .. مثل استعمال لفظ (کله) وکذلک استخدام صیغ صرفیة دالة على الزیادة، مثل اسم التفضیل فی: (أکثر رداءة)، (أسوأ الکوابیس)، (الخطب أکبر) وهی بذلک تنتقل من دلالة إلى دلالة أعمق وأشد تعبیرًا عن حالة التشاؤم التی تظلل المقال.

    توجّه الخطاب السیاسی للکاتبة إلى الهجوم الواضح على الفصائل الإسلامیة، ونعتها بأنها خارج إطار الحیاة المعاصرة، وتدعی الدیمقراطیة، فتقول:

"...ووجود عناصر سیاسیة تختلف أشد الاختلاف عن عموم المجتمعات المعاصرة وفی النظرة عموما الحیاة ".

وکذلک قولها:   " ...المفارقة حماس التیار الإسلامی للانتخابات من جماعات لا تؤمن أساسًا بالدیمقراطیة"

 "الإخوان متمتعون بقدرات غیر عادیة فی التنظیم وبخاصیة التمکن فی حشد الجموع ...مؤهلهم للفوز قائم دومًا على عدد الأصوات ولیس بالمواصفات".  

     وهذا افتئات واضح على ذلک الفصیل، فی ضوء استعمال معجم لفظی یحمل دلالات الاتهام، ویبتعد عن الموضوعیة .. فأی استفتاء فی العالم یقوم على الأعداد، ولیس المواصفات کما تدعی کاتبة المقال، وهذا یصنفه بعض الباحثین بأنه من المغالطات المنطقیة التی تصادر على المطلوب، ویکون الأسلوب اللغوی مطیة لها(5).

     ومن الظواهر الأسلوبیة فی المقال، استعمال المأثور الشعبی فی بعض الاستشهادات لدیها، مثال ذلک:(ممکن أن یسدوا عین الشمس...) فی سیاق الحدیث عن حشود الإخوان. وأیضا: (إنما نحن کمن رموه فی البحر لیتعلم السباحة) فی توصیف حالة المجتمع المصری مع الدیمقراطیة والتغیر السیاسی. وعلى النسق نفسه:

(ما أسهل اللعب فی رؤوس الأمیین) فی سیاق الحدیث عن تلاعب الإخوان بعقول البسطاء.

 وکذلک اللجوء أحیانًا إلى ألفاظ غیر فصیحة لغویًا مثال ذلک: (الماراثون) فی حدیثهاعن جلسات الدستور، وکذلک (یدفس أنفه فی شئون غیره) وهی تتحدث عن ردود الأفعال الأمریکیة، عما یحدث فی مصر .

 واستعمال العامیة فی أحیان أخرى، کما فی قولها: "فتهب فجأة کده" ، وکذلک "یصب فی کفة مایلة". والمعروف والمعتبر لغویًا وصرفیًا أن (مال) فعل أجوف، معتل الوسط تقلب ألفه همزة فی حالة صیاغة اسم الفاعل منه(6)     ویکون اللفظ الصحیح: (مائلة) على غرار (نائم، قائم )، صحیح أن أصل الهمزة یاء (مایل) ولکن هذا الموضوع من المواضع التی تقلب فیها الیاء إلى همزة وجوبًا فی صیاغة اسم الفاعل(7)

 

                                             ****

                     عنوان المقال: ضربة معلم ..!(8)                           بقلم:أسامة عجاج.

العرض الموضوعی:  

    بدایة –کما یقال- یفهم المقال من عنوانه: (ضربة معلم!) بما لهذا العنوان المذَیّل بعلامة الانفعال، من دلالة، ویبدأ الکاتب بعرض ومناقشة الإعلان الدستوری للرئیس محمد مرسی، وحیثیات هذا الإعلان، وقد جاء العرض منظمًا ومنطقیًا إلى حد کبیر، حیث فند تلک الحیثیات، على الأقل برؤیته الذاتیة ککاتب.

التحلیل الأسلوبی :

     نلحظ من عنوان المقال: (ضربة معلم!) استعمال اسم المرة "ضَرْبَة" بوزن "فَعْلَة" وکأنه یبرهن بدایة على أن الأمر (الإعلان الدستوری)، ما هو إلا مرة واحدة – ولکنها ناجعة- لا یرید الرئیس سلطة، ولا دیکتاتوریة، کما یُقال، ولکنها "ضربة" واحدة ضروریة.

    وأیضًا هی ناجحة، وجاءت فی حینها؛ لأن هذا الترکیب اللغوی: (ضربة معلم) له فی قاموس المجتمع المصری ظلال وإیحاءات، أهمها المهارة والبراعة فی إدارة الموقف المشار إلیه بها. فعندما یُحسن أحد فی موقف ما بطریقة مبهرة نقول: (ضربة معلم) دلالة على الاستحسان.

    وأغلب ظنی، أن هذا ما یقصده الکاتب من عنوانه للمقال، والذی یعضد ذلک ما ورد فی المقال بالفعل؛ حیث بدأ الکاتب مقاله بدایة قویة، بإثبات قاعدة شرعیة فقهیة: "الضرورات تبیح المحظورات" تلک القاعدة الشرعیة المعروفة للجمیع المثقف، والأمی، وأنصاف المثقفین. فهی تدار على جمیع الألسنة، وکأن الکاتب بدایة یرید أن یتوجه بکلمته لکل الفئات، وانطلاقًا من هذه القاعدة استرسل الکاتب فی تحلیل قرار الرئیس" مرسی"، وإصداره للإعلان الدستوری.

    وأعلن الکاتب أنه سیبدأ "بالمحظورات" مخالفًا بذلک ترتیب القاعدة الشرعیة، وفی هذا إشارة مهمة إلى بیان التهمة الموجهة للرئیس، دون محاباته، فالکاتب لم یتناول الضرورات التی اعتمد علیها الرئیس فی البدایة ولم یقدم أعذاره؛ بل اعتمد على منطق الآخر فی التفکیر.

    وقد کانت الجملة المفتاحیة لدیه، جملة فعلیة قصیرة فاعلها مستتر (سأبدأ بالمحظورات) هکذا مباشرة دون مقدمات، وتلک الجملة تولد عنها، جملة اسمیة خبرها فعلیة (فالرجل کان واضحًا).. وتلک العلاقات التبادلیة التوزیعیة بین الجمل القصیرة؛ تمنح السیاق حیویة وتجددًا مما یدفع القارئ لمواصلة القراءة.

    ونلحظ أن المبتدأ (الرجل) فلم یلجأ الکاتب إلى ذکر الاسم، أو المنصب کأن یقول مثلاً : د.محمد مرسی أو "الرئیس"، ولهذا دلالة؛ فاللفظ مقصود لذاته (الرجل) بتعریفه "بأل العهدیة"، وکأن الکاتب یرید بدایة أن یرسِّخ فی ذهن القارئ، ویقینه أن الرئیس محمد مرسی "رجل" بما تحمل هذه الکلمة من ظلال، من حیث تحمُّل المسئولیة والالتزام. فالرئیس ملتزم بما یعد به، وأنه یعی تمامًا ما یفعل، ویتحمل نتائجه؛ لأنه "رجل"؛ فقد یکون الکاتب وجد أن هذا اللفظ أعلى مکانة، وأرقى فی سلم المسئولیة والأخلاق، من کلمة رئیس أو حتى من الاسم الأصلی، أو هکذا یتمنى. وقد ورد هذا اللفظ فی سیاق أن الرئیس لجأ إلى هذا الإعلان الدستوری؛ مدفوعًا بما هو أشد، وأنه ما کان یحب ذلک، یقول:" فالرجل کان واضحا منذ الإعلان الدستوری الثالث فی 11أغسطس بأنّه  لن یلجأ إلى إصدار قرارات بقوة القانون سوى فی الحالات القصوى..."، وقد عبر الکاتب عن ذلک باستعمال وسائل توکیدیة مثل (أنّ) المشددة، وکذلک القصر بالنفی (لن) والاستثناء (سوى) . ویواصل الکاتب التأکید على فکرته الرئیسة بأن الضرورات تبیح المحظورات، وأن الإعلان الدستوری من قبیل ذلک، فهو من المحظورات التی اضطر إلیها "مرسی"، ویصف هذا الاضطرار  بأکثر من وسیلة توکید، مثل: " قد + الفعل الماضی"، والنفی والاستثناء، کما أنه متأثرٌ بالمعجم القرآنی فی"  کأکل المیتة"، فیقول:" وقد صدق الرئیس مرسی فی ذلک، ولم یلجأ إلى هذا الإجراء، سوى فی حالات محدودة. لدرجة أن البعض تحدث عن ذلک، وصفها بأنها " کأکل المیتة"، والتی لا تجوز سوى فی حالات الاقتراب من الموت نتیجة الجوع ."

    ونلحظ أن الکاتب یتبع هنا المنهج الأسلوبی ذاته، ویتبع آلیة القیاس الحجاجیة -أی القیاس الفقهی- الذی مهَّد له بالقاعدة الشرعیة (الضرورات تبیح المحظورات)، مبرزًا الإعلان الدستوری على أنه ضرورة؛ لمنع کارثة، وعقد تشبیها بین إباحة  الإعلان الدستوری، وبین إباحة لحوم المیتة، مخافة الهلاک.  ویستأنف الکاتب فی عرض تلک الضرورات التی دفعت الرئیس إلى ذلک قائلاً:

"أما الضرورات فقد حاول- أی الرئیس- أن یجملها فی دیباجة الإعلان الدستوری، الصادر یوم الخمیس الماضی، عندما أشار بأنه یتحمل مسئولیة تحقیق أهداف الثورة... وخاصة هدم بنیة النظام البائد، وإقصاء رموزه، والقضاء على أدواته، وعلى الفساد، وتطهیر مؤسسات الدولة".  ومن ثم ینتقل الکاتب إلى تفصیل هذا الإجمال المشار إلیه فی کلمة الرئیس:

"أولاً: الإعلان الدستوری الجدید، أنهى حالة السیولة السیاسیة، ووضع حدًا کان ینتظره الکثیرون، لنهایة مرحلة الدولة الرخوة. التی لا یقبل فیها بعض التیارات السیاسیة، قواعد اللعبة الدیمقراطیة، التی تتضمن وجود أغلبیة منتخبة، عبر صنادیق الانتخابات ، بطریقة حرة ونزیهة."

"ثانیًا: تحوّل القضاء ، خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب وحصول حزب الحریة والعدالة ومعه التیار السلفی على الأغلبیة إلىلاعب سیاسی، فی المواجهة الحزبیة. وأصبحت أحکامه سیاسیة بامتیاز، وتحول إلى أحد أدوات المجلس العسکری منفذا لرغباته وأوامره، وسارع بإصدار الحکم بحل مجلس الشعب..."".

"ثالثًا: الحدیث عن خلق فرعون جدید، ودیکتاتور آخر هو مغالطة سیاسیة، وترویج لمجموعة من الأکاذیب. فتحصین قرارات الرئیس مرسی کما جاء فی المادة الثانیة، مؤقت ومرهون فقط بوضع الدستور  ...".

"رابعًا: وهی الخاصة بقضیة إقالة النائب العام. الذی تحول إلى قدیس، وذات مصونة لاتمس وبطل قومی، وحام لاستقلال القضاء... "

     عند متابعة الفقرات المتقدمة، یُلحظ أن الکاتب قد نوّع فی ترکیب بناء الجمل على النحو التالی:          

 ففی أولاً: ورد المبتدأ معرفًا بأل فی قوله:  "الإعلان الدستوری" ثم تحول إلى الفعلیة فی الإخبار عن المبتدأ "أنهى حالة السیولة السیاسیة، ووضع حدًا "، مستخدمًا الفعل الماضی (أنهى- وضع) بدلالته القاطعة على تحقیق الحدث.

وفی ثانیًا: تحوّل الکاتب إلى جملة فعلیة، فعلها ماضٍ، "تحوّلَ القضاء"، "إلى لاعب سیاسی". وفی ثالثا: عاد مرة أخرى إلى الجملة الاسمیة، وورد المبتدأ "الحدیث" معرفا بأل، وکان الخبر (هو مغالطة سیاسیة)، وهنا یجوز أمران فی نوع الخبر؛ إما أن یکون مفردا ( الحدیث مغالطة)، وإما أن یکون الخبر الجملة الاسمیة (هو مغالطة) ولکنی أرى أن اعتبار ضمیر الغائب (هو) مجرد ضمیر فصل لا محل له من الإعراب، مع إثبات قیمته البلاغیة فی توکید الفکرة، على سبیل الإحالة القبلیة على " الحدیث". وینتقل الکاتب فی رابعًا: إلى أسلوب الإیجاز فی قوله: "وهی الخاصة بقضیة إقالة النائب العام ". والتقدیر على الحذف: (وهی المسألة أو المشکلة الخاصة بقضیة إقالة النائب العام)، وهذا نمط من أنماط الإیجاز فی التراکیب النحویة، حیث یجوز حذف الخبر إذا فهم من السیاق. وهذا التحول بین أنماط الجمل، بدلالاتها المتنوعة، یحقق التشویق من ناحیة، ومن ناحیة أخرى یمنح الثقة للمتلقی فیما یطرحه الکاتب؛ فالجملة الاسمیة بما لها من دلالة الثبات والاستقرار، والفعل الماضی بدلالته على وقوع الحدث یسهمان فی ذلک.

    وفی رابعا – کما تقدّم- نجد مجموعة من الکلمات التی تصف النائب العام بأسلوب ساخر، أصبح من أهم الظواهر الأسلوبیة بعد ثورة 25ینایر، حیث یقول:"... النائب العام الذی تحول إلى قدیس، وذات مصونة لا تمس، وبطل قومی وحامٍ لاستقلال القضاء..."، وأرى أن الکاتب لم یوفق فی عرض الصفات السابقة، على هذا النحو من التدرج؛ بل کان علیه أن یأتی بالصفة الأقل، وهی ذات مصونة مثلاً وینتهی إلى أرقاها وهی قدیس؛ حیث إنه تدرج من الأعلى دلالة إلى الأقل وهذا یضعف السیاق. ولکن قد یشفع له ذلک التوازن الموسیقی الناتج من ازدواج الجمل ، واستعماله الجید لحرف النسق (الواو).

   ثم نجد مصطلحًا جدیدًا ظهر فی الخطاب السیاسی هو: " السیولة السیاسیة" بما لهذا الترکیب من إیقاع صوتی موسیقی نتج من حرف "السین" المهموس الرخو(9) الذی تکرر ثلاث مرات، ذلک الجرس الموسیقی، الذی یجسد حالة السیولة، ویتوافق نفسیا ومعنویا (10) مع ما یشیر إلیه، من دلالات ترهل الوضع السیاسی، الذی عبر عنه الکاتب فی السیاق نفسه بمصطلح سیاسی إعلامی آخر، وهو: "الدولة الرخوة" ذلک المصطلح الذی أطلقه عالم الاقتصاد السویدی"جنار میردال" فی کتابه: (بحث فی أسباب فقر الأمم) فی عام 1970. وکلا التعبیرین "السیولة السیاسیة"، و"الدولة الرخوة"، انعکاس أسلوبی یعبر عن الحالة السیاسیة السیئة للدولة المصریة.

     وعلى المستوى البلاغی، لا یخفى ما فی التعبیر، من تجسید حیث تم تصویر السیاسة، بشئ مادی ملموس  یتعذر التحکم فیه، وکذلک مصطلح (الدولة الرخوة)؛ حیث صورت الدولة فی ضعفها بشئ هش لین.

  وأخیرا، فالکاتب قد عبر عن إیدیولوجیته ، التی قد یختلف بعضنا معها، أو یتفق، دون الإساءة الجارحة.

****

 

یقول الدستور(11).                                             بقلم: محمد عمر.

العرض الموضوعی:

     هذا المقال، یجسد لونًا آخر من فن الخطاب السیاسی، فی الإعلام المقروء، فهو مقال ساخر جدًا، تدور فکرته الأساسیة على تفنید مواد دستور الإخوان، وبیان عوراتها من وجهة نظر الکاتب؛ فهو دستور تخلى عن حقوق المواطنین -" البسطاء والغلابة والمهمشین"- عمدا ومع سبق الإصرار، فلم یحقق لهم الرعایة الصحیة، ولا توجد لدیه خطة تعلیم جید، ولا یضمن سکنا ملائما، ولا یکفل حقوق الأطفال، ولاخطة لمقاومة غلاء المعیشة، والکاتب یستثمر مواد الدستور -الفعلیة - فی مقالته، ویفندها الواحدة تلو الأخرى، بأسلوب ساخر یحفل بالکثیر من کلمات التجریح والتوبیخ.

التحلیل الأسلوبی:  

     یبدأ المقال بجملة مفتاحیة فعلها مضارع ... "لا أعرف..."، یلیها استفهام بالأداة "کیف یمکن.." ثم عرض متعدد للفئات البسیطة فی المجتمع، باستعمال حرف العطف(الواو) على النحو التالی:

   "لا أعرف کیف یمکن أن یوافق البسطاء والغلابة والمهمشین ... على دستور ترک حقوقهم عمدًا"

  وهذا العرض إعلان صریح، فی بدایة المقال عن موقفه الإیدیولوجی من الدستور، ومحاولة استمالة الفئات التی سبق أن تحدث عنها. والظاهرة الأسلوبیة اللّافتة للنظر فی هذا المقال؛ أن الکاتب استمد لغته  من معجم شدید التوغل فی العامیة الشعبیة، وخلط بینها وبین الفصحى على النحو التالی:   "یقول الدستور ..لا فض فوه .. الرعایة الصحیة حق لکل مواطن .. یا راجل عینی فی عینک کده .. یا کداب".

   "یقول الدستور.. بس والنبی بلاش تضحک.. السکن الملائم والماء النظیف.. والغذاء الصحی .. حقوق مکفولة الصلاة على النبی کل دی حقوق مکفولة وإلا إحنا لابسین کافولة".

   "أهی .. مادة ما تخرش المیة .. مش عارف إزای ماشفتهاش من الأول، کانت وفرت علی التریقة على الدستور بجد المرة دی مش هزار وما تتوقعش إنها مادة کدة ولا کدة لأن فیها أکبر تأمین لمستقبل عیالک.. یقول الدستور .. لکل طفل فور الولادة اسم مناسب ..أبوس رجلک ما تقولش اللی فی نفسک ما ینفعش هنا أقول کلام قبیح".

   "بتقول تکفل الدولة رعایة النشء والشباب لغایة هنا شغال ..اللی بعدها بتقول .. إن الدولة حتنمیهم روحیًا .. یعنی اللی الدولة حتقوله "یا أوحی" یبقى اتنمى خلاص". 

     یبدو من العرض السابق، لهذه النماذج اللغویة من المقال، أن هناک لغة جدیدة على الخطاب الإعلامی السیاسی، لغة توسعت فی استعمال المفردات العامیة الشعبیة، على نحو قد یکون غیر مقبول عند الکثیرین على سبیل المثال :(سلامتها أم حسن)، (وإلا إحنا اللی لابسین کافولة)، (مادة ما تخرش المیه) ، وأحیانًا یَصُوغ الکاتب سخریته فی قالب لغوی إیحائی علاوة على عامیته الفجة، نموذج ذلک:(مال الدولة بالشرف ..هی الشغلانة إیه بالظبط؟) .

   وقد وظّف الکاتب، بعض الأقوال المشهورة فی الدراما أحیانًا، والأغنیة الشعبیة فی أحیان أخرى؛ للإمعان فی سخریته ومن ذلک قوله: "یقول الدستور.. تخصص الدولة نسبة من الناتج القومی للرعایة الصحیة ..منین یا دلال هی لاقیة تاکل". فعبارة "منین یا دلال" مأثورة عن الفنان محمد صبحی فی المسلسل المصری (سنبل ورحلة الملیون) .

وکذلک : "یقول الدستور.. لکل مواطن الحق فی التعلیم .. سلامتها أم حسن".فجملة "سلامتها أم حسن" مأخوذة من الأغنیة الشعبیة المصریة المعروفة. کما تأثر الکاتب فی مقاله بمعجم الأمثال الشعبیة کقوله: " یقول الدستور.. العمل حق .. زغرتی یاللی ماانتش غرمانة ". وأیا ما کان حجم اختلافنا مع هذا النوع من الکتابة؛ إلا أننی وجدت أنه لون أفسح لنفسه مکانًا، فی ساحة الإعلام السیاسی المقروء، یضاف إلى أسلوبیات الخطاب السیاسی، کان لابد من التعرض له.

******

 

 [2] تحلیل الخطاب السیاسی الإعلامی فی الصحف المستقلة (المصری الیوم – الشروق) نموذجا

         عنوان المقال :"وصیة دیکتاتور(12).                                   بقلم: محمد سلماوی.

العرض الموضوعی:

    یتجه هذا المقال إلى فکرة الإسقاط والقیاس فی ضوء استحضار التاریخ الإسلامی، ممثلاً فی "دیکتاتور" الدولة الأمویة "الحجاج بن یوسف الثقفی" الذی رغم سطوته؛ أنزل المصریین منازلهم وأوصى بهم خیرا وحذر منهم. وکأنه بذلک یحذر ویوبخ الرئیس " مرسی"، على إعلانه الدستوری لتحصین تأسیسیة الدستور.

التحلیل الأسلوبی:

    بطریقة مباشرة جدًا، نفذ الکاتب إلى فکرته الرئیسة، وهی الاستعانة بالتراث الإسلامی السیاسی، والتناص معه، وإسقاطه على واقع الدولة المصریة الآن. فبدأ حدیثه بجملة فعلیة: " کان السیاسی والقائد العسکری الأموی الحجاج بن یوسف الثقفی من أکثر الشخصیات المثیرة للجدل..." واختار الفعل الناسخ الناقص (کان) لدلالة التحقق والتوثیق، وقدَّم اسمها (السیاسی) على القائد العسکری، وکأن فی هذا إشارة إلى ضرورة الدور السیاسی وأهمیته، مقدمًا إیاه على الدور العسکری فی قوله : "والقائد العسکری ..." ونلحظ أن الکاتب رکز على لفظ "السیاسی" ثم "القائد العسکری الأموی" الحجاج بن یوسف الثقفی .. وهو بذلک یعلن منذ بدایة المقال أن المحک: هو صفة هذا الرجل ولیس اسمه.  ثم یأتی الخبر بعد العطف والبدل وهو: " من أکثر ..." یرد شبه جملة من الجار والمجرور (من + اسم التفضیل) لإثارة فضول القارئ، وتشویقه لمواصلة القراءة، وتلک سمة من سمات الکتابة عند محمد سلماوی، الإثارة ثم الوضوح الذی یصل بالمتلقی إلى الفهم، فنرى الکاتب ینتقل سریعًا؛ لتوضیح السبب فی أن شخصیة الحجاج، أکثر شخصیة مثیرة للجدل، فیقول مباشرة وبوضوح:  "... من أکثر الشخصیات المثیرة للجدل فی التاریخ الإسلامی بسبب استبداده ودمویته ".  ویضاف إلى وضوح "سلماوی" فی کتاباته ذکاؤه الأسلوبی کذلک؛ فهو یُسرع إلى توثیق ما قدمه فی وصف الحجاج من کونه مستبدًا فیقول: "وقد أجمع المؤرخون على أنه کان من أشد الولاة ظلمًا" مستعینًا فی ذلک بصیغ متنوعة للتوکید وهی (قد أجمع) ..(قد+الفعل الماضی)، ثم "أنّ" المشددة ثم استعمال اسم التفضیل (أشد) مضافًا إلى (الولاة) بدلالة ذلک على تمادیه فی الظلم إلى أبعد مدى وتفوقه على أقرانه فیه. واسترسل الکاتب فی هذا التوثیق مفصلا ما أجمله فی العبارة السابقة، ومدعما فکرته بحجاج الأرقام یقول: "فقد قتل أکثر من 66 ألفًا حین کان والیًا على مکة ...".  ثم انتقل الکاتب بذکاء شدید، إلى فکرة التدین عند الحجاج، یقول:

  "وقد نشأ الحجاج شابًا ذکیًا بلیغًا، حافظًا للقرآن وعُرف عنه أنه ظل طوال حیاته یقرأ القرآن کل لیلة، لکن ذلک لم یمنعه من الظلم وسفک الدماء .." وفی ذلک إسقاط على شخصیة الحاکم الدیکتاتور الدکتور مرسی – من وجهة نظر الکاتب- فکأنه یرید أن یقول له، وللقارئ:  فلا یخدعنک تدین "مرسی" واستشهاده بالقرآن، فقد یظلم ویصبح "دیکتاتورا" وهو یقرأ القرآن، کما کان نظیره "الحجاج" ، فهی دعوة خفیة ماکرة للتناص بین الشخصیة التراثیة، ونظیرتها المعاصرة، دون تصریح أو توضیح.

     ثم یصل الکاتب، إلى الهدف الأصیل لهذا المقال، وکأن لسان حاله یقول:  یا رئیس مصر احذر طبیعة مصر وأهلها، تلک الطبیعة التی استعصت على کل جبار ظالم .. تلک الخصائص المصریة الجینیة التی جعلت الحجاج – رغم کل ما عُرف عنه من ظلم وجبروت- أن یلتزم العفة عن الظلم فی حدیثه عن مصر، وهو الذی ظلم أکثر من شعب عربی، علاوة على مدحه لأهلها وإکباره لهم، یتضح هذا فی وصیته لطارق بن عمرو، وأنقلها کاملة کما قدمها الکاتب؛ لبیان مکانة المصریین ومصر فی نفس وعقل الحجاج أولا، ثم قدرة الکاتب على الاقتباس المحترف ثانیا. یقول الحجاج فی وصیته لطارق بن عمرو:

   "لو ولاک أمیر المؤمنین مصر فعلیک بالعدل، فهم قتلة الظلمة وهادموا الأمم، وما أتى علیهم قادم بخیر إلا التقموه کما تلتقم الأم رضیعها، وما أتى علیهم قادم بشر إلا أکلوه کما تأکل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل ولا یغرنک صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما ترکوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما ترکوه إلا وقد قطعوا رأسه، فاتق غضبهم ولا تشعل نارًا لا یطفئها إلا خالقهم، وانتصر بهم فهم خیر أجناد الأرض، واتق فیهم ثلاثًا:1- نساءهم . 2- أرضهم. 3- دینهم.  إنهم صخرة فی جبل کبریاء الله، تتحطم علیها أحلام أعدائهم، وأعداء الله" .

     وبتأمل تلک السطور السابقة –القلیلة فی عددها الثریة فی محتواها- نجد أنفسنا أمام خطاب سیاسی مدهش، سابق لعصره فی روعة البیان، وأسلوبیات الکتابة الراقیة، التی طرقت کثیرًا من آلیات ومناهج الکتابة .. فما من ظاهرة أسلوبیة لغویة نبحث عنها إلا تجد لها نصیبًا فی ذلک الجزء من وصیة الحجاج، ونماذج من ذلک:

-       الأسلوب الشرطی غیر الجازم الذی افتتح به الوصیة " لو ولاک أمیر المؤمنین .. فعلیک بالعدل".

-       الازدواج من خلال الجمل القصیرة المکثفة التأثیر، ذات الإیقاع النغمی الراقی، ومثال لذلک حدیثه عن المصریین: " فهم قتلة الظلمة .. وهادموا الأمم".

-       التأکید بأکثر من وسیلة، وأعلاها فی الوصیة "القصر" بالنفی والاستثناء فی قوله : " وما أتى علیهم قادم بخیر إلا التقموه کما تلتقم الأم رضیعها، وما أتى علیهم قادم بشر إلا أکلوه کما تأکل النار أجف الحطب".

ولا یخفى أیضًا ما فی الجملتین السابقتین من مقابلة تعمق المعنى وتمنحه توکیدًا، وازدواجا موسیقیا یتضامن مع الموسیقا الصادرة منٍ تأکید الفعل بالنون بعد الطلب (النهی) فی قوله : "ولا یغرنک صبرهم" فقد آثر التوکید فی هذا الموضع على الرغم من أنه جائز، حتى یتحقق الجرس الموسیقی والظل المعنوی فی آن واحد.

-       وکذلک فکرة التشبیه والتشخیص والتجسید، التی تقرب الصورة، فمصر تلتقم القادم بخیر کما تلتقم الأم رضیعها، حیث صور مصر بالأم الحنون، فی أرق حالات التواصل الإنسانی .. حالة الرضاعة، وعلى النقیض، مَن قدِم إلیها بشر تکون مثل النار الذی تلتهم الحطب. ولایخفى ما فی هذه الصورة من تجسید. ومن التشبیهات الآسرة للب فی هذه الوصیة وصفه للمصریین بـ " إنهم صخرة فی جبل کبریاء الله"، تصویر ابتکاری مدهش فی دلالته على عناد المصریین، وقدسیة کبریائهم، ذلک الکبریاء الذی استمدوه من عظمة وکبریاء الله، حیث صور کبریاء الله بالجبل الذی هم صخرة فیه..

وهکذا نرى کیفیة تأثر أسلوبیات الخطاب السیاسی المعاصر بالتراث التاریخی، والشخصیات الجدلیة فی تاریخنا الإسلامی، وتوظیف ذلک بشکل احترافی؛ لإسقاطه على الواقع السیاسی الذی تعیشه مصر. وقد یرى بعض النقاد أن قیاس الکاتب لیس فی موضعه، وبه افتئات؛  لکن موضوعیة الدراسة تقتضی تسجیل وتحلیل هذا النمط الکتابی فی تلک الفترة.

******

 

          عنوان المقال :"الموقف الأمریکی" (13) .                                    بقلم: محمد سلماوی.

العرض الموضوعی :

    فکرة المقال بیان للموقف الأمریکی المتمیع، تجاه الأزمة السیاسیة فی مصر، أزمة "دستور الإخوان" کما یحلو للبعض أن یسمیها، وبرغم من أن هذه الفکرة هی المحک للمقال؛ إلا أن الکاتب مهّد لتلک الفکرة ببعض الشعارات التی رفعتها الجالیة المصریة، أمام البیت الأبیض، وهی شعارات کلها مناهضة للإخوان.

 

التحلیل الأسلوبی :

   (الإخوان المجرمین باعوا الثورة باسم الدین!)، (الشرعیة للمیدان..مش للمرشد والإخوان!)، (الدستور للمصریین مش لبتوع تجار الدین)، (افرح افرح یا مبارک .. مرسی بیکمل مشوارک)، (عیش حریة.. إسقاط التأسیسیة) .

    بتلک الشعارات والهتافات بدأ الکاتب مقاله، حیث اعتلت الصدارة، معلنة عن موقفه من التأسیسیة والدستور، وفصیل الإخوان، ولاعیب فی ذلک، ففن المقال من أوثق الفنون بالذاتیة والأیدولوجیة الفکریة. ولکن الکاتب انتقى من تلک الهتافات، أشدها إیقاعًا فی قاموس المعارضة السیاسیة، ومن ثَم خرجت الألفاظ من إطار النقد السیاسی أو المعارضة، إلى حد السب والتخوین، وتلک إحدى الأسلوبیات التی أفرزتها ثورة 25 ینایر، وما تلاها من أحداث. فمثلاً لم نجد الشعار یلتزم باسم الجماعة (الإخوان المسلمین)؛ بل حل السب مکان لفظ "المسلمین" فکانت (الإخوان المجرمین) توصیف واضح وصریح لهؤلاء، بأنهم (مجرمون).

      ویلی هذا السب الاتهام بالتخوین..لماذا؟  لأنهم (باعوا الثورة باسم الدین) وبغض النظر عن حقیقة الإخوان، وصدق أو کذب ما وصِفوا به،  یبقى أن هذا هو رأی الفصیل الآخر المعارض، وذاک هو أسلوبهم فی التعبیر، فالإخوان من وجهة نظرهم، "تجار دین" : (الدستور للمصریین مش لبتوع تجار الدین).

   ولقد نقل الکاتب تلک الهتافات، نقلاً نصیًا فلم یتدخل فی تصویب اللغة، أو تحویلها من العامیة إلى الفصحـى: "مش لبتوع " . وهکذا .. وهذا توجّه سیطر على لغة الخطاب السیاسی المقروء فی فترة ما بعد الثورة؛ حیث رأیناه فی کثیر من المقالات ومنها هذا المقال، وقد یکون هذا العرض النصی إمعانًا فی المصداقیة، ونقل نبض الشارع المصری.

     وبعد هذا العرض لهتافات المعارضین، یستأنف الکاتب حدیثه بالفصحى، بجملة فعلیة منفیة(لم تکن) لإزالة إبهام وفهم خاطئ، قد یصل إلى القارئ،  وهو:  أنه قد یظن أن هذه الهتافات من أحد میادین الثورة فی مصر، فیقول : "لم تکن هذه الهتافات هی ما ارتفع فی میدان التحریر یوم أمس، وإنما کانت تلک هی التی انطلقت أمام البیت الأبیض فی واشنطن فی مظاهرة حاشدة قام بها المصریون...".

     ولکنه فی حالة الإثبات استعمل الفعل الناسخ نفسه (کانت) ولکن فی صورة الماضی الدالة على تحقق الحدث ومؤکدًا له بأداة القصر "إنما" التی تناسب تأکید ماهو واضح وظاهر(14). ثم یوظّف الکاتب ثلاثة روابط إحالیة متتالیة لتوضیح فکرته، ودعم تماسک بنیة النص، على هذا النحو:  (تلک هی التی ..) حیث وردت (تلک) اسم إشارة مؤنث لإفادة البعد، وکأنها تشیر، إلى بعد المسافة أیضًا بین میدان التحریر، والبیت الأبیض فی واشنطن، ونلاحظ هنا دقة الاختیار الذی یراعی التلاؤم بین الدلالة النحویة، والمعانی النفسیة. ثم الضمیر المنفصل للمؤنثة الغائبة (هی) للإحالة البعدیة الخاصة بالهتافات التی انطلقت أمام البیت الأبیض. بما یمنحه هذا الضمیر من تصور وتخیل أرحب للوضع هناک (15) . ثم (التی) الاسم الموصول للإحالة البعدیة الخاصة بالهتافات کذلک. وقد کان من الممکن أن یستغنی الکاتب عن اسم الإشارة، والضمیر، ویکون الترکیب على النحو التالی :(وإنما کانت التی انطلقت..) ولکنه آثر تماسک البناء النصی مستغلا تلک الروابط،  وفضّل الأجمل لغویًا مما منح الصیاغة شکلاً، من أشکال التوکید الملموس من استعمال الضمیر (هی) الذی یتسق مع (إنما) فی صدر الجملة.

     کذلک استعان الکاتب ببعض دلالات الکثرة والغلبة، کما فی قوله :"هتافات" بصیغة جمع المؤنث السالم، وکذلک لفظ "حاشدة"، بصیغة اسم الفاعل الدالة على قوة الحدث، وکأن هذه المظاهرات الحاشدة، متجددة لاتتوقف.  وقد یتساءل القارئ: (لماذا تلک المظاهرات؟ ) وتأتی الإجابة بصورة مباشرة.. " ... تعبیرا عن موقفهم مما یجری فی بلادهم".. نرى أن الکاتب آثر أسلوب الإطناب، بصیاغة الحدث فی البدایة، بشکل إجمالی، عن طریق الاسم الموصول المشترک (ما) فی قوله: "مما یجری" ثم تفصیل" ما یجری" فی کلمات لاحقة وهی:

  "سطوة جماعة المسلمین، واختطاف الدستور، وقتل المتظاهرین، واستکمال سیاسة النظام السابق.." هکذا صاغ الکاتب فکرته عن الإخوان، حیث وزع معجمه اللغوی، کما لو کان فی النیابة أو تحقیق شرطی، وهذا القاموس الذی استجلب منه مفرداته، یتسق تمامًا مع أول کلمتین فی مقاله: ( الإخوان المجرمین) وهذه المفردات على التوالی هی : (سطوة- اختطاف- قتل) فماذا یتبقى بعد ذلک لنحکم على تلک الجماعة بالإجرام والبلطجة؟!!

    وینتقل الکاتب بعد ذلک إلى المتحدثة الرسمیة للخارجیة الأمریکیة (فیکتوریا نولاند) محاولاً إبراز موقف أمریکا المتمیع، تجاه ما یحدث فی مصر متعللة بالدیمقراطیة، فیقول الکاتب نقلاً عن (فیکتوریا نولاند) :"الوضع فی مصر ملتبس وغیر محدد"، ویفسر الکاتب هذا الموقف مستخدمًا أداة التعلیل " کی" فی قوله: "کی تبرر تخلف الموقف الأمریکی عن الأحداث التی تشهدها مصر الآن دفاعًا عن الدیمقراطیة التی صدعت الولایات المتحدة أدمغتنا سنوات طویلة بحدیثها عن دعمها لها..." ،  وهکذا یبدو موقف الکاتب من السیاسة الأمریکیة، تجاه ما یحدث فی مصر من تنازع التأسیسیة والدستور، متهمًا إیاها بصورة صریحة بمؤازرة " مرسی" وغض الطرف عن تجاوزاته هو وجماعته، علاوة على إشادة (نولاند) بما قام به مرسی فی أزمة غزة.

  ویختتم الکاتب المقال بظاهرة أسلوبیة، انتشرت فی معظم الکتابات المقالیة، وهی المقارنة وإسقاط الماضی القریب على الحاضر، وکأنه إنذار، حیث یقول :

      "مثلما تذکرنا الملیونیات التی تشهدها مصر منذ یوم الثلاثاء الماضی بمثیلتها فی ینایر 2011 فإن التصریحات الأمریکیة هذه تذکرنا هی الأخرى بمثیلتها فی ذات الشهر حین تمیع الموقف الأمریکی .. متمسکًا بمبارک ودوره التاریخی فی الوساطة بین حماس وإسرائیل". وقد جاءت الصیاغة اللفظیة متفقة، مع فکرة الکاتب من حیث تشابه الموقفین، حیث بدأ الفقرة بألفاظ متلائمة مع المعنى على هذا النحو: (مثلما- مثیلتها - هی الأخرى) ، ثم مثیلتها (مرة ثانیة). وبهذه المقارنة ختم الکاتب مقاله، مبینا أن النتیجة أیضا سوف تکون متماثلة، وستغیر أمریکا موقفها کما حدث مع مبارک، حیث جاء التغییر فور إدراکها بعدم جدوى مبارک لها ،" فغیرت موقفها بین لیلة وضحاها".

******

 

عنوان المقال :دستور فی خریف عاصف(16).                            بقلم:أیمن الصیاد.

العرض الموضوعی :

    الکاتب "أیمن الصیاد"، یقدم فی بدایة المقال ببیلوجرافیا للأحداث المهمة فی مصر، وخاصة الأحداث التی ظهرت فی شهر أکتوبر، شهر"الخریف" رابطًا بین أجواء الخریف، مناخیًا، والأجواء السیاسیة فی مصر. وکان هدفه من ذلک العرض، بیان حالة الاستقطاب السیاسی التی وصلت إلیها البلاد فی ظل ظروف سیاسیة خریفیة، لا یستقیم معها صناعة دستور، یحتاج إلى الربیع السیاسی ولیس لخریفه.

التحلیل الأسلوبی:

  "هذا هو الأسبوع الأخیر، فی شهر أکتوبر، شهر الخریف کما یسمیه الجغرافیون، وشهر الانتصارات، کما کنا قد درجنا نحن "المصریون" على تسمیته، وشهر الأنواء والعواصف، والتقلبات والانقسامات. کما کان هذا العام سیاسیًا بامتیاز".

    یفتتح الکاتب مقالته بتلک الفقرة التشویقیة، التی تقوم على عدة جمل متنوعة، فی بنائها الترکیبی، حیث زاوج بین الاسمیة والفعلیة، یقول: " هذا هو الأسبوع الأخیر"، نلحظ البدایة باسم الإشارة، المبتدأ، بما فی هذا من لفت الانتباه والتشویق إلى المشار إلیه، ثم التحول إلى الجملة الفعلیة فی قوله: " کنا قد درجنا .."، "کان هذا العام سیاسیًا.." وقد سار الکاتب، فی هذه المقدمة على نسق لغوی متکرر، (مستعملاً الکاف+ ما+ الفعل )، على هذا النحو:

(کما یسمیه الجغرافیون) ، (کما کنا قد درجنا ) ، (کما کان هذا العام). وهذا التکرار مع التوازن الملاحظ فی طول الجملة، وتنوع الفعل من المضارع إلى الماضی؛ قد منح السیاق انسجامًا صوتیًا، وترکیبیا، ونفسیا یشیر إلى التوازن الفکری، والمنطقی للکاتب، ذلک التوازن الذی یحسه المتلقی، عند الربط بین الإیقاع الصوتی، والدلالة المعنویة، کذلک التوازن بین المقدمة الافتتاحیة، وعنوان المقال والمقال ذاته؛ مما أعلى من قیمة الوحدة العضویة فیه؛ حیث أوضحت المقدمة المقصود بـ" دستور فی خریف عاصف!" من خلال عقد المقارنة بین المناخ الجغرافی، فی هذا الشهر، شهر أکتوبر، والمناخ السیاسی المسیطر، على مصر فی ذلک الوقت.

    وقد اعتمد الکاتب، فی أکثر من موضع على الإطناب، وکانت وسیلته فی ذلک، الإجمال الذی یلیه التفصیل، ومن أمثلة ذلک: (کما کان هذا الشهر سیاسیًا بامتیاز..)، وهذا إجمال فصّله الکاتب بعرض أیام شهر أکتوبر، وبیان ما حدث فیها، فی قوله:

(فی السادس من أکتوبر ..)، (فی التاسع من أکتوبر ..)، (فی الثانی عشر من أکتوبر ..). " فی التاسع من أکتوبر؛ اختلفنا حول المائة یوم الأولى للرئیس المنتخب، بین قائل بفشلها، أو مُدلِّل على نجاحها، أو مُذکِّر بصعوبة الامتحان". ونلحظ الازدواج الموسیقی بین تلک الجمل المعطوفة، باستعمال حرف النسق (أو) ودلالته على التقسیم(17)، الذی یتلائم مع الانقسام الفعلی بین المصریین. وتتضح کذلک المقابلة التی ترسخ وتعمق فکرة الانقسام، والاختلاف الشعبی فی قوله: (قائل بفشلها- مُدلٍّل على نجاحها). وتلک ظاهرة أسلوبیة حجاجیة لإقناع المتلقی، وقبول ما یطرحه علیه المؤلف من أفکار، وتوظیف حرف العطف بهذه الصورة، یؤدی إلى تکرار صیغ نحویة متماثلة، مع ظهور أداة الربط مکررة فی کل الجمل(18). فنلحظ صوغ (قائل) على اسم الفاعل من الثلاثی، ثم المعطوف بعد أو (مدلّل) وهو اسم الفاعل أیضًا، ولکنه من غیر الثلاثی، وکذلک المعطوف بعد أو الثانیة (مُذکِّر) بالوزن ذاته، ولا یخفى ما فی هذا التوازن الترکیبی والدلالی والصوتی، من توافق یدعم السیاق.

    وعلى هذا النمط جاء قول الکاتب: "فهل هذا مناخ یصلح لکتابة دستور یطمئن إلیه المتشککون أو المتوجسون أو القلقون ..؟" بتکرار نفس الصیغة النحویة (أو + جمع المذکر السالم)، وکذلک الاشتراک المعنوی الناتج عن الترادف الجزئی.

   وثمة ظاهرة أسلوبیة تنتظم المقال کله؛ وهی ما یمکن أن نسمیها بالجملة المرکزیة، أو اللازمة التی تکررت خمس مرات، حیث ترد بعد کل فقرة، من فقرات المقال، مع تعدیل أو تذییل أو تغیر طفیف، تلک هی الجملة الإنشائیة الاستفهامیة، (فهل هذا مناخ یصلح لکتابة دستور یطمئن إلیه المتشککون؟)، (فهل هذا مناخ یصلح لکتابة دستور یرضى عنه الناس؟)، (وهل هذا مناخ یصلح لکتابة دستور یرضى عنه أحد؟). وهذا التکرار له دلالة رمزیة تدعم فکرة رفض الدستور،  کما أنها ترتبط بالعنوان، وهو: (دستور فی خریف عاصف!)، خاصة صدر الجملة المتکرر دون تغیر (فهل هذا مناخ ...؟)، وقد أسهم هذا التکرار الصوتی، فی إبراز تلک الدلالة الرمزیة، ولعل هذا ما أوضحه "خوسیه ماریا" حیث یقول عن الظواهر الممیزة للتعبیر الصوتی الأدبی:

   "تکرار الأصوات: ویتمثل فی تکرار ملامح صوتیة متساویة أو متشابهة جدًا من الناحیة السمعیة فتتکرر الوحدة الصوتیة نفسها أو مجموعة الفونیمات فی کلمتین متتالیتین أو أکثر، بتکثیف معین، حتى یمکن الحصول على تأثیر رمزی أو تحفیز للمضمون انطلاقًا من التعبیر"(19) .

     وفی تصوری أن الکاتب، قد حقق توازنًا فکریًا وأسلوبیًا واضحًا، فی هذا المقال، مما أکسبه منطقیة لدى المتلقی؛ فهو یتعرض لقضیة الدستور، بآلیاته الحجاجیة، بشکل یمیل إلى الحیادیة، متأثرًا فی ذلک بالتراث الشعبی الفصیح حینًا مثل قوله: "وهذا مربط الفرس.."، وکذلک القول المأثور: ( ما بنی على باطل فهو باطل)، ومستعینًا بالمصطلحات السیاسیة، والدینیة حینًا آخر، کالعلمانیة، والدولة المدنیة، إسلامیی التأسیسیة وغیر ذلک. مما حقق له ما یسمى بالذرائعیة(20) بینه وبین المتلقی، أو ما یعرف بنظریة التواصل الأدبی.

 

*********

 

[3] تحلیل الخطاب السیاسی الإعلامی فی الصحف الحزبیة ( الحریة والعدالة – الوفد ) نموذجا

عنوان المقال :البرادعی + موسى + صباحی = صفر(21).           بقلم: محمود حسن جناحی

العرض الموضوعی:

    فی هذا المقال، یبرز الکاتب الخلل الواضح، فی تلک الجبهة المعارضة المسماة: "بجبهة الإنقاذ"، والتی یدعمها ثلاثة من المشاهیر: "البرادعی وموسى وصباحی". حیث یتناول الکاتب تلک الشخصیات الواحدة تلو الآخرى مبینًا، لماذا لا یصلح أن یکون شخصیة وطنیة، تقف فی صفوف المعارضة، وأن ما یسمونه "جبهة الإنقاذ" لمعارضة النظام والتأسیسیة والدستور، ماهو إلا ستار لأغراض شخصیة مفضوحة ومعلومة، لمن یقرأ المواقف الحدیثة والقدیمة لهم برویة.

التحلیل الأسلوبی:

      أشد ما یلفت النظر فی هذا المقال بدایة، هو طریقة کتابة العنوان، على هذا النحو:

(البرادعی + موسى + صباحی = صفر) وکأنه معادلة، أو مسألة حسابیة دقیقة وموزونة، لا یشوبها لبس، کما أن هذا العنوان یتسق ومضمون المقال، الذی یبرز أن لکل من هؤلاء حساباته الخاصة، التی یسعى ویتحالف، ویعارض من أجلها.  یطلق الکاتب على هؤلاء الثلاثة: "الثلاثی المرح" متأثرًا فی ذلک بالکومیدیا المصریة، وبتعبیر ساخر یقول: "یقود هذه المهزلة الثلاثی المرح.." وقد آثر هنا استخدام الجملة الفعلیة، بفعلها المضارع (یقود..) بدلالته على استمرار الأزمة، واستحضار طبیعة الخلاف بین الجبهة، والنظام والدستور.  یلی هذا الفعل المضارع، ونلحظ أن الکاتب قدَّم المفعول به + البدل (هذه + المهزلة) على الفاعل، وهو: (الثلاثی المرح) بما فی ذلک من إشارة إلى إهمالهم وعدم الاهتمام بشأنهم، ولکن الاهتمام کله منصب على فعلتهم، ونعته بأنه مهزلة. وعلى النسق نفسه –أی الإشارة ثم البدل- یقول: "تحول هؤلاء الثلاثة –وقد کان بإمکانهم أن یکونوا معارضین شرفاء- إلى أدوات رخیصة بید فلول النظام السابق. تحولوا إلى دیکورات یسیرها من قریب أمثال نجیب ساویرس، ومن بعید أمثال أحمد شفیق!". وتتمتع هذه العبارة  بتناسق واضح فی السیاق، وکانت وسیلة الکاتب فی ذلک، هذا البناء الترکیبی المتماثل تقریبا:   - (استعمال الفعل الماضی + الفاعل اسم الإشارة + الجار والمجرور). 

              (تحول               +        هؤلاء       + إلى أدوات رخیصة)، یقابل هذه الجملة :

        - (استعمال الفعل الماضی + الفاعل (الضمیر واو الجماعة) + الجار والمجرور).

             (  تحول              +            وا                  + إلى دیکورات).

      کما وظّف الکاتب الفصل والاستئناف - الذی حدث بین الجملتین التالیتین- بصورة صحیحة بلاغیا، حیث یقول:"  تحول هؤلاء الثلاثة إلى أدوات رخیصة ... تحولوا إلى دیکورات"، وأقصد بذلک عدم استعمال الکاتب لأداة عطف رابطة للجملتین، مما یشیر إلى الرابطة المعنویة بینهما، واتفاقهما فی المعنى، ولو استعمل الکاتب هنا أداة عطف فکأنه عطف الشیء على ذاته وهذا یمتنع بلاغیًا(22).

   ومن الظواهر الأسلوبیة التی تمیز بها الکاتب کذلک، توظیفه للتضاد لبیان عمق المؤامرة على الدستور ، نرى هذا فی قوله: "تحولوا إلى دیکورات یسیرها من قریب أمثال نجیب ساویرس، ومن بعید أمثال أحمد شفیق!". وکذلک قوله فی وصف حالة " حمدین صباحی": " أما حمدین صباحی المناضل الناصری...فهو یجهل أن الانتخابات الرئاسیة قد انتهت وأن الدکتور مرسی هو الفائز، وأنه –صباحی- قد خسر من الجولة الأولى..."

   ثم یتوجه الکاتب بعد ذلک، إلى تفصیل ما أجمله فی بدایة المقال، مستخدمًا أداة الشرط والتوکید (23)  قائلاً:

"وأما البرادعی رئیس حزب الدستور، فهو الأکثر قابلیة لیکون مجرد قطعة دیکور..". ویمکن تحلیل النظام الترکیبی للجملة السابقة على هذا النحو: ( أما + اسم (مبتدأ) + اسم نعت للمبتدأ + الخبر مقترنًا بالفاء).    

  "أما المسکین عمرو موسى فقد کان الخیار الأفضل له أن یتقاعد ..." ویمکن تحلیل الترکیب على النحو التالی:   

     ( أما + المبتدأ +   الاسم (البدل)   + (فاء أما + الخبر)

  "أما حمدین صباحی، المناضل الناصری فمشکلته الرئیسیة تتمثل قی فقدانه لقیمة الزمن"

  ( أما +   المبتدأ   +      اسم( نعت)    +( فاء أما + الخبر)

      فالکاتب عمد إلى ربط أجزاء المقال، وتحقیق الوحدة بین أجزائه، من خلال هندسة النظام الترکیبی للجمل، على النحو السابق، وقد نوّع فی شکل الخبر فی الجمل الثلاث،  ففی الأولى کان الخبر الجملة الاسمیة المقترنة بفاء (أما) وهو: (فهو الأکثر قابلیة). بینما فی الجملة الثانیة جاء الخبر جملة فعلیة، فعلها ماضٍ مؤکد بقد المتصلة بفاء (أما) وهو: (فقد کان...)، ونلحظ توالد الجمل حیث أتى خبر الجملة الفعلیة الخبریة (کان الخیار .. أن یتقاعد)، بصیغة المصدر المؤول (أن یتقاعد). وفی الجملة الثالثة عدل عن الإخبار بالفعلیة إلى الاسمیة حیث یقول: (أما حمدین.. فمشکلته الرئیسیة تتمثل فی..) فالخبر: "فمشکلته تتمثل" ونلحظ أیضًا أن خبر الجملة الاسمیة جملة فعلیة (تتمثل)، ویکون تحلیل الترکیب على النحو التالی:  (مبتدأ (مشکلة) +ضمیر(الهاء) للغائب+ خبر المبتدأ الثانی فعل مضارع (تتمثل) +ضمیر مستتر(هی)           

       کما استعمل الکاتب، عدة تشبیهات، تعقیبًا على حدیثه عن کل شخصیة من الشخصیات الثلاثة، وتوضیح ذلک فیما یلی:   "هذا هو المسخ الذی یمثل الطرف الأول فی جبهة إنقاذ الفلول" والحدیث عنالبرادعی، حیث یشبهه بالمسخ لأنه مجرد أداة، لتنفیذ مخططات غیره، یقول: " أما البرادعی... فقد کان لسنوات طویلة، ومن خلال عمله مدیرا للوکالة الدولیة للطاقة الذریة مجرد ممهد لغزو العراق، وإذلال شعبه، وقد کوفئ على ذلک بمنحه نوبل للسلام". ثم  "هذا هو المسکین الذی یمثل الطرف الثانی فی جبهة إنقاذ الفلول" والحدیث عن عمرو موسى الذی شبهه بمسکین لا حول له ولاقوة. مستشهدا بموقفه فی مؤتمر"دافوس". ثم "صباحی هو نجم جبهة إنقاذ الفلول". حیث شبهه بنجم جبهة إنقاذ الفلول؛ لریادته فی دحض انتخابات " مرسی" وطعنه على الدستور والتأسیسیة. وکأنه یقول:" هو الذی تولى کبره منهم، هو رأس هذا الإفک المسمى (بجبهة الإنقاذ الوطنی)" مما یذکرنا بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِینَ جَاؤُوا بِالْإِفْکِ عُصْبَةٌ مِّنکُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّکُم بَلْ هُوَ خَیْرٌ لَّکُمْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اکْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِی تَوَلَّى کِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِیم) [النور:11].

    ولا نعدم فی هذا المقال، سمة أسلوبیة قدیمة جدیدة فی آن واحد، وهی الاقتباس من الشعر العربی القدیم وإسقاطه على الموقف الحاضر، بما یتطلبه السیاق ومن ذلک قوله فی حدیثه عن "عمرو موسى" عندما کان أمینًا للجامعة العربیة: " فلا خبر جاء ولا وحی نزل" متـأثرًا فی ذلک بالتراث الشعری العربی فی قصیدة عبدالله بن الزبعری:                    لعبت هاشمُ بالملک فلا             ملک جاء ولا وحى نزل (24) 

 وکذلک قوله عن صباحی فی سیاق تهکمی ساخر؛ بسبب تصریحات صباحی وتهدیده المستمر بعدم تمریر الدستور، وتوعده للنظام:    زعم صباحی أن سیقتل مربعًا             أبشر بطول سلامة یا مربع

حیث اقتبس هذا من الشاعر الأموی "جریر" : زعم الفرزدق أن سیقتل مربعًا    أبشر بطول سلامة یا مربع(25)

    وقد ختم المقال بالبیت السابق تعقیبًا على قوله الساخر: "هکذا یقود الثلاثی المرح جبهة إنقاذ الفلول ونحن مستبشرون بمصیر الفلول.

******

             عنوان المقال : الدستور والمیلیشیات وثقب الأوزون(26).               بقلم: د.محمود العادلی

العرض الموضوعی:

    فی هذا المقال، یتحدث الدکتور محمود عن رفضه، ورفض کثیر من المصریین لهذا الدستور، دستور "الإخوان المسلمین"، حیث یرى أن الإخوان والسلفیین، فرضوا هذا الدستور، بالقوى المسلحة أوما أطلق علیه (میلیشیات الإخوان)، ویستطرد فی الحدیث عن فصیل الإخوان، بأنهم جماعات منغلقة، ذات إطار فکری معین، قائم على مبدأ السمع والطاعة، وهذا الفکر تم زرعه فی عقولهم، من خلال ثقافة أهل الکهف.

التحلیل الأسلوبی:

    أول ما یلفت الانتباه فی هذا المقال، هو عنوانه،  فهوعنوان یثیر الدهشة: (الدستور والمیلیشیات وثقب الأوزون)، وأول سؤال یطرحه الذهن هو: ما العلاقة بین تلک الثلاثیة؟ ما صلة الدستور بالمیلیشیات وثقب الأوزون؟ ولکن بالانتقال إلى المقال، تزول هذه الدهشة، کما سوف یتضح من التحلیل الآتی:

     یبدأ المقال بمقدمة متأثرة بمعجم الثورة اللفظی فی قول الکاتب:"جمعة الکارت الأحمر .. جاءت بعد أن سال الدم الأحمر.."، وقد اتخذ یوم الجمعة أسماء کثیرة، أثناء الثورة وبعدها مثل: (جمعة الغضب – جمعة القصاص – جمعة الخلاص )، وکانت هذه هی جمعة (الکارت الأحمر)، کنایة عن إنذار النظام، والحزب الحاکم الذی یحاول تمریر الدستور. وینتقل الکاتب سریعًا إلى ربط موضوع المقال بعنوانه، فیقول مستعینًا بطریقة الحوار الذی اختاره أسلوبًا لمقاله: "عن المیلیشیات سألونی ..فقلت: المیلیشات هی تنظیم شبه عسکری.."، ویستفیض الکاتب، فی بیان المقصود بالمیلیشیات، إلى أن یصل أن هذه المیلیشیات الموجودة فی مصر، من صنع جماعات لها أفکار خاصة (یقصد الإخوان)، فیقول فی سیاق الرد على سؤال من یحاوره: "قلت: إنها میلیشیات تابعة لجماعات ذات إطار فکری معین.. فکر تم زرعه فی عقولهم من خلال ثقافة أهل الکهف.. ومن خلال مجتمعات منغلقة". والکاتب بذلک یربط بین فکرة التسلح، والانغلاق الفکری بشکل مباشر.

    ویواصل الکاتب عرض فکرته، مستمرًا فی أسلوبه القائم على الحوار التخیلی:" قالوا: طیب کیف تهیمن الحکومات المنغلقة التفکیر على المجتمعات المفتوحة؟ قلت: حتى تحکم الحکومات المنغلقة علیها أن تطبق نظریة سد ثقب الأوزون .."، واستفاض الکاتب فی بیان العلاقة بین النظریة العلمیة، فی سد ثقب الأوزون، وبین الإخوان المسلمین والسلفیین، مشیرًا إلى أن الإخوان أرادوا إخضاع مصر کلها لمبدأ السمع والطاعة. وحتى یضمنوا "إدخال المصریین کافة فی بیت الطاعة الإخوانی والسلفی.." قاموا بسد ثقب الأوزون. (وثقب الأوزون) من وجهة نظر الکاتب: "القضاء والإعلام"؛ لأنهما "أهم سببین یمکن أن یسببا تآکل (الأوزون) الذی هو مبدأ "السمع والطاعة". ومن ثم یتضح مغزى العنوان، وتنکشف العلاقة بین الکلمات الثلاثة: (الدستور- المیلیشیات – ثقب الأوزون)، وفی ضوء ذلک یمکن تحلیل عنوان المقال على هذا النحو: إنه تم تمریر الدستور، بواسطة المیلیشیات المسلحة، التی عملت على سد ثقب الأوزون الذی هو (القضاء والإعلام)، من خلال محاصرة المحکمة الدستوریة، ومدینة الإنتاج الإعلامی؛ حتى لا یحدث التآکل فی مبدأ السمع والطاعة.

    وإذا کان الکاتب، قد اتخذ الحوار القائم على السؤال الاستفهامی أسلوبًا له، فقد وظف ظاهرة الأسلوبیة  انتظمت المقال من بدایته، وهی: الإطناب والتفصیل بعد الإجمال، وهذا الملمح، یسیطر على المقال من أوله إلى آخره، مثال ذلک:

    "قالوا: یعنی إیه مجتمعات منغلقة قلت: یقصد بالمجتمعات المغلقة أو المنغلقة تلک المجتمعات التی تتسم   

    بثقافة منغلقة أی غیر مفتوحة على الثقافات الأخرى". وقد کان من الممکن أن یکتفی السیاق بتعریف واحد.

    ومما یؤخذ على الکاتب اعتماده على اللغة العامیة، بشکل مکثف، ومن نماذج ذلک: طرحه للسؤال: (یعنی إیه)،(قالوا: عشان کده)، (قلت: لأ.. هم شالوا النائب العام) (آه یانی.. من دستور الغریانی)، (کنت فین یا لأ لما قلت آه).

کما یؤخذ علیه بعض أخطاء النحو، وأخطاء الکتابة، ومن أمثلة ذلک :"مجلس الشعب الغیر مأسوف على شبابه"، حیث أدخل (أل) التعریف على غیر، وهذا یتناقض مع الصواب، والبلاغة؛ لأن (غیر) من الکلمات الموغلة فی الإبهام والتنکیر، کما أنه ملازم للإضافة مما یحجب عنه (أل)، وکذلک قوله: (فالأخوان المسلمین هم الذین تسببوا..) والصواب "الإخوان المسلمون"؛ لأنها نعت للمبتدأ. وتکتب الهمزة المکسورة أسفل الألف.

-       وکذلک عدم الالتزام بمواضع همزة القطع، وألف الوصل؛ فعلى سبیل المثال: (الإندماج) والصواب إنها ألف وصل،لا ترسم تحتها،أو فوقها همزة، ویکون الشکل الصحیح لها: (الاندماج)؛ لأنها مصدر للفعل الخماسی "اندمج"، ومن ذلک کثیر: (إنتخابات ، إنعدام) والصواب (انتخابات ،انعدام) بدون همزة لأنها ألف وصل(27).

-         استعمال الکاتب لکثیر من حروف المعانی، مثل العطف (الواو- أو)

-         کذلک استعان الکاتب- فی سیاق التعریف "بالمیلیشات"- بمصطلح (جهوی)وهو قلیل الاستخدام فی مقالاتنا العربیة لذلک أردت تفسیره والوقوف علیه:

      (الجهویة بالفرنسیة Regionalism... هذا المصطلح هو سیاسی إداری.. ومصدره جهة، وهی ترجمة للکلمة الفرنسیة Region وهی تعنی أیضًا إقلیم أو منطقة. وتعنی الجهویة السلوک الاجتماعی المتجه نحو إبراز وتعزیز خصائص وممیزات إقلیم معین، وذلک بالدفاع عن هذه الخصائص وحفظها فی إطار الدولة من خلال المطالبة بمنح صلاحیات أوسع أو حکم ذاتی للإقلیم).(28) ولعل هذا المعنى ما قصده عندما تحدث عن المیلیشیات، "بأنها تتکون"کقوات دفاعیة یقع تشکیلها من طرف السلطات أو مواطنى منطقة سکنیةأو جغرافیة محددة فی إطار جهوی بحت".

الخاتمة

   الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على سید المرسلین ..

   بعد رحلة – لیست بالقصیرة - فی الصحف المصریة، ما بین قومی وطنی، ومستقل معارض، وحزبی مدافع عن مبادئ حزبه ومناهض للآخر. قد وقف هذا البحث على عدة نقاط، تبدو مفصلیة فی بیان المستجدات الأسلوبیة على لغة الخطاب السیاسی الإعلامی المقروء، حیث اتسعت لغة الخطاب السیاسی بامتیاز بعد ثورة 25  ینایر وما لحقها من أحداث.

  وفیما یلی بیان لأهم ما توصل إلیه البحث من الظواهر الأسلوبیة المستجدة:

*التوسع فی توظیف التراث التاریخی السیاسی بمفرداته، وإسقاطه على الواقع السیاسی المعاصر، فی نوعٍ من التناص بین الشخصیات والأحداث.

 *استعمال مفردات لغویة جدیدة، ومصطلحات لم تکن مستعملة، أفرزتها الثورة والأوضاع السیاسیة، مثل: الدولة الرخوة ، سیولة سیاسیة، الإسلام السیاسی، الدولة الدینیة، جمعة الخلاص، الجمعیة التأسیسیة، الإعلان الدستوری. إلى غیر ذلک من ألفاظ من الممکن أن یؤلف منها " معجم سیاسی " مستقل.

* تسرب بعض الأخطاء النحویة والإملائیة إلى الخطاب السیاسی الصحفی.

* ظاهرة الاستقطاب السیاسی فی ضوء ما یقدم من فکر فی المقال، لذلک کان التوسع فی استعمال وسائل التوکید بکل أنواعها، وتقدیم الإحصاءات والاستدلالات التی ماهی إلا مغالطات منطقیة، کل هدفها الحشد واستمالة المتلقی.

* التوغل الشدید فی العامیة الفجة، لغة الشارع أحیانا، بحجة المصداقیة والواقعیة ، ونقل نبض الناس.

* انتشار مفردات الإهانة والسب والتجریح، بما یتجاوز حدود الأسلوب الساخر بمعناه الفنی الحقیقی، فلقد تزعم الأستاذ "أحمد رجب" الأسلوب الساخر على ما یزید عن ربع قرن، دون أن یُقدم على مثل هذه المفردات التی تملأ الصحف.

* الحرفیة فی الاقتباس من التراث بما یخدم میول الکاتب وتوجهه السیاسی.

* تأثر لغة الخطاب السیاسی بالدراما والفلکور الشعبی فی بعض الأحیان.

*تصدیر کثیر من الشعارات السیاسیة فی الشوارع والمیادین إلى المعجم اللغوی للخطاب السیاسی.

* البعد فی کثیر من الأحیان عن الحیادیة والمنطق.

       وفی هذا البحث نماذج لکثیر من هذه الظواهر الأسلوبیة المستجدة على الخطاب السیاسی الإعلامی.

   کذلک توصلت الدراسة فی هذا البحث إلى أن الصحف القومیة" الأخبار- الأهرام" کانت أقدر على ملاحقة الحدث، وأکثر حرفیة وموضوعیة فی إعلاء دور الخطاب السیاسی، عن مثیلتها من المعارضة أو الحزبیة.

هذا ما یبدو للباحثة بعد الاطلاع على عدد غیر قلیل من هذه الصحف.

  • ابن کثیر " أبو الفدا إسماعیل بن کَثِیر القرشیّ الدشقی

البدایة والنهایة، تخریج أحمد بن شعبان- محمد بن عیادی، ط1، دار البیان الحدیثة،مکتبة الصفا. القاهرة، 2003

  • ابن عقیل   " بَهاء الدین عبد الله بن عَقِیل"

شرح ابن عقیل على ألفیة ابن مالک  ط 20، دار التراث، القاهرة، 1980

  • ابن منظور

 لسان العرب، ط3، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1999

  • أحمد الحملاوی

شذا العَرف فی فن الصرف، ط1، المکتبة الثقافیة، بیروت، د.ت

  • أحمد درویش   - دکتور

- دراسة الأسلوب بین المعاصرة والتراث،  ط1، مکتبة دار غریب، القاهرة، 1998

  • خوسیه ماریا   ترجمة د. حامد أبو أحمد

       نظریة اللغة الأدبیة ، ط1، مکتبة غریب ، القاهرة، 1991

  • شفیع السید   -  دکتور

       نظریة الأدب، ط1،  مکتبة الآداب، القاهرة، 2008

  • صلاح فضل – دکتور

علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته، ط1، دار الشروق، مصر، 1998

  • عادل مصطفى

       المغالطات المنطقیة ،  ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة،2007 

  • المعجم الوسیط ، ط1، مطابع شرکة الإعلانات الشرقیة، 1985

 الدوریات:     

الصحف المصریة:

-       الأهرام .               - الأخبار.

-       المصری الیوم.         – الیوم السابع.

-       الوطن.                 – الشروق.

-       الحریة والعدالة.         – الوفد.

  شبکة المعلومات الدولیة " النت ":

      موسوعة " ویکیبیدیا ".