نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
أستاذ مساعد النقد الأدبي کلية البنات – جامعة عين شمس
المستخلص
الكلمات الرئيسية
تعد الکتابة الإبداعیة التی تصوّر ثنائیة المرأة والرجل مجالاً مهماً للبحث والدراسة. إذ یتطرق ذلک الإبداع إلى جوانب نفسیة واجتماعیة عدیدة وعمیقة تتضافر إلى جانب فنیة النص شکلاً وأسلوباً فی سبیل توصیل الصورة کاملة للقارئ.
وبما أن تلک الثنائیة تشکل نواة رئیسیة فی بناء المجتمع فقد عُنی بها الکثیرون إبداعاً وتصویراً، ومن هؤلاء رضوى عاشور التی أکدت على الربط بین تصویر ثنائیة المرأة والرجل بنماذجها الإنسانیة المتعددة وبین تصویر حرکة المجتمع وتطوره فی مراحل زمنیة مهمة من تاریخه الاجتماعی والسیاسی.
ویرتبط ذلک الإبداع بما یسمى الأدب النسائی أو Fiminism حیث تصویر هویة المرأة التی هی جزء أساسی من الهویة الإنسانیة بشکلٍ عام. من هنا تأتی أهمیة البحث فی ذلک الجانب لدى رضوى عاشور . حیث اخترت للدراسة روایتین: خدیجة وسوسن، وسراج. ویهدف البحث إلى الإجابة على تساؤلات عدة ، أهمها:
- ما هی الصورة التی شکلتها رضوى عاشور للمرأة فی علاقتها بالرجل؟
- ما هی علاقة تلک الثنائیة بالمجتمع: إیجاباً وسلباً؟
- ما هی الإضافة التی حققتها رضوى فی ذلک التصویر؟
وتحدد تلک التساؤلات إشکالیة البحث التی تحتاج إلى إجابة وتعتمد طرح فروض منها : خصوصیة العلاقة بین المرأة والرجل عند رضوى عاشور اعتماداً على تناسق المعطیات الکامنة فی العمل الأدبی لدیها .
وتستلزم الدراسة اتباع المنهج التحلیلی النقدی ، وذلک بعد استقراء للروایتین، واستعانة بمناهج نقدیة أخرى مثل : النفسی والاجتماعی فی بعض المواضع
وفی ضوء ما سبق فإن البحث یتکون من :
- مقدمة .
- تمهید.
- الشخصیات .
- السرد والوصف.
- الزمان والمکان .
- الخاتمة .
و أرجو من الله تعالى أن یوفقنی فی دراسة وتحلیل تلک العناصر
التمهیــد:
یتناول البحث بالدراسة کیفیة تصویر المرأة والرجل والعلاقة بینهما فی روایتین هما: (خدیجة وسوسن)، و (سراج) للمؤلفة الروائیة رضوى عاشور (26 مایو 1946 – 30 نوفمبر 2014) والتی لدیها العدید من الأعمال الإبداعیة المتنوعة بین السیرة الذاتیة : الرحلة – أثقل من رضوى. والروایة: حجر دافئ- ثلاثیة غرناطة. والنقد: صیادو الذاکرة. کما اشترکت فی إصدار موسوعة عن الکاتبات العربیات بعنوان (ذاکرة للمستقبل).
والروایتان محل الدراسة تتوازیان فی تناول أحداث اجتماعیة ، وسیاسیة مرّت بمصر. وتتباعدان فی زوایا أخرى. فالروایة الأولى: واقعیة اجتماعیة نفسیة تمزج واقع المجتمع وتقلباته بتقلبات النفس البشریة الکائنة فیه . أما الثانیة فتمزج الخیال بلمحات واقعیة فی أسلوب رمزی هادف.
وترکز الدراسة على تکنیک رسم الشخصیة بتنویعاتها بین المرأة والرجل، والعلاقة بینهما. وتتبع تقنیات: السرد، والوصف المختلفة . وامتزاج عنصری الزمان والمکان فی زماکانیة فاعلة ومؤثرة.
- الشخصیات:
تعد الشخصیات عنصرا رئیسیاً فی العمل الروائی خاصة؛ فعن طریق الشخصیة تصل الفکرة من خلال أفعالها وصفاتها وعلاقاتها بالشخصیات الأخرى بما ینسج وحدة النص الإبداعی. ومن خلال الشخصیات یکتشف القارئ هدف الکاتب ورؤیته التی یرید طرحها على الأذهان.
ویواجه القارئ للعملین الروائیین محل الدراسة أنماطاً شخصیة متعددة تظهر من خلال العلاقات المتشابکة داخل ثنائیة المرأة والرجل وهی کالآتی:
- خدیجـة:
وهی الشخصیة المحوریة فی روایة (خدیجة وسوسن) وعن طریقها یتعرف القارئ على بقیة الشخصیات وفی الروایة تتضح معالم شخصیتها من خلال علاقتها بالرجل: الوالد ثم الزوج ثم الابن ثم الصدیق وهی العلاقات التی ساهمت فی رسم الشخصیة وتحدید اتجاهها. وقد عمدت المؤلفة إلى نسج شخصیة خدیجة تدریجیاً منذ بدایة الروایة حتى نهایتها حیث تبدو أکثر الشخصیات منطقیة وتفاعلاً مع الأحداث. ولا ینتهی نضج الشـخصیة واکتمالها إلا باکتمال الحدث ونهایته. ومن هنا نجد تطورات الشخصیة بین الطفلة ثم الزوجة ثم الأم.
أولاً: خدیجة الطفلة:
عرضت المؤلفة لشخصیة خدیجة الطفلة منذ بدایة الروایة عرضاً یرسم للقارئ أبعادها النفسیة والعقلیة. إنها الآن وهی فی العاشرة من عمرها واعیة لبعض الفوارق بین المرأة والرجل وهی تمیل أکثر إلى جانب الرجل الذی یمثل لدیها مزیداً من الإیجابیة والفاعلیة فی واقع المجتمع ویمثل ذلک الجانب والدها. إنها فخورة به، فهو یعمل صیدلانیاً تقول: "بابا یعرف أشیاء کثیرة کلها مدهشة ... أرید أن أصبح مثل أبی فی کل شیء.([i])
وعن طریق الصور العائلیة تصل الفکرة. تقول: "صورة العمة فهیمة محذوفة لأن تصویر البنات ممنوع، صورة والدی وهو فی المعمل هی المفضلة عندی، صورة جدی المزارع المکافح". وهی ترید فعلاً إیجابیاً یؤکد وجودها إلى الحد الذی یدفعها إلى تعلُّم النجارة فی ورشة مقابلة ویأتی الرد الاجتماعی على لسان صاحب الورشة: "النجارة لیست شغلة نسوان" مؤکداً للفوارق بین الجنسین. وتوضح المؤلفة علاقة البطلة بوالدتها التی ترفض قیامها بأی شیء تقول: "لیست الأمور بینی وبین أمی على ما یرام شیء ما یعقدها ویعرقل سلاستها". والمؤلفة تُوفَّق إلى عرض شخصیة خدیجة وهی تتطور لکنها أحیاناً تعرض ذلک التطور بشکل فجائی غیر متداخل مع سابقه بشکل سلس. فها هی خدیجة تلعب کرة القدم مع أخیها وصدیقه وفجأة تأخذها والدتها کی تجهزها لمقابلة العریس وهو ما یبدو أقرب إلى مشهد تمثیلی فجائی ویرتبط ذلک بدلالة عبارات مثل: "تماماً کالممثلات – هذا ما یحدث دائماً فی الأفلام – نجم سینمائی".([ii])
وفی هذه المرحلة من الروایة تبدأ خدیجة فی الخروج من طور الطفولة إلى طور الشباب والزواج. لکن القارئ یلاحظ افتقاد الشخصیة لبعد مهم من أبعادها الثلاثة: التی ینبغی أن تتوفر: النفسی والاجتماعی والجسدی([iii]) وهو البعد الثالث. إن القارئ لا یتعرف على خدیجة من الناحیة الجسدیة. فهو الآن یفهم کیف تفکر خدیجة الطفلة ثم الشابة المقبلة على الزواج وکیف تشعر وهو ما نعنیه بالتشخیص Personification أو "إضفاء خصائص الطبیعة الإنسانیة على الشخصیة من: إدراک وتفکیر وتدبیر".([iv]) وهو التشخیص المتفاعل، یقول باختین: "لیس التشخیص بأی معنى من المعانی ذاتیاً فلیس الحد هناک هو الأنا بل الأنا فی علاقة تفاعل داخلی مع الأشخاص الآخرین أی الأنا والآخر، الأنا وأنت"([v]). لکن القارئ لا یتصوّر خدیجة بحیث تبقى صورتها خارج الروایة فی ذهنه وهو بعد مهم من أبعاد الشخصیة کان ینبغی الاهتمام به.
ثانیاً: الزوجة/ الطفلة:-
تتطور خدیجة مع بدایات الزواج فهی الآن شابة مغرمة ومبهورة بزوجها الطبیب المشهور (کمال) الذی تترک له ملاک شخصیتها وهنا تبدأ المؤلفة فی نسج شخصیة جدیدة. تقول خدیجة: "أترک کمال یحرکنی کما یشتهی"، ویعلق الزوج "تزوجت طفلة .. تزوجت امرأة طفلة".
ویضیق الزوج لفکرة طفولیة زوجته وهی فی السابعة عشر من عمرها مما یؤکد صغر السن وسذاجة التجربة الحیاتیة فهی غیر مدرکة لأبعاد الزواج. لذا فإن ما یأتی بعد ذلک منطقی إذ تعلّق خدیجة على أسلوب حیاتها: "آکل وأشرب وأنام وأصحو وأحمل وألد ... وکنت وأنا فی البیت أتطلع إلى کمال وأتبعه بتلقائیة فی الطرقات التی یختارها".([vi])
إن الشخصیة هنا خاویة من أی عامل یضمن استقلالها الفکری والشعوری. فهی ظل لشخصیة کمال: الرجل / الزوج وذلک لعدم احتوائها على خبرات حیاتیة کافیة فهی تدع القیادة کاملة للزوج ولیس فی ذلک ضرر لکن الضرر فی أنها لا تضیف جدیداً إلى هذه الحیاة فکأنها غیر متواجدة إلا فی زاویة محدودة وهی: الحمل والولادة. وبذلک بدأت الفجوة بینهما فی الاتساع، وانتفى الشعور المشترک (الرقراق) الذی کان بینهما کما اختفت طموحاتها وأحلامها وهی طفلة بأن تحقق ذاتها.
والمؤلفة بذلک تصوّر العدید من العلاقات الزوجیة آنذاک – فترة الستینات والسبعینات – وهی الفترة المقصودة فی الروایة. لقد استسلمت خدیجة نفسیاً لشعور أن کمال/ الرجل والزوج هو القائم بکل شیء وعلى عاتقه تقع کل المسؤولیة فلم تحاول أن تشارکه تلک المسؤولیة.
ثالثاً : الزوجة الوحیدة:-
وبالتالی فإن التطور الذی آثرته المؤلفة للشخصیة هو انغماسها فی فلک البیت والأبناء وقد بدأت تدرک مدى التباعد، تقول: "لقد قضیت السنوات الأخیرة أنتظر .. أنتظر عودتک". وهکذا مرَّت العلاقة بین المرأة (خدیجة) والرجل (کمال) بمراحل: التألق والتوهج فی البدایة ثم الخفوت ثم الوحدة حیث أصبحت شخصیة خدیجة هی الواضحة والغالبة فی عالمها المحدود. تقول: "أبقى وحدی، ویغلب الصمت على المکان". وتکرر المؤلفة المشهد نفسه أکثر من مرة بمفرداته الدالة على الوحدة والوحشة:
(أجلس وحدی – أحتسی القهوة – أتصفح المجلات – أدخن !)
وذلک على الرغم من وجود کمال فی الأسرة لکنه (الحاضر الغائب) الذی یفصله عنها جدار نفسی بُنی عبر سنوات مضت. وبعد أن کانت خدیجة الذات/ الظل مختفیة خلف الآخر/ الرجل أصبحت الذات والآخر فی نفس الوقت. وهی من منطلق وحدتها تطلق على کمال صفة (السلبیة) الواضحة فی عبارات: (لم یحرک ساکناً – جالس بلا حراک – کالمعتاد کمال غائب یعمل طوال الیوم ویعود مرهقاً فی اللیل). وعلى العکس یرى کمال فیها شخصیة متسلطة تفسد حیاة أبنائها بالتحکم وهو ما یصل إلیه ابنها (سعد) کنتیجة لتاریخ حیاتها معهم، یقول: "المشکلة فی ماما لا أدری من أین أتتها هذه القدرة العبقریة على تحویل الأشیاء إلى رماد؛ حبی لها، ارتباطی بها، أحلامی، فرحی، حزنی، کل شیء"([vii])
إن کلاً من الرجل والمرأة یرى غیره من زاویة مختلفة نتیجة لتفکیره ومنطقه الخاص وواقع الأمر أن کمال/ الرجل شخصیة عقلانیة ومتزنة؛ فهو یحاول بهدوء حل المشاکل الأسریة لدیه، وینجح فی تحقیق هدفه: إثناء سوسن الابنة عن الانضمام لحزب سیاسی.
- عدم إجبار سعد على تغییر هدفه من الرسم إلى الطب وفی تلک الأثناء تدخل شخصیة جدیدة فی فلک خدیجة وهی شخصیة مجدی صدیق الطفولة الذی یظهر فجأة فی حیاتها. وعن طریق تلک الشخصیة تتضح زاویة جدیدة من شخصیة خدیجة، إذ تجعل منه المؤلفة عنصراً حافزاً لسیر الأحداث. یظهر مجدی/ الرجل لخدیجة / المرأة فی وقت تشعر فیه بالوحدة ویبدأ فی محاولات إغرائها لکنها تقاوم ذلک بثبات شخصیتها وبحبها لزوجها. وعلى عکس شخصیة کمال التی صورتها المؤلفة واضحة ومستقرة فإن شخصیة مجدی متطوّرة ومتحوّلة.
ویبدو (مجدی) المقابل لـ (خدیجة) فهو یعادلها فی قوة الشخصیة وهو مستعد لمعارضتها. ومعه نجد الذات تقاوم الآخر والعکس فی تبادل لمستویات القوة. ویظهر ذلک الشد والجذب بین الذات (خدیجة) والآخر (مجدی) فی أکثر من موقف. إن مجدی یتمیز عن کمال بالمراوغة والدهاء فی معاملة خدیجة، فهو شخصیة غیر واضحة بینما کمال واضح ومسالم. یقول دائماً لخدیجة :- "افعلی ما بدا لک".
ومما یبدو غیر منطقی فی ترکیب الشخصیة أن تعمد المؤلفة إلى عرض مظاهر الحب المستمر من قبل مجدی لخدیجة رغم زواجه بابنتها، یقول: "لقد تمنیت طول عمری أن أرتبط بکم عندما کنت طفلاً کنت لا أکاد([viii]) أغادر بیتکم. کنت طفلاً وحیداً یعیش فی بیت جدته وعندما وجدتک فرحت کأنی وجدت أهلی وتعرفین أنی أحبک".([ix]) وفی حفلٍ عام یضم زوجته زینب ابنة خدیجة وأولاده وآخرین یحیط خصرها بقوة ویقول: هل تعلمین أنک أجمل امرأة رأیتها فی حیاتی، هذا رأیی منذ ثلاثین سنة منذ رأیتک". إنها مشاعر مکبوتة تکاد تکون مشاعر طفولیة لرجلٍ فقد أمه منذ الصغر وهو یصرّح لها قائلاً: خدیجة أنا احبک.
لقد صاغت المؤلفة العلاقة بین المرأة والرجل هنا بشکل یحمل من الغرابة الکثیر ویدفع للتساؤل. هل تذکَّر مجدی بعد ثلاثین عاماً وبعد زواجه أنه یحب خدیجة؟ وهو الذی لم یرد ذکره فی الروایة من قبل إلا فی مرحلة الطفولة، ولماذا وافقت خدیجة على زواجه من ابنتها الکبرى زینب وهی تعلم بمشاعره الدفینة؟ بل هی التی اقترحت زواجهما! وربما یبرر ذلک زاویة الرؤیة التی تنظر منها خدیجة لأولادها؛ فهم – فی نظرها – شخصیات ضعیفة وهی تملکهم. إنها تشکلهم وترسم لهم الطریق والمفترض منهم ألا یعترضوا على هذا الطریق بل أن یسیروا فیه بتلقائیة سلبیة بحیث تطغى ذاتها على ذواتهم جمیعاً وتسیطر علیهم. لذا کان من الطبیعی أن یکون رد فعلها کالآتی:
"سیحمیها مجدی ویشکلها کما یحلو له، وسیسمح لها أن تنمو وتزدهر تماماً کتلک النباتات المنزلیة الخضراء التی تملأ بیته"([x]) والغریب أن یصدر هذا الحوار النفسی من أم عن ابنتها. ولو تأملنا شخصیة (زینب) تحدیداً وجدناها شخصیة سلبیة، حیادیة دائماً، وهی منقادة لرغبات کل من یتولى زمام قیادتها، لذا لم تخصص المؤلفة فی سردها فصلاً خاصاً بـ (زینب) کما فعلت مع خدیجة وسوسن، بل جعلت الحدیث عنها ضمن الحدیث عن (خدیجة). فهی أی (زینب) ذات متواریة ومختفیة خلف (خدیجة). بینما خصصت المؤلفة لـ سوسن الابنة الصغرى سبعة فصول.
- فجوات فی الشخصیة:-
رغم ما یبدو من محاولة المؤلفة إحکام رسم شخصیة خدیجة إلا أن هناک بعض المواقف التی تشکل فجوات فی بناء الشخصیة الرئیسیة فی الروایة وتفتح بابا للتساؤل حول تماسکها مثل:
أولاً: کیف عاشت خدیجة مع کمال سنوات عدیدة ولم تعلم أنه على علاقة مع امرأة أخرى رغم أنها کانت تشعر بذلک وتخاف من حدوثه وتشک فیه، فهی تقول فی بدایات الروایة: کنت دائماً أتوقع أن أجد رسالة من هذا النوع بین ملابس کمال، أبحث فی جیب سترته، بین قمصانه، فی حقیبته ولا أجد شیئاً. ([xi])
ثانیاً: تحمل خدیجة فی ملامح شخصیتها میلاً إلى الاستقلالیة والقوة، فهی تتخذ قراراتها بنفسها دون الرجوع إلى الزوج کمال وهی تکره ضعفه وحنوه تقول: "للأسف کمال عاطفی" ورغم ذلک فإن معظم قراراتها تأتی خاطئة ومتخبطة ویکون الدور على کمال فی إصلاحها مثل:
- زواج زینب ومجدی
- تحویل سعد من دراسة الفنون الجمیلة إلى الطب رغم رفضه لذلک.
ثالثاً: رغم أحداث الحرب والنکسة إلا أن خدیجة غیر واعیة بالواقع الذی فرض نفسه على مصر وهو الهزیمة الساحقة حیث تخطط لخطبة ابنتها فی نفس أیام النکسة فی قصر المنتزه تقول: "هناک فی القصر حیث کان یقیم ملوک مصر تزف ابنتی إلى مجدی فی ثوب بلا مثیل ..". وفی أسلوب یشبه حیاة ألف لیلة ولیلة یطیر خیالها المجنح على بساط أحلام الیقظة بعرض الصورة فی مبالغة لا تتماشى مع واقع المجتمع الذی أصبح محاصراً.
ورغم وجود تلک الفجوات إلا أن الملاحظ أن المؤلفة قد نجحت فی أن تتیح للشخصیة الروائیة (خدیجة) حریة الحرکة، فقد جسدتها بالبراعة التی تجعلها تستقر فی ذهن القارئ حتى بعد نهایة الروایة وهو من أهم أسالیب رسم الشخصیة حیث لم تفرض علیها رؤیتها الشخصیة، وهو ما یعبّر عنه میخائیل باختین، إذ یرى أن الفنان "الذی یصارع من أجل الوصول إلى صورة محددة ثابتة للبطل لا یصارع فی حقیقة الأمر إلا نفسه".([xii]) إذ یجب أن یتنحى المؤلف جانباً لیتیح للشخصیة أن تعبر عن نفسها بأحادیثها وتصرفاتها([xiii]).یقول إبراهیم عوض: "إن على القصاص ألا یتدخل فی سلوک الشخصیات".([xiv])
سـوسـن:-
وتناقض (سوسن) الابنة شخصیة الأم (خدیجة) فی العدید من الملامح. إذ بینما تتصف خدیجة بحب التسلط، تتصف سوسن بالرغبة فی التحرر والثورة على الواقع. ویلاحظ أن المؤلفة قد اختارت أن تصوّر شخصیة سوسن من زوایا محددة تساهم فی بنائها الفنی، منها: الجانب النفسی حیث والدتها. والجانب الاجتماعی السیاسی حیث المجتمع المصری فترة السبعینات. والجانب العاطفی حیث الحب.
ومن خلال زاویة النظر الخاصة بسوسن یتعرف القارئ على الجانب الاجتماعی والسیاسی الخاص فی الروایة؛ حیث مصطفى کامل (1874-1908) المناضل صاحب التمثال الکائن فی المیدان الذی یحمل نفس الاسم: میدان مصطفى کامل وهو المیدان الذی تسکن فیه سوسن مع عائلتها. وجمال عبدالناصر الذی تعلقت سوسن بشخصیته الاشتراکیة. وأحداث النکسة 1967 حیث یبدو رد الفعل الفجائی من سوسن المراهقة، تقول: "رکضت فی الشارع کأن فیه النجاة من الموت، رکضت بلا تفکیر بدافع کالغریزة وأعادتنی أمی عنوة کأنی نعجة شاردة.([xv])
ومع الأحداث الاجتماعیة والسیاسیة فی الروایة تبدأ شخصیة سوسن فی النمو مثل شجرة اللبلاب التی ترتوی من تطور تلک الأحداث، تقول:"سبتمبر 1967 الیوم الأول من العام الدراسی بدأتُ أقرأ فی التاریخ" وأول کتاب کان (الثورة العرابیة)، 1882 قصف الإنجلیز للإسکندریة ...، وتربط سوسن بین الهزائم وأثرها على تکوین شخصیتها تقول: "هل کانت هزیمة التل الکبیر هی التی توجع أم هزیمة الجیش فی سیناء؟ شیء یجرح ویهین ویلازمنی فی النهار فأواجهه بعنادٍ شرس متخشب وفی اللیل یفیض دمعاً یغمرنی فأصیر ککسرة خبز فی الماء فتاتاً هشاً".([xvi]) وهی بذلک تصوّر حال شریحة واسعة من الشعب المصری فی تلک الآونة.
وتقارن سوسن بینها وبین والدتها، تقول "لا شیء یجری بیننا، لا نهر، ولا نبع، لا دائرة تواصل". رغم أن مجدی یؤکد لها تشابه الشخصیتین: "تشبهین والدتک ... تشبهینها من الداخل، قوتک، عنادک کلها منها ولیست من أبیک".([xvii]) وسوسن لا تفهم ذلک ولا تقرّه. إن التشابه کامن فی فترة طفولة خدیجة حیث: القوة، والعناد، والطموح وهو ما اختفى مع زواجها لکنه انصّب بحدة فی کیان سوسن، وهی تصوّر مراهقتها مع والدتها: "بدأ اللجام فی یدیها قارصاً بما لا یطاق، ترکتها تمسک بلجامٍ وهمی، حفرتُ لنفسی سرادیبی الأرضیة التی لا تراها". وهی بذلک تصوّر علاقة أم بابنتها تحاول کل منهما السیطرة على الوضع بأسالیبها الخاصة. وسوسن تصوّر تطوّر العلاقة: "فی البدایة کنت مزهوة بها لا أرى أذکى ولا أجمل منها، ثم رکضتُ خائفة من عنفها المستبد، الآن لم أعد أرکض ربما لأننی لم أعد خائفة".([xviii])
وتبدو شخصیة سوسن کالمحلل النفسی لکل ما یدور حولها. إنها تحاول فهم شخصیة والدتها، بل وشخصیتها نفسها، ویربکها التکوین الإنسانی بتعقیداته وفلسفته، تقول: "کیف یمکن للمرء أن یرکض محموماً فی اتجاه إنسان ثم یعود یرکض فی الاتجاه المعاکس؟ وکیف یتحلل الشیء البهی کوردة فیثیر فی النفس التقزز والاشمئزاز.([xix]) وهو التساؤل المرتبط بالجانب العاطفی لدیها، وعلاقتها بالرجل. ورغم أن المؤلفة قد صورت شخصیة (سوسن) بشکل متحرر ومسؤول؛ فهی أهم فرد فی أسرة شبابیة جامعیة تنطق بآراء الشباب وتدافع عنها، إلا أن علاقاتها العاطفیة قد باءت بالفشل وهو سرّ التعلیق السابق على لسانها. فالحب الأول فی المراهقة ثم الجامعة، المناضل (هادی) قد تحوّل عن آرائه ومبادئه وأصبح صاحب تفکیر اقتصادی بحت، وکذا الحب الثانی: أستاذ الحقوق (دکتور عبد الموجود) صاحب الشخصیة المزدوجة، تقول: "إنه شعور صادم بخیبة الأمل والخذلان کأنک کنت تتبعین کبیراً انتمیت له وآمنت به، ثم اکتشفت أنه قواد یبیعک مع أول منعطف".([xx])
أما الجانب الاجتماعی السیاسی، فقد انقسم إلى مرحلتین:
المرحلة الأولى: الطفولة والمراهقة: حیث آمنت سوسن تماماً بالمبادئ الاجتماعیة والسیاسیة القائمة على العدالة والمساواة والحریة بل التی تصل إلى حد المثالیة.
المرحلة الثانیة: الشباب: حیث ظهر أمامها تفسخ العلاقات الاجتماعیة، وظهور النفاق المجتمعی والسیاسی إلى حدٍ أدى إلى الصراع الداخلی بین مثالیتها وبین ما تراه أمامها. وتأتی الصحوة لدیها على لسان (سمیرة) الصدیقة التی تقوم بدور مهم وهو تعریة الحقائق.([xxi]) .
ومن هذا الجانب تقدم الروایة وصفاً للمجتمع فی لحظة معینة وهی - کما یرى میلان کوندیرا فی تحلیله للبناء الروائی – تقدم معرفة لا روائیة بلغة الروایة.([xxii]) وتقدم فی شکل فنی معلومات غیر فنیة.
ومن خلال شخصیة (سوسن) نرى جانباً مختفیاً من (کمال) الأب وهو الزوجة الثانیة (زینب) صدیقة طفولته والمحبوبة المتناغمة مع کمال الحبیب والزوج. وفی حین ترسم المؤلفة الشخصیات والأحداث بحیث تجعل (مجدی) یخفق فی تحقیق حبه من (خدیجة) فی بدایة الروایة، فإنها تجعل کمال یُفْلح فی الحصول على محبوبته وربیبة طفولته ولکن سراً دون علم الزوجة الأولى (خدیجة) ولا تستطیع سوسن فی هذه الحال الحکم على شخصیة والدها الذی أحبته، هل هو مصیب أم مخطئ؟
ویعذبها السؤال کما هو الحال فی أحداث کثیرة مرَّت بها لا تجد لها تفسیراً، حیث یبدو ظاهر الأمر غیر باطنه. لقد أصبحت والدتها الآن فی نظرها مظلومة ومخدوعة بعدما کانت مستبدة ومتسلطة. وفی نفس الوقت یدفعها الشعور الإنسانی بظلم (زینب) إلى الاعتناء بها، وهکذا تتحکم "المبررات النفسانیة أو مجموع العوامل التی تنتج فعلاً ما سواء کان إرادیاً أو غیر إداری أو ما یسمى بالحتمیة النفسیة".([xxiii]) یقول عبد الحکیم حسان: "إن أهمیة کل شخصیة تظهر حسب ارتباطها بالصراع، وإیراد الشخصیات بکیفیة معینة یکون لهدف المؤلف".([xxiv])
وعلى لسان (سمیرة) تعرض المؤلفة رأیها فی الاختلاف الطبقی والأخلاقی فی المجتمع. تقول: " أتحدث عن الناس العادیین الذین لا یدعون شیئاً، همومهم کثیرة وعیوبهم کثیرة. ولکنهم لا یدّعون أنهم سفراء ومبعوثون. وقادة ... عندما أقول ناس أقصد الغلابة".([xxv]) حیث یواجه القارئ التفریق الحاد من جانب المؤلفة بین الطبقة الفقیرة وبین الغنیة، والتحیز للأولى على حساب الثانیة.
لقد أرادت المؤلفة عن طریق تصویر العلاقة الخاصة التی تربط (خدیجة) الأم بـ (سوسن) الابنة أن تصور تحولات الأنثى المصریة فی السبعینات وتأثیر الأحداث فی العنفوان النفسی الذی ظهر على سطح المجتمع. وبشکلٍ عام نجد أن شخصیة خدیجة أوضح وأکثر تماسکاً فی ذهن القارئ من شخصیة سوسن التی توزعت بین أکثر من اتجاه فلم تعد هناک وحدة تصویر فی مخیلة القارئ لمن تسمى سوسن تحدیداً. ومن خلال شخصیة (سوسن) کان تجسید صورة الطالبة الجامعیة المتحررة والثائرة وقت السبعینات فی مصر. وهی امتداد للصورة فی أوروبا والتی کان لها السبق فی محاولة إثبات الذات اجتماعیاً وسیاسیاً حیث قامت مظاهرات متعددة فی لندن وأمریکا تحت شعار:
("We aren’t beautiful, we aren’t ugly, we are angry"([xxvi]
وهو بالضبط ما ینقل طریقة تفکیر سوسن. إنها فورة الأنثى الشابة التی ترید تحقیق ذاتها. تقول رضوى عاشور: "تجربة سوسن هی تجربة جیل من الفتیات عایشته عن قرب فی الجامعة فی السبعینات ... کتبتُ سوسن ولکن الحق أیضاً أننی لم أکتبها لأن إحاطتی بالتجربة بقیت أعمق مما کتبته على الورق".([xxvii])
لکن الملاحظ أن تصویر الشخصیة فی بدایة فصولها السبعة لا یتفق مع ما وصلت إلیه؛ إذ تخبطت الشخصیة فی أحداثٍ اجتماعیة وصلت بها إلى الهشاشة الفکریة وتشوش الرؤیة. إن الأیدیولوجیا التحرریة الثوریة التی أقنعتنا المؤلفة بارتباطها بـ سوسن قد مُحِیت تدریجیاً عن طریق اصطدامها بالواقع، بحیث لا نجد المفهوم القائل بأن "الأیدیولوجیا ترتبط بالوعی الفردی الذی یؤمن بفکرة بحیث تغدو هذه الفکرة محرکة للفرد".([xxviii])
ویفاجأ القارئ فی نهایة الروایة بـ (سوسن) جدیدة مُغایِرة للأولى المنطلقة المتحررة. لقد انغلقت وانکفأت على ذاتها حتى نجدها تختم الروایة بقولها وهی تعبر میدان مصطفى کامل:
"إنه میدان کبیر وعلیَّ أن أعبر بحرص کی لا تدهمنی سیارة مسرعة فأفقد حیاتی بلا ثمن([xxix]) وهو بالضبط ما یحدث حین تواجه الشخصیة بالتناقض الحاد بین شعورها القوی بذاتها وبین إحساسها بفقدان التوازن بین الآخرین فی المجتمع ویکون نتیجة الصراع غیر المتکافئ أن تنعزل الشخصیة وتنغلق.([xxx])
أما فی (سراج) فالأمر یختلف إذ تختلف طریقة صوغ الشخصیات. لقد کان هدف المؤلفة فی (خدیجة وسوسن) هو استبطان هذه الذات الأنثویة/ المرأة المنقسمة إلى خدیجة وسوسن وکیف تشکلت ذاتها من خلال علاقتها بالرجل. أما فی (سراج) فالهدف هو رسم صورة جماعیة لثورة تنمو من عبیدٍ ضد سلطانهم. لذا کان التعمق فی النفس البشریة فی الروایة الأولى. لکننا نجد فی سراج صورة لمجموعة من النساء تختلف ثقافاتهم وطبقاتهم الاجتماعیة. أولهم:
آمنــة:
وهی المرأة المصریة البسیطة مفتاح الحکایة وسرها والتی تجتمع عندها. الشخصیات. وللحکایة مفتتح بارع: "آمنة تخشى البحر لکنها تکذب على قلبها تستیقظ قبل صیاح الدیک وتبدأ یومها بالذهاب إلى الشاطئ تشخص بعینها فی الظلام وتهمس بالدعاء بعدها تقصد المیناء وتسأل: هل من جدید؟ لا جدید .. تسمی باسم الرحمن وتشرع فی العمل، وبعد أن یؤذن لصلاة العصر تعقد آمنة مندیلها على رغیفی خبز أجرها الیومی وتحمل صرتها وتعود أدراجها، وعلى ثوبها وغطاء رأسها ذرات الطحین".
وهکذا تفتتح الحکایة بفقرة مرکزة ومکثفة لدلالات عدیدة: آمنة امرأة بسیطة، فلاحة مصریة تعمل على أمل، تنتظر الغائب الغامض الذی لم تفصح عنه الساردة. هل هو: الزوج أم الأب أم الابن؟ وعلى عکس (خدیجة وسوسن) یمکن لقارئ (سراج) أن یدرک الشکل الخارجی للشخصیات وهو بعد مهم من أبعاد الشخصیة فآمنة السیدة المصریة البدینة، سعید الشاب النحیف الرشیق، تودد الجمیلة التی تشبه بطلات ألف لیلة ولیلة الحسناوات، الفلاح المصری بثیابه المهلهلة وذرات التعب علیه واضحة.
وتخبرنا الحکایة أن الغائب المنتظر سعید ابن آمنة، وتصوّر المؤلفة عاطفة الأم حین تلتقی بالعائد من بعید: "کیف قطعت آمنة الطریق؟ مَنْ رأت فی طریقها؟ من لمحها فی الطریق لم یَرَ منها سوى ساقین ترکضان وجدیلتین تتطایران فی الریح وصوتها ینادی على سعید"([xxxi]) ، حیث یشعر القارئ بإحساس امرأة ریفیة قد عاد وحیدها بعد غیاب طویل . فکأن عمرها الذاهب قد عاد وکأن الفرح ملازم للمکان. وتصور المؤلفة فلسفة آمنة تجاه السادة من السلطان وحاشیته، تقول :
" نخدمهم ونشقى طول الیوم لیملئوا بطونهم ثم نقصدهم فی خدمة لن تکلفهم إلا کلمة تعید لنا روحنا فیقبضونها . هل یمکن أن یکون البحر أرحم منهم ؟ لا بد أنه أرحم " وکما افتتحت الروایة بـ آمنة ، ختمت بآمنة ، فهی القاسم المشترک والرئیسی مع شخصیات أخرى: تودد، سعید، عمار، محمود وغیرهم. حیث تکرر المؤلفة عبارة: ( آمنة شاهدت کل شیء – شاهدت آمنة کل شیء).
تودد :
شخصیة الأنثى المختلفة والمتمردة عن المألوف. تودد الصبیة الشابة (الملیحة) المتطلعة التی تحلم بالسفر إلى (بلاد الدنیا الواسعة) رغم أنها تعلم أن ذلک ممنوع. وهی التی " قصّت شعرها ولبست جلباباً لأخیها ثم ذهبت إلى المیناء مدعیة أنها صبی". وهی تتمنى القراءة والکتابة، لذا تذهب إلى بیت (القاضی) الذی یحکی الحکایات لولده وتجلس خفیة وتنصت بحذر وشوق. وکنزها الخفی: کتاب: " فتحت الصندوق فی ضوء القمر وأخرجت منه الکتاب، تحسست غلافه بکفها ثم فتحته وراحت تمعن النظر فی سلاسل الحروف المتشابکة فی انتظام وانسیاب، أطالت التحدیق وکأنما ستکشف لها السطور عن جوهرها المکنون ".([i])
ومن صور المرأة أیضاً:
- الأمیرة: علیاء بنت المحسن:
وهی زوجة السلطان، صاحبة الأمر والنهی فی البیت العالی تصفها المؤلفة: "تدب بقبقابها المطعم بالذهب والجواهر فترجف القلوب رهبة ویرکض الصغار فزعاً ... امرأة صارمة جامدة القلب لا تبتسم " فهی امرأة جافة الروح .
- أم لطیف :
وهی رئیسة الطهاة ، تتبع الأمیرة دائماً وتقول: " أمرک یا ست رضاک عین المراد ، تأمرین فنطیع یا جوهرة الجزیرة " وهی امرأة بدینة تتحرک دائماً فی سرعة وخوف من حدوث أی شیء فجائی یوقف سیر العمل .
- ملکة الإنجلیز :
ویأتی الوصف الخارجی واضحاً : " امرأة بدینة تلبس ثوباً یکشف عن نحرها ویُکَسِّم خصرها ویتسع أسفل الخصر مثقلاً بالثنیات منتفخاً کأنه خیمة تتسع لعدة أشخاص . تکاد ملامح وجهها تغرق فی وجه کروی مورد یعلو کتفیها مباشرة کأنها بلا رقبة ، وعلى رأسها تاج وعلى صدرها قلادة ..... کلها من ألماس یلتمع فی ضوء شمس الظهیرة ".
"وتبدو السخریة واضحة حین یهدی السلطان الملکة وزنها ذهباً . ویعلق أحدهم : "ولکن هذا خراب بیت ، إنها بدینة جداً " .
والملاحظ اختلاف رسم الشخصیة النسائیة فی (خدیجة وسوسن) عن (سراج) ، فالترکیز هنا على المظهر الخارجی أکثر من خبایا النفس البشریة .
أما الرجل فی (سراج) فهو متعدد بین سید وعبد، والسید هو سلطان الجزیرة الذی یتعامل مع العبید بتسلط وعنف. یقول: "العبید مناکید لا ینفع معهم إلا العصی والسیاط إن نتساهل فی أمرهم یقلبون أوضاع الجزیرة وینصبون أنفسهم أسیاداً علیها " ومن قبله والده الذی ینصحه : " لا تنتظر أن یفعل أحدهم شیئاَ بل اکسره قبل أن یتجاسر على الفعل". وهو لا یحتمل فکرة ثورة العبید علیه یقول: " ماذا لو أتى الإنجلیز الآن ونقلوا نظامهم إلى الجزیرة وسمحوا للعبید بالخروج مجتمعین یعلنون مطالبهم کما یفعل شغیلة المعامل فی بلادهم ؟ " ویظهر السلطان فی الحکایة من خلال شخصیة قاسیة الطباع تتمثل فی ملامح الآخر المانع لکل خیر الجالب لکل شیء. وتظهر علاقته بأحدهم وهو عبده (عمَّار) الذی رعاه منذ الصغر ورفض السلطان أن یعتقه کی یتزوج. یقول الراوی: "هذا السلطان حمله على ظهره وهو صبی ورکض به من القلعة إلى المیناء والولد یحیط عنقه بساقیه .... جحود ینکح ما لا حصر له من النساء ویضن علیه بامرأة واحدة ( ملیحة ) التی ملکت قلبه وحرمه السلطان نعمان منها حین رفض أن یعتقه"([ii]) .
هنا تتضح العلاقة الأکثر بروزاً فی الروایة وهی علاقة الحب المزدوج التی کانت بین عمار وملیحة ثم علاقة الحب الفردی الذی یکنه عمار لآمنة التی تشبه والدتها ( ملیحة ) . وکما أحب مجدی ( خدیجة ) وتزوج ابنتها زینب أحب عمار ( ملیحة ) لکنه لم یوفق للزواج من ( آمنة ) .
وهکذا تجنح الحکایة ( سراج ) عن تیار الحب والعاطفة بین الرجل والمرأة بشکل عام کی تسیر فی تیار الشعور الجمعی وهو الثورة والتحرر بحیث لا ینشغل المجموع عن الهدف الرئیسی .
وحین یخطط العبید الأصغر سناً للثورة یکون رد فعل عمَّار: "استمع إلیه بهدوء کأن الخبر عادی أو کأن ذلک الکلب الجحود بمرکوبه ونسائه وقلعته یجثم على صدره کیف لرجل أن یحمل على رأسه قلعة من حدید وحجر ؟ "([iii])
والمؤلفة تأتی على ذکر( عرابی ) والسندباد والشاطر حسن حین تذکر العبید ورغبتهم فی الثورة والقاسم المشترک بین الجمیع : فعل المواجهة للآخر والرغبة فی التغییر . والآخر واحد سواء کان : الغول أو الخدیوی أو السلطان .