المجاز والرمز البحري بين ألکايوس وهوراتيوس وکڤافيس

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الدراسات اليونانية واللاتيهية کلية الآداب جامعة القاهرة

المستخلص

تهتم هذه الدراسة بمقارنة وتحليل التجربة البحرية في قصائد ثلاثة من کبار الشعراء في الأدبين اليوناني واللاتيني ، وهم الشاعر اليوناني القديم ألکايوس والشاعر اللاتيني هوراتيوس والشاعر اليوناني الحديث کڤافيس. وذلک من خلال ربط هذه التجربة بالرمز والمجاز في مداراته الثلاثة (الوجودية – السياسية – الغرامية)، بغية تحديد أهم نقاط الاتفاق والاختلاف في ملامح الرحلة البحرية وأبعادها، الرمزية والمجازية  في عدد من القصائد التي يظهر فيها هذا العنصر البحري المجازي بشکل مرکب ، قياساً إلى النص المرکزي  للرحلة البحرية (أي أوديسية هوميروس). وفي هذا الإطار فإننا نجادل على وجه الخصوص لتأکيد تأثير أصداء التجربة البحرية في الشعر اللاتيني في تجربة کڤافيس الشعرية فيما يخص أبعاد الرحلة البحرية.

الكلمات الرئيسية


مقدمة

یرتبط الأدب القومی لشعب من الشعوب ارتباطاً وثیقاً ببیئته الجغرافیة. ولقد أثر ارتباط الیونانیین وحضارتهم  بالبحر منذ فجر التاریخ فی فنونهم وآدابهم ، وانطبع على مخیلتهم الشعریة، وأثرى لغة الرمز والمجاز عندهم. من أجل ذلک تأتی أودیسیة هومیروس لتمثل النص المرجعی المرکزی للتجربة البحریة بشقیها الواقعی والخیالی, ونموذجاً لرحلة البطل عبر البحار، لا بالنسبة للأدب الیونانی فحسب بل بالنسبة  للآداب الأوروبیة قاطبة. ولقد سار أدباء الرومان على نهج سابقیهم الیونانیین فی إطلاق لغة الرمز والمجاز البحری على تجاربهم المختلفة.

وتدور التجربة البحریة – کما یمکن أن نستشفها سریعاً من النصوص الکلاسیة فی الأدبین الیونانی واللاتینی- فی الإطار الرمزی فی مدارات ثلاثة: أولاً- مدار التجربة الوجودیة للإنسان، وفیه تصبح الرحلة البحریة رمزاً لحیاة الإنسان. ثانیاً- مدار التجربة السیاسیة، وفیه تصبح الرحلة البحریة رمزاً لتجلیات الفکر السیاسی ومسیرة دولة المدینة (πόλις) أو الدولة (res publica) بمعناها العام. ثالثاً- مدار التجربة الغرامیة، وفیه تصبح الرحلة البحریة رمزاً لتجربة الغرام بین الرجل والمرأة. وینبثق المجاز فی کل مدار من هذه المدارات المختلفة من العلاقة التی تربط مفردات التجربة أو الرحلة البحریة (السفینة – البحر -  المیناء) بمفردات التجربة المرموز لها على النحو التالی: 1- فی مدار التجربة الوجودیة لحیاة الإنسان تکتسب مفردات الرحلة معناها من خلال ربطها بما یقابلها من مفردات الحیاة: فالسفینة کنایة عن سفینة الحیاة أو الموقف الوجودی، وربانها هو الإنسان ذاته. ویستتبع ذلک أن یکون المرفأ کنایة عن الملجأ والملاذ[1] أو بر الأمان الذی یمثل الوصول إلى فترة من السکینة والهدوء, أو هو إحدى محطات حیاة الإنسان، لاسیما المحطة قبل الأخیرة منها أو الموت ذاته[2]، کما یستتبع أن یکون البحر کنایةً عن الزمن  الذی تبحر فیه السفینة ویفصل بینها وبین المیناء[3]. 2-  فی مدار التجربة السیاسیة تکتسب مفردات الرحلة معناها من خلال ربطها بما یقابلها من مفردات مسیرة الحرکة السیاسیة فی نطاق الدولة: فالسفینة بطبیعة الحال تصبح کنایة عن الدولة وحاکمها هو ربانها، والمرفأ کنایة  عن بر الأمان الذی یرجى من قائد السفینة فیه أن یصل بها إلیه، والبحر کنایة عن مدار التاریخ الذی تزدهر وتدول فیه الدول[4]. 3- فی مدار التجربة العاطفیة  تکتسب مفردات الرحلة معناها من خلال ربطها بما یقابلها من مفردات مسیرة العاشقین: فالسفینة کنایة عن المعشوقة وعشیقها هو ربانها،  والمرفأ کنایة عن علاقة الحب الآمنة، والبحر کنایة عن الجوى وشدة العشق والهُیام[5].

وتهتم هذه الدراسة بمقارنة التجربة البحریة عند ثلاثة من کبار الشعراء فی الأدبین الیونانی واللاتینی. ولقد تناولت العدید من الدراسات تأثر هوراتیوس بمن سبقه من الشعراء الغنائیین الیونانیین بوجه عام[6]، ورکز عدد لا بأس به منها على تأثر هذا الشاعر اللاتینی بالشاعر ألکایوس[7]، لاسیما فیما یخص العنصر البحری عند هذا الأخیر[8]. بینما ظل تأثیر التجربة البحریة فی الشعر اللاتینی فی التجربة البحریة فی أشعار کڤافیس موضوعاً لم تتناوله –على حد علمی- أقلام الباحثین. وهذا هو ما نصبو إلیه. إذ تهدف هذه الدراسة  إلى تحدید أهم نقاط الاتفاق والاختلاف فی ملامح الرحلة البحریة وأبعادها، الرمزیة والمجازیة  فی عدد من قصائد الشعراء الثلاثة التی یظهر فیها هذا العنصر البحری المجازی بشکل مرکب ، قیاساً إلى النص المرکزی  للرحلة البحریة (أی أودیسیة هومیروس). وفی هذا الإطار فإننا نجادل على وجه الخصوص لتأکید تأثیر أصداء التجربة البحریة فی الشعر اللاتینی ، لاسیما شعر هوراتیوس، فی تجربة کڤافیس الشعریة فیما یخص أبعاد الرحلة البحریة فی اثنتین من أهم قصائده، وهما قصیدتی "إیثاکی" و"المدینة". ونتبع فی هذه الدراسة منهج المقارنة التتابعیة، من خلال الترکیز على عدد محدد من شذرات ألکایوس وقصائد بعینها للشاعرین هوراتیوس و کڤافیس تسود فیها هذه النبرة البحریة. ومن ثم تنقسم الدراسة إلى ثلاثة أجزاء ، نقدم فی کل جزء منهما عنصر الرحلة البحریة بأبعادها  الرمزیة والمجازیة عند کل شاعر على حده، بدءاً بألکایوس (حیث یتم الترکیز على أربعة شذرات من بردیات مجموعة أوکسیرینخوس (البهنسة) التی نشرها کامبل (Campbell) فی طبعة لویب (Loeb) الأخیرة تحت أرقام (6 و208 و73 و249 ) ، ثم هوراتیوس (مع الترکیز على قصیدتی "الوسط الذهبی" (العاشرة من الجزء الثانی من دیوان الأغانی) و"السفینة الدولة" (الرابعة عشرة من الجزء الأول من الدیوان نفسه)، ثم کڤافیس (مع الترکیز على قصیدتی "إیثاکی" و"المدینة") من مجموعة قصائده المنشورة. وفی نهایة کل جزء نقوم بإحصاء أوجه التأثیر والتأثر بین کل شاعر والسابقین علیه.

 أولاً: التجربة البحریة وأبعادها عند ألکایوس

وتتکرر عناصر الرحلة البحریة فی بعض الشذرات التی بقیت لنا من الشاعر ألکایوس. وتنتظم هذه العناصر فی إطارین : الأول هو إطار الخطاب الإرشادی، والثانی هو الإطار المجازی، الذی تختلط فیه التجربة الوجودیة بالتجربة السیاسیة، المنبثقة من الصراع الدائر بین الشاعر والحکام المستبدین الذین حکموا متیلینی (Μυτιλήνη)[9]. ویتجلى الإطار الأول فی الشذرة رقم (6 =  P. Oxy. 1789 I i 15-16)، التی تتخذ شکل خطاب من الشاعر لرفاق البحر على متن السفینة ذاتها التی تقله, کما أنها یمکن ان تنم عن تجربة واقعیة أو عن حکایة رمزیة. وتجری الشذرة على النحو التالی:

 

إن هذه الموجة + فیما اعتقد+ تتبع  سابقتها من جدید،إنها سوف تمدنا بجهد کبیر شاق کی ننزح الماء، عندما ینفذ إلى  السفینة

             ..............

             ..............

.......................................

فلندعم (قوائم هذه السفینة) فی أسرع وقت

ممکن، ونسرع (بها) إلى میناء آمن.

 

وحذار أن یتملکنا خوف (المترفین) الناعم.

لأن أمامنا عمل (شاق)؛

ولتضعوا فی حسبانکم المشقتین السابقتین؛

ولیصبح الآن أی رجلٌ (منا) على قدر المسئولیة.

 

وحذار أن نخذل آباءنا بتقاعسنا

وهم وسط الکرام الراقدین تحت الثرى.

.......

فی المدینة.....

(وأنتم) تکونون ... من أبائکم...

........  فروحنا

مثل ..... مسرعة تواقة

.............................[10]

to/d'  au)=te ku=ma tw\ prote/rw +ne/mw + stei/xei, pare/cei d' a)/mmi po/non po/lun

a)/ntlhn, e)pei/ ke na=oj e)/mb#

                      ] . o?meq' e)[

                              ] . . [ . . ]  :  [                                             ]

farcw/meq' w)j w)/kist# [toi/xoij,

e)j d' e)/xuron li/mena dro/[mwmen:

 

kai\ mh\ tin' o)/knoj mo/lq[akoj a)mme/wn

la/bh: pro/dhlon ga\r me/g' [a)e/qlion:

mna/sqht?e tw\ pa/roiqe m?[o/xqw:

nu=n tij a)/nhr do/kimoj ge[ne/sqw.

 

kai\ mh\ kataisxu/nwmen [a)nandri/#

e)/sloij to/khaj ga=j u)/pa ke?[ime/noij:

. . ] ta=nd[

ta\n po[

e)/onte[j            ] . a)/p pate/rw[n

tw\n sf[                ]a?mmoj qu=m[

e)/oike[                   ]%n? taxh/an[

tai=[j               ] . nhtoren. [[11]

 

والشذرة الثانیة هی الشذرة رقم (208= P. Oxy. 2297 fr.5), وتدور على النحو التالی:

 

لا أستطیع أن أدرک کنه اتجاه الریاح.

فموجة تلتف من هنا،

وأخرى هنالک، ونحن فی المنتصف،

محمولین على متن سفینة سوداء،  

 

بعد أن ناضلنا طویلاً ضد عاصفة شدیدة.

وهناک فیض من الماء یغمر الدفة،   

و الشراع بأسره بال الآن،

وبه تمزقات کبیرة ،

فی حین تنفک (وتتساقط) کل المراسی....

...........................

..................................

وتظل قدمای کلتاهما (مربوطتان)

بالحبال، فلیت هذا ینقذنی

         فقط .أما الحمولة فقد سقطت. ........

a)sun e/thmmi tw\ a)ne/mwn sta/sin:

to\ me\n ga\r e)/nqen ku=ma kuli/ndetai,

to\ d' e)/nqen, a)/mmej d' o)\n to\ me/sson

na=i+ forh[/meqa su\n melai/na?

 

xei/mwni ma/xqentej mega/l% ma/la:

pe\r me\n ga\r a)/ntloj i)stope/don e)/xei,

lai=foj de\ pa\n za/dhlon h)/dh,

kai\ la/kidej me/galai ka\t au)=to,

xa/laisi d' a)/gkurai, ta\ d' o)h/[i+a   

[                                            ]

.  [. . . ]  . [                                             - ]  

toi po/dej a)mfo/teroi me/?no?[isin

e) bimbli/dessi: tou=to/ me kai\ s?[a/oi

     m?o/non: ta\ d' a)/xmat' e)kpep[ .]. .....[12]

 

تظهر عناصر الرحلة البحریة (السفینة – المرفأ - البحر) کاملة فی هاتین الشذرتین.  ولقد فتح رأی هیراکلیتوس Heracleitus) ) من القرن الرابع المیلادی الباب على مصرعیه أمام التفسیر الرمزی والمجازی لهاتین الشذرتین، حیث ترمز بمقتضاه القصیدتین إلى الصراع السیاسی الدائر فی میتیلینی، کما تصبح السفینة فیه کنایة عن دولة المدینة (متیلینی). ففی سیاق حدیثه عن قصائد ألکایوس السیاسیة یرى هیراکلیتوس "أننا سوف نجد أن ألکایوس یستخدم الحکایة الرمزیة فی عدد لا بأس به من القصائد. فهو یشبه الاضطرابات التی یتسبب فیها  الطغاة بأجواء البحر العاصفة".  کما یلاحظ أن السفینة المضطربة فی شذرتی (208) و (6 )  بمثابة حکایات رمزیة تشیر إلى زمن میرسیلوس[13]. وعلى الرغم من أن هناک من الباحثین من حاول أن یثیر غبار الشک حول هذا التفسیر المجازی، فإن أغلب الآراء لا تزال تدور فی فلک هذا التفسیر الرمزی.ویزعم میندلMendel) ) أنه لا یوجد ثمة ما یدعو إلى اعتبار القصیدة (شذرة 6) رمزیة سوى ما ورد عند هیراکلیتوس فی القرن الرابع قبل المیلاد[14]. کما یرجح کونیاریس (Koniaris ) أن یکون السیاق فی شذرة (6) واقعیاً، معتقداً أن الشاعر یجد نفسه على متن سفینة تقلع فی عرض البحر المفتوح أثناء هبوب عاصفة، فینصح بحارته بقوله " دعونا نسرع إلى میناء آمن". ویبدو من السیاق أنه قد وجد ذلک جدیر "بأبائنا النبلاء"[15]. لکن کامبل (Campbell) فی تعلیقه على شذرة (6) یشیر إلى رأی هیراکلیتوس الذی یرى فی هذه الشذرة "حکایة رمزیة" (allegory) - وهو ما أثبته بیج (Page) بالدلیل الداخلی (من داخل الشذرة نفسها). وطبقاً لهذا الرأی یکون معنى العبارة الوردة فی البیتین الأولین من هذه الشذرة "إن علینا أن نتوقع هجوماً آخر من الجانب نفسه کما حدث من قبل"، أی من جانب میرسیلوس[16]. کما یؤید لاتیمور ( Lattimore) تفسیر هیراکلیتوس المجازی للقصیدة (شذرة  6) الذی یرى أن العاصفة والبحر فیها یرمزان إلى ثورة مدنیة. وذلک على اعتبار أنه من المفترض أن هیراکلیتوس کان یمتلک کل القصیدة أمامه[17]. کما یؤید لاتیمور أیضاً تفسیر هیراکلیتوس بالنسبة للشذرة 208 ، حیث تعبر عن حکایة رمزیة تحتوی على مجاز سیاسی کما فی الشذرة رقم 6[18]. ویتوافق تفسیر دال (Dale) مؤخراً مع التفسیر الرمزی المجازی لهذه الشذرة (6)، حیث یرى أنها إحدى القصائد التی ترمز "لسفینة الدولة". فألکایوس یحض رفاقه وسط الأمواج على أن یصلوا بالسفینة إلى مرفأ آمن، کما یستدعی التجارب الصعبة السابقة  مُظهراً رباطة الجأش والشجاعة. کما یعتقد دال (Dale) أن الشذرة تتحول قرب نهایتها من الحض القائم على الإیجاز والأمثال إلى الحدیث عن الموقف السیاسی مستدلاً على ذلک بکلمة μοναρχίαν (الحکم الفردی)  الواردة فی بیت 27 (فی الجزء المتبقی غیر المقروء) من هذه الشذرة. ویفسر باقی  الشذرة - بناءً على ذلک وبناءً على استدلاله على ورود اسم میرسیلوس فیها- باعتبار الشاعر یحض أصدقاءه :"دعونا لا نقبل الحکم الملکی المستبد لمرسیلوس"[19].

وهناک شذرة أخرى تُفسر على أکثر من وجه، ویمکن للتجربة البحریة طبقاً لهذه الأوجه أن تفسر تفسیراً واقعیاً (بوصفها سفینة) أو رمزیاً سیاسیاً (باعتبار السفینة کنایة عن الحزب السیاسی أو الدولة) أو رمزیاً غرامیاً (باعتبار السفینة کنایة عن العشیقة). بل إن هناک من الآراء ما یجعل السفینة تستوعب الکنایتین معاً (أی تکتسب أبعاداً مجازیة سیاسیة  وغرامیة معاً). والشذرة هی الشذرة رقم (73= P. Oxy. 1234 fr.3). وتجری الشذرة على النحو التالی:

 

.... کل الحمولة....

بأکبر قدر ممکن

 

(تقول) إنه لیس لدیها أی رغبة فی

أن تصارع (عاصفة من) الأمطار، أو تناضل...

بعد أن تنحرف (عن طریقها) بموجة، وترتطم بشعاب مرجانیة 

(ولتمضی) إلى هناک من الآن فصاعداً

فقد آن لی أن أسعد معکم

وفی رفقة بیخیس

بعدما أنسى هذه الأشیاء....

pa\n fo/rti[o]n d' . . [

d' o)/tti ma/lista sa/l[

 

kai\ ku/mati pla/geis[a

o)/mbrwi ma/xisqai  . . [

fai=s' ou)de\n i)me/rrh[n, a)sa/mwi

d' e)/rmati tuptom[e/na

kh/na me\n e)k tou/t[

tou/twn lela/qwn w) . [.

su/n t' u)/mmi te/rp[esq]#[i sun]a/baij

kai\ pe/da Bu/kxidoj au)? . . [[20]

 

وعادة ما یربط الدارسون والنقاد بین هذه الشذرة وشذرة (208) السابقة أو بین تفسیر هاتین الشذرتین وبعض التعلیقات على ألکایوس، التی بقیت لنا هی الأخرى فی شکل شذرات تشیر إلى عناصر الرحلة البحریة عند ألکایوس. فهناک من الآراء من یعتبر أن التعلیق على ألکایوس الوارد فی شکل شذرات  ( 306= P. Oxy. 2907 (i) frr. 14,16) هو تعلیق على شذرة (73), ویستنتج أن السفینة (المتهالکة والقدیمة والمنهکة بعد رحلات کثیرة والتی لم تعد بعد صالحة للاستخدام) فی هذه القصیدة (التی تنتمی إلیها شذرة 73)، یتم وصفها بألفاظ تنطبق على المحظیة ، التی  أصبحت عجوزاً مریضة بعد رحلة شاقة وطویلة[21]. فی حین یرى آخرون أن القصیدة (شذرة 73) تعد مجازاً سیاسیاً تشبه فیه الدولة بالعاهرة – السفینة المحطمة القدیمة. (کما لو کان مجازاً مزدوجاً، حیث تحتوی على تشبیه سیاسی تشبه فیه الدولة بالسفینة وآخر تشبه فیه السفینة بالعاهرة المنهکة.)[22]. ویعقب کونیاریس (Koniaris) على هذا الرأی مشیراً إلى أن تفسیره لهذه الشذرة یقبل النوع الثانی من المجاز (السیاسی الذی تشبه فیه الدولة بالسفینة)، لکنه لا یقبل النوع الأول بحجة أنه لا یجد نظیراً له، ولأن هذا النوع قائم على الاعتقاد بأن ما ورد فی شذرة (306) إنما هو تعلیق على الشذرة موضوع الدراسة (73)، وهو اعتقاد لا یقبله[23]. ویعتقد کونیاریس فی هذا السیاق أنه لا مفر من اعتبار القصیدة التابعة لها الشذرة موضوع الدراسة (73) مجازیة، على اعتبار أن السفینة فی کل الحالات تشخیص (prosopopoeia,). وهو یفترض أن یکون هذا التشخیص على أحد وجهین : فإما أن یقصد ألکایوس بالسفینة سفینة حزبه (السیاسی الذی هو خارج الوطن)، وإما أن یقصد بها سفینة دولة متیلینی. وإذا ما افترضنا صحة الوجه الأول فسوف یکون الحدیث عن حزب ألکایوس المنفی الذی یشبَّه بالسفینة التی تسعى إلى رحلة العودة إلى الوطن (νόστος). أما إذا افترضنا صحة الوجه الثانی، فسوف یکون هناک ثمة تناقض ناتج عن أن السفینة الدولة (متیلینی) تقفل راجعة إلى وطنها (متیلینی). لکنه یلاحظ أن حل هذا التناقض یکمن فیما لاحظه بیج Page أثناء تحلیله للشذرة (208)؛ فالمجاز عند ألکایوس له سمة مشترکة مع التشبیه عند هومیروس. فبمجرد أن یبدأ التشبیه، فإنهما یتمادیان فیه دون أن یضعا فی الحسبان دقة السیاق الذی انطلق منه. ولعل ألکایوس قد بنى مجازه هنا أیضاً على واقع جغرافی ، مفاده أن متیلینی قد تحولت إلى سفینة، ثم تعامل معها بعد ذلک باعتبارها سفینة یمکن أن تبحر حتى إلى مدینة متیلینی نفسها[24].

وتأتی الشذرة رقم (249= P. Oxy. 2298 fr. 1) محملة بإیحاءات مشابهة. وهی تجری على النحو التالی:

 

               .......... الرقص.........

سفینة مزودة بالمقاعد

لأنه لیس (هناک ما هو) أفضل

من أن یکبح المرء الریاح المحملة بالعواصف.

 

وعلى المرء أن یستشرف الرحلة من البر

إن کان هذا بمقدوره ویحظى برباطة جأش،

فحینما یصبح فی عُرض البحر، فهناک (ثمة) ضرورة (تقتضی) +أن یسرع (بالسفینة)+وهی فی وضعها الراهن.

               ]. . on x[o/]ron ai? . . [

              ]. na=a f[er]e/sduxon

                ]hn ga\r o[u)]k a)/rhon

          a)ne/m]w kate/xhn a)h/taij.

 

            e)]k ga=j xrh= proi/dhn plo/[on

ai)/ tij du/nata]i kai\ p[al]a/?man e)/[x]h,

e)pei\ de/ k' e)n p]o/n?[twi g]e/nhtai

tw\i pare/onti + tre/xein + a)na/gka.[25]

 

وعلى الرغم من أننا لا نستطیع أن نتأکد من سیاق الشذرة نظراً لقصرها، فإنها  تعطی انطباعاً بحدیث إلى الرفاق عن رحلة بحریة ، ربما تکتسب معنى وجودیاً تصبح فیه التجربة البحریة رمزاً لرحلة الإنسان والسفینة کنایة عن الحیاة، کما یمکن أن تکتسب أیضاً أبعاداً سیاسیة.

إننا أمام مجموعة من الشذرات التی تدور فیها التجربة البحریة –حسب معظم التفسیرات- فی المدارات الرمزیة الثلاثة التی بیناها فی بدایة هذا البحث: الرمزیة السیاسیة والرمزیة العاطفیة والرمزیة الوجودیة. وفی کل دائرة من هذه الدوائر تکتسب مفردات الرحلة البحریة (السفینة- المرفأ – البحر) أبعادها المجازیة من طبیعة دائرة الرمز التی تدور فیها. بید أننا یمکن أن نجد أنفسنا أحیاناً أمام نوع من الرمز والمجاز المرکب؛ حیث یمکن أن تدور التجربة البحریة فی أکثر من دائرة رمزیة ومجازیة فی آن واحد، کما فی شذرتی 73  و 208 حیث یمکن للتجربة البحریة أن ترمز إلى لتجربة العاطفیة والتجربة السیاسیة فی آن واحد، بل وربما زاد على ذلک أیضاً التجربة الوجودیة. وبذلک تصبح السفینة کنایة مرکبة لأکثر من شیء (المدینة – العشیقة- الموقف الوجودی). وبالتالی تصبح السفینة المتهالکة المضطربة کنایة عن الدولة  التی تشبه فی نفس الوقت بالعشیقة أو العاهرة القدیمة المستنفدة. وهذا النموذج من المجاز الذی تصبح السفینة فیه کنایة عن الوطن أو الدولة یکاد یکون مفارقاً للنموذج الوارد فی النص المرکزی (الأودیسیة) الذی لا تتعدى فیه السفینة أداة للوصول إلى الوطن.  کما أننا نجد أنفسنا أمام نوعین من الخطاب یحیطان بهذه الأطر الدلالیة: أحدهما أشبه بالخطاب الذاتی أو المونولوج الداخلی، کما فی جزء من شذرة (208) حیث یبدو أن الشاعر یخاطب نفسه بلغة البحر. أما الثانی فهو الخطاب الوصفی: وفیه یخاطب الشاعر رفاقه الذین یشارکونه موقفه ذاته على اعتبار أنهم جمیعاً فی سفینة واحدة (التی ربما تکون مجرد سفینة وربما ترمز إلى حالتهم الوجودیة أو الموقف الذی یوجدون فیه) تبحر فی عرض البحر، ویریدون أن یوجهوها إلى  المرفأ (الذی  ربما یکون مجرد مرفأ وربما یکون کنایة عن الملجأ أو بر الأمان). وهو یصف کیف یمکن أن یقوموا برحلة آمنه محافظین على سلامة سفینتهم من أن تتقاذفها الأمواج. فنحن بالأحرى أمام نموذج وصفی یعتمد على المونولوج. وهو بذلک مفارق للنموذج الملحمی للأودیسیة. لکنه من ناحیة المقصد والمرام لا یزال یدور فی فلکها. فلا یزال المقصد و نهایة الرحلة هو الوصول إلى بر الأمان باعتبارهما نهایة للمشقة والألم. إلا أن بر الأمان هنا لا یمثل الوطن المصیر ، لکنه یمثل الدافع الذی من أجله ینبغی أن یتم الحفاظ على السفینة کی تتم الرحلة بسلام.   

 

ثانیاً: التجربة البحریة وأبعادها عند هوراتیوس     

إن قصیدة هوراتیوس التی تعبر بامتیاز عن تجربة بحریة محملة بالرمز والمجاز معاً هی القصیدة الرابعة عشر من الجزء الأول من دیون الأغانی (Odes)، التی عادة ما یطلق علیها "سفینة الدولة". وتجری على النحو التالی:

 

أیتها السفینة ، لسوف تحملک الأمواج إلى (عُرض) البحر مرة ثانیة. فماذا أنتِ (الآن) فاعلة؟ فهلا رسیتی على

           المیناء (وتشبثتی به) بقوة! أفلا ترین، کیف

           (بات) وعاؤک مجرداً من مجادیفه.

5 وصاریک منشطرٌ بفعل الریاح الجنوبیة الغربیة السریعة

العاتیة (القادمة من إفریقیا)،وعارضته تئن (وتتأوه)! و(هل)   

           تستطیع عوارضک بدون أحبال أن تقاوم(ولو)

           بالکاد (عُباب) البحر (عندما یثور ویصیر)

أکثر طغیاناً؟  لیس لکِ (الآن) أشرعةٌ مکتملة (سلیمة)،

10 ولا أرباب، تنادینهم عندما تسحقکِ الأنواء من جدید.

           ومع أنک سفینة من بونطوس ،

           وابنةُ غابةٍ عریقةٌ،

ومع أنک تفخرین بلا جدوى بحسبک (ونسبک) واسمک،  

فإن الملاح الرعدید  لا یثق بمؤخرة (سفینته)

         15 المزرکشة وإنک، إن لم یکن قدرک أن (تصبحی)

          ألعوبة (بین یدی) الریاح، فالتزمی الحذر.

یا من (کنتِ) لی فی الآونة الأخیرة (مصدر) قلق وعناء،فإنک الآن لن تقضی مضجعی بالحسرة والأسى،

          ولیتک تجتنبین (عُباب) البحر الذی تتدفق میاهه

          20 بین (جزر) الکیکلادیس المتألقة.

O navis, referent in mare te novi
fluctus. o quid agis? fortiter occupa
            portum. nonne vides, ut
            nudum remigio latus.

5 et malus celeri saucius Africo
antemnaeque gemant ac sine funibus
            vix durare carinae
            possint imperiosius  

aequor? non tibi sunt integra lintea,
10 non di, quos iterum pressa voces malo.

           quamvis Pontica pinus,

           silvae filia nobilis,

iactes et genus et nomen inutile:

nil pictis timidus navita puppibus

           15 fidit. tu, nisi ventis

           debes ludibrium, cave.

nuper sollicitum quae mihi taedium,

nunc desiderium curaque non levis,

           interfusa nitentis

           20vites aequora Cycladas.[26]

 

لقد أثارت هذه القصیدة فی تفسیراتها  مسائل أشبه بتلک التی أثارتها شذرات ألکایوس. وإذا کانت الآراء التی فسرت بعض شذرات ألکایوس على اعتبار أن لها طابع الحکایة الرمزیة ذات الأبعاد السیاسیة  تعود إلى رأی هیراکلیتوس فی هذا الشأن کما سبق أن أوضحنا، فإن التفسیر المجازی السیاسی لقصیدة هوراتیوس هذه یعود إلى ما أورده کوینتیلیانوس (Quintilianus) بشأن وصف السفینة المذکورة فی هذه القصیدة بأنها سفینة الدولة[27]. ولقد غدا تفسیر کوینتیلیانوس لقصیدة هوراتیوس باعتبارها مجازاً لسفینة الدولة مقبولاً لدى الغالبیة العظمى من الدارسین المحدثین[28].  وفی طلیعة هؤلاء الدارسین فراینکل Fraenkel الذی یرى أن هوراتیوس یشبه مصیر الدولة بمصیر السفینة، وأنه لفهم ذلک ینبغی العودة إلى قصیدة ألکایوس (شذرة 208). ویتمثل العنصر الرئیسی المشترک فی الشراع الممزق (lai=foj ...... za/dhlon = non ….. integra lintea). لقد سخر هوراتیوس قصیدته بأسرها لوصف السفینة دون أن یصرح بالموصوف الذی هو الدولة (res publica) التی تقابل دولة المدینة (πόλις) فی سیاق قصیدة الکایوس[29].

وإذا کانت السفینة المذکورة فی بعض شذرات ألکایوس قد حامت حولها فی الوقت نفسه آراء رأت فی السفینة المذکورة صورة مجازیة للمرأة (العشیقة القدیمة)[30] أو حتى للحیاة نفسها، فإن هناک من الآراء ما رأى أیضاً فی السفینة المذکورة فی قصیدة هوراتیوس صورة المرأة او العشیقة المنهکة، أو حتى رمز لحیاة الشاعر نفسه: ویعد میندل (Mendell) واحداً من أهم النقاد المحدثین الذین أثاروا غبار الشک حول رأی کوینتیلیانوس الذی اعتبر السفینة کنایة عن الدولة فی هذه القصیدة[31]. إذ یرى مندل أننا یمکن أن نفسر المجاز فی القصیدة بربطها بما جاء فی القصیدة الرابعة والثلاثین من الجزء الأول من دیوان الأغانی للشاعر نفسه؛ إذ یشیر (فی بیت 3 وما یلیه) إلى الحیاة بوصفها رحلة بحریة یرى هوراتیوس نفسه فیها مضطراً للعودة فی المسار الذی سلکه. وعلى ذلک، یرى مندل أن السفینة هی هوراتیوس وأنها حیاته الشخصیة فی الوقت ذاته. أما تصویره للکارثة فهو تعبیر مغال فیه عن الموقف الذی وجد فیه نفسه بعد معرکة فیلیبی (Philippi). فلیس ثمة أرباب ینقذوه للمرة الثانیة إن هو سمح لنفسه بالعودة مدفوعاً بالیأس"[32]. أما أندرسون (Anderson) الذی سخر جزءاً کبیر من دراسته لتفنید حجج  الرأی  الذی یرى فی القصیدة مجازاً لسفینة الدولة– لاسیما حجج فرانکل –  فقد تزعم التفسیر الغرامی للقصیدة على اعتبار أنها حدیث موجه من عشیق مهجور إلى عشیقته التی یصفها بأنها صنوبریة من بونطوس وابنة غابة عریقة – وهو ما یدل على أنها من طبقة اجتماعیة نبیلة.  فهو یحاول إقناعها بالرجوع إلیه متعللاً بما أصابها من آثار تقدم السن والکبر وأنها لا تقوى على تجربة عاطفیة جدیدة. وعندما یجد منها إصراراً على الفراق یقر بأنه یفقدها الآن ویدعوها أخیراً أن لا تبحر فی بحار العشق العالیة[33]. ویشیر أندرسون أیضاً إلى علاقة القصیدة بألکایوس ، فلا ینکر أن ألکایوس فی إحدى شذراته یتحدث عن السفینة-الدولة ، حیث یشیر إلى ربان السفینة أو قائد الدفة، وفی الوقت نفسه لا یشخص السفینة فی هیئة امرأة. لکنه فی شذرة (73) - التی سبق أن رأى فیها بیدج وصفاً مجازیاً لمعشوقة، یصور المرأة على أنها سفینة، وبالتالی یبدو أنه یقول فی هذه الشذرة أن هذه الفتاة سفینة ثقیلة تعرضت لجو عاصف وسوف یلتطم بالأمواج من یهتم بأن لها أی رغبة فیه، وأن بوسعه نسیانها والاستمتاع بصحبة محبوبه بیخیس[34]. ولا یتفق زاموالت (Zumwalt ) مع أندرسون فی استبعاد احتمال أن تکون السفینة فی قصیدة هوراتیوس کنایة عن سفینة الشعر، بحجة أن المتحدث (الشاعر) لیس على متن سفینته. ذلک أنه یرى أن "هوراتیوس یحذر سفینة شعر الغرام ، مصوراً إیاها فی شخص امرأة تائهة عنیدة. إنها مثل السفینة التی شرعت فی الإبحار فی بحر الشعر العظیم ولا تکف عن هذه الرحلة المتهورة، على الرغم مما یبدو لهوراتیوس من علامات واضحة على أنها ستتعرض لتحطم وشیک. وقد تبنى هوراتیوس دور الرجل العاقل الذی یحاور امرأة متهورة ". کما یعتقد زوموالت أنه " من الممکن أن تکون معالجة ألکایوس لمجاز السفینة-العاهرة (إذا ما کان تفسیر بیج لشذرة 73 لألکایوس صحیحاً) وتأکیده على الصفات الجسدیة قد أوحى إلى هوراتیوس بخلق الشخصیة الملیئة بالحیاة، التی لفت الانتباه إلیها کل من فراینکل وأندرسون. وعلى أیة حال استطاع هوراتیوس أن یربط الکنایة الغرامیة والشعریة بالکنایة البحریة. وکانت إحدى تجدیداته الهامة هو أن صور نفسه بمعزل عن سفینة شعر الغرام ، مصوراً ملکته الشعریة وکأنها شاعر غرام "[35]. أما وودمان (Woodman) فقد حاول أن یقوض حجر الزاویة الذی یقوم علیه رأی فراینکل الذی یرى فی القصیدة مجازًا لسفینة الدولة[36]. کما حاول تقدیم المزید من الدلائل لدعم رأی أندرسون عن مجاز السفینة-العشیقة، وقدم تفسیره للقصیدة على هذا الأساس، وهو تفسیر مفاده " إنک تُحملین بعیداً ثانیةً. ماذا تفعلین على الأرض؟ فلتبقی حیث أنت، إنک لست فی الحالة التی تبحرین فیها إلى شأن آخر. فإن الآلهة لن تمد لک الآن ید العون، ولن ینقذک ما هو حولک، وزینتک لن تستطیع سوى أن تضع عشیقک الجدید فی حراستها. لقد کان صدری قد ضاق بک ، ولکنه أمر ینقضی الآن ، وأنا فی أشد الحاجة إلیک. آه حسناً، خذی حذرک وأنت تذهبین. " ویضیف "إن القصیدة تنتمی إلى صنف من القصائد یسمى "قصیدة وداع بنبرة غاضبة مع أمنیات برحلة سعیدة فی آخرها" (schetliastic propemptikon) ، حیث یحاول الشاعر أن یقنع المخاطب بالعدول عن الشروع فی رحلة على متن سفینة "[37]. ولا یکاد تفسیر کنور (Knorr)  لقصیدة هوراتیوس یختلف کثیراً عن تفسیر أندرسون ومن تبعه، حیث یرى أن السفینة فی القصیدة لا تقدم تشخیصاً لعاهرة منهکة, بل تقدم تشخیصاً "لرفیقة شابة تُخیَر بین عاشقین أحدهما شاب صغیر ملهوف والآخر معجب ناضج"[38]. وهو یحاول أن یصل إلى هذا التفسیر من خلال قراءة القصیدة فی سیاق بقیة القصائد فی الدیوان الأول من أغانی هوراتیوس. حیث تعد القصیدة جزءاً من سلسلة من القصائد (5، 13، 14، 15، 16، 17) ، التی تقدم جمیعها نماذج متنوعة من موضوع واحد ، هو مثلث الغرام، الذی تقده بشکل مجازی[39].              

وکما أن بعض الآراء لم ترى غضاضة فی المواءمة والجمع بین الأبعاد المجازیة السیاسیة والغرامیة أو حتى الوجودیة، فی صورة السفینة فی شذرات ألکایوس ألتی أوردناها، فإن  هناک من الآراء من حاول إحداث مثل تلک المواءمة وجمعها معاً فی صورة السفینة فی قصیدة هوراتیوس: فبعد أن یلقی کاروبا (Carrubba) الضوء على بناء القصیدة  یقر بأن البناء المقترح لهذه  القصیدة مناسبٌ لتفسیر کوینتیلیانوس الذی یراها سفینة الدولة ،أو لتفسیر تاریخی ما، أو للتفسیر الذی یرى فیها سفینة الغرام أو التفسیر الذی یرى فیها رحلة الحیاة أو الرحلة الشعریة.  وبینما یجد کاروبا نفسه مستریحاً للتفسیر الذی قدمه کوینتیلیانوس، فإن تعقیدات القصیدة وترکیبها الذی اکتشفه من خلال تحلیله لبنائها، لاسیما التحول من سفینة إلى امرأة، تصلح لأن تنبهنا إلى أن هناک أکثر من معنى یمکن أن نهتم به فی هذه القصیدة."[40]. وکان هذا الباحث قد أشار من قبل إلى أن هوراتیوس قد أضفى على السفینة الجانب النسوی بکلمة ابنة (filia) الواردة فی بیت 12 من القصیدة 1. 14 ، وأن أجزاء السفینة الموصوفة فی القصیدة یمکن مقارنتها بأجزاء جسد المرأة على اعتبار أنها کنایة عنها: فالوعاء المجرد من المجادیف (nudum remigio latus) یشیر إلى الأطراف السفلى العاریة المنهکة ، والصاری المنشطر وعارضته (malus saucius …..antemnae) کنایة عن الأجزاء والأطراف العلیا المنهکة، والعوارض بدون حبال (sine funibus carinae) کنایة عن الجذع الذی بلا حزام والأشرعة الممزقة أو المفقودة (non ... Integra linte) کنایة عن الملابس ، والالهة (di) کنایة عن الآلهة الحامیة ، والملاح (navita) کنایة عن الذکر أو الصاحب ، ومؤخرة السفینة المزرکشة (pictis puppibus) کنایة عن مستحضرات التجمیل[41]. فی حین یقر جوسلین  (Jocelyn) أنه "لا یستطیع أن یتبین على وجه الدقة ما الذی کان یدور بخلد هوراتیوس عندما نظم هذه القصیدة أو عندما نشرها. ویتردد فی أن یضیف شیئاً إلى الآراء الکثیرة التی حاولت تفسیر القصیدة. ویرى البعض أن هناک تفسیراً أفضل من الآخر، فإن والشعراء اللاتین خلال القرن الخامس مع ذلک لم یکونوا فی حل من استخدام اللغة اللاتینیة کما یحلوا لهم. وهناک ملاحظتان على الکلمات المستخدمة فی هذه القصیدة تفندان أی تفسیر مماثل لذلک الذی یتبناه وودمان (Woodman)[42].

وفی خضم هذه التفسیرات المختلفة لشذرت ألکایوس وفصیدة هوراتیوس هناک أربع نقاط ذات صلة بسیاق هذا البحث یجب وضعها فی الاعتبار: 1- هناک شبه إجماع بین الدارسین على أن هناک علاقة تأثیر وتأثر بین التجربة البحریة فی شذرات ألکایوس وقصیدة هوراتیوس. 2- هناک شبه إجماع بین الدارسین على الطابع الرمزی المجازی للتجربة البحریة فی شذرات ألکایوس وکذا فی هذه القصیدة. 3- أن أهمیة التعلیقین القدیمین لکل من هیراکلیدیس وکوینتیلیانوس ، اللذین یضفیان على هذه القصائد طابع المجاز السیاسی، تفوق أهمیة أراء المحدثین المتعارضة بعضها مع البعض الآخر على النحو الذی رأیناه. 4- أن هناک بعض الآراء (مثل أراء میرکلباخ وترامبف وکاروبا) التی تتجاوز التفسیر الضیق للقصیدة إلى تفسیر أوسع وأرحب، وهی أراء لا تستبعد أن یکون هناک نوع من المجاز المرکب فی هذه القصائد، وأن هذا المجاز المرکب أو المزدوج یشمل المجاز السیاسى (سفینة الدولة)، دون أن یستبعد فی  الوقت ذاته المجاز الغرامی (السفینة-المرأة) والمجاز الوجودی (سفینة الحیاة). ولیس هناک ما یمنع من وجود مثل هذا النوع من المجاز أو الرمز (ἀλληγορία)، لاسیما أن السفینة (h( nau=j =navis) کلمة مؤنثة یمکن مخاطبتها فی کل الأحوال على أنها أنثى.

وتظهر الرحلة البحریة فی العدید من قصائد هوراتیوس الأخرى، لاسیما قصائد "الوداع" (propemptikon)، وهی القصائد التی یودع فیها الشاعر شخصاً عزیزاً مسافراً فی رحلة بحریة طویلة[43]. ولکن القصیدة التی تضع عنصر الرحلة البحریة موضع الرمز  وتتصل بسیاق الحدیث فی هذا الجزء هی القصیدة العاشرة من الجزء الثانی من دیوان الأغانی لهوراتیوس.والتی تحمل عنوان "الوسط الذهبی". وتجری على النحو التالی:

سوف تُمضی حیاتک فی طریق أکثر اعتدالاً ،

یا لیکینیوس، إن أنت لم تهرع دوماً إلى

لجة البحر، وإن أنت لم تُفْرِط وأنت ترتجف - وقد استبد بک   

       الحذر من العواصف - فی التشبث بالشاطئ.  

5 إن کل من هو مولع بالوسط  الذهبی،

یُعرض عن قاذورات البیت  المتهدم بعد أن

یحتمی بمکان آمن، کما یُعرض بإباء وشمم عن

       البلاط الملکی الذی یثیر الحسد (والضغناء).

فغالباً ما تهتز شجرة الصنوبر الشامخة بعنف

10 من (شدة) الریاح وتسقطُ الأبراجُ العالیة

بفعل الانهیار الناتج عن شدة الوِقر وتضرب

       الصواعقُ قمم الجبال (الشاهقة).

إن العقل المهیأ جیداً یفتأ یأمل فی أوقات المحن

ویظل مترقباً (وجلاً)  فی الظروف المواتیة من

15 (أن تقلب الأقدار) وجهها الآخر. (فکما) یرسل جوبیتر  

       فصول الشتاء القاسیة ،فإنه هو ذاته (من)

یصرفها. وعلى أیة حال، فإن (کانت الأحوال) الآن سیئة،

فإنها لن تظل دوماً هکذا،فأحیاناً ینعش

أبولون ربة الفن الهاجعة بقیثارته، کما أنه

       20 لا یشد قوسه (على الدوام).

لتظهر جسوراً رابط الجأش فی الممرات

(المائیة) الضیقة؛ وسوف تکبح أنت بنفسک

على نحو أکثر حکمة شراع (سفینتک) المنتفخ

        بفعل الریاح الآتیة شدیدة الوطأة.

Rectius vives, Licini, neque altum

semper urgendo neque, dum procellas

cautus horrescis, nimium premendo

     litus iniquum.

5 Auream quisquis mediocritatem

 diligit, tutus caret obsolete

sordibus tecti, caret invidenda

     sobrius aula.

Saepius ventis agitatur ingens

10 pinus et celsae graviore casu

decidunt turres feriuntque summos

     fulgura montis.

Sperat infestis, metuit secundis

alteram sortem bene praeparatum

15 pectus. Informis hiemes reducit

     Iuppiter, idem

summovet. Non, si male nunc, et olim

sic erit: quondam cithara tacentem

suscitat Musam neque semper arcum

     20 tendit Apollo.

Rebus angustis animosus atque

fortis appare; sapienter idem

contrahes vento nimium secundo

     turgida vela.[44]

 

ومن الواضح فی هذه القصیدة أن الشاعر یستعیر صورة التجربة البحریة لیرمز بها إلى التجربة الوجودیة لحیاة الإنسان[45]. ویوجه الشاعر فیها الخطاب إلى صدیقه لیکینیوس ناصحاً إیاه – على حد تعبیر مندل (Mendell) -  أن یسلک طریق الوسط المعتدل[46]. ویلاحظ بلاکلوک Blaiklock النبرة التعلیمیة أو الإرشادیة فی هذه القصیدة مشیراً إلى أن"العاصفة التی تتجلى فی الفقرات الثلاث الأولى من القصیدة تتلاشى بشکل تعلیمی (didactically) فی الفقرتین الرابعة والخامسة: فالحیاة تحفها المخاطر، والقیادة الماهرة للسفینة هی التی توصلها إلى المیناء، وتمکن الملاح الماهر من أن یسیر بها بعیداً عن الشاطئ والمیاه العمیقة على حد سواء"[47]. وعلى الرغم من أن البحر یبدو دائماً عند هوراتیوس زاخراً بالمخاطر والأهوال[48]، فیبدو هنا أنه لا یحبذ المکوث والتشبث بالشاطئ؛ بل یحبذ الارتحال والابتعاد عن الشاطئ مع الحذر من التوغل فی المیاه عمیقة الغور. وفی الفقرة الثانیة من القصیدة یضع الشاعر التجربة الوجودیة الواقعیة للإنسان محل هذا المجاز البحری: فعلى من یرید الاعتدال ویقدر الوسط الذهبی أن یبتعد عن البیت المتهدم (الذی یقابل التشبث بالشاطئ)، على أن یتحلى بالرزانة التی لا تجعله یندفع إلى مخاطر القصر الملکی الذی یعج بالحقد والضغینة (وهو ما یقابل عدم الاندفاع إلى أعالی البحار). ثم إنه یضع فی الفقرة الرابعة مفردات تجربة الحیاة مرة أخرى مکان مفردات التجربة البحریة التی استهل بها قصیدته. فالمتعقل عنده هو من یحتفظ بالأمل فی وقت الشدائد (فی مقابلة أخرى مع عدم التشبث بالشاطئ)، ولا یفرط فی هذا الأمل عندما تفتح الحیاة له ذراعیها (فی مقابلة أخرى مع عدم الاندفاع نحو أعالی البحار). وفی الفقرة الأخیرة یستبدل مرة ثانیة المجاز البحری بواقع الحیاة الإنسانیة کما فعل فی مستهل القصیدة، فینصح لیکینیوس بالجسارة ورباطة الجأش (التی تصاحب عدم التشبث بالشاطئ) فی الممرات الضیقة، لکنه ینصحه فی الوقت نفسه بکبح جماح شراع سفینته بحکمة وتعقل (وهو ما یؤدی إلى عدم الاندفاع إلى أعالی البحار). ویلمح الشاعر إلى وجه من أوجه الارتباط بین التجربة البحریة والتجربة السیاسیة، وذلک عندما یُحل فی الفقرة الثانیة من القصیدة مفردات التجربة السیاسیة محل مفردات التجربة البحریة التی استهل بها قصیدته. فلقد جعل الابتعاد عن البیت المتهدم نقطة موازیة للتشبث بالشاطئ، فی حین جعل الاندفاع نحو مخاطر القصر الملکی الذی یعج بالحقد والضغینة نقطةً موازیةً للاندفاع نحو المیاه العمیقة وأعالی البحار. إلا أن ذلک قد ورد عنده فی شکل لمحة عامة لا تمثل صورة کاملة لمفردات الرحلة البحریة.

ومن الجدیر بالذکر أن نلاحظ هنا بعض أوجه الاختلاف بین التجربة البحریة وأبعادها فی هذه القصیدة وبین نظیرتها فی شذرات ألکایوس وکذا قصیدة هوراتیوس السابقة (سفینة الدولة). ویکمن الاختلاف الأول یکمن فی طبیعة استخدام الرمز وعلاقته بالمجاز: فالرمز فی شذرات الکایوس وقصیدة هوراتیوس السابقة یأتی منطویاً على المجاز، حیث تعتبر مفردات التجربة البحریة (السفینة- المرفأ- المیناء) کنایة عن مفردات التجربة الرمزیة، سواءً کانت وجودیة أو عاطفیة أو سیاسیة. أما فی هذه القصیدة فإن استخدام الرمز یأتی مستقلاً إلى حد ما، فلیس ثمة تصریح بمفردات التجربة البحریة التی تستخدم بوصفها کنایات لمفردات التجارب المجازیة على النحو الذی أوضحناه. وکأن هوراتیوس فی هذه القصیدة قد أخرج التجربة البحریة من حیز الرمز المرتبط بالمجاز إلى حیز الرمز فقط. أما الاختلاف الثانی فیتمثل فی طبیعة الخطاب الذی یستخدمه الشاعر: فالخطاب فی شذرات ألکایوس وفی قصیدة هوراتیوس السابقة أشبه ما یکون بالمونولوج الوصفی الذی یصف حالة التجربة البحریة، أو حالة السفینة على وجه الخصوص بصفتها الواقعیة أو بوصفها کنایة. أما فی هذه القصیدة فإن الخطاب أشبه بخطاب إرشادی أو تعلیمی یوجهه الشاعر إلى شخص بعینه ، وهو صدیقه.وإذا کنا فی الحالة الأولى أمام مونولوجات وصفیة من المحتمل أن تدور فیها التجربة البحریة فی الإطارین المجازی العاطفی والسیاسی على وجه الخصوص، فإننا فی الحالة الثانیة أمام نموذج لمونولوج إرشادی یعبر بوضوح عن تجربة بحریة مجازیة ترمز لحالة الوجود الإنسانی وتعبر عن تجربة الحیاة نفسها.ویکمن الاختلاف الثالث فی هدف الرحلة البحریة:  ففی الحالة الأولى نجد أنفسنا أمام تجربة بحریة مفارقة للنموذج الهومری من حیث کونها  لا تهدف للعودة إلى الوطن، ومع ذلک فإن التجربة البحریة مازالت تتمسک بالمقصد (المرفأ أو بر الأمان) بوصفه هدفاً نهائیاً للرحلة. أما فی قصیدة هوراتیوس هذه فإننا لا نکاد نحس بالهدف المکانی على الإطلاق، فمسیرة الصدیق لیکینیوس وخط سیره فی الحیاة قد تحولا إلى رحلة بحریة من الواجب على الإنسان أن یتحلى فیها بالاعتدال، فلا یفرط فی الخوف الذی یجعله یتشبث بالشاطئ ، ولا یفرط فی الشجاعة التی تدفعه الى الإبحار فی المیاه العمیقة. فإذا کنا فی کلتا الحالتین أمام نموذج لمونولوج (وصفی أو إرشادی) للرحلة البحریة مفارق للنموذج الملحمی،  فإن هذا الفارق یزداد فی النموذج الذی تقدمه قصیدة هوراتیوس الأخیرة، على الرغم مما تقدمه التجربة البحریة فی قصائد أخرى لهوراتیوس من أوجه شبه مع النموذج الهومری[49]. إننا نحس فی قصیدة هوراتیوس هذه أن غایة الرحلة لم یعد الوصول إلى مکان ما، وإنما باتت الغایة تتمثل فی الإبحار الآمن وسلوک المسار المعتدل طوال الرحلة, وهو ما یعدُ کنایة بحریة عن اعتدال الإنسان فی حیاته دون تفریط أو إفراط.

 

ثالثاً: التجربة البحریة وأبعادها عند کڤافیس

کتب کڤافیس عدداً من القصائد التی یظهر فیها بعض عناصر التجربة البحریة[50]. لکن التجربة البحریة الکاملة تظهر فی قصیدة "إیثاکی" (Ἰθάκη) التی تعد من أروع قصائده وأکثرها أهمیة لدى النقاد والمعلقین[51].ویوجه الشاعر الخطاب إلى بطله، حیث یوصیه ویرشده إلى ما یفعله منذ خروجه للسفر إلى إیثاکی حتى وصوله إلیها. فتجری القصیدة على النحو التالی:

 

عندما تخرج للذهاب إلى إیثاکی

فلتتمن أن یکون الطریقُ طویلاً،

ملیئاً بالمغامرات ، ملیئاً بالمعارف.

 

لا تخش آکلی لحوم البشر

ولا الکیکلوبیس ذوی العین الواحدة ولا بوسیدون الغاضب،

فمثل هذه المخلوقات لن تجدها أبداً فی طریقک،

إذا ما کان فکرک سامقاً ، والشعور

النبیل  یلامس روحک وجسدک.

 

لن تقابل آکلی لحوم البشر

ولا الکیکلوبیس ذوی العین الواحدة ولا بوسیدون الشرس ،

ما لم تکن تحملهم فی أعماق روحک،

ما لم تجعلهم روحُک یتمثلون أمامک

 

لتتمن أن یکون الطریق (إلیها) طویلاً.

ولتکن أصباح الصیف کثیرة،

حینما تدخل موانئ تراها لأول مرة،

بسعادة یا لها من سعادة ، وبفرح یا لها من فرح،

 

لتتوقف عند أسواق فینیقیة،

ولتحصل على بضائع جیدة،

أصدافاً ومرجاناً ، کهرماناً وأبنوساً،

وعطوراً من کل نوع تبعث اللذة،

خذ (منها) بقدر ما تستطیع عطوراً وافرة تبعث اللذة ،

 

لتذهب إلى مدن مصریة کثیرة،

لتعرف ولتتعلم على ید العارفین.

لتکن إیثاکی دوماً فی خاطرک.

ولیکن الوصول إلیها هو مرادُک.

 

ولکن لا تتعجل فی سفرک على الإطلاق.

فمن الأفضل أن تدوم سفرتک سنین عددا

وأن ترسو سفینتَک على میناء الجزیرة وأنت شیخ،

غنیٌ بما ربحته فی طریقک،

غیر آملٍ فی ثروة تهبک إیاها إیثاکی.

 

فلقد وهبتک إیثاکی الرحلة الجمیلة،

فلولاها ما خرجت إلى الطریق.

لکنها لا تملک ما تهبک بعد الآن.

 

ولئن وجدتها فقیرة، فما خدعتک إیثاکی.

وحیث أنک صرت حکیماً، على هذا القدر من الدرایة،

فسوف تدرک حینئذ ماذا تعنی إیثاکی و(کل) إیثاکی.

Σὰ βγεῖς στὸν πηγαιμὸ γιὰ τὴν Ἰθάκη,
νὰ εὔχεσαι νἆναι μακρὺς ὁ δρόμος,
γεμάτος περιπέτειες, γεμάτος γνώσεις.

 

Τοὺς Λαιστρυγόνας καὶ τοὺς Κύκλωπας,
τὸν θυμωμένο Ποσειδῶνα μὴ φοβᾶσαι,
τέτοια στὸν δρόμο σου ποτέ σου δὲν θὰ βρεῖς,
ἂν μέν᾿ ἡ σκέψις σου ὑψηλή, ἂν ἐκλεκτὴ
συγκίνησις τὸ πνεῦμα καὶ τὸ σῶμα σου ἀγγίζει.

 

Τοὺς Λαιστρυγόνας καὶ τοὺς Κύκλωπας,
τὸν ἄγριο Ποσειδώνα δὲν θὰ συναντήσεις,
ἂν δὲν τοὺς κουβανεῖς μὲς στὴν ψυχή σου,
ἂν ἡ ψυχή σου δὲν τοὺς στήνει ἐμπρός σου.

 

Νὰ εὔχεσαι νά ῾ναι μακρὺς ὁ δρόμος.
Πολλὰ τὰ καλοκαιρινὰ πρωϊὰ νὰ εἶναι
ποὺ μὲ τί εὐχαρίστηση, μὲ τί χαρὰ
θὰ μπαίνεις σὲ λιμένας πρωτοειδωμένους·

 

νὰ σταματήσεις σ᾿ ἐμπορεῖα Φοινικικά,
καὶ τὲς καλὲς πραγμάτειες ν᾿ ἀποκτήσεις,
σεντέφια καὶ κοράλλια, κεχριμπάρια κ᾿ ἔβενους,
καὶ ἡδονικὰ μυρωδικὰ κάθε λογῆς,
ὅσο μπορεῖς πιὸ ἄφθονα ἡδονικὰ μυρωδικά.

 

Σὲ πόλεις Αἰγυπτιακὲς πολλὲς νὰ πᾷς,

νὰ μάθεις καὶ νὰ μάθεις ἀπ᾿ τοὺς σπουδασμένους.

Πάντα στὸ νοῦ σου νἄχῃς τὴν Ἰθάκη.

Τὸ φθάσιμον ἐκεῖ εἶν᾿ ὁ προορισμός σου.

 

Ἀλλὰ μὴ βιάζῃς τὸ ταξείδι διόλου

Καλλίτερα χρόνια πολλὰ νὰ διαρκέσει

Καὶ γέρος πιὰ ν᾿ ἀράξῃς στὸ νησί,

πλούσιος μὲ ὅσα κέρδισες στὸν δρόμο,

 μὴ προσδοκώντας πλούτη νὰ σὲ δώσῃ ἡ Ἰθάκη.

 

Ἡ Ἰθάκη σ᾿ ἔδωσε τ᾿ ὡραῖο ταξίδι.

Χωρὶς αὐτὴν δὲν θἄβγαινες στὸν δρόμο.

 Ἄλλα δὲν ἔχει νὰ σὲ δώσει πιά.

 

Κι ἂν πτωχικὴ τὴν βρῇς, ἡ Ἰθάκη δὲν σὲ γέλασε.
Ἔτσι σοφὸς ποὺ ἔγινες, μὲ τόση πείρα,

ἤδη θὰ τὸ κατάλαβες ᾑ Ἰθάκες τί σημαίνουν.[52]

 

والرحلة إلى إیثاکی فی هذه القصیدة کنایة عن رحلة الإنسان فی الحیاة[53]. لقد استعار الشاعر صورة الرحلة لیرمز بها للتجربة الوجودیة أو لرحلة الإنسان عبر الزمن، دون أن یصرح بمفردات الرحلة البحریة مثل البحر والسفینة. فکونها رحلة بحریة یُفهم بشکل ضمنی من القصیدة، وذلک نظراً للتوقف فی الموانئ الذی یشار إلیه فی ثنایا القصیدة ، ونظراً لاتکاء القصیدة برمتها على رحلة أودیسیوس الملحمیة؛ فهی ترتکز على الأسطورة الهومریة لملحمة الأودیسیة فی عودة أودیسیوس إلى إیثاکی فی رحلة بحریة استمرت زهاء سنوات عشر. وقد أدخل کڤافیس على رحلة أودیسیوس الهومریة عنصراً جدیداً، یتمثل فی الوصول إلى مدن مصریة وفینیقیة. ومع ذلک فهذا الإدخال – کما یلاحظ کامبیری (Kamperi) – لم یأت قسراً نظراً لورود تلمیحات فی الأودیسیة إلى تلک الأماکن[54].  وهکذا، فالرحلة فی هذه القصیدة رحلة بحریة تدور فی مدار الرمز وتحمل فی ثنایاها عناصر الحکایة الرمزیة (allegory). ویؤکد کیلی (Keeley) هذا الطابع الرمزی للقصیدة مشیراً إلى أن استخدام الشاعر لصیغة الجمع لاسم إیثاکی " Ἰθάκες" فی البیت الأخیر من القصیدة یؤکد السمة الرمزیة التعمیمیة للصورة التی خطط لها فی القصیدة: فهی لیست فقط جزیرة-مدینة ، وطن أودیسیوس، وإنما کل الأماکن التی لها القدرة على إثارة خیال المسافر وتمثیل مصیره. إنها تمثل الحالة الواضحة لمثل هذا التعمیم الرمزی الذی یقدمه صوت الشاعر من خلال قصیدته[55].

ولقد أکدت آراء النقاد والمحللین لهذه القصیدة من حیث کونها رحلة ترمز إلى حیاة الإنسان على ثلاثة جوانب؛ أحدها یعکس نوعاً من التشاؤم، والثانی یعکس نوعاً من التفاؤل ، والأخیر یعکس کلا البعدین المأساوی والسعید لحیاة الإنسان. ففی إطار التفسیر المتشائم للقصیدة، یرى اکسینوبولوس (Ξενόπουλος)  أنها تعبر عن أن کل إنسان یضع فی اعتباره هدفاً ما یصارع کی یصل إلیه. وخیل إلیه أنه عندما یبلغه سوف یکون سعیداً، ولکن لا یبقى له سوى هذه المصارعة والمکافحة. ویربط الشاعر هذا الکفاح برحلة أودیسیوس ووعثاء سفره، فکانت إیثاکی هی الهدف. لکن إیثاکی جزیرة فقیرة، لا تنافس مدن العالم الغنیة. إن إثاکی مجرد دافع ولیست هدفاً فی حد ذاتها، وهذه هی التعاسة؛ أن یکافح المرء ربما طیلة حیاته للوصول إلى شیء وعندما یصل إلیه یدرک أنه بلا جدوى ولا فائدة[56]. کما یربط لیدل (Liddell)  بین نزعة التشاؤم عند کڤافیس وبعض الأماکن التی تتردد عنده، ومنها طروادة وثیرموبیلی اللتین وُعِدتا بالسقوط. وکذلک الإسکندریة،لولا أن کلیوباترا قد أشاعت حیناً من الوقت أن أنطونیوس قد انتصر فی الیونان. أما إیثاکی مبتغى أودیسیوس فکل ما یمکن أن تهبه إیاه رحلة جمیلة إلى هناک[57]. وبالنسبة للجانب المتفائل من القصیدة،  یرى بارنیستون (Barnstone) أن القصیدة تعد متفائلة على نحو غیر معتاد بالنسبة لکڤافیس. فأودیسیوس على وشک أن تنتهی حیاته. لقد استمتع بالرحلة من ناحیة والمعارف  والذاکرة التی جاءت عبر هذه الرحلة من ناحیة أخرى[58]. أما بالنسبة للتفسیر الذی یعکس البعدین السعید والمأساوی فی آن واحد، فإن بِیان (Bien) یرى أن کڤافیس یخبرنا فی المقاطع الأخیرة أن الرحلة، ولیست الغایة منها هی المکافأة التی تنتظرنا، وأن وتقبل الرحلة على هذا النحو بعیداُ عن الغایة التی یمکن الوصول إلیها یبرهن على تحرر کڤافیس واتصافه بالحیویة. لکن مع الأخذ فی الاعتبار أنه مع کل هذه الحیویة والإیجابیة، فإن کل ما هو متوقع لا یزال مأساویاً. فعلى الرغم من أنه إیجابیٌ فی روحه ، فإنه فی الوقت ذاته متشائم. إنه یرفض کل ما یمکن أن یعزی به الإنسان نفسه فی هذه الرحلة - بوصفه نوعاً من الوهم- مثل الخلود والنظام واللیاقة والخیر المطلق والأخلاق والعدالة[59]. کما یشیر میلاکوبیذیس Melakopides إلى وجود نزعة إبیقوریة فی إشارته إلى مصدر عدم السعادة فی المقطوعتین الثانیة والثالثة من القصیدة، فإبیقور یلاحظ أن عدم الشعور بالسعادة یتأتی من الخوف  أو من الرغبة مطلقة العنان. فإذا استطاع المرء أن یکبح جماحهما فسوف یفوز لنفسه بنعیم الفهم. وفی هذا الصدد نستطیع أن نستدعی الأبیات 4-12 من قصیدة "إیثاکی" التی تهدئ مخاوف الإنسان من خلال تحدید مصدرها الحقیقی (داخل  روح الإنسان) ووسائل التغلب علیها[60].   

وعلى الرغم من أن کڤافیس فی قصیدته "إیثاکی" اتخذ من الحکایة الهومریة للرحلة البحریة إطاراً لقصیدته کما أشرنا من قبل، فإن هذا الاتکاء على الملحمة جاء متضمناً لعنصری المعارضة والسخریة (التی تؤدی إلى المفارقة فی الوقت ذاته). ویعکس تحلیل جالَنز  Galens للقصیدة هذا المعنى،إذ یشیر إلى أن هدف الوصول فی الأودیسیا یطغى على فکر أودیسیوس. فحتى على الرغم مما تسدیه کالیبسو (Καλυψώ) لأودیسیوس من متع تصل إلى محاولة أن تهب له الخلود ، فإن ذلک لا یثنیه عن الانشغال بوطنه وإکمال رحلته حتى یصل إلى وطنه لینعم بالسلام والأمان والحب. وفی قصیدة إیثاکی یبدو العکس فالرحلة ذات قیمة والمکان المقصود یتم  استبعاده بوصفه غیر هام.  یبدو کڤافیس وکأنه یعارض هومیروس معارضة ملیئة بالسخریة (irony) فی  البیت الأول من قصیدته : "إذا خرجت للذهاب إلى إیثاکی فالتتمنى أن یکون الطریق طویلاً". وذلک بعکس أودیسیوس فی الأودیسیة الذی یتمنى أن تنتهی الرحلة بسرعة کی یعود إلى وطنه وأهله وذویه. فأمل أودیسیوس فی الأودیسیة - وهو الوصول إلى إیثاکی، حیث زوجته وأسرته- یطغى على استمتاعه بالرحلة التی یمکث فیها وقتاً طویلاً عند کالیبسو لا یشعر فیها بالطمأنینة، على الرغم مما تقدم له من ملذات حسیة عظیمة. أما کڤافیس فیحض بطله على الاستمتاع بالرحلة وما بها من عطور وأن یرى ویتعلم من الأماکن التی یزورها لأن الوصول إلى إثاکی لن یعطیه أکثر  من ذلک[61].

وعادة ما یُنظر إلى معارضة کڤافیس فی هذه القصید لهومیروس على أنها تأتی فی سیاق ما بعد الکلاسیة أو الکلاسیة متأخر، أی ما بعد انتهاء القرن الخامس بالنسبة للأدب الیونانی وانتهاء الفترة الأوغسطیة بالنسبة للأدب اللاتینی. فجذور أشعار کڤافیس غالباً ما یتم تقصیها ونسبتها إلى الفترة المتأخرة من التراث القدیم، لاسیما التراث الأدبی الیونانی[62]. وبالنسبة لقصیدة "إیثاکی" فالبدایة التی أشیر إلیها هی بضع أبیات وردت من قصیدة لاتینیة، تنسب إلى الشاعر بترونیوس (Petronius) تحت عنوان "حث موجه إلى أودیسیوس" (Exhortatio ad Ulyssem)، حیث یحث الشاعر بطله (أودیسیوس) على أن یسافر (فی رحلة بحریة) بعیداً عن دیاره، لأن ذلک هو ما سوف یهبه المجد وخبرة الحیاة. وتجری القصیدة على النحو التالی:

 

ودع دیارک وابحث عن شواطئ غیرِها

أیها الشاب، (فلا یزال) القسط الأکبر من أمور (حیاتک) یتشکل أمامک.

فلا تستکن للنوائب:ولسوف یعرفک (نهر) الدانوب الأقصى،

وکذا  ریاحُ الشمال شدیدة البرودة  ومملکة کانوبوس الآمنة (فی شمال مصر)،

وکل من یشاهدون فویبوس (إله  الشمس) وهو یشرق من جدید (أو) وهو یغیب.

فذاک الذی یهبط فوق رمال (بلاد) نائیة یصبح أعظم (الناس).

Linque tuas sedes alienaque litora quaere,
O iuvenis: maior rerum tibi nascitur ordo.

Ne succumbe malis: te noverit ultimus Hister,

te Boreas gelidus securaque regna Canopi,

quique renascentem Phoebum cernuntque cadentem:

maior in externas fit qui descendit harenas.[63]

 

وأول من عبر عن هذه العلاقة بین "إثاکی" و "حث مرسل إلى أودیسیوس" هو تیموس مالانوس (Τίμος Μαλάνος) فی کتابه الذی کرسه لدراسة سیرة کڤافیس وأعماله ، حیث یقول " یعید کڤافیس فی قصیدة إیثاکی صیاغة، ناظماً فی أبیات جدیدة، واحدة من قصائد بترونیوس التی کُتبت بأسلوب الحض والحث، وهی قصیدة "حث موجه إلى أودیسیوس". إن کڤافیس فی قصیدته لم یبتعد لا عن فکرة ولا عن نبرة بترونیوس. لکنه بإعادة تخلیقه هذه المادة التی استعارها سعى لبسطها بشکل أکثر وصفیة ومن خلال ابتداع تفاصیل من شأنها أن تُثری، بعد مزجها فی الوقت نفسه بالحالة النفسیة والمزاجیة، المغزى التعلیمی الذی ینتج عن أبیات القصیدة القدیمة"[64].  وترى کامبیری (Kamperi) أنه إذا صح وکانت قصبدة بترونیوس من مصادر قصیدة إیثاکی ، فإن الشاعر اللاتینی قد أعطى لکڤافیس فقط فکرة قصیدته[65]. کما یرى لیدل (Liddell) أنها حتى وإن کانت تدین بإلهامها لقصیدة بترونیوس فإنها تظل بارعة فی تصویرها المجازی ورمزیتها[66]. ویبدو أن مالانوس کان موعوداً بما اصدم به هیراکلیتوس (رائد التفسیر الرمزی لشذرات ألکایوس) وکوینتیلیانوس (رائد التفسیر الرمزی السیاسی بقصیدة هوراتیوس 1. 14) من حیث إثارة بعض المحدثین غبار الشک على رأیه فی مصدریة القصیدة وتفسیرها: فیرى فاتوروس (Fatouros) أنه لیس من المعروف ما إذا کانت وجهة نظر مالانوس هذه تعود إلى کڤافیس نفسه. وإذا کان الأمر کذلک (رغم عدم إشارة مالانوس إلى ذلک) فإنه یبدو أن الشاعر أراد أن یضلل صدیقه. فقصیدة بترونیوس التی لا تتعدى ستة أبیات تظهر بالکاد علاقة مع قصیدة کڤافیس باستثناء اسم إیثاکی والخطاب فی ضمیر المتکلم. وإذا ما أخذنا فی الاعتبار أن  أودیسیوس یظهر فی عالم الأدب بوصفه رمزاً مئات المرات، فإن قصیدة بترونیوس الصغیرة لها بالکاد الحظ أن تکون نموذج لقصیدة إیثاکی. فرأی مالانوس الذی یعتقد فیه أن کڤافیس فی قصیدة إیثاکی لم یبتعد عن بترونیوس هو رأی اعتباطی لیس صحیحاً[67].

وبغض النظر عن التحفظات التی تبدیها مثل هذه الأراء على رأی مالانوس، فإن هذا الرأی یعد دلالة واضحة على أن الشعر اللاتینی یقع فی دائرة التأثیر فی شعر کڤافیس بوصفه على الأقل أحد المصادر التی اعتمد علیها الشاعر الیونانی الحدیث فی کتابة قصائده، الأمر الذی یعد ذا أهمیة فی سیاق هذا البحث. ومن الناحیة الموضوعیة یمکننا أن نجد تشابهاً بین القصیدتین؛ فالمعارضة لهومیروس فی القصیدتین موجودة وتقوم على أن الترحال أو إطالة الرحلة یکون على حساب البقاء فی الوطن أو العودة إلیه. إلا أن الاختلاف الأکبر بین قصیدة کڤافیس وبین قصیدة بترونیوس المقتضبة هو أن قصیدة بترونیوس لا تشید بالرحلة البحریة فی إطار إدراک الغایات (وذاک هو بیت القصید فی قصیدة کڤافیس) ولکنها تشید بمکابدة المعاناة والترحال إلى أماکن نائیة وبعیدة باعتبار ذلک ملمحاً من ملامح البطولة.

وهناک من الآراء ما یزعم أن بعض معارضات ما بعد الکلاسیة لهومیروس قدا مارست تأثیراً فی کڤافیس فی کتابته لقصیدة "إیثاکی". ویعد ما ورد عن أودیسیوس فی الکومیدیا الإلهیة لدانتی محطة فی طریق هذه المعارضات. إذ أن دانتی یشیر فی (الأغنیة 26 من الجزء الأول من الجحیم) إلى أنه قابل بصحبة معلمه ودلیله فیرجیلیوس أودیسیوس فی الجحیم، فروى لهما کیف أنه  بعد أن نال مراده بالوصول إلى إیثاکی قد أصابه الملل واشتاق إلى المغامرة، فجمع رفاقاً من جدید ,وأبحر وخاض مغامرات وشاهد عجائب أخرى إلى  أن غرقت به السفینة وهلک[68]. ثم تأتی قصیدة "أودیسیوس" (Ulysses) للشاعر الإنجلیزی ألفرید لورد تینیسون ( Lord Tennyson) فی هذا الإطار ذاته الذی رسمه دانتی؛ أی بوصفها خطوة أخرى فی طریق المعارضة للنص الهومری المرکزی. ففی هذه القصیدة التی تأتی فی شکل مونولوج درامی یعلن أودیسیوس بعد عودته من مغامرات طروادة أنه لا یستطیع أن یتوقف عن السفر والترحال، حیث إن هذه الرحلات التی قام بها هی التی شکلت هویته، لقد أصبح هو نفسه جزءاً من کل هذا الذی واجهه خلال تلک الأسفار. لذا فهو یعلن أنه قد سئم البقاء فی مکان واحد وأنه قد تعلم أن یعیش الحیاة التی تأتی دائماً بجدید وتجارب جدیدة. ثم ینهی إلى بحارته  أنه على الرغم من أنهم أصبحوا مسنین ، فإن بإمکانهم أن یقوموا بعمل شریف نبیل، فلم یفت الأوان على أن ینشدوا عالماً جدیداً؛ إن علیه أن یبحر إلى مغرب الشمس حتى موته، فعلى الرغم من أنهم لم یعودوا أقویاء کما کانوا من قبل، فإن إرادتهم لا تزال قویة، کی یکافحوا ویستکشفوا ویجدو ، ولا یخضعوا أو یستکینوا[69]. ویشیر جالنز (Galens) إلى إمکانیة أن یکون کڤافیس فی قصیدته "إیثاکی" قد تأثر بکل من دانتی وتینیسون فی هذین العملین. ویرى أن تینیسون یعبر عن الفکرة ذاتها تقریباً (ألرحلة إلى إیثاکی خیرٌ من الوصول إلیها). بید أن دافع أودیسیوس للمغامرة والترحال عند تینیسوس کان حب المعرفة، وأما عند کڤافیس فهو التجربة الحسیة، على الرغم من أننا لا نعدم الحض على المعرفة فی إیثاکی، المتمثل فی حض البطل أو المسافر على أن یذهب إلى مدن مصریة کثیرة کی یتعلم ممن درسوا[70].

لکن مثل هذه الآراء بشأن تأثیر معارضات دانتی وتینیسون فی قصیدة "إیثاکی" ینبغی أن یؤخذ بمزید من التروی فی إطار النظر إلى قصیدة أخرى من قصائد کڤافیس، وهی قصیدة ذات صلة بقصیدة "إیثاکی:  فالـتاثیر الأکبر لمعارضة هذین الشاعرین (دانتی وتینیسون) فی کڤافیس تم فی قصیدة أخرى من قصائده. فلقد عبر کڤافیس نفسه عن هذا المعنى الذی عبر عنه کل من دانتی وتینیسون  فی واحدة من قصائده المخفیة أو غیر المنشورة (التی کتبها بین عامی 1877- 1923)، وهی بعنوان "أودیسیة ثانیة"، وربما کانت تمهیداً لقصیدة إثاکی. ومن الواضح أن کڤافیس اعتمد على قصیدتی هذین الشاعرین فی نظم قصیدته (الأودیسیا الثانیة)، فلقد صَدَرَ عنوان قصیدته هذه بإسمی وعملی هذین الشاعرین حیث جاء فی عنوانها (دانتی ، الجحیم ، الأغنیة 16 وتینیسون "أودیسیوس") (Dante, Ιnferno, Canto ΧΧVΙ    Τennyson, «Ulysses»). فأودیسیوس - طبقاً لهذه القصیدة- بعد أن طال به المقام فی وطنه لدى عودته من طروادة ، سئم حیاة الدعة والراحة واشتاق للمغامرة، فرکب سفینته وبدأت شواطئ أیثاکی تختفی أمام عینیه فبدأ یشعر أنه قد تخلص من القیود البغیضة. وتجری القصیدة على النحو التالی:

 

Οδύσσεια Δευτέρα και μεγάλη,
της πρώτης μείζων ίσως. Aλλά φευ
άνευ Ομήρου, άνευ εξαμέτρων.

 

Ήτο μικρόν το πατρικόν του δώμα,
ήτο μικρόν το πατρικόν του άστυ,
και όλη του η Ιθάκη ήτο μικρά.

 

Του Τηλεμάχου η στοργή, η πίστις
της Πηνελόπης, του πατρός το γήρας,
οι παλαιοί του φίλοι, του λαού
του αφοσιωμένου η αγάπη,
η ευτυχής ανάπαυσις του οίκου
εισήλθον ως ακτίνες της χαράς
εις την καρδίαν του θαλασσοπόρου.

 

Και ως ακτίνες έδυσαν.

 

Η δίψα
εξύπνησεν εντός του της θαλάσσης.
Εμίσει τον αέρα της ξηράς.
Τον ύπνον του ετάραττον την νύκτα
της Εσπερίας τα φαντάσματα.
Η νοσταλγία τον κατέλαβε
των ταξιδίων, και των πρωινών
αφίξεων εις τους λιμένας όπου,
με τί χαράν, πρώτην φοράν εμβαίνεις.

 

Του Τηλεμάχου την στοργήν, την πίστιν
της Πηνελόπης, του πατρός το γήρας,
τους παλαιούς του φίλους, του λαού
του αφοσιωμένου την αγάπην,
και την ειρήνην και ανάπαυσιν
του οίκου εβαρύνθη.
                        Κ’ έφυγεν.

 

Ότε δε της Ιθάκης αι ακταί
ελιποθύμουν βαθμηδόν εμπρός του
κι έπλεε προς δυσμάς πλησίστιος,
προς  Ίβηρας, προς Ηρακλείους στήλας,—
μακράν παντός Aχαϊκού πελάγους,—
ησθάνθη ότι έζη πάλιν, ότι
απέβαλλε τα επαχθή δεσμά
γνωστών πραγμάτων και οικιακών.
Και η τυχοδιώκτις του καρδιά
ηυφραίνετο ψυχρώς, κενή αγάπης.[71]

أودیسیا ثانیة وکبیرة،

ربما تکون أکبر من الأولى. لکنها للأسف

بلا هومیروس ، وبلا بحر سداسی.

 

بات بیت أبیه صغیراً،

باتت مدینة أبائه صغیرة،

وباتت إثاکی بأسرها صغیرة علیه.

 

خدبُ تیلیماخوس (وحنوهُ) ، وفاءُ

بینیلوبی، شیخوخةُ أبیه،

أصدقاءهُ القدامى، حبُ

شعبه المتفانی ،

سعادةُ الراحة  فی المنزل

نفذت ( کلها) کأنها أشعة (محملة) بالفرحة 

إلى قلب من خاض البحار

 

وکأشعة من ضوء غربت.

 

فالظمأ

إلى البحر استیقظ فی أعماقه.

فقد کان یکره هواء الیابسة.

أقضت مضجعه باللیل

أطیافُ الغرب.

تملکه شوقُ العودة

للأسفار، والوصولُ

کل صباح  إلى الموانئ التی

تدلفُ إلیها لأول مرة، بفرحة، یالها من فرحة.

 

لقد سئم حدب تیلیماخوس،

ووفاء بینیلوبی، وشیخوخة

أبیه، وأصدقاءه القدامى،

وحب  شعبه

المتفانی، وسلام

وراحة  (المکوث) بالمنزل.

               فارتحل.

 

عندما أخذت شواطئ

إیثاکی تتلاشى (شیئاً فشیئاً) أمام عینیه

وأخذ یبحر فارداً شراع سفینته صوب الغرب،

صوب  (جزیرة) أیبیریا وأساطین هرقل-

بعیداً على أیة حال عن بحر الآخیین-

استشعر أنه بدأ یعیش تارة أخرى،

أنه  بدأ یتخلص من القیود المرهقة

بأمور معتادة وواجبات منزلیه.

فأخذ قلبه التواق (إلى المغامرة)

یبتهج بفتور، خالیاً من الحب.

 

وعلى الرغم من أن هذه القصیدة تبدی تأثراً واضحاً بما جاء عند دانتی وتینیسون، فإن الأمر یکاد یکون مختلفاً بالنسبة لقصیدة إیثاکی، فهناک فرقان أساسیان بین ما جاء فی قصیدة "أودیسیة ثانیة" وما جاء عند دانتی وتینیسون من ناحیة وما جاء فی قصیدة إیثاکی من ناحیة أخرى. فالحالات الثلاث الأولى تتناول أودیسیوس بعد عودته إلى إیثاکی، أما قصیدة إیثاکی فتتحدث عنه قبل العودة. ویتمثل الفرق الثانی فی أن أودیسیوس فی الحالات الثلاث الأولى یتحدث عن نفسه أو یتحدث عنه الشاعر فی صیغة الغائب المفرد، فی حین یتحدث الشاعر فی قصیدة إثاکی إلیه فی شکل مونولوج إرشادی ، بعد أن حول الشاعر أودیسیوس إلى أنا أخرى أو إلى قرین؛ إلى جانب أن الرحلة البحریة بوصفها رمزاً او کنایة عن رحلة الإنسان عبر الحیاة أوضح فی قصیدة إیثاکی. ویرى کولفین  Colffing أن أحد الاختلافات بین موقف أودیسیوس فی قصیدة "أودیسیوس" لتینیسون وموقفه فی قصیدة "إیثاکی" لکڤافیس یتمثل فی أن الشخصیة الدرامیة عند الشاعر السکندری لیست فقط أکثر تحرراً من القیود، ولکنها باتت أکثر تعقیداً أیضاً. فبینما البطل عند تینیسون ما زال یتحدث بنبرة ملکیة ، فإنه عند کڤافیس یتلقى النصح والإرشاد من قبل الشاعر: أن لا یلقی بالأ للعودة للجزیرة الرتیبة التی تؤدی دورها بوصفها دافعاً فقط[72].

وتقودنا هذه الفروق إلى ضرورة عدم اقتصار مصدریة کڤافیس على هذه المعارضات الکلاسیة المتأخرة أو ما بعد الکلاسیة (من بترونیوس إلى تینیسون) فحسب، وإلى إمکانیة قیاس أوجه الشبه بین الرحلة بأبعادها الرمزیة  کما جاءت فی قصیدة "إیثاکی" وبین الرحلة فی الشعر الیونانی واللاتینی الأقدم.فإن ما یمکن أن نجده من اوجه شبه بین قصیدته "إیثاکی" وقصیدة "الوسط الذهبی" لهوراتیوس من شأنها أن توحی بأن کڤافیس یبدی تأثراً بروح الشعر الغنائی اللاتینی الکلاسی المتأثر بالشعر الغنائی الیونانی الأقدم. ویمکن أن نوجز أوجه المقارنة بین قصیدتی "الوسط الذهبی" و"إیثاکی" فیما یلی:

1- استخدام المونولوج الإرشادی: فقد صاغ الشاعران کلاهما قصیدتیهما فی شکل خطاب إرشادی یرشد فیه البطل صدیقه أو شخص ما - قرر أن یسلک طریق البحر والترحال- کی یهنأ برحلته ویصل إلى مبتغاه. لکن ذکر هوراتیوس لاسم المخاطب "لیکینیوس" فی البیت الأول للقصیدة  یعطی الخطاب طابعاً أکثر خصوصیة. فی حین أن إخفاء کڤافیس لاسم المخاطب فی قصیدته وعدم ذکر اسم أودیسیوس یضفی على الخطاب نبرة أکثر عمومیة ویوسع دائرة الرمز؛ أو هو یخرجه من دائرة الرمز المحدد إلى دائرة الرمز المطلق. فمن بین ما یثیر التساؤل فی فهم هذه القصیدة هویة المخاطب الذی یقصده الشاعر هنا، فمن الممکن أن یکون الخطاب هنا موجهاً إلى أودیسیوس أو المسافر أو إلى القارئ الحدیث[73]. وإن کنت أعتقد هنا أن الخطاب موجه إلى ألأنا الآخرى (alter ego ) ممثلة فی أودیسیوس بطل الملحمة القدیمة، أو إلى أودیسیوس بوصفه الأنا الأخرى أو القرین[74]. ویشیر ذالاس (Δάλλας) إلى وجود هذا النموذج الإرشادی فی بعض قصائد کافافیس - ومن بینها قصیدة "إیثاکی"- ملاحظاً أن الشاعر یتولى إرشاد أحد بحارة الزمن المستقبل أو نصحهم، ویقوض له بعض الخرافات القدیمة[75]. کما یتناول کیلی (Keeley) بعض قصائد کڤافیس – ومن بینها قصیدة إیثاکی- مشیراً إلى أن هذه القصائد تستخدم شخصاً یخاطب شخصیة فی ضمیر المخاطب ، مقدماً إلیها نصائح ومستخلصاً نتائج فی السیاق الذی رسمت فیه القصیدة، أو ما یمکن أن یطلق المرء علیه باختصار "مونولوج توجهی"[76].

2- الحض على التحلی بصفات نفسیة بعینها، حیث تتشابه النصائح التی یسدیها الشاعران کلاهما إلى من یخاطباه، الأمر الذی نجد له صدى أیضاً عند ألکایوس؛ فتتشابه النصائح التی یسدیها الشاعر إلى المتحدث إلیه فی شذرات أو قصائد الشعراء الثلاثة فی التواصی والتحلی بسمات نفسیة ثلاث: أ) التأنی وعدم العجلة: ویتجلى هذا فی شذرة ألکایوس (249) التی یوصی فیها رفاقه بکبح جماح الریاح، وفی قصیدة هوراتیوس نجد معنى مشابهاً لذلک فی قول الشاعر لصدیقه (وسوف تکبح أنت نفسک ...... شراع (سفینتک). أما فی قصیدة کڤافیس فیکمن هذا فی توصیة الشاعر أن یتمنى المخاطب أن یکون الطریق طویلاً. ب) التحلی بالشجاعة ورباطة الجأش: فألکایوس فی شذرة (6) یحذر نفسه ورفاقه من أن یتملکهم خوف المترفین، کما یوصیهم برباطة الجأش ویحذرهم من الخنوع. فی حین یوصی هوراتیوس صدیقه لیکینیوس برباطة الجأش. بینما یحذر کڤافیس بطله وقرینه من أن یخاف من المخلوقات الخرافیة.  ج) التبصر والاعتدال والحکمة صفات نفسیة تقود أو تنتج عن الرحلة البحریة: فألکایوس یمتدح فی شذرة (249) التبصر فی استشراف الرحلة البحریة. بینما یوصی هوراتیوس صدیقه بالاستقامة والاعتدال وعدم التسرع ویتنبأ له بالإبحار بحکمة. أما کڤافیس فیوصی البطل القرین أن ینتهز الرحلة  لیذهب إلى مدن مصر کی یتعلم،  کما یشیر إلى الحکمة التی یکتسبها المرء بعد هذه الرحلة البحریة والوصول إلى إیثاکی. 

3- استخدام الرمز المرکب: فعلى الرغم من أن التجربة الوجودیة تهیمن فی کلتا القصیدتین على دائرة الرمز، فإن التجربة البحریة فی کلتیهما تعکس بعداً رمزیاً آخر. ففی الفقرة الثانیة من قصیدة "الوسط الذهبی" یضع هوراتیوس التجربة السیاسیة فی إطار التجربة الوجودیة للإنسان محل التجربة البحریة. فعلى من یرید الاعتدال ویقدر الوسط الذهبی أن یبتعد عن البیت المتهدم (الذی یقابل التشبث بالشاطئ)، على أن یتحلى بالرزانة التی لا تجعله یندفع إلى مخاطر القصر الملکی الذی یعج بالحسد والضغناء (وهو ما یقابل عدم الاندفاع إلى أعالی البحار).أما بالنسبة لقصیدة "إیثاکی" ،وعلى الرغم من أننا لا نجد فیها تجربة غرامیة ذات أبعاد مجازیة کما یمکن أن نستشف من شذرات ألکایوس وقصیدة هوراتیوس (1. 14 )، فإننا یمکن أن نلاحظ فیها بعداً رمزیاً ینم عن تجربة عاطفیة حسیة فی إطار البعد الرمزی الوجودی. فما جاء فی المقطوعة الخامسة من قصیدة "إیثاکی" (لتحصل على بضائع جیدة، أصدافاً ومرجاناً ، کهرماناً وأبنوساً، وعطوراً من کل نوع تبعث اللذة) من شأنه  أن یجعل التجربة العاطفیة (الحسیة) جزءاً من الرحلة البحریة. ویرى روبنسون (Robinson) أن القصیدة توحی للوهلة الأولى بحکمة مفادها "أنه من الأفضل أن ترتحل على أمل خیر من أن تصل إلى مبتغاک"، کما یعتقد أن القصیدة تدعو فی المقام الأول إلى الاستمتاع بأی تجربة تهبها الحیاة؛ ولقد تم تعریف التجربة فی هذه الأبیات بمصطلحات حسیة. کما یعتقد أن وصف العطور بالصفة "ἡδονικὰ" (تبعث اللذة) تربط المعنى الحسی لهذه العطور بالمعنى الجنسی[77]. فی حین یعتقد میلاکوبیذیس (Melakopides) – الذی یرى فی القصیدة تعبیراً عن وجود نوع من الحیاة الکاملة- التی یتکامل فیها الجانب الروحی مع الجانب الحسی والفکر السامق مع الحس اللطیف- أن أهمیة قصیدة "إیثاکی" تکمن فی کونها تقدم فی سنة 1911 بدایات المزاوجة النهائیة بین الفضائل والقیم. کما أن القیم الجدیدة التی یحتفى بها فی قصیدة "إیثاکی" ترتکز على "الإحساس اللطیف" الذی یمکن أن یلامس روحک وجسدک. فالجسد الآن بات بإمکانه الإشباع الذی یثری المتع التی تقدمها مجموعة القیم الأولى؛ فالرحلة إلى إیثاکی سوف تنطوی على الدخول إلى موانئ جدیدة والحصول على عطور من کل نوع تبعث اللذة، کما تنطوی على الذهاب إلى مدن مصریة لطلب العلم[78]. وإذا ما ربطنا بین مفردات التجربة الحسیة على هذا النحو الذی أوضحه کل من روبنسون ومیلاکوبیذیس وبین نهایة القصیدة، فلن نعدم الوسیلة إلى أن نجد رمزاً لتجربة عاطفیة أیضاً، وذلک من خلال الانتباه إلى جمع کلمة إثاکی فی البیت الأخیر من القصیدة. هذا الجمع الذی من شأنه أن ینطوی أیضاً على منتهى التجربة العاطفیة أو تجربة العشق الحسی، إذا ما وصل المرء إلى مبتغاه.

4- التغییر فی سلم الغایات: فالوصول إلى منتهى الرحلة لم یعد هو المهم بل أصبحت الرحلة فی حد ذاتها تتقدم علیه فی سلم الغایات. فلم یذکر هوراتیوس فی قصیدته غایة مکانیة یحض صدیقه على الوصول إلیها، ولکن بات الإبحار الذی یرمز للتوسط هو الغایة فی حد ذاته. کما یتمثل مغزى الرحلة فی قصیدة "إیثاکی" فی أنها تأتی تعبیراً رمزیاً عن رحلة الإنسان التی تعد فیها الرحلة أکثر أهمیة من إدراک الغایة منها،  ومن ثم فإن على الإنسان أن یطیل أمدها ویهنأ بها لأن الوصول إلى غایتها لا یهبه سوى هذه الرحلة. فقیمة إیثاکی لا تتعدى کونها الحافز الذی یدفع الإنسان للقیام بهذه الرحلة الشیقة. وعلى الرغم من أن الرحلة البحریة بهذا المعنى تعد خروجاً عن الإطار الهومری للرحلة ، فإنها تجمع بین عناصر من الرحلة البحریة عند کل من هومیروس وهوراتیوس فی الوقت ذاته. فمع أنها تعطی الاهتمام الأکبر للرحلة التی على المرء أن یطیلها حتى النهایة،  فإنها فی ذات الوقت لا تنکر دور الغایة (إیثاکی) فی کونها تمثل الدافع الحقیقی وراء هذه الرحلة.

5- الخروج من دائرة الرمز المنطوی على مجاز إلى دائرة الرمز البحت: فبینما نلاحظ أن شذرات ألکایوس وقصیدة ”سفینة الدولة" لهوراتیوس تهتم بمفردات التجربة البحریة (السفینة – المرفأ – البحر) التی تُعدُ کنایة عن مفردات التجربة الرمزیة التی تمثلها، فإن قصیدتی "الوسط الذهبی" و "إیثاکی" لا ترکزان على هذه المفردات؛ بل تهتمان برسم صورة التجربة البحریة التی ترمز لتجربة الوجود الإنسانیة، دون الخوض فی تفاصیلها المجازیة.      

وإذا کانت العلاقة بین المدینة أو الدولة والرحلة البحریة فی الإطار المجازی عند کل من ألکایوس وهوراتیوس (فی قصیدة "سفینة الدولة") تتمثل فی کون السفینة کنایة عن المدینة أو الدولة، فإن هذه العلاقة تتشکل عند کڤافیس فی إطار من المعارضة والمفارقة، التی تناولناها فی الجزء السابق. إذ لم یعر کڤافیس فی قصیدتی "إیثاکی" و "أودیسیا ثانیة" أهمیة خاصة للسفینة. کما أن علاقة الرحلة البحریة بالمدینة فی هاتین القصیدتین تکمن فی کون المدینة هی المساحة المتخیلة (إیثاکی المدینة الجزیرة) التی تمثل تارة نهایة الرحلة البحریة والغایة المنشودة (التی یجب أن تظل دوماً  فی مخیلة المرتحل)، أو مبدأ الرحلة (التی یخرج منها المرتحل إلى رحابة العالم بعد أن مل ضیق المکان) تارة أخرى. بل إن المدینة تمثل أیضاً المعبر أو الممر الذی ینبغی على المرتحل أن یمر علیه لینهل المعرفة والحکمة منه. وهذا المعبر یمکن أن یتماثل مع مدینة الإسکندریة التی یقطنها الشاعر، على اعتبار أنها إحدى المدن المصریة الکثیرة التی یحض الشاعرُ المرتحلَ ( القرینَ أو الأنا الأخرى) على الذهاب إلیها وهو فی طریقه إلى إیثاکی لیتعلم ممن درسوا.[79]. ومن ثم فإن المدینة فی هاتین القصیدتین تظهر باعتبارها المکان/الغایة والمکان/المبدأ والمکان/الممر.

وتتجلى هذه المعانی الثلاثة للمدینة وعلاقتها بمدینة الإسکندریة فی تفسیر العلاقة بین قصیدة "إیثاکی" وقصیدة "المدینة" (Η Πόλις )، التی سبقت إیثاکی فی لنشر(1910) [80]، والتی تظهر فیها المدینة منتهى ومبدأ لرحلة بحریة فاشلة لا سفینة تنجزها ولا سبیل للمرء إلى تحقیقها. وتجری القصیدة على النحو التالی:

   

قلتَ ، "سأذهب إلى أرض أخرى ، سأذهب إلى بحر آخر.

مدینةٌ ما أخرى سوف توجد خیرٌ من هذه

کل محاولة أبذلها  کُتبت علی إدانة،

وقلبی مدفون کجثة هامدة.

 

إلى متى سیظل عقلی فی هذا الذبول.

أینما أقلب عینای ، وأینما أنظر

أرى أطلالاً سوداء من حیاتی هاهنا،

حیث سنین کثیرة قضیتها وبددتها وخسرتها"

 

(کلا) لن تجد أماکن جدیدة ، لن تجد بحاراً أخرى.

فلسوف تلاحقک المدینة.وإلى الطرقات ذاتها سوف تؤوب.

إلى هذه المناطق المجاورة ذاتها سوف تعود،

 

سوف یخط الشیب (شعرک) فی هذه الدیار ذاتها.

وسوف تصل دوماً إلى هذه المدینة. وإلى ما دون ذلک – فلا یحدونک الأمل-

فما لک من سفینة، وما لک من سبیل.

وحیث أنک بددت حیاتک هاهنا

فی هذا الرکن الصغیر ، فقد خسرتها فی جمیع  (بقاع) الأرض.

Εἶπες «Θὰ πάγω σ' ἄλλη γῆ, θὰ πάγω σ' ἄλλη θάλασσα.

Μιὰ πόλις ἄλλη θὰ βρεθεῖ καλλίτερη ἀπ' αὐτή.

Κάθε προσπάθειά μου μιὰ καταδίκη εἶναι γραφτῆ ̊

κ' εἲν' ἡ καρδιά μου -σὰν νεκρός- θαμένη.

 

Ὁ νοῦς μου ὡς πότε μὲς στὸν μαρασμὸν αὐτὸν θὰ μένει.

Ὅπου τὸ μάτι μου γυρίσω, ὅπου κι ἂν δῶ

ἐρείπια μαῦρα τῆς ζωῆς μου βλέπω ἐδῶ,

ποῦ τόσα χρόνια πέρασα καὶ ρήμαξα καὶ χάλασα.»

 

Καινούργιους τόπους δὲν θὰ βρεῖς, δὲν θάβρεις ἄλλες θάλασσες.

Ἡ πόλις θὰ σὲ ἀκολουθεῖ. Στοὺς δρόμους θὰ γυρνᾷς

τοὺς ἴδιους. Καὶ στὲς γειτονιὲς τὲς ἴδιες θὰ γερνᾷς ̊

 

καὶ μὲς στὰ ἴδια σπίτια αὐτὰ θ' ἀσπρίζεις.

Πάντα στὴν πόλι αὐτὴ θὰ φθάνεις. Γιὰ τὰ ἀλλοῦ -μὴ ἐλπίζεις-

δὲν ἔχει πλοῖο γιὰ σέ, δὲν ἔχει ὁδό.

Ἔτσι ποῦ τὴ ζωή σου ρήμαξες ἐδῶ

στὴν κώχη τούτη τὴν μικρή, σ' ὅλην τὴν γῆ τὴν χάλασες.[81]

 

إن مطلع المقطوعة الأولى من القصیدة یکاد یضعنا أمام رحلة أو تجربة بحریة، لکن تأتی المقطوعة الثالثة لتؤکد فشل التجربة، وینعکس هذا المعنى للقصیدة على تحلیل بعض النقاد لها. فیلاحظ جالنز (Galens) فی تحلیله للقصیدة المعنى التالی: "إن رغبة کڤافیس هی أن یجد له مهرباً، رحلة لمکان آخر أو بدایة جدیدة یتم التعبیر عنها فی المقطوعة الأولى من قصیدة "المدینة". ولکن هذه الرحلة تتحول إلى کابوس عندما یدرک الشخص أن المدینة ، مثل ربات الغضب، تطارده حیثما ذهب"[82]. بینما یرى ڤریسیمیتساکیس (Βρισιμιτζάκης) أن مطلع القصیدة یعبر عن أمل الشاعر فی البحث عن مکان آخر یعیش فیه ، لکن المقطوعة الثانیة تأتی لتفجع القارئ، فمن الحکمة أن نذعن لسنة الحیاة[83]. فی حین یرى ذیماکیس (Δημάκης) أن الجزء الأول من القصیدة یخص تجربة الإنسان بوجه عام ، فی حین یرکز الجزء الثانی على  العناصر الذاتیة والإنسان الفرد، لیخرج من هذا بالمغزى العام للقصیدة، وهو أننا لا نستطیع أن نرتحل عن أنفسنا[84].

وفی المقطوعة الثالثة یضفی الشاعر على المدینة صفة الحرکة، کأنما أصبحت مثل السفینة التی تطارده، لأنها تحیط به وتتعقبه فی عرض البحر فی الوقت نفسه. وینتج ذلک من أن المدینة ما هی إلا رمز لحیاة الشاعر والأسوار التی بناها الشاعر حول نفسه. ولعل هذا الانشطار الحادث بین الشاعر وإحساسه الوجودی قد  لاحظناه فی قصیدة هوراتیوس (سفینة الدولة)، لا سیما إذا ما وضعنا فی الاعتبار صحة التفسیر المجازی للسفینة فیها باعتبارها سفینة الشعر أو سفینة الحیاة ذاتها[85]. ویرى أغراس (Άγρας ) أن الارتحال المشار إلیه فی مطلع قصیدة "المدینة" هو ارتحال مجازی ولیس واقعیاً، وأن الحرکة المشار إلیها فی مطلع المقطوعة الثالثة – سواءً أخذت بشکل حرفی أو مجازی - تعبر عن تحرر بالمعنى الروحی[86]. بینما یرى بونتانی (Pontani) أن المدینة ترمز إلى ما ترمز إلیه الجدران "التی اصطنعها الشاعر نفسه". وحیال هذا الموقف الممیت الذی لا محیص منه، یقدم لنا الشاعر حالة من البؤس، بین الأسوار المغلقة التی یصارع الشاعر کی یجد نافذة فیها. إذ یقول لنا فی واحدة من قصائده- إنه لمن الأفضل أن یظل فی هذا الجو الخانق، لأن الشمس ستمثل نوعاً جدیداً من القهر، فالمرء لا یعرف الأشیاء الجدیدة التی یمکن أن یکتشفها[87]. فی حین یرى بیکَم (Peckham) أن "قصیدة "المدینة" واحدة من القصائد التی تستدعی فکرة المساحة الخیالیة والاتجاه نحو استغلال المسافة بین ما هو قریب وما هو بعید (Μακρυά) وإضفاء الصبغة الدرامیة علیها. فقصیدة "المدینة" تسفه من الرأی القائم على الانقسام ما بین "الداخل" و"الخارج"، وأن "الخارج" هذه المرة یدل على الخلاص لا التهدید. فیتضح أنه لیس هناک "خارج" على الإطلاق"[88].      

ویتواشج معنى المدینة فی هذه القصیدة مع مدینة الإسکندریة (المدینة التی تمحور حولها عدد کبیر من قصائد الشاعر[89]). وهی مکان یتوحد فیه المکان بکل معانیه، حتى لیبدو وکأنه المصیر الذی لا ملجأ منه إلا إلیه. ویرى بیان (Bien) أن قصیدة "المدینة"  تعد قصیدة تنبؤیة على المستوى الأدبی، کما تعطی فکرة جیدة عما باتت تمثله مدینة الإسکندریة بالنسبة لکڤافیس ، سواءً فی کتاباته أو فی حیاته الشخصیة، فکل مجهود یبذله فی الإسکندریة یذهب ویتبدد هباءً. وبعد أن یقرر الرحیل إلى أماکن أخرى، یدرک الحقیقة التی مفادها أنه لا توجد بلاد أخرى ولا بحار أخرى[90].  ویقف  المکان "المدینة" –المأمول الهروب منه- فی هذه القصیدة فی علاقة تقابلیة مع المکان "الجزیرة" –المأمول الوصول إلیه- فی قصیدة إیثاکی. وإن کان المکان فی نهایة قصیدة "إیثاکی" یکاد یشبه المدینة التی یود الارتحال عنها فی قصیدة "المدینة"، لأنها فقیرة ولن تعطیه شیئاً سوى الرحلة. ویتطرق کیلی (Keeley) إلى العلاقة بین القصیدتین فیرى أن إضافة عبارة" لا یحدونک الأمل فی أشیاء  توجد فی مکان آخر"، تساعد بدورها فی إثارة مشاعر ومزاج شخصی نحو مستوى أعم وأکثر رمزیة، شبیه بما یتم فی نهایة قصیدة "إیثاکی" (التی کتبت للمرة الثانیة فی العام الذی نشرت فیه هذه القصیدة)، حیث یخبر الشاعر شخص أودیسیوس الخاص به أنه سوف یأتی أخیراً لیرى - بعد أن قام بأکبر قدرٍ من رحلته الطویلة -"ماذا تعنی إثاکی". وهنا تأتی عبارة "أشیاء هی توجد فی مکان آخر" لتعرض أرض الأمل الذی یظل دون الوصول إلیها هؤلاء الذین تحاصرهم أطلال المدینة التی صنعوها بحیاتهم- أو مدینة الإسکندریة التی لم یسمها (صراحة)، "هذا الرکن الصغیر" ، بکل إمکانات الملل الکاملة، یتم تبرئتها بشکل مجازی ضمنی ، أی أن المدینة هی فقط ما تصنعه أنت بنفسک[91]". ومن ثم فحجر الزاویة فی تفسیر وفهم هذه القصیدة یمکن أن یتشکل من خلال العلاقات الثلاث التالیة: 1- العلاقة بین قصیدتی "إیثاکی" و "المدینة" ، 2- العلاقة بین المکان فی القصیدتین کلتیهما ومدینة الإسکندریة، 3- علاقة المکان فی الحالتین کلتیهما بالرحلة البحریة. ولا أجد تفسیراً لهذه العلاقات أفضل (بالنسبة لمنهج هذا البحث وهدفه) مما ورد فی تفسیر کیلی (Keeley) لقصیدة "المدینة"  فی کتابه "إسکندریة کافافیس"، حیث یشیر إلى " إن ثروة إیثاکی تکمن فی الدافع الذی تقدمه – وذاک ما تعنیه فی الواقع المدن-الوطن، هذه الإیثاکیات، لهؤلاء المنفتحین على المغامرة وحب الاکتشاف. ویبدو أننا هنا نصل  إلى الدائرة الکاملة لموقف قصیدة "المدینة"، التی لا تقدم أی طریق إلى خارج المدینة-الوطن التی یأمل البطل ، المحاصر داخل أحیائها، فی الهروب منها یائساً؛ لکن القصیدتین فی الواقع تمثلان وجهان لعملة واحدة. فالمدینة المجازیة تظل هی التی تشیدها داخلک، فبالنسبة لهؤلاء الذین یرون فقط الأطلال السوداء لحیاتهم، لا مفر من الرکن الصغیر الذی صنعته أرواحهم، أما بالنسبة لهؤلاء الذین یحتفظون بأفکارهم سامقة وبروحهم  وبدنهم تواقین للإثارة، فإن المدینة تستطیع أن تصبح دافعاً لرحلة عظیمة تقودهم من خلال المتعة والمعرفة- بالإضافة إلى أشیاء أخرى- إلى فهم المعنى المجازی لمدینتهم، الذی هو فی هذه الحالة انعکاس لروحهم المرتفعة التواقة للمغامرة.[92]"     

إن أحد المکونات المهمة لهذه التفسیرات التی عرضناها هو أن الشاعر یلقی الضوء على المدینة باعتبارها رمزاً لحیاته ذاتها وکنایة عنها ، وبالتالی عن نفسه أیضاً.ولعل هذا المعنى وعلاقته بموضوع الرحلة البحریة  یتضح ویزداد جلاءً إذا ما عدنا إلى واحد من النصوص اللاتینیة التی یُعتقد أنها مارست تأثیراً فی قصیدة "المدینة". وهو بالتحدید الرسالة 28 لسینیکا ، التی یدور جزء منها على النحو التالی:    

 

أتظن أن هذا یحدث لک أنت وحدک وتصیبک الدهشة ،کما لو (کنت تشهد) شیئاً جدیداً، لأنک لم تبدد الغم (الذی حل بک) والعبء(الذی یثقل کاهلک) برحلة طویلة غربة کهذه، وبتغییر مشاهد جد کثیرة ً؟ یجب علیک أن تغیر  فکرک ، لا الجو (الذی یحیط بک). فعلى الرغم من أنه یسمح أن تجتاز البحر الخضم (الشاسع) ، وعلى الرغم من، کما یقول شاعرنا فیرجلیوس،

      فلتبتعد الأمصار والمدائن ،

فسوف تلاحقک رذائلک حیثما ذهبت. ویؤکد سقراط هذا الشیء ذاته لشخص کان یشکو (إلیه حاله): "لماذا تندهش من أن الأسفار إلى الغربة لا تنفعک ، طالما أنک تتجول (دائماً) مع نفسک؟  إن السبب الذی یثقل (کاهلک ویؤرقک) هو ذاته الذی یتعقبک." وما الذی تستطیع حداثة الأقطار أن تساعدک به؟ ما الذی (تستطیع أن تساعدک به) معرفة المدائن والأماکن؟ إن هذا الترحال یذهب هباءً ویتبدد. أتسأل لماذا لا یساعدک ذاک الهروب؟ إنک تهرب مصطحباً ذاتک.

Hoc tibi soli putas accidisse et admiraris quasi rem novam quod peregrinatione tam longa et tot locorum varietatibus non discussisti tristitiam gravitatemque mentis?Animum debes mutare, non caelum. Licet vastum traieceris mare, licet, ut ait Vergilius noster,

    terraeque urbesque recedant,

sequentur te, quocumque perveneris, vitia. Hoc idem querenti cuidam Socrates ait: "quid miraris nihil tibi peregrinationes prodesse, cum te circumferas? premit te eadem causa quae expulit". Quid terrarum iuvare novitas potest? quid cognitio urbium aut locorum? in irritum cedit ista iactatio. Quaeris quare te fuga ista non adiuvet? tecum fugis.[93]

 

وتعتقد تساکیریذو (Tsakiridou) أن کڤافیس لم یتردد فی محاکاة سینیکا فی قصیدته، مشیرةً إلى ان وجه الشبه بین رسالة "سفر" لسینیکا وقصیدة "المدینة" (سنة 1894) أمرٌ جدیرٌ بالملاحظة. لقد أخذ کافافیس توبیخ سنیکا وحوله إلى حوار داخلی یجیب فیه صوت الشاعر الحذر على من وقع أسیراً فی قبضة مدینة الإسکندریة[94]. فکلا النصین یؤکد عدم استطاعة المرتحل (أو من یرغب فی الارتحال) الهروب من الشیء إذا کان هذا الشئ یسکن داخله. أما عنصر الاختلاف بین النصین فیرجع إلى أن سینیکا لا یؤکد أن هذا الشیء (الذی لا یمکن الفکاک منه بالترحال) هو المکان ذاته (بل هی العیوب)، فی حین یؤکد کڤافیس على المکان وبالتحدید المدینة (πόλις) التی تعکس مفهوماً اجتماعیاً وسیاسیاً ینبثق من العمق أو البعد التاریخی لهذه الکلمة.

وإذا کنا فی هذا البحث بصدد استکشاف عمق جدید لقصائد کڤافیس فی الشعر الکلاسی الأقدم، وعلى وجه التحدید شعر هوراتیوس ومن ورائه ألکایوس، فإننا بادئ ذی بدأ ینبغی علینأ أن نشیر إلى أن ثمة معنى شبیه بما جاء عند سینیکا فی هذه الرسالة، کان قد ورد من قبل عند هوراتیوس فی الرسالة الحادیة عشرة من الجزء الأول، وبالتحدید فی الأبیات الخمسة الأخیرة منها.  وتجری القصیدة على النحو التالی:

 

أی بولاتیوس، ماذا (تعنی) لک خیوس المشهودة، ولیسبوس المشهورة ،

وماذا (تعنی) ساموس الرئعة، وماذا (تعنی) ساردیس (مدینة) کرویسوس الملکیة،

وماذا (تعنی) أزمیر وکولوفون؟ (إن کانت) أکثر أو أقل شهرة،

(هل) تبدو کلها تافهة بجانب (سهل) کامبوس و(مجرى) نهر التیبر؟

5 أم أنه قد وردت إلى خاطرک واحدة من  مدن أتالوس؟

أم أنک تثنی على لیبیدوس لنفوره (من) البحر والطرقات؟  

أتدری ما هی لیبیدوس؟ إنها قریة أشد قفراً من (مدینة)

جابیوس و(بلدة) فیدینا؛ کنت مع ذلک أرید أن أعیش هناک،

ناسیاً (کل) خلانی، منسیاً من قِبَلهم،

10وحتى أشاهد من بعید من البر نیبتونوس الغاضب.

فلا ذاک الذی یسافر من (مدینة) کابوا إلى روما، وقد تبلل بالمطر

و(اتسخ) بالطین، یرغب فی أن یعیش فی خان (صغیر)؛ ولا ذاک الذی

یستشعر (رجفة) البرد، یثنی (مع ذلک) على المواقد والحمامات

وکأنما (یثنی على) حیاة مبارکة ملیئة بالتمیز.

15ولئن ساقتک الریاحٌ الجنوبیة العاتیة إلى أعالی (البحار)،

فإنک لن تبیع (مع ذلک) سفینتک عبر (میاه) بحر إیجة (النائیة).

إن (جزیرتی) رودس ومیتلینی الجمیلة تعمل ما (تعمله) العباءة

فی (وهج) الصیف أو ومئزر(مصارعی الأسود)فی الریاح الزاخرة بالصقیع،

و(نهر) التیبر فی (أوج) الشتاء، والتنور فی الشهر السادس (من العام).

20وطالما یقدر المرء ویحتفظ الحظ (بوجهه) الحسن على نحو ینم عن الخیر،

فلیُغدق الثناء على (جزر) ساموس وخیوس ورودس أثناء غیابک عن روما.

فأیما ساعة أسعدک بها الإله ،یا صدیقی،

فاقتنصها بیدٍ شاکرة، ولا تؤجل ملذات (الحیاة من سنة) إلى سنة.

ففی أی مکان حَییت فیه یمکنک أن تقول أنک عشت

25بسعادة (وهناء)، لأنه إذا کان التعقل والتبصر (هما ما) تصبو إلیه،

لا المکان المطل على البحر الشاسع الممتد (الذی) یحمل (الأنظار) بعیداً،

فإنهم یغیرون سماءهم لا نفوسهم، التی تجری معهم فوق البحر.

فهناک خمولٌ بغیضٌ یفرض نفسه علینا: فبالسفن والعربات (التی تجرها أربعة من الجیاد) نسعى إلى أن نعیش فی هناء. إن ما تسعى إلیه هنا، موجود

30 فی (بلدة) أولوبرای، إن لم یتخلى عنک فکرک الذی لا ینحاز.     

  Quid tibi visa Chios, Bullati, notaque Lesbos,
quid concinna Samos, quid Croesi regia Sardis,
Zmyrna quid et Colophon? maiora minorave fama,
cunctane prae Campo et Tiberino flumine sordent?
5an venit in votum Attalicis ex urbibus una,
an Lebedum laudas odio maris atque viarum?
scis Lebedus quid sit: Gabiis desertior atque
Fidenis vicus; tamen illic vivere vellem,
oblitusque meorum, obliviscendus et illis,
10Neptunum procul e terra spectare furentem.
   Sed neque qui Capua Romam petit, imbre lutoque
aspersus, volet in caupona vivere; nec qui
frigus collegit, furnos et balnea laudat
ut fortunatam plene praestantia vitam;
15nec si te validus iactaverit Auster in alto,
idcirco navem trans Aegaeum mare vendas.
   Incolumi Rhodos et Mytilene pulchra facit quod
paenula solstitio, campestre nivalibus auris,
per brumam Tiberis, Sextili mense caminus.
20dum licet ac voltum servat Fortuna benignum,
Romae laudetur Samos et Chios et Rhodos absens.
tu quamcumque deus tibi fortunaverit horam
grata sume manu, neu dulcia differ in annum;
ut quocumque loco fueris vixisse libenter
25te dicas, nam si ratio et prudentia curas,
non locus effusi late maris arbiter aufert,
caelum, non animum, mutant, qui trans mare currunt.
strenua nos exercet inertia: navibus atque
quadrigis petimus bene vivere. quod petis hic est,
30est Ulubris, animus si te non deficit aequus.[95]

 

     تنطوی هذه القصیدة على نکهة نکاد نحسها فی قصیدتی "إیثاکی" و"المدینة".ولعل فی کلام روبینسون  (Robinson) –الذی جاءت ملاحظته لوجه الشبه بین بیت من هذه الرسالة وقصیدة المدینة- ما یفسر لنا هذه النکهة، مع الربط مرة ثانیة بین قصیدتی "إثاکی" و"المدینة". إنه یعتقد أنه على الرغم من أن قصیدة "المدینة" تتسم بطابع أخلاقی أکثر وضوحاً من إثاکی، لأنها بمعنى من المعانی مجرد تناول  للموضوع نفسه لکن من زاویة معکوسة. إنها تنطوی على صیاغة مفصلة لفکرة سبق أن لخصها الشاعر الرومانی هوراتیوس فی البیت 27 من رسالته 1. 11 "إن أولئک الذین یرتحلون عبر البحر إنما یغیرون السماوات (التی تظلهم) لا النفوس (التی بداخلهم)". إن هذا یمکن أن یتناقض مع القیمة التی تنطوی علیها التجربة الجدیدة فی قصیدة "إیثاکی". لکن الاختلاف لیس فی تجربة ما ، إنما الاختلاف کائن فی الموقف من التجربة. فالمخاطب فی قصیدة المدینة یرى الحیاة بطریقة معینة، وسوف یعیشها دائماً بهذه الطریقة. وهو بخلاف المسافر المحتمل فی قصیدة "إیثاکی" لا ینفتح على متع الوقت الحالی. فهو واقع بین أمل فی المستقبل لا طائل وراءه وندم على الماضی لا جدوى منه. وهکذا فإن کلتا الرؤیتین کلتیهما تعبران عن رؤیة للذات لا تتفق فقط مع الإصرار (الرمزی) لأهمیة الحاضر الدامغة، لکنها تعطی أهمیة للحدث المتجدد بثبات، مع تحفظ مفاده أن علیک أن تقترب من أی تجربة جدیدة بعقل منفتح. إن کڤافیس هنا یعد رائداً للحرکة الوجودیة فی القرن العشرین التی تعتقد أننا نصنع أنفسنا من خلال أفعالنا. وما یستسلم له بطل قصیدة "المدینة" هو معنى عدم جدوى النشاط الإنسانی الذی انتاب بودلیر (Baudelaire) والشعراء الرمزین "کل محاولة أبذلها دُونت علی إدانة"، وفقدان القدرة الانفعالیة التی تتولد عن هذا النشاط (وقلبی مدفون مثل جثة هامدة)[96].    

کما أن فکرة العلاقة بین الذات والمکان (المدینة) یمکن أن تمثل مجالاً للمقارنة بین ما ورد فی قصیدة "المدینة" لکڤافیس وما ورد فی شذرتی الکایوس (73 و 208) وقصیدة (I.14= "سفینة الدولة") لهوراتیوس، وذلک فی إطار أسلوب المعارضة والمفارقة التی عادة ما تحکم علاقة شعر کڤافیس بمصادره الکلاسیة. فلقد استعرضنا آنفاً فی تفسیر قصیدة هوراتیوس ومصادرها فی شذرتی الکایوس أراءً ترى فی السفینة کنایة مزدوجة عن المدینة-الدولة (المکان) أو العشیقة القدیمة فی الوقت ذاته. ومکمن المقارنة بین ما ورد عند الکایوس وهوراتیوس و کڤافیس یمکن أن یتمثل فی:

1- الرؤیة الیائسة لحالة المدینة التی تتمثل فی السفینة (المدینة العشیقة)عند الشاعرین القدیمین، والمدینة (الأنا) عند الشاعر الحدیث: فالسفینة (المدینة/العشیقة) عند ألکایوس (شذرة 73) لم یعد لدیها الرغبة فی "أن تصارع عاصفة من الأمطار"، "بعد أن انجرفت عن طریقها بموجة"  وهی تلتطم بشعاب مرجانیة ، کما أنه یُحمل (شذرة 208) هو ورفاقه  "على متن سفینة سوداء"  "یغمر دفتها الماء العکر"،  وفی شراعها تمزقات کبیرة و"تتساقط مراسیها". أما سفینة (الدولة/العشیقة) فی قصیدة (سفینة الدولة) لهوراتیوس "فوعاؤها مجردٌ من مجادیفه"،  و"صاریها منشطرٌ بفعل الریاح العاتیة"  و"عوارضها تئن وتتأوه"  و"لیس لها الآن أشرعة مکتملة". وأما عن مدینة کافافیس، فأینما قلب الشاعر وجهه رأى "أطلالاً سوداء من حیاته".

2- استخدام الرمز المرکب: فقد سبق أن لاحظنا فی تفسیر الشذرة (73) لألکایوس وقصیدة سفینة الدولة لهوراتیوس أن التجربة البحریة یمکن أن تحمل على أکثر من وجه من أوجه الرمز؛ فیمکن للتجربة البحریة أن تمثل رمزاً للتجربة الوجودیة أو التجربة السیاسیة أو التجربة العاطفیة. وفی حین یهیمن التفسیر الوجودی على قصیدة "المدینة" لکڤافیس، فإن ثمة تفسیر عاطفی أیضاً یمکن إضفاؤه على المدینة - باعتبارها مکاناً مغلقاً لا یمکن الفکاک منه، أو وجهاً من وجوه الرمزیة العاطفیة: لقد ربط کلای (Clay) بین المکان فی قصیدة "المدینة" والمکان فی قصیدة "أسوار" (τείχη) حیث یرى أن المکان الذی یرى الشاعر أنه أصبح حبیسه فی قصیدة "أسوار" هو نفسه الذی نجده فی قصیدة "المدینة" (1910)، حیث یجد الشاعر نفسه محاصراً فی "هذا الرکن الصغیر" من العالم، کما یلاحظ أن هذا المکان المغلق على الشاعر هو أیضاً المکان ذاته الذی یتمثل فی بعض قصائده العاطفیة[97].          

أما المعارضة فتکمن فی أن کڤافیس قد سلک مسلکین مختلفین:

1- نقل الکنایة عن المکان من السفینة التی هی على وشک الإقلاع، والتی لم یعد للشاعر أمل فی بقائها، إلى المدینة التی تفتأ تلاحق الشاعر حتى لا یجد ملجأ سواها لأنها أصبحت هی عین ذاته: فألکایوس فی نهایة المطاف(شذرة 73) ینذر سفینته (المدینة/العشیقة) أن تمضی بعیداً عنه منذ الآن. فی حین یخبر هوراتیوس (فی قصیدة "سفینة الدولة") سفینته (المدینة/العشیقة) فی نبرة وداع بأنها "لن تلوثه الآن بالحسرة والأسى". أما کڤافیس فقد بدد سنوات حیاته وخسرها فی المدینة حتى باتت تمثل أطلال حیاته، وباتت کل محاولة للارتحال عنها "مقضی علیها بالفشل"، "فلسوف  تطارده المدینة"، و"سوف یصل دوماً إلیها" ، وذلک لأنه "بدد حیاته" فیها.   

2- تغییر الخطاب من خطاب عن أو إلى المکان المُکَنَى له بالسفینة إلى خطاب موجه إلى الأنا الأخرى أو القرین الذی تنعکس حالته الوجودیة على المکان (المدینة): فألکایوس (شذرة 73) یتحدث عن سفینته (المدینة/المعشوقة) فی ضمیر الغائب، مشیراً ألى "إنها تقول" (fai=s'). فی حین یتحدث هوراتیوس (فی قصیدة "سفینة الدولة") إلى سفینته (الدولة /المعشوقة) فی ضمیر المخاطب المفرد؛ "أیتها السفینة" (O navis) ، "ماذا أنت فاعلة" (o quid agis). أما کڤافیس فقد نظم قصیدته فی شکل مونولوج درامی[98]؛ فیوجه الخطاب تارة إلى ذاته التی تتجسد فی شکل الأنا الأخرى أو القرین، وتارة یتحدث هو نفسه مباشرة. ففی بدایة المقطوعة الأولى من القصیدة، یتوجه إلى نفسه (الأنا الأخرى) بذکر حدث فی الماضی بکلمة "قلتَ"  (Εἶπες). وفی المقطوعة الثانیة یتحدث عن نفسه مباشرة "إلى متى سیظل عقلی". ثم یعود فی المقطوعتین الثالثة والرابعة لیتحدث إلى نفسه (الأنا الأخرى) مرة أخرى؛ "لن تجد أماکن جدیدة" ، و"سوف یخط الشیب شعرک".          

الخاتمة

إن ما نخلص إلیه فی ختام هذا البحث من خلال المنهج والهدف اللذین تعهدنا باتباعهما فی مقدمته هو ان دراسة الأبعاد الرمزیة والمجازیة للتجربة البحریة عند الشعراء الثلاثة قد أفضت بنا إلى العدید من نقاط المقارنة التی تعکس أصداء الشعر اللاتینی – وعلى وجه الخصوص شعر هوراتیوس المتأثر بالتجربة البحریة عند ألکایوس- على تجربة کڤافیس الشعریة البحریة فی اثنتین من أهم قصائده، وهما قصیدتی "إیثاکی" و"المدینة". وتأتی نقاط  التداخل فی حدود التجربة البحریة بأبعادها الرمزیة والمجازیة عند الشعراء الثلاثة فی إطارین اثنین، أحدهما یرتبط بأصداء التجربة البحریة ببعدیها الرمزی والمجازی عند الشاعر اللاتینی فی التجربة  البحریة عند کڤافیس، وثانیهما یدخل فی إطار معارضة کڤافیس لبعض عناصر هذه التجربة کما وردت فی الشعر الکلاسی.       

إن وجود مثل هذا الأصداء ومثل هذا التداخل یمکن أن یؤیده ما أبداه بعض  الدارسین -على نحو ما بینا فی ثنایا هذا البحث- من ملاحظات عامة عن تأثر کڤافیس فی هاتین القصیدتین بأعمال من الأدب اللاتینی فی العصر الفضی: وأعنی قصیدة "حث موجه إلى أودیسیوس"  لبترونیوس والرسالة الثامنة والعشرین لسینیکا. کما یؤیده ظهور إشارات فی قصائد کڤافیس تنم عن معرفته باللغة اللاتینیة، لاسیما ما جاء فی عناوین بعض قصائده "غیر المکتملة" (Ατελή) [99] والمبکرة (المُستَنکَرَة = Αποκηρυγμένα) [100]. وبالإضافة إلى ذلک، یکاد یکون هوراتیوس هو الشاعر الوحید الذی کتب کڤافیس له قصیدة تحمل اسمه فی کل قصائده.  ففی مجموعة قصائده "المُستَنکَرَة" المبکرة (ما بین عامی 1886- 1898)، نجد قصیدة بعنوان "هوراتیوس فی أثینا (Ο Οράτιος εν Αθήναις) "[101] نظمها سنة 1897. وهی قصیدة رقیقة تنم عن إعجاب کڤافیس فی فترة مبکرة من تجربته الشعریة بالشاعر اللاتینی وبمعرفته باللغة الیونانیة وبتأثره بثقافة الیونان وحضارتها. ولعلی لا أجد خیراً من ترجمة هذه القصیدة لأختتم هذا البحث:

 

فی غرفة رفیقته لیا،

حیث الأناقة والثراء والفرِاش الوثیر،

شابٌ یتحدث ، وبیدیه الیاسمین.

تَحلُ أصابعه أحجارٌ ثمینة کثیرة،

 

ویرتدی ثوباً من حریر أبیض

بزراکش شرقیة حمراء.

لغته آتیکیة ونقیة،

لکن فی نطقها لکنة خفیفة

 

یخون (نهر) التیبر و(سهل) لاتیوم.

یعترف الشاب بحبه،

فتصغی (الفتاة) الآثینیة فی صمت

 

إلى هوراتیوس العاشق البلیغ.

وترى بانبهار عوالم جدیدة من الجمال (والحسن)

فی (أعماق) عاطفة ذاک الإیطالی العظیم.

Εις της εταίρας Λέας το δωμάτιον,
όπου κομψότης, πλούτος, κλίνη απαλή,
νέος, με ιάσμας εις τας χείρας, ομιλεί.
Κοσμούσι τους δακτύλους του λίθοι πολλοί,

κ' εκ σηρικού λευκού φορεί ιμάτιον
με ανατολικά κεντήματ' ερυθρά.
Η γλώσσα του είν' Αττική και καθαρά,
αλλ' ελαφρός τις τόνος εν τη προφορά

τον Τίβεριν προδίδει και το Λάτιον.
Ο νέος την αγάπην του ομολογεί,
κ' η Αθηναία τον ακούει εν σιγή

τον εύγλωττόν της εραστήν Οράτιον·
κ' έκθαμβος βλέπει νέους κόσμους του Καλού
εντός του πάθους του μεγάλου Ιταλού.[102]

 



ألحواشی

[1] یستخدم المیناء (λιμήν) بوصفه ملجأ أو ملاذاً عند أیسخیلوس فی Aeschylus'Suppl. 471): ἄτης δ᾽ ἄβυσσον πέλαγος οὐ μάλ᾽ εὔπορον | τόδ᾽ ἐσβέβηκα, κοὐδαμοῦ λιμὴν κακῶν وعند سوفوکلیس فی Sophocles Ajax 683-684:τοῖς πολλοῖσι γὰρ | βροτῶν ἄπιστός ἐσθ᾽ ἑταιρείας λιμήν. . کما تستخدم کلمة (portus) بنفس المعنى عند أوفیدیوس فی  Ovid' Horoides. I. 110: Tu citius venias, portus et ara tuis!  وOvid, Ex Ponto II. viii. 68: vos eritis nostrae portus et ara fugae. و Ovid, Tristia V. vi. 1-2: Tu quoque, nostrarum quondam fiducia rerum, | qui mihi confugiam, qui mihi portus eras,…  وعند شیشیرون فی  Cicero' De De Officiis, 2. 8.26: nationum portus erat et refugium senatus,…  و Cicero' Pro Sulla 14. 41: quo facilius vento aliquo in optimum quemque excitato posset in malis rei publicae portum aliquem suorum malorum invenire.      

[2] تستخدم کلمة (portus) عند سینیکا للدلالة على الموت باعتباره المرفأ لنهایة الحیاة ، Seneca' Ag. 589- 592:.... cum pateat malis | effugium et miseros libera mors vocet | portus aeterna placidus quiete,  و  Seneca' Hercules Oetaeus 1021: mors sola portus dabitur aerumnis meis.  و  Seneca' Hercules Furens: 1071- 1073:.. certas et idem pessimus auctor, |
pater o rerum, portus vitae,|lucis requies noctisque comes,.. . کما تستخدم على نحو مشابه عند شیشیرون Cicero, Tusculanae Disputationes I. 107:… portum esse | corporis et requiescere in sepulcro putat mortuum;

[3] وقد أجمل أندرسون (Anderson) کل هذه المفردات ونظائرها الوجودیة المجازیة- استناداً إلى النصوص الکلاسیة منذ القرن الخامس قبل المیلاد- مشیراً إلى ان السفینة تمثل التجربة الفردیة لشخص ما، ویمثل البحر الزمن الذی یسافر فیه الإنسان ویواجه فیه المخاطر، بینما یمثل المیناء الوجود الآمن أو الموت الذی هو منتهانا جمیعاً. أنظرAnderson 1966,90 . قارن Mendell 1938, 150f و  Zumwalt 1977 -1978,249. أنظر أیضاً Jocelyn 1982, 330  الذی یشیر إلى إلى أن السفینة فی المجتمع البحری یمکن أن تکون صورة لعدد من الموضوعات ، منها الموقف الذی یمر به الفرد أو الجماعة.

[4] یتم تشبیه قیادة الدولة بقیادة السفینة عبر أمواج البحر عند بنداروس فی Pinder' Pythian 1. 86: nw/ma dikai/% phdali/w strato/n.   وعند شیشیرون فی Cicero, Letters to Atticus I.vii:… quod gestiat animus aliquid agere in re publica. Iam pridem gubernare me taedebat, etiam cum licebat; nunc vei'o cum cogar exire de navi non abiectis, sed ereptis gubernaculis, cupio istorum naufragia ex terra intueri,…. . قارن Fraenkel 1957, 155, notes 1, 2, 3 . أنظر أیضاً Cicero, For  Sestius 46 : qui cum tutores1 sunt et duces suorum studiorum vitiorumque nacti2, in re publica fluctus excitantur3, ut vigilandum sit iis qui sibi gubernacula patriae depoposcerunt,….. قارنJocelyn 1982, 331, note 17 . أنظر أیضاً  Aeschylus, Seven Against Thebes: Κάδμου πολῖται, χρὴ λέγειν τὰ καίρια | ὅστις φυλάσσει πρᾶγος ἐν πρύμνῃ πόλεως| οἴακα νωμῶν, βλέφαρα μὴ κοιμῶν ὕπνῳ. و  Sophocles, Oedipus The King 25: πόλις γάρ, ὥσπερ καὐτὸς εἰσορᾷς, ἄγαν | ἤδη σαλεύει κἀνακουφίσαι κάρα | βυθῶν ἔτ᾽ οὐχ οἵα τε φοινίου σάλου,...  و Plato, The Republic VI, 488a: νόησον γὰρ τοιουτονὶ γενόμενον εἴτε πολλῶν νεῶν πέρι εἴτε μιᾶς: ναύκληρον μεγέθει μὲν καὶ ῥώμῃ ὑπὲρ τοὺς ἐν τῇ νηὶ πάντας,….. و  Theognis, Elegy and Iambus, 669-672: :νῦν δέ με γινῴσκοντα παρέρχεται, εἰμὶ δ᾽ ἄφωνος |χρημοσύνῃ, πολλῶν γνοὺς ἂν ἄμεινον ἐτέων,| οὕνεκα νῦν φερόμεσθα καθ᾽ ἱστία λευκὰ βαλόντες|μηλίου ἐκ πόντου νύκτα διὰ δνοφέρην و   Cicero, The Letters To His Friends I. ix. 21: Numquam enim in praestantibus in repyblica gubernanda viris laudata est in una sententia perpetua permansio ; sed, ut in navigando tempestati obsequi artis est, etiamsi portum tenere non queas,… IX. I5. 3: sedebamus enim in puppi et clavum tenebamus ; nunc autem vix est in sentina locus. …. xii. 25a و Cicero, Letters to Atticus VII. 13: quid futurum sit non video; commissum quidem a nobis certe est sive a nostro duce ut e portu sine gubernaculis egressi tempestati nos traderemus.   و Polybius, Histories VI. 44: ἀεὶ γάρ ποτε τὸν τῶν Ἀθηναίων δῆμον παραπλήσιον εἶναι συμβαίνει τοῖς ἀδεσπότοις σκάφεσι. [4] καὶ γὰρ ἐπ᾽ ἐκείνων, ὅταν μὲν διὰ πελαγῶν φόβον διὰ περίστασιν χειμῶνος ὁρμὴ παραστῇ τοῖς ἐπιβάταις συμφρονεῖν καὶ προσέχειν τὸν νοῦν τῷ κυβερνήτῃ, γίνεται τὸ δέον ἐξ αὐτῶν διαφερόντως. قارن Anderson 1966,87.

[5] أنظر أدناه حاشیة 30.

[6] حول استخدام هوراتیوس لموضوعات  وأوزان القصائد الیونانیة وأوزانها، أنظر Frank 1927, 291 . أنظر أیضاً Γρόλλιος 1969, 1676 الذی یشیر إلى تأثر هوراتیوس بالأدب الیونانی القدیم، وخاصة الشعراء الغنائیین أرخیلوخوس وألکایوس وسابفو  وأناکریون وبندروس.وعن أوجه شبه بین هوراتیوس وبکخیلیدیس، أنظر Fraenkel 1957, 188f إلذی یشیر إلى أوجه  شبه محتملة بین قصیدة هوراتیوس (I. 15) والقصیدة الدیثیرامبیة (15) لباکخلیدیس. وعن تأثر بندروس بکل من أناکریون وبنداروس أنظر Mendell 1938, 145f . قارن Cairns1983,33 الذی یرى أن قصیدة 1. 12 لهوراتیوس تذکرنا بالأولیمبیة الثانیة لبنداروس. وعن تأثر هوراتیوس بأرخیلوخوس، أنظر Macleod 1982, 372fالذی یشیر إلى ارتباط الإبودیة 9 لهوراتیوس على اعتبار أنها أغنیة شراب تشیر إلى دیونیسوس بالشذرة 120 لأرخیلوخوس على اعتبار أنها جزء من قصیدة دیثیرامبیة تشیر إلى دیونیسوس.

 [7] لقد استرعى  وجه الشبه بین شذرة (39D = 332 L and P = 322 Loeb) لألکایوس وقصیدة (1. 37) من أغانی هوراتیوس انتباه عدد کبیر من الباحثین، أنظر Frank 1927, 292f - الذی یتحدث أیضاً عن العلاقة بین قصیدة 1. 9 لهوراتیوس والشذرة 34 لألکایوس ،بحیث لا یخطئ القارئ معرفة مصدر هذه القصیدة. کما یشیر إلى علاقة الشذرة 59 بالقصیدة 3. 12 من اغانی هوراتیوس. کما یعتقد أیضاً أن الشذرة 44 لألکایوس هی النموذج الأصلی لقصیدة 1. 18 من أغانی هوراتیوس . أنظر أیضاً Wilkinson 1956, 497f  الذی یشیر إلى أن شذرة ألکایوس هذه، التی أطلق فیها صیحة النصر لسقوط میرسیلوس، هی التی ألهمت هورااتیوس قصیدته عن  کلیوباترا. ویشیر الدارس نفسه إلى أن قصیدة 1. 10 ترتبط بشذرة ألکایوس (fr. 308 LP)، وأن هوراتیوس قد أخذ فکرة قصیدته 1. 9 من شذرة الکایوس (fr.338 LP). أنظر أیضاً وFraenkel 1957, 159، الذی یشیر إلى وجه الشبه بین افتتاحیة (1. 37) من أغانی هوراتیوس- حیث یعبر الشاعر عن البهجة لسقوط کلیوباترا عدوة روما، وافتتاحیة شذرة (39D = 332 L and P = 322) لألکایوس، حیث یعبر الشاعر عن البهجة لسقوط الطاغیة میرسیلوس- أنظر أیضاً Macleod 1982, 374f حول وجه الشبه ذاته بین شذرة (39D = 332 L and P = 322 Loeb) لألکایوس وقصیدة (1. 37) من أغانی هوراتیوس.کما استرعت العلاقة بین القصیدة 1. 10 (نشید میرکوریوس) من أغانی هوراتیوس وشذرة (واردة من نشید هیرمیس) لألکایوس انتباه کل من  Frank 1927, 293و Cairns1983,35. وعن تأثر هوراتیوس بقصیدة "الوداع" (propempticon) لألکایوس، أنظر Frank 1927, 294، حیث یشیر فرانک إلى اتخاذ کل من کالیماخوس وهوراتیوس موضوع قصیدة الوداع  لألکایوس نموذجاً لبعض قصائدهما. وعن أوجه شبه بین أشعار ألکایوس وسابفو فی قصیدة 2. 13 و 3. 1 من أغانی هوراتیوس ذات الرسالة السیاسیة  ،أنظر Nicoll 1986, 604f.   وحول أصداء الکایوس فی القصیدة 3. 13 لهوراتیوس وبعض قصائده الأخرى فی الأجزاء الأول والثانی والثالث من الأغانی أنظر Curley 2004, passim. وعن أوجه الشبه بین قصائد ألکایوس وقصائد من الکتاب الأول من الأغانی لهوراتیوس، لاسیما 1. 1 و 1. 32 و 1. 9، والرسالة 1 . 19، أنظر Lyne 2005, 542f.       

[8] یشیر میندل إلى أنه من المعروف أن ألکایوس قد کتب عن البحر ومشقة السفر فیه، وأن هوراتیوس نفسه قد أشار إلى ذلک مرتین فی قصیدتی (1. 32 و 2. 13) من دیوان الأغانی. لکن یبدو فی کل مرة أن ألکایوس کان فی ذهنه وهو یصف مشقة الحرب والبحر کما هی فی الواقع. أنظر Mendell 1938, 145f. بید أن اهتمام الدارسین ومنهم میندیل نفسه  قد انصب على العلاقة بین قصیدة 1. 14 من دیوان الأغانی لهوراتیوس التی یخاطب فیها السفینة وبعض قصائد ألکایوس التی یبدو فیها عنصر الإبحار واضحاً، وعلى وجه التحدید القصیدة التی تمثلها شذرة  208 والقصیدة التی تمثلها الشذرة 6 ، أنظر Wilkinson 1956, 496f و  Lyne 2005, 558.     

[9] ارتبطت النبرة السیاسیة التی سادت أشعار ألکایوس بمناوئته مع الحکام المستبدین الذی حکموا متیلینی فی تلک الحقبة. ویشیر دال أنظر Dale 2011, 15ff إلى أن بانثیلوس هو الذی قاد هجرة الأیلولیین إلى لیسبوس وأن أولاده قد حکموا الجزیرة إلى أن تتابع على حکمها ثلاثة من الحکام المستبدین هم میلانخوروس (Melanchrus) ومیرسیلوس(Μυρσίλος) وبیتاکوس (Πιττακός). ویشیر دال إلى أن جمیعهم مذمومون فی شعر ألکایوس. وعن الظروف السیاسیة التی سادت فی متیلینی خلال تلک الفترة وشخصیات کل من مرسیلوس وبیتاکوس وصورتهما فی أشعار ألکایوس، أنظر أیضاً Haslam 1988,9 وHansen 1947, 108f و Davies 1985, 33 و Treu 1968-1969, 315ffو Henderson 1994, 37ff و Gomme 1957, 255ff و Kurke1994, Passim

[10]  وقد أکمل Ferrari & Potani 1996. Passim بعض الکلمات فی السطور ألأخیر لتکون على النحو التالی17 e)/onte[j  e)/sloi] ka)p' pate/rw[n ma/qoj |tw\n sf[w=n: o) d']

 a)/mmoj qu=m[oj u – u u |e)/oike[  u]wn taxh/an |20 tai=[j u u - u ]on  h)=tor e)/ndonوهو ما استعنا به فی قراءة الفقرة وترجمتها هنا.   

[11] Alcaeus Fragment 6: 1-20  

[12] Alcaeus Fragment 208: 1-14 

[13] أنظر  Heracleitus Homeric Alhgoritsفی Edmonds 1922, 344f . حیث صَدَّرَ إدموند تحریره وترجمته لهاتین الشذرتین فی طبعة اللویب بالنص الکامل لکلام هیراکلیتوس. قارن Koniaris 1966,388, 395 الذی أورد النص کاملاً أیضاً. قارن أیضاً Jocelyn 1982, 331note 9 الذی یشیر إلى ملاحظة هیراکلیتوس لطابع الحکایة الرمزیة فی قصائد کل من أرخیلوخوس وألکایوس. وأیضاً Campbell 1957, 4f الذی یرتکز على رأی هیراکلیتوس وقراءة بیدج (Page) لإثبات طابع الحکایة الرمزیة فی شذرة (A6 = Loeb 6)، التی   یکمن المجاز فیها فی تفسیر (إننا نتوقع هجوماً آخر من الجانب نفسه مثلما سبق) على أنها تعنی "من جانب مرسیلوس". 

[14] أنظر Mendell 1938, 146

[15] Koniaris 1966,393

[16]  أنظر Campbell 1957, 4f وذلک فی إطار قراءته للعبارة (tw\ prote/rw +ne/mw +) على أنها (tw\ prote/rw'nerw) لیکون المعنى "تتبع هی الأخرى سابقتها فی صف واحد بلا انقطاع". وحول قراءات مختلفة لبعض الکلمات الواردة فی الشذرة على نحو غیر الذی ورد فی هذه الطبعة ، أنظر أیضاً West 1990, 3 الذی یشیر لقراءة  ( a)nalki/ai= قلة حیلة) بدلاً من  (a)nandri/ai = تخاذل).  

[17]  Lattimore 1944, 173

[18] Lattimore 1944, 173f.  

[19] Dale 2011, 16.   

[20]      Alcaeus Fragment 73: 1-10

[21] قارن    Koniaris 1966, 385 الذی أورد رأی بیدج نصاً. وحول صحة رأی بیدج أنظر Anderson 1966,97 الذی یؤید رأی بیدج. وقارن Woodman 1980, 61f الذی یشیر إلى شذرة ألکایوس (73) ویستعرض التعلیقات  التی دونت علیها واعتبرت أن السفینة فیها کنایة عن المعشوقة أو العاهرة. وذلک بناءً على رأی بیدج الذی قام بنشر بردیة (Lobel 306 [14],col. ii), lines 8-25 ( X 14 = Loeb Campell 306 fr. 14) (التی یتم فیها تشبیه المحظیة بالسفینة) واعتبرها تعلیقاً على شذرة 73. وذلک  من شأنه کما یعتقد (Anderson) أن یوضح أن ألکایوس فی شذرة 73 یشیر إلى المعشوقة لا إلى السفینة. وذلک على الرغم من اعتراض کونیاریس Koniaris) ) الذی یرى أن ما جاء فی البردیة لیس تعلیقاً على شذرة 73. لکن حتى وإن کان رأی کونیاریس صحیحاً فإن ذلک لا یمنع أن تکون هناک قصیدة لألکایوس (سواءً شذرة 73 أو غیرها) قد ساوت بین المرأة والسفینة. وهذا مهم لأنه من شأنه أن یفند الاعتراض على تشبیه المرأة بالسفینة عند هوراتیوس لأنه لم یرد عند ألکایوس الذی تأثر به هوراتیوس.

[22] قارن Koniaris 1966,395 الذی أورد نصی کل منهما.                                      

[23]  Koniaris 1966,395     

[24] Koniaris 1966,394     

[25] Alcaeus Fragment 249: 2-9 

[26]    Horace Odes I. 14

[27]  Quintilian, The Institutio Oratoria VIII. vi. 44): Allegoria, quam inversionem interpretandur, aut aliud verbis aliud sensu ostendit aut etiam interim contrarium. Prius fit genus plerumque continuatis translationibus, ut "Onavis, referentinmaretenovi|fluctus. oquidagis? fortiteroccupa|portum," tutusque ille Horatii locus, quo navem pro re publica , fluctus et tempestates pro bellis civilibus, portum pro pace atque Concordia dicit.  (التعبیر المجازی Allegoria) )، الذی یفسرونه (بکلمة) inversio  [یترجمونه إلى الکلمة اللاتینیة  inversio ] ، إما أنه یُظهر شیئاً فی ألفاظه و(یبطن) شیئاً آخر فی معناه، وإما أنه  (یقدم) فی الوقت ذاته النقیض (لظاهر ألفاظه). وینبثق النوع الأول على وجه العموم من ( سلسلة من) الاستعارات التی أُلحق بعضها إلى بعض،  کما جاء فی " أیتها السفینة ، لسوف تحملک الأمواج إلى (عُرض) البحر مرة ثانیة. فماذا أنتِ (الآن) فاعلة؟ فهلا رسیتی على المیناء (وتشبثتی به) بقوة!" وکل (ما ورد فی) تلک القصیدة لهوراتیوس، التی یذکر فیها (الشاعرُ) السفینة کنایةً عن الدولة ، والأمواج والعواصف کنایةً عن الحروب الأهلیة، والمیناء کنایةً عن السلام والوئام.) قارن Mendell 1938, 145   

[28] قارن Woodman 1980, 60 ، الذی یشیر إلى عدد من هؤلاء الدارسین مثل کومیجا (Commager)  و نزبیت-هابرد (Nisbet-Hubbard)  وسیندیکاس  (Syndikus) .

[29] أنظر  Fraenkel 1957, 155ff    

[30] کان تشبیه المرأة بالسفینة شائعاً فی النصوص الأدبیة الیونانیة والاتینیة، أنظر Theognis, Elegy and Iambus 457-60:οὔτοι σύμφορόν ἐστι γυνὴ νέα ἀνδρὶ γέροντι:|οὐ γὰρ πηδαλίῳ πείθεραι ὡς ἄκατος,| ὀυδ᾽ ἄγκυραι ἔχουσιν, ἀπορρήξασα δὲ δεσμὰ | πολλάκις ἐκ νυκτῶν ἄλλον ἔχει λιμένα. (بالطبع لا تصلح امرأةٌ شابةٌ لرجل عجوز:|لأنها کالسفینة الخفیفة لا تنصاع لدفة (توجه حرکتها)،| ولا تکبحُ (جماحَها) المراسی، بل إنها بعد أن تُحطم | قیودها تتخذ (لنفسها) میناءً آخر (فی لیلة) من اللیالی.) وCatullus, Poems 64. 97-98: qualibus incensam iactastis mente puellam fluctibus in flavo saepe hospite suspirantem!. (على أی (نوع من) الأمواج هززتم (بشدة تلک) الفتاة محترقةَ / الفؤاد وهی تتأوه مراراً فی (أحضان) الضیف الأشقر.) أنظر أیضاً Woodman 1980, 61  الذی یشیر إلى بعض هذه النصوص ومصادر أخرى.        

[31] أنظر Mendell 1938, 146 . إن الرأی المبنی على مقولة کوینتیلیانوس عن هذه القصیدة بوصفها تعبیراً مجازیاً عن سفینة الدولة کان هو السائد منذ القرن الأول المیلادی، حتى جاء میریتاس (Muretus ) فی القرن السادس عشر وجادل ضد التفسیر المجازی لهذه القصیدة وتلاه فیبار (Faber) وداسییر (Dacier وریشارد-بانتلی Richard Bentley والدارسین الألمان کنور( Knorr) وکوکولا (Kukula) وبیرت (Birt) [( لملخص لهذه التفسیرات المختلفة لهذه القصیدة حتى سنة 1929.أنظر Anderson 1966,84 . قارن میندل، نفس المرجع، صفحة 145.     

[32]  Mendell 1938, 156

[33] أنظر Anderson 1966,96  

[34] أنظر  Anderson 1966,97  

[35] Zumwalt 1977 -1978,253f     

[36] أنظر Woodman 1980, 64  

[37] Woodman 1980, 66

[38]  Knorr 2006, 149 

[39] أنظر Knorr 2006, passim,esp.166   

[40] Carrubba 2003, 614f        

[41]  أنظر Carrubba 2003, 611

[42] Jocelyn 1982, 332 . وهو یجادل فی الصفحات التالیة ضد رأی Woodman - الذی یرى فی السفینة المذکورة فی هذه القصیدة کنایة عن المرأة- بعدد من الحجج أهمها أن نبرة التعاطف التی تصدر من الشاعر تجاه السفینة فی المقطوعة الأخیرة من القصیدة غریبة عن نبرة العداء التی عادة ما نلاحظها فی النصوص الیونانیة واللاتینیة التی تستخدم السفینة بوصفها مجازاً للمرأة المستهلکة.

[43] جاءت معلوماتنا عن هذا النوع الأدبی من خلال خمسة أو ستة نماذج وصلتنا من الأدب الرومانی . وقد کتب هذا النوع من القصائد لشخص عزیز مغادر فی رحلة طویلة. ویدور موضوعه الأساسی حول الأسى والحزن الناتج عن فراق هذا الحبیب. قارن  Mendell 1938, 146,153 والذی یشیر إلى  أن هوراتیوس کتب قصیدة وداع لفرجیلیوس (1. 3 )، کما کتب قصیدتین أخریین (3. 27و 1. 35).

[44]   Horace Ode II. 10

[45]  وهو الأمر الذی یمکن أن نجده فی إشارات وردت فی قصائد أخرى للشاعر. أنظر على سبیل المثال Horace' Odes  I. 34. 3-6: nunc retrorsum | vela dare atque iterare cursus| cogor relectos . أنظر أیضاً متن هامش 32.    

[46] أنظر Mendell 1938, 147

[47]  أنظر Blaiklock 1959,210

[48] یظهر البحر فی العدید من القصائد الأخرى لهوراتیوس فیما عدا قصائد الوداع  والقصیدتین موضوع الدراسة هنا. وذلک مثل القصیدة 1. 15 ، حیث یوجه نیریوس (Nereus) الخطاب إلى باریس (Paris) الذی حمل هلینی  فی سفینة عبر البحر. وکذا قصیدة 1. 32. ویوضح Blaiklock 1959,205 أن صورة العاصفة هی صورة متکررة فی الدیوانین الأول والثانی من أغانی هوراتیوس وأن العاصفة عادة ما ترتبط بالبحر او بما یشبه شاطئ البحر، وتمثل فی ذلک مجازاً. کما یشیر إلى أن البحر نادراً ما یکون هادئاً لطیفاً عند هوراتیوس ، لکنه عادة ما یکون باعثاً للخوف والمؤامرة والغضب. قارن Mendell 1938, 146.

 [49]تعد القصیدة السابعة من الکتاب الثالث من دیوان الأغانی لهوراتیوس (3. 7) مثالاً وضحاً على ذلک، حیث  تقدم نموذج للحبیبین جیجیس (Gyges) وأستیری (Asterie) الذین یفترقان بسبب رحلة بحریة,هو نموذج مشابه لنموذج أودیسیوس (Ὀδυσσεύς) وبینیلوبی (Πηνελόπη) فی الأودیسیة. وعن مقارنة بین هذه القصیدة والأودیسیة أنظر Harrison 1988, passim   

[50]  یظهر موضوع الرحلة البحریة فی عدد من قصائد کافافیس الأخرى (غیر تلک التی نتناولها بالدراسة المقارنة فی هذا البحث)، ومنها قصیدة "العودة من الیونان" (ΕΠΑΝΟΔΟΣ ΑΠΟ ΤΗΝ ΕΛΛΑΔΑ)  وقصیدة "فی المیناء" (ΕΙΣ Το ΕΠΙΝΕΙΟΝ) وقصیدة "على متن السفینة" (ΤΟΥ ΠΛΟΙΟΥ) وقصیدة "على شاطئ إیطالی" (ΕΙΣ ΙΤΑΛΙΚΗΝ ΠΑΡΑΛΙΑΝ)

[51]  دخلت إیثاکی دیوان شعر کڤافیس سنة 1911، أنظر Keeley & Sherrard 1975, viii, 29f و Keeley 1996, 22 و Sachperoglou 2003. 25.أنظر أیضاً Dalven 1961, xxi, 36 . ویُذکر أن فوریستیر Forster هو من قدم کڤافیس لکل من إلیوت (Eliot) وتویمبی (Toynbee) ولورنس  (Lawrence).، أنظر Barnstone 1977, 57ff و Sachperoglou 2003. 21. وکانت قصیدة إیثاکی قد نالت إعجاب إلیوت أولاً ، فتمت ترجمتها ونشرت تحت عنوان (Ithaka)  فی حولیاته الأدبیة (Criterion) سنة 1924، أنظر Galens 2003, 119، الذی یشیر فی صفحة 121 أیضاً إلى تأثر الشاعر الإنجلیزی أودین (W. H. Auden) بهذه القصیدة فی قصیدته أطلنطة (Atlantis). وقد امتد تأثیر هذه القصیدة بطبیعة الحال لیؤثر على الشعراء المفلقین فی الیونان الحدیثة. وفی هذا الصدد یشیر Barnstone 1977, 60f إلى أننا نجد أن سیفیریس (Σεφέρης) فی عملة روایة (Μυθιστόρημα) یحاول أن یصنع من أودیسیوس بطلاً  یونانیاً لکل العصور، وکذا کزانزاکیس (Καζαντζάκης) فی عمله "أودیسیا" (Οδύσσεια) یجعل أودیسیوس یستمر فی مغامراته بعد عودته.    

[52] Καβάφης, Ποιήματα: αναγνωρισμένα, Ιθάκη  

[53] أنظر Galens 2003, 117

[54] Kamperi, M. 2013. 39f .    

[55]  Keeley 1996, 39  

[56]  Ξενόπουλος 1943,849f

[57] Liddell 1983, 25

[58] Barnstone 1977, 65f 

[59] أنظر Bien 1964, 45f

[60] أنظر Melakopides1983, 219

 [61] Galens 2003, 116f . أنظر أیضاً Kamperi, M. 2013. 37 الذی یشیر إلى أن کڤافیس فی قصیدته قد عمد إلى قلب الأسطورة الهومریة حتى یجعل المآل أقل أهمیة . کم أضفى نوع من السخریة (الأیرونیا) نابعة من أن أودیسیوس فی الأودیسیة لم یکن یتمنى ابداً القیام برحلة طویلة قبل الرجوع إلى وطنه.

[62] أنظر Fatouros 2000, 211 الذی یشیر إلى أنه من المتعارف علیه منذ عهد طویل أن جذور أشعار کڤافیس موجودة فی قراءته لکتاب قدماء خاصة الإغریق من أواخر العصور القدیمة. کما یشیر إلى أن کڤافیس فی العادة یرکز انتباهه على هوامش القص أو القصص ، ومن الممکن أن یقتنص حدث غیر ذی أهمیة ویجعله لبنة یبنى حولها قصیدته. کما یقوم باستعراض عدد من المصادر التی استخدمها کڤافیس فی بعض قصائده. قارن Paschalis 1999, 403,404f الذی یشیر إلى أن هناک نوع من التداخل والتأثیر المتبادل من ناحیة الموضوع والدلالة بین عدد من قصائد کڤافیس (من بینها قصیدة "الرب یهمل أنطونیوس" وقصیدة "أواسط مارس") وبین ما ورد عند بلوتارخوس، لا سیما فی سیره عن أنطونیوس وعن یولیوس قیصر. کما یشیرPeckham1991,38 إلى ان إطلاع کڤافیس الواسع على الأدب والتاریخ الأوروبی، من لدن بلوتارخوس وحتى جیبون (Gibbon)، قد أمد الشاعر بقدر کبیر من المادة التی أنشأ بها قصائده.      

[63]  Petronius, Poem 6     

Malanos 1957,304f [64]         

[65]  Kamperi 2013, 36

[66] Liddell 1974, 152, 154 

[67]  Fatouros 2000, 215f 

[68] أنظر Dante, Divine Comedy -Inferno, Canto 26. 91ff: From Circe had departed, who concealed me/…  

[69] Alfred, Lord Tennyson Poems, Ulesses: …. But strong in will , to strike, to seek ,to find and not to yield.

[70] Galens 2003, 120

[71] Καβάφης, Ποιήματα: ΚρυμμέναΔευτέρα Oδύσσεια   

[72] Colffing1983, 119

[73] أنظر Galens 2003, 113 الذی یشیر إلى أن عدم تحدید الشاعر للشخص الذی یکلمه فی بدایة القصیدة ، فمن الممکن أن یکون ضمیر المتکلم المفرد إشارة إلى أودیسیوس ومن الممکن أن یکون إشارة إلى المسافر أو القارئ الحدیث بوجه عام.

[74] قارن  Barnstone 1977, 63 الذی یشیر إلى تماهی کڤافیس مع أودیسیوس فی قصیدة إیثاکی.

[75]   Δάλλας1955, 647

[76]  Keeley 1996, 37.

[77] Robinson 1988, 4

[78] Melakopides 1983, 208f

[79] قارن Galens 2003, 117f  الذی یشیر إلى أنه من الممکن أن تکون الإسکندریة هی واحدة  من المدن المصریة الکثیرة التی ینصح  کڤافیس بزیارتها فی هذه القصیدة.    

[80] أنظر Keeley& Sherrard 1975, vii, 22 الذی یضع للقصیدة تاریخ 1910. أنظر أیضاً Dalven 1961, xxii, 27.

[81] Καβάφης, Ποιήματα: αναγνωρισμένα, ΗΠόλις  

[82]  Galens 2003, 123 . قارن Katope 1969,127, 136  الذی یرى أن القصیدة تعکس رؤیة سوداویة أثرت على رؤیة الإسکندریة فی  "رباعیة" داریل .    

[83] Βρισιμιτζάκης, Γ. 1963 , 1407

[84]  Δημάκης 1933  , 1603

[85] أنظر أعلاه، حاشیة 35 ومتنها.

[86] Άγρας 1963 1402f

[87]  Pontani1936,  1342

[88]  Peckham 1991,40  

[89] حول القصائد التی ورد فیها ذکر مدینة الإسکندریة صراحة أو  بصفات مثیلة، أنظر   Μαραβάλια 1997,29ff  ، حیث یحصی 25  قصیدة من هذا النوع مؤکداً أن الإسکندریة تمثل شرطاُ لا غنى عنه (sine qua non) فی تجربة کفافیس الشعریة.      

[90] أنظر Bien 1964, 7

[91] Keeley 1996, 17f 

[92]  Keeley 1996, 39 

[93] Seneca, Ad Lucilium Epistulae  Morales, XXVIII, 1-2      

[94] Tsakiridou 1992, 126

[95] Horace  Epistle I. 11  

[96] Robinson 1988, 4f

[97] Clay1983, 161f

[98] لمزید من المعلومات حول المنولوج الدرامی فی قصائد کڤافیس أنظر Sifaki 2013, 31 الذی یتناوله فی قصیدتی "محب للیونان" و"العودة من الیونان"   

[99] عندما نتصفح عناوین قصائده نعثر فی مجموعة قصائده "غیر المکتملة" (Ατελή)على عنوان باللغة اللاتینیة (Hunc deorum templis) "هنا فی معابد الآلهة". وفی إطار حدیثة عن مدى تحری کڤافیس للدقة فی عناوین قصائده، یرى  Bowersock 2009, 142 فی هذه القصیدة التی تحمل هذا العنوان اللاتینی قصیدةً فریدة عن سیرة حیاة جولیان کقائد لبلاد الغال. "ومن المفترض أن کڤافیس کان یکتب من الذاکرة ما قصد أن یکون "استشهاداً" من حکایة أمیانوس (Ammianus) عن المرأة العمیاء فی مدینة ڤیینا، لکنه عندما یتحمل مشقة استقصاء ما ورد فی نص أمیانوس فإنه یکتشف أنه قد أخطأ. عندها یراجع العنوان لیصیغ الاستشهاد اللاتینی بشکل صجیح Hunc deorum templa reparaturum "هنا معابدُ الآلهة التی تسترد مکانتها من جدید". وعن هذه القصیدة کإحدى قصائد کڤافیس التی تتحدث عن جولیان المرتد، أنظر Mendelsohn 2009,402. Cf. 379، الذی یؤرخ القصیدة بمارس 1926.

[100]نجد فی مجموعة قصائده "المُستَنکَرَة" (Αποκηρυγμένα) قصیدة أخرى تنتمی إلى قصائده المبکرة –وبالتحدید سنة 1993-  تحمل عنواناً لاتینیاً (Vulnerant Omnes, Ultima Necat) "کل (الساعات) تجرح ، والأخیرة تقتل". ویقوم الشاعر بوضع ترجمة لهذا العنوان فی سیاق القصیدة (Πληγώνει πάσα ώρα μου· φονεύει η εσχάτη). أنظر  Dalven 1961, xxii, 187  حیث صنف هذه القصیدة ضمن قصائد کڤافیس المبکرة.

[101] أنظر  Dalven 1961, xxii, 206  حیث صنف هذه القصیدة ضمن قصائد کڤافیس المبکرة.

[102] Καβάφης, Κ. Π. Ποιήματα: αποκηρυγμένα, Ο Oράτιος εν Aθήναις

أولاً: المصادر
Aeschylus, SevenAgainstThebes (With English Trans. By H. W. Smyth) In Aeschylus vol. I: SuppliantMaidens, Persians, Prometheus, SevenAgainstThebes. London. L.C.L 1922.
Aeschylus, Suppliant Maidens (With English Trans. By H. W. Smyth) In Aeschylus vol. I: Suppliant Maidens, Persians, Prometheus, Seven Against Thebes. London. L.C.L 1922.
Alcaeus Fragments (With an English trans. By D. A. Campell) In Greek Lyric. Vol. I: Sappho and Alcaeus. LCL. London. 1982.
Alfred, Lord Tennyson Poems, Publish. By The world poetry Archieve. 2004.
Catullus, Poems (with an English Trans. By F. W. Cornish) one vol.: Catullus, Tibullus and Pervigilium Veneris. London. L.C.L.1921.
Cicero, De Officiis (With English Trans. By W. Miller) London. L.C.L 1928.
Cicero, For  Sestius  (Ed. with English Trans. by by C. D. Yonge)
Cicero, Letters to Atticus (With English Trans. By E. O. Winstedt) in 3 vols. London. L.C.L 1913-1919.
Cicero, The Letters To His Friends (With English Trans. By W. G. Williams & Others) in 3 vols. London. L.C.L 1958-1960.
Cicero, Pro Sulla (Ed. by A. Clark). Oxonii. 1909.
Cicero, Tusculanae Disputationes (Ed. by M. Pohlenz) Leipzig. Teubner. 1918.
Dante Alighieri, Divine Comedy, Trans. into English by H. W. Longfellow. Typestting by J. Nygrin. 2008.
Horace Odes and Epodes (Ed. & Trans. Into English By N. Rudd). LCL. London. 2004. 
Horace Satires, Epistles and Ars Poetica (With  an English Trans. By H. R. Fairclough) LCL. London. 1942.
Καβάφης, Κ. Π. Ποιήματα: αναγνωρισμένα, αποκηρυγμένα, Κρυμμένα, Ατελή. Πεζά : Δημοσιευμένα, Κρυμμένα. Ο Επίσημος Δικτυακός Τόπος του Αρχαίου Καβάφη : http://www.kavafis.gr/index.asp
Καβάφης, Κ. Π. Ποιήματα: 154 αναγνωρισμένα, 75 ανέκδοτα, 27 αποκηρυγμένα :http://cavafis.compupress.gr/index3.htm
Ovid, Ex ponto (With English Trans. By A. L. Wheeler) London. L.C.L 1939.
Ovid, Horoides and Amores (With English Trans. By G. Showerman) London. L.C.L 1914.
Ovid, Tristia (With English Trans. By A. L. Wheeler) London. L.C.L 1939.
Petronius, Poems (with an English Trans. By M. Heseltine) In Petronius, Seneca Apocolocyntosis. London. L.C.L.1913.
Pindar, Olympian Odes, Pythian Odes (Ed. and Trans. Into English By W. H. Race.) London. L.C.L 2004.
Plato, The Republic  (With English Trans. P. Shorey) In 2 vols. London. L.C.L 1942.
Polybius, Histories (Ed. by  Th. Büttner-Wobst after L. Dindorf) Leipzig. Teubner. 1893.
Quintilian, The Institutio Oratoria  (with an English Trans. By H. E. Butler) vol. III. London. L.C.L.1922.
Seneca, Ad Lucilium Epistulae  Morales (With English Trans. R. M. Gummere) vol. I.  London. L.C.L. 1979.
Seneca, Agamemnon (With English Trans. By F.J Miller) In Seneca Tragedies vol. II: Agamemnon, Thyestes, Hercules Oetaeus, Phoenissae, Octavia. London. L.C.L 1968.
Seneca, Hercules Furens (With English Trans. By F.J Miller) In Seneca Tragedies vol. I: Hercules Furens, Torades, Media, Hippolytus, Oedipus. London. L.C.L 1917.
Seneca, Hercules Oetaeus (With English Trans. By F.J Miller) In Seneca Tragedies vol. II: Agamemnon, Thyestes, Hercules Oetaeus, Phoenissae, Octavia. London. L.C.L 1968.
Sophocles, Ajax (With English Trans. By F. Storr) In Sophocles vol. II: Ajax, Electra, Trachiniae, Philoctetes. London. L.C.L 1913.
Sophocles, Oedipus The King (With English Trans. By F. Storr) In Sophocles vol. II: Oedipus The King, Oedipus At Coonus, Antigne. London. L.C.L 1962.
Theognis, Elegy and Iambus (with an English Translation by. J. M. Edmonds) London. 1931.
ثانیاً: المراجع
Άγρας, Τ. 1963. "Κρίσεις, Εγκώμια, Πολεμική [Ο Καβάφης, Η Εποχή του, οι μεταγενεστεροι Χρόνοι]." ΝΕΑΕΣΤΙΑ 74 vol. 872  :1395-1402. 
Anderson W. S. 1966. "Horace "Carm." 1. 14: What Kind of Ship?" CPh 61: 84-98.  
Barnstone, W. 1977. "Real and Imaginary History in Borges and Cavafy." CompLit 29: 54-73.
Bien, P. 1964. Constantine Cavafy. New York.
Blaiklock, E. M. 1959. "The Dying Storm: A Study in the Imagery of Horace." Greece & Rome 6: 205-210.
Βρισιμιτζάκης, Γ. 1963 "Το Έργο του Κ. Π. Καβάφη."   ΝΕΑΕΣΤΙΑ 74 vol. 872 : 1405-1412.
Bowersock, G. W. 2009. Essays on the Classical Tradition. Oxford.
Cairns, F. 1983. ""Alcaeus' Hymn to Hermes, " P. Oxy ". 2734 Fr. 1 and Horace "Odes" 1,10." QUCC 13: 29-35.
Campbell, A. Y. 1957. "Alcaeus A 6.1." CR 7: 4-5. 
Carrubba, W. 2003. "The Structure of Horace's Ship of State: "Odes" 1, 14." Latomus 62: 606-615.
Clay, D. 1983. "The Silence of Hermippos: Greece in the Poetry of Cavafy." In The Mind and Art of C. P. Cavafy: Essays in his life and work. Athens: 157-181.
Colffing, F. 1983. "The Alexandrian mind: Notes toward a definition." In The Mind and Art of C. P. Cavafy: Essays in his life and work. Athens: 115-126.
Curley, D. 2004. "The Alcaic Kid (Horace, "Carm." 3.13)." CW 97: 137-152.
Dale, A. 2011. "Alcaeus and Career of Myrsilos: Greeks Lydians and Luwians at the East Aegean-west Anatolian Interface." JHS 131: 15-24.
Δάλλας, Γ.1955. "Ο Καβάφης και η πόλις των Ιδεών του." ΝέαΕστία 57: 646- 652.
Dalven, R. (Trans, into English) 1961. Complete Poems of Cavafy. (introd. By W. H. Auden). New York.
Davies, M. 1985. "Conventional Topics of Invective in Alcaeus." Prometheus 11:31-39.
Δημάκης, Μ. 1933. "Ο Γενικός και Ατομικός Άνθρωπος στην Ποίηση του Καβάφη ." ΝΕΑΕΣΤΙΑ 15 vol. 168: 1602- 1606.
Edmonds. J. M. 1922.Lyra Graeca:Being the Remains of All the Greek Lyric Poets from Eumelus to Timtheus Excepting Pindar.Vol. I. London. LCL.
Fatouros, G. 2000. "Some Unknown Sources of Inspiration in the Works of C.P. Cavafy." BMGS 24: 211-227.
Ferrari, F. & Potani, F. 1996. "Alcaeus' Grandfathers: A note on fr. 6, ll. 17-20 V." ZPE 113: 1-4.
Fraenkel, E. 1957. Horace. Oxford.
Frank, T. 1927. "How Horace Employed Alcaeus." CPh 22: 291-295.
Galens, D. 2003. "Ithaca, C. P. Cavafy, 1911." Ed. In Poetry for Students: Presenting Analysis, Context, and Criticism on Commonly Studied Poetry. Vol. 19. Michigan: 113-128
Gomme, A. W. 1957. " Interpretations of Some Poems of Alkaios and Sappho." JHS 77: 255-266.
Γρόλλιος, Κ. Χ. 1969. "Οράτιος, Ο Ελληνικότατος Ποιητής: Διερεύνηση μιας τεχνοτροπίας." ΝέαΕστία 86:1676- 1694.
Hansen, O. 1947. "An Attic Drinking-Song as a possible source For Peisistratus Campaign For the Possession of Sigeum in the Troad."  PP 4 :108-109.
Harrison, S. J. 1988. "Horace, Odes 3.7: An Erotic Odyssey?" CQ 38: 186-192.
Haslam, M.1988. "  )Alkai=oj o( tw=n e)pw=n Poihtw=n." BASP 25: 9-11.
Henderson, W. J. 1994.  Alcaeus, Fr. 296(a). 8 Lobel-Page: Lion or Tyrant." AClassica 37: 103-106.
Jocelyn, D. 1982. "Boats, Women, and Horace Odes 1. 14." CPh 77: 330-335. 
Kamperi, M. 2013. The Homeric Element in Cavafy's Poetry: Three Examples. Master Thesis. Lund.
Katope , G. 1969. "Cavafy and Durrell's the Alexandria Quartet." CompLit 21: 125-137.
Keeley, E. & Sherrard, Ph. (Trans. Into English) 1975. C. P.Cavafy Collected Poems.(Ed. By G. Savidis) London.
------------- 1996. Cavafy's Alexandria. Massachusetts.
Knorr, O. 2006. "Horace's Ship Ode ("Odes" 1.14) in Context: A Metaphorical Love-Triangle." TAPhA 136: 149-169.
Koniaris, G. L. 1966. "Some Thoughts on Alcaeus' Frs. D 15, X 14, X 16." Hermes 94: 385-397.
Kurke, L. 1994.  " Crisis and Decorum in Sixth-Century Lesbos: Reading Alkaios Otherwise." QUCC 47: 67-92.
Lattimore, R. 1944. "Notes on Greek Poetry." AJPh 65. 172-175.
Liddell, R. 1974. Cavafy : A Critical Biography. London.
------------- 1983. "Studies in Genius : Cavafy." In The Mind and Art of C. P. Cavafy: Essays in his life and work. Athens: 19-32.
Lyne, R. O. A. M. 2005. "Horace Odes Book 1 and the Alexandrian Edition of Alcaeus." CQ 55: 542-558.
Μαλάνος, Τ. 1957. Ο Ποιητής Κ. Π. Καβάφης: Ο  Άνθρωπος και το έργο του. Εκδοση συμπληρωμένη και ορεστική. Αθήνα.
Macleod, C. W. 1982. "Horace and His Lyric Models: A Note on Epode 9 and Odes 1, 37." Hermes 110: 371-375.
Μαραβάλια, Σ. ΕΜΜ. 1997. "Η Αλεξανδρεία στο Εργο του Κ. Π. Καβάφη και στην Νουβέλλα του Ναγκιμπ Μαχφούζ Μιραμάρ." Παρνασός ΛΘ΄ :22- 41.
Melakopides, C. 1983. "Cavafy: The Philosophical Poetry." In The Mind and Art of C. P. Cavafy: Essays in his life and work. Athens:195- 223.
Mendell, C. W. 1938. "Horace I. 14." CPh 33:145-156
Mendelsohn, D. 2009. C. P. Cavafy: Complete Poems: Including the First English Translation of Unfinished Poems.New York.
Nicoll, W. S. M. 1986. "Horace's Judgement on Sappho and Alcaeus." Latomus 45: 603-608.
Paschalis, M. 1999. "Θεοί and Θεοδότος: Thematic Collections and Generation of Meaning in Cavafy's Poetry."  JMGS 17: 403- 412.
28-Peckham, R. S. 1991. "Cavafy and the Poetics of Space." Journal of Hellenic Diaspora 17: 37- 48.
Pontani F. M. 1936. "Ο Ποιητής Κωνσταντινος Καβάφης."  Trans. Into Modern Greek by F. Di Gyorgio. ΝΕΑΕΣΤΙΑ 20  :1339- 1343.
Robinson, Ch. 1988. Studies in Modern Greek: C. P. Cavafy. Bristol.
Sachperoglou, E. 2003. C. P. Cavafy : 154 Poems. Translation & Introduction. Athens.
Sifaki, E. 2013. "Self-Fashioning in C. P. Cavafy‟s“Going back Home from Greece” and “Philhellene”." Synthesis 5:29- 48.
Spanaki, M. 1997. "Egypt and Cyprus: Representation of Colonialism in Cavafy, Pierides, Roufos, and Durrell." Journal of Hellenic Diaspora 23: 111-126.
Treu, M. 1968-1969.  "Νεώτερα περί Σαπφούς και Αλκαίου." Επιστημονική Επιτερίς Της Φιλοσοφικής Σχολής του Πανεπιστημίου Αθηνών. ΙΘ  :301-317.
Tsakiridou, C. A. 1992. "Hellenism in C. P. Cavafy." Journal of The Hellenic Diaspora 21 : 115- 129.
West, M. L. 1990 "Notes on Sappho and Alcaeus." ZPE 80: 1-8.
Wilkinson, L, P. 1956. "The Earliest Odes of Horace." Hermes 84: 495-499.
Woodman, A. I. 1980. "The Craft of Horace in Odes 1. 14." CPh 75: 60-67.
Zumwalt N. K. 1977 -1978. "Horace's "Navis" of Love Poetry ("C."1.14)."  CW 71: 249-254.
Ξενόπουλος, Γ. 1943. "Το Ανθρώπινο στην Ποιήση του Καβάφη." Νέα Εστία 34: 845-851.