الشعر الکوري؛ التاريخ والتشکّل

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم اللغة العربية، کلية الآداب، جامعة القاهرة

المستخلص

هذه القراءة محاولة لرسم صورة بانورامية للشعر الکوري القديم والحديث بدءًا من أولى الممالک الکورية وانتهاء بالحرب العالمية الثانية حيث قسمت کوريا بعدها إلى شطرين شمالي وجنوبي. وقد اعتمدت هذه القراءة على عينة ممثلة من مختارات شعرية تجاوزت الألف قصيدة تقريبًا بهدف التعرف على سمات ذلک الشعر على مدار رحلة تشکيله وتشکله الطويلة من الماضي البعيد إلى النصف الأول من القرن العشرين، فضلاً عن أنها اشتملت على عدد کبير من الشعراء بهدف تقديم صورة يمکن الاعتداد بها عند التأريخ لهذا الشعر وعند تناول کيفية تشکله جماليًّا. کما عرضت القراءة لنماذج عديدة لشعراء من الشطر الشمالي من منطلق أن الفن عمومًا والأدب على نحو خاص لا يتحرک على النحو الذي تفرضه الأمور السياسية والدبلوماسية. وقد تناولت هذه القراءة ما يلي: أولاً، لمحة عن کوريا (الشعب والمکان، فترة الاحتلال وکل ما يتعلق بها وبتأثيراتها على جوانب الحياة المختلفة). ثانيًا، الشعر الکوري القديم (1- الأشکال الأکثر شيوعًا وتضم: الشعر العامي- قصائد سينيه نوريه- قصائد تشانج جا- قصائد شيجو- 2- الأشکال الأقل شيوعًا: نمط کاسا- قصائد کي سينج). ثالثًا: الشعر الکوري الحديث.

الكلمات الرئيسية


مدخل

     هذه القراءة محاولة لرسم صورة بانورامیة للشعر الکوری القدیم والحدیث بدءًا من أولى الممالک الکوریة وانتهاءً بالحرب العالمیة الثانیة حیث تم تقسیم کوریا إلى بلدین منفصلین شمالاً وجنوبًا. وقد اعتمدت هذه القراءة على عینة ممثلة من مختارات شعریة تجاوزت الألف قصیدة تقریبًا، بهدف التعرف على سمات ذلک الشعر على مدار رحلته الطویلة من الماضی البعید إلى النصف الأول من القرن العشرین، فضلاً عن أنها اشتملت على عدد کبیر من الشعراء، لکی تقدم صورة یمکن الاعتداد بها عند التأریخ لحرکة ذلک الشعر وعند تناول کیفیات تشکله جمالیًّا. حتى الاحتلال الیابانی لم یکن هناک سوى شبه جزیرة کوریة موحدة ومتحدة، أما بعد الحرب العالمیة الثانیة فقد انفصل الشمال عن الجنوب. وهنا تحدیدًا لم یعد ممکنًا الحدیث عن شعر کوری فی المطلق، ومع ذلک سعت الدراسة إلى أن تضع نصوصًا لشعراء وشاعرات من الشمال لأن الفن بشکل عام لا یتحرک على النحو الذی تفرضه الأمور السیاسیة والدبلوماسیة. أخیرًا أود فقط أن أشیر إلى أن القصائد والمقطوعات الشعریة الواردة فی هذه القراءة کلها من ترجمة الباحث.

 

  أولاً- لمحة عن کوریا

       1- جغرافیة المکان وطبیعة الشعب

 

تمثل الجبال فی شبه الجزیرة الکوریة سبعین بالمائة من مجمل مساحتها، وتتمیز بارتفاعها الشاهق فی الشمال مقارنة بالجنوب والغرب. یمر بها عدد من الأنهار المهمة مثل "یالو" فی الشمال، و"دومان" الذی یعد أطول أنهارها، و"ناک دونج"، وهناک فی الغرب نهر "هان" و"دیه دونج". هذه الطبیعة الجغرافیة الخاصة جعلت من الکوریین شعبًا خاصًا کذلک؛ شعب یتسم بالقوة والصلابة ویبحث عن الشموخ والارتقاء، وفی الوقت نفسه یتشبث بالأرض ویعمق جذوره فیها ویعمرها بکل ما تحمله الکلمة من معانٍ. وسیلاحظ قارئ الشعر الکوری أنّ الجبال والتلال والودیان مفردات شائعة جدًّا فی أحد أکبر الحقول الدلالیة للشعر الکوری؛ ألا وهو حقل الطبیعة بکل عناصرها المتنوعة.

 

قُسمت کوریا لقرابة خمسمائة عام خلال حقبة آخر ممکلة کوریة- جوصن (1392- 1910)- إلى ثمانی مقاطعات: "هام یونج، جانج وون، جونج سانج" فی الشرق. "بیونج یانج، هوانج هیه، جیونج جی، تشونج تشونج، جولا" فی الغرب. ثم فی عام 1886م أصبحت ثلاث عشرة مقاطعة. وبعد تقسیم کوریا إلى شطرین شمالی وجنوبی، وقعت ثمانی مقاطعات فی الجنوب وخمس مقاطعات فی الشمال، ثم أصبحت جزیرة "جی جو" مقاطعة عام 1948م جنوبیة. والیوم تضم کوریا الجنوبیة سبع مدن کبرى: "سول، بوسان، دیجو، إنشون، کوانج جو، دیجون، أولسان" وتسع مقاطعات.

 

تشیر دراسات علم الإنسان إلى أن جذور الشعب الکوری ربما تعود إلى 600 ألف سنة، وأنه ینحدر من قبائل منغولیة عدة استوطنت شبه الجزیرة الکوریة حسبما تشیر الآثار الموجودة منذ الألفیة الثالثة قبل المیلاد. وفی الشعر الکوری الحدیث صور تشیر إلى ذلک العمق التاریخی والتجذر الواضح للفلسفات الکونفوشیة والبوذیة ودورها فی تشکیل الوعی الجمعی للکوریین منذ زمن بعید ([1]). کما أتاح موقع شبه الجزیرة الکوریة- تشارک روسیا حدودها الشمالیة، وتجاور الصین والیابان- أن تتصل بعدد متنوع من حضارات تضرب بجذورها بعیدًا فی التاریخ. فکانت دائمًا بقعة استراتیجیة مؤثرة فی تلک المنطقة، لکنها ظلت محافظة على هویتها وثقافتها الخاصة کجماعة عرقیة طیلة الوقت([2]).

2- من الاحتلال الیابانی إلى التقسیم

بعد توقیع البروتوکول الکوری- الیابانی الثانی عام 1905م، انتزعت الأخیرة الحقوق الدبلوماسیة لکوریا([3])، وبعد البروتوکول الثالث عام 1907م سعت کوریا للاستقلال خلال مؤتمر لاهای، ثم فی أغسطس من العام نفسه تم تسریح جیشها، وفی الثانی والعشرین من أغسطس عام  1910م تم توقیع معاهدة الضَمَّ بعد أن کانت الیابان قد احتلت البلاد فعلیًّا. وقد حفلت أشعار تلک الفترة بأناشید التغنی بالتضحیات التی بذلها الکوریون فی مواجهة ذلک الاحتلال.

 

أ- الأوضاع الداخلیة تحت وطأة الاحتلال

    سیاسیًّا؛ أجبرت کوریا على تسریح جیشها، وتم تجریدها من سلطتی الشرطة والقضاء اللذین تولتهما الیابان. کما تم حرمان الشعب الکوری من حریة التعبیر والصحافة والتجمع وحریة تشکیل الاتحادات، کجزء من مخطط لتحویلها فعلیًّا إلى مستعمرة یابانیة ([4]). اقتصادیًّا، استولت الیابان على حقوق إصدار العملة، ومساحات شاسعة من الأراضی لبناء قواعد اقتصادیة تعزز وجودها بکوریا،وفی عام 1912م أمر الحاکم العام الیابانی الکوریین بتسجیل ملکیتهم لأراضیهم عبر عملیات بالغة التعقید مکنته من مصادرة الأراضی التی لم یتم تسجیلها بالکامل، والتی بلغت 40% من إجمالی الأراضی الزراعیة آنذاک([5]). على جانب آخر، تعطلت أیة محاولات لتطویر الصناعات الکوریة البسیطة آنذاک بعد أن وضع الحاکم العام الیابانی یده هو وأفراد القطاع الخاص من الیابانیین على أکثر من 50% من مساحة الغابات الکوریة، کما سیطر على صناعة صید الأسماک، واحتکر أعمال البنوک والتشجیر والطرق وتسهیلات الاتصالات. اجتماعیًّا، جرت حرکة تدمیر واسعة للتاریخ الوطنی والثقافی الکوری، وأجبر الشعب على قبول الروح الیابانیة وثقافتها. کما أعیدت صیاغة المقررات والمناهج الدراسیة، ومُنع الکوریون من الکتابة بالحروف الکوریة "هانغول"، ولم یسمح بغیر التعلیم الصناعی والفنی لخلق طبقة من المهنیین المعتدلین مطیعی الأوامر([6])، مما اضطر العدید من الکوریین لمغادرة البلاد، حتى وصل عددهم یوم التحریر إلى أکثر من أربعمائة ألف، ترکّزَ معظمهم فی منطقة منشوریا والمقاطعة البحریة "کاندو"- یعتقد الکوریون أنها کانت أرضهم فی الماضی- والتی هاجمتها الیابان وقتلت ما یزید عن عشرة آلاف کوری وأحرقت بیوتهم ومدارسهم فیها([7]).

 

   فیما یتعلق بالجانبین الروحی والعقائدی؛ یمکن القول إن الدین قد تحول فی کوریا إلى شعائر حیاتیة، لا مجرد شعارات أو خطب للوعظ والإرشاد. فخلال عصر مملکة جوصن، صارت کوریا أکثر مجتمع کونفشیوی فی العام، أکثر من الصین نفسها منبع الکونفوشیة، على نحو ما وصفهم الصینیون بقولهم: "هؤلاء الکوریون یتعبدون لکونفشیوس بحماسٍ أکثر مما فعلنا نحن"([8]). وعلى الرغم من أنَّ المعابد کانت تُبنى عادة فی الجبال لتکون بعیدة عن الواقع الاجتماعی والسیاسی ولتحتفظ بقیمتها وأهمیتها الروحیة،  فإن ذلک لم یحل بین الرهبان والمشارکة فی الأحداث الیومیة الجاریة فی أرض الواقع. لقد ازدهرت البوذیة منذ انتقالها إلى کوریا عن طریق الصین فی القرن الرابع المیلادی، فأصبحت الکونفوشیة العقیدة الرسمیة لمملکة جوصن، مما أوقف رواج البوذیة حتى منتصف القرن العشرین تقریبًا. وبعد أن تحررت کوریا من الاحتلال، عادت البوذیة للازدهار من جدید. ثم جاءت المسیحیة- وبخاصة الکاثولیکیة الرومانیة- عن طریق الصین، لا بجهود المبشرین الصینیین، وإنما بواسطة الکوریین أنفسهم. وبحلول عام 1890م، کان عدد المسیحیین الکاثولیک ثلاثة ملایین شخص ([9]).

     ب- الاستقلال ثم التقسیم

  استعادت شبه الجزیرة الکوریة استقلالها فی الخامس عشر من أغسطس عام 1945م، وقبل أن تتمتع بنشوته، تعرضت لمأساة التقسیم. حیث احتلت الولایات المتحدة والاتحاد السوفییتی- اللتان لعبتا دورًا حاسمًا فی هزیمة القوات الیابانیة بوصفهما عضوین من أعضاء قوات الحلفاء فی الحرب العالمیة الثانیة- أراضیها جنوب وشمال خط عرض 38 ضمن جهودهما لنزع سلاح الجیش الیابانی([10]). بعد تأسیس الجمهوریة الکوریة فی الشطر الجنوبی، أقام کیم إیل سونج حکومةً شیوعیة "بدعم الاتحاد السوفییتی وتأییده فی شهر سبتمبر عام 1948م فی الشطر الشمالی. وتم توقیع اتفاقیة الهدنة العسکریة فی شبه الجزیرة الکوریة، یوم السابع والعشرین من شهر یولیو عام 1953م"([11])، مع تحدید منطقة منزوعة السلاح ما زالت قائمة حتى الآن.

   على مستوى الفنون والآداب، هناک الکثیر من النقوش والرسومات التی توضح أسلوب حیاة الکوریین القدماء، والتی یمکن مشاهدتها على جدران المقابر الملکیة. کما اخترع الکوریون آلة طباعة متنقلة مصنوعة من البرونز قبل اختراع یوهان جوتنبرج لماکینة الطباعة فی ألمانیا بمائتی عام. وبعد اختراع الحروف الهجائیة "هانغول" Han-gul، ظهر شکل من کلمات الأغانی الشعریة کان یطلق علیها "شیجو Sijo" تغنى على النغمات الموسیقیة، وتدریجیًّا تطور إلى أسلوب قائم بذاته. ولم تظهر القصص والروایات إلا مع مطلع القرن الثامن عشر. وکان أکثر هذه القصص شعبیة، تلک التی تجسد بعض عناصر السخریة الاجتماعیة والأفکار الإصلاحیة ([12]). وسیکون لهذه القراءة وقفة تفصیلیة مع الأدب الکوری قدیمًا وحدیثًا، وبالتحدید الشعر.

 

ثانیًّا: الشعر الکوری القدیم

1- الأشکال الأکثر شیوعًا:

   هناک أشعار کوریة کُتبت بالحروف الصینیة، لکن أفضل نماذج الشعر الکوری هی التی کتبت باللغة الکوریة على النمط الشعری الکوری. إنه لیس من قبیل التصنع الفصل بین الشعر المکتوب على النمط الکوری وبین النمط الصینی للشاعر الواحد، لأن التلازم بینهما لیس کما علیه الحال لدى الشعراء فی الغرب عندما کتبوا بأکثر من لغة؛  میلتون بالإیطالیة وریلکه بالفرنسیة على سبیل التمثیل لا الحصر([13]). وطبقًا للسجلات التاریخیة الصینیة، فإن الکوریین شعب یستمتع بالغناء والرقص. ففی الشمال، وخلال قرون عدیدة قبل المیلاد، وجدت ست قبائل کانت تتحدث اللغة ذاتها تقریبًا، کما کان لها العادات والتقالید نفسها. وکانت تقدم  قرابین فی احتفالات خاصة- کطقس من طقوس الفداء- فی الشهرین الأول والعاشر من شهور السنة القمریة، وخلالها کان الناس یحتشدون ویرقصون ویغنون معًا. أما القبائل الثلاث فی الجنوب فقد قدمت قرابینها للآلهة فی الشهرین الخامس والعاشر القمریین، وکان الناس یحتشدون کذلک لأجل تلک المناسبات مغنین راقصین طوال اللیل. کانت تلک الآلهة تُعبد فی الربیع والخریف. فکان یصلى لها فی الربیع لأجل ازدهار المحاصیل، وفی الخریف کانت الصلاة لشکرها على الحصاد الوفیر. قَلبُ الاحتفال وجوهره کان الصلاة  الجماعیة وتنمیة الوعی  الجمعی لدى عامة الشعب. بحیث طور نموذج الحس الجمعی إیقاعه الملائم فی الرقص والغناء مع تلک الاحتفالات([14]).

 

   ومن ثم، کانت قیمة الشعر الکوری تکمن فی جانبیه الدینی و السحری. ولهذا یُظَن أن نموذجه کان عبارة عن سطور قلیلة بلغة بسیطة تعقبها عادة لازمة أو جملة تکراریة. لغته کانت تعویذیة غنیة بقوة ترابطها، بإحالاتها، وإیقاعها وعذوبة الأصوات التی أنشدتها. ولم یکن ما یبذل لجعل تأثیرها ملزمًا على الرجال وحدهم، بل وعلى الآلهة والأرواح. لقد کانت على أیة حال وسیلة للتواصل بین الرجال والآلهة. فالقوة السحریة للکلمات کانت تنبع من مدى قدرة الشعر على إسعاد الآلهة، وتجنب کوارث الطبیعة، ولأجل نزول المطر وإیقاف الریح والارتقاء بعلاج الأمراض. لقد کان المجتمع البدائی الکوری قبلیًّا وبطریرکیًّا، أما الحیاة البدائیة فکانت قائمة على ما یطلق علیه القیم الجماعیة. من هنا فقد کانت العناصر الحیویة الثلاثة لما قدمه المعتقد الدینی من خدمات للکوریین: الشعر، والموسیقى، والرقص، متلازمة ولا غنى عنها. وحسبما یُعرف عن الشعر الکوری فی مراحله المبکرة؛ فقد کان مرتبطًا بالمعتقد الدینی عندهم، کما کان مؤلفًا بشکل أساسی من الترانیم المقدسة. باختصار یمکن القول إنه کان فنًّا شعبیًّا بامتیاز نما بشکل طبیعی من رحم حیاتهم الزراعیة وکل ما یتعلق بها من تفاصیل الواقع المعیش([15]).

 

أ- الشعر العامی فی ممالک:

     - "کو-کوریو" (حتى 57 ق.م)

     - "شیلا" (57 ق.م – 932م)

     - "کوریو" (932م- 1392م)

 

   منذ أن أصبح للشعر دور مهم وحیوی فی الثقافة الکوریة، کان للکوریین الخلصاء نوع من الشعر العامی یُعدُّ أول تطویر إبداعی متکامل لدیهم فی مملکة "شیلا". الممالک الأخرى أیضًا کانت لها أنواعها الشعریة، لکن الحقیقة الأهم فی هذا السیاق أن الشعر الکوری لم یکن ملکًا لفئة بعینها دون الأخرى، بل کان شعرًا للجمیع. فکان لکل واحد- رجل أو امرأة- مسؤولیة تجاه میلاده ونموه، کما تشارک الجمیع فی مستقبله. الشعراء أیضًا انغمسوا فی تقالید مجتمعهم الخاصة، لکنهم مع ذلک لم یتجاهلوا تقالید الشعر الصینی. فالشعر لدى الکوریین باختصار کان أهم وأرقى أنواع الفنون کلها([16]).

 

   بدایة من القرن الرابع المیلادی، شهدت أولى الممالک الکوریة الثلاث أول أنواع الشعر الکوری المدون بالسجلات التاریخیة، والذی قیل فی مناسبات خاصة کان لها دور فی نظمه. لکن معظم هذه النصوص مفقود. فهناک إحدى وأربعون قصیدة من مملکة شیلا وخمس قصائد من مملکة کوریو وأربع من مملکة بیک جایه([17]). نلاحظ هنا مدى الدقة والتحدید فی ذکر عدد القصائد التی تم العثور علیها بکل مملکة من الممالک. لقد کان فی مملکة شیلا، على أیة حال، أول ازدهار حقیقی للشعر باللهجة الدارجة. السبب فی ذلک یرجع إلى أن الممالک الأخرى شهدت وجودًا للمعتدین الأجانب أو اضطرابات وقلاقل داخلیة، بینما کانت تلک المملکة قادرة على تطویر ثقافتها ورعایتها بسلام وعزلة فی شبه الجزیرة الکوریة، الأمر الذی ساهم فی نمو الثقافة الخالصة للکوریین حتى بعد انتهاء عصرها. فلقد أمدت الثقافة البوذیة- فی حقبة تلک المملکة- الکوریین بما أتاح لهم إدراک قیمة ثقافتهم والاعتزاز بها وبتراثهم الخاص، ومکّنهم من تحقیق ثقافة ناضجة تتعلق بهم وحدهم.  ویمکن التدلیل على ذلک بأن سبع عشرة قصیدة من نصوص الشعر الکوری القدیم آنذاک، وعددها خمس وعشرون قصیدة، هی أشعار بوذیة؛ حیث استخدم البوذیون الأساطیر البوذیة کمادة لإبداعهم، وکانت کلها بشکل وحساسیة  شدیدة وأسالیب کوریة خالصة. وعلى الرغم من أن الکاتب العظیم "کیو نیو" (917- 973) کتب قصائده بعد الترانیم البوذیة "عهود بممارسات بوذاسف"، فإنه کان قادرًا على ترک الحساسیة الکوریة تنساب فی ثنایا أشعاره([18]).

 

ب-  جماعة "هوارانج" وقصائد "سینیه نوریه" العامیة

 

    ارتبطت الفنون والآداب والتعلیم فی مملکة شیلا بجماعة "هوارانج" التی ساهمت بشکل کبیر فی تنمیة الآداب والفنون. وقد کانت "هوارنج" تتألف من شباب عائلات الطبقة الأرستقراطیة، وکانت طبیعة وظیفتها خدمة الوطن فی الأوقات الحرجة، وبثّ روح التضحیة وتعزیز وجودها من أجل الوطن. "کیم یو شین" الذی ساعد على اتحاد شبه الجزیرة الکوریة هو أحد أعضاء هذه الجماعة التی أطلقت علیها بعض المسمیات من قبیل "أعمدة المملکة"، "القدوة والمثل العلیا للشباب"، و"قادة المجتمع". فضلاً عن أنهم کانوا جنودًا بواسل کذلک فی أوقات الحروب، أما فی أوقات السلام فکانوا یزورون کل بقاع المملکة یکتبون عن جمالها وروعة الطبیعة فیها وفی جبالها وأنهارها، وکان من بین البقع المحببة لدیهم؛ جبال اللؤلؤ المواجهة للبحر الشرقی بقممها التی لا حصر لها. کما تعلموا من تلک الزیارات والمناسبات کیفیة الالتزام بمبادئهم، وکیف ینیر الواحد منهم بصیرة الآخر ویقومه إن أخطأ، بل وکیف یصبحون أبطال التنویر ورواده فی وطنهم. کما خدمت هذه الجماعة فی التعلیم المتحرر، الذی لم یقتصر على قراءة الکلاسیکیات فحسب بل هدف إلى النقاش وتبادل الآراء ووجهات النظر والملاحظات فیما بینهم. من هذا المنظور تناقشوا فی الأشعار والموسیقى، کما سلکوا الطرق صعودًا وهبوطًا لیس على المستوى الرمزی عبر التعلیم الثانوی، بل على المستوى الحقیقی من خلال جبال اللؤلؤ أو بطول الساحل الشرقی. کثیرون منهم برعوا فی الشعر والموسیقى، کما کانت لهم مساهماتهم العدیدة فی الشعر المرتجل. فالشاعر "شیرو"- أحد أعضاء هذه الجماعة"، تعد إحدى قصائده "تیمارا" واحدة من نفائس المملکة. فلا عجب إذن أن یکون شعراء هذه الجماعة فی تلک الحقبة المثل العلیا للوطن؛ المثل لذکاء وطنی خاص، والقدوة للشباب والمجتمع([19]).



([1])- هناک نماذج دالة فی هذا السیاق، ومنها ما قاله الشاعر کو أون: (أسماکُ عُمقِ البحرأجدادی، جیلٌ بعد جیلٍ أجدادی، طلعوا إلى سطح البحر، وقبل أنْ یعرفوه، کانوا قد غیروا حیاتهم فصاروا قاطنی الساحل)، کو أون: أماکن خالدة، ترجمة محمود عبد الغفار غیضان وموسى کیم جونغ دو، ط1، المرکز القومی للترجمة، القاهرة ،2010م، قصیدة تمثال بوذا الحجری فی سوسان، ص33.

([2]) - Korea Today, Hyong Kie-Joo & Others, Seoul, the Academy of Korean Studies, 2005, P.1~8

([3])-Bae Kichan: Korea at the Crossroads; The history and Future of East Asia, Translated by Kim Jin, Seoul, A Happy Reading Books, 2007.P.100

-([4])  عن الموقع الإلیکترونی لمحطة الإذاعة الکوریة "کی بی إس" على شبکة الإنترنت بتاریخ 24 یولیو 2011م: http://world.kbs.co.kr/arabic/korea/korea_history.htm.

(-([5] عن الموقع الإلیکترونی لمحطة الإذاعة الکوریة "کی بی إس" على شبکة الإنترنت بالرابط السابق.

(-([6] راجع، الموقع الإلیکترونی لمحطة الإذاعة الکوریة "کی بی إس" على شبکة الإنترنت بالرابط المشار إلیه من قبل.

 -([7]) عن الموقع الإلیکترونی السابق.

([8])-Choi Joon-Sik: Understanding Koreans and Their Culture, Second Published, Seoul, Her On Media Publishing House, 2010.P.17

([9])- ibid, P.161~174

([10])- کیفین کیتنج: کوریا، دلیلک إلى المعاملات التجاریة والعادات وقواعد السلوک الکوریة، ترجمة شویکار زکی، القاهرة مجموعة النیل العربیة، 2001م، ص19.

([11])- المرجع السابق، ص19.

([12])- انظر، المرجع نفسه، ص ص، 33، 34.

([13]) Poems From Korea From the Earliest Era to the Present, Compiled and Translated by Peter H. Lee, London, 1974.Gorge Allen & Unwin LTD. P. 15

([14]) ibid, P.17

([15]) Poems From Korea From the Earliest Era to the Present, P.17

([16]) ibid, P.18

([17]) Poems From Korea From the Earliest Era to the Present, P.18

([18]) ibid, P.18

([19]) Poems From Korea From the Earliest Era to the Present.P.19

أولاً- المصادر المترجمة والأجنبیة:
 
1- کو أون: أماکن خالدة، ترجمة محمود عبد الغفار غیضان وموسى کیم جونغ دو، ط1، القاهرة، المرکز القومی للترجمة، 2010م
2- Chang Soo Ko: Poems of 99 Modern Korean Poets, Seoul, 문학아카데미, 2006
3- Jaihiun Joyce Kim: Master Poems from Modern Korea, Seoul, The Si-sa-yong O- Publishers, 1980
4-  Classical Korean Poetry, selected and translated by Jaihiun J.Kim, Asian Humanities Press, Fremont, California, 1994
5- Jaihiun Joyce.Kim: Korean Poetry Today, Seoul, Hanshin Publishers, 1995
6-  Love Poems From Old Korea in Sijo form, Selected and Translated by Jaihiun Kim, First Published, Seoul, Iljisa Publishing House, 2002
7- Poems From Korea From the Earliest Era to the Present, Compiled and Translated by Peter H. Lee, London, 1974.Gorge Allen & Unwin LTD
8- 영어로 읽는 한국의 명시, 역자: 이재모, 서울, 도서출판 에버그린, 2011
9- 서정주, 밤이 깊으면, 서울,도서출판 답게, 2000
 
ثانیًا- المراجع العربیة المترجمة والأجنبیة والدوریات والمواقع الإلیکترونیة:
 
1- کامل سعفان: معتقدات آسیویة، الطبعة الأولى، القاهرة، دار الندى، 1999م
2- کیفین کیتنج: کوریا، دلیلک إلى المعاملات التجاریة والعادات وقواعد السلوک الکوریة، ترجمة شویکار زکی، القاهرة مجموعة النیل العربیة، 2001م
3- کیم إیل سونج: الثورة والبناء الاشتراکی فی کوریا، کتابات مختارة ترجمها أسعد رزوق، الطبعة الأولى، بیروت، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 1973م
4- مارتن لینداور: الدراسات النفسیة للأدب، ترجمة شاکر عبد الحمید، الهیئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1993م
5- Korea Today, Hyong Kie-Joo & Others,Seoul, The Academy of Korean Studies, 2005
6- Bae Kichan: Korea at the Crossroads; The history and Future of East Asia. Translated by Kim Jin, Seoul, A Happy Reading Books, 2007
7- Choi Joon-Sik: Understanding Koreans and Their Culture, Second Published, Seoul, Her On Media Publishing House, 2010
8- الموقع الإلیکترونی لمحطة الإذاعة الکوریة کی  بی إس على شبکة الإنترنت: http://world.kbs.co.kr/arabic/korea/korea_history.htm بتاریخ 24 یولیو 2011م
9- Lee Hwa Hyung, A Study on the Kisaeng`s Calling and Self- Consciousness in
Their poetry, http://www.dbpia.co.kr/Journal/ArticleDetail/NODE01721080, 10- 05- 2015