تجليات الحقيقة العمياء في فني الکتابة والتصوير وأثرها على الخبرة الجمالية عند جاک دريدا

المؤلف

أستاذ مساعد بقسم الفلسفة کلية الآداب- جامعة القاهرة

المستخلص

 يُعوﱢل الفيلسوف الفرنسي جاک دريدا Jacques Derrida (1930-2004) على عنصري القراءة والاختلاف في رؤيته لفني الکتابة والتصوير؛ إذ إن القراءة عنده تمثل نوعًا من أنواع الکتابة الأخرى أو الجديدة للنص، إنها قراءة فعالة تنتج النص اللامکتوب أو المسکوت عنه، ذلک الذي لا يکون مجال الکتابة أو الرسم إلا علامة عليه. فلا يمکن لهذه القراءة - بالطبع- أن تقوم على فکرة المطابقة والوحدة والاستمرارية. فالنص کالکائن الحي، له دلالاته وسياقاته، إنه کالواقع يحکمه جدل الحضور والغياب لمعانيه ودلالاته؛ طالما أن کل نص – کما يُفهم من کتابات دريدا – يقول غير ما يُظهر. إذن، فلا يوجد ما هو خارج النص، وما علينا کقراء سوى الانفتاح على الإمکانيات اللامحدودة، والمعاني اللانهائية المرجأة باستمرار.
إنها إذن قراءة لا تتقيد بالبحث عن حقيقة بعينها داخل النص المکتوب أو المرسوم، ولا تحصر العمل الفني في المعنى الواحد الثابت؛ وإنما هي قراءة يهيمن عليها منطق الاختلاف والتعددية، وتحيى تجربة الفقدان في مقابل الحضور الکامل، ليس على مستوى خبرة التلقي فحسب؛ وإنما على مستوى خبرة الإبداع کذلک؛ مادامت هناک دومًا بالنسبة للمبدع نقطة عمياء.
أو بعبارة أخرى، إن المتلقي أمام استراتيجية لقراءة النص المکتوب أو المرسوم تنشد بلوغ فن بدون حقيقة.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل مفهوم الحقيقة العمياء وتجلياتها في فني الکتابة والتصوير وأثرها على الخبرة الجمالية عند جاک دريدا. ومن ناحية أخرى، تسعى الدراسة إلى إبراز طبيعة العلاقة بين فني الکتابة والتصوير، وبيان کيف يراهما دريدا بوصفهما عمل الذاکرة. کما تناقش الدراسة دور اليد في العملية الإبداعية، وبيان کيف يعد النشاط التشکيلي بمثابة ورشة عمل کاملة.
وأخيرًا، تحاول الدراسة الإجابة عن التساؤلات التالية: هل العمل الفني ينحصر في المعنى الواحد الثابت، أم أن له بنيته الدلالية المنفتحة على إمکانيات لامحدودة وإطالة للصور؟ هل هناک حقيقة ومعنى واحد يمتلکه القارئ، أم أن النص عمل مفتوح وأفق من المعاني اللانهائية؟ وإن کان العمل الفني لا ينحصر في معنى واحد ولا يکشف عن حقيقة بعينها، فبأي معنى يفهم جاک دريدا الحقيقة في فني الکتابة والتصوير؟ وبأي معنى يکون الفنان أعمى؟ وهل يسري الشيء نفسه على کلٍّ من خبرة القارئ والعمل الفني؟ أو بتعبير آخر، هل يمکن التحدث عن عمى لدى القارئ والعمل الفني؟
ولکي تتمکن الدراسة من تحقيق الأهداف سالفة الذکر، فإنها ستعتمد على المنهج التحليلي النقدي؛ الذي يهدف إلى تحليل المفاهيم والمشکلات المتضمنة في قضية البحث، وتحليل نصوص دريدا نفسها، وذلک في محاولة لقراءتها قراءة نقدية لا تکتفي بعرض الأفکار؛ وإنما تحاول فهمها وتحليلها للوصول إلى لبِّ الفرضية التي اعتمدتها الدراسة وتمثلت بجلاء في عنوانها.

الكلمات الرئيسية