الاستغراق الزمني للأصوات وأثره في تشکيل اللغة وإدراکها

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها کلية الآداب - جامعة القاهرة

المستخلص

تعد دراسة المکوِّن الزمني للأحداث الصوتية مسألة أساسية في الکثير من أبواب الدرس اللساني للغات کافة إنتاجا وأداءً وإدراکا وتحليلا ، بداية من الصوت المفرد ، مرورا بالکلمة المفردة ، وانتهاءً بالجملة اللغوية الکاملة . حيث إن الدور الذي يمکن أن يسند لهذا الملمح الصوتي " الاستغراق الزمنيDuration  " لا يقف فقط عند حدود التأثيرات الفوناتيکية (الأصواتية) في تشکيل بنية اللغة ، وإنما يمتد کذلک ليشمل التأثير  الفونولوجي الوظيفي على کافة عناصر البنية الصوتية وإدراکها من قبل المتکلم والمستمع ، بما يضمن حصول الفاعلية التواصلية بينهما . واستنادا إلى هذه الأهمية الکبرى للاستغراق الزمني لأصوات اللغة ، فقد عمد هذا البحث إلى تعرُّف البعد الزمني للأحداث الصوتية ، ودراسة تنويعاته ، کما تعکسها مصطلحاته الصوتية المختلفة (الطول Length ، والکمية Quantity، والإطالة Lengthening ، والتزمين Tempo ) ، وبيان أثرها جميعا على المحتوى الدلالي للرسائل الصوتية المدرکة في اللغة .

نقاط رئيسية

مراجع البحث

  • إبراهیم أنیس :  ـالأصوات اللغویة ، مکتبة الأنجلو المصریة ، ط 6 ، 1981 .
  • أحمد مختار عمر : دراسة الصوت اللغوی ، عالم الکتب ، القاهرة ، 1990 .
  • برتیل مالمبرج : الصوتیات ، ترجمة ، محمد حلمی هلیل ، مؤسسة عین للدراسات والبحوث الإنسانیة والاجتماعیة ، 1994 .
  • تمام حسان : اللغة العربیة معناها ومبناها ، عالم الکتب ، القاهرة ، ط 3 ، 1998.
  • ابن جنی : الخصائص ، تحقیق محمد على النجار ، سلسلة الذخائر ( 146) الهیئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ، 2006 .
  • سعد مصلوح : دراسة السمع والکلام ، صوتیات اللغة من الإنتاج إلى الإدراک ، عالم الکتب ، القاهرة ، 2000.
  • سیبویه : الکتاب ، تحقیق ونشر عبد السلام محمد هارون ، القاهرة ، دار القلم ،1966.
  • شکری عیاد : موسیقى الشعر العربی ، دار المعارف ، القاهرة ، طـ 1 ، 1968 .
  • عبد العزیز علام : من التزمین فی نطق العربیة الفصحى ، دار بصائر ، القاهرة ، ط1 ، 2007 .
  • غانم قدوری الحمد : الدراسات الصوتیة عند علماء التجوید ، مطبعة الخلود ، بغداد ، 1986.
  • فادیة فاروق عبد العزیز : التنغیم الاستفهامی .. دراسة صوتیة مختبریة فی الأداء الصوتی لمسرحیة " الست هدى " رسالة ماجستیر مخطوطة ، کلیة الآداب ، جامعة القاهرة ، 2011 .
  • محمد صالح الضالع : الصوتیات الفونولوجیا ، مقدمة للقارئ العربی ، دار الثقافة العربیة ،القاهرة ، 2001.
  • مصطفى زکی التونی : فونولوجیا العربیة والمصطلحات الصوتیة عند علماء التجوید ، دار شمس المعرفة ، القاهرة ، ( د.ط ) ، ( د. ت ) .

 

المقالات والدوریات :

  • رضوان القضمانی : الأنماط التنغیمیة فی اللسان العربی ، الخطاب فی سوریة أنموذجا ، مجلة علوم اللغة ، مج 4 ، ع 1 ، 2001 .
  •  سعد مصلوح : المصطلح اللسانی وتحدیث العروض ، مجلة فصول ، مصر ، مج 6 ، ع 4 .
  •  سمیر شریف ستیتیة : التنوع الکمی للحرکات ، مجلة جامعة الملک سعود ، مج 9 الآداب (1) ، 1997 .
  • عبد المنعم السید جذامی : دلالة السمات شبه اللغویة المصاحبة للأداء الکلامی فی عملیة التواصل ، دراسة تطبیقیة على بعض روایات نجیب محفوظ ، مجلة علوم اللغة ، مج 9، ع3 ، 2006 .

المراجع الأجنبیة :

  • anial Jones : An Outline of English Phonetics , Cambridge , 1956.
  • .B. Fry : Prosodic Phenomena : manual of Phonetics , London , 1970 
  • Ian MacKay : Introducing Practical Phonetics , New York , 1978  .
  • Ilse Lehiste : Suprasegmental , Cambridge , Massachusetts , London , 1970  .

P. Ladefoged : A Corse in Phonetics , By Harcourt Brace , Jovanovich . Inc , 1975 .

الكلمات الرئيسية


مقدمة:

یمثل البعد الزمنی وسطا جامعا مشترکا لإدراک الأحداث الصوتیة کافة فی اللغة ، ابتداءً من الصوت المفرد صامتا Consonant  کان أم حرکة Vowel ، مرورا بالکلمة المفردة ، وانتهاءً بالجملة اللغویة کاملة . لذا فإن للبعد الزمنی  دورا رئیسا فی دراسة الأصوات اللغویة وتحلیلها بشکل عام ، فالکلام إنما یحدث فی الزمن ، والأصوات تتابع لحظة بعد لحظة ، کما تتتابع التغیرات فی صفاتها ومخارجها . غیر أن هذا لا یعنی ـ بحال ـ أن الدور الذی یمکن أن یسند لهذا الملمح الصوتی یقف فقط عند حدود التأثیرات الفوناتیکیة ( الأصواتیة) فی اللغة ، وإنما یمتد کذلک لیشمل التأثیر الفونولوجی الوظیفی على کافة عناصر البنیة الصوتیة ، والإدراک اللغوی لها من قبل طرفی العملیة التواصلیة اللغویة : المتکلم والمستمع ، بما یضمن حصول الفاعلیة التواصلیة بینهما . ولذلک فإن دراسة المکون الزمنی للأحداث الصوتیة تعد مسألةً أساسیة فی الکثیر من أبواب الدرس اللسانی للغات إنتاجا وأداء وإدراکا .

والحقیقة أن الأذن البشـریة تستقبل الأحداث الصوتیة بوصفها إشارات فیزیائیة أکوستیکیة یتعرفها السامع ، ویوائمها على تلک الصورة السمعیة فی المخزون اللغوی المعرفی لدیه ، باعتبارها دوالا قد قُرنت بمدلولات معینة حسب النظام اللغوی لکل لغة على حدة ، وهکذا تتم العملیة الإدراکیة للرسالة اللغویة وفهمها بین المتکلم والمستمع . وأفراد الجماعة اللغویة الواحدة حین یتحدثون إلى بعضهم إنما یستخدمون المحتوى المخزون من المعرفة عن اللغة المشترکة بینهم وقواعدها الحاکمة ، ومما لا شک فیه أن هذا المخزون لا یقتصـر فقط على
( المعجم الکلی الذی هو متاح لکل منهم ) کما یقول فرای Fry ، وإنما یشمل کذلک " معرفة قوائم الفونیمات والقواعد التی تتحکم فی جمع الفونیمات فی مورفیمات ، والمورفیمات فی کلمات ، والکلمات فی جمل، بل وأکثر من ذلک ، فإنه یشمل الظروف السیاقیة التی تؤثر فی سلاسل الفونیم ، والمورفیم ، والکلمة " ([i]). ولعل من أهم هذه الظروف السیاقیة التی أشار إلیها فرای الملامح النظمیة المکونة للبنیة الصوتیة فوق القطعیة Suprasegmental، وعلى رأسها التنغیم Intonation والنبر Stress ، والاستغراق الزمنی Duration موضع حدیثنا ؛ إذ تشکل مجتمعة جزءا مهما من المخزون اللغوی المعرفی بین المتکلم والمستمع ، حیث یتوافق کلٌّ منهما على ما هو فارق أو غیر فارق من تلک الملامح .

فبالنسبة لملمح الاستغراق الزمنی فإن المستمع قد تواءم فی لغته وعرف لکل صوت من أصواتها قالبه الزمنی وقیمته ، تلک القیمة الزمنیة التی لا تکون ثابتة بالمعنى المطلق ، وإنما تتأرجح فی مجال یقع بین الحد الأدنى والحد الأقصـى لزمن الصوت ، تبعا لعوامل عدة ، منها الظروف التی یقتضیها السیاق ، والأغراض التی یقصد إلیها المتکلم . ومن ثم فإننا یمکن أن ننظر إلى الأصوات بوصفها ( أحداث أو إشارات فیزیائیة ، ذات أحجام زمنیة معینة ) تتوالى وتتکرر فی جزء من الزمن .

والواقع أن هناک الکثیر من المصطلحات الصوتیة التی تدور مفاهیمها فی فلک البعد الزمنی ، تؤثر جمیعها على المحتوى الدلالی للرسائل الصوتیة التواصلیة فی اللغات ، نذکر منها : الطول Length ، والکمیة Quantity  ، والإطالة Lengthening ، والتزمین Tempo.

العلاقة بین مدى Range عمل الظاهرة الزمنیة وتنوع مصطلحاتها:

فی إطار هذا التنوع المصطلحی الملحوظ الذی تورده کتابات اللغویین فی حقل دراسة البعد الزمنی فی اللغات ، تجدر بنا الإشارة إلى مسألة ذات أهمیة منهجیة فی هذا السیاق ، التفت إلیها الباحثون اللسانیون فی دراساتهم حول تنوعات المدى الزمنی فی اللغة المنطوقة ،  ذلک أن ما دفع البعض إلى ذلک التنوع فی المصطلح المستخدم هو امتداد مجالات عمل الظاهرة فی اللغات عبر مستویات صوتیة مختلفة فی المنطوق اللغوی ، امتدادا یقابله تخصیص البعض لمصطلح بعینه فی علاقته بإسهام الملمح الزمنی فی تشکل الدلالة لمستوى لغوی بعینه . بعبارة أوضح ، أننا عندما نتعامل مع المدى الزمنی بوصفه متغیرا مستقلا على مستوى الکلمة ـ مثلا ـ فإننا نتعامل فی تحلیلنا الصوتی له تحت مصطلح الکمیة Quantity  ؛ حیث تُدرس تنویعات البعد الزمنی فی حیز الکلمة المفردة دون دخولها مع کلمات أخرى فی سیاق صوتی أکبر خلال جملة أو عبارة ، على حین أنه عندما یتخذ المدى الزمنی مستوى أعلى من الکلمة المفردة ، ولیکن مستوى الجملة الکاملة لیعمل من خلاله حال کونه متغیرا مستقلا ، فإننا هنا لا نتعرض بالتحلیل إلى کمیة وحدة صوتیة منفردة ضمن إطار الجملة ، وإنما نتعامل مع المدى الزمنی للجملة کاملة تحت مسمى التزمین Tempo  ([ii]).

وذلک یعنی أن المجال أو المدىRange  الذی یعمل فیه عنصـر الزمن قد یکون ضیقا ضمن إطار القطع المنفرد المستقل Segment ، کما أنه قد یستهدف مستوى أعلى من الوحدة الفونولوجیة فیعمل من خلال المقطعSyllable  أو سلسلة فونولوجیة ذات مقطعین أو أکثر ضمن حدود الکلمة Word  . کما أن تنویعات البعد الزمنی قد یتسع بها المجال لتشمل سلسلة من الکلمات داخل إطار الجملة المنطوقة ، بید أن تلک الأنماط المختلفة ضمن هذه المستویات الصوتیة التی ذکرناها تفرض على تحولات الملمح الزمنی عبر کل مستوى نمط َ عمل ٍ مختلفا تحت مظلة مصطلح زمنی مختلف ، بدءا بالکمیة فی المستوى الضیق للبنیة الصوتیة ، حیث یعمل من خلالها عنصر الزمن على القطع أو المقطع الصوتی ؛ إذ یمکن لتحولات المدى الزمنی بها أن تغیر معانی الکلمات المفردة إذا عملت على المستوى الفونیمی  ـ وقد لا یحدث بالطبع ـ وانتهاء بالتزمین على مستوى الجملة الکاملة ؛ حیث لا تؤدی تنویعات المدى الزمنی فیه إلى تغیر الدلالة المعجمیة للکلمات المفردة ، وإنما تؤدی فقط إلى إکساب الجملة دلالات إیحائیة من خلال مستویین تعبیریین هما : المستوى التوکیدی ، والمستوى الانفعالی الشعوری کما سنبین بالتفصیل . 

الاستغراق الزمنی فى الاصطلاح الصوتی :

یطابق مفهومُ الاستغراق الزمنی Duration مفهومَ الطول عند معظم علماء اللغة *([iii]) ، ویُقصد بطول الأصوات ، وطول المقاطع ، وطول الأحداث الکلامیة الوقت الذی یستغرقه نطق الحدث الصوتی لدى المتکلم ، ویُقاس هذا الاستغراق الزمنی لتحقق الصوت اللغوی بالتجزیء الألفی للثانیة الواحدة، وفی بعض الأحیان یستخدم آخرون التجزیء المئوی للثانیة فی القیاس . ویقاس طول الصامت بالمدى الزمنی الذی یستغرقه عضوا النطق فی إنتاج هذا الصامت ، کما أن طول الحرکة یعرف بأنه "المدة الزمنیة التی یستمر فیها شکل الفراغات العلیا (فراغات ما فوق الحنجرة) ثابتا على حاله عند النطق بالحرکة " ([iv]).

ونحن إذ نعرِّف الطول على هذا النحو فیجب أن نؤکد أن ذلک التعریف إنما یُعنى بالطول الطبیعی الذی یستغرقه الصوت من دون تعمد لإطالة نطقه من قبل المتکلم ؛ ذلک أن کل وحدات البنیة الصوتیة یمکن للمتکلم أن یطیلها بالقدر الذی یسمح به الهواء الرئوی ، حتى أن الصوامت الوقفیة نفسها یمکن إطالتها عن طریق إطالة عملیة الإغلاق لعضوی النطق لفترة ما أثناء النطق بها . ولذلک فإننا نقصد بالطول هنا ما تتسم به الأصوات فی طبیعتها من مدى زمنی أصیل بها ؛ بحیث یشکل طول الصوت هنا خاصیة شبه عالمیة متفقا علیها فی کل لغة من لغات العالم . وتلک العمومیات من قبیل المقولة الصوتیة بأن " أصوات اللین بطبیعتها أطول من الأصوات الساکنة ، على أنه حین قیست أصوات اللین وجد أن الفتحة أطول من الکسـرة والضمة . ویلی أصوات اللین فی الطول الطبیعی الأصوات الأنفیة : وهی النون والمیــم ، فهما من أطول الأصوات الساکنة، ثم الجانبیة کاللام ، ثم المکررة کالراء ، ثم الأصوات الرخوة ذات الصفیر أو الحفیف وأقل الأصوات الساکنة طولا هی الأصوات الشدیدة أو الانفجاریة" ([v]).

وعلى الرغم من استخدام الکثیر من اللغویین لمصطلحی الطول Length والکمیة Quantity بوصفهما مترادفین ، حتى إننا لا نکاد نرى فرقا واضحا بین مفهوم کلا المصطلحین لدیهم ([vi])، فهناک بعض اللغویین الذین شددوا على ضرورة التفریق الواضح بین کمیة الصوت ، والمدة التی یستغرقها نطق هذا الصوت ، بما یعنی بالتبعیة التمییز بین مصطلحی الکمیة ، والطول أو المدى الزمنی ، بما یشبه تمییز اللسانیین البنیویین بین مصطلحی اللغة والکلام على التوالی . فعلى سبیل المثال یرى تمام حسان أن الکمیة هی جزء من النمطیة اللغویة ، أی جزء من النظام اللغوی ، على حین أن المدة الزمنیة هی الوقت الذی یستغرقه النطق ، فهی على أساس ذلک جزء من تحلیل الکلام . وهو بذلک یخرج اصطلاح کمیة الصوت من حقل الاستغراق الزمنی ، محاولا بذلک إثبات أنه لا علاقة للزمن بکمیة الصوت ؛ حیث یرى تمام أن " الکمیة هی الطول والقصر النسبیین غیر المرتبطین بمقاییس الزمان الفلسفی ، أما المدة فمرتبطة بالزمان الفلسفی " ([vii]). وانطلاقا من ذلک الرأی یسوق لنا تمام حسان فرضیة أن الحرف قد یکون مفردا (أی قصیر الکمیة ) ، ولکن مدة نطقه تکون أطول من المشدد (أی طویل الکمیة) فی بعض المواقع ([viii]). وضرب لنا مثالا على ذلک مدة نطق الکافیْن فی کلمة "شکَّاک" ؛ حیث یرى أن مدة نطق الکاف المفردة الأخیرة أطول من الکاف الأولى المشددة .

ونحن إن کنا نعد الکمیة قیمة خلافیة بین القصیر والطویل من الأصوات ـ کما یراها تمام حسان ـ فإننا ولا شک لا نستطیع استشعار هذه الناحیة التقابلیة بینهما بمعزل عن ربطها بالمدى الزمنی للأصوات الموصوفة بالقصـر أو الطول . صحیح أنه لیس من الضروری أن یعرف المتکلم مقدار الزمن الذی یستغرقه کل صوت محسوبا بالثانیة لیصح نطقه أو یستقیم إدراکه له ، إلا أن اعتبار الأذن لتلک القیمة وربطها لها بالزمن على المستوى السمعی کما تعورف علیها بین أبناء الجماعة اللغویة الواحدة یکفی عادة لضبط هذا المقدار الزمنی ، من دون حاجة إلى مقاییس آلیة لحساب الزمن .

کما أن المثال الذی ساقه تمام حسان لإثبات إمکانیة کون الصوت المشدد فی واقع أمره أقصـر من المفرد لا یخلو من إعادة نظر فیه ؛ ففضلا عن أن کثیرا من اللغویین یرفضون حسبان التقابل بین الصوت المضعف والصوت البسیط من قبیل التقابل بین الطویل فی مقابل القصیر([ix]) ، فإن الاستغراق الزمنی لنطق الکاف الطرفیة فی ( شکَّاک ) لا یمکن أن یکون أطول من نظیره فی الکاف المشددة بالکلمة نفسها إلا فی حالة الإطالة المتعمدة لمدة الإغلاق أو الحبس فی هواء الزفیر أثناء نطق الکاف الأخیرة المفردة .

تصنیف اللغات تبعا للدور الفونیمی للطول الزمنی بها

یشکل ملمح الطول الزمنی فی الأصوات اللغویة خاصیة قابلة للتنوع ، وقد یقع ذلک التنوع بین الأصوات الطویلة والأصوات القصیرة محدثا تمییزا بین دلالات الألفاظ والأحداث الکلامیة باللغة . واستنادا إلى ذلک الدور التمییزی للطول فی اللغات ، فقد قسم اللسانیون اللغات فی ظل علاقة وحداتها الصوتیة بملمح الطول إلى قسمین :

  • لغات یعمل فیها الطول فونیمیا على مستوى وحدات البناء الصوتی .
  • لغات لیس للطول فیها دور فونیمی .

ومن أشهر اللغات مثالا على القسم الأول ، التی تستخدم الطول بوصفه ملمحا فونیمیا تمییزیا على مستوى الصوامت والصوائت « اللغة الفنلندیة » . غیر أن معظم لغات العالم لا یعد الطول فیها فونیما مؤثرا فی تمییز معانی الکلمات إلا بالنسبة إلى الصوائت الطویلة فی مقابل الصوائت القصیرة . وتستغل اللغات وجود ذلک التمییز بین النوعین لإیجاد مبدأ التقابل بین الحرکات ؛ بحیث یمکن اعتبار أن :

الفتحة الطویلة هی القصیرة + فونیم الطول

والکسـرة الطویلة هی القصیرة + فونیم الطول

والضمة الطویلة هی القصیرة + فونیم الطول

واللغة العربیة هی أقرب مثال على ذلک ؛ حیث تقابل العربیة بین نوعین من الحرکات فی نظامها الصوتی الفونولوجی، وهما الحرکات الطویلة Long Vowel  ، والحرکات القصیرة Short Vowel ، تقابلا فونیمیا من شأنه أن یمیز بین الکثیر من " الثنائیات الصغرى Minimal Pairs " أو ما یمکن تسمیته " النظائر المتقابلة " فی النظام الصوتی ، وذلک من قبیل التمییز بین :

  • Øدافعـــــ دَفَعَ
  • Øقوتل ـــــ قُتِل
  • Ø بیع ـــــ بِـِع
  • Ø کاتَبَ ــــ کَتَبَ

حیث نجد أن الفارق الدلالی بین کل زوجین من هذه الثنائیات یؤول إلى تنوع طول الحرکة فی کل کلمة . ولأنه من الصعب على الأذن العادیة أن تمیز بسبیل التأکید بین أکثر من درجتین من درجات الطول فی سیاق صوتی معین ، فقد تکتفی تلک اللغات فی إحداث ذلک التقابل التمییزی بوحدتین فونیمیتین هما (طویل) فی مقابل ( قصیر) ، ولکن ذلک لا یعنی انتفاء وجود أکثر من وحدتین لفونیم الطول فی نظام لغة ما ؛ حیث یذکر أن وجود ثلاث وحدات للطول هو أمر ممکن ووارد ، ولکنه موجود فی لغات قلیلة ؛ فاللغة الأستونیة على سبیل المثال تستخدم ثلاث درجات من الطول الحرکی Vocalic Length : القصیرة ، والطویلة ، والطویلة جدا ، فکلمة Sada بـالحرکة ( a القصیرة ) تعنی مائة ، وSaada بـ ( a الطویلة ) تعنی أرسل ، وSaada   بـ ( a الطویلة جدا ) تعنی یسمح له بـ ( المصدر ) ([x]).

وعلى صعید اللغة العربیة فقد فرق ابن جنی بین ثلاثة أنواع من الطول : قصیر وطویل وأطول، غیر أن التقابل بین وحدتی الطول ( قصیر X طویل ) هو فقط ما یعد تقابلا فونیمیا یعمل على نحو تمییزی بین الکلمات فی النظام الصوتی فی العربیة ، أما التقابل بین وحدتی الطول (الطویل X الأطول ) فهو تنوع موقعی ألوفونی * ([xi]) لا أثر له فی تغییر المعنى المعجمی للکلمة ، وإنما تستغل هذه التنوعات الألوفونیة للحرکات الأطول فی البیئات اللغویة بوصفها مؤثرات تؤدی فی کثیر من الأحیان إلى تغییر ما یسمى بظلال المعانی .

  • هذا عن اللغات التی یؤدی فیها الطول دورا فونیمیا متمیزا على مستوى الوحدات الصوتیة ـ والصوائت منها خاصة ـ فإذا ما انتقلنا إلى النوع الثانی (لغات لیس للطول فیها دور فونیمی) فستقابلنا اللغة الإنجلیزیة مثالا على هذا القسم؛ إذ إن النظام الصوتی فی الإنجلیزیة لا یعُد الطول ملمحا فارقا*([xii])، وما یبدو لنا حال کونه اختلافا فی ملمح الطول بین الکثیر من الثنائیات الصغرى التی تحفل بها اللغة الإنجلیزیة نحو :

 Red ـــــــ  Read

  Sit ــــــــ Seat

هو فی واقع الأمر اختلاف فی اللون الصائتی من وجهة نظر النظام الفونولوجی للإنجلیزیة ، وعلیه لا یعد التنوع فی ملمح الطول بین هذه الکلمات ومثیلاتها ملمحا فارقا ممیزا لإحداها عن الأخرى، إنما هو اختلاف فی ملمح التوتر. ویقصد بالتوتر فی الصوائت هنا درجة الشدِّ الواقع فی عضلات اللسان أو الشفتین أثناء النطق بالصائت . وفی کثیر من اللغات یرتبط ملمح التوتر بالطول الزمنی للصائت ، ومن ثم یتقابل الصائت المتوتر مع نظیره غیر المتوتر ، فعلى سبیل المثال ، لا یکمن الفارق بین کلمة Sit [s i t ]  فی مقابل کلمة Seat  [ s i: t ] لدى ابن اللغة الإنجلیزیة فی ملمح الطول الذی یسم الصائت i: فی کلمة Seat  ؛ وذلک لأن الطول غیر فونیمی التأثیر فی النظام الصوتی للغته  ، وإنما یقع الفارق لدیه فی ملمح التوتر الذی یسم الصائت المتوتر [ i: ] فی مقابل الصائت الرخو Lax [ i ] فی الکلمة الأولى ([xiii]).

ولکن هذا لا یعنی أن لغات هذا القسم التی لا تستخدم تنوعات الطول على نحو تمییزی فی أنظمتها لا تفید من وجود هذا الملمح الصوتی فی واقعها اللغوی ، وإنما تعمد هذه اللغات إلى استخدام هذا الملمح البروسودی استخداما آخر مختلفا؛ حیث یمکـِّنها الاعتماد على اختلافات الطول من تعرف السواکن التالیة  ، ومثال ذلک تعرف الصوت ( n) فی کل من :

      Send  X  Sent

حیث یکون طول الصوت n أطول فی کلمة Send حین یکون الساکن التالی هو الـ d الضعیفة عنها فی Sent حین یکون التالی صوت الـ t  القویة ، وهکذا یکون صوت الـ (n) مفتاحا مؤثرا فی التمییز بین ( t ) و (d  )([xiv]) .

ولا شک أن الحدیث عن تأثیرات الصوامت فی طول الصوائت یسلمنا بالتبعیة إلى الوقوف على مناقشة بقیة العوامل الصوتیة الأخرى المؤثرة على ملمح الطول فی الصوت اللغوی .

المحددات الصـوتیة المـؤثرة على طـول الصـوت اللغوی :

أولا ـ الطبیعة النوعیة للقطوع الصوتیة نفسها :

إذ تؤثر السمات الصوتیة الخاصة بالصوت اللغوی نفسه صامتا کان أم حرکة على المدى الزمنی له ؛ بحیث یتحکم نوع الصوت ومخرجه فی طوله النسبی . فعلى صعید الصوامت  توصلت الأبحاث الکمیة فی حقل الدرس الصوتی إلى مجموعة من القواعد والحقائق الصوتیة *([xv])، منها على سبیل المثال : أن من أصوات الصوامت تُعرف الاحتکاکیات Fricatives أنها أطول من الوقفیات Stops ، کما أن الأبحاث أثبتت کذلک أن الصوامت المهموسة Voiceless تعد أطول من المجهورة Voiced .

أما على مستوى الصوائت  ، فقد توصل العلام اللغوی مایر Meyer إلى الکشف عن الفروق فی المدة الزمنیة للحرکات من خلال إجراء الکثیر من الدراسات الکمیة على عدد کبیر من اللغات ، وتوصل على إثرها إلى مجموعة من النتائج ، منها :

 الفروق الصوتیة بین الطبیعة النوعیة لکل حرکتین تتسبب فی تباین المدى الزمنی لها . فقد وجد أن الحرکات الخلفیة هی فی الغالب أقصـر من الحرکات الأمامیة المقابلة لها ، فوجد على سبیل المثال أن الحرکة الخلفیة / u / أقصـر من الحرکة الأمامیة المساویة لها فی الارتفاع
/ i / ، کما أن الحرکة الخلفیة / o / أقصر من الحرکة الأمامیة المقابلة لها / e / ، کما وجد أن الحرکات المغلقة أقصـر من الحرکات المفتوحة ؛ فالحرکة الأمامیة المغلقة  /i / أقصـر من الحرکة الأمامیة نصف المغلقة / e / ، وهذه بدورها أقصر من الأمامیة المفتوحة / a / .
 " وهذا أننا کلما تدرجنا فی فتح الحرکة فإننا نعمل بذلک على إطالة الحرکة ،
والعکس صحیح " ([xvi]).

ثانیا ـ النموذج الترکیبی المقطعی الذی یقع فیه الصوت :

حیث یؤثر الوسط الترکیبی الذی یوجد فیه الصوت تأثیرا کبیرا علیه ، لاسیما على الصوائت بدرجة أوضح . فالصائت القصیر ـ على سبیل المثال ـ عندما یقع فی نموذج ترکیبی مقطعی من النوع المغلق یکون أطول من نظیره الواقع فی المقطع المفتوح ، کما نجد أن الصائت الطویل فی مقطع مغلق یکون أطول من الصائت الطویل فی مقطع مفتوح . ویمکننا أن نقارن طول الصائت القصیر بین کل من أفراد المجموعتین الآتیتین :

  دَفـعْ دَفـَعَ

سّبْـقْ ← سَبَـقَ

سَـل ← سـَلیم

حیث یلاحظ أن الصائت فی المقطع المغلق کما فی الفتحة القصیرة فی ( دَفـْعْ ) ومجموعتها یکون أطول من نظیره فی المقطع المفتوح ، کما فی ( دَفـَعَ ) ومجموعتها ، وکذلک یمکننا مقارنة الصائت الطویل بین کل من الثنائیات الآتیة :

یـدومْ ← یـدومُ

رجلانْ ← رجلان ِ

مؤمنونْ ← مؤمنونَ

فالصائت الطویل فی کلمات المجموعة الأولى ذات المقطع المغلق الطویل یکون أطول من الصائت نفسه فی المقطع المفتوح من کلمات المجموعة الثانیة ([xvii]).

واستنادا لکون الصائت لا ینفصل فی حقیقة الأمر عن الصامت الذی یقع معه فی المقطع الصوتی ، ویؤکد التحلیل الطیفی Spectrography Analysis تلک العلاقة الوطیدة بینهما ؛ إذ توضح صور الراسم الطیفی Sound Spectrograph أن تدرجا یظهر فی الانتقال من النموذج الأکوستیکی للصامت إلى النموذج الأکوستیکی للحرکة مما یجعل من تجزیء الکلام Segmentation بقصد القیاس لیس عملًا یسیرًا على الإطلاق من الوجهة الأکوستیکیة ، واستنادا إلى کل ما سبق فإن من أهم العوامل التی تؤثر على المدى الزمنی للصوت هو العامل الآتی :

ثالثاـ التجاور الصوتی للقطوع المتتابعة:

فقد أوضحت الدراسات الصوتیة فی بحث ملمح الکمیة أن لطبیعة الصوت المجاور فی سلسلة الکلام المتصل أثرا مهما فی المدى الزمنی النسبی للقطع . فکمیة الحرکة Vocalic Quantity تعتمد کثیرا على طبیعة الساکن التالی لها؛ ومثالا لذلک نجد أن الحرکة المتبوعة بصامت احتکاکی تکون أطول من نظیرتها إذا تلاها صامت وقفی. کما أن طبیعة الجهر والهمس فی الصامت التالی للحرکة تؤثر کذلک على طولها النسبی ؛ فالحرکة إذا تلاها صامت مجهور تکون أطول منها إذا تلاها صامت مهموس، مع الأخذ فی الحسبان ضبط المتغیرات الأخرى کنموذج الترکیب المقطعی .

کما أن الأبحاث الکمیة أثبتت أن الصوامت الأنفیة Nasalas وکذلک (اللام) تتسبب فی قصر الحرکات ، وعلى العکس من ذلک یؤدی وجود الصامت التکراری Trill ( الراء ) فی جوار صوتی مع حرکة إلى طول هذه الحرکة ([xviii]). ویزید من طول الحرکة کذلک إذا کان الصامت الذی یلیها مما یحتاج إلى جهد عضلی متمیز عند إنتاجه ، فمثلا حرکة الفتحة فی کلمة [صَیْف] أطول من الفتحة القصیرة فی کلمة [صَرْف]؛ ذلک أن صوتالیاء من الأصوات التی تحتاج إلى جهد عضلی واضح عند إنتاجها مقارنة بالجهد العضلی الذی تحتاج إلیه الراء فی کلمة "صرف" ([xix]).

رابعا ـ وقوع النبر الصوتی  :

الواقع أن الصلة منعقدة بین النبر بوصفه أحد أهم الوحدات فوق القطعیة ، وبین ملمح الطول الزمنی  للحدث الصوتی ؛ حیث یؤثر وقوع النبر على المقطع الصوتی فی طوله الزمنی تأثیرا واضحا . فلا غرابة أن نجد علی سبیل المثال فی اللغة العربیة أن النبر وطول المقطع یجتمعان فی معظم الکلمات العربیة، فیقوی کل منهما الآخر، وربما انفرد النبر فأبرز مقطعا قصیرا له أهمیة خاصة فی المعنى ، وربما وقع الطول والنبر على مقطعین متوالیین ، فکان لذلک من الأثر فی إبراز معنى الکلمة ـ إجمالاـ ما لا یکون لاجتماعهما على مقطع واحد ([xx]). ولذلک تفسیره الصوتی الفیزیائی ؛ حیث إن المدى الزمنی الذی یتجلى إدراکیا لدى المتلقی خلال ملمح الطول هو أحد ثلاثة ملامح فیزیائیة تتشارک فیما بینها لتعطی لبعض المقاطع الصوتیة فی المنطوقة بروزا صوتیا ما ، یعکس بدوره أهمیة لغویة لتلک المقاطع البارزة مقارنة بنظیراتها غیر البارزة. وعلیه، فإن وقوع النبر فی مقطع من مقاطع المنطوق الصوتی یظهر ـ ضمن ما یظهرـ خلال تمدید المدة الزمنیة للمقطع المنبور . وقد أثبتت الکثیر من الدراسات والتجارب الصوتیة وضوح ملمح المدى الزمنی للمقاطع المنبورة لدى الکثیر من المستمعین ، بقطع النظر عن نسبة الاتفاق العام فیما بینهم حول ترتیب أهمیة هذا الملمح فی استشعار البروز الصوتی ([xxi]).

وعلى الرغم من الاختلاف الواقع بین الباحثین حول دور المدى الزمنی فی کونه ملمحا مؤثرا على إدراک المتلقی للبروز الصوتی ، فإن هناک حقیقة صوتیة یطمئن إلیها کثیر من اللغویین ؛ ذلک أنه فی حالة عدم وقوع انحرافات واضحة فی قیم تردد الأساس Fundamental  Frequency للمقطع المنبور ، أو فی شدته الصوتیة Intensity ، فإن المستمع یستطیع إدراک ما یحدث فی ذلک المقطع من بروز نبری عن طریق ما یتسم به المقطع من وجود الإطالة فی المدى الزمنی الخاص به . وهنا یقف المدى الزمنی بوصفه الملمح الأکثر تأثیرًا فی إدراک البروز الصوتی على مقطع ما من المقاطع الصوتیة المکونة لکلمة منبورة ، وعلى أیة حال فإن اللغویین متفقون بدرجة کبیرة على أن " الصوت المنبور أطول منه حین یکون غیر منبور " ([xxii]).

وإذا ما نظرنا إلى العربیة على سبیل المثال ، سنجد أنه قد تطول الحرکة القصیرة فی مقطع من الکلمة فیصبح ذلک المقطع منبورا أحیانا ، فیؤدی ذلک بدوره إلى تغیر الصیغ ، ومن ثَم الدلالة . فلو أننا أطلنا الحرکة القصیرة [ الفتحة ] فی کلمة [ مؤمنًا ] لتصبح ألفا ، ستتحول الکلمة من صیغة المفرد المنصوب إلى صیغة المثنى المرفوع [ مؤمنان ] . وکذا الحال أیضا فی کل من :  [ مؤمنٌ ـ مؤمنون ] ، و[ مؤمن ٍ ـ مؤمنین ] ، و فی کل من الثنائیة
[ کـَتـَبَ ـ کـَتـَبا ] ، [ معلمُ الجامعة ـ معلمو الجامعة  ] .

خامسا ـ التنغیم الصوتی  :

لقد کثرت تأکیدات علماء اللغة من قبل على حقیقة تداخل مجموعة العناصر المشکِّلة للبنیة الصوتیة فوق القطعیة (التی منها التنغیم والنبر والمدى الزمنی) ، تداخلا معقدا بالدرجة التی یصبح فیها الفصل بینها محضَ ضرورة بحثیة . وباستحضار تلک الحقیقة الصوتیة فلا غرابة أن یکون التأثیر متبادلا بین ملمح البعد الزمنی ـ بمصطلحاته کافتها وما یندرج تحتها من مفاهیم زمنیة ـ وبین التنغیم الصوتی. فکما أن الملمح الزمنی یعد أحد المکونات القوامیة المشکلة لظاهرة التنغیم فی اللغة، ومؤثرا فیها بشکل جلی ، فإن التنغیم کذلک یتبادل التأثیر نفسه على المدى الزمنی للحدث الصوتی .

فعلى الصعید الأکوستیکی نرى أن بعض البحوث الحدیثة فی حقل الکمیة الصوتیة قد أوضحت أن ما ندرکه نحن کمستمعین ذاتیا Subjectively بوصفه فارقا کمیًّا أو طولیا هو فی الأغلب شیء آخر یتعلق بملمح التنغیم ، أو بالأحرى بنمط التنغیم Intonation Pattern . وذلک ما یؤکده برتیل مالمبرج ، إذ یرى أن "المدة الزمنیة المدرک طولها ذاتیا یصحبها دائما تنغیم هابط Falling Intonation ، وهذا التنغیم یعد فی بعض الحالات ـ على الأقل ـ الفارق الوحید الملحوظ موضوعیا Objectively بینها  وبین المدة القصیرة التی تتمیز بدورها بتنغیم صاعد Rising Intonation أو تنغیم مستو ٍ Level Intonation " ([xxiii]).  

إن ما سبق یعنی أن هبوط التنغیم فی جملةٍ ما یؤثر بشکل ملحوظ على کمیة الأصوات المشکلة لهذه الجملة ، مما یظهر حسیا لدى المتلقی فی صورة مدى زمنی أطول یربط بین النمط التنغیمی الهابط للجملة ، والإحساس المدرک بالطول النسبی فی أصواتها . على حین یؤثر النمط التنغیمی الصاعد والمستوی على المدى الزمنی لأصوات الجملة بأن یعطی إحساسا ذاتیا بالقصـر النسبی فی البعد الزمنی لتلک الأصوات . بید أن القبول بتلک المقولة الصوتیة لا یمنع أبدا أن التعمیم المطلق فی هذا الشأن قد یقف أمامه الواقع الصوتی الاستعمالی بنماذج استثنائیة تخالف هذه القاعدة ؛ حیث إنه من الممکن جدا أن نجمع بین الکمیة الذاتیة المدرکة بوصفها طویلة  والنغمة الصاعدة ، وعکس ذلک صحیح أیضا .

وهنا یقف بنا الحدیث عند مسألة فاصلة فی حقل الدراسات الصوتیة للغات ، ألا وهی ضوابط النظام اللغوی فی تعاطیه مع کل من الکمیة الموضوعیة والکمیة الذاتیة . حیث إنه لکی تصبح الکمیة الموضوعیة لحدث صوتی ما کمیةً وظیفیة فی اللغة ، فلا بد أن تکون واضحة ومدرکة بالقدر الذی یکفی الأذن البشریة لاستشعار درجة الاختلاف أو التباین الکمی بین حدثین صوتیین ، بما یسمح بدوره للمتلقی أن یکوِّن انطباعا حسیا إدراکیا بطول أحد الحدثین وقصر الآخر . وبناء علیه فلا یکفی فی هذا السیاق أن تکون الفروق الکمیة بین الأحداث الصوتیة هنا فروقا لا تستشعرها سوى الآلات القیاسیة الصوتیة الحساسة ، لأن ذلک هو ما یمیز الکمیة الموضوعیة عن نظیرتها الذاتیة ، التی تُعرف بکونها کمیة محسوسة مدرکة ، وتلک فقط التی تعمل عبر مستویات وظیفیة لغویة مؤثرة دلالیا فی النظام الفونولوجی للغة . وهذا الحدیث یسلمنا بالتبعیة إلى الوقوف على الأهمیة الوظیفیة للطول الزمنی فی اللغة .

الدور الوظیفی للاستغراق الزمنی فـی اللغة

1-    دور  نطقی صوتی :

فبدایة تتمثل هذه الأهمیة الخاصة لملمح الاستغراق (الطول) الزمنی للصوت فی أی لغة على الصعید النطقی حال کونها ضمانةً للأداء النطقی الصحیح، الذی یکون وفق المعاییر الصوتیة المتعلقة بکل نظام لغوی على حدة ، بما لا یترک فی لهجة المتحدث أثرا أجنبیا عن اللغة یخالف ما تعارف علیه أبناء جماعتها . کما أن لطول الأحداث الصوتیة فی اللغة دوره الأساس على الصعید الصوتی کذلک ؛ حیث إن انسجام الکلام فی نغماته یتطلب طول بعض الأصوات وقصر البعض الآخر .([xxiv]) ولم یُسجل على لغة من لغات العالم أو یُعرف عنها أن قطوعها الصوتیة تتبع مدى زمنیا موحدا على طول المنطوق اللغوی بها . وهذا یدل بلا شک على أن التباین فی الطول الزمنی بین الأصوات اللغویة والکلمات ـ ومن ثم الجمل المنطوقة کافة ـ یعد ضرورة صوتیة لاستقامة أنماط الکلام على المستوى الصوتی بکل لغة على حد سواء .

2-    دور  دلالــــی :

وتتضح أهمیة الطول دلالیا فیما یقوم به من دور فونیمی تمییزی فی اللغة حین یصبح سمة مائزة فارقة بین الکثیر من الصیغ اللغویة المختلفة ، التی تشکل نظائر متقابلة یفرق بینها على المستوى الدلالی وجود فونیم الطول الزمنی من عدمه . وقد فصلنا القول فی  ذلک منذ قلیل عند حدیثنا عن اللغات التی یعمل فیها الطول فونیمیا على مستوى الوحدات.

3-    دور  تـعبـیـری :

ویمثل هذا الدور التعبیری على وجه الخصوص قاسما مشترکا فی وظیفیة الطول بین الکثیر من اللغات إن لم یکن معظمها ؛ إذ یستخدم المتکلمون ملمح الطول وتنویعاته بوصفها وسیلة من وسائل التعبیر لتنویع الأغراض اللغویة للمنطوقات الصوتیة من خلال شکلین من التعبیر :

أ‌-          التعبیر التوکیدی  Emphatic

ب‌-     التعبیر الانفعالی  Emotional

ولکن تستدعی الضرورة هنا قبل التطرق للحدیث عن هذین النوعین أن نؤسس لحقیقة صوتیة لغویة جد مهمة ؛ تلک أن الوظیفة التعبیریة التی نسندها للطول فی اللغات لا یمکن بأی حال أن تؤدى بمعزل عن علاقته بالظواهر فوق القطعیة الأخرى ، التی تعمل کغطاء للمنطوق الصوتی   کالتنغیم والنبر . حیث إن الفصل بین الطول الزمنی والهیئة التنغیمیة والنبریة لو وقع ـ نظریا ـ فلن یکون التغیر فی الدلالة التعبیریة بشقیها (التوکیدی والانفعالی) نتیجةً یمکن أن ینتهی إلیها الترکیب الصوتی المطوَّل حینئذ.

والفرق بین شکلی التعبیر السابقین یحدده سلوک المتکلم ومقصده اللغوی من إنشاء الترکیب الصوتی المطوَّل زمنیا . فقد یحدث أن یستخدم المتکلم آلیات تنویع الاستغراق الزمنی للبنیة الصوتیة المنطوقة لدیه ، سواء بالتمدید أو الاختزال ، بغیة إفادة دلالات إضافیة معینة ، إلى جانب الدلالة اللغویة المستفادة من المحتوى المعلوماتی الذی تحمله تلک البنیة الصوتیة. ویتم ذلک عن طریق تحکم المتکلم نفسه بدرجة ما فی توزیع أنصبة الوحدات الصوتیة من الأمدیة الزمنیة التی یستغرقها للنطق بها  ، فیکون نتاجا لذلک الإجراء أن یضاف إلى الحدث الصوتی المنطوق ـ کلمة کان أم جملة ـ بعدا تأکیدیا أو انفعالیا ، یعتمد اختیار أحدهما دون عن الآخر على الغرض اللغوی الذی یرید المتکلم أن یضفیه على کلامه .

فعلى سبیل المثال یستخدم المتکلمون بکثرة تنویعات المدى الزمنی عبر آلیة "الإطالة lengthening  " بوصفها وسیلة من وسائل التعبیر التوکیدی  ؛ فیعمدون إلى تمدید الزمن المستغرق لنطق بعض الوحدات الصوتیة بدرجة أکبر مما تستغرقه غیرها فی المنطوق ، بما یمیز الجزء المطول عن بقیة الأجزاء تمییزا مدرکا من قبل المتلقی ، بهدف إفادة دلالة التأکید على ما یحمله هذا الجزء المطول من محتوى دلالی *([xxv]).

ولیس أدل على فاعلیة هذا الإجراء الصوتی فی اللغة من شیوع کلمات مطولة بقصد إکساب المنطوق الصوتی دلالة التوکید ، کما هو الحال فی استعمالنا العربی المعاصر لکلمات مثل :

[ رائع  ξ raa?i ] ، [ جمیل  gamiil ] فنحن حال نطقنا لمثل هذه الکلمات على هیئتها المطولة إنما نتقصَّد إطالة الصوائت الطویلة فی /  aa/ و / ii / فی الکلمتین على التوالی ، لتتحول بعدها هاتان الحرکتان الطویلتان إلى حرکتین مطولتین lengthen Vowels ، وینتج عنهذه الهیئة الصوتیة المطولة فی صوائتها أن یُزاد على المعنى المعجمی للکلمتین أو محتواهما المعلوماتی تأکیدٌ إضافیٌّ ، لیفید بذلک بلوغ المتحدَّث عنه أو الموصوف أقصى درجات الروعة والجمال . وهنا لا تفید هذه الهیئة التصویتیة المطولة نقل أی بعدٍ شعوری انفعالی ، وإنما محض التأکید الإضافی للمحتوى الدلالی للکلمة المطولة .

کما یمکن أن تقع تلک الإطالة المتعمدة فی بعض الکلمات لإفادة دلالة تعبیریة انفعالیة ، ولعل أوضح مثال لذلک فی العربیة وجود ما یمکن أن نطلق علیه "الجمل التأثیریة المختصـرة" وذلک من قبیل : [الله ـ یا سلام ـ نعم ـ أهلا... الخ] فإن المتأمل للاستخدام اللغوی العربی لتلک الوحدات لن یخفى علیه بحال مدى مساهمة کامل الهیئة الصوتیة الأدائیة فی استجلاء المعانی المستفادة من التوظیفات المتباینة لتلک الوحدات فی الجمل العربیة .

ونقول هنا کامل الهیئة الصوتیة ونعنی کافة السمات البروسودیة المشترکة فی إنتاج هذه الهیئة ، وعلى رأسها التنغیم والنبر والإطالة المعقودة ببیان ظلال معانی هذه الکلمات ، من قبیل (دلالة التهویل ، أو الإعجاب ، أو التحقیر ، أو التشکیک ، أو السخریة ... ) إلى غیر ذلک من معانٍ ثوانٍ لن تجلیها سوى الکیفیة الأدائیة للمتکلم حال النطق بها . فهی التی ترجح أحدها عن الآخر ، على الرغم من عدم المساس بالبنیة المعجمیة ، وثبوتها بکل کلمة .

وجدیر بالذکر أن هذا الدور التعبیری لملمح الإطالة لیس مقصورا على الصوائت وحدها ، بل إنه قد ثبت وقوعها کذلک فی الصوامت . ویتم ذلک عن طریق إطالة المتکلم فترةَ النطق بالصامت ـ على اختلاف نوعیته ـ إلى جانب وسْمه ببعض النبر ، الذی سیؤدی بدوره إلى إطالة المدى الزمنی للمقطع الذی یقع فیه هذا الصامت . وذلک على نحو ما یقع فی کلمات مثل [تحفة fah tuЋ] و [ مدهش mud hi∫  ] ؛ إذ یقوم المتکلم بإطالة الفترة الزمنیة لنطق صوت الحاء / Ћ /  فی الکلمة الأولى ، ولأنه صامت انطلاقی *([xxvi]) احتکاکی تتم إطالته عن طریق تمدید الفترة الزمنیة التی یستغرقها هواء الزفیر فی المرور بین عضوی النطق المتقاربین ، وهما جذر اللسان مع الجدار الخلفی للبلعوم الفموی أثناء التصویت . لیکون حصیلة هذه الهیئة الصوتیة فی النهایة تعضید الدلالة التعبیریة لإضفاء مؤثرات توکیدیة أو موقفیة .

دراســـة الاستغراق الزمنی عـنـد علماء العربیة القدامى

أولا : الطول وتنوعاته فی الصوائت 

درس اللغویون القدماء ملمح الطول فی الصوائت وعنوا به عنایة واضحة . وقد ورد بحثهم لهذا الملمح فی الصوائت تحت مظلة عدة مصطلحات صوتیة منها : الإشباع والمدُّ ومطل الحرکة ، حیث وردت تسمیة إطالة الصائت بالإشباع عند سیبویه ؛ إذ یقول " باب الإشباع فی الجر والرفع وغیر الإشباع و الحرکة کما هی ، فأما الذین یشبعون فیمططون ، وعلامتها واو ویاء ، وهکذا تحکمه لک المشافهة ، وذلک قولک : یضـربها ، ومن مأمنک " ([xxvii]). کما وردت أیضا تسمیة إطالة الصائت بالمـدِّ عند سیبویه کذلک ، وهذا فی قوله: "وربما مدوا مثل مساجد ومنابر، فیقولون مساجید ومنابیر ، شبهوه بما جُمع على غیر واحده فی الکلام "([xxviii]).

وکذلک ورد الحدیث عن إطالة الصائت عند ابن جنی تحت مصطلح مطل الحرکة ، وذلک مثل قوله : "وحکى الفراء عنهم أکلتُ لحما شاة ، أراد لحمَ شاة فمطل الفتحة ، فأنشأ عنها ألفا " ([xxix]). ومن ذلک حدیثهم عن (مد التذکر)، إذ یبین سیبویه ما یقع فی الحرکة من مطل نتیجة تذکر المتکلم الذی لا یرید أن یقطع کلامه، وذلک فی قوله : "ویقول الرجل إذا تذکر ولم یرد أن یقطع کلامه: (قالا) فیمد قالَ، و (یقولو) فیمد یقولُ ، و (من العامی) فیمد العام. سمعناهم یتکلمون به فی الکلام ویجعلونه علامة َما یتذکر به ولم یقطع کلامه"([xxx]). وفی السیاق نفسه یأتی قول ابن جنی "وإنما مُطلت ومُدت هذه الأحرف فی الوقف وعند التذکر من قبل أنک لو وقفت علیها غیر ممطولة ولا ممکـَّنة المدة فقلت : ضربا وضربوا واضربی ، وما کانت هذه حاله وأنت مع ذلک متذکر ـ لم توجِـد فی لفظک دلیلا على أنک متذکر شیئا ولأوهمت کل الإیهام أنک قد أتممت کلامک ، ولم یبق من بعد بعده مطلوب متوقع لک" ([xxxi])

وفی هذا القول یبدو جلیا أن ابن جنی قد جعل مطل الحرکات وإطالتها معقودا بحال المتکلم ؛ أی أنها إطالة معقودة بحال المشافهة ، لتکون دلیل المرسل إلیه (المتلقی) إلى فهم ما یرید المتکلم أن یرسیه لدى متلقیه ، حتى وإن لم یتمه ، فقد علم متلقیه أنه بذلک متطاول إلى کلام تالٍ للأول منوط به ، معقود على تضمنه وخلطه بجملة .

کما ورد عن ابن جنی فی سیاق الإطالة المعقودة بحال التذکر قوله: "وکذلک الحرکات عند التذکر یمطلن حتى یفین حروفا ، فإذا صِـرنَها جرین مجرى الحروف المبتدأة توامَّ ، فیمطلن أیضا حینئذ کما تمطل الحروف ، وذلک قولهم عند التذکر مع الفتحة فی قمت . قمتا ، أی قمت یوم الجمعة ، ونحو ذلک ، ومع الکسرة : أنتی، أی أنتِ عاقلة ، ونحو ذلک ، ومع الضمة : قمتو ، فی قمتُ إلى زید ونحو ذلک"([xxxii]).

کما أن هذا المطل الصوتی قد یرتبط ببعد دلالی آخر ـ غیر التذکر ـ وهو معنى (الإنکار) ، وذلک ما أورده ابن جنی فی حدیثه عن مدة الإنکار ، وذلک " نحو قولک فی جواب من قال: رأیت بکرا: أبکرینه! ، وفی جاءنی محمد: أمحمدینه! ، وفی مررت على قاسم: أقاسمینه! ، وذلک أنک ألحقت مدة الإنکار ، وهی لا محالة ساکنة ، فوافقت التنوین ساکنا ، فکُسـر لالتقاء الساکنین ، فوجب أن تکون المدة یاءً لتتبع الکسرة "([xxxiii]). ثم یشیر ابن جنی إلى البعد الدلالی المستفاد من المد الإنکاری أثناء حدیثه عن طبیعة المد الحرکی ذلک ، فیقول " إن أخلق الأحوال بها أن تکون ألفا من موضعین : أحدهما أن الإنکار مضاهٍ للندبة ، وذلک أنه موضع أرید فیه الإنکار والتعجب ، فمُطل الصوت به وجُعل ذلک أمارة لتناکره ، کما جاءت مدة الندبة إظهارا للتفجع ، وإیذانا بتناکر الخطب الفاجع ، والحدث الواقع ، فکما أن مدة الندبة ألف ، فکذلک ینبغی أن تکون مدة الإنکار ألفا . والآخر أن الغرض فی الموضعین جمیعا إنما هو مطل الصوت ومدة تراخیه ، والإبعاد فیه لمعنى الحادث هناک ، وإذا کان الأمر کذلک ، فالألف أحق به دون أختیها ، لأنها أمدهن صوتا ... فأما مجیئها تارة واوا وأخرى یاء فثانٍ لحالها ، وعن ضرورة دعت إلى ذلک ، لوقوع الضمة والکسرة قبلها ، ولولا ذلک لما کانت ألفا أبدا " ([xxxiv]).

وقد أولى علماء التجوید من السلف ـ والخلف ـ قضیة الکم الزمنی أعظم اهتمام، وتطورت العنایة بدراسة الطول الزمنی للصائت عندهم تطورا ملحوظا ؛ حیث تدارسوه تحت مصطلح (المـدّ) وقسموا المد إلى واجب وجائز ، ثم إلى منفصل ومتصل، وتعددت مدود القرآن وألقابها، وبالغ بعضهم واستکثر فی عددها: فمن ذلک: مد الأصل، ومد البدل، ومد التبرئة، ومد البسط، ومد المبالغة أو التعظیم، ومد العدل، ومد العرض، والمد المعنوی، ومد العوض، والمد الفرعی، ومد الفرق، والمد المنفصل، والمد اللازم، والمد اللازم الحرفی المثقل، والمد اللازم الکلمی المثقل، والمد اللازم الکلمی المخفف، ومد اللین، والمد الممکن، ومد التمکین، ومد الهجاء، والمد الواجب المتصل، ومد الواو، والمد المتوسط، والمد المتصل، ومد الصلة ، ومد الیاء ([xxxv]).

وبلغ من عنایة التجویدیین بهذا الملمح الصوتی أن اصطنعوا فی تحدیده وسائل عدة ؛ إذ ذکروا لقیاس زمن النطق بالألف الذی اتخذه علماء التجوید أساسا لقیاس مقادیر*([xxxvi]) المدود خمس طرق ، وهی کالتالی([xxxvii]) :  

1-    أن تقول ( آ ) مرة أو مرتین أو أکثر ، کل مرة تساوی نطق ألف .

2-    العقد بالأصابع ، ولعل معناه الطرق بأی من الأصابع على الإبهام ، کل طرقة تقابل نطق ألف .

3-    أن تعد عددا ، فتقول : واحد ، اثنان، ثلاثة ... إلخ .

4-    أن تمد صوتک بقدر قولک : ألف ألف .

5-    أو کتابتها ، أی کتابة ( ا ) .

ولیس أدل على استیفاء عنایة القدماء بالبعد الزمنی للصوائت وشمول معارفهم لحالاتها المختلفة من أنهم لم یقفوا على إدراک إطالتها فحسب ، بل لقد أدرکوا عکس ذلک أیضا ؛ فکما عرضوا للتنوع الزمنی بالإطالة فقد عرضوا کذلک للتنوع الزمنی بالتقصیر أو الاختزال الزمنی لطول الصائت ، وهذا ما یندرج لدیهم تحت مصطلح الاختلاس أو الإخفاء ، وهذان مصطلحان یشیران إلى تقصیر یلحق الحرکات لکنه غیر محدد بمقدار واضح ([xxxviii]).

ویعرِّف علماء التجوید الاختلاس بأنه "عبارة عن الإسراع بالحرکة إسراعا یحکم السامع به أن الحرکة قد ذهبت ، وهی کاملة الوزن" ([xxxix]). وقال الدانی : "وأما المختلس حرکته من الحروف فحقه أن یسرع اللفظ به إسراعا، یظن السامع أن حرکته قد ذهبت من اللفظ لشدة الإسراع، وهی کاملة فی الوزن  تامة فی الحقیقة ، إلا أنها لم تمطط ، ولا ترسل بها ، فخفی إشباعها ولم یتبین تحقیقها " ([xl]). کما تحدث کذلک عن إخفاء الحرکات فقال : " فأما إخفاء الحرکات فهو اختلاسها والإسراع باللفظ بها من غیر تسکین ولا تشدید ، وهو عند النحویین بزنة متحرک ، یعنون أن الصوت یضعف لا أنه یسکن رأسا ، وذلک فی قوله تعالى : ﴿قالوا یا أبانا مالک لا تأْمنا﴾یوسف: 11 فی قول الجماعة"([xli]). ونخلص من ذلک أنهم لم یدرکوا الحالة الأصلیة للصائتین القصیر والطویل فحسب ، بل أدرکوا بالإضافة إلى ذلک الصائت المشبع أو الممطول والصائت المختلـَس والمخفی . کما عالجوا تحت ما یسمى بالإشمام الاستعداد بالشفتین لنطق الصائت القصیر ( وهو الرفع والضم لا غیر ) *([xlii]) من دون النطق به ، فهو لرؤیة العین لا غیر ، إذ هو إیماء بالشفتین إلى الحرکة بعد إخلاص السکون للحروف .

ثانیا : الطول وتنویعاته فی الصوامت

وقد ذکرنا آنفا أن کل وحدات البنیة الصوتیة یمکن للمتکلم أن یطیلها بالقدر الذی یسمح به الهواء الرئوی ، فالصوامت إذن تخضع لتلک الإمکانیة شأنها فی ذلک شأن الحرکات ، وإن کان تنویع الطول الزمنی بالإطالة یناسب طبیعة الصوائت کافتها، فإن الصوامت تختلف طبیعتها مع إمکانیة إطالة النطق بها. فالصوامت الاحتکاکیة یمکن إطالتها بقدر ما  یسمح نفـَس المتکلم ([xliii])، ومثلها الصوامت الأنفیة والجانبیة والتکراریة، على حین تکون الصوامت الانفجاریة أقل تناسبا مع التنوع الزمنی بالإطالة ؛ وذلک نظرا لطبیعة الانفجار المؤقتة . غیر أنه تظل إطالتها ـ مع ذلک ـ ممکنة لبعض الوقت ، عن طریق إطالة عملیة الإغلاق لعضوی النطق أثناء النطق بها کما أوضحنا من قبل.

وإذا ما بحثنا فی المصنفات التراثیة للغة بغیة الوقوف على نص صریح یتناول الحدیث عن هذا القسم (إطالة الصامت) ربما لا نجده ؛ ذلک أن علماءنا الأوائل عنوا أیما عنایة ببحث هذا الملمح على مستوى الصوائت، على حین لم یدرسوه فی الصوامت، کما یمکن الارتکان على بعض نصوص یستنبط منها أن هذه الظاهرة الصوتیة لم تکن موجودة فی العربیة
القدیمة *([xliv])، وإن کان لها حضور کبیر فی العربیة الفصحى المعاصرة ، وفی بعض اللهجات العربیة المعاصرة کذلک .

ومن أمثلة ما قد یقع فی الصوامت من تنویع زمنی بالإطالة استعمالنا المعاصر لکلمات نحو : (مدهش ـ  تحفة ) ... وغیرهما ؛ حیث یستخدم المتکلم آلیة تطویل النطق بالصامت کما فی إطالة المدى الزمنی لنطق الحاء فی کلمة "تحفة" [ fah tuЋ ] أو الدال فی کلمة "مدهش"
[ mud hi∫ ] تعبیرا عن غرض کلامی ما ، کما سبق أن ذکرنا .

وإذا ما نظرنا إلى حدیث القدماء عن وقوع المطل الصوتی فی الصوامت سیطالعنا نصٌ لابن جنی فی خصائصه ، عقب کلامه عن(مد التذکر) فی الحرکات؛ إذ یستعرض بعدها حدیثا عن وقوع مد التذکر على الصامت الساکن (ویقصد به هنا غیر المحرَّک) فیقول : "فإذا کان الحرف الموقوف علیه ساکنا فعلى ضربین (صحیح ومعتل) ، فالصحیح فی نحو هذا یُکسر ، لأنه لا یجری الصوت فی الساکن ، فإذا حُرک انبعث الصوت فی الحرکة ثم انتهى إلى الحرف ، ثم أشبعت ذلک الحرف و مطلته . وذلک نحو قولک فی نحو قد ـ وأنت ترید قد قام ونحوه ، إلا أنک تشک أو تتلوَّم لرأی تراه من ترک المبادرة بما بعد ذلک ـ: قدی ، وفی من : منی ، وفی هل : هلی ، وفی نعم : نعمی ، أی نعم قد کان ، أو نعم هو هو أو نحوه ، مما تستذکر أو تراخی بذکره ، وعلیه نقول فی التذکر إذا وقفت على لام التعریف: الی ، وأنت ترید: الغلام أو الخلیل أو نحو ذلک .  .... ونحو مما نحن علیه حکایة الکتاب : هذا سَیفـُـنی ، وهو یرید : سیفٌ من أمره کذا ، أو من حدیثه کذا ، فلما أراد الوصل أثبت التنوین ، ولما کان ساکنا صحیحا  لم یجر الصوت فیه ، فلما لم یجر فیه حرکه بالکسـر ـ کما یجب فی مثله ـ ثم أشبع کسرته فأنشأ عنها یاءً ، فقال : سیفنی . هذا حکم الساکن الصحیح عند التذکر"([xlv]).

وهذا یعنی أنه لما کان الحرف الساکن الصحیح لا یجری الصوت فیه لدیهم ، فقد کانوا یتعاملون معه حال التذکر بأن یُحرِّکوه بکسـرة ، یقوم المتکلم بإشباعها لتصیر حرفا ، ثم یعمد المتکلم بعد ذلک إلى مطل هذا الحرف . وذلک نحو ما تحرکت به الدال الصحیحة الساکنة فی (قدْ) ـ وبقیة الأمثلة ـ مما یراخی المتکلم بذکره ، فحرک الدال الساکنة التی لا یجری الصوت فیها بکسرة ، ثم مُدَّت تلک الکسرة حتى صارت یاءً ، ( فأصبحت قدی) ثم تلا ذلک مطلٌ صوتی لتلک الیاء.  

 ویمکن أن نستنبط من هذا النص السابق بعض أمور ، منها : أن ظاهرة وقوع المطل فی الصوامت ربما لم تکن حاضرةً بشکل جلی فی عربیة الأوائل ، مما جعلهم یحیدون عن مطل الصامت الساکن إلى استحداث کسرة تزیل عنه سکونه ، ثم یعمدون إلى إشباع هذه الکسرة ومطلها حتى تصیر یاءً ، وتعلیل ذلک الإجراء البدیل بأن ( الساکن الصحیح لا یجری فیه الصوت ) .

ملاحظة أخرى یحسن الوقوف علیها هنا ، تلک أن جمیع الأمثلة التی ساقها ابن جنی فی نصه السابق علامةً على وقوع المطل الصوتی فی الحرف الساکن جاءت جمیعها خلوا من الصوائت الطویلة *([xlvi])؛ حیث أورد کلمات نحو ( قد ـ من ـ هل ـ نعم ـ الـ ) ، وعلیه یمکننا أن نستنتج أن آلیة التنویع الزمنی بالإطالة فی الصوامت تتجلى بشکل أوضح فی الکلمات التی لا تحوی صائتا طویلا . ذلک أنه نظرا لطبیعة الصوائت الطویلة فی الکلمات وقدرتها على حمل هذه الخصائص البروسودیة فی المنطوق ، فإن المتکلم ـ حال احتواء الکلمة على صائت طویل ـ یمیل إلى اختیارها لإیقاع مثل تلک الظواهر علیها .

بقی أن نؤکد هنا مسألة یبرزها الاستعمال اللغوی فی عربیتنا المعاصرة ، ألا وهی الحضور الجلیُّ لوقوع التنویع الزمنی للطول فی الصوامت ، من خلال آلیة الإطالة الصوتیة لصوامت الکلمة ، وهی تقع فی الأغلب لإفادة أغراضٍ تعبیریة انفعالیة أو توکیدیة ([xlvii]).

*   *   *

وبعد أن طوَّفنا بالحدیث عن مصطلحات الاستغراق الزمنی، فتناولنا منها الطول Length، والکمیة Quantity، والإطالة Lengthening ، فقد بقی لنا مصطلح أخیر متعلق بمجال البحث فی حقل دراسة البعد الزمنی فی اللغة ، وهو مصطلح التزمین Tempo .

والتزمین Tempo اصطلاحا یمکن أن نعرفه بأنه " التوزیع التناسبی للزمن الکلی على الوحدات المکونة للجملة " ([xlviii]). کذلک یعرفه آخرون بأنه " السـرعة النسبیة لنطق کلمة معینة أو بعض کلمات فی الجملة ، أو السرعة النسبیة لنطق تعبیرة معینة فی العبارة نسبة إلى التعبیرات الأخرى"([xlix]).

ویتضح من کلا التعریفین ـ وغیرهما ـ الاعتداد بالکم النسبی بین المکونات الصوتیة ولیس الکم المطلق ؛ حیث إن الکم الزمنی المطلق الذی یستغرقه النطق بمقطع أو تفعیلة ، أو الذی تشغله المسافة الواقعة بین ارتکازین متعاقبین لا قیمة له فی ذاته عند تشخیص الإیقاع ، وإنما مدار القول على التناسب الزمنی والکم النسبی بین المکونات ، وبناء على ذلک فقد یختلف الکم الزمنی المطلق للوحدات الإیقاعیة ، ویبقى ذلک الکم النسبی بین الوحدات واحدا([l]).

ولا یخفى على المعنی بالبحث الصوتی قلةُ المصنفات اللغویة المفردة لدراسة هذا الملمح الزمنی ، ربما لأن تلک المصنفات فی معظمها تؤکد على حسبان التزمین الصوتی أحد السمات الفردیة المتعلقة بکل متکلم على حدة ، یؤثر فیها السلوک الشخصی الفردی له . غیر أن هذه الحقیقة لا تعنی أن الأمر برمته موکول إلى حریة المتکلم وإرادته الشخصیة فی التحکم فی سرعة الإیقاع الصوتی الذی ینطق به کلامه ؛ إذ تظل هناک مجموعة من المحددات التی عدها اللغویون من المؤثرات على معدل السـرعة النسبیة للکلام بین المتحدثین .

العلاقة بین التزمین والطول فی الأحداث الصوتیة للغة

یمکننا القول إن المظهر الإدراکی الملازم للتزمین هو الطول الزمنی Length؛ حیث إن الکم الزمنی لأی حدث صوتی کلامی یرتبط ـ عامة ـ بتزمین المقطع أو الکلمة التی یکون هذا الحدث الصوتی جزءا منها . ومن ثم ، فإن التنویع الزمنی للأحداث الصوتیة سواء بالإطالة أو الاختزال الزمنیین إنما یقع على الکم الزمنی العام لجمیع الأصوات . ففی التزمین البطیء ـ على سبیل المثال ـ یصبح نصیب کل صوت فی التوزیع النسبی للکم الزمنی أکبر ؛ کأن یُطال زمن الغلق فی الصوامت الوقفیة مثلا ، أو زمن التضییق فی الأصوات الاحتکاکیة وفی الحرکات کذلک ، والحال نفسه یقع فی الفواصل التی بین المقاطع الصوتیة .

وذلک على العکس تماما مما قد یحدث فی حالة الاختزال الزمنی للأحداث الصوتیة عبر آلیة التزمین السریع ؛ حیث یصبح نصیب کل صوت أصغر من حیث التوزیع التناسب للکم الزمنی فی أقسام کل ما سبق ذکره .

وإذا ما نظرنا إلى سلوک التزمین مع الأصوات اللغویة سنلحظ بوضوح اختلاف سلوک الصوامت فی مقادیر الإطالة والاختزال الزمنیین عنه فی الصوائت ؛ حیث یعتمد الأمر على المجال الذی یندرج فیه زمن الصوت ـ صامتا کان أم حرکة ـ بین الحد الأدنى والحد الأقصى ، بعبارة أوضح إنه بمقدار اتساع هذا المجال بین الحدین یکون تحمُّل الصوت للزیادة أو التخفیض النسبیین فی الکم الصوتی .

ومن واقع قواعد النظام الفونولوجی فإن المجال فی الصوائت یکون أکثر اتساعا منه فی الصوامت ، وبناء علیه فهی التی تعانی القسط الأکبر من الطول والقصـر . وربما هذا ما قد یتوافق مع قولة ابن جنی التی أوردناها سابقا عن أن (الحرف الصحیح الساکن لا یجری الصوت فیه). ففی العربیة نجد أن مجال الصائت القصیر یکون أضیق ، وقابلیته فی أن یُطال أقل منها فی نظیره الطویل . کما أن المجال فی الصوامت الاحتکاکیة أکبر منه فی الصوامت الوقفیة . وعلیه یمکننا أن نرتب عناصر البنیة الصوتیة القطعیة حسب قابلیتها للإطالة ترتیبا تصاعدیا کالآتی([li]): ـ

1-    الأصوات المغلقة .

2-    الحرکات القصیرة .

3-    الأصوات الاحتکاکیة .

4-    الحرکات الطویلة .

ویمکننا أن نتصور ـ بناء على هذا ـ سلوک عنصری البنیة القطعیة (الصوامت، والصوائت ) فی حالتی الإبطاء والتسریع الزمنیین على النحو الآتی :

فی حالة الإبطاء : فإن الزیادة فی زمن الصوامت المغلقة أو الوقفیة ، والصوائت القصیرة تکون أقل لسببین ، أحدهما المحافظة على صیغة الکلمة بالنسبة للحرکات القصیرة ، والسبب الآخر یعود إلى صعوبة التطویل فسیولوجیا بالنسبة للصوامت الوقفیة . أما مع الصوائت الطویلة والصوامت الاحتکاکیة فإن الزیادة الزمنیة تکون أکبر لسببین کذلک ، أولا لأن الصیغة لن تُهدم فیما یتعلق بالصوائت الطویلة ، وثانیا لإمکانیة التطویل فسیولوجیا مع الصوامت الاحتکاکیة . وعلیه فإن الصوائت الطویلة هی التی تتحمل أکبر قدر من التطویل الزمنی ، تلیها الاحتکاکیات ، ثم الصوامت الوقفیة والصوائت القصیرة .

أما فی حالة التسـریع الزمنی : فإن الاختزال فی زمن الصوامت یکون أقل منه فی الحرکات أو الصوائت ؛ حیث إنه لا بد أن تستوفی القطوع الصوتیة الصامتة حقها الضروری من الکم الزمنی أولا ، وإلا لما تمیزت بوصفها أصوات لغویة ، ثم یُحقق الاختزال الزمنی بعد ذلک على الحرکات . وهذا یعنی أن النصیب الأکبر من الاختزال الزمنی إنما یقع على الحرکات ، مع الوضع فی الحسبان أنه فی الطویلة أکبر منه فی القصیرة . [lii]

*   *   *

الخاتمة :

یمکننا أن نوجز ماانتهى إلیه البحث فی معالجة ملمح الاستغراق الزمنی لأصوات اللغة فی مجموعة من النقاط لعل أهمها :

v  احتلال البعد الزمنی للأصوات اللغویة مکانة جد خطیرة فی دراسة النظم الفونولوجیة للغات ، بما له من أهمیة فی تشکیل الوحدات الصوتیة فی اللغات، فضلا عن دوره فی تشکیل المخزون المعرفی اللغوی لدى المتکلمین والمستمعین ، وتحقیق التواؤم اللغوی فیما بینهما على الصعید الأدائی والإدراکی للغة.

v  بحث مسألة التنوع المصطلحی لظاهرة الاستغراق الزمنی فی دراسة أصوات اللغة کما توردها معالجات اللغویین فی حقل دراسة البعد الزمنی للغات بین کل من : (الطول Length ، والکمیة Quantity  ، والإطالة Lengthening ، والتزمین (Tempo وعزو ذلک إلى امتداد مجالات عمل الظاهرة الزمنیة فی اللغة عبر مستویاتها الصوتیة المختلفة .

v    تصنیف اللغات استنادا إلى الدور الفونیمی التأثیری للملمح الزمنی بها إلى صنفین :

    الأول : مجموعة اللغات التی یعمل فیها الطول فونیمیا على مستوى وحدات البناء الصوتی .

    الثانی: مجموعة اللغات التی لیس للملمح الزمنی فیها دور فونیمی تأثیری .

v  تعیین مجموعة من المحددات الصوتیة المؤثرة على الطول الزمنی للأصوات فی اللغة ، وبیان أثرها على وحدات البناء اللغوی وإدراکه .

vبیان الإسهام الوظیفی لملمح الاستغراق الزمنی للأصوات فی تشکیل اللغة وإدراکها ، سواء أکان على المستوى النطقی الأصواتی، أم الدلالی، أم التعبیری بمظهریه التوکیدی والانفعالی .

vالوقوف على آلیات تنویع الاستغراق الزمنی للتراکیب الصوتیة لدى المتکلمین؛ حیث تمثلت فی مظهری (الاختزال، والتمدید الزمنیین)، وربط هذا الإجراء الصوتی بالمحتوى الدلالی للتراکیب تبعا للمقاصد اللغویة للمتکلمین .

v  بحث معالجة لغویی العربیة القدامى للظاهرة الزمنیة ، وتأکید عنایتهم الواضحة بها، لاسیما فیما یتعلق بمعالجتهم لها فی الصوائت خاصة. وبیان أهم المصطلحات الصوتیة التی درسوا تحت مظلتها ملمح الاستغراق الزمنی، من قبیل (الإشباع، والمد، ومطل الحرکة)، وربطهم للتنویعات فیها بالجانب الدلالی فی إدراک التراکیب اللغویة .

v  الخلوص إلى حقیقة أن ظاهرة وقوع المطل الصوتی فی الصوامت ربما لم تکن حاضرة بشکل جلی فی عربیة الأوائل ، وذلک على العکس من الحضور الجلی للظاهرة نفسها فی حیز الصوامت فی عربیتنا المعاصرة ، التی اعتمدت هذا الإجراء الصوتی لإفادة أغراض تعبیریة انفعالیة أو توکیدیة فی الغالب .

v  تباین سلوک عنصری البنیة الصوتیة (الصوامت/الصوائت ) فی مقادیر تنویع الاستغراق الزمنی بالإطالة والاختزال الزمنیین ؛ إذ سجل واقع النظام القاعدی الفونولوجی باللغة للصوائت سعةً أکبر من نظیرتها " الصوامت " فی خضوعها لهذا التنویع .



(1) D.B. Fry : Prosodic Phenomena: manual of Phonetics, London, 1970, P. 371 .

(2) Ilse Lehiste: Suprasegmental , Cambridge, Massachusetts, London , 1970 , P. 53 .

([iii]*)  عُنی الدرس الصوتی بملمح الطول عنایة کبیرة، لا سیما لدى أصحاب النظریة البروسودیة فی التحلیل الفونولوجی ؛ حیث عالج اللغویون الإنجلیز هذا الملمح الصوتی بوصفه سمة من السمات البروسودیة للمقاطع الصوتیة وأجزاء الجملة . ولعل معالجة البروسودیین للطول الزمنی بتلک الرؤیة تعد من أهم النقاط الفارقة بین کل من المنهج الفونیمی الأمریکی ، والمنهج البروسودی الإنجلیزی فی تحلیل مثل تلک الظواهر الصوتیة . فصحیح أن ما یسمى عند اللغویین الأمریکیین Suprasegmentals  أو فوق الترکیبی یقابل ما یسمى عند فیرث وتلامیذه بـ Prosody إلا أن الأساس الجوهری للبروسودی عند فیرث هو التنغیم والنبر وطول المقطع ، على حین یعد المنهج الأمریکی النبر ودرجة الصوت فقط وحدات صوتیة فوق قطعیة ، فی الوقت الذی یبقى فیه طول المقطع خارج إطار النظام الفونیمی عند المدرسة الأمریکیة ، حیث یلحق النظام الفونیمی عندهم الطولَ بفونیم العلة ـ عادة ـ ویأتی بعده . فی حین یتناول التحلیل البروسودی الطولَ بوصفه ملمحا للمقطع على اعتبار أنه ترکیب مستقل منفصل لیس منسوبا لأی من الوحدات الساکنة أو العلة . ولمزید من التفصیل بشأن هذا ، انظر : أحمد مختار عمر : دراسة الصوت اللغوی ، ص ص 241 ـ 242. وانظر أیضا: عبد المنعم السید جذامی: دلالة السمات شبه اللغویة المصاحبة للأداء الکلامی فی عملیة التواصل، دراسة تطبیقیة على بعض روایات نجیب محفوظ ، مجلة علوم اللغة ، مج 9، ع3 ، 2006 ، ص ص 324 ـ 326 .

(4) سمیر شریف ستیتیة : التنوع الکمی للحرکات ، مجلة جامعة الملک سعود ، مج 9 الآداب (1) ، 1997 ، ص 150 .

 ([v])إبراهیم أنیس : الأصوات اللغویة ، ص 154 .

([vi]) انظر على سبیل المثال : برتیل مالمبرج : الصوتیات ، ترجمة ، محمد حلمی هلیل ، ص ص 137 ـ 139 ؛ حیث یستخدم المؤلف ـ ویتابعه المترجم فی هوامشه کذلک ـ مصطلحات الکمیة والطول والمدة الزمنیة للأصوات الکلامیة جمیعها بمفهوم واحد هو الاستغراق الزمنی لنطق الصوت . کما تترادف المصطلحات الثلاثة کذلک عند أحمد مختار عمر (دراسة الصوت اللغوی ، ص 233) . وجدیر بالذکر أن علماء الأصوات المحدثین یمیلون إلى استخدام مصطلح Duration  للتعبیر عن الکمیة المقیسة ، على حین یستخدمون مصطلح Length للتعبیر عن الکمیة ذات البعد الوظیفی اللغوی .

(7) تمام حسان : اللغة العربیة معناها ومبناها ، ص 301 .

([viii]) المرجع نفسه ، والصفحة نفسها .

([ix]) انظر : أحمد مختار عمر : دراسة الصوت اللغوی ، ص 363 ، وانظر کذلک : داود عبده : دراسات فی علم أصوات العربیة ، ص 25 وما بعدها .

([x]) سمیر ستیتیة : التنوع الکمی للحرکات ، ص 161 .

(*[xi])  قدم دانیال جونز للدلالة على فونیم الطول المصطلح کرونیم Chroneme بوصفه وحدة زمنیة ، وأطلق على کل درجة من درجات الاستمراریة ـ أو الطول ـ المصطلح ألوکرون  Allochrone . وعلاقة الألوکرون بالکرونیم تشبه علاقة الألوفون بالفونیم ؛ أی أن الأطوال الفعلیة الواقعة داخل الکرونیم المعین تکون أسرة وتعد أعضاء فی هذا الکرونیم . أحمد مختار عمر : دراسة الصوت اللغوی ، ص ، 234 . کما اقترح سعد مصلوح للمصطلح کرونیم مقابلا عربیا أسماه ( طولیم ) ، وکذلک رادف بین المصطلحین الطول length والمدى الزمنی Duration عند حدیثه عن طول الحرکات ، وقصد بالطول أو المدى الزمنی "المدة التی یحتفظ فیها شکل التجاویف العلیا بوضع معین أثناء التصویت بالحرکة " انظر: سعد مصلوح: دراسة السمع والکلام ، ص ص 208 ـ 209 .

[xii]*)) یؤکد ماکایMacKay   خلو اللغة الإنجلیزیة من مبدأ التقابل بین الحرکة القصیرة والحرکة الطویلة ، ولذلک فهو یرى أن نظام الإنجلیزیة لا یحتاج عادة إلى إشارة أو رمز لإطالة الحرکة فی نظام الکتابة الصوتیة بها على الإطلاق . انظر: Ian MacKay : Introducing Practical Phonetics , New York , 1978 , P. 99 .  کما یرى لادیفوجد Ladefoged أن التنوع فی طول الحرکة فی النظام الصوتی للغة الإنجلیزیة إنما هو تنوع ألوفونی ولیس فونیمیا . انظر Peter Ladefoged : A course in Phonetics , P . 223 .

(13) محمد صالح الضالع : الصوتیات الفونولوجیا ، مقدمة للقارئ العربی ، دار الثقافة العربیة ،القاهرة ، 2001 ، ص ص 41 ـ 43. وانظر بشأن هذا أیضا : دانیال جونز : An Outline of English Phonetics , P. 66 .

(14) O'connor : Phonetics , Penguine Books , 1973 , P. 197 .

         نقلا عن : أحمد مختار عمر : مرجع سابق ، ص 235 .

(*15) تدین معظم القواعد التی تحدد کمیة الأصوات فی حقل الدراسات الصوتیة ـ إلى حد بعید ـ إلى الأبحاث التی قام بها اللغوی مایر E.O.Meyer التی قام بها على الکثیر من لغات العالم . انظر فی هذا الشأن : برتیل مالمبرج : الصوتیات ، ص 138 .

(16) سمیر ستیتیة : التنوع الکمی للحرکات ، ص 158 .

(17) المرجع السابق ، ص ص 162 ـ 164 .

(18) انظر : برتیل مالمبرج : الصوتیات ، ص 139 .

(19) سمیر ستیتیة : السابق ، ص 167 .

(20) شکری عیاد : موسیقى الشعر العربی ، دار المعارف ، القاهرة ، طـ 1 ، 1968 ، ص ص 49 ـ 50 .

(21) ولعرض مفصل حول مجموعة الاختبارات الصوتیة التجریبیة التی قام بها عدد من العلماء لقیاس إدراک النبر للکثیر من لغات العالم ، وتعرف مدى إسهام ملمح الزمن ـ إلى جانب الشدة الصوتیة وتردد الأساس ـ فی ذلک ، ینظر : فادیة فاروق : التنغیم الاستفهامی .. دراسة صوتیة مختبریة فی الأداء الصوتی لمسرحیة " الست هدى " رسالة ماجستیر مخطوطة ، کلیة الآداب ، جامعة القاهرة ،2011،  ص ص 36 ـ 39.

(22) إبراهیم أنیس : الأصوات اللغویة ، ص 155 .

(23) برتیل مالمبرج : مرجع سابق ، ص 141 .

(24) إبراهیم أنیس : السابق ، ص 155 .

(*25)  یجب ألا نغفل فی إطار استدعائنا الدور التعبیری لتنویعات المدى الزمنی ربط َهذا الدور بالصلة المنعقدة بین ظاهرتی النبر الصوتی والطول ؛ حیث إن ثمة تلازما بین الظاهرتین قد أثبتته الدراسات اللغویة الحدیثة ، یبدو ذلک عندما تجتمعان معا فی کلمة واحدة بقصد إکساب هذه الکلمة دلالة تعبیریة توکیدیة . فیکون لاجتماع النبر والطول معا أثرا کبیرا فی إفادة معنى التوکید على المحتوى المعلوماتی الذی تقدمه هذه الکلمة المنبورة المطولة .

(*26) تسمى الصوامت الانطلاقیة بهذا الاسم نظرا لانطلاق هواء الزفیر فی مساره دون حبس أو توقف عند النطق بها ، وقد قسم اللغویون الانطلاقیات إلى أنواع متعددة ، یجمعهما قسمان رئیسان :

الأول : الانطلاقیات غیر الاحتکاکیة . والثانی : الانطلاقیات الاحتکاکیة  . (ومنها الحاء هنا)

وتختلف الانطلاقیات الاحتکاکیة فی أنها تنتج عن طریق تقارب شدید بین عضوی النطق دون التقاء بینهما . وهذا على نحو ما یحدث فی صوامت مثل (الفاء والسین والشین والهاء والذال ... وغیرها) إلا أن الانطلاقیات غیر الاحتکاکیة تنتج عن طریق التقاء تام بین عضوی النطق ، ولکن مع السماح لتیار الهواء بالانطلاق بینهما دون حبس. وهذا على نحو ما نجده فی کل من (المیم والنون والراء واللام ) ، وأنصاف الحرکات ( و – ی – ا ) .

(27) سیبویه : الکتاب ، ج 4 ، ص 202 .

(28) السابق : ج 1 ، ص 28 .

(29) ابن جنی : الخصائص ، ج 3 ، ص 123 .

([xxx]) سیبویه : السابق ، ج 4 ، ص 216 .

[xxxi])) ابن جنی : السابق ، ج 3 ، ص 128 .

[xxxii])) السابق نفسه : ص ص 128 ـ 129 .

[xxxiii])) السابق : ص 154 .

[xxxiv])) السابق : ص 155 .

[xxxv])) ینظر فی بیان تلک المصطلحات جمیعا : مصطفى زکی التونی: فونولوجیا العربیة والمصطلحات الصوتیة عند علماء التجوید ، دار شمس المعرفة ، القاهرة ، ( د . ط) ، (د . ت ) .

(*36) تجدر الإشارة هنا فی هذا السیاق إلى قول أورده الدکتور عبد الصبور شاهین فی شأن مقدار الحرکة وعلاقته بتعددها ؛ إذ یقول " ومن المسلم به حتى لدى القدماء أن الحرکة مهما طالت لا تتعدد ، ولا تعدو کونها حرکة طویلة واحدة . حکى ابن جنی أن رجلا ادَّعى لأبی إسحاق أنه یجمع فی کلامه بین ألفین ، وطوَّل الرجل ( الصوت بالألف ) ، فقال له أبو إسحاق : لو مددتها إلى العصر لما کانت إلا ألفا واحدة . ونحن نقول استطرادا مع هذا : إن الیاء الممدودة أو الواو الممدودة مهما طالت مدتها لا تعدو أن تکون کسرة أو ضمة طویلة " انظر عبد الصبور شاهین : القراءات القرآنیة فی ضوء علم اللغة الحدیث ، ص 111 ، والقصة التی أوردها الدکتور شاهین جاءت فی الخصائص ، ج 2 ، ص 493 .

(37) غانم قدوری الحمد : الدراسات الصوتیة عند علماء التجوید ، ص 541 .

(38) السابق : ص 512 .

(39) ابن الطحان : مرشد القارئ إلى تحقیق معالم المقارئ ، 135 ظ  : نقلا عن : غانم قدوری الحمد : مرجع سابق ، ص 512 .

(40) الدانی ( أبو عمرو عثمان بن سعید  ت 444هـ ) : التحدید فی الإتقان والتجوید ، مخطوط ، 13 ونقلا عن : الحمد : المرجع السابق نفسه ، والصفحة نفسها .

(41) السابق نفسه : ص 513 .

(*42) وقد علل علماء التجوید انحصار الإشمام بالضمة دون الفتحة والکسرة بکون الضم من الشفتین ، " وإذا أومأ بشفته نحوه أمکن الإیماء وأدرکه الرائی و إن انقطع الصوت ، لأن الرائی یدرک مخرج هذه الحرکة وهو الشفتان ، فأمکن أن یدرکها . أما فی (الکسرة والفتحة ) فإنما امتنع لأن الکسر لیس من الشفة ، وإنما من مخرج الیاء ، ومخرجها شجر الفم ، والنظر لا یدرک حرکته ، وکذلک الفتح من الألف ، ولا وسیلة للألف یدرکها النظر ، لأن مخرجها من الحلق، والرائی لا یدرکه ولا یدرک حرکته ، والصوت ینقطع دون الشروع فی هذا الجزء من الحرکة ، فلم یبق للنظر ولا للسمع وصول إلى إدراکه ، فامتنع الإشمام فیه لذلک " عبد الوهاب القرطبی : الموضح فی التجوید ، مخطوط ، 187 ظ ، نقلا عن : غانم قدوری الحمد : مرجع سابق ، ص 511 .

(43) أحمد مختار عمر : مرجع سابق ، ص 126.

(*44) باستثناء ما أوردناه من قبل حول مقولة ابن جنی التی منها ( کان والله رجلا ، فتزید فی قوة اللفظ بالله هذه الکلمة ، وتمکن فی تمطیط اللام وإطالة الصوت بها وعلیها) وهو قول مقرون لا محالة بکامل الهیئة التنغیمیة والنبریة لذلک المنطوق ، ولیس معقودا بتطویل الصامت فحسب ؛ إذ بینا من قبل أن وقوع الإطالة فی منطوق صوتی ما مرتبط ارتباطا وثیقا بالهیئة التنغیمیة الخاصة بهذا المنطوق . ولو أن وقوع الإطالة وحده یمکن أن یوکل إلیه تغیر الدلالة القدیمة إلى دلالة أخرى مستفادة بعد إطالة المنطوق بشکل ما ، لتمت هذه الدلالة الجدیدة دون النظر إلى ما یصحب هذه الإطالة من تنغیم ونبر ، غیر أن الواقع الاستعمالی للغة یثبت عکس ذلک . ولعل أبرز دلیل على وعی اللغویین بضرورة الربط بین ملمح الإطالة بوصفه ظاهرة صوتیة ، وما یغلفه من هیئة تنغیمیة نبریة خاصة بالمنطوق المطول هو حدیث ابن جنی نفسه عن مطل الحرکات حین عقدها بحال المتکلم فی ظل علاقتها بمقامی الندبة والتذکر.

(45) ابن جنی : الخصائص ، ج 3 ، ص ص 130 ـ 131 .

(46) والملاحظة نفسها تؤکدها کلمات نحو : (مدهش و تحفة) التی ضربنا بها مثلا على وقوع الإطالة فی الصوامت آنفا .

(47) والحال کذلک فی غیر العربیة ؛ فالفرنسیة على سبیل المثال تستعمل ساکنا طویلا (ولیس مضاعفا ) لتأکید مقطع من المقاطع ، انظر: برتیل مالمبرج: الصوتیات، ص 144. 

(48) سعد مصلوح : المصطلح اللسانی وتحدیث العروض ، مجلة فصول ، مج 6 ، ع 4 ، ص 187 .

(49) رضوان القضمانی : الأنماط التنغیمیة فی اللسان العربی ، الخطاب فی سوریا أنموذجا، مجلة علوم اللغة ، مج 4 ، ع 1 ، 2001 ، ص 239 .

(50) سعد مصلوح : السابق نفسه ، والصفحة نفسها .

(51) عبد العزیز علام : من التزمین فی نطق العربیة الفصحى ، دار بصائر ، القاهرة ، ط 1 ، 2007 ، ص 60 .

============