من أنماط الشرط الضمني في العربية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس العلوم اللغوية- کلية الآداب- جامعة القاهرة.

المستخلص

تحاول هذه الدراسة استخراج بعض التراکيب المستعملة في المعنى الشرطي دون رابط لفظي، وهو ما أطلق عليه الشرط الضمني المفهوم من سياق الکلام والعلاقات بين الجمل، واعتمدت الدراسة القرآن الکريم مادة لها؛ لأنه يمثل العربية في کل عصورها، کما أنه من المصادر التي لا غنى عنها في المدونات اللغوية المعاصرة فهو نص قديم حديث، فضلا عما يتمتع به النص القرآني من شروح/ تفسيرات هائلة تمکن ادارس من الاطمئنان إلى صحة فهم النصوص الدينية المبنية على الشرط الملحوظ بتعبير تمام حسان.

الكلمات الرئيسية


أسلوب الشرط من المباحث التی شغلت بیئاتٍ ثقافیةً عدة: نحاةً وبلاغیین وأصولیین، فاهتم النحاة بفکرة العامل فی جملة الشرط، وتحدید أرکان الجملة الشرطیة کما أسهموا فی تحدید مفاهیم رکنی الشرط والجواب وکذا الإسهام فی تحدید العلاقة بین جملتی الشرط والجواب، واهتم البلاغیون بالفروق الدلالیة بین الأدوات الشرطیة کما تناولوا موضوع الذکر والحذف، وعنی الأصولیون بجملة الشرط الصریحة والضمنیة وما یتعلق بها من تخصیص بعض الجملة وتقیید عمومها؛ لتفسیر الأحکام واستنباطها، وقد نظرت دراسات وصفیة سابقة لهذه الجهود جمیعها بما یغنی عن إعادة تکرارها([i]).

ویترکب أسلوب الشرط من [أداة الشرط+ جملة الشرط+ جملة الجواب]، ومن الأدوات ما یکون شرطًا معنى وأثرًا، ومنها ما یکون شرطًا معنى دون أثر فی جملتی الشرط والجواب، وتبعًا لهذین النوعین درس النحاة الأدوات ذات الأثر فی جملتی الشرط والجواب فی باب جوازم المضارع، ولم یضموها مع الأدوات غیر الجازمة فی باب خاص کما أکد ذلک کثیر من الدارسین([ii])؛ إذ اقتصرت نظرتهم على فکرة العامل، وعلى تمییز الأدوات بین الاسمیة والحرفیة، وعلى المفرد منها والمرکب، وتفرع عن الإفراد والترکیب تصنیفهم هذه الأدوات حسب ما لا یعمل إلا مفردًا، مثل: (من، ما)، وما لا یعمل إلا مرکبًا، مثل: (إذما، حیثما)، وما یعمل مفردًا أومرکبًا، مثل: (إن/ إما- إذا/ إذا ما- متى/ متى ما- أین/ أینما)، ودار بینهم خلاف فی شرطیة بعض الأدوات، تبعه تباین فی عدد أدوات الشرط([iii])، والأدوات التی وجدت فی مصنفاتهم: إن- من- ما- مهما- متى- أین- حیثما- کیف- أیان- أنى- أی- إذا- إذما- لو- لوما- لولا- کلما- لما- أما. وأطلق على الشرط بالأداة الشرط الصریح، فی مقابل الشرط الضمنی وهو الشرط دون أداة وأشیع أنماطه تداولًا فی کتب النحاة الشرط فی جواب الطلب.

تضطلع هذه الدراسة ببیان أشکال أخرى للجملة الشرطیة دون أداة، وهو ما أطلق علیه الشرط الضمنی کما سبق القول. والشرط الضمنی هو الدلالة الشرطیة المستفادة من منطوق الکلام دون وجود أداة تعبر عنه، وإنما یفهمه المتلقی وفقًا لقاعدة راسخة فی ذهنه تؤدی إلى فرضیة الارتباط الدلالی بین الجمل، فیعی أن العلاقة القائمة بین رکنی الإسناد مثلًا بها إشعار بتعلق الرکن الثانی بحدوث الرکن الأول، وإلا وصف النص بالسخریة أو الخلف بمفهوم عبد القاهر الجرجانی([iv])، فمثلًا فی قولنا: المتفائل یجد فرصة فی کل صعوبة والمتشائم یجد صعوبة فی کل فرصة، وقولنا: الذی یجتهد له جائزة، فهذا یعنی تعلق الخبر (یجد- الحصول على الجائزة) على حدوث المبتدأ (التفاؤل- التشاؤم- الاجتهاد)، فلیس فی مثل هذه الجملة وَقْفٌ على الإخبار وحسب، بل تضمن الخبر جملة الشرط، أو لنقل تحولت دلالة الخبر اللفظیة إلى دلالة شرطیة فی المعنى؛ إذ المعنى: من تفاءل وجد فرصة فی کل صعوبة ومن تشاءم وجد صعوبة فی کل فرصة ومن اجتهد فله جائزة، لقد أشار النحاة إلى مثل هذا الصنیع الدال على الشرط مع الأسماء الموصولة([v]) على نحو ما نبین فی موضعه.

وهذا النوع من الشرط رغم وجوده فی تنظیر النحاة والمفسرین والأصولیین، فلم یکن محل اهتمام کثیر- إن لم یکن کل- من الدارسین المعاصرین المهتمین بالتحلیل النحوی للنص العربی، فآثر البحث الحدیث عنه لإظهار الإمکانات أو الآلیات التی یترکب منها الشرط الضمنی. ومن ثم تستعین الدراسة بالمنهج الوصفی وهو أحد المناهج اللغویة الواضحة الأهداف والإجراءات.

وتجدر الإشارة إلى أن البحث فضلًا عن اضطلاعه ببیان وسائل أو آلیات الشرط الضمنی، فإنه یحاول أن یناقش بعض المسلمات أو الضوابط التی أقرها النحاة، کاشتراطهم دخول الفاء على خبر الاسم الموصول (الذی) لیکون فی معنى الجزاء، وسوف یناقش البحث هذه المسألة.

والحق فإن الدراسة مسبوقة بإشارات- عند القدماء والمحدثین على السواء- کشفت عن العلاقات بین الجمل دون الأداة ومنها علاقة الشرط، ولا أدل على ذلک من تفسیر الأوائل- من المفسرین والشراح ومعربی القرآن- للنص/ الجملة على معنى الشرط، أو تصریح بعضهم بدلالة الشرط التی تضمنتها الجملة وأبرز کتاب فی هذا السیاق معانی القرآن للفراء، وقد وجدت نتفًا من هذا الفهم الشرطی تبعًا لسیاق الکلام عند بعض المفسرین کالزمخشری الذی طالما قدر جملة شرط لتناسب نظم الکلام المسبوق بالفاء- على نحو ما نبین فی ختام هذا المبحث- بل أشار السکاکی إلى أن "فی کلام العرب تراکیب للجمل. فی غیر الشرط، إذا تأملتها وجدتها تنوب مناب الشرطیات، کقولک لا یتوب المؤمن عن الخطیئة ویدخل النار بواو الصرف ینوب هذا عن الشرطی المتصل مناب إن تاب المؤمن عن الخطیئة لم یدخل ... وفی أمثال هذه التراکیب کثرة"([vi]).

ولفت انتباه تلک العلاقة الشرطیة التی تعبر عنها الجملة القرآنیة کثیر من الدارسین المعاصرین، فی طلیعتهم تمام حسان فی کتابیه القیمین البیان فی روائع القرآن، واجتهادات لغویة، وهی- أی العلاقة الشرطیة- إحدى العلاقات الملحوظة فی العربیة دون أداة لفظیة([vii])، یقول فی الأخیر: "هذه العلاقة [أی علاقة الشرط الملحوظة دون لفظ للأداة] حین تقوم بین عنصرین فی السیاق النصی تجعل العنصر الثانی بمنزلة جواب الشرط للعنصر الأول وإن خلا العنصر الثانی من العلامات اللفظیة الدالة على هذه العلاقة"([viii]).

غیر أن الدرس النصی النحوی لم ینتبه کثیرًا إلى هذا النوع من الشرط، فلم نظفر به فی دراسات الأوائل النصیة الموجهة للغة الشعر والنثر على السواء.

وکانت المادة الأساسیة لهذا المبحث هو القرآن الکریم بوصفه أحد النصوص التی تعد فی مقدمات المواد المعتمد علیها فی اللغة المعاصرة، وتخلل البحث بعض الإشارات إلى لغة الحدیث النبوی والشعر العربی قدر الحاجة کلما أمکن.

 

إن هذا البحث لا یهتم بتعداد الأمثلة التی تقدم علاقة شرطیة بین جملتیها دون أداة، بقدر ما تحاول أن تقدم أو تؤطر للصور التی یأتی علیها الشرط الضمنی ثم نماذجه المتعددة کلما أمکن لتأکید النموذج أو الشکل أو الصورة، وقد ضمت الدراسة أواصر هذه الأشکال والطرائق فی مجموعات خمس، بنی علیها البحث، وهی:

1-   جملة الابتداء.

2-   جملة الطلب.

3-   مخصصات الاسم (الحال- الاستثناء).

4-   الشرط مع بعض الحروف (فاء الجواب- وإذا الفجائیة- إذن الجوابیة).

5-   الشرط العکسی (دلالة الانتفاء).

(1) جملة الابتداء

(1/1) [مبتدأ+ خبر]:

سبق أن قلنا إن جملة الابتداء قد تخرج عن حقیقتها الخبریة، إلى دلالة شرطیة مفهومة من المعنى الذی یرمی إلیه المتکلم، ففی قولنا مثلًا: المجتهد یلقى ثمار اجتهاده، فهذه جملة لا تخبر فقط عن الثمرة التی یحصدها المجتهد، وإنما تتضمن دلالة شرطیة لوقوع هذا المآل، وکأن المعنى: من اجتهد یلق ثمار اجتهاده، وذلک لأن الألف واللام فی المبتدأ بمعنى الذی، على نحو ما بین العکبری فی معرض توجیهه للفاء فی قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِی لَا یَرْجُونَ نِکَاحًا فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُنَاحٌ أَن یَضَعْنَ ثِیَابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِینَةٍ ۖ)([ix])، یقول: "ودخلت الفاء لما فی المبتدأ من معنى الشرط، لأن الألف واللام بمعنى الذی"([x])، ویشترط فی کون الألف واللام بمعنى الذی أن تتصل باسم فاعل أو اسم مفعول([xi])، وهذا موافق لما اطلعنا علیه من نماذج وشواهد.

ویهمنا من قول العکبری أن الألف واللام بمعنى الذی مما یسوغ کون جملة الابتداء متضمنة معنى الشرط، وقد علل ابن الأنباری لدخول الفاء بوصف المبتدأ باسم موصول والاسم الموصول إذا عبر به عن الشرط- کما یرى النحاة- لا بد من وقوع الفاء فی جوابه، ولما وصف المبتدأ بالموصول أصبحت "الصفة والموصوف بمنزلة شیء واحد"([xii])، فجاز دخول الفاء فی الخبر ما دام المعنى على الشرط([xiii]). وهذا التعلیل وجیه غیر أن الدراسة لا تمیل إلیه ولا تمیل إلى الشطر الأول من قول العکبری؛ لأن الدراسة لا تعتد بلزوم دخول الفاء للتدلیل على الشرط، فالشرط قائم بالفاء ودونها، کما تبین الفقرة الخاصة بالاسم الموصول فی هذا البحث.

ومن نماذج هذا الشرط ما جاء فی الحدیث القدسی الذی رواه الترمذی: "المتحابون فی جلالی لهم منابر من نور یوم القیامة یغبطهم النبیون والشهداء"([xiv])، وواضح المعنى الشرطی الذی یتضمنه الحدیث، وعلق القاضی على الحدیث بقوله: "کل ما یتحلى به الإنسان أو یتعاطاه من علم أو عمل فإن له عند الله منزلة لا یشارکه فیه صاحبه ممن لم یتصف بذلک.."([xv])، وهذا یدل على دلالة الشرط کما فهمها القاضی، فوجه الخاص وهو التحاب فی الله على العموم وهو کل عمل یقوم به المرء، وبنى على ذلک الحکم الشرطی.

وهذا النوع من الشرط فهمه شراح الشعر ووعوه جیدًا على نحو ما یلقانا فی تعلیق ابن العماد الأقفهسی على قول البوصیری فی بردته:

 دعا إلى الله فالمستمسکون به .... مستمسکون بحبل غیر منفصم

یقول: "یعنی أن النبی صلى الله علیه وسلم دعا إلى الله، وحث الناس على الإیمان به، فمن أجاب دعوته فقد تمسک بحبل الله الذی لا انقطاع له"([xvi]).

ولا یکون الشرط فی جملة الابتداء بتعریف المبتدأ بـ"أل" دائمًا، بل قد یکون المبتدأ معرفًا بغیر "أل" على نحو قوله صلى الله علیه وسلم: "سباب المؤمن فسوق، وقتاله کفر"([xvii])، فالمعنى المستفاد من الحدیث هو: من سب مؤمنًا فسق، ومن قتله کفر([xviii])، ولیس أدل على ذلک من فهم بعض الشراح للحدیث من خلال ما یعبرون عنه من کلمات، قال ابن بطال فی معرض توجیهه لکلمة الکفر: "(وقتاله کفر).. وإنما یرید کفر حق المسلم على المسلم.. وأخبر أن من فعل ذلک فقد کفر حق أخیه المسلم"([xix]).

وقید سیبویه الجزاء فی جملة المبتدأ بمجیء فعل یمثل صلة للمبتدأ، "ومثل ذلکقولهم: کل رجل یأتینا فله درهمان. ولو قال: کل رجل فله درهمان کان محالًا، لأنه لم یجیء بفعل ولا بعمل یکون له جواب"([xx])، وعبارة سیبویه منطقیة من جانب ومردودة من جانب، فمنطقیتها مردها اللفظ (رجل) دون الفعل بعدها، وردها إذا استعیض عن کلمة (رجل) بمعناها مع ما أضیفت إلیه؛ إذ المعنى: کل آت فله درهمان، وأحسب أن الجملة فی هذه الحالة مضمنة معنى الشرط.

(1/2) الاسم الموصول غیر [من وما]:

تحدث النحاة عن تضمین الاسم الموصول معنى الشرط، وقد أطلق علیه النحاة شبه الشرط([xxi])، یقول ابن هشام فی معرض حدیثه عن فاء الجواب: "کما تربط الفاء الجواب بشرطه کذلک تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلک فی نحو الذی یأتینی فله درهم"([xxii])، وذلک "لشبه "الذی" بالشرط فی إبهامه ووصله بالفعل"([xxiii]).

وهذا التضمین الشرطی للاسم الموصول (الذی/ الذین) کان أحد ضوابط الفهم لدى المفسرین، على نحو ما بین الطبری فی تعلیل بعضهم لحذف الخبر فی قوله تعالى: (والذین یتوفون منکم ویذرون أزواجًا یتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشر)([xxiv]): "إنما لم یذکُرِ الذین بشیء لأنه صار (الذین) فی خبرهم مثل تأویل الجزاء: من یلقک منا یصب خیرًا. الذی یلقاک منا یصیب خیرًا. قال [أی صاحب هذا الکلام] ولا یجوز هذا إلا على الجزاء"([xxv])، ومثله ما قاله الرازی فی معرض تفسیره لقوله تعالى: (وإن الذین اختلفوا فی الکتاب لفی شقاق بعید): "وأما قوله (لفی شقاق بعید) ففیه وجوه... وثانیها کأنه تعالى یقول لمحمد هؤلاء [یعنی الیهود والنصارى] وإن اختلفوا فیما بینهم فإنهم کالمتفقین على عداوتک وغایة المشاقة لک.."([xxvi]). وظهر عند الزمخشری الضابط الشرطی للآیة بتأویل المعنى على قلبه، فإذا کان اختلاف المشرکین فی الکتاب نتج عنه الشقاق البعید، فالأمر المنطقی أنهم لو لم یختلفوا ما جرءوا على الکفر، یقول: "والمعنى أن أولئک لو لم یختلفوا ولم یشاقوا لما جسر هؤلاء أن یکفروا"([xxvii]).

وتوسع النحاة فی الاسم الموصول (الذی)، فجعلوه مضمنًا معنى الشرط- مع وجود فاء الجزاء- سواء وقع ابتداءً أم تابعًا لا سیما الصفة؛ لأن "الصفة والموصوف کالشیء الواحد"([xxviii])، من ذلک قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِی تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِیکُمْ ۖ)([xxix]).

وتدخل الفاء فی جملة الخبر، ومثل هذا النمط أکد النحاة ومعربو القرآن والمفسرون تضمنها معنى الشرط، بل قید النحاة تضمین الاسم الموصول الشرط والجزاء بدخول الفاء على الخبر، لأنها تشعر بأن الخبر (الجواب) بسبب المبتدأ (الشرط)، أما عدم دخول الفاء لا تشعر بذلک([xxx]). من ذلک تعلیقاتهم على قوله تعالى: (الَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّیْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِیَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ)([xxxi])، بأنها خرجت على الجزاء بمعنى مَن([xxxii])، "فالفاء قد دلت على أن الأجر إنما استحق عن الإنفاق"([xxxiii]).

ولا توافق الدراسة وجود الفاء للدلالة على التضمین الشرطی للاسم الموصول، وذلک من وجوه ثمانیة:

الوجه الأول أن التضمین متوقف على مقصود المتکلم الذی قد یرمی إلى تعلق الخبر بالمبتدأ دون وجود هذه الفاء، ومن ثم فمثل هذه الآیات: "وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ"[xxxiv]، وقوله جل شأنه: "إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَیِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الْکِتَابِ ۙ أُولَٰئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ "[xxxv]، وقوله جل وعلا: "إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ کُفَّارٌ أُولَٰئِکَ عَلَیْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِکَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِینَ"[xxxvi] البقرة: 161، وقوله سبحانه: "إِنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلَائِکَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنتُمْ تُوعَدُونَ"[xxxvii]، لا یمکن أن یکون الخبر فیها إلا بسبب المبتدأ، إذ المعنى: من قال.... تتنزل، فمن آمن وعمل صالحًا ففی الجنة خالد، ومن یکتم ما أنزل الله یلعنه الله، ومن کفر ومات على کفره فعلیه لعنة الله، ومن ثم لا یمکننا إخراج مثل هذه الآیات من باب الجزاء. وقد التفت ابن هشام إلى جواز کون الاسم الموصول محتملًا للشرط ولغیره ما لم توجد الفاء؛ إذ وجود الفاء دال على الشرط، "وذلک فی نحو: الذی یأتینی فله درهم. وبدخولها فهم ما أراده المتکلم من ترتب لزوم الدرهم على الإتیان، ولو لم تدخل احتمل ذلک وغیره"([xxxviii])، وهو المعنى الذی سبق أن بینه إمام النحاة سیبویه لما سأل الخلیل "عن قوله: الذی یأتیتنی فله درهمان... فقال: إنما یحسن فی الذی لأنه جعل الآخر جوابًا للأول، وجعل الأول به یجب له الدرهمان. فدخلت الفاء هاهنا... وإن شاء قال الذی یأتینی له درهمان... غیر أنه إنما أدخل الفاء لتکون العطیة مع وقوع الإتیان. فإذا قال: له درهمان، فقد یکون ألا یوجب له ذلک بالإتیان، فإذا أدخل الفاء فإنما یجعل الإتیان سبب ذلک"([xxxix]).

والوجه الثانی- أن اشتراط عموم اللفظ لقصد الجزاء لیس أساسًا حقیقیًّا للشرط؛ إذ دخلت الفاء على آیات فهمت على خصوص السبب عند البعض وحملت عند المحققین على العموم، کما أن آیات أخر دون الفاء فهمت أیضًا على خصوص السبب وحملها الأکثرون على العموم لا الخصوص. فمن الأول قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِینَ یَکْفُرُونَ بِآیَاتِ اللَّهِ وَیَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ حَقٍّ وَیَقْتُلُونَ الَّذِینَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ)[xl]؛ فإذ خصها قلیل بالیهود والنصارى فإن ثلتهم حملها على العموم ولم تخصص بالیهود والنصارى([xli])، ومثل قوله تعالى: (وَالَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)([xlii])، وقد عنی بهذه الآیة على ما ذکر الطبری وغیره أهل أحد([xliii])، ومع ذلک دخلت الفاء فی الخبر "لأن فی قوله تعالى (والذین قتلوا) معنى الشرط"([xliv])، رغم الخصوص فلم یمنع عموم اللفظ لکل من قتل فی سبیل الله.

ومن الثانی- أی الخصوص دون الفاء وحملها على العموم- قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ ۗ""[xlv]، فقد خصصها بعض المفسرین بالنصارى "فقصر اللفظ العام على سبب نزوله. والمحققون من المفسرین قالوا: خصوص السبب لا یمنع عموم اللفظ، فهو یتناول کل من أعرض عن دلائل الله تعالى"([xlvi]).

وواضح مما سبق تماثل جملة إن مع صلة الموصول فی وجود الفاء بالخبر وعدمه فی الدلالة على العموم أو الخصوص، مما ینفی اشتراط العموم للقول بالجزاء ووجوب دخول الفاء، لا سیما أن هذا الأمر جائز مع (إنَّ) خاصة "لأنها بمنزلة الابتداء"([xlvii]).

والوجه الثالث- أن فاء الجواب تحذف فی سعة الکلام کما أثبت الواقع النصی، فما الذی یمنع ذلک مع الاسم الموصول الذی، ولماذا القید بدخول الفاء فی خبره للقول بالجزاء؟ غیر أنه یمکن لنا القول إنه إذا کان حذف فاء الجواب قلیلًا وثبوتها هو الکثیر الغالب، فإن العکس بالعکس مع الاسم الموصول؛ إذ ثبوت الفاء هو القلیل وحذفها هو الغالب.

والوجه الرابع- وهو یربط بین الوجهین السالفین- أن آیات أخر لم یدخل على خبر الموصول الفاء، وفهمها المفسرون ومعربو القرآن على الجزاء، على نحو ما ذکرنا آنفا، ومثل قوله تعالى: "الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنکُمْ وَیَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِیَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْرَاجٍ ۚ "[xlviii]، [بنصب الوصیة]، حملها البعض على تقدیر فعل أمر مسبوق بالفاء؛ إذ المعنى: فلیوصوا وصیة([xlix])، کما حملها من قرأ بالرفع على معنى: فعلیهم وصیة لزواجهم([l])، فمثل هذه التقدیرات تعنی إشعارًا بوجوب الإیصاء لمن قارب الوفاة، بمعنى: من حضرته الوفاه فلیوص وصیة. بل قرأ ابن مسعود بإثبات الفاء ورفع الوصیة: (فالوصیة لأزواجهم)([li])، وفی قراءة أبی (فمتاع لأزواجهم) من دون لفظ الوصیة([lii]). ویعنی وجود الفاء قراءة وتفسیرًا حمل الآیة على المجازاة، کما یعنی أن حذفها لیس حجة على عدم الشرط بالاسم الموصول.

ومثله قوله تعالى: "وَالَّذِینَ یُمَسِّکُونَ بِالْکِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِینَ"([liii])، فقد تعددت الآراء فی إعراب قوله تعالى: (إنا لا نضیع أجر المصلحین)([liv])، ورُجح کونها خبرًا وعدِّ الاسم الموصول مبتدأ له([lv])، وقد حسَّن الرازی هذا التوجیه "لأنه [أی الحق سبحانه] لما ذکر وعید من ترک التمسک بالکتاب أردفه بوعد من تمسک به"([lvi])، والوعد والوعید هنا لا یخرجان عن القصد الشرطی فیما یرمی إلیه المتکلم وما یفهمه المخاطب، فالمعنى: من تمسک بالکتاب وأقام الصلاة فلا یضیع الله أجره.

ومن آیات تلک الدلالة الشرطیة مع عدم وجود الفاء- أیضًا- أن جمع المفسرون بین آیاتٍ، الفاءُ فی جزاء موصولها تارة وغیر موجودة تارة أخرى، والمعنى واحد عندهم، فقد ذکر ابن تیمیة فی حل المشکل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِینَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ)([lvii])، ذکر فی تضاعیف تعلیقه على هذه الآیة قوله تعالى: (فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا أُولَٰئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ (39))([lviii])، وبیَّن "أن من کذب رسولًا واحدًا فهو من قسم الکفار لا من قسم المؤمنین"([lix])، وهذا أصدق دلیل على أن دلالة الشرط لا تتوقف على ظاهر اللفظ بوجود الفاء بل بمراد المتکلم وغرضه، فمن آمن فی الآیة الأولى فهو من قسم المؤمنین، ومن کفر وکذب بالآیات فی الآیة الثانیة فهو من قسم الکافرین.

والوجه الخامس- وهو قسیم الرابع- أن بعض هذه الجمل قد وقعت فی سیاق العطف مع جملة شرطیة عکسیة- أی عکس مضمون جملة الصلة- مما یعنی أن جملة الصلة وإن لم یدخل فی خبرها حرف الفاء فهی مبنیة على الشرط أیضًا، للتشاکل من ناحیة ولصحة الفهم من ناحیة ثانیة، من آیات ذلک قوله تعالى: (فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا أُولَٰئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ ()([lx])، فقد ذکر الله جزاء من اتبع الهدى وأعقبه بعاقبة من کفر، "وکان مقتضى التقسیم أن یقول: ومن لم یتبع هدای، ولکنه عدل عنه لیبرز القسیم مسجلًا علیه الکفر"([lxi]).

ومن دلائل الشرط فی الآیة السابقة قوله تعالى فی موضع آخر: (وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَا فَأُولَٰئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِینٌ)[lxii]، بدخول الفاء، مما یعنی أن دخولها على التشبیه بالجزاء صراحة، "وما لم یکن فیه فاء فهو على أصل الخبر"([lxiii])، من دون انتفاء التضمین الشرطی الذی تنطوی فیه الآیة.

وقد فهم المفسرون هذه الآیة- آیة البقرة- وأولوها على معنى الشرط، قال الرازی فی تأویله لهاتین الآیتین: "لما وعد الله متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن عقبه بذکر من أعد له العذاب الدائم فقال: (والذین کفروا وکذبوا بآیاتنا) سواء کانوا من الإنس أو من الجن فهم أصحاب العذاب الدائم"([lxiv])، والمعنى عند الطبرسی: "(والذین کفروا) أی جحدوا (وکذبوا بآیاتنا) دلالاتنا وما أنزلناه على الأنبیاء فـ(أولئک أصحاب النار) أی الملازمون للنار (هم فیها خالدون) أی دائمون"([lxv])، وقال أبو حفص الدمشقی: "قالوا وقد حذف من الکلام الأول ما أثبت فی الثانی ومن الثانی ما أثبت فی الأول، والتقدیر فمن تبع هدای فلا خوف ولا حُزن یلحقه، وهو صاحب الجنة، ومن کفر وکذب لحقه الخوف والحزن وهو صاحب النار"([lxvi]).

وبهذه الدلالة الشرطیة ذهب المفسرون المعاصرون، قال المراغی: "وأما الذین لم یتبعوا هدای... فجزاؤهم الخلود فی النار"([lxvii])، وفی التفسیر الوجیز: "وأما الذین کفروا بالله وجحدوا وحدانیته وأعرضوا عن هدایته وکتبه المنزلة وکذبوا بالقرآن فأولئک هم أهل النار مقیمون فیها لا یخرجون منها إلى الأبد"([lxviii]).

والوجه السادس- أن هذه الفاء لا تکون لمجرد ربط الجزاء بالشرط فحسب، بل تکون أیضًا فی سیاقات معینة للتقویة والتأکید على الحکم الواقع بعد جملة الصلة قبلها، ویتضح ذلک فی قوله تعالى: (وَالَّذِینَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَالَّذِینَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ (74) وَالَّذِینَ آمَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَکُمْ فَأُولَٰئِکَ مِنکُمْ ۚ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِی کِتَابِ اللَّهِ ۗ)([lxix])، فقد جمع الاقتباس القرآنی بین آیتین مصدرتین بالاسم الموصول المقترن بالفاء فی جواب الثانی دون الأول.

ذکرت آیات الأنفال أربعة أقسام من المؤمنین وترتب على کلٍّ حکمٌ، فالصنف الأول المهاجرون من المؤمنین، والثانی الأنصار، والثالث الذین آمنوا ولم یهاجروا، والرابع الذین آمنوا وهاجروا بعد الهجرة الأولى. والآیتان السابقتان تتحدثان عن الصنفین الأول والرابع.

أما الصنف الأول فقد ورد من قبل فی الآیة (72) من السورة نفسها، غیر أن عجز کل آیة مختلف فالأولى عجزها (أولئک بعضهم أولیاء بعض)، وعجز الثانیة (أولئک هم المؤمنون حقًّا لهم مغفرة ورزق کریم)، ذلک لأن المعنى فی الآیة الأولى على التشریع أی کونوا أولیاء لبعض، والثانیة على الجزاء- جزاء سبقهم للإیمان والهجرة والولایة لبعضهم بعضًا- فجزاؤهم أنهم المؤمنون بحق وفی أعلى درجات الإیمان.

أما الصنف الرابع- الذین آمنوا وتأخرت هجرتهم بعد الهجرة الأولى- فقد أکد القرآن أنهم- بسبب خضوعهم لله خضوعًا تامًّا بإیمانهم وهجرتهم وجهادهم- "کالمؤمنین الأوائل، لأنهم ترکوا کل الانتماءات من أجل الله تعالى"([lxx])، حتى إن کان حکمهم ذلک فی معرض التشریف([lxxi])، فإنهم وإن کانوا دون الأوائل فقد ألحقوا بهم لما ترکوا کل شیء من أجل الله تعالى، ومن ثم أتت الفاء رابطة ومقویة لمنزلتهم التی تتضارع منزلة الأوائل، لئلا یتوهم غیر ذلک؛ إذ حکمهم "حکم المؤمنین السابقین فی الثواب والأجر"([lxxii]).

أما الفاء المحذوفة من آیتی الصنف الأول فلأنهم الأوائل والمقدمون ولا حاجة إلى توکید التشریع فی الآیة الأولى لأناس منقادین لله تعالى، وکذا لا حاجة إلى تأکید ولایة بعضهم بعضًا.

والوجه السابع- أن مواضع وردت الفاء فی خبر موصولها، وسکت کثیر من المعربین والمفسرین عن القول بتضمن الجملة معنى الشرط، وذلک کما فی قوله تعالى: (وَالَّذِینَ کَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)([lxxiii])، فقد اهتم المعربون ومن تعرض للتراکیب من المفسرین بناصب تعسًا دون التعرض لدلالة الفاء([lxxiv])، اللهم إلا القلیل منهم ممن بین علة الفاء لما فی المبتدأ من معنى الشرط، قال أبو حفص الدمشقی: "ودخلت الفاء تشبیهًا للمبتدأ بالشرط"[lxxv]، وقال صاحب التبیان: "والخبر محذوف تقدیره تعسوا أو أتعسوا ودل علیهما تعسًا، ودخلت الفاء تنبیهًا على الخبر"([lxxvi])، وعبارة العکبری بها دلالة على الشرط، لأن التنبیه على الخبر المقصود به فعل الدعاء المحذوف وهو مما یدخل علیه فاء الجزاء.

ولعل السبب فی إغفال الکثیر للقول بفاء الجزاء فی هذه الآیة هو فهمها على الخصوص، لا سیما أنها جاءت ردیفا لقوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ)([lxxvii])، ولئلا یتوهم أن الکافر أیضًا "یثبت للقتال فیدوم القتال والحراب والضراب والطعان، وفیه المشقة العظیمة فقال الله تعالى لکم الثبات ولهم الزوال"([lxxviii])، لذلک أول الزمخشری المعنى على الحکم والقضاء من الله فیما یخص المشرکین، إذ المعنى فی ناصب تعسًا: "فقضى تعسًا لهم"([lxxix]). وما ذهب إلیه علماؤنا حسن، ولکن هذا لا یعنی أن خصوص السبب ینفی عموم اللفظ کما قالوا فی أکثر من موضع.

والوجه الثامن- عبارة صاحب الکتاب أن "لیس کل موضع تدخل فیه الفاء یحسن فیه الجزاء. ألا ترى أنه یقول: ما أتیتنا فتحدثنا، والجزاء ههنا محال. وإنما قبح الجزم فی هذا لأنه لا یجیء فیه المعنى الذی یجیء إذا أدخلت الفاء"([lxxx]). وعبارة سیبویه تؤکد أمرین: الأول- مراعاة المعنى فی القول بالجزاء أو الشرط ولیس بظاهر اللفظ. والثانی- انتفاء عبارة النحاة المتکررة التی تجعل من الفاء دلیلًا على الجزاء.

2- فی سیاق بعض مخصصات الاسم:

(2/1): فی سیاق الحال المفردة:

تقع الحال من الجملة الاسمیة، وتتضمن دلالة الشرط مع جملتها، وضابط ذلک أن تکون الحال تنویعیًّة، بمعنى أن تأتی الحال أولًا بوصفها إحدى حالتی صاحبها ثم یعطف علیها بمنصوب یمثل الحالة الثانیة لصاحب الحال؛ من نماذج ذلک قول سُحیم عبد بنی الحسحاس یصف ثورًا وحشیًّا:

شَبوبًا تَحَاماه الکلاب تحامیًا .... هو اللیث معدوًّا علیه وعادیا([lxxxi])

أی إن هذا الثور المسن- أو الذی یخرج من بلد إلى بلد- تتقیه الکلاب، لأنه کالأسد إن عدا علیها أو عدت هی علیه، فهو فی کلتا حالتیه کمثل اللیث فی جسارته، قال نفطویه فی شرح البیت "وتحاماه الکلاب لمنعه وسرعته فهی تتقیه إن عدت علیه أو عدا هو علیها، وهو کالأسد فی شدته"([lxxxii])، فالمعنى أنه إن عدا على الکلاب فهو أسدٌ، وإن عدت الکلاب علیه فهو أسد کذلک.

(2/2)- فی سیاق الاستثناء:

تنبه الأصولیون إلى نزول الاستثناء منزلة الشرط، ودلالة الشرط فی الاستثناء عندهم مردها نزول أداة الاستثناء منزلة أداة الشرط مع ضدیة المعنى بعد الأداة أو نزول أداة الاستثناء منزلة أداة الشرط فقط مع بقاء ما بعدها. فلا فرق عندهم بین "قوله (اقتلوا المشرکین إلا أن یکونوا أهل عهد)، وبین أن یقول (اقتلوا المشرکین إن کانوا حربیین)"([lxxxiii])، أو بین (اقتلوا المشرکین إلا أن یؤدوا الجزیة) وبین (اقتلوا المشرکین إن لم یؤدوا الجزیة)([lxxxiv])، إذ "کل واحد من الشرط والاستثناء یدخل على الکلام فیغیره عما کان یقتضیه لولا الشرط والاستثناء... "([lxxxv]).

کذلک تنبه المفسرون ومعربو القرآن إلى الشرط المتضمن فی جملة الاستثناء، غیر أنهم لم ینحوا نحوَ الأصولیین فی تأویل دلالة الشرط، بل جعلوا جملة المستثنى رکن الشرط وقدروا معه الأداة والجواب، فقد ذکر الفراء أن المصدر المؤول فی قوله تعالى: (وَلَسْتُم بِآخِذِیهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِیهِ ۚ)[lxxxvi] على الجزاء، والدلیل على ذلک أن المعنى: "إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه"، وضرب لذلک شواهد عدة یقع المصدر المؤول فیها على معنى الجزاء، سواء أکان بعد إلا، مثل: (إلا أن یخافا ألا یقیما حدود الله) ،(إلا أن یعفون)، أم من دون إلا، مثل: (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، )وأن تصوموا خیر لکم)، فمعنى الآیة الأخیرة مثلا: إن تصوموا فهو خیر لکم"([lxxxvii]).

ووقع معنى الجزاء بعد إلا مع الاسم الموصول، من ذلک قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ یَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّی إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِیَدِهِ ۚ)[lxxxviii]، أی: من اغترف غرفة بیده فلا حرج علیه أو فإنه منی، " وَالشُّعَرَاءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وَادٍ یَهِیمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ یَقُولُونَ مَا لَا یَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَکَرُوا اللَّهَ کَثِیرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ"[lxxxix]، والمعنى من آمن وعمل صالحًا یقل ما یفعل ویتبعه المؤمنون. ومنه قوله تعالى: " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِی خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) "، فمن آمن.... لم یکن فی خسر. وهذا المعنى للشرط الضمنی ذکره الفراء فی تفسیره لقوله تعالى: (لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَیْکُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا)[xc]، قال: "فقوله "إلا الذین ظلموا" معناه إلا الذین ظلموا منهم فلا حجة لهم فلا تخشوهم، وهو کما تقول فی الکلام: الناس کلهم لک حامدون إلا الظالم لک المعتدی علیک فإن فإن ذلک لا یعتد بعداوته ولا بترکه الحمد لموضع العداوة وکذلک الظالم لا حجة له، وقد سمی ظالما"([xci]).

وأحیانًا یکون الجواب مذکورًا ومسبوقًا بالفاء، وهو دلیل الشرط عند النحاة ویعللون لوجود الفاء بأن "فی الموصول رائحة الشرط"([xcii])، کقوله تعالى: " لَّا الَّذِینَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَیَّنُوا فَأُولَٰئِکَ أَتُوبُ عَلَیْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِیمُ"([xciii])، أی: من تاب وأصلح یتب الله علیه، وإلى هذا التضمین الشرطی أشار الرازی بقوله: "فبین تعالى أنهم إذا تابوا تغیر حکمهم"([xciv]).

- الاستثناء ما..+ إلا:

تشعر أحیانًا جملة الاستثناء بالنفی وإلا بتعلق جملة ما بعد إلا على ثبوت ما قبلها، ولا یتأتى ذلک إلا بمضمون الجملة وما یرمی إلى المخاطب، وقد لفت الجزاء فی أسلوب القصر بعض الباحثین على نحو ما أوضحت دراسة أنوار مصطفى أحمد فی دیوان ترجمان الأشواق لابن عربی([xcv]). ومن نماذجه فی عینة البحث حدیث: "ما من أحد یشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار.."([xcvi])، فحرمة المرء على النار مشروط بصدقه وإخلاصه للشهادتین والعمل بهما، ومن ثم فالمعنی مبنی على دلالة شرطیة یقصدها المتکلم ویفهمها المخاطب؛ أی: من شهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه حرمه الله على النار، ویعضد ذلک الروایات المتعددة التی جاءت بشأن هذا الحدیث، کقوله علیه السلام: "من لقی الله لا یشرک به شیئًا دخل الجنة"([xcvii]).

- الاستثناء لا...+ إلا:

ومَثَلُ (لا) مَثَلُ (ما) مع إلا فی سیاق الاستثناء، لا تفهم أحیانًا إلا على معنى الشرط، من ذلک ما رواه أحمد فی مسنده أن النبی ص قال: "إنی لأعلم کلمة لا یقولها رجل عند حضرة الموت إلا وجد روحه لها روحًا حین تخرج من جسده، وکانت له نورًا یوم القیامة"([xcviii])، وفی روایة أخرى عند أحمد أیضًا: "إنی لأعلم کلمة لا یقولها الرجل عند موته إلا کانت له نورًا فی صحیفته أو وجد لها روحًا عند الموت"([xcix])، أی: من قال ساعة احتضاره هذه الکلمة وجد روحه لها روحًا وکانت نورًا له یوم القیامة.

وکذلک مع الاستثناء الناقص شریطة أن یکون ما بعد إلا وصفا، فإذا قلنا: لا ینجح إلا محمد، فلا اشتراط هنا، أما إذا قلنا لا ینجح إلا المجتهد، ففی هذه الجملة دلالة شرطیة مفادها من یجتهد ینجح، والعکس بالعکس من لم یجتهد لم ینل النجاح. ومن نماذج هذا التضمین الشرطی حدیث: ".. أنه لا یدخل الجنةَ إلا المؤمنون"([c])، أی من آمن دخل الجنة، والشرط العکسی مفهوم أیضًا فمن کفر فلن یدخلها.

(3) فی سیاق بعض جمل الطلب:

(3/1): جملة النفی وجملة النهی المرتبط بها العلة:

ذهب بعض الکوفیین إلى أن المعنى فی قوله تعالى: " وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِینَ"[ci]، "ولا تقربا هذه الشجرة، فإنکما إن قربتماها کنتما من الظالمین فصار الثانی فی موضع جواب الجزاء..."([cii])، فهم یجعلون مثل هذا النمط على معنى الشرط، ثم یجعلون الفاء رابطة بین الشرط [عدم الاقتراب] والجزاء [الظلم الناتج عن الاقتراب]، ویطلق النحاة على جملة الجزاء جواب الفاء([ciii])، غیر أنها تعمل فیما بعدها النصب، وذلک من وجهین: الأول- مجیء المعطوف على غیر ما یشاکله، فالأمر الأول [وهو النهی عن الاقتراب] حادثٌ لا یصلح معه الجواب [کونهما من الظالمین]، لذلک نصب الفعل بعد هذه الفاء([civ]).

والوجه الثانی- لمضارعة الفاءِ (کی) فی دخولها على أفعال الاستقبال، والاستقبال أصل الجزاء([cv]). وبهذه الدلالة الشرطیة للآیة اتفق المفسرون- وفقًا لما ذکره الرازی- "على أن المراد بقوله تعالى (فتکونا من الظالمین) هو أنکما إن أکلتما فقد ظلمتما أنفسکما، لأن الأکل من الشجرة ظلم الغیر.."([cvi])، واحتج بعضهم على کون النهی فی الآیة للتحریم لا التنزیه بأمور منها هذا الفهم الشرطی للآیة، والدلیل على ذلک أنهما "لما أکلا قالا (ربنا ظلمنا أنفسنا)"([cvii]).

وقد لا تکون العلة جزءًا من بنیة التضمین الشرطی کما فی الآیة السابقة، بل قد تصبح العلة هدفًا لفهم الدلالة الشرطیة التی تقدمها جملة النهی، وحینئذ تغنی العلة عن ذکر جواب الشرط للعلم به، من ذلک فهم الشراح أن الربط بثُمَّ فی قوله ص: "لا یبولن أحدکم فی الماء الدائم الذی لا یجری ثم یغتسل فیه"([cviii])، لا یعنی العطف([cix])، وإلا شمل النهی عدم البول فی الماء الدائم وعدم الاغتسال فیه، وهذا بخلاف المقصود، لأن المعنى- کما یقول القرطبی-: "إذا بال فیه قد یحتاج إلیه فیمتنع علیه استعماله"([cx])، وجملة الجواب هذه مفهومة من جملة الربط المذکورة التی تنبه على مآل الحال.

* النهی+ حتى الغائیة:

تخرج جملة النهی عن أصل ما وضعت لها إلى دلالات کشف عنها العلماء حتى وصلت عند الزرکشی إلى أربع عشرة دلالة، وزاد المعاصرون- وفقًا للواقع النصی- دلالتین أخریین([cxi]).

وتکون دلالة النهی شرطیة بقلب الجملة وانتفاء النهی، من ذلک قوله تعالى: " وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکَاحِ حَتَّىٰ یَبْلُغَ الْکِتَابُ أَجَلَهُ ۚ "[cxii]؛ أی: إذا لم یبلغ الکتاب أجله فلا تعزموا عقدة النکاح، أو إذا بلغ الکتاب أجله فاعزموا عقدة النکاح، وإلا فلا، ولا یکون- کما ظهر للبحث- معنى الشرط موجودًا بهذا القلب إلا مع حتى الغائیة، ولا یعنی ذلک أن النهی زیدت فیه دلالة جدیدة من دلالات التحویل؛ بل هی دلالة مضافة، بمعنى تصبح الدلالة المحولة عن النهی مرکبة، فالمعنى فی الآیة التحریم على الأصل، والشرط على القلب. ویؤکد ذلک التصریح بهذا الاشتراط بعد (حتى)،  کما فی قوله تعالى: (یَسْأَلُونَکَ عَنِ الْمَحِیضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِی الْمَحِیضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ أَمَرَکُمُ اللَّهُ ۚ)[cxiii].

* النفی+ حتى:

کذلک تؤدی الجملة المنفیة المذیلة بـ(حتى) دلالة الشرط، کأن یقول قائل: لا تأتنی حتى تنهی عملک، فالمعنى محمول على الشرط، وکأنه یقول: لإن انتهیت من عملک فائتنی، لأنه قد ینتهی وقد لا ینتهی، ومن ثم فإذا لم ینجز عمله یسقط شرط المجیء، وحمل على ذلک قوله تعالى: (وَالَّذِینَ آمَنُوا وَلَمْ یُهَاجِرُوا مَا لَکُم مِّن وَلَایَتِهِم مِّن شَیْءٍ حَتَّىٰ یُهَاجِرُوا ۚ)([cxiv])، قال الرازی: "یعنی أنهم لو هاجروا لعادت تلک الولایة وحصلت"([cxv]).

(3/2): أمر+ نهی([cxvi]):

قد یوجه المخاطب للمتلقی أمرًا لفعل شیء معین، وربما یهاب المتلقی فعل هذا الشیء لما قد یلحقه من الضرر، فیعقب هذا الأمر نهی بعدم الهیبة والخشیة والخوف إن أقدم على هذا الفعل، کأن یقول أحدهم لغیره: قل الحق ولا تخش أحدًا، فکأن النهی هنا جواب وجزاء لشرط مقدر، والمعنى وإذا قلت الحق فلا تخش أحدًا، وبهذا المعنى وجه المفسرون قراءة الأعمش وحمزة لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَیْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِی فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِیقًا فِی الْبَحْرِ یَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَکًا وَلَا تَخْشَىٰ)[cxvii]، فقد قرئت هذه الآیة بجزم الفعل تخاف على النهی (لا تخَف)، ویکاد یجمع المفسرون([cxviii]) وأصحاب القراءات ومعربو القرآن على أن النهی واقع فی جواب شرط، فجزم الفعل على الجزاء أو الجواب، على نحو ما أورد الطبری: "لا تخف على الجزاء"([cxix])، والفراء: "فجزم على الجزاء"([cxx])، وابن الأنباری: "ومن قرأ (لا تخف) جزمه على الجواب"([cxxi])، والزمخشری: "وقرئ (لا تخف) على الجواب"([cxxii])؛ لأن المعنى "إن تضرب لا تخف"([cxxiii]).

والمقصود بالجواب هنا جواب الطلب لفعل الأمر (اضرب)، على نحو ما فصل أصحاب القراءات ومعربو القرآن، قال ابن غَلبون الحلبی: "فعلى قراءة حمزة لا یجوز أن یبتدئ به، لأنه جواب الأمر الذی هو قوله: (فاضرب). التقدیر: إن تضرب لهم طریقًا فی البحر لا تخف درکًا من خلفک وأنت لا تخشى غرقًا بین یدیک"([cxxiv])، وقال مکی: "قرأ حمزة بالجزم على أنه جواب فاضرب"([cxxv])، وقال العکبری فی أحد رأییه: "ویقرأ بالجزم على النهی، أو على جواب الأمر"([cxxvi]).

جواب الأمر غیر المضارع المجزوم [فعل الأمر+ (ف)+ جملة إن]:

من ذلک قوله تعالى: " اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَکُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ "[cxxvii]، والمعنى فإنکم إن هبطتم فإن لکم فیها ما سألتمونه، على اعتبار أن الفاء للجواب، ویجوز أن تکون الفاء للتعلیل، والمعنى اهبطوا مصرًا لأن لکم فیها ما سألتمونه، ولا شاهد فی هذه الحال.

ومنه قوله تعالى: " یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ "[cxxviii]، فقد جاءت هذه الآیة متلوة بقوله تعالى: " فَاذْکُرُونِی أَذْکُرْکُمْ وَاشْکُرُوا لِی وَلَا تَکْفُرُونِ"[cxxix]، ثم بین سبحانه ما یعین علیهما وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وتختتم هذه الآیة بتأکید "إن الله مع الصابرین"، وفی هذا التأکید إشعار باشتراط عون الله لعباده متى داوموا على الصبر والصلاة، وهذا ما أشار إلیه بعض المفسرین، قال الرازی: "ثم قال (إن الله مع الصابرین)، یعنی فی النصر لهم، کما قال (فسیکفیکهم الله وهو السمیع العلیم)، فکأنه تعالى ضمن لهم إذا هم استعانوا على طاعته بالصبر والصلاة أن یزیدهم توفیقًا وتسدیدًا وألطافًا کما قال (ویزید الله الذین اهتدوا هدى)"([cxxx])، وغیرها من الآیات المشعرة بتعلق جملة إن بالاستجابة لفعل الأمر([cxxxi]).

جملة فعلیة مثبتة+ ف+ جملة طلبیة (أمر):

ورد فی کتاب الله عز وجل الفعل یسأل بصیغة المضارع خمس عشرة مرة، وکانت متلوة بإجابة فی ثلاثة عشر موضعًا، وکانت الإجابة فی اثنی عشر موضعًا منها مصدرة بفعل الأمر (قل)، کقوله تعالى: (یَسْأَلُونَکَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِیَ مَوَاقِیتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ)([cxxxii])، وقوله جل شأنه: (یَسْأَلُونَکَ مَاذَا یُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ وَالْیَتَامَىٰ وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ ۗ)([cxxxiii])، وغیرها من الآیات المتممة لها. أما الموضع الأخیر فکانت الإجابة بفعل الأمر نفسه ولکنه مسبوق بالفاء (فقل)، وورد ذلک فی سورة طه/ 105: (وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسْفًا).

وقد تعرض بعض المفسرین- کالطبری([cxxxiv]) والزمخشری([cxxxv]) والطبرسی([cxxxvi])-وأصحاب معانی القرآن- کالفراء([cxxxvii]) والزجاج([cxxxviii])- تعرضوا للآیة أو جزء منها دون إلقاء الضوء على نکتة وجود الفاء فی هذا الموضع خاصة، أما الرازی فقد التفت إلى وجود الفاء مقارنة بالآیات الاثنتی عشرة الأخرى، ولم یخرجها عن دلالة التعقیب، وعلل ذلک بأن السؤال فی هذه الآیة یتعلق بمسألة أصولیة مرتبطة بقضیة البعث والنشر والحشر على من طعن فیها، فجاء الجواب بفاء التعقیب "لأن تأخیر البیان فی مثل هذه المسألة الأصولیة غیر جائز، أما فی المسائل الفروعیة فجائزة، لذلک ذکر هناک قل من غیر حرف للتعقیب"([cxxxix]).

وقد أول بعض المعاصرین وجود الفاء على معنى الشرط انطلاقًا من حکایة النحاة الدائمة عن دلالة الفاء على معنى الشرط، فقد ذهب الشعراوی إلى أن آیة سورة طه جاءت بالفاء مغایرة للآیات الأخر "لتدل على أن السؤال لم یقع بعد، فکأن الفاء دلت على شرط مقدر هو: إن سألوک فقل ینسفها ربی نسفًا"([cxl])، فدلالة الشرط الکائنة لوجود الفاء مردها عند الشعراوی أن الأسئلة الأربعة عشرة سئل عنها النبی ص، أما هذا السؤال فلما یسأل عنه النبی بعد، "وأراد الله أن یبین لمحمد ولأمته أن الله یعلم لا بما تسالونه فقط بل یعلم ما سوف تسألون عنه"([cxli])، وهذا ما کان فقد سأل مشرکو مکة النبی صلى الله علیه وسلم: "کیف تکون الجبال یوم القیامة؟ وکان سؤالهم على سبیل الاستهزاء"([cxlii]).



(*) عمرو أحمد عُطیفی- مدرس مساعد اللغویات بقسم اللغة العربیة وآدابها- کلیة الآداب- جامعة القاهرة.

([i]) راجع: موسى بن مصطفى العبیدان: دلالة ترکیب الجمل عند الأصولیین، دمشق، الأوائل، ط1، 2002م، ص182، ص 316- فرج مسعود قطب: توجیه الحنفیة لأسلوب الشرط فی آیات الأحکام- دراسة أصولیة فقهیة مقارنة، ماجستیر، کلیة دار العلوم، جامعة القاهرة، 2016م- السید دسوقی یُوسُف: الجملة الشرطیة فی دیوان المتنبی، کلیة الآداب، جامعة طنطا، ص3: ص25.

([ii]) انظر: مهدی المخزومی، فی النحو العربی، بیروت، دار الرائد العربی، ط2، 1986م، ص 285- محمود فهمی حجازی، مدخل إلى علم اللغة، دار قباء، 1997م، ص 115- علی أبو المکارم، التراکیب الإسنادیة، الجمل الظرفیة والوصفیة والشرطیة، القاهرة، مؤسسة المختار، ط1، 2007م، ص 148.

([iii]) فی الأدوات الجازمة، عدها ابن مالک فی التسهیل وتابعه الشراح اثنتا عشرة أداة: إن- من- ما- مهما- متى- أین- أیان- أی- حیثما- إذما- أنَّى- کیف (السلسیلی: شفاء العلیل فی إیضاح التسهیل، تحقیق الشریف البرکاتی، مکة المکرمة، المکتبة الفیصلیة، ط1، 1986م، ص950، 951)، وأبعد فی ألفیته وتابعه الشراح الأداة (کیف)، (ابن عقیل: شرح ابن عقیل على ألفیة ابن مالک، القاهرة، مکتبة دار التراث، 2005م، ج4، ص22- ابن هشام: أوضح المسالک إلى ألفیة ابن مالک، القاهرة، دار الطائع، 2004م، ج4، ص178- قطر الندى وبل الصدى، القاهرة، دار الطلائع، 2004م، ص96: 101- شرح شذور الذهب فی معرفة کلام العرب، القاهرة، دار الطلائع، 2005م، ص351: 354)، واقتصر السیوطی على ثمانی أدوات: (إن- ما- من- مهما- متى- أین- أیان- أی). (أحمد بن عبد الغفار: المنقح على الموشح فی قواعد اللغة العربیة، الإسکندریة، دار الإیمان، 2003، ص283).

([iv]) راجع: حسام قاسم: العلاقات بین الجمل والفقرات- دراسة فی الترابط الدلالی للنص العربی، مجلة کلیة الآداب جامعة القاهرة، مجلد 66، ع1، 2006م، ص12.

([v]) الکتاب، ج3، ص 102.

([vi]) السکاکی: مفتاح العلوم، کتبه وعلق علیه نعیم زرزور، بیروت، دار الکتب العلمیة، ط2، 1987م، ص 494.

([vii]) تدرک العلاقة بین الجمل بواسطة القرائن اللفظیة، فتسمى العلاقة حینئذ علاقة لفظیة، أو تستنبط بقرائن معنویة وتسمى حینئذ العلاقة الملحوظة أو المعنویة، (راجع تفصیل ذلک: تمام حسان: البیان فی روائع القرآن، ج1، ص 395).

([viii]) تمام حسان: اجتهادات لغویة، القاهرة، عالم الکتب، ط1، 2007م، ص 311.

([ix]) النور: 60.

([x]) العکبری: التبیان فی إعراب القرآن، تحقیق علی محمد البجاوی، مطبعة عیسى الحلبی، 1976م، ص 282.

([xi]) انظر: السیوطی: الأشباه والنظائر فی النحو، تحقیق عبد العال سالم مکرم، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1985م، ج3، ص 91.

([xii]) ابن الأنباری: البیان فی غریب إعراب القرآن، تحقیق طع عبدالحمید طه، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، 2006م، ج2، ص 200. ومثله قوله تعالى: (قل إن الموت الذی تفرون منه فإنه ملاقیکم) الجمعة/ 8، فالمعنى إن فررتم من الموت لاقاکم، ( ابن جنی: سر صناعة الإعراب، ص 267)، وانظر تعلیق ابن الأنباری فی بیانه، ج2، ص 438.

([xiii]) الفاء الداخلة على الموصوف عدها البعض زائدة، لأنها لا تدخل إلا فی جواب الاسم الموصول لا موصوفه (راجع: البیان فی غریب إعراب القرآن، ج2، ص 438).

([xiv]) الترمذی: سنن الترمذی، بتحقیق وشرح أحمد شاکر، مطبعة الحلبی، ط2، 1978، کتاب الزهد، باب ما جاء فی الحب فی الله، رقم 2390، ج 4، ص 598.

([xv]) المبارکفوری: تحفة الأحوذی بشرح جامع الترمذی، ضبطه وراجع أصوله وصححه عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفکر، ج7، ص 66.

([xvi]) ابن العماد الأقفهسی: شرح الکواکب الدریة فی مدح خیر البریة، تحقیق ودراسة محمد دبوس، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، سلسلة التراث، ط1، 2010م، ص202.

([xvii]) البخاری: الجامع الصحیح: شرح وتبویب محب الدین الخطیب، محمد فؤاد عبد الباقی، القاهرة، المکتبة السلفیة، ط1، 1400ه، ج1، حدیث رقم 48، ص 32.

([xviii]) الکفر فی حق المسلم، ولیس بمعنى الخروج من الملة.

([xix]) ابن بطال: شرح صحیح البخاری، ضبط نصه وعلق علیه أبو تمیم یاسر بن إبراهیم، الریاض، مکتبة الرشد، ج1، ص 111.

([xx]) سیبویه: الکتاب، تحقیق عبدالسلام هارون، القاهرة، مکتبة الخانجی، ط6، 2013م، ج3، ص 103.

([xxi]) البیان فی غریب إعراب القرآن، ج2، ص 438- التبیان فی إعراب القرآن، ص 223.

([xxii]) مغنی اللبیب، ج1، ص – الأشباه والنظائر، ج3، ص 251.

([xxiii]) التبیان فی إعراب القرآن، ص 223.

([xxiv]) البقرة: 234.

([xxv]) الطبری: جامع البیان عن تأویل آی القرآن، تحقیق عبد الله الترکی، القاهرة، دار هجر، ط1، 1422ه- 2001م، ج4، ص248.

([xxvi]) الرازی: تفسیر الفخر الرازی، بیروت، دار الفکر، ط1، 1401ه- 1981م، ج5، ص 37.

([xxvii]) الزمخشری: الکشاف، تحقیق عادل أحمد عبدالموجود، علی معوض، الریاض، مکتبة العبیکان، ط1، 1998م،ج1، ص 361.

([xxviii]) التبیان فی إعراب القرآن، ص 1223.

([xxix]) الجمعة: 8. راجع: التبیان فی إعراب القرآن، ص 1222. وقد استشهد بها سیبویه على الجزاء دون إشارة إلى تبعیتها (الکتاب، ج3، ص 103).

([xxx]) سر صناعة الإعراب، ص 258- تفسیر الرازی، ج7، ص90.

([xxxi]) البقرة: 274، وهی من شواهد سسیبویه (الکتاب، ج3، ص 103).

([xxxii]) تفسیر الطبری، ج5، ص33- تفسیر الرازی، ج7، 90-  سر صناعة الإعراب، ص 258- الأخفش: کتاب معانی القرآن، تحقیق هدى محمود قراعة، القاهرة، مکتبة الخانجی، ط1، 1990م، ص 203- الزجاج: معانی القرآن وإعرابه، شرح وتحقیق عبد الجلیل شلبی، بیروت، عالم الکتب، ط1، 1988م، ج1، ص358- البیان فی غریب إعراب القرآن، ص180.

[xxxiii]) سر صناعة الإعراب، ص 258.

[xxxiv] ) البقرة: 82.

[xxxv] ) البقرة: 159.

[xxxvi]  ) البقرة: 161.

[xxxvii] ) فصلت 30.

([xxxviii]) مغنی اللبیب، ج1، ص 184، وانظر: الأشباه والنظائر، ج3، ص 251.

([xxxix]) الکتاب، ج3، ص 102.

[xl] ) آل عمرا: 21.

([xli]) انظر: تفسیر الفخر الرازی، ج7، ص 233.

([xlii]) محمد: 4.

([xliii]) تفسیر الطبری، ج 21، ص 190- الکشاف، ج5، ص 518- الطبرسی: مجمع البیان فی تفسیر القرآن، بیروت، دار العلوم، ط1، 2005م، ج9، ص 125.

([xliv]) تفسیر الرازی، ج 28، ص 47.

[xlv] ) آل عمران: 4.

([xlvi]) تفسیر الفخر الرازی، ج7، ص 175. وانظر أیضًا تعلیق الرازی على الآیة 199 من سورة آل عمران.

([xlvii])  تفسیر الطبرسی، ج2، ص 212.

[xlviii] ) البقرة: 240.

([xlix]) تفسیر الطبری، ج4، ص397- تفسیر الفخر الرازی، ج6، ص169- تفسیر الطبرسی، ج2، ص107- معانی القرآن للزجاج، ج1، ص321.

([l]) البیان فی غریب إعراب القرآن، ج1، ص163- تفسیر الفخر الرازی، ج6، ص169- معانی القرآن للزجاج، ج1، ص321.

([li]) عبد اللطیف الخطیب: معجم القراءات، دمشق، دار سعد الدین، ط1، 2000م، ج1، ص340.

([lii]) معانی القرآن للفراء، ج1، ص 156- عبد اللطیف الخطیب، معجم القراءات، ج1، ص340

([liii]) الأعراف: 170.

([liv]) انظر تفسیر الفخر الرازی، ج15، ص 48.

([lv]) أشار الزجاج إلى أن فی الإعراب قولین، واکتفى بواحد واختاره وهو الخبر (معانی القرآن للزجاج، ج2، ص 388)،  واقتصر معربو القرآن کابن الأنباری والعکبری على هذا الإعراب من دون الإشارة إلى توجیه آخر للآیة (البیان فی غریب إعراب القرآن، ج1، ص379- التبیان فی إعراب القرآن، ص 173).

([lvi]) تفسیر الرازی، ج15، ص 48.

([lvii]) البقرة: 62، ونظیرها المائدة: 69.

([lviii]) البقرة: 38، 39.

([lix]) ابن تیمیة: تفسیر آیات أشکلت على کثیر من العلماء، دراسة وتحقیق عبد العزیز الخلیفة، الریاض، مکتبة الرشد، ط1، 1996م، ج1، ص 254

([lx]) سورة البقرة، ومثله قوله تعالى: (بلى من کسب سیئة وأحاطت به خطیئته فأولئک أصحاب النار هم فیها خالدون (82) والذین آمنوا وعملوا الصالحات أولئک أصحاب الجنة هم فیها خالدون (83)) البقرة.

([lxi]) محیی الدین درویش: إعراب القرآن الکریم وبیانه، دمشق، دار ابن کثیر، ط7، 1999م، ج1، ص 94.

[lxii] ) الحج: 57.

([lxiii]) تفسیر الطبرسی، ج1، ص 123.

([lxiv]) تفسیر الرازی، ج3، ص 30.

([lxv]) تفسیر الطبرسی، ج1، ص 123.

([lxvi]) أبو حفص الدمشقی: اللباب فی علوم الکتاب، تحقیق وتعلیق عادل أحمد وعلی محمد، بیروت، دار الکتب العلمیة، ط1، 1998م، ج1، ص 586.

([lxvii]) أحمد مصطفى المراغی: تفسیر المراغی، مطبعة مصطفى الحلبی، ط1، 1946م، ج1، ص94.

([lxviii]) وهبة الزحیلی: التفسیر الوجیز، دمشق، دار الفکر، ص 8.

([lxix]) الأنفال: 74، 75.

([lxx]) تفسیر الشعراوی، ص 4830.

([lxxi]) یقول الرازی: "قوله (فأولئک منکم) یدل على أن مرتبة هؤلاء دون مرتبة المهاجرین السابقین لأنه ألحق هؤلاء بهم وجعلهم منهم فی معرض التشریف"، (تفسیر الرازی، ج 15، ص 220)، وما داموا ألحقوا بالأوائل فقد استحقوا ما استحقه الأوائل من الجزاء.

([lxxii]) الصابونی: صفوة التفاسیر، القاهرة، دار الصابونی، ط9، ج1، ص 517.

([lxxiii]) محمد: 8.

([lxxiv]) الکشاف، ج 5، ص 518- البیان فی غریب إعراب القرآن، ج2، ص 374.

([lxxv]) اللباب فی علوم الکتاب ج 17، ص 435.

([lxxvi]) التبیان فی إعراب القرآن، ص 1161.

([lxxvii]) محمد: 7.

([lxxviii]) تفسیر الرازی، ج 28، ص 49.

([lxxix]) الکشاف، ج5، ص 518.

([lxxx]) الکتاب، ج3، ص 97.

([lxxxi]) دیوان سحیم عبد بنی الحسحاس، صنعة نفطویه، تحقیق عبد العزیز المیمنی، القاهرة، الدار القومیة للطباعة والنشر، 1965م، ص 29.

([lxxxii]) دیوان سحیم عبد بنی الحسحاس، ص 29.

([lxxxiii]) الغزالی: المستصفى من علم الأصول، دراسة وتحقیق حمزة بن زهیر، 1413ه، ج3، ص396.

([lxxxiv]) دلالة ترکیب الجمل عند الأصولیین، ص 183.

([lxxxv]) الغزالی: المستصفى من علم الأصول، ج3، ص 396.

[lxxxvi] ) البقرة: 267.

([lxxxvii]) الفراء: معانی القرآن عالم الکتب، ط3، 1983م، ج1، ص 178، 179.

[lxxxviii] ) البقرة/ 249

[lxxxix] ) الشعراء.

[xc] ) البقرة: 150.

([xci])  معانی القرآن للفراء، ج1، 89.

([xcii])إعراب القرآن الکریم وبیانه، ج1، ص 201.

([xciii]) البقرة: 160، ومثله قوله تعالى: "إلا الذین تابوا من بعد ذلک وأصلحوا فإن الله غفور رحیم" النور: 5.

([xciv]) تفسیر الرازی، ج4، ص 183. ومثله قوله تعالى: (إلا أن تکون تجارة حاضرة تدیرونها بینکم فلیس علیکم جناح ألا تکتبوها[282])، فالمعنى على جعل الاستثناء منقطعًا: "لکنه إذا کانت التجارة حاضرة تدیرونها بینکم فلیس علیکم جناح أن لا تکتبوها"، (تفسیر الرازی، ج7، ص 127).

([xcv]) انظر: أنوار مصطفى أحمد: بنیة اللغة الشعریة فی دیوان ترجمان الأشواق، القاهرة، الهیئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة کتابات نقدیة (215)، ط1، 2014م، ج1، ص298.

([xcvi]) الجامع الصحیح، ج1، حدیث رقم 128، ص63.

([xcvii]) الجامع الصحیح، ج1، حدیث رقم 129، ص63.

([xcviii]) أحمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل، حققه شعیب الأرنؤوط وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، ط1، 1995م، ج1، ص 319.

([xcix]) المسند، ج1، ص 364- ص 413.

([c]) المسند، ج1، ص 330.

[ci] ) البقرة/ 35.

([cii]) الطبری: جامع البیان عن تأویل آی القرآن، ج1، ص557.

([ciii]) وهو ما کان جوابًا للأمر والنهی والاستفهام والتمنی والنفی والجحود، (کتاب معانی القرآن للأخفش، ص65)، ویجوز أن تکون الفاء عاطفة والفعل بعدها مجزوم لعطفه على مجزوم (معانی القرآن للفراء، ج1، ص- کتاب معانی القرآن للأخفش، ص65- جامع البیان عن تأویل آی القرآن، - تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص- التبیان فی إعراب القرآن، ص 23).

([civ]) انظر: معانی القرآن للفراء، ج1، ص27.

([cv]) الطبری: جامع البیان عن تأویل آی القرآن، ج1، ص557.

([cvi]) تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص6.

([cvii]) تفسیر الفخر الرازی، ج3، ص5.

([cviii]) الجامع الصحیح للبخاری، ج1، ص 96. ومثله: "لا یضربن أحدکم امرأته ضرب الأمة ثم یضاجعها"، فهو إذا ضربها بهذه الصفة فقد تمتنع عن أن یمسها لسوء أخلاقه، فلا یحصل له مقصوده (انظر العسقلانی: فتح الباری بشرح صحیح الإمام البخاری، تحقیق عبدالقادر شیبة الحمد، الریاض، مکتبة الملک فهد الوطنیة، ط1، 1421ه، 2001م، ج1، ص 414).

([cix]) بدلیل الرفع للفعل یغتسل، وذهب ابن مالک إلى جواز الجزم على العطف، ورد علیه هذا الزعم.

([cx]) انظر: فتح الباری بشرح صحیح الإمام البخاری، ج1، ص 414.

([cxi]) هما الافتراح والتهویل، انظر: حسام قاسم: تحویلات الطلب ومحددات الدلالة- مدخل إلى تحلیل الخطاب النبوی الشریف، القاهرة، دار النصر، ط1، 2005م، ص105.

[cxii] ) البقرة 235.

[cxiii] ) البقرة: 222.

([cxiv]) الأنفال: 72.

([cxv]) تفسیر الرازی، ج15، ص 217.

([cxvi]) المقصود الشرط فی جواب الطلب فی جانب منه، لأن هذا النوع من الشرط لا یدرجه البحث ضمن الشرط الضمنی، ومسوغ وروده هنا اختلاف النحاة والمفسرین فی توجیه بعض النصوص؛ بین من فهم النص على الشرط، ومن أخرجه من الشرط، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى، کون الجواب مسبوقًا بلا الناهیة التی سببت هذا الإشکال، وهذا هو الأساس، لأن المتفق علیه من الوقوع فی جواب الطلب لا مسوغ لوجوده فی هذا البحث.

[cxvii]  ) طه 77.

([cxviii]) وهناک رأی ذهب إلیه بعض المفسرین ومعربی القرآن یکتفی بدلالة النهی المستأنف، على نحو ما أورد الرازی (تفسیر الرازی، ج 22، ص 92)، وما جنح إلیه الزجاج (معانی القرآن وإعرابه، ج3، ص 370)، والعکبری فی أحد رأییه (التبیان فی إعراب القرآن، ص 259).

([cxix]) تفسیر الطبری، ج 16، ص 122.

([cxx]) معانی القرآن، ج2، ص 187.

([cxxi]) البیان فی غریب إعراب القرآن، ج2، 150.

([cxxii]) الکشاف، ج4، ص 98.

([cxxiii]) تفسیر الرازی، ج 22، ص 92- مجمع البیان، ج 7، ص 31.

([cxxiv]) ابن غلبون الحلبی: التذکرة فی القراءات الثمان، دراسة وتحقیق أیمن رشدی سوید، جدة، الجماعة الخیریة لتحفیظ القرآن الکریم، ط1، 1991م، ج2، ص 432.

([cxxv]) مکی بن أبی طالب: الکشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، تحقیق محیی الدین رمضان، مطبوعات مجمع اللغة العربیة بدمشق، 1974م، ج2، ص 102.

([cxxvi]) التبیان فی إعراب القرآن، ص 259.

[cxxvii] ) البقرة: 61.

[cxxviii] ) البقرة: 153.

[cxxix] ) البقرة: 152.

([cxxx]) تفسیر الفخر الرازی، ج4، 160.

([cxxxi]) کقوله تعالى: (ثم أفیضوا من حیث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحیم)، أی: من استغفر فإن الله غفور، أو یغفر له الله؛ إذ تدل الآیة "على أنه تعالى یقبل التوبة من التائب، لأنه تعالى لما أمر المذنب بالاستغفار ثم وصف نفسه بأنه کثیر الغفران کثیر الرحمة، فهذا یدل قطعًا على أنه تعالى یغفر لذلک المستغفر، ویرحم ذلک الذی تمسک بحبل رحمته وکرمه"، (تفسیر الفخر الرازی، ج5، ص198.

([cxxxii]) البقرة: 189.

([cxxxiii]) البقرة: 215.

([cxxxiv]) تفسیر الطبری، ج 16، ص 163.

([cxxxv]) الکشاف، ج4، ص 109.

([cxxxvi]) مجمع البیان، ج7، ص 41.

([cxxxvii]) اکتفى الفراء بمعنى (ینسفها ربی نسفًا)، (معانی القرآن، ج2، ص 191).

([cxxxviii]) معانی القرآن وإعرابه، ج3، ص 376.

([cxxxix]) تفسیر الرازی، ج 22، ص 117.

([cxl]) تفسیر الشعراوی، ص 4057، ص 4058.

([cxli]) تفسیر الشعراوی، ص 4057.

([cxlii]) تفسیر الرازی، ج 22، ص 117.

أولا- مادة الدراسة: القرآن الکریم (جلَّ من أنزله).
ثانیًا- مصادر الدراسة ومراجعها:
- أحمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل، حققه شعیب الأرنؤوط وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، ط1، 1995م.
- أحمد بن عبد الغفار: المنقح على الموشح فی قواعد اللغة العربیة، الإسکندریة، دار الإیمان، 2003.
- أحمد مصطفى المراغی: تفسیر المراغی، مطبعة مصطفى الحلبی، ط1، 1946م.
- وهبة الزحیلی: التفسیر الوجیز، دمشق، دار الفکر.
- أنوار مصطفى أحمد: بنیة اللغة الشعریة فی دیوان ترجمان الأشواق، القاهرة، الهیئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة کتابات نقدیة (215)، ط1، 2014.
- الأخفش: کتاب معانی القرآن، تحقیق هدى محمود قراعة، القاهرة، مکتبة الخانجی، ط1، 1990م.
- البخاری: الجامع الصحیح: شرح وتبویب محب الدین الخطیب، محمد فؤاد عبد الباقی، القاهرة، المکتبة السلفیة، ط1، 1400ه.
- ابن بطال: شرح صحیح البخاری، ضبط نصه وعلق علیه أبو تمیم یاسر بن إبراهیم، الریاض، مکتبة الرشد.
- التبریزی، شرح القصائد الثلاث المزیدة على المعلقات السبع، تدقیق وتعلیق محمد فوزی حمزة، القاهرة، مکتبة الآداب، ط1، 2006م.
- الترمذی: سنن الترمذی، بتحقیق وشرح أحمد شاکر، مطبعة الحلبی، ط2، 1978.
- ابن تیمیة: تفسیر آیات أشکلت على کثیر من العلماء، دراسة وتحقیق عبد العزیز الخلیفة، الریاض، مکتبة الرشد، ط1، 1996م.
- حسام قاسم: تحویلات الطلب ومحددات الدلالة- مدخل إلى تحلیل الخطاب النبوی الشریف، القاهرة، دار النصر، ط1، 2005م.
...........: العلاقات بین الجمل والفقرات- دراسة فی الترابط الدلالی للنص العربی، مجلة کلیة الآداب، جامعة القاهرة.
- أبو حفص الدمشقی: اللباب فی علوم الکتاب، تحقیق وتعلیق عادل أحمد وعلی محمد، بیروت، دار الکتب العلمیة، ط1، 1998م.
- أبو حیان الأندلسی: ارتشاف الضرب من لسان العرب، تحقیق رجب عثمان محمد، القاهرة، مکتبة الخانجی، ط1، 1998م.
- الرازی: تفسیر الفخر الرازی، بیروت، دار الفکر، ط1، 1401ه- 1981م.
- الزجاج: معانی القرآن وإعرابه، شرح وتحقیق عبد الجلیل شلبی، بیروت، عالم الکتب، ط1، 1988م.
- الزرکشی: البحر المحیط فی أصول الفقه، قام بتحریره عبد القادر العانی، الکویت، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامیة، ط2، 1992م.
- الزمخشری: الکشاف، تحقیق عادل أحمد عبدالموجود، علی معوض، الریاض، مکتبة العبیکان، ط1، 1998م.
- سحیم: دیوان سحیم عبد بنی الحسحاس، صنعة نفطویه، تحقیق عبد العزیز المیمنی، القاهرة، الدار القومیة للطباعة والنشر، 1965م.
- السکاکی: مفتاح العلوم، کتبه وعلق علیه نعیم زرزور، بیروت، دار الکتب العلمیة، ط2، 1987م.
- السلسیلی: شفاء العلیل فی إیضاح التسهیل، تحقیق الشریف البرکاتی، مکة المکرمة، المکتبة الفیصلیة، ط1، 1986م.
- سیبویه: الکتاب، تحقیق عبدالسلام هارون، القاهرة، مکتبة الخانجی، ط6، 2013م.
- السید دسوقی یُوسُف: الجملة الشرطیة فی دیوان المتنبی، کلیة الآداب، جامعة طنطا.
- السیوطی: الأشباه والنظائر فی النحو، تحقیق عبد العال سالم مکرم، بیروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1985م.
- ...........: همع الهوامع فی شرح جمع الجوامع، تحقیق وشرح عبد السلام هارون، وعبدالعال سالم، بیروت، مؤسسة الرسالة، 1992م.
- .........: المطالع السعیدة فی شرح الفریدة فی النحو والصرف والخط، تحقیق نبهان حسین، بغداد، دار الرسالة للطباعة، 1977م.
- الشاطبی: المقاصد الشافیة فی شرح الخلاصة الکافیة، مکة المکرمة، جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمیة وإحیاء التراث الإسلامی، ط1، 2007م.
- الصابونی: صفوة التفاسیر، القاهرة، دار الصابونی، ط9.
- الطبری: جامع البیان عن تأویل آی القرآن، تحقیق عبد الله الترکی، القاهرة، دار هجر، ط1، 1422ه- 2001م.
- العسقلانی: فتح الباری بشرح صحیح الإمام البخاری، تحقیق عبدالقادر شیبة الحمد، الریاض، مکتبة الملک فهد الوطنیة، ط1، 1421ه، 2001م.
- ابن عقیل: شرح ابن عقیل على ألفیة ابن مالک، القاهرة، مکتبة دار التراث، 2005م.
-..........: المساعد على تکمیل الفوائد، تحقیق وتعلیق محمد کامل برکات، دمشق، دار الفکر، ط1، 1980م.
- العکبری: التبیان فی إعراب القرآن، تحقیق علی محمد البجاوی، مطبعة عیسى الحلبی، 1976م.
- عبد اللطیف الخطیب: معجم القراءات، دمشق، دار سعد الدین، ط1، 2000م.
- علی أبو المکارم، التراکیب الإسنادیة، الجمل الظرفیة والوصفیة والشرطیة، القاهرة، مؤسسة المختار، ط1، 2007م.
- ابن العماد الأقفهسی: شرح الکواکب الدریة فی مدح خیر البریة، تحقیق ودراسة محمد دبوس، القاهرة، الهیئة المصریة العامة للکتاب، سلسلة التراث، ط1، 2010م.
- الغزالی: المستصفى من علم الأصول، دراسة وتحقیق حمزة بن زهیر، 1413ه.
- ابن غلبون الحلبی: التذکرة فی القراءات الثمان، دراسة وتحقیق أیمن رشدی سوید، جدة، الجماعة الخیریة لتحفیظ القرآن الکریم، ط1، 1991م.
- ابن فارس: الصاحبی، تحقیق السید أحمد صقر، دار إحیاء الکتب العربیة، 1977م.
- الفراء: معانی القرآن عالم الکتب، ط3، 1983م.
- فرج مسعود قطب: توجیه الحنفیة لأسلوب الشرط فی آیات الأحکام- دراسة أصولیة فقهیة مقارنة، ماجستیر، کلیة دار العلوم، جامعة القاهرة، 2016م.
- کامل محمد یعقوب: بناء الجملة العربیة فی شعر حسان بن ثابت، دکتوراه، قسم اللغة العربیة وآدابها، کلیة الآداب، جامعة القاهرة، 1982م.
- ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم، تحقیق مصطفى السید وآخرین، الجیزة، مکتبة قرطبة، ط1، 2000م.
- المبارکفوری: تحفة الأحوذی بشرح جامع الترمذی، ضبطه وراجع أصوله وصححه عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفکر.
- ابن مالک: شرح التسهیل، تحقیق عبدالرحمن السید ومحمد المختون، الجیزة، هجر للطباعة والنشر، ط1، 1990م.
- محمد جابر عبد العال: الخنساء شاعرة بنی سلیم، المؤسسة المصریة العامة، أعلام العرب (25)، 1963م.
- محمد عبد الخالق عضیمة: دراسات لأسلوب القرآن الکریم، القاهرة، دار الحدیث.
- محمد کریم راجح: قبس من القرآن الکریم، الکویت، إدارة الثقافة الإسلامیة، ط2، 2015م.
- محمود فهمی حجازی، مدخل إلى علم اللغة، دار قباء، 1997م.
- محیی الدین درویش: إعراب القرآن الکریم وبیانه، دمشق، دار ابن کثیر، ط7، 1999م.
- مکی بن أبی طالب: الکشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، تحقیق محیی الدین رمضان، مطبوعات مجمع اللغة العربیة بدمشق، 1974م.
- مهدی المخزومی، فی النحو العربی، بیروت، دار الرائد العربی، ط2، 1986م.
- موسى بن مصطفى العبیدان: دلالة ترکیب الجمل عند الأصولیین، دمشق، الأوائل، ط1، 2002م، ص182.
- ابن هشام: أوضح المسالک إلى ألفیة ابن مالک، القاهرة، دار الطائع، 2004م.
- .........: قطر الندى وبل الصدى، القاهرة، دار الطلائع، 2004م.
- .........: شرح شذور الذهب فی معرفة کلام العرب، القاهرة، دار الطلائع، 2005م.