نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
باحث دکتوراه، قسم اللغة العربية وآدابها، کلية الآداب، جامعة القاهرة
المستخلص
الكلمات الرئيسية
مقدمة:
تتعدّد وسائل إطالة الجملة العربیة البسیطة، بحیث تتحول هذه الجملة البسیطة إلى أنواع أخرى من الجمل أکثر طولاً وتعقیدًا. ونعنی بالجملة البسیطة تلک المکوَّنة من مرکب إسنادی واحد، سواء أبدئ باسم أو فعل. والجملة الممتدة من أنواع الجمل التی تصیر إلیها الجملة البسیطة بعد إطالتها بوسائل متعددة، منها ما یتعلق بالفعل کالمفاعیل، ومنها ما یتعلق بالاسم کالتوابع. ویتناول هذا البحث الجملة الممتدة بذکر ما یتعلق بالفعل، ویکون ذلک عن طریق المفاعیل، موضّحًا الدور الدلالی لهذه الإطالة؛ مع التطبیق على شعر المعلقات.
الجملة الممتدة
تعریفها:
"هی الجملة المکونة من مرکب إسنادی واحد وما یتعلق بعنصریه أو بأحدهما من مفردات أو مرکبات غیر إسنادیة؛ مثل: الشمس طالعة بین السحاب، حضر محمد صباحًا، أقائم أخوک رغبة فی الانصراف؟
[i].
وقد أشار النحاة إلى إطالة الجملة قدیمًا وحدیثًا فی أکثر من موضع، کابن هشام الذی قسّم الجملة إلى صغرى وکبرى؛ فالکبرى هی "الاسمیة التی خبرها جملة نحو: "زید قام أبوه، وید أبوه قائم، والصغرى هی: المبنیة على المبتدأ، کالجملة المخبر بها فی المثالین"[ii].
ومن المحدثین عباس حسن الذی أضاف إلى النوعین السابقین اللذین ذکرهما ابن هشام الجملة الأصلیة، وهی التی تقتصر على رکنی الإسناد[iii].
ثم أفرد عدد من الباحثین أبحاثًا أکثر تفصیلاً عن إطالة بناء الجملة؛ کمحمد حماسة عبد اللطیف، الذی ذکر ست طرق لإطالة بناء الجملة: طول التقیید، وطول التبعیة، وطول التعدد، وطول التعاقب، وطول الترتب، وطول الاعتراض[iv].
ومن الذین ذکروا تضورًا جدیدًا لأنواع الجمل محمد إبراهیم عبادة، الذی قسّم الجملة إلى ستة أنواع: البسیطة، والممتدة، والمزدوجة، والمرکبة، والمتداخلة، والمتشابکة[v].
وقد أشار البلاغیون إلى امتداد الجملة بالتقیید بالمفاعیل وغیرها، وجعلوا الغرض الأساسی من هذا التقیید "تربیة الفائدة"[vi]- أی: تکثیرها.
1- المفعول به:
المفعول به: "هو الذی یقع علیه فعل الفاعل، فی مثل قولک: ضرب زیدٌ عمرًا وبلغتُ البلدَ"[vii]. وقد وضّح الرضی ذلک بقوله: "والأقرب فی رسم المفعول به أن یقال: هو ما یصح أن یُعبَّر عنه باسم مفعول غیر مقیّد، مصوغ من عامله المثبت أو المجهول مثبتًا"[viii]. ومثال ذلک أنک تستطیع أن تقول: أکرمتُ محمدًا أو محمدٌ مُکرَم.
وبالرغم من أنّ الشائع عند نحاة العربیة اعتبار المفعول به من "الفضلات"؛ أی: مکملات الجملة، إلّا أنه لا ینبغی فهم ذلک على أنّ المفعول به، وغیره من هذه المکملات، لا یضیف دلالة جدیدة للجملة. وهذا هو عبد القاهر لا یستسیغ مصطلح "الفضلة" ویقول عن المفعول به: "لم یکن قصدک أن تخبر بوقوع الفعل فحسب ولا بوقوعه من الفاعل فقط، وإنما قصدت أن تفید وقوع الفعل على مفعول معیّن، فقد تعیّن ذکر المفعول أو تقدیره، وهو عندنا لیس فضلة، وإنما هو جُلُّ الغرض والقصد من الکلام"[ix].
والأصل فی الجملة العربیة أن یُؤتى بالفعل، فالفاعل، فالمفعول به، "والفاعل فی الحقیقة قبل المفعول"[x]، ولکن قد یُعدل عن هذا الترتیب لسبب بلاغی، وفیما یلی سنتناول الصور المختلفة لامتداد الجملة بالمفعول به فی شعر المعلقات، مستکشفین الجانب الدلالی الذی أضافته کل صورة من هذه الصور.
1-تقدیم الفاعل على المفعول: هذا هو "التعبیر الطبیعی، وهو لیس من باب تقدیم ما حقُّه التأخیر... یقوله المتکلم إذا کان المخاطَب خالی الذهن لا یعلم المسألة، فتفیده بها کلها وهی بجزئیاتها إخبار جدید، وکأنّ هذا النوع من الجمل جواب عن سؤال: "ماذا حدث؟". فتخبره بما حدث"[xi].
وأکثر ما ورد على هذا الترتیب الأصلی أن یکون الفاعل ضمیرًا، ومن أمثلة ذلک:
قول طرفة:
63- أَرَى قَــــــبْـرَ نَـــحَّـــــــــــــــــامٍ بَـــخِـــــــــــــیـلٍ بـِمـــــــــــالِــــهِ |
|
کــــــــقَـــــبْـرِ غَــــوِیّ فـــــی البَـــــطـالـــةِ مُــفْــــــــــــــــــــــــسِدِ[xii] |
فطرفة هنا یخبر المخاطب بخبرته، فیقول بأن "الفرصة الوحیدة لإنفاق المال هی الحیاة"[xiii]، ومجیء المفعول به (قبر) فی ترتیبه الطبیعی بعد الفاعل یتطلبه السیاق، الذی هو إخبار بما تعلّمه فی حیاته: أنّ قبر البخیل الحریص على ماله سیتساوى فی النهایة بقبر الضالّ المفسد بماله. وقد نتساءل: ماذا لو قال: قبرَ نحام بخیل أرى؟ وواضح أنّ هذا التقدیم سیفید الاختصاص دون داعٍ؛ فالمقارنة بین قبر البخیل الحریص وقبر الضال المفسد بماله والمساواة بینهما لا تتطلب هذا التقدیم.
ویُلاحظ أنّ الرؤیة هنا قلبیة؛ أی أنّ الشاعر یقدّم رؤیته وخبرته، وهذا یجعل الأسلوب خبریًا لا یحتاج إلى العدول عن الترتیب الطبیعی للجملة.
وقول لبید:
67- رَفَّـــــــعتُــــــــها طَـــــــــرَدَ النَّـــــــــعــــامِ وَفَــــوقَـــــــــــــــهُ |
|
حَــــــــتَّى إذا سَـــــــــخُـــــنَــــــت وخَــــــفَّ عِظامُــــها[xiv] |
یخبرنا لبید کیف کلّف فرسه العَدْوَ مثل عدو النعام، لدرجة جعلت عظامها خفیفة بسبب هذه السرعة الکبیرة. وقد جاء المفعول به (ها) فی ترتیبه الطبیعی داخل الجملة الفعلیة بعد تاء الفاعل، بما یتناسب وسیاق الإخبار بما حدث.
وقلیل ما جاء فیه الفاعل اسمًا ظاهرًا، ومن أمثلة ذلک:
قول امرئ القیس:
9- فَفاضَـــــــتْ دُمــــوعُ العَیــــْنِ منّی صَــــبابَةً |
|
عَلى النَّحْــــــرِ حَــتَّى بَلَّ دَمْـــعِیَ مِحـــمَلِی[xv] |
یتذکّر امرؤ القیس أمّ الحویرث وجارتها أمّ الرباب، فتفیض دموعه شوقًا إلیهما، حتى ینزل الدمع على صدره ویتدفّق مبلّلًا موضع السیف. ویأتی الشاعر بالفاعل (دمعی) اسمًا ظاهرًا قبل المفعول به (محملی)، متماشیًا مع الترتیب الطبیعی للجملة الفعلیة، متعمّدًا ذکر الفاعل (الدمع) قبل المفعول به، للاهتمام به وللتأکید على کثرة بکائه.
وقول زهیر:
44- لَعَـــــــمرُکَ ما جَــرَّت عَلَیـــــــــهِم رِماحُــــــــهُم |
|
دَمَ ابْــــــنِ نَــــهـــــــــــیکٍ أو قَـــــــــــتـــیــلِ المــــــثَــــلـَّمِ[xvi] |
یقسم زهیر على أنّ رماحهم لم تسفک دم هذین الرجلین، ویذکر الفاعل (الرماح) اسمًا ظاهرًا قبل المفعول به (الدم)، حیث یتناسب هذا الترتیب الطبیعی وروایته مع ما حدث والإخبار به. ولعلّ ذکر الفاعل قبل المفعول به یؤکّد على أنّ هذه الرماح بریئة من هذا الدم؛ فتقدیم الفاعل (الرماح) یفید الاهتمام به، والتأکید على أنّ أصحاب هذه الرماح أبریاء من سفک هذا الدم.
2-تقدیم المفعول على الفاعل: یجوز أن یُعدل عن الأصل وأن یتقدم المفعول به على الفاعل لغرض بلاغی، یدور على الاهتمام والعنایة کسائر مواطن التقدیم، یقول سیبویه: "وإنْ قدّمت المفعول وأخّرت الفاعل جرى اللفظ کما جرى فی الأول، وذلک قوله: ضرب زیدًا عبد الله، لأنّک إنّما أردت به مؤخّرًا ما أردت به مقدّمًا، ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه وإنْ کان مؤخّرًا وهو عربی جید کثیر، کأنّهم یقدّمون الذی بیانه أهمّ لهم، وهم ببیانه أعنى وإنْ کانا جمیعًا یهمانهم ویعنیانهم"[xvii].
وأهم أغراض تقدیم المفعول به الاختصاص؛ حیث إنه "إذا قدّم المفعول أفاد الاختصاص عند الجمهور، نحو ﴿إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ﴾[xviii]، أی لا غیرک"[xix]، "والذی علیه محققو البیان أن ذلک (أی أنّ تقدیم المعمول یفید الاختصاص) غالب لا لازم"[xx].
وظاهر کلام البلاغیین أنّ تقدیم المفعول به فی الخبر المثبت یدل على الاختصاص غالبًا، أما إذا سبق هذا التقدیم نفی فإنّ عبد القاهر یؤکّد أنه یدل على الاختصاص قطعًا[xxi].
وینبغی الإشارة إلى أنّ جهود النحویین فی هذا الصدد ترکزت على وجوب أو جواز تقدم المفعول به أو تأخره عن الفاعل، ولم یتوسّعوا فی الأغراض التی یضیفها التقدیم أو التأخیر کما توسّع البلاغیون.
وجاءت الصورة الأولى للمفعول به المقدَّم على الفاعل أن یکون المفعول اسمًا ظاهرًا، ومن أمثلة هذه الصورة:
قول الحارث:
17- یَخلِطــــــــــونَ البریءَ مِنَّا بذی الذَّنْـــــ |
|
ـــــــــــــــبِ ولا یَــنفــَــــــــعُ الخَـــــلِیَّ الخَــــــــــــلاءُ[xxii] |
یقول الحارث إنّهم یخلطون البریء منّا بالمذنب؛ فلا تنفع البریء (الخلی) براءته (الخلاء)، فقدّم المفعول به (الخلی) لیؤکّد أنه حتى الذی لم یرتکب ذنبًا یُلام بالرغم من براءته، فالتقدیم هنا للتخصیص حیث تقدّمه نفی؛ حیثیقول عبد القاهر: "إذا قلت (ما زیدًا ضربت) کان المعنى على أنّ ضربًا وقع منک على إنسان، وظن أنّ ذلک الإنسان زید، فنفیت أن یکون إیاه"[xxiii].
وقول لبید:
84- فَاقْنَــــــــعْ بِما قَسَـــــــــمَ المَلیـــــکُ فإنَّما |
|
قَسَــــــــــمَ الخـــــــــلائــــــقَ بــیــنــنــا عَــلَّامُـــــــــــها[xxiv] |
ینصح لبید عدوَّه بأنْ یقنع بما قسمه الله تعالى له، ولیعلم بأنّ الله وحده (العلّام) هو المختصّ بتقسیم المعایش بین الناس، وقد جاء تقدیم المفعول به (الخلائق) لیفید اختصاص العلّام بهذا الفعل.
والصورة الثانیة أن یکون المفعول به ضمیرًا متقدِّمًا على الفاعل، ووجدنا أنّ ما جاء من شعر المعلقات على هذه الصورة کان تقدیم المفعول به "الضمیر" واجبًا؛ حیث إنّ من حالات وجوب تقدیم الفاعل والمفعول أحدهما على الآخر "أن یکون أحدهما ضمیرًا متصلًا، والآخر اسمًا ظاهرًا، فیجب تقدیم الضمیر منهما"[xxv]. ومن أمثلة هذه الصورة:
قول امرئ القیس:
41- کَبِــــــکْرِ المقـــاناةِ البَیَـــاضِ بصُــــــفرَةٍ |
|
غَـــذاهَا نَـــمِـــــیرُ المـــــــــــــــاءِ غَــــیرَ مــُحـــَــــــلَّــلِ[xxvi] |
هذه الحبیبة التی امتزج بیاضها بالصفرة تبدو کالثمار البیضاء التی تبدأ بالنضج، وقد أنضرها الماء العذب. وتقدیم المفعول به (ها) فی (غذاها) على الفاعل الاسم الظاهر (نمیر) واجب.
وقول لبید:
15- حُـــــفَــــــــزَت وزایَـــلَها السَّــــــــــرابُ کأنَّـــها |
|
أجـــــــــــــــزاعُ بــیــشَـــــــــــــــةَ أَثْــــــلُــها ورِضـــــــــــامُـــهـــا[xxvii] |
حیث قدّم المفعول به وجوبًا (ها) فی (زایلها) على الفاعل الاسم الظاهر (السراب).
لکنّ الأمر یختلف فی قول عمرو بن کلثوم:
94- مَـــــلأنـــا البــَرَّ حــــــتَّى ضــــــــــــاق عـــــــــــنّا |
|
ونــــحــــنُ البــحـــــــرَ نـــَمـــــــلـــــؤُهُ سَـــــــــــــــــــــــــفـــیــــــنا[xxviii] |
فالتقدیم هنا للمفعول به على الفعل والفاعل کلیهما، حیث قدّم المفعول به (البحر) على (نملؤه) للعنایة بالمفعول به ومحاولة إبرازه، وهو البحر الواسع المخیف، لإرهاب المخاطب.
2- المفعول فیه:
ویسمّیه النحاة البصریون ظرفًا، وتسمى "ظروفًا لأنها أوعیة لما یُجعَل فیها، وقیل للأزمنة والأمکنة ظروف لأنّ الأفعال توجد فیها فصارت کالأوعیة لها"[xxix]، وحدُّه أنّه زمان أو مکان، ضمن معنى (فی) الظرفیة باطّراد، أو اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو اسم جار مجراه[xxx].
أولا: ظرف المکان:
1- المبهم: أی: ما لیس له حدود محصورة، کالجهات نحو: فوق وتحت ویمین وشمال.
ومن صور مجیء هذا القسم فی المعلقات:
قول امرئ القیس:
65- فأدْبَــــرْنَ کالجـــــــــَزْعِ المــــفـــــــــــصــَّل بَـــیـــــــــــــنَــــــــــهُ |
|
بـــــِجــــــــِیدِ مُــــــــــــعَــــــــمٍّ فی العَــــــــشــــــیرةِ مُـخْــــــــوَلِ[xxxi] |
"وأصل (بین) أن یکون مصدرًا بمعنى الفراق، فتقدیر (جلست بینکما) أی مکان فراقکما"[xxxii]، واستخدام (بین) فی قول امرئ القیس لا یخرج عن هذا المعنى العام؛ حیث یقول إنّ النعاج قد أدبرت کالخرز الیمانی الذی فصل بینه بالجواهر فی عنق صبی له أعمام وأخوال کرام.
وقول لبید:
9- أَوْ رَجْــــــــــــعُ واشــــِمـــــــَةٍ أُسِــــــــــفَّ نَــــؤورُهَــــــــا |
|
کَـــفِـفاً تَـــــعَــــــرَّضَ فَـــوْقَـــــــــهُـــــنَّ وِشَــــــــــــــــامُـــــهَـا [xxxiii] |
(فوق) من ظروف المکان المبهمة؛ حیث یدلّ على مکان لیس له صورة محدودة. وفی هذا البیت یشبّه لبید ظهور الأطلال بعد دروسها بتجدید الوشم، حیث تردّد الواشمة وشمًا موضوعًا فوق دارات، وتعید الوشم کلما اختفى کما تعید السیول الأطلال.
وقول طرفة:
20- کَــــأَنَّ کِـــــنَـاسَــــــــــیْ ضَــــــــــــالَةٍ یَـــکْــــنِــــفَــانِـــــــــهَــــــا |
|
وأَطْــــــــــــــرَ قِـــــــسِیٍّ تَــــحْــــــتَ صَـــــــلْبٍ مُــــــــؤَیَّـــــــــــدِ [xxxiv] |
یشبّه طرفة إبطَیْ الناقة ببَیتین لوحش فی شجرة سدر، وکأنّ تحت الإبطین أقواسًا معطوفة تحت صلب مُقوّى.
2- أسماء المکان: بشرط أن یکون الواقع فیها من لفظها، نحو: جلست مجلس خالد، وقعدت مقعد سعید، وإلا لزم جرها بفی، نحو: نمت فی مجلس خالد، وبعت فی مقعد سعید[xxxv].
کقول عمرو بن کلثوم:
79- نَـــــــــزَلــــــــــتم مَــــــــــــنزِلَ الأَضــــــــــیافِ مِــــــــــــنّــــــــــا |
|
فَــــــعَـــــــــــــجَّــــــــلــــــــنا القِـــــــــــــرَى أَنْ تَــــشـــــــــــتِمـونا[xxxvi] |
لقد نزلتم حیث ینزل الأضیاف فعاجلناکم بالحرب قبل أنْ تشتمونا، أو قبل أنْ تتغلّبوا علینا فیکون ذلک سببًا لشتم ناس إیانا.
ثانیًا: ظرف الزمان:
1- المبهم: کقول امرئ القیس:
81- کَــــــــأنّ مَـــکاکِــــــــــــیَّ الجِـــــــــــــــواءِ غُــــدَیَّـــــــــــــةً |
|
صُــــــبِــــــحنَ سُــــــــلافًــــا مِن رَحـــــــــــــیقٍ مُـــــفَـــلفَــلِ[xxxvii] |
کأنّ هذا النوع من الطیر الذی یطی فی الوادی وقت الغداء قد شرب خمرًا فی الصباح، وهذه الخمر إنّما هی شراب مفلفل کان سببًا فی أنْ أطلق ألسنتها بالغناء بهذا الشکل القوی المتتابع.
2- المختصّ: کقول الحارث بن حلزة:
5- لا أرى مَنْ عَـــهِــدتُ فـــــــیها فــــأبـــــکــِی الــــــــــــ |
|
ـــــــــــــــــیومَ دَلْـــهــًا ومـــــــــــا یـــــــــــردُّ البُــــــــــــــکاءُ[xxxviii] |
یبکی الحارث ذاهبَ العقل فی یومه هذا الذی نظر المواضع التی اعتاد أن یرى فیها أسماء ولم یجدها، وبکاؤه مستمر بالرغم من علمه بأنّه لا یُجدی علیه شیئًا.
3- المفعول لأجله:
المفعول له أو المفعول لأجله مصطلح بصری، أما الکوفیون والزجاج فهو عندهم مفعول مطلق لفعل محذوف عند الزجاج، وللفعل المذکور عند الکوفیین[xxxix]، فنحو: (جئتک إکرامًا لک) تقدیره عند الزجاج: جئتک أکرم إکرامًا لک، وعند الکوفیین أن معنى (جئتک) هنا: أکرمتک.
ویحدد النحاة المفعول لأجله بأنه "المصدر الفضلة المعلّل لحدث شارکه فی الزمان والفاعل"[xl]، وعلى هذا یجب أن یجتمع فیه أربعة شروط، وقیل خمسة[xli]:
1- أن یکون مصدرًا.
2- أن یکون مذکورًا للتعلیل.
3- أن یشارک الحدث فی الزمن؛ فلا یصح أن تقول: خرجت الیوم مخاصمة خالد غدًا.
4- أن یشارکه فی الفاعل، أی یکون فاعل الحدث والمصدر واحدًا؛ فلا یصّح أن تقول: جاء خالد إکرام محمد له.
5- أن یکون قلبیًّا؛ فلا یصّح أن تقول: جئت قتلاً للکافر، لأن القتل لیس قلبیًا.
ضربا التعلیل فی المفعول لأجله:
الضرب الأول: "ما یکون علّة یُراد تحصیلها، أی أنّ العلّة لیست موجودة فی أثناء الفعل، وإنّما هی غایة مُراده، وذلک نحو (ضربت ابنی تأدیبًا) أی لأجل التأدیب، فالتأدیب علّة حاملة على الضرب، وهی لیست موجودة فی أثناء الضرب، بل یُراد تحصیلها به"[xlii].
ومثال لهذا الضرب فی المعلقات قول زهیر:
25- یُنـــَجِّــــــــــــــمُـــــــــها قــــومٌ لـــــقـــــــــومٍ غَـــــــرامـــــــــــــــــــــةً |
|
ولــــــــــــم یُــــــــهَـــــــرِیـــقــــــوا بـــیـــنَــــــــــــــهُم مِـــــــــلْءَ مــِحْـــجَمِ[xliii] |
یتطوّع قوم کرام بدفع الدیة وتوزیعها غرامة للقتل، بالرغم من أنّهم لم یشارکوا فی إراقة أی دم ولو حتى بمقدار ما یملأ آلة الحجام. والغرامة هی العلّة فی دفع الدیة، وهی الحاملة على الدفع.
الضرب الثانی: "أن تکون العلّة موجودة وکانت هی السبب فی دفع الفاعل إلى الفعل، وهی حاصلة ولا یراد تحصیلها، وذلک نحو قولک (قعد جبنًا) فالجبن کان سببا فی القعود، والجبن حاصل ولا یراد تحصیله"[xliv].
ومثال لهذا الضرب فی المعلقات قول طرفة:
40- وجَاشَـــــــــــتْ إلیـــــــــــه النَّفـــــسُ خَــــوفًا وخـــــالَهُ |
|
مُصــــــابًا ولَــــــــــــو أمــــــــــســــــــى على غَـــــــیْر مَرصَــــــدِ[xlv] |
عندما اشتدّت الأمور شعر بالغلیان فی نفسه خوفًا، ظنًّا منه أنّه قد یُصاب، بالرغم من کونه فی مأمن بعیدًا عن أعین قُطّاع الطرق. والخوف هنا علّة لهذا الغلیان، وهو حاصل بالفعل ولا یُراد تحصیله.
4- المفعول المطلق:
یقول ابن عقیل: "وسُمِّی مفعولاً مطلقًا لصدق المفعول علیه غیر مقیّد بحرف جر ونحوه، بخلاف غیره من المفعولات، فإنّه لا یقع علیه اسم المفعول إلا مقیّدًا کالمفعول به، والمفعول فیه، والمفعول معه، والمفعول له"[xlvi].
ویُسمّى المصدر، والحدث، والحدثان، والفعل، "والأشهر فی ألقابه هو المصدر فی ألسنة النحاة، ویُعرِّفونه بأنّه "ما لیس خبرًا من مصدر مفید توکید عامله أو بیان نوعه أو عدده"[xlvii].
أنواعه:
أولاً: المفعول المطلق المؤکِّد:
یُسمّی النحاة المفعول المطلق فی نحو (قام زید قیامًا) مؤکّدًا لعامله، أی الفعل، ولکن هناک من یرى أنّه مؤکّد للمصدر لا للفعل، یقول الرضی: "المراد بالتأکید المصدر الذی هو مضمون الفعل بلا زیادة على شیء علیه من وصف أو عدد وهو فی الحقیقة تأکید لذلک المصدر المضمون، لکنّهم سمَّوه تأکیدًا للفعل توسُّعًا، فقولک (ضربت) بمعنى أحدثت ضربًا، فما ذکرت بعده (ضربًا) صار بمنزلة قولک: أحدثت ضربًا ضربًا. فظهر أنّه تأکید للمصدر المضمون وحده، لا للإخبار والزمان اللذین تضمّنهما الفعل"[xlviii].
ومثال لهذا النوع قول عمرو بن کلثوم:
32- نشُـــــــــــــــقُّ بـــــــــــهـــــــا رُءُوسَ القَــــــــــومِ شَــــــــــــــقًّا |
|
ونـُخــْلِـــــــــــــیها الـــــــرِّقـــــــــــــابَ فـــیـــــخــــتَـــــلـــــینا[xlix] |
یتفاخر عمرو بن کلثوم بأنّهم یشقّون رءوس أعدائهم شقًّا، ویقطعون رقابهم بمخالبهم فتنقطع هذه الرقاب ولا تصعب علیهم. واستخدام المفعول المطلق (شقًّا) فیه تأکید لهذا الفعل (الشقّ)، أو تأکید للمضمون- على رأی الرضی- وهو الشقّ، وفی کل الأحوال أفاد استخدامه قوة الحدث وشدّته.
ثانیًا: المفعول المطلق المُبیِّن:
1- المبین لنوع عامله: نحو (انطلقت انطلاقًا سریعًا)، و(انطلقت انطلاق السهم).
2- المبین للعدد: المقصود هنا عدد العامل، سواء أکان العدد معلومًا، نحو (ضربته ضربتین)، أم مبهمًا، نحو (ضربته ضربات).
ولم یرد أیة شواهد للمفعول المطلق المبین للنوع أو للعدد فی المعلقات.
ما ینوب عن المصدر:
ینوب عن المصدر ما یدلّ علیه، نحو: کلیة المصدر، وبعضیته، ونوعه، وصفته، وهیئته، ومرادفه، وضمیره، والإشارة إلیه، وآلته، وعدده، واسم المصدر، وملاقیه فی الاشتقاق، وغیرها[l]. وذلک لأداء معانٍ لا یُؤدّیها مصدر الفعل أحیانًا.
و"إنّ من أهم أغراض النیابة التوسُّع فی المعنى، فالإتیان بنائب المصدر قد یوسّع المعنى توسیعًا لا یؤدّیه ذکر المصدر، وذلک کالمجیء بصفة المصدر بدلًا منه؛ فإنّک إذا حذفت المصدر وجئت بصفته فبما احتمل معنى جدیدًا لم یکن ذکر المصدر یفیده ولا یحتمله، وذلک نحو قوله تعالى: ﴿وَاذْکُرْ رَبَّکَ کَثِیرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِیِّ وَالْإِبْکَارِ﴾[li]، فهنا تحتمل کملة (کثیر) أن یُراد بها الدلالة على المصدر، أی ذکرًا کثیرًا، ویحتمل أن یراد بها الدلالة على الوقت، أی زمنًا کثیرًا"[lii].
وقد ورد من هذا النوع فی المعلقات المرادف الذی ینوب عن المصدر، ومن أمثلة ذلک:
قول لبید:
67- رفَّـــــــعــــــتها طَــــــــــــــرَدَ النَّعـــــــــــــامِ وفَــــــــــوقَــــــــهُ |
|
حَتّى إذا سَـــــخُنَت وخَـــــفَّ عِــــظامُــــــــها[liii] |
68- قَـــلِــــــــقَتْ رِحـــــــالـــتـــُها وأســــبَلَ نَحـــــــــــرُها |
|
وابــــــتَــــــلَّ مِن زَبَــــــــــــدِ الحـــــــمـیمِ حِــــزامُـــــها |
حمّل لبید على فرسه وزاد من سرعتها لتعدو مثل عدو النعام، أو عدوًا یصلح لاصطیاد النعام، حتى إذا وصلت إلى درجة الجدّ فی الجری اضطربت رحالتها على ظهرها وسال العرق منها حتى بلل حزامها.
استخدم الشاعر مرادف المصدر؛ حیث إنّ (الطرد) اسم لجری النعام، وهو مرادف للمصدر (رَفْع)؛ أی رفع سرعة الجری. وقد أضاف هذا الاستخدام معنى جدیدًا لم یکن لیضیفه مصدر الفعل؛ وهو تشبیه الجری بجری النعام بالذات.
وقول امرئ القیس:
80- وألْــــــقَــــــى بِــــصَـــــــــــــحْراءِ الغَـــــبیطِ بَــعــــاعَــــــــــهُ |
|
نُــــــزولَ الـــیَــــــــــمـــــانِی ذی الــعِـــــــــیـــابِ الـمــــحَــــــــمَّــلِ[liv] |
ألقى السیل بثقله فی هذه الصحراء التی تشبه غبیط البعیر؛ حیث یرتفع الطرفان ویطمئنّ الوسط، وشبّه الشاعر هذا النزول بنزول التاجر الیمانی، وشبّه النبات الناشئ من هذا المطل بأنواع الثیاب التی یعرضها هذا التاجر للبیع. وقد استخدم امرؤ القیس مرادف المصدر (نزول) بدلًا من استخدام المصدر (إلقاء). وقد أعطى استخدام (نزول) صورة فی ذهن المتلقی لهذا المشهد الذی ینزل فیه التاجر عارضًا أقمشته للبیع، ولم یکن المصدر الأصلی (إلقاء) لیعطی نفس هذه الصورة.
وناب المفعول المطلق عن فعله دالاًّ على الطلب مرة واحدة فی قول امرئ القیس:
19- أَفــــاطِــــــــــــمَ مَـــــهْـــــلاً بــــعــــــضَ هــــــذا التَّـــــدَلُّـــلِ |
|
وإنْ کُـــــنْـــــــتِ قــــــد أزمَـــــعــــــتِ صُـــــرْمِی فأَجْمـــِلی[lv] |
یطالب امرؤ القیس محبوبته فاطمة أنْ تدع بعض دلالها، وإنْ کانت قد قررت الهجران فلیکن مصحوبًا بالقول الجمیل. وقد جاء المصدر (مهلًا) نائبًا عن الفعل (مَهَلَ) المحذوف، ونُصبت (بعض) لأنّ (مهلًا) ناب مناب (دَع)، والمعنى: دعی بعضَ هذا الدلال.
خاتمة:
قدّم البحث عرضًا لکیفیة إطالة الجملة العربیة بالمفاعیل، وهی إحدى وسائل إطالة الجملة عن طریق ذکر ما یتعلق بالفعل، مع التطبیق على شعر المعلقات.
وفی اختیار المعلقات محاولة للتنبیه إلى أهمیة هذه النصوص، التی تُعدُّ أقدم ما وصل إلینا من الشعر العربی، وهی نصوص خصبة لهذه الدراسة.
ویمکن تلخیص ما توصّل إلیه البحث فیما یلی:
1- الجملة الممتدة نوع من تمدید للجملة البسیطة؛ فهی جملة بسیطة لکنها امتدت عن طریق ذکر ما یتعلق بأحد رکنی الإسناد.
2- تُعدُّ المفاعیل من الطرق التی تمتد بها الجملة البسیطة عن طریق ذکر ما یتعلق بالفعل.
3- اتفق النحاة والبلاغیون قدیمًا وحدیثًا على أنّ هناک طرقًا لإطالة بناء الجملة، إلّا أنّ المحدثین درسوا ذلک بشکل أکثر تفصیلاً، وحاول عدد منهم إیجاد تصورات جدیدة لأنواع الجملة العربیة وعدم الاعتماد على التقسیم المشهور إلى اسمیة وفعلیة.
4- إطالة المبدع لبناء الجملة لا بد أن یکون له إضافات بلاغیة ودلالیة یرید إیصالها إلى المتلقی، وتمدید الجملة بالمفاعیل له أغراضه کما تبیّن عند تحلیل شواهد البحث.
[i] الجملة العربیة: مکوناتها- أنواعها- تحلیلها، ص134.
[ii] مغنی اللبیب ج2 ص42
[iii] النحو الوافی ج1 ص16
[iv] انظر: بناء الجملة العربیة، دار غریب، القاهرة 2003
[v][v] انظر: الجملة العربیة: مکوناتها، أنواعها، تحلیلها، مکتبة الآداب، القاهرة، ط4، 1428ه-2007م
[vi][vi] انظر مثلا: بغیة الإیضاح لتلخیص المفتاح فی علوم البلاغة، ج1 ص140
[vii] شرح ابن یعیش على المفصل: 1/308.
[viii] الرضی على الکافیة: 1/334.
[ix] دلائل الإعجاز: ص534.
[x] المبرد: المقتضب 4/102
[xi] معانی النحو ج2 ص76
[xii] 63 ص199
[xiii] سلیمان العطار ص63
[xiv] 67 ص583
[xv] شرح الأنباری، ص31
[xvi] السابق، ص279
[xvii] سیبویه (1/14-15)
[xviii] سورة الفاتحة 5
[xix] الهمع 1/166
[xx] البرهان 3/237
[xxi] انظر دلالات الترکیب ص187، 188
[xxii] شرح الأنباری، ص448
[xxiii] دلائل الإعجاز ص85
[xxiv] شرح الأنباری، ص595
[xxv] جامع الدروس العربیة ص437
[xxvi] شرح الأنباری، ص70
[xxvii] السابق، ص531
[xxviii] السابق، ص427
[xxix] ابن یعیش (2/41)
[xxx] حاشیة الصبان ص184
[xxxi] شرح الأنباری، ص94
[xxxii] الرضی 3/196
[xxxiii] شرح الأنباری، ص527
[xxxiv] السابق، ص162
[xxxv] الأشمونی (1/489)
[xxxvi] شرح الأنباری، ص420
[xxxvii] السابق، ص110
[xxxviii] السابق، ص436
[xxxix] الرضی على الکافیة (1/507)
[xl] شذور الذهب 122
[xli] معانی النحو ح2 ص196
[xlii] معانی النحو ج2 ص200
[xliii] شرح الأنباری، ص265
[xliv] السابق نفس الموضع
[xlv] شرح الأنباری، ص183
[xlvi] ابن عقیل 2/169
[xlvii] الأشمونی 1/466
[xlviii] الرضی 1/298
[xlix] شرح الأنباری، ص396
[l] الأشمونی 1/490
[li] آل عمران 41
[lii] معانی النحو ج2 ص139
[liii] شرح الأنباری، ص583، 584
[liv] السابق، ص108