المحددات الاجتماعية والاقتصادية للتوفيق بين العمل والأسرة في مصر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الآداب، جامعة القاهرة

المستخلص

تسعى الدراسة الحالية للوقوف على طبيعة العوامل أو المحددات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدد شکل العلاقة بين العمل والأسرة في المجتمع المصري، التي يتوقف عليها قدرة الأزواج والزوجات على الوفاء بمتطلبات والتزامات العمل المأجور من ناحية، وعلى القيام بالأعمال المنزلية والرعائية من ناحية أخرى. ولتحقيق ذلک، اعتمدت الدراسة على صور مختلفة من البيانات الثانوية المتاحة عن المجتمع المصري، وتنوعت هذه البيانات ما بين تقارير محلية ودولية، ودراسات أخرى سابقة، إلى جانب نتائج العديد من المسوح المحلية والدولية التي أجريت في مصر مؤخرًا. وکشفت الدراسة عن وجود خمسة محددات رئيسة تحدد شکل العلاقة بين العمل والأسرة في مصر، وتتمثل هذه المحددات في: التشريعات والقوانين المنظمة لعملية التشغيل في مصر، والفجوة النوعية في سوق العمل المصري، والفجوة بين التطلعات الاقتصادية للدولة والتطلعات العائلية للأفراد، ومعدلات الإعالة، وشيوع نمط من الثقافة الذکورية يعوق من حرکة المرأة في المجال العام، ويحول دون التوزيع العادل للأعمال المنزلية والرعائية غير المأجورة بين الذکور والإناث داخل الأسر المعيشية.  

نقاط رئيسية

يواجه المجتمع المصري نوعين من التحديات المرتبطة بالتوازن بين العمل والحياة العائلية. يرتبط النمط الأول من هذه التحديات بطبيعة البنية القانونية والتشريعية المنظمة لعملية التشغيل في مصر، والتي تفتقر في مواضع عدة لوجود نصوص قانونية موحدة تنطبق على جميع العاملين بقطاعات العمل المختلفة، وتُسهم بشکل غير مباشر في تکريس الاختلافات النوعية بين الذکور والإناث فيما يتعلق بحقوق الرعاية الأسرية التي تحصل عليها النساء دون غيرهم. وقد ساهمت أوجه القصور هذه في ترکز النساء في قطاعات عمل محددة، کالقطاع الحکومي الذي بات يوصف بأنه القطاع المفضل للنساء، والصديق للأسرة، نظرًا لکونه من أفضل قطاعات العمل التي توفر حماية اجتماعية للنساء العاملات، ويمکنهن من الجمع بعض الشيء بين التزامات العمل، ومتطلبات الأسرة. وقد أدى کل ذلک إلى اتساع الفجوة بين الجنسين في الحياة الاقتصادية سواء في معدلات التشغيل، وفي الأجور، وفي فرص الترقي الوظيفي، وهو ما يسهم بدوره في خروج النساء تدريجيًا من سوق العمل، وارتفاع معدلات البطالة بينهن. أما النمط الثاني من التحديات فيرتبط بطبيعة البنية الاجتماعية والثقافية المصرية التي تسهم بشکل کبير في صياغة توجهات الذکور والإناث تجاه الأعمال الرعائية والمأجورة، فتجعل من الأعمال المنزلية والرعائية مسؤولية النساء الأولى، وتظل مشارکة النساء في سوق العمل في هذا السياق مرهونة بقدرتهن على الجمع بين العمل المأجور خارج الأسرة وبين الأعمال المنزلية والرعائية غير المأجورة. وفي المقابل من ذلک، توجه جُل أنشطة الرجال لسوق العمل المأجور، في ظل انخفاض ملحوظ في معدلات مشارکتهم في الأعمال غير المأجورة داخل المنزل. وبالتالي فإن نجاح أي سياسات تنموية في المستقبل -هادفة لخلق حالة من التوازن بين العمل والأسرة- سوف يکون مرهونًا بالقدرة على خفض معدلات الفجوة بين الجنسين في الحياة الاقتصادية، بما يسمح بمشارکة فعالة للمرأة في المجال الاقتصادي، وبالقدرة أيضًا على إعادة توزيع أعباء الإنجاب والأعمال المنزلية والرعائية بشکل متساوٍ ليس فقط داخل الأسرة المعيشية (بين الرجل والمرأة) وإنما بين الأسرة والدولة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية الأخرى؛ بحيث تصبح الدولة حاضنة بالفعل للأمومة والطفولة، وألا تتخلى عن مسؤولياتها تجاه النشء الجديد، الذي يشکل بحق وقود التنمية الاقتصادية المستدامة. 

الكلمات الرئيسية