التفکير الناقد بين المقاربة الفلسفية والمقاربة التعليمية "برتراند رسل" و"جون ديوي" نموذجًا

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس المنطق بقسم الفلسفة کلية الآداب – جامعة القاهرة

المستخلص

لا غرو أنه قد ساد اعتراف واسع النطاق بأهمية التفکير الناقد، إلا أن هناک افتقارًا ملحوظًا حول توافق الآراء التى تناولته من حيث تعريفاته وموضوعاته ومجالاته وأهدافه. ولعل ذلک يرجع إلى تعدد مقارباته. فقد حصـرت أدبيات التفکير الناقد جذور هذا المفهوم فى ثلاث مقاربات؛ هي: المقاربة الفلسفية والتعليمية والسيکولوجية. وقد طورت تلک المسارات الأکاديمية المنفصلة أساليب مختلفة لتعريف التفکير الناقد وتحديد مجالاته وموضوعاته، بحيث تعکس اهتمامات کل منها. وسنعرض فى هذه الدراسة لطبيعة المقاربة الفلسفية عند "رسل" والمقاربة التعليمية عند "ديوي".
وتسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1- بيان طبيعة المقاربة الفلسفية للتفکير الناقد.
2- إلقاء الضوء على إسهامات"رسل" للتفکير الناقد.
3- بيان طبيعة المقاربة التعليمية وعوامل انتشارها.
4- دحض التأويل الشائع عن مفهوم التفکير الناقد عند"ديوي" باعتباره مرادفًا للتفکير التأملي، مع تقديم تأويل جديد- اقترحه الباحث- حول هذا المفهوم .
5- بيان الدور الذى لعبه التأويل الجديد لمفهوم التفکير الناقد عند"ديوي" فى تشکيل قضايا وموضوعات فلسفة التعليم.  

الكلمات الرئيسية


مقدمة:

لا غرو أنه قد ساد اعتراف واسع النطاق بأهمیة التفکیر الناقد، إلا أن هناک افتقارًا ملحوظًا حول توافق الآراء التى تناولته من حیث تعریفاته وموضوعاته ومجالاته وأهدافه. ففى حین یحصـر"أرثر لویس ودیفید سمیث" جذور هذا المفهوم فى تخصصین أکادیمیین أساسیین هما:الفلسفة وعلم النفس([i]). نجد "ستیرنبرج" یضیف خطًّا ثالثًا للتفکیر الناقد یطلق علیه المقاربة التعلیمیة([ii])(*). ومن جانب الباحث یجد أن هناک مقاربة رابعة لهذا المفهوم بدأت فى أواخر الثمانینیات من القرن الماضی، ونعنى بها مقاربة"المنطق غیر الصوری"للتفکیر الناقد.

وقد طورت تلک المسارات الأکادیمیة المنفصلة أسالیب مختلفة لتعریف التفکیر الناقد وتحدید مجالاته وموضوعاته، بحیث تعکس اهتمامات کل منها.  ونعرض فى هذه الدراسة طبیعة المقاربة الفلسفیة والتعلیمیة. ولکن قبل بیان طبیعة هاتین المقاربتین یود الباحث فى هذه المقدمة الإشارة إلى سبب اختیار"رسل" کنموذج للمقاربة الفلسفیة و"دیوی"کنموذج للمقاربة التعلیمیة والإشکالیات التى یطرحها هذا الاختیار.

بالنسبة لـ"رسل"على الرغم من الشهرة الواسعة التى نالها فى جمیع فروع الفلسفة والمنطق،إلا أن اسم"رسل" نادرًا ما یظهر فى العدد الکثیف من أدبیات التفکیر الناقد التى ظهرت حدیثًا. والواقع أن هناک بعض العوامل التى ساهمت فى جعل مفهوم التفکیر الناقد عند "رسل" غامضًا بعض الشیء منها؛ أن أفکاره عن التفکیر الناقد متناثرة فى کتاباته ولم تنظم أبدًا فى صورة بحثیة واحدة، ومنها أیضًا أنه لم یستخدم اللغة والمصطلحات المعاصرة. فمصطلح "التفکیر الناقد"لم یبدأ استخدامه فى الکتابات المنطقیة إلا فى العام"1946"على ید"ماکس بلاک"فى کتابه:"التفکیر الناقد:مقدمة فى المنطق والمنهج العلمی"(*).

وفى الواقع إننا إذا ما طبقنا مفهوم التفکیر الناقد وموضوعاته کما ظهرت فى الأدبیات الحدیثة للمقاربة الفلسفیة على کتابات "رسل"،سنجد أن هذا المفهوم أساسى ومرکزى فى فلسفته. فهذا المفهوم عنده لا یتضمن المهارات والقدرات والاستعدادات والعادات العقلیة فحسب، وإنما یشتمل -کذلک- على التوجهات الفلسفیة للتفکیر الناقد. والإشکالیة الرئیسة التى سوف نتناولها فى تلک المقاربة هی: ما طبیعة المقاربة الفلسفیة للتفکیر الناقد؟ إلى أى مدى استطاع"رسل"الإسهام فى تلک المقاربة؟

أما بالنسبة لـ"دیوی" فهو الرائد الأول للمقاربة التعلیمیة. وبالطبع لا یمکننا حصر آرائه حول التفکیر الناقد فى تلک المقاربة، بل یمکننا وضعه فى إطار المقاربة الفلسفیة، فهو یقرر حجة قویة فى کتابه"الخبرة والطبیعة" لمفهوم الفلسفة کنقد. فقد رأى أن الفلسفة شکل خاص من أشکال المعرفة الإدراکیة یهتم بالحکم على القیمة کنموذج بحثى أى حکم على حکم، أو إذا جاز التعبیر نقد للنقد  A Criticism of Criticisms "([iii]). کما أن الفلسفة عنده لیست طریقًا خاصًا ینتهى إلى أشیاء غریبة عن العقائد والمعرفة والسلوک، بل هى نقد فاحص للأفکار التقلیدیة برمتها، لتجدیدها وجعلها متماشیة مع المقتضیات الراهنة([iv]). کما لا ینسى الباحث أن"دیوی" کان أیضًا عالم نفس، فهو یقرر فى کتابه "الطبیعة البشریة والسلوک الإنسانی": "أن مشکلة مکان المعرفة والحکم من السلوک الإنسانى تعتمد على تصحیح السیکولوجیا الأساسیة للتفکیر"([v]). کما یقرر أن"نواحى معینة من علم النفس هى وسائل معروفة فى التشکیل المنطقی"([vi]). وبالتالی، یمکننا إدراجه ضمن مقاربة علم النفس، ولکن ما یدفع الباحث لوضعه فى تلک المقاربة أن تناوله لطبیعة التفکیر الناقد تحدیدًا، یأتى فى مزج وانصهار خفیین بین کونه عالم نفس وکونه فیلسوفًا بغیة وصوله إلى أهداف تعلیمیة خالصة.

والحقیقة أن مفهوم التفکیر الناقد وتطبیقاته فى فلسفة التعلیم عند"دیوی" لم یتشکل دفعة واحدة کما اعتقد العدید من الباحثین، فقد تم الربط بین مفهوم التفکیر الناقد ومفهوم "التفکیر التأملى Reflective Thinking"الذى قدمه "دیوی" فى کتابه "کیف نفکر 1910" باعتبارهما مترادفین، فعلى سبیل المثال،أشار"آلک فشـر" إلى أن مفهوم التفکیر التأملى عند"دیوی" یعد المصطلح المرادف للتفکیر الناقد، وزاد على ذلک بقوله إن تعریفات "أدوار کلیسـر" و"روبرت إنیس" للتفکیر الناقد قد قامت على أساس هذا المفهوم([vii]). ویقف بجانب هذا التأویل "لیون Lyons" فیقول فى المعنى نفسه: "إن التفکیر التأملى عند "دیوی" یمثل النشاط المعرفی، إنه التفکیر الناقد للاستجوابات الواعیة للسیاقات السیاسیة والثقافیة والاجتماعیة للتعلّم"([viii]). أما"کارول رودجرز Carol Rodgers" فقد ربط بین التفکیر التأملى وخطوات المنهج العلمى التى قدمها "دیوی" لحل المشکلة ، فیقول: "الخطوات الستّة التالیة هى مراحل التفکیر التأملی، والتى تمثل بشکل واضح المنهج العلمی، وهی: 1- الخبرة؛ 2- التفسیر التلقائى للخبرة؛ 3- تَسْمِیة المشکلةِ (المشکلات) أَو السؤال (الأسئلة) الذى یَنْشأُ عن الخبرة؛ 4- تَولید التفسیرات المحتملة للمشکلة (المشکلات) أَو السؤال(الأسئلة)؛ 5- تَصنیف التفسیرات إلى فرضیات فى مرحلة متقدّمة؛ 6- تَجْریب أَو اختبار الفرضیةَ المختارةَ"([ix]).    

ولعلنا لا نعدو الحقیقة إذا قلنا: إن هذا التأویل -بالرغم من انتشاره الواسع- بعید تمامًا عن الصحة. فمفهوم التفکیر الناقد لا یتشکل عند"دیوی"من مجرد "التفکیر التأملی" وإنما نجده فى مؤلفاته اللاحقة على کتابه "کیف نفکر"یطور هذا المفهوم ویعدله ویضیف إلیه مفاهیم أخرى هى "الخبرة" و"الذکاء"، لتشکل هذه المفاهیم مجتمعه ما أطلق علیه"دیوی" الخبرة التأملیة Reflective Experience"(*) التى تمثل مفهوم التفکیر الناقد بمقاربته التعلیمیة.

والواقع أن هدف الباحث الرئیس من اختیار"دیوی"هو دحض التأویل الشائع عن مفهوم التفکیر الناقد لدیه باعتباره مرادفًا للتفکیر التأملی. وقد وضع هذا الهدف الباحث أمام مجموعة من التساؤلات منها: ما طبیعة مفهوم الخبرة التأملیة (التفکیر الناقد) ؟ وما مکوناته ؟ وما الخطوات المنطقیة للخبرة التأملیة؟ وکیف اختلفت عن خطوات التفکیر التأملی؟ وإلى أى مدى ساهم مفهوم الخبرة التأملیة (أو التفکیر الناقد) فى تشکیل فلسفة التعلیم عند"دیوی"؟ وما الدور الذى لعبه هذا المفهوم فى تشکیل قضایا وموضوعات فلسفة التعلیم فى أواخر القرن العشرین ؟  

أولاً: المقاربة الفلسفیة"رسل" نموذجًا.

1- طبیعة المقاربة الفلسفیة:

یعود مفهوم التفکیر الناقد لغویًّا فى تلک المقاربة إلى أصل إغریقی، فکلمة "Critical مشتقة من کلمتین؛ الأولی:  "Kriticos"التى تعنى الحکم الممیز والکلمة الثانیة "Kriterion" بمعنى المعاییر. لذلک فإن کلمة "ناقد" تعنى حکمًا ممیزًا یستند إلى المعاییر"([x]). والجذور الفلسفیة للتفکیر الناقد فى تلک المقاربة قدیمة مثل أصلها،ویمکن تتبعها والعودة بها إلی"سقراط وأفلاطون وأرسطو" فعلى سبیل المثال حاول"سقراط"إرساء أهمیة طرح أسئلة تبحث بشکل عمیق فى التفکیر قبل أن نقبل الأفکار باعتبارها جدیرة بالاعتقاد. وأثبت أهمیة البحث عن الأدلة، ودراسة المنطق والافتراضات عن کثب، وتحلیل المفاهیم الأساسیة، وتعقب الآثار المترتبة لیس فقط على ما یقال، ولکن على ما تم القیام به أیضًا. وتعرف طریقة التقصـى عنده باسم "التساؤلات السقراطیة "Socratic Questioning"" وهى من أفضل استراتیجیات تعلیم التفکیر  الناقد المعروفة حالیًا. وفى طریقته أبرز"سقراط" الحاجة إلى التفکیر الذى یتمیز بالوضوح والاتساق المنطقی([xi]).

وإذا نحینا إسهامات "أفلاطون" و"أرسطو" جانبًا، نجد"جمعیة التفکیر الناقد" تقدم لنا أهم فلاسفة تلک المقاربة فى العصر الوسیط والحدیث؛ فقد تجلى التفکیر الناقد المنهجى فى العصـر الوسیط على سبیل المثال، فى کتابات"توما الأکوینی"وبخاصة کتابه"الخلاصة اللاهوتیة "فقد أکد أن أولئک الذین یفکرون نقدیًّا لا یرفضون دائما المعتقدات الراسخة، ولکن یرفضون تلک المعتقدات التى تفتقر إلى أسس عقلانیة. ثم جاء "بیکون" فى العصـر الحدیث، وأعلن أن العقل لا یمکن ترکه إلى میوله الطبیعیة. وفى کتابه "النهوض بالتعلم"أوضح أهمیة دراسة العالم تجریبیًّا. ووضع الأساس للعلم الحدیث مع ترکیزه على عملیات جمع المعلومات. وقدم الجانب النقدى لفلسفته ونعنى به"نظریة الأصنام"(*) وتعتبر"جمعیة التفکیر الناقد"هذا الکتاب واحدًا من أقدم النصوص فى التفکیر الناقد، بل یعد النص الأول للتفکیر الناقد بمقاربته الفلسفیة فى العصـر الحدیث. وبعد خمسین عامًا، کتب"دیکارت"ما یمکن أن یسمى بالنص الثانى فى التفکیر الناقد "قواعد لتوجیه العقل" قدم فیه منهجًا خاصًّا للعقل لتوجیهه فى التفکیر. حیث دافع عن التفکیر من أجل الوضوح والتمیز. وقد طور طریقة التفکیر الناقد لتستند إلى مبدأ الشک المنهجی([xii]).

وتذهب"إمیلی" فى کتابها:"التفکیر الناقد: استعراض للأدبیات"، إلى أن المقاربة الفلسفیة فى الوقت الراهن ترکز على المفکر الناقد الافتراضی، حیث تعدد صفات ذلک المفکر وخصائصه من حیث  القدرات والمهارات والسلوکیات، فالمفکر الناقد فى تلک المقاربة ینظر إلیه باعتباره نموذجًا مثالیًّا، یستطیع أن یحدد ما بوسع الفرد القیام به فى ظل أفضل الظروف([xiii]). أما "ستیرنبرج" فیرى أن الفلاسفة فى تلک المقاربة یرکزون اهتمامهم لیس على متطلبات التفکیر الناقد فى الفصول الدراسیة کما هو الحال فى المقاربة التعلیمیة، وإنما یرکزون على تطبیق قواعد المنطق الصوری، نظرًا لأفضلیتها لما توفره لنا من نماذج من الکفاءة، حیث یمکن أن تخبرنا کیف یمکن أن یفکر الناس تفکیرًا نقدیًّا([xiv]).

ووفقًا لهذه المقاربة یتم تناول التفکیر الناقد فى سیاق کیفیة تحقیق"کمال الفکر"، ویعد هذا السیاق واضحًا فى صیاغة "الجمعیة الفلسفیة الأمریکیة" للمفکر الناقد المثالی، الذى یعد شخصًا باحثًا بطبیعته، منفتحًا ومرنًا منصفًا، ولدیه الرغبة فى أن یکون مطلعًا، ویفهم وجهات النظر المتنوعة، وعلى استعداد لتعلیق الحکم والنظر فى وجهات نظر أخرى([xv]). وتقدم لنا "إمیلی" مجموعة کبیرة من تعریفات التفکیر الناقد التى ظهرت فى تلک المقاربة، ومن أهمها:

- تعریف"بایلینBailin ":" التفکیر الناقد هو "التفکیر ذو الغرض والهادف الرامى إلى تکوین حکم،حیث یستوفى التفکیر ذاته معاییر الکفایة والدقة".

- تعریف "فاسیون Facione":"التفکیر الناقد هو"الحکم على المعتقدات والتصرفات بطریقة تأملیة". کما یقدم "فاسیون" تعریفًا آخر للتفکیر الناقد فهو عنده:"حکم هادف ذو تنظیم ذاتى ینتج عنه تفسیر وتحلیل وتقییم، واستدلال، وکذلک شرح  الأدلة والمفاهیم والمنهج والمعاییر، أو الاعتبارات النظریة التى یستند إلیها ذلک الحکم".

- تعریف "ریتشارد بول": "التفکیر المنضبط وذاتى التوجیه الذى یجسد کمال التفکیر المناسب لوضع ما أو مجال فکرى معین" ([xvi]).

2- إسهامات "رسل" فى التفکیر الناقد :

لعلنا لا نعدو الحقیقة إذا قلنا: إن المقاربة الفلسفیة والتعریفات التى قدمت لها تظهر عند"رسل" بشکل واضح، وإن کانت تقع تحت مسمیات مختلفة. فقبل ظهور مصطلح التفکیر الناقد طرح العدید من الفلاسفة مفاهیم من قبیل: "التفکیر التأملی"، "التفکر المستقیم  Straight Thinking"، "التفکیر الواضح Clear Thinking "، "التفکیر العلمی" وفى کثیر من الأحیان"التفکیر البسیط". وهناک بالطبع اختلافات واضحة بین کل هذه المفاهیم والتى یمکن استخلاصها ولکن، غالبًا ما یکون واضحًا من السیاق أن المقصود من هذه المفاهیم کلها"التفکیر الناقد".  وبالنسبة لـ"رسل"، فهو یستخدم مصطلحات متنوعة تشمل ما یشیر إلیه مصطلح التفکیر الناقد مثل "عادة الذهن النقدیة Critical Habit of Mind"، "السلوک الناقدCritical Attitude" ، "الحکم الناقد Critical Judgment" ، "التدقیق الناقد Critical Scrutiny" ، "الفحص الناقدCritical Examination" و"التقبل الناقد غیر الدوجماطیقی(*)  Critical Undogmatic Receptiveness"([xvii]).

وفى الواقع إننا إذا ما أسقطنا مفهوم التفکیر الناقد وموضوعاته کما ظهرت فى الأدبیات الحدیثة لتلک المقاربة على نصوص"رسل"الاجتماعیة والسیاسیة والتعلیمیة،سنجد أن هذا المفهوم أساسى ومرکزى فى فلسفته. فهذا المفهوم عنده-کما نوهت من قبل- لا یتضمن المهارات والقدرات والاستعدادات والعادات العقلیة فحسب،وإنما یشتمل کذلک على التوجهات الفلسفیة للتفکیر الناقد، بل سنجد أن"رسل" توقع ما یسمى حالیًا فى أدبیات التفکیر الناقد"دور العواطف فى التفکیر"، کما سیرد ذکره فى سیاق الصفحات التالیة. ویمکننا بیان إسهامات"رسل" فى النقاط التالیة:

أ- التوجهات الفلسفیة للتفکیر الناقد (النزعة الشکیة والحکم المنطقى والعقلانیة):

ینطوى تصور"رسل"للمفکر الناقد على مجموعة من التوجهات الفلسفیة التى تکون معًا فضیلة ذات جوانب أخلاقیة، وتعمل على منع العدید من الرذائل مثل التعصب والتحیز. فالمفکر الناقد یتمیز عنده بالنزعة الشکیة کما یمکنه التعرف على ما یؤدى به إلى الغموض والالتباس فى التفکیر، ویؤکد "رسل"على ذلک التوجه بتساؤله التالی:

"هل هناک أیة معرفة فى العالم بلغت حدًّا من الیقین یجعلها تمتنع عن تشکیک عاقل فیها ؟ هذا السؤال، الذى قد لا یبدو للوهلة الأولى صعبًا، هو فى الحقیقة أحد أصعب الأسئلة. وعندما ندرک العقبات فى طریق بلوغ إجابة دقیقة وواضحة عن هذا السؤال، فإن هذا ما یجعلنا مؤهلین لدراسة الفلسفة، حیث إن الفلسفة هى محاولة للإجابة على مثل هذه الأسئلة المطلقة، لا بطریقة غیر مبالیة أو دجماطیقیة، کما نفعل فى الحیاة وحتى فى مجال العلوم، ولکن بطریقة نقدیة بعد استکشاف الجوانب التى تعزز الحیرة إزاء مثل هذه الأسئلة، وبعد الإحاطة بکل الغموض والالتباس الکامن فى أفکارنا العادیة"([xviii]). وفى المعنى نفسه یقول:"یجب أن نتعامل مع جمیع التساؤلات باعتبارها مفتوحة للنقاش، ومع جمیع الآراء على أنها متاحة لقدر من الشک أکبر أو أقل"([xix]). وبالتالی، یری"رسل": "أن الجزء الأکبر مما یمکن أن یسمى بالمعرفة هو مجرد رأى قابل للشک"([xx]).

من بین التوجهات الفلسفیة التى ترتکز علیها المقاربة الفلسفیة؛ أن یکون لدى الفرد القدرة على تکوین آرائه الخاصة، التى یجب أن تقوم على مراجعة دقیقة للأدلة وتقییم الحجج ذات الصلة، ویؤکد "رسل"على هذا التوجه بقوله: "یجب أن یکون لدیه حیادیة الحکم،وعادة البحث عن الحقیقة المجردة، وعدم الثقة فى الشعارات الحزبیة"([xxi]) کما: "یمیز بین الرغبة فى الحقیقة والاقتناع بأن عقیدة معینة هى الحقیقة"([xxii]). ویتمیز أیضًا: "بأن لدیه عادة تکوین آرائه وفق الأدلة، وتبنیها بدرجة القناعة التى تتیحها تلک الأدلة الکافیة"([xxiii]).

إن تکوین الفرد لآرائه الخاصة والتفکیر الملى وقیاس قوة الحجج المختلفة؛ لن یأتى إلا من خلال توجه فلسفى آخر یتمثل فى مقاومة فکرة :إن السلطة– أیا کانت سواء عالمًا أو فیلسوفًا عظیمًا– قد استحوذت على الحقیقة الکاملة. ویظهر هذا التوجه الفلسفى للتفکیر الناقد فى حدیث "رسل"عن آینشتاین ونظریته، فیقول: "تحصلنا فى السنوات الأخیرة على مثال علمى ممتاز من خلال نظریة النسبیة واستقبال العالم لها. والتى قدمها آینشتاین،... وقد طعنت نظریته فى الإطار النظرى للفیزیاء التقلیدیة برمتها؛ وأثرها على علم الدینامیکیا التقلیدى مشابه لأثر نظریات داروین على قواعد راسخة فى الدین. ولکن علماء الفیزیاء فى کل مکان أبدوا استعدادًا تامًا لتقبل النظریة ما إن تبین لهم أن الأدلة تصبح فى صالحها. ولکن لم یزعم أحد منهم، وربما آینشتاین نفسه، بأن تلک هى الکلمة الأخیرة.فهو لم یبن صرحًا من الدوجماطیقیة المعصومة من الخطأ التى یمکنها أن تصمد عبر الزمن. فهناک صعوبات عجز عن حلها؛ ویلزم تنقیح أفکاره مع مرور الزمن کما کان الحال مع نیوتن.على أن هذا التعامل الناقد غیر الدوجماطیقى کان تعبیرًا عن التوجه الحق للعلوم"([xxiv]).

إذا کان الشک والتفنید بدایة البحث کما تؤکد على ذلک الأدبیات الحدیثة للتفکیر الناقد، فإننا نلاحظ أن "رسل" یقرر أن التفنید فى الغالب لیس نهائیًّا، بل هو مقدمة لمزید من التحسینات یأتى ذلک فى تأکیده على أن: "النظریات الفلسفیة، إذا کانت مهمة، فهى قابلة لأن تحیا من جدید فى شکل جدید بعد أن یتم تفنید أصلها. ونادرًا ما یکون ذلک التفنید والنقد نهائیًّا؛ بل هو فى معظم الحالات لیس سوى مقدمة لمزید من التحسینات"([xxv]). وفى المعنى نفسه یقول: "إذا ذکرت رأیا، فیجب أن تدرک أنک إذا نظرت فى الآراء التى اعتنقها الناس منذ ثلاثمائة عام، فسوف تجد عدد قلیل للغایة منها هو الذى بقى صامدًا حتى عصـرنا، وبالطریقة نفسها یجب أن یکون عدد قلیل فقط من آرائنا الراهنة على صواب"([xxvi]).

والواقع أن هناک العدید من الأفکار عند "رسل" نجدها فى أدبیات التفکیر الناقد الحدیثة، ومنها فکرة "الحکم المنطقى الجید"، فالمهارات النقدیة عنده لا یمکن أن تختزل فى مجرد قوانین أو فى صورة صیغة ما تطبق بشکل روتینی، طالما أن الحکم المنطقى الجید یعنى القدرة على أن یزن الفرد الأدلة والحجج، وأن یقدم تقدیرًا تقریبیًّا للحقیقة، مما یستتبع أن المهارات تحتاج للحکمة العملیة. ویؤکد "رسل" على ذلک بقوله: "تلک الصفة التى نسمیها الحکم المنطقى الجید، صفة تتحسن إلى حد کبیر من خلال الخبرة بالموضوع المقصود. فلا بد من تعلیم الصغار، فى مرحلة ما من مراحل التعلیم، الحکم المنطقى الجید على الأمور، من خلال الاستماع إلى خطاب یعرفون مقدمًا أنه مضلل، ومن خلال قراءة البیانات التى تتناول الأحداث الماضیة. ومن ثم، یحاولون الاستدلال على حقیقة ما جرى بالفعل. وهکذا، کل ذلک مناقض للخطاب الرائج؛ أى أنه أسلوب ناجح لتحصین الإنسان ضد الدعایة"([xxvii]).

هناک ترکیز فى کتابات "رسل" –کما هو الحال فى أدبیات التفکیر الناقد الحدیثة– على مفهوم العقلانیة وبخاصة التعریف الذى یظهر عند"إنیس" للتفکیر الناقد باعتباره"تفکیرًا تأملیًّا معقولًا یرکز على تحدید ما یجب علینا أن نؤمن به أو أن نقوم به"([xxviii]). وهذا ما نجده عند"رسل" فالشخص العقلانى : "یتقبل الفرضیة الأکثر احتمالا فى 

وقتها مع الاستمرار فى البحث عن أدلة جدیدة لتأکیدها أو دحضها"([i]). ویشیر"رسل" للفرق بین رجل عقلانى وآخر دوجماطیقى قائلا: "الفرق بین رجل عقلانى ورجل دوجماطیقى لیس فى أن لهذا الأخیر معتقدات فى حین أن الأول لیس لدیه. الفرق فى أساس المعتقدات والطریقة التى یتم بها الاعتناق"([ii]). ویرى "رسل" أن الشخص العقلانی"سوف یکون على استعداد للعمل على درجة عالیة من الاحتمالیة بالقوة نفسها التى یتصـرف بها الدوجماطیقى تجاه ما یعتنقه باعتباره یقینًا"([iii]).

 لقد خطی"رسل" فى مقالته "مکان العلم فى التعلیم الحر عام1913"أول خطوة فى طریق الکشف عن الموقف العلمى للعقلانیة، وذلک حینما تحدث عن الموقف العلمى للعقل، وکونه ینطوى على محاولة لعرض الأدلة بصراحة، دون أفکار مسبقة ودون تحیز([iv]). ووصولًا إلى آخر مقالته"التعلیم الجامعی" بعد نصف قرن تقریبا، عندما قدم توصیفًا للمزاج غیر الدوجاطیقی، الذى ینطوى على البحث المستمر وتجنب الرکون إلى الیقین المریح([v]).

إن العقلانیة فى الرأى کما یقول "رسل" مسألة درجات فهی: "لیست تصدیق ما هو صحیح، ولکن العقلانیة هى أن تربط بکل قضیة درجة من الاعتقاد تتمشى مع درجة مصداقیتها"([vi]). کما أن العقلانیة الکاملة کما یقول "رسل": "مثال غیر قابل للتحقق، ولکن طالما أننا نستمر فى تصنیف بعض الرجال بکونهم مجانین، فمن الواضح أننا نعتقد أن بعض الرجال أکثر عقلانیة من غیرهم. وأعتقد أن کل تقدم بارز فى العالم یستند إلى زیادة فى العقلانیة، حیث تساعدنا العقلانیة على تحقیق رغباتنا الخاصة على وجه العموم، أیا کانت. والإنسان عقلانى بشکل یتناسب مع ذکائه الذى یحدد رغباته ویتحکم فیها. وأعتقد أن السیطرة على أفعالنا من خلال عقلنا هو الأکثر أهمیة فى نهایة المطاف"([vii]).

إننا نجد فى کتابات"رسل"مصطلحًا مرادفًا لفکرة العقلانیة من الناحیة الإبستمولوجیة ونعنى بها "فکرة التقبل الناقد غیر الدوجماطیقی" الذى یرفض الیقینیات "فطلبها یعتبره "رسل" خطیئة فکریة"([viii]). ویصف"رسل"هذا التقبل الناقد غیر الدوجماطیقى أنه السلوک الحقیقى للعلم والنظریة العلمیة ونجده یتحدث کثیرًا عن النظرة العلمیة، الروح العلمیة، الطابع العلمی، السلوک العلمى العقلى ..إلخ. ولکن هذا بالطبع لا یعنى أن "رسل" یحصر التفکیر الناقد فى العلم. بل یبدو واضحًا أن "رسل" یرى العلم مجسدًا لمفهوم التفکیر الناقد. کما نراه یستخدم مصطلحات عدیدة أخرى لیوضح التوجهات الفلسفیة للتفکیر الناقد، مثل الروح الفلسفیة والسلوک الفلسفى للعقل، الشکل اللیبرالى والطبع العقلانی. کل هذه المصطلحات والمفاهیم متشابکة، فـ"رسل" یلاحظ مثلا أن الشکل العلمى هو النظیر الفکرى للشکل اللیبرالى العملى والشکل النقدى یعکس الجانب المعرفى والأخلاقی، والذى یشمل: 1- کیفیة التمسک بالمعتقد بدون دوجماطیقیة. 2- الشک فى جمیع المعتقدات.3-الاعتقاد بأن المعرفة صعبة ولکنها لیست مستحیلة. 4-حریة الرأی. 5-الصدق. 6- التسامح"([ix]).

ویوظف"رسل"مفهومه للعقلانیة أو فکرة التقبل الناقد غیر الدوجماطیقى فى فلسفته التعلیمیة، فیقرر الآتی:-"یجب أن تکون العقلانیة واحدة من الصفات التى یهدف التعلیم إلى إنتاجها"([x]).-"أن أحد أهداف التعلیم المرکزیة هو إعداد الطلبة لیکونوا قادرین على تشکیل حکم معقول-"بعیدا عن الدوجماطیقیة"- فى الأسئلة المثیرة للجدل"([xi]).

ب- مفاهیم :القدرات والمهارات والعادات العقلیة والاستعداد.

إلى جانب التوجهات الفلسفیة للتفکیر الناقد، قدم لنا "رسل" مفهوم "القدرات والمهارات الفکریة"التى تلعب دورًا مهمًّا فى أدبیات التفکیر الناقد الحدیثة، فتنمیة القدرات والمهارات تمنع الأشخاص من أن یکونوا مجرد مستمعین سلبیین وطائعین لحکمة المعلم أو للعقیدة والمفاهیم السائدة فى المجتمع. ویستنبط لنا "هیر"من مؤلفات "رسل" مجموعة کبیرة من القدرات والمهارات التى یجب أن تتوفر للشخص لکى یکون مفکرًا ناقدًا، ومنها(*):

1- القدرة على تکوین رأى لنفسه. هذه القدرة تشمل مهارات مثل التعرف على ما یقصد به التضلیل،ومهارة الاستماع للخطابة بدون أن تؤثر على عقل الفرد، والبراعة فى السؤال وتحدید ما إذا کانت هناک أسباب تقوى معتقداتنا.

2- القدرة على الوصول  إلى حل موضوعى بعید عن التحیز. هذه القدرة تشمل مهارات مثل: الإقرار بتحیزاتنا والتحکم فیها والنظر لمعتقداتنا بموضوعیة وانفصالیة عن الذات تماما مثل ما ننظر إلى معتقدات الآخرین.والحکم على الأمور من خلال ممیزاتها وعیوبها.والعمل على التأکد من الحقائق ذات الصلة.

3- القدرة على تحدید واستجواب الافتراضات. والتى تشمل تعلم الفرد ألا یکون ساذجا فى تصدیق کل شیء، وتطبیق ما یسمیه "رسل" الشک البنَّاء من أجل اختبار القناعات غیر المختبرة.

وبإیجاز؛ یدعونا"رسل"إلى عدید من المهارات التى تم تغطیتها بطریقة مفصلة ومنهجیة فى البحوث والمناقشات الحدیثة حول التفکیر الناقد.

والواقع أن مجرد حیازة مثل هذه المهارات لا تجعل الشخص مفکرًا ناقدًا، بل یجب– کما ینبهنا رسل- أن تمارس هذه المهارات فعلیًّا فى الحیاة العملیة، لکى تتحول هذه المهارات إلى ما یطلق علیه "رسل" فکرة العادة أو العرف" ویتم ذلک من خلال التعلم الذى یترجم المهارات إلى سلوکیات فعلیة. یقول "رسل": "التعلیم وسیلة لتشکیل عادات عقلیة معینة ونظرة معینة للحیاة والعالم"([xii]). ویشیر "هیر" أن "رسل" تحدث فى هذا الصدد عن مجموعة کبیرة من العادات العقلیة التى یجب أن یلتزم بها المفکر الناقد، ومنها:

1- عادة التحقیق غیر المتحیز،وهى مهمة إذا أردنا ألا نأخذ آراء أحادیة الجانب، وإذا أردنا أن یصل الناس لاستنتاجات لا تعتمد على زمان ومکان التعلم.

2- عادة التفکر فى الأدلة، والأسباب ووزن تأثیرها وصحتها وعدم التسلیم بأى فرضیة بدون وجود الأسباب المساندة.

3- عادة رؤیة الأشیاء على حقیقتها الفعلیة، والذى یتعارض مع مجرد جمع کل ما یعزز من التحیز القائم.

4- عادة استقلالیة الفکر والإرادة([xiii]).

ویقر "رسل" بوضوح أن الفرد یصبح ضحیة العادة السیئة إذا کانت المعتقدات المعتادة فى الزمن الذى یعیشه تشکل سجنًا من التحیز. ومن هنا، نادى بضـرورة وجود العقلیة الناقدة. وتتطلب هذه العقلیة الناقدة إلى جانب مجموعة العادات العقلیة السابقة ما أطلق علیه"رسل" "الاستعداد Readiness". ویقدم لنا "باول هاجر" فى مقالته: "مفهوم رسل عن التفکیر الناقد: النطاق والحدود"، أنواع الاستعدادات المطلوبة التى أشار إلیها "رسل"على النحو التالی:

1- استعداد تقبل أدلة جدیدة ضد المعتقدات السابقة، والتى تتطلب عقلًا متفتحًا متقبلًا لما یصل إلیه الفحص الناقد.

2- استعداد تجاهل الفرضیات التى أثبتت عدم کفایتها،حیث الاختبار الحقیقى هو ما إذا کان الشخص مستعدًّا للتخلى عن المعتقدات والفرضیات التى بدت واعدة فى یوم من الأیام.

3- استعداد التکیف مع وقائع العالم، والتى یمیزها"رسل"من مجرد التعامل الروتینى إلى التفاعل مع العالم([xiv]).

إن المفکر الناقد یعکس وعیًا وتفهمًا للعادات المرجوة کما یعکس أیضًا التزامًا بالتمسک بها فعلیًّا. وهذا ما یخلق کما یقول "رسل" فضیلة "المصداقیة "Veracity التى یقول عنها : "تنطوى على الرغبة فى المعرفة ومحاولة أن تکون صائبًا فى مسائل الاعتقاد وأیضًا العمل على أن یکون الآخرون مثلک([xv]).

إلى جانب المفاهیم السابقة، فإن هناک مجموعة من السلوکیات التى تمیز المفکر الناقد من وجهة نظر "رسل"، والتى تشتمل على:

1- إدراک أن الإنسان غیر معصوم وأن الکثیر من الأشیاء غیر یقینیة، وهذا یؤدى إلى سلوک التواضع.

2- نظرة متفتحة إلى معتقداتنا واستعداد داخلى؛ لأن نعطى قیمة "للرأى الآخر"، حیث الأسئلة کلها تعتبر مفتوحة للنقاش.

3- رفض اعتبار میولنا ورغباتنا وأمنیاتنا مقیاسًا لفهم العالم.

4- الشک البناء، بدون السقوط فى فخ الشک الدوجماطیقی، ولکن الاقتناع بالمعتقدات بناءً على الأدلة([xvi]).

وبجانب ما ذکره"هیر"و"باول هاجر"یمکن أن یضیف الباحث ما أطلق علیه"رسل" الوصایا العشر لتسییر شؤون الحیاة، فهی– من وجهة نظر الباحث-بمثابة تریاق شامل لیس للمفکر الناقد فقط ،بل لکل فرد فى المجتمع. وهذه الوصایا هی:

1- لا تشعر أبدًا بالیقین المطلق حول أى شیء.

2- لا تفکر أبدًا فى المضـى قدمًا بإخفاء دلیل؛ حیث إن أى دلیل بالتأکید سوف یرى النور.

٣- لا تتوقف أو تحبط أبدًا عن التفکیر لثقتک بأنک ستنجح فى النهایة.

 ٤- إذا واجهت معارضة -حتى لو کانت من زوجک أو من أطفالک- فحاول أن تتغلب علیها بالحُجّة لا بالسلطة؛ لأن الانتصار بالسلطة غیر حقیقى وزائف.

٥- لا تبال بسلطات الآخرین، لأنک ستجد دوماً سلطات تعارضها.

٦- لا تستخدم القوة لقمع أى آراء تعتقد أنها باطلة. لأنک لو فعلت فستقمعک الآراء فى النهایة.

٧- لا تخشى أن تکون فکرتک غریبة، فکل الأفکار المقبولة حالیا کانت غریبة یومًا ما.

٨- استمتع بالخلاف الفکرى أکثر من الاتفاق الضمنی، فلو کنت تقیّم الذکاء کما یجب لأدرکت أن الأول یعنى توافقًا أعمق من الثانی.

٩- کن شدید الصدق حتى لو کانت الحقیقة غیر مریحة. لأن محاولة إخفاء الحقیقة غیر مریح أکثر.

١٠- لا تحسد سعادة من یعیش فى جنة الحمقى، لأن الأحمق فقط هو من یعتقد أن هذه سعادة([xvii]).

ج- دور العواطف فى التفکیر .

یمکننا القول إن "رسل" توقع ما یسمى فى وقتنا الراهن فى أدبیات التفکیر الناقد "دور العواطف فى التفکیر" فالتفکیر الناقد "عاطفى کما أنه عقلانی، بل إن الجانب العاطفى یلعب دورًا مهمًّا فى التفکیـر الناقد، مثل الإحساس، الحدس، الشعور، بمعنى وجود علاقة تفاعلیة بین التفکیر والاستجابة العاطفیة"([xviii]).

وقبل أن نشـرع فى الحدیث عن رأی "رسل" فى العواطف ودورها فى التفکیر، یود الباحث عرض هذا الدور کما هو مطروح فى أدبیات التفکیر الناقد لما یناله هذا الموضوع من أهمیة کبیرة.

کان من المفترض أن لعواطف المرء تأثیرًا یعمل على طمس تفکیره وتشویهه، إذ إن الفکر الدیکارتى قد سلم بالوضوح والتمییز کمعاییر للحقیقة؛ لذلک اعتبرت العواطف سببًا للخطأ والتزییف.على أن التوجه الفلسفى عند الکثیر من کتاب التفکیر الناقد مؤخرًا أصبح أکثر تسامحًا مع إسهامات العواطف، ویظهر ذلک فى أعمال "ماثیو لیبمان" و" کاثرین إلجین" وغیرهم.

بالنسبة لـ"کاثرین" فهى تحلل فى الفصل المعنون بـ:"القلب له أسبابه"The Heart has Its Reasons من کتابها"النظر فى الحکم"طبیعة العواطف وعلاقتها بنظریة المعرفة فترى الآتی:

1. دور العواطف معرفى إدراکی "Emotions Function Cognitively,"([xix])، حینما تنطوى على معتقدات؛ لذلک لا یمکن أن یشعر المرء بخوف حقیقى إذا لم یصدق أنه فى خطر.

 کل العاطفة تنتمى لإطار من المرجعیة. All Emotion is relative to a frame of reference([xx])، فعلى سبیل المثال،الحب الأبوى عبارة عن إطار ینظم فیه الفرد مجموعة من 

  1. العواطف،والسلوکیات،والتصرفات.
  2. تساعدنا العواطف على ترکیز الاهتمام ([i]) Focusing Attention. وتحدد اهتمامات ما نلاحظه.

3. بالإضافة إلى ذلک،تعد العواطف مصادر للإیضاحEmotions are sources of  salience([ii]) حیث تستطیع العواطف تسلیط الضوء على الأشیاء؛ وجعلها ممیزة. وهذا لا یعنى أنها لابد أن تشوه.إنها ببساطة ترفع من مستوى وعینا، وتعید توجیه اهتمامنا . إنها تقدم توجیهات وأنماطًا للمعقولیة([iii]).

وتقرر"کاثرین" أنه:"لا یُمْکِن لأى نظریة معرفیة أن تُبعد نفسها عِن موضوعات التوجه Orientation حیث یعتبر التوجه موقفًا معرفیًّا یقدم میولًا وتوقعات. فحینما یکون التوجه نحو افتراض ما- سواء کانت صحیحة أم خاطئة- فإننا نصبح على استعداد لقبول الافتراض أو رفضه، والتعبیر عنه أو التأمل فیه، أو الإصرار علیه".([iv])

أما"لیبمان" فیقول فى الفصل المعنون بـ"دور العواطف فى التفکیر وفى التعلیم" من کتابه" "التفکیر فى التعلیم": "ما علینا فعله أولًا هو تغییر الصورة المنتشـرة للعاطفة من کونها تلک الغمامة المظلمة التى تحجب تفکیرنا وتربکه بالضرورة؛ إلى کونها مجموعة الاشتراطات التى یمکنها امتلاک القدرة على إیضاح هذا التفکیر وتنظیمه".([v]) إن أنماط المجالات العاطفیة لدینا کما یقول :"تتحکم بالحکم الذى نصدره عن العالم وکیفیة تبریرنا لذلک الحکم. وحتى نوع التفکیر الذى نطلق علیه "التفکیر الناقد" یتم توفیقه مع المتطلبات العاطفیة التى یشعر بها الفرد من أجل الضبط والدقة والاتساق والفاعلیة. ولذلک ینبغى أن نعارض بشدة النهج المزدوج، والذى یرى فى الإدراک والعاطفة دلالتین منفصلتین ومستقلتین تؤدیان دورهما بصورة منفصلة عن بعضهما([vi]).

وبشکل ساخر یصف "لیبمان" الموقف العام من العواطف قائلاً: "یمکن وصف الموقف العام من العواطف بأنه موقف "لا فوز فیهNo-Win"، أى أنه حینما یحدث أمر جید نتیجة لتفکیرنا، فإننا لا نرد الفضل فیه للعواطف، ولکن مع حدوث مشکلة، فسرعان ما یتم توجیه اللوم إلیها. ویتم التعامل مع العواطف فى الغالب على أنها الآثمة من دون أن نفکر فى احتمالیة أن تکون بریئة طالما لم تُدَن"([vii]).

لقد أکد "لیبمان"على أهمیة العواطف ودورها فى التفکیر الناقد، فقدم لنا ما عرف باسم التفکیر المعتنى  Caring Thinking فیقول:" إننا نخفق فى رؤیة کیف تقوم عواطفنا -بعمق- بتشکیل أفکارنا وتوجیهها، وکیف تزود أفکارنا بالإطار الذى تعمل فیه، وبالمعانى التى تناسبها، وبالمنظور الذى ترى من خلاله، أو بالأحرى؛ بالمنظورات المختلفة التى ترى من خلالها. فبدون العاطفة یصبح التفکیر سطحیًّا ورتیبًا. فالتفکیر المعتنى هو أن نرکز على الشیء الذى نهتم به، وأن نقدر أهمیته، وأن نثمن قیمته. ویتضمن التفکیر المعتنى معنى مزدوجًا، فهو من جهة یعنى التفکیر باهتمام فى موضوع الفکر، ومن الجهة الأخرى فهو محط الاهتمام بالنسبة إلى"طریقة" تفکیر الفرد نفسه"([viii]).

وبالعودة إلى "رسل" نجده یشیر إلى ما ذهبت إلیه "کاثرین"و"لیبمان"، فیقول عن نتائج عدم الاهتمام بدور العواطف فى التفکیر: "إن المدارس ستخرج لنا طلبة ذوى عقول منغلقة وقلوب صماء للمشاعر الإنسانیة"([ix]). وفى موضع آخر حین یتحدث عن تقویض الدوجماطقیة، یقول بوضوح: "ما هو مطلوب لیس فقط أمور عقلیة، بل إن غرس مشاعر الشفقة والرحمة لا یقل عنها أهمیة "([x]). کما نجد"رسل" ینصحنا قائلا: "فى دراسة الفیلسوف، الموقف الصحیح یجب ألا یکون تقدیسًا أو ازدراءً ولکن نوعًا من التعاطف الافتراضی"([xi]).

وعلى الرغم من أن"رسل" یعتقد أن هناک خطرا فى الاعتماد على العاطفة، حیث رأى أن الاعتماد على العاطفة فى الاعتقاد یتناسب عکسیا مع الأدلة التى فى صالحه، فهو لا یدعو إلى الانفصال التام، لأنه یرى أن مثل هذا الانفصال سیؤدى إلى حالة من السلبیة([xii]). نوع الانفصال الذى یفضله هو الانفصال عن مشاعر معینة مثل الغضب والغیرة والکراهیة والتى تضـر الأمانة الفکریة، وتمنع ظهور مشاعر طیبة([xiii]).

ویرى الباحث أن الشخص الذى لا یوجد لدیه مشاعر لا یعرف ولا یفعل ولن یحقق شیئا ویمکننا تقدیم عدة أسباب على ذلک:

1- بدون المشاعر یصبح التفکیر فارغًا من عنصر القیمة. والتفکیر إذا لم ینطوِ على تقدیر أو تقییم؛ فإنه یتناول موضوع بحثه بلا شغف ومبالاة.

2- هناک مشاعر تستثار بداخلنا حین نکون أمام بعض القرارات والاختیارات، وهذه القرارات والاختیارات هى الأطر الموجهة للحکم. وأمر واقع أن العاطفة تلعب دورًا مهمًّا للغایة فى التفکیر الذى یؤدى إلى الحکم، وکذلک فى التفکیر الذى یتوجه بعیدًا عنه، وفى کلتا الحالتین یکون من المنطقى تماما أن نقول إن العاطفة هى الخیار والقرار هو الحکم.

تعقیب:

وبعد؛ لقد تابع الباحث مع "رسل" طرحه عن التفکیر الناقد ،والذى یرید أن یخلص إلیه من مجمل ما تقدم هو تلک الحقیقة التى باتت واضحة الآن، وهى أهمیة  إسهاماته حول هذا المفهوم التى لا یمکن تجاهلها، حیث تتردد أصداؤها بقوة فى  أدبیات التفکیر الناقد الحدیثة ویمکننا أن نستشهد على ذلک بآراء کل من "دریو  "Drewe و"إرفین Irvine".

یشیر"دریو" فى مقالته: "رسل فى السیاق"إلى أن ما یسمیه"رسل" "التوقع الناقد" یتوافق فى کثیر من النواحى مع المفاهیم الحالیة للتفکیر الناقد. فالمهارات والتصـرفات والسلوکیات المذکورة فى کتابات"رسل"، تتداخل على نطاق واسع مع مهارات وتصرفات المفکر الناقد التى حددها "إنیس". ودعوة "رسل" لتبنى عادة التفکیر المجرد التى تمکن المرء من التعامل مع معتقداته ومعتقدات الجماعات بحیادیة تتوافق مع دعوة منظر التفکیر الناقد "ریتشارد بول"، والتى یسمیها التفکیر الناقد قوى المعنى، أى التفکیر الناقد الذى لا یعد فردیًّا أو جماعیًا. وإدراک"رسل" للحاجة إلى الحکم الجید یراعى تفاصیل أى حالة خاصة یتوافق مع ترکیز"ماثیو لیبمان" على حساسیة التفکیر الناقد تجاه السیاق. کما أن إقرار"رسل" بضرورة الحکم على الأمور من خلال الأدلة، والقدرة على التفکیر الملى وقیاس قوة الحجج المختلفة؛ یتوازى مع توصیف "هارفى سیجل" للمفکر الناقد باعتباره شخصًا قادرًا على تقییم الأسباب ولدیه روح ناقدة ([xiv]).

أما "إرفین" فیوضح فى مقالته:"فکرة رسل عن التلقین"، کیف رفض"رسل" فکرة التلقین فى العملیة التعلیمیة من خلال ما أطلق علیه"رسل" التوقعات اللیبرالیة أو العلمیة: بحیث یکون هناک تناسب بین المعتقدات وقوة الأدلة علیها. وبالتالى یکون من الأجزاء الأساسیة فى التعلیم غرس عادات التفکیر الناقد مثل الفضول، والملاحظة، والاعتقاد فى إمکانیة المعرفة، والصبر، والعقل المنفتح، وحتى الشجاعة. یقول"رسل" فى مواضع عدة بأن المعرفة تتقدم من خلال التسامح مع وجهات النظر المغایرة...والموقف الناقد الذى یوصى به "رسل"– کما یرى إرفین- متوافق مع اعتناق المعتقدات، بما یتناسب مع الأدلة علیها، مع الاستعداد دائمًا للنظر فى أدلة جدیدة وإخضاع المعتقدات لمعاییر التعقل والمنطق([xv])

 

 

ثانیا :المقاربة التعلیمیة:"جون دیوی" نموذجًا.

1-طبیعة المقاربة وعوامل انتشارها:

تظهر هذه المقاربة:"عند أولئک الذین تدور مناقشاتهم حول کیفیة توظیف التفکیر الناقد فى إطار العملیة التعلیمیة"([xvi]). وتقوم تلک المقاربة على مرتکزات المقاربة الفلسفیة ومفاهیمها مثل: "الشک البناء والعقلانیة والقدرات والمهارات والعادات العقلیة... وغیرها، ولکن تکمن میزة هذه المقاربة-کما یدعی"ستیرنبرج"- فى أنها تقوم على أساس سنوات من الخبرة فى الفصول الدراسیة والملاحظات من تعلم الطلاب،على العکس من المقاربة الفلسفیة والسیکولوجیة([xvii]). وفى الحقیقة تعد هذه المقاربة هى الأکثر انتشارًا من المقاربات الأخرى، فقد ساهمت العدید من العوامل فى هذا الانتشار، ومنها:

- المعهد الوطنى للتربیة والتعلیم فى أمریکا.

أثناء فترة إدارة "کارتر" تم تخصیص موازنة کبیرة للمعهد الوطنى للتربیة والتعلیم National Institute Education  المعروف بـ  (NIE)للقیام ببحوث حول التفکیر وکیفیة تحسینه لدى الطلاب. فقد دعا المعهد، وبالأخص "سوزان تشبمان" و"جودیث سیجال" و"روبرت جلاسر" إلى عقد مؤتمر بمرکز أبحاث وتطویر التعلیم بجامعة "بتسبرج". وکان الهدف من هذا المؤتمر فحص الممارسات التعلیمیة  المتعلقة بقدرة الطلاب على الفهم والتفکیر وحل المشکلات والتعلم. وخطط المعهد فى هذا المؤتمر لجمع الباحثین فى المعرفة الإدراکیة، ومطورى البرامج التعلیمیة، ومعلمى مهارات الإدراک المعرفی. من أجل تبادل الأفکار والتوصیات ومناقشة نظریاتهم ونتائجها. کان الأمل أن تکون فعالیات هذا المؤتمر ذات تأثیر جذرى على بزوغ عصر جدید یلعب فیه 

التفکیر الناقد دورًا قیادیًّا فى العملیة التعلیمیة. وبالفعل فتح المؤتمر الباب أمام حقبة جدیدة، فقد بدأ الناس یتحدثون عن التدریس لأجل التفکیر، فأصبح التفکیر الناقد من صمیم العمل التعلیمی([i]).

- دوریة "القیادة التربویة".

تعد دوریة "القیادة التربویة"التى بدأ ظهور العدد الأول منها فى العام"1943" من أهم أسباب تأثیر فکرة التدریس من أجل التفکیر الناقد،وهى دوریة قویة تحرک الرأى العام وینشرها اتحاد الإشراف على تطویر المناهج التعلیمیة، فقد بدأ مدیر التحریر "رون برانت" جنبا إلى جنب مع زملائه، فى الترحیب باستقبال مقالات عن  طبیعة التفکیر الناقد وتدریس مهارات التفکیر، وبحلول العام1984 قاموا بتخصیص عدد من الدوریة لهذا الموضوع وحده، احتوى هذا العدد على أهم موضوعات التفکیر الناقد فى تلک المقاربة(*)  وتلى ذلک تخصیص مزید من الأعداد.

- مجموعة من المؤلفات والمحاضرات العامة:

هناک مجموعة کبیرة من المؤلفات التى لعبت دورًا مهمًّا فى انتشار تلک المقاربة،فهناک کتاب"أوثانیل سمیث" و"روبرت إنیس"، المعنون بـ: "اللغة ومفاهیم التعلیم"، والذى قام "إسرائیل شفلر" بعمل ملحق له تحت عنوان"لغة التعلیم"، هذا الکتاب یعد من أوائل المؤلفات التى تناولت دراسة الجوانب اللغویة والمنطقیة لفلسفة التعلیم.وفى عام 1963 قام"إنیس"بنشر مقالته: "تعریف التفکیر الناقد"،وهى مقالة کان لها تأثیر واسع النطاق على تطویر التعلیم من أجل التفکیر الناقد .ولکونه خبیرًا فى علم المنطق- فهو صاحب کتاب المنطق للمعلمین- فقد واصل العمل على وضع تعریفه للتفکیر الناقد لیضفى علیه القوة المنطقیة ویبین أهمیته التعلیمیة التى لا شک فیها. فقدم لنا أشهر تعریفات التفکیر الناقد : "أنه تفکیر عقلانى یساعدنا على تحدید ما نعتقد فیه وما نقوم به". ولهذه الصیغة شعبیة کبیرة حالیًا، وبدرجة أکبر من أى منافس لها.وغیر المتخصصین فى الفلسفة یرون أنها أصابت کبد الحقیقة([ii]).

کما ألقیت سلسلة من المحاضرات العامة فى جامعة لندن فى أوائل العام 1965، وقد کرست نفسها للجوانب والتصورات المنطقیة للتعلیم والتعلم، وکان المحاضرون من رواد مجال التفکیر الفلسفى فى العملیة التعلیمیة أمثال: "ر.س. بیترز"، "د.و.هملین"، جلبرت رایل"، "مایکل أوکشوت". وبعد ذلک بعامین، قام "بیترز" بتحریر مجموعة من المقالات فى کتاب واحد تحت عنوان"مفهوم التعلیم".وقد أضیفت إلیه مقالات أخرى کتبها کل من: "بول هیرست" و"اسرائیل شیفلر" و"ماکس بلاک"، و"جون باسمور". وقد کان مقالة "باسمور" المعنونة بـ: "التدریس لتکوین فکر ناقد"، هى الأخیرة فى هذه المجموعة، وتبقى مقالته حتى یومنا هذا نموذجًا متألقًا لنظریة التفکیر الناقد.وهو یتناول مسألة المهارات المعرفیة بشکل فعال، مع ذکر الخصائص التى ینبغى أن یتصف بها المفکر الناقد([iii]).

یصل بنا ذکر المهارات المعرفیة إلى جزء آخر ذى أهمیة کبیرة من الخلفیة الأکادیمیة التى خرجت منها حرکة التفکیر الناقد بمقاربتها التعلیمیة. ففى الخمسینیات کانت کل الممارسات والمناقشات حول التعلیم تشیر إلى مصطلح "الأهداف السلوکیة" فى الفصول الدراسیة. وفى جامعة شیکاغو، سأل "بنجامین بلوم" وزملاؤه أنفسهم: "وماذا عن الأهداف المعرفیة؟" و"ماذا عن المهارات اللازمة لتحقیق هذه الأهداف؟" وهکذا ولد کتاب"تصنیف الأهداف التعلیمیة". وقد اعتبره العدید من الأساتذة الجامعیین والمعلمین القول الفصل فى المسألة التعلیمیة خلال نصف القرن الأخیر. ویبقى هذا الکتاب مفیدًا على الرغم من الغیاب الصارخ لأهداف التفکیر المنطقی. ولکن من بین الجوانب المؤثرة فیه ذلک التسلسل الهرمى الذى یقترحه. حیث وضعت الذاکرة المجردة"المعارف الخاملة" فى أدنى مرتبة. وبترتیب تصاعدی، نجد الفهم ثم التحلیل ثم الترکیب، وعلى قمة الهرم نجد التقییم. ویمثل هذا الکتاب لعدید من مراقبى المشهد التعلیمى خطوة تاریخیة نحو التفکیر الناقد؛ فقد تم إدراج التفکیر الناقد تحت قائمة الأهداف الرئیسة للنظام التعلیمی([iv]).

2- التفکیر الناقد عند "جون دیوی":

أ- مکونات التفکیر الناقد.

یعد"دیوی" الرائد الأول للمقاربة التعلیمیة. والواقع أن مفهوم التفکیر الناقد وتطبیقاته فى فلسفته التعلیمیة لم یتشکل دفعة واحدة کما اعتقد العدید من الباحثین، فقد تم الربط بین مفهوم التفکیر الناقد ومفهوم "التفکیر التأملی" الذى ابتدعه فى کتابه "کیف نفکر" باعتبارهما مترادفین، ولا نجانب الصواب لو قلنا: إن هذا الربط- بالرغم من انتشاره الواسع- بعیدًا  تمامًا عن الصحة. فمفهوم التفکیر الناقد لم یتشکل عنده من مجرد"التفکیر التأملی"، وإنما نجده فى مؤلفاته اللاحقة لکتابه  "کیف نفکر" یطور ویعدل هذا المفهوم ویضیف إلیه مفاهیم أخرى هی "الخبرة" و"الذکاء" لتشکل هذه المفاهیم مجتمعه ما أطلق علیه"دیوی"بـ"الخبرة التأملیة" التى تمثل مفهوم التفکیر الناقد بمقاربته التعلیمیة.

 ویعرف "دیوی" الخبرة التأملیة فى کتابه"الدیمقراطیة والتربیة" قائلا: "وهکذا التفکیر یعد المکافئ الواضح لعنصر الذکاء فى خبرتنا، فهو یمکننا من العمل فى ظل أهداف ننصبها أمام أعیننا ، بل هو شرط لوجود الأهداف عندنا"([v]).

ما أود الإشارة إلیه من ذکر هذا التعریف أن التفکیر التأملى ما هو إلا مکون واحد من مکونات مفهوم التفکیر الناقد عند"دیوی"،أما مصطلح "الخبرة التأملیة" المرادف المباشر لتعریف التفکیر الناقد فیقوم على ثلاثة مکونات هی:

التفکیر التأملى + الخبرة + الذکاء = الخبرة التأملیة أو قل التفکیر الناقد.

ویمکننا تحلیل هذه المکونات الثلاثة، وبیان کیف طبق"دیوی" مفهومه "الخبرة التأملیة" فى فلسفته التعلیمیة.

المکون الأول :التفکیر التأملی.

بدأ "دیوی" فى کتابه"کیف نفکر"بتأسیس المکون الأول للخبرة التأملیة مقدمًا لنا ما أطلق علیه التفکیر التأملى فهو: "العقل المفکر الذى لا ینطوى على مجرد تسلسل للأفکار، لکن على ترتیبها بحیث یساهم کل جیل فى تعزیزه بالنتائج السلیمة. إنه یُشبّه تیارًا أو قطارًا أو سلسلة، یعتمد بعض أجزاء التفکیر على بعضه الآخر"([vi]). کما یوصف التفکیر التأملى بأنه: "تناول فاعل، مثابر، حذر لأى اعتقاد أو شکل مفترض من أشکال المعرفة فى ضوء الأسس التى تدعمه، واستنتاجات أخرى تمیل إلیه"([vii]).

ولنتوقف هنا قلیلًا لتحلیل هذا التعریف. إن "دیوی" بتعریفه التفکیر التأملى بأنه "تناول فاعل" یفرقه عن التفکیر الذى یتلقى فیه المرء الأفکار والمعلومات من الآخرین – وهذا التفکیر هو ما نستطیع أن نسمیه عملا "منفعلا" إن "دیوی" -وکل من عمل فى تلک المقاربة- یعتبرون التفکیر التأملى فاعلا حیث تفکر فى الأمور بنفسک، وتطرح أسئلة بنفسک، وتستنتج معلومات متعلقة بالأمر بنفسک وهکذا، بدلا عن التعلم بطرق منفعلة من الآخرین". وعندما یعرف "دیوی" التفکیر التأملى بأنه   "مثابر، حذر" فإنه یمیزه عن تفکیر غیر تأملى نقع فیه أحیانا، عندما نتسرع بنتیجة ما أو عندما نتخذ قرارًا سریعًا من غیر أن نفکر فیه ملیًّا.إن أهم ما یتصف به التفکیر التأملى هو القاعدة التى یعتمد علیها "أى اعتقاد "وهی"معرفة الأسباب التى تحملنا إلى اعتقاد ما وهى مضمون اعتقادنا([viii]).

وبناءً على ذلک، فإن التفکیر التأملى هو التفکیر المدرک لأسبابه ونتائجه. ومعرفة أسباب الأفکار تکون بأن نحرر أنفسنا من الجمود الفکری، وأن نضفى على أنفسنا قوة الاختیار من بین البدائل، فهو مصدر للحریة الفکریة. کما أن معرفة النتائج المترتبة على الأفکار یعنى معرفة معناها، ولأن "دیوی" براجماتى وتابع لـ"بیرس" فقد أعرب عن اقتناعه بأن معناها أى الأفکار یکمن فى أثرها العملی، وآثارها على التطبیق وعلى العالم.

لقد رأى "دیوی" فى هذا الکتاب أن المعرفة التى لا تعتمد على التأمل الحقیقى لا تعد معرفة ولا یمکن الوثوق فنجده یقول: "إن مثل هذه الأفکار تکبر دون وعى ودون فکر وبغض النظر عن نیل الاعتقاد الصحیحِ، فإن المعرفة الملتقطة من مصادر غامضة لا یمکن التحقق من صحتها، وفى حالة قبولها دون تحقیق تُصبح جزءًا من المکون العقلى لدینا، تدخل فیها التقالید والتعلیم والمحاکاة، وتصبح سلطة حاکمة علینا بشکل من الأشکال، وبالأخص إن کانت عاطفة قویة هى المسئولة عنها. إن هذه الأفکار والأحکام المسبقة ستکون مسئولة عن محو الأدلة حتى لو وجدت أمام أعیننا"([ix]).

وللتفکیر الصحیح، یدعونا "دیوی" إلى النظر فى أصل معتقداتنا، بل وکیفیة تأثیرها فى أفعالنا وتصـرفاتنا، فیقول: "إن التفکیر فى أفضل معانیه، هو ما یترتب علیه الکثیر من النتائج  والمعتقدات"([x]). إن التفکیر التأملى هو أقوى تریاق لدینا للقضاء على المعتقدات الخاطئة أنه کما یقول: "العملیة التى تقوم على استخدام المعطیات الراهنة للوصول إلى حقائق أخرى بناء على الأدلة الجدیدة،...أن عناصر التفکیر التأملى هی1-حالة من الحیرة والتردد والشک.2-عملیة البحث أو التحقیق الموجه لمزید من تسلیط الضوء الذى یعمل على تأکید أو إبطال الفکرة أو الاعتقاد المقترح"([xi]).

إن من أهم مزایا التفکیر التأملى کما عرضه"دیوی" -وکما أشار إلیها من قبل"رسل"- هى حالة الشک وعدم الیقین، وأن لا تُرحّب کیفما کان فى أیة معلومة جدیدة، وأن لا تضع هدفًا مسبقًا للأفکار التى تُرید الوصول إلیها. وفى هذا المعنى یقول "دیوی": "فى حالة قبول الاقتراحات دفعة واحدة دون نقد  Uncritical  وبالحد الأدنى من التفکیر، یُفقدنا ذلک مزایا عدیدة، فهو یُفقدنا البحث عن أدلة أضافیة على البیانات الجدیدة ویُفقدنا أیة اقتراحات لتطویر الفکرة أو رفضها. فأسهل طریقة تبعث الارتیاح النفسى هى قبول الاقتراحات التى تبدو معقولة دون إعمال التفکیر التأملّی، فالتفکیر التأملى هو أکثر إزعاجًا لأنه ینطوى على محاولات التغلب على الجمود وعدم قبول الاقتراحات مباشرة دون إحاطتها بسیل من التساؤلات والتشکیک، بل إنه قد ینطوى على نوع من الاضطراب العقلی، فالتفکیر التأملى هو تعلیق إصدار الحکم للمزید من الاستفسار والذى ربما یکون مؤلمًا بعض الشیء، إنه الحفاظ على تلک الحالة من الشک والاستمرار فى التحقیق المنهجى طویل الأمد، ولکن رغم تلک الاضطرابات فإن ذلک هو من أساسیات التفکیر"([xii]).

لقد اعتبر"دیوی" فى جمیع مؤلفاته أن: "البحث والشک موصول أحدهما بالأخر"([xiii]). "فالشک یتصل بالعملیات المستخدمة فى تحقیق الطریق الذى یحول الموقف المشکل إلى موقف قابل للحل، فبدلًا من أن تکون هذه العملیات (الشک) عاجزة وتشل حرکة البحث، تصبح فرصا تنتهز لتحسین المناهج المقومة للبحث"([xiv]). وفى مقالته"تحلیل التفکیر التأملی"، رأی": "أن الفرق بین التفکیر التأملى وغیر التأملى هو کالفرق بین التفکیر الجید والتفکیر الضعیف ،النوع الثانى یأخذ بالآراء دون فحص ودون شک للمعانى المقترحة، أما الأول فهو موضع للفحص والشک ویتم فیه تأصیل هذا القبول"([xv]).

 کما أن من مزایا تکوین عادات التفکیر التأملى عنده: "بناء الصلات بین الأشیاء المُجَرَّبة مما یشجع فى المناسبات اللاحقة على تدفق الاقتراحات، وخلق التساؤلات والأسباب التى من شأنها دعم الترابط المنطقى فى تسلسل الأفکار"([xvi]).

ویخصص "دیوی" الفصل السادس من کتابه"کیف نفکر"1910" لبیان خطوات التفکیر التأملى والغرض من هذا الفصل هو: " أَنْ نضع أمام الطالب المشکلة لکى یقوم بالتدریب العقلى على حلها"([xvii]). ویشیر إلى أن خطوات "التفکیر التأملى تعتمد على الملاحظة"([xviii]).وهذه الخطوات خمسة متمیزة منطقیًّا وهی: "1- الشعور بالمشکلة. 2- تحدید المشکلة وتعریفها. 3- اقتراح الحلول الممکنة. 4- التطویر من خلال الاستدلال العقلى لما یحمله المقترح. 5- مزید من الملاحظة والتجربة التى أدت إلى قبول الاقتراح أو رفضه، ومن ثم النتیجة وهى الأخذ بالاقتراح أو عدم تصدیقه"([xix]).

ولبیان خطوات التفکیر التأملى فى حل المشکلات یقتفی"دیوی" آثار التاریخ الطبیعى للبحث العلمى للعودة إلى أصوله فى حل المشکلات الحیاتیة. وهو یحاول إظهار أن الشعوب القدیمة،عندما اکتشفت عیبًا فى سلوکها على نحو أو آخر، فإنها کانت قادرة على أن تطور معادلة لحل المشاکل، قائمة فى هذا على تاریخ ناجح فى استخدام تلک المعادلة. فحینما یستشعرون صعوبة، فإنهم یلاحظون أن هناک شیئا ما قد سلموا به، وکانوا یفترضون أنه صحیح، إلا أنه لم یعد یعول علیه. فیکون من الضـرورى تحدید المشکلة، وتحویل الرغبات إلى نتائج مرجوة، وصیاغة فرضیات لتکون هى السبل الممکنة لتحقیق المآرب، وتصور التبعات المحتملة لتنفیذ هذه الفرضیات، ثم تجربتها حتى یتم حل المشکلة. وعندها یتم إزالة المشکلة، والتسلیم بمعتقد جدید. وعندما تستطیع هذه المعادلة المستمدة من أوصاف السلوک البشرى العادى فى حل المشاکل، فإنها تصبح إلزامیة، فننتقل بسـرعة من خلال خطوات غیر محسوسة مما هو کائن إلى ما ینبغى أن یکون([xx]).

ویمکننا تلخیص خطوات التفکیر التأملى کما عرضها "دیوی" فى کتابه"کیف نفکر"فى الصیغة التالیة:

الشعور بالمشکلة وتحدیدها اقتراح الحلول الممکنة التطویر من خلال الاستدلال العقلى لما یحمله المقترح مزید من الملاحظة والتجربة التى أدت إلى قبول الاقتراح أو رفضه، ومن ثم النتیجة وهى الأخذ بالاقتراح أو عدم تصدیقه( أى مشکلة جدیدة).

وتتشابه هذه الخطوات مع آلیة "المحاولة والخطأ" الذى قدمها"کارل بوبر"والتى تعبر عنها الصیغة التالیة:          م1 ‌ ح ح ‌ أ أ ‌ م2

فلا بد وأن یبدأ أى موقف بمشکلة محددة (لتکن م1)، وتأتى بعد ذلک محاولة حل اختبارى لهذه المشکلة (ح ح) یتخذ الآن النقد دورًا أساسیًا فى مناقشة هذا الحل المقترح، فیستبعد الخطأ منه (استبعاد الخطأ أ أ) بعد حذف الخطأ یبرز موقف جدید، وأى موقف لا بد وأن ینطوى على مشاکل.إذن الموقف ینتهى بمشکلة جدیدة (م2)([xxi]).

من المدهش أننا نجد"دیوی"فى کتابه"الدیمقراطیة والتربیة" یعدل من خطوات التفکیر التأملى کما عرضها فى کتابه "کیف نفکر"، بناء على رفضه لآلیة المحاولة والخطأ فنجده یقول:"فى أسلوب المحاولة والخطأ، ترانا نبدأ بعمل شیء، فإذا ما فشلنا فیه عملنا غیره، ونبقى نحاول مرة  بعد مرة حتى ننجح فنجد الطریقة الناجحة نموذجًا تقریبیًّا نحتذ به فى أعمالنا التالیة. ومن التجارب ما لا ینطوى على أکثر من هذا النوع من التخبط المؤدى إلى الفشل أو النجاح... والعمل المبنى على طریقة المحاولة والخطأ خاضع لرحمة الظروف. فإذا تبدلت لم یعد یسیر على الطریقة التى کنا ننتظرها، على حین أننا إذا عرفنا بالتفصیل ما تتوقف علیه النتیجة، استطعنا أن نشخص بإبصارنا إلى الظروف التى نطلبها، وهل هى موجودة أم لا، بهذا الأسلوب تزید سیطرتنا العملیة علیها.... إن الفکر المتضمن فى المحاولة والخطأ یصبح أکثر وضوحًا،عن طریق الخبرة التى تمکننا من اکتشاف الروابط المُفصّلةِ بین أعمالنا وما یعقبها من نتیجة.([xxii])(*)

من خلال الخبرة- کما یقول"دیوی": "إذا کانت بعض الظروف مفقودة وکنا على علم بما 

تقتضیه النتیجة من مقدمات،عملنا على إیجادها. کما أنه إذا کان من شأن الظروف أن تسلمنا إلى بعض النتائج الوبیلة، أمکننا أن نسقط الأسباب الزائدة المضـرة وأن نوفر بذلک جهودنا"([i]). ولذلک ینتهی"دیوی" إلى تلک النتیجة: "لا بد من التمییز بین الخبرة التأملیة وبین أسالیب العمل البدائیة المبنیة على المحاولة والخطأ"([ii]).

 إن سبب رفض آلیة المحاولة والخطأ وتعدیل خطوات التفکیر التأملى ینقلنا إلى تحلیل المکون الثانى من مکونات التفکیر الناقد عند "دیوی" ونعنى به مفهوم الخبرة.  

المکون الثانی: مفهوم الخبرة.

لیس غریبًا أن یجعل"دیوی"من الخبرة أساس تصوراته الفکریة برمتها([iii]) بما فیها تصوره للتفکیر الناقد، فهو فیلسوف الخبرة، والخبرة عنده – کما یرى الباحث- دلیل على سلامة التفکیر التأملی، ویقدم"دیوی" فى مطلع الفصل الحادى عشـر من کتابه" الدیمقراطیة والتربیة"والمعنون بـ" التأمل فى الخبرة Reflection in Experience "(*) تعریفًا تطبیقیًا للخبرة فیقول:

" لا یتیسر لنا فهم طبیعة الخبرة إلا إذا لاحظنا أنها تحمل فى طیاتها عنصرین ممتزجین امتزاجًا خاصًّا، الأول فاعل والثانى منفعل، أما من الناحیة الفاعلة فالخبرة هى المحاولة أو التجربة ومن هذه الکلمة الأخیرة یتجلى لنا معناها. أما من الناحیة المنفعلة، فان معناها هو معاناة الشیء. فنحن إذ نخبر شیئًا نفعل به فعلًا ونؤثر علیه ثم نلاقى نتائج فعلنا أو قل نعانیها. أى أننا نحدث فى الشـیء أثرًا فیعاودنا الشیء ویحدث فینا أثرًا مقابلا، وهذا هو الامتزاج الخاص الذى ذکرناه.. إن الخبرة من حیث هى محاولة أو تجربة، فإنها تنطوى على تغیر. ولکن هذا التغیر یکون تحولًا عدیم المعنى ما لم یرتبط ارتباطًا شعوریًّا بسیل النتائج التى تصدر عنه"([iv]).     

إن مفهوم الخبرة عند "دیوی" یرادف "المعنى والفهم" وهى وسیلة مهمة للتعلم، ویسوق لنا "دیوی" مثالا لبیان دور الخبرة فى التعلم؛ فالحرکة التى یأتیها الطفل حینما یمد بیده تلقائیًّا لیستکشف النار لأول مرة. إن حادث احتراق ید الطفل لیس هو بحد ذاته الخبرة، وإنما الخبرة فى العلاقة التى استنتجها ذهن الطفل بین حرکة مد الید، والنتیجة وهى الاحتراق. وهى خبرة سوف تطور علاقة ذلک الطفل فى المستقبل بالنار، فیتحسن أداؤه معها، وینتهى إلى السیطرة علیها. أما الألم فهو ما أطلق علیه"دیوی" معاناة التجربة. معاناة ضروریة لتحقیق النتیجة وهى التعلم واکتساب المعنی([v]).

إن الخبرة تنطوی– کما یقول دیوی-: "على ارتباط بین العمل أو المحاولة من ناحیة وبین ما نعانیه نتیجة لهما من ناحیة أخری. فأى فصل بین ناحیة العمل الفاعلة وبین ناحیة المعاناة المنفعلة یقوض المعنى الحى للخبرة"([vi]). ویخرج "دیوی" بنتیجتین هامتین تبین علاقة الخبرة بالتأمل والتعلم هما:

1- أن الخبرة فى أساسها فاعلة منفعلة معا، ولیست فى أساسها إدراکیة.

2-أن قیمة الخبرة تقاس بما تؤدى إلیه من إدراک العلاقات أو اللواحق،وهى تنطوى على الإدراک بمقدار ما تتجمع بعضها فوق بعض أو نتعاظم أو بمقدار ما فیها من المعنی([vii]).

فالخبرة – کما یقول دیوى – تؤدى فى النهایة إلى تکوین بصیرة معینة عامة وقدرة معینة منظمة فى العمل([viii]).أنها "مسألة فعل وعمل أساسًا"([ix])، بل الخبرة هى ما تمکن الکائن الحى من تغیر عالمه، وفى هذا المعنى یقول ": "الکائن الحى یؤثر فى بیئته بحسب تکوینه الخاص، سواء أکان ذلک التکوین بسیطًا کل البساطة أو معقدا کل التعقید، ویترتب على ذلک أن التغیرات التى حدثت فى البیئة بسبب هذا الکائن تعود وتؤثر بدورها هى الأخرى فیه وفى ضروب نشاطه، فکل کائن حى یعانى عواقب سلوکه ویتحملها. فهذا الارتباط الوثیق بین الفعل وبین معاناة نتائجه والانفعال بها،هو ما اسمیه بالخبرة"([x]).  

إذا کانت الخبرة عند" دیوی" متجددة لأنها تعبر عن التفاعل الوظیفى بین الفکر والواقع من جهة وتمیز البیئة بالتغیر المستمر من جهة أخرى، فهى تقتضى إذن توجیهًا متبصرًا، أى التوجه الذى ینظم مجریات التجربة ویبعد عنها العشوائیة طالما أن :"الخبرة لیست مجرد تقبل سلبى محض، بل أنه یحیلها إلى بحث إیجابى فعال، ومن ثم فإنه یحرص على إبراز الطابع الدینامى لهذه الخبرة"([xi]).

إن وجود التوجیه المتبصر فى التجربة ضرورى لتکوین المواقف الجدیدة،  هذا التوجیه المتبصر هو ما أطلق علیه"دیوی" الذکاء أو العقل البصیر الذى یمثل الأداة الفعالة فى الخبرة أو قل هو"أحد وسائل الخبرة"([xii]). إن الذکاء:"یزیل کل طابع مفارق عن التفکیر ویعطیه بعدًا عملیًّا بوصفه خططًا ترسم وتنفذ داخل الخبرة بحیث یکون مهندسها هو الذکاء"( [xiii]). إن الذکاء عنده یضع الخطط والمقترحات ویخضعها لمحک الخبرة والتى تتخذ من المنهج العلمى أداة لتبریرها. وهکذا قادنا مفهوم الخبرة إلى مفهوم الذکاء والسؤال هنا ما طبیعة هذا المفهوم؟ وما دوره فى الخبرة التأملیة أو قل التفکیر الناقد عند"دیوی"؟ 

المکون الثالث مفهوم الذکاء.

یفضل"دیوی" تعریف الإنسان بالذکاء بدلا من العقل، ویقدم لنا مبررات هذا التحول من العقل إلى الذکاء قائلاً: "العقل من حیث هو ملکة منفصلة عن الخبرة، یفضى بنا إلى عالم سام من الحقائق، أنه یبدو لنا الآن عقلًا بعیدًا عنا، لا یستثیر اهتمامنا، ولا شأن لنا به. والعقل من حیث هو ملکة"کانطیة" یدخل التعمیم والاطراد فى الخبرة، قد تبین الآن بوضوح متزاید أنه أمر لا لزوم له،أمر غیر ضروری، خلقه أناس یستمسکون کل الاستمساک بالشکلیة التقلیدیة وبالمصطلحات المحکمة الوضع... فـ"العقل" ذکاء قائم على إجراء التجارب، ویمکن تصوره على غرار تصورنا للعلوم ویستخدم فى خلق الفنون الاجتماعیة. فله عمل یؤدیه وذلک بأن یحرر الإنسان من عبودیته للماضى الناشئة عن الجهل والمصادفة التى تبلورت فصارت عادات وعرفا،" فالذکاء" یبشر بمستقبل أفضل، ویعاون على تحقیق هذا المستقبل وأعماله معرضة دائمًا لأن تعرض على  محک الخبرة"([xiv])

من وجهة نظر الباحث إن مفهوم الذکاء عند "دیوی" هو المصطلح المرادف لمفهوم "المعرفة العلمیة"، أنه کما یقول: "التوجیه البصیر Intelligent  الذى یحدد علاقات التتابع عن طریق الملاحظة ویفترض الخطط ثم یقوم  بتنفیذها، ذلک هو الذکاء أو العقل البصیــــــر"([xv]). فهو الذى یساهم فى الوصول إلى نتائج علمیة. فمفهوم الذکاء کما یقول: "رمز مختصـر نشیر به إلى طرائق عظیمة لا تنفک عن النمو وأعنى بها طرائق الملاحظة والتجریب والتفکیر البرهانى التى قلبت فى وقت وجیز ظروف الحیاة الفیزیقیة"([xvi]).

إن العلم- کما یتصور دیوی- قد جعل من العقل ظاهرة طبیعیة أو ما یسمیه بتطبیع الذکاء. فلیس الرجل الذکى فى تصوره : "من یمتلک العقل وإنما هو من یشارک عقله مع الأشیاء ویتفاعل معها؛ فهو التوجیه البصیر للبحث التجریبى الذى یفضى إلى معارف علمیة حیث یتکامل الذکاء مع النشاط العملى فیؤدى إلى تعدیل الظروف وتغییرها بما یحافظ على تکیف الفرد مع بیئته ویضمن نموه المستمر، فإمکانیة التحسین فى الظروف والطبیعة البشریة إنما یحدث بفعل التعدیل فى الأشیاء"([xvii]).

إن مفهوم الذکاء لیس قوة خارجیة ولکنه منهج أو طریقة لتعدیل القدرات والظروف مع مواقف معینة، بفضل الذکاء قد حل الاحتمال محل الیقین، وبفضل الذکاء الذى اعتمدته العلوم التجریبیة کصیغة تجریبیة،أمکن لهذه العلوم أن تخطو خطواتها الجبارة المشهودة الیوم، وفى هذا المعنى یقول"دیوی": " حیثما یعمل الذکاء یحکم على الأشیاء من جهة دلالتها على غیرها من الأشیاء.فإذا کانت المعرفة العلمیة تمکننا من زیادة ضبط تقدیر الأشیاء. فقد نستطیع أن نتنازل عن خسارة یقین نظرى فى سبیل کسب حکم عملی"([xviii])

ب- تعریفات الخبرة التأملیة أو التفکیر الناقد:

بعد أن عرضنا المکونات الثلاثة للخبرة التأملیة، یمکننا أن نجد عند "دیوی" مجموعة من التعریفات التى قدمها لهذه النوع من التفکیر وهى بالطبع تختلف تمامًا عن تعریف التفکیر التأملی، فالخبرة التأملیة أو التفکیر الناقد هو:

  1. التفکیر الذى یمیز العلاقة بین الشـیء الذى نحاول عمله وما یترتب على هذه المحاولة من نتائج([xix])؛ 

2. التفکیر الذى یحاول بطریقة قصدیة استکشاف روابط معینة بین ما نعمله والنتائج التى تترتب علیه بحیث یطرد الاثنین معًا([xx])؛

  1. التفکیر فى الأنباء کما ترد إلینا ومحاولة التعرف على ما تدل علیه من النتائج المحتملة أو المرجحة.(أما أن نملأ رؤوسنا کما تملأ الدفاتر بشتى المعلومات الجزئیة باعتبار أنها أشیاء کاملة مفروغ منها ، فلیس ذلک من الخبرة التأملیة فى شیء، إن هو إلا تحویل أنفسنا إلى مجرد أجهزة تسجیل)([xxi])؛
  2. التفکیر الذى یراعى تسلسل الزمن؛
  3. التفکیر الذى یتجاوز مصالحنا المباشرة باتساع أفق النظر، وذلک عن طریق نمو عواطفنا الاجتماعیة؛

6. التفکیر عملیة بحث وتحقیق وفحص للأشیاء.(إن اکتساب المعلومات أمر ثانوى دائمًا، بل ذریعة إلى عملیة البحث وما البحث إلا تفتیشًا وسعیًا ما لیس فى متناول أیدینا)؛

  1. تفکیر ینطوى على شیء من المجازفة؛
  2. تفکیر نتائجه تظل مؤقتة فرضیة نوعًا ما حتى تؤیدها الحوادث([xxii]).

إن الخبرة التأملیة عند"دیوی" أو ما أطلق علیها الباحث التفکیر الناقد: "وسیلة لیست مستقلة عن مشکلات الحیاة، بل وثیقة الصلة بظروفها، إذ إنها تساهم فى إحداث مواقف جدیدة وتزیل عنها الصعوبات([xxiii]). ولا تقتصـر الخبرة التأملیة کما یبدو للوهلة الأولى من مسماها على الحکماء، وإنما تبدأ هذه الخبرة منذ الطفولة فنجد "دیوی"یقول: "أول ما یبدأ الطفل الصغیر بتوقع حدوث شیء، نراه یبدأ فى استخدام بعض ما یجرى أمامه دلیلا على ما سیعقبه، أى أنه یعطى حکمًا، مهما کان هذا الحکم بسیط. ذلک بأنه یتخذ شیئا من الأشیاء دلیلا على شیء آخر، وبهذا یدرک علاقة بینهما. وکل نمو فکرى عند الطفل بعد ذلک، مهما بلغ من التعقد، لیس إلا توسیعًا وصقلًا لهذا النوع البسیط من الاستدلال. وکل ما یستطیع أحکم الحکماء أن یفعله هو أن یلاحظ ما یقع بین یدیه ملاحظة أوسع وأدق من الطفل، فیکون أکثر منه حیطة فى أن یختار مما یلاحظه العناصر التى تشیر إلى ما قد یحدث من الأمور"([xxiv]).

ج- خطوات الخبرة التأملیة( الخطوات المنطقیة):      

أما عن خطوات الخبرة التأملیة، فقد جاءت مختلفة عن خطوات التفکیر التأملى بعد أن أضیف إلیها مفهوم الخبرة ومفهوم الذکاء أو المعرفة العلمیة- وهذا ما یقرره "دیوی" بنفسه ولیس استنتاجًا من جانب الباحث– یقول "دیوی": "أما عن الخطوط العامة للخبرة التأملیة، فهی:

1-   الشک والاضطراب والحیرة الناجمة من أن الفرد یجد نفسه فى وضع منقوص لم تحدد بعد طبیعته على وجه التمام.

2-  حدس الفرد لما یمکن توقعه، أى تأویله المؤقت للعناصر التى بین یدیه، وإسناده إلى هذه العناصر میلًا لإحداث نتائج معینة .

3-  الإحاطة الوافیة أى الفحص والتفتیش والکشف والتحلیل لکل الاعتبارات التى یمکن الوصول إلیها والتى تحدد المشکلة وتجلوها.

4-  ما ینجم عن ذلک من توسیع  للفرض المؤقت حتى یصبح أکثر دقة واتساقًا فى أجزائه، وذلک لاتفاقه مع عدد أکبر من الحقائق.

5-  العزم على اتخاذ الفرض المرسوم خطة للعمل وتطبیقه على الأحوال الحاضرة، أى القیام بعمل ظاهر بغیة التوصل إلى النتیجة المتوقعة وامتحان الفرض بذلک.

 ویعقب"دیوی" على هذه الخطوات قائلا: "تمتاز الخبرة التأملیة عن الخبرة المبنیة على المحاولة والخطأ (التفکیر التأملی) بمقدار ما فى الخطوتین الثالثة والرابعة من اتساع ودقة فهما اللتان یجعلان التفکیر ذاته خبرة"([xxv]).

د- تطبیق مفهوم الخبر التأملیة وأثره فى المقاربة التعلیمیة:

تطبق "دیوی" مفهوم الخبرة التأملیة (التفکیر الناقد)، فى فلسفته التعلیمیة، بالنسبة للطالب والمعلم. ففى مقالته "تحلیل الفکر التأملی" یقول:"کان هدفى من هذه الخطوات تربویًّا عملیًّا  Practical Pedagogic حیث کنت مهتمًّا بشکل خاص بالتمیز بین التفکیر غیر الناقد والتفکیر الناقد"([xxvi]). وفى کتابه "الدیمقراطیة والتربیة"بدأ الترکیز على الخبرة التأملیة ودورها فى التعلیم بالنسبة للطالب، فیقول:

"أسالیب التعلیم تتوحد بمقدار ما ترکز على تکوین عادات التفکیر الجید.وقد یسوغ لنا التحدث من غیر خطأ عن أسلوب التفکیر، ولکن الأمر المهم هو أن التفکیر هو أسلوب الخبرة المربیة، ولذلک فإن أسس طریقة التربیة هى أسس التفکیر نفسها، وهى :

أولًا-أن یجد الطالب نفسه فى وضع خبرة حقیقی، أى أن تکون هنالک فعالیة مستمرة یهتم بها الطالب لذاتها .

ثانیًا-أن تنبعث من داخل هذا الوضع مشکلة حقیقیة تکون بمثابة حافز إلى التفکیر.

ثالثًا-أن تکون لدى الطالب المعلومات، وأن یقوم هو بالملاحظات التى تعوزه لمعالجة المشکلة.

رابعًا-أن تقوم فى فکره اقتراحات لحل المشکلة ویکون مسئولًا عن توسیعها على وجه منظم.

خامسًا-أن یتاح له المجال لاختبار أفکاره وتمحیصها بالتطبیق، حتى تصبح معانیها لدیه واضحة وحتى یکتشف لنفسه صدقها([xxvii])

ویرى "هیرست" أن "دیوی" بترکیزه على التفکیر الناقد- باعتباره یحمل أولویة تعلیمیة- کَانَ أول فیلسوف یستخدم المنهج المنطقى "Logical Method" فى سیاقِ تربویِ. فقد حاول"دیوی" بناء المعرفة العلمیة على نموذج عقلانی. فجمیع المعارف العلمیة تحتاج إلى أن یبررها الدلیل أو الأسباب. وهذه هى المعرفة التى ینبغى أن یتعلم الطالب أن یطمح إلیها. فالمعرفة التى تمثل النتاج النهائى للعملیة البحثیة تکون منتظمة منطقیًّا، ویتوجب أن یتعلم الطالب أن یبحث عن ذاک التنظیم حتى لا یقول أحد بحقائق من دون أدلة، وحتى یکون لکل رأى أسبابه، ولکل حکم معاییره([xxviii]).

 أما بالنسبة للمعلم فقد رأی"دیوی" أن الخبرة التأملیة(التفکیر الناقد) فى مجال التعلیم لن یکتب لها النجاح إلا من خلال مجموعة من الشروط التى لا بد من توافرها فى المعلم ومنها:

-الاستقامةفى العمل  Directness: یعنى هذا الشرط عند"دیوی" استقامة المعلم فى سیره إلى ما ینبغى علیه عمله، وهى لا تدل على اعتداد الإنسان الشعورى بکفایته، بل إیمانه اللاشعورى باحتمالات الوضع،أى قبضته على ناصیة الوضع وسده لمقتضیاته.لقد رأى أن: "کل طریقة للمعلم تصرف انتباه الطالب عما ینبغى له عمله إلى الشعور باتجاهه الشخصى إزاء هذا العمل، تضر باستقامة سیره وانتباهه لعمله.([xxix]) أما إذا ما تمکن المتعلمون من إبداء الاستجابات الفعالة نحو أعمالهم یکون المعلم قد نجح فى مهمته؛ لأن ذلک یعبر على مدى استقامتهم فى أعمالهم([xxx]).

- سعةالأفق Open-mindedness.: تعنى عند "دیوی":"استعداد العقل لتناول کل الاعتبارات التى تلقى ضوءًا جدیدًا على وضع مفتقر الوضوح، وتساعد على تعیین النتائج التى تنجم عن العمل بهذا الشکل أو ذاک"([xxxi]).إن سعة الفکر تعنى النمو الفکرى ومن ثم تکوین أغراض جدیدة وأسالیب جدیدة على الدوام، لذلک رأى أن المعلم الذى لا یسمح بتنوع الأسالیب فى معالجة المشاکل ولا یشجعها إنما یسدل على عقول طلابه حجبًا کثیفة یقصر معها نظرهم إلا عن رؤیة الطریق الذى یتفق مع ما یراه هو حقًّا وصوابًا"([xxxii]). إن التمسک بأسلوب واحد وطریقة واحدة وإعطاء الأجوبة الصحیحة للطلاب بدون تفکیر وإرغام الطلاب علیها من جانب المعلم" یفضـى کل ذلک إلى حجب میولهم الیقظة المتنوعة" کما یتنافى وطبیعة الخبرة التأملیة التى ینادى بها "دیوی"، وفى هذا المعنى یقول: "لو أدرک جمیع المعلمین أن مقیاس النمو الحقیقى فى التربیة العملیة الفکریة لا فى إعطاء الأجوبة الصحیحة،لأحدث هذا ما یوشک أن یکون ثورة فى التربیة والتعلیم([xxxiii]).

- واحدیة الذهن Single-mindedness:(*)ویقصد بهذا المفهوم میل المعلم کل المیل إلى عمله وتوحد غرضه وانعدام وجود أهداف أخرى مکبوتة تفعل مع ذلک فعلها الخفى وتتخذ الأهداف الظاهرة ستارًا لها. بعبارة أخرى إن واحدیة الذهن کما یقول"دیوی":"هى النزاهة الفکریة التى تنمو بالانغماس والانکباب والاهتمام الکلى بمادة العمل لنفسها، فى حین یهدرها تقسیم المیل والتهرب من العمل([xxxiv])

- الشعوربالمسؤولیة: Responsibility   تعد من وجهة نظر "دیوی" عنصـرًّا مهمًّا فى الاتجاه الفکرى للمعلم، وتعنى استعداد المعلم لتدبر عواقب کل عمل قبل الشروع فیه ، وتقبل تلک العواقب عن عمد ورؤیة، ومعنى التقبل وضعها موضع الاعتبار والاعتراف بها فعلا لا بمجرد التسلیم اللفظی"([xxxv]).

 أما عن أثر مفهوم الخبرة التأملیة أو التفکیر الناقد الذى ابتدعه"دیوی"، فى الواقع لعب هذا المفهوم دورًا کبیرًا فى تشکیل قضایا وموضوعات فلسفة التعلیم فى القرن العشرین، ویکفى فى هذا السیاق تقدیم نموذجین لبیان هذا الأثر، النموذج الأول نجده عند منطقى آخر وهو "جلبرت رایل" الذى تأثر بمفهوم التفکیر الناقد عند"دیوی"–على الرغم من اختلاف الاتجاهات الفلسفیة بینها- وطبق هذا المفهوم على المعلمین الذین یتمیزون بالتفکیر الناقد وذلک فى مقالته"التفکیر والتعلم الذاتی"([xxxvi]). أما النموذج الثانى فنجده فى نظریة"التدریس التأملى Reflective Teaching "وهى النظریة التى خرجت من مفهوم التفکیر الناقد عند"دیوی"والتى عرضها لنا"صموئیل شرمز" فى مقالته المعنونة بـ"التفکیر التأملى والتفکیر الناقد"([xxxvii])

بالنسبة لـ"جلبرت رایل": نجده یصف المعلمین الذین یتمیزون بالتفکیر الناقد بهذه الصفات:

1-     إنهم لا یکررون أنفسهم، فحین یریدون أن یقولوا لنا الشـیء نفسه، فإنهم یفعلون ذلک بطرق مختلفة.

2-   إنهم یتوقعون منا أن نفعل الأشیاء بمفردنا فى ظل ما یعلموننا إیاه، "نطبقه ونعید صیاغته ونجتهد فیه، ونستخلص منه النتائج ونربط بینها وبین الدروس السابقة.. إلخ

3-     إنهم لا یقولون لنا، هم یبینون لنا ما یریدون القیام به ثم یحملوننا على الحرکة أو النطق بطرق مماثلة.

4-     إنهم یزعجوننا بالأسئلة ثم  یسألوننا عن إجاباتنا.

5-     إنهم یجعلوننا نمارس التمرینات ونکرر ممارستها؛ کالمحاورات والقیاسات المنطقیة.

6-     إنهم یقودونا إلى نصف الطریق ثم یترکوننا تائهین لکى نصل نحن إلى نهایته بأنفسنا.

7-     إنهم یعرضون حلولًا خاطئة بشکل واضح، ویتوقعون منا أن نحدد  ما هو الخطأ فیها، أو کیفیة تصحیحها .

8-     إنهم یلفتون انتباهنا نحو مشکلات متشابهة جزئیًّا ولکنها أکثر سهولة،ثم یترکونا لنستخدم هذه التشابهات باعتبارها أسوارًا.

9-     إنهم یحللون المشکلات المعقدة إلى عناصر رئیسة أبسط، فیترکونا نحل هذه المشکلات الأبسط  ثم نعید تجمیع الحلول.

10- عندما نصطدم مع حل من الحلول؛  یضعوننا أمام مشکلات فرعیة أو موازیة([xxxviii]).

بعد أن حدد"رایل"ما یفعله المعلمون ذو الخبرة التأملیة أو التفکیر الناقد فى أى مادة مع طلابهم، یواصل القول بأن هذه "هى بالضبط الأمور التى نفعلها مع أنفسنا عندما نحاول التفکیر"([xxxix]). ومفهوم التفکیر عند "رایل" یعنی: "التفکیر لنفسه Thinking for Oneself"( [xl]). وهو ما یتفق مع تعریف "دیوی" للتفکیر التأملى أنه "تناول فاعل"، إن"دیوی" وکل من ساهم فى تلک المقاربة، یعتبرون التفکیر الناقد فاعلا، حیث تفکر فى الأمور بنفسک، وتلقى أسئلة بنفسک، وتستنتج معلومات متعلقة بالأمر بنفسک وهکذا... بدلًا عن التعلم بطرق منفعلة من الآخرین کما نوهنا من قبل.

أما فیما یطلق بطرق التدریس، تجدر الإشارة إلى أن مفهوم التفکیر التأملى قد أحدث تأثیرًا کبیرًا فى طرق التدریس فظهرت نظریة"التأمل فى قاعة الدرسReflection in a Classroom "أو ما عرف بـ"التدریس التأملی" وتعود هذه الطریقة –کما یقول"صموئیل شیرمز"- إلى تعریف"دیوی"للتفکیر التأملی" باعتباره تناول فاعل" "فقد کان افتراض"دیوی"الأساسى من هذا التعریف أن التعلم یتحسن إلى درجة أنه ینشأ عن عملیة التأمل وبمرور الوقت انتشر مصطلح التأمل منتجًا عددًا کبیرًا من المرادفات مثل"الفکر الناقد"و"حل المشکلات" و"الأفکار المتقدمة " Higher Level Thought([xli]) وقد قام العدید من الباحثین بالإضافة والتعدیل على هذا التعریف لکى یکون أکثر مرونة من الناحیة  التطبیقیة، فنجدهم أضافوا أن الغرض من التفکیر التأملى هو خلق حلقات سقراط الدراسیة من أجل التوسع فى فهم الأفکار والقضایا والقیم، کما أن الغرض منه خلق حوار یعطى صوتا للتفکیر الصارم بشأن المعنى المحتمل. ونقل الطالب من مرحلة عدم الوضوح إلى الوضوح ومن اللامعقول إلى المعقول"([xlii])

وترتکز نظریة"التدریس التأملی" على أول خطوتین من خطوات التفکیر التأملى عند "دیوی"وهما 1- الشعور بالمشکلة. 2- تحدید المشکلة." یقول "صموئیل شیرمز": لقد جادل "دیوی" وآخرون بأن أول ما یحفز التفکیر لدى الطلاب لا یمکن أن یکون إلا مشکلة، ولکن یجب أن تکون المشکلة حقیقیة، بمعنى آخر أن یتمثلها الطلاب ویشعرون بها...أم السؤال عن کیف تتولد المشکلة ؟ فقد کانت إجابة "دیوی" هی: تتولد المشکلة لدى الطالب نتیجة فضول، ارتباک،أو عدم قدرته على حل قضیة ما، وبذلک تصبح الحالة التى کانت واضحة وغیر مزعجة معتمة وتشکل عائقا. ویذهب "دیوی" إلى ضرورة تمییز المشاکل الصحیحة من المشاکل المصطنعة"([xliii]). وفى السنوات الأخیرة حاول العلماء أن یأتوا بنماذج للمشاکل تکون شاملة ومفیدة"(*) ویقدم لنا "صموئیل شیرمز" مثالًا طریفًا على کیفیة تطبیق التدریس بالتأمل على مجموعة من طلاب روضة الأطفال تناقش قصة جاک وشجرة الفاصولیا:

س) ماذا فعل جاک عندما وصل إلى قلعة العملاق؟

ج) اختبأ جاک من العملاق، ووجد الإوزة التى تبیض ذهبًا، واکتشفه العملاق ففر، ووصل إلى أسفل شجرة الفاصولیا، ثم قطعها ، فسقط العملاق وکسـر عنقه، وبعد ذلک عاش جاک بسعادة مع أمه والثروة الجدیدة .

س) هل تعدى جاک على أملاک الغیر بشکل غیر قانونی؟ بمفهوم طلاب روضة الأطفال (هل دخل جاک إلى منزل شخص ما – حیث لا ینتمی؟)

ج) نعم.

س) هل سرق جاک الإوزة التى تبیض ذهبا؟

ج) نعم.

س) هل رفض جاک إعادة ما لیس له؟

ج) نعم.

س) هل هرب جاک إلى أسفل شجرة الفاصولیا وتسبب فى مقتل العملاق؟

ج) نعم.

س) إذا کان جاک قد تعدى على أملاک الغیر، وسرق العملاق وقتله، فلماذا کان العملاق هو الشریر؟

تأخذنا طریقة التدریس التأملى فى نهایتها إلى منعطف غیر متوقع، فقد صممت هذه الطریقة لجعل کل شیء یأخذ الشکل الصحیح، فمن خلال الأسئلة والإجابة تنقلب الأمور رأسًا على عقب. فلما لا یکون جاک هو السیئ فى ضوء  الجرائم المعترف بها ؟([xliv]) 

ویمکننا القول بأنه: "لیس هناک فصل أو عمر أو درجة لا یمکن تطبیق نظریة التدریس بالتأمل فیه، إن النظریة تقول ببساطة إنک إذا أردت أن توجد مشکلة فادخل فکر ونمط المعرفة لدى طلابک، وبعد ذلک اطرح علیهم أسئلة تخلق لدیهم نزاعا وإرباک، ثم ساعدهم لیصلوا إلى إجابة،وحاول أن تعرف السؤال الذهبى بمجرد سماعه ... هذا النوع من الأسئلة یحفز التفکیر التأملى الذى یزود الطالب بأفضل نوع من التعلیم اخترعه البشـر إلى الآن ... والسبب فى ذلک أن التفکیر التأملى یتضمن اکتساب الحقائق وفهم الأفکار وتطبیق المبادئ والتحلیل والترکیب والتقییم،باختصار یتضمن التفکیر التأملى الذى قدمه "دیوی" کل مستویات التعلیم التى قدمها تصنیف بلوم"([xlv]).

الخاتمة :

على الرغم من اختلاف التوجهات والأهداف بین المقاربة الفلسفیة والتعلیمیة  إلا أنه توجد مجالات اتفاق بینهما، حیث یتفق باحثو التفکیر الناقد عادة على قدرات منطقیة معینة لا بد من إتقانها ومنها:

1- تحلیل الحجج، أو المزاعم، أو الأدلة.

2- الاستدلال باستخدام التفکیر الاستقرائى أو الاستنباطی.

3- الحکم المنطقى أو التقییم.

4- اتخاذ القرارات أو حل المشاکل.

5- تشمل القدرات أو السلوکیات الأخرى ذات الصلة بالمنطق: طرح الأسئلة والإجابات للتوضیح، تعریف المصطلحات؛ تحدید الافتراضات، والتفسیر والشـرح؛ والمنطق اللفظی، وخاصة فیما یتعلق بمفاهیم الاحتمال وعدم الیقین.

والحقیقة التى لا جدال فیها أن المنطق یمثل الخلفیة المعرفیة للمقاربتین وفى ذلک یقول فاسیون: "على الرغم من أن تحدید وتحلیل مهارات التفکیر الناقد تتجاوز، بطرق کبیرة، موضوعات أو تخصصات محددة، فإن تعلم وتطبیق تلک المهارات فى العدید من السیاقات یتطلب معرفة بمجال معین ألا وهو المنطق. وتشمل هذه المعرفة بالمجال فهم المبادئ المنهجیة وکفاءة الانخراط فى ممارسات تنظمها أعراف هى فى صلب الأحکام المنطقیة فى تلک السیاقات المحددة... ونفقد الکثیر جدَّا من القیمة إذا ما نظرنا إلى التفکیر  الناقد کمجرد قائمة عملیات ومعرفة بمجال معین ومجرد تجمیع للمعلومات"([xlvi]).



 ([i])جون دیوى :"الدیمقراطیةوالتربیة"، ص 151

([ii]) المصدر نفسه، ص 157

([iii]) محمد جدیدی:" فلسفة الخبرة "جون دیوى نموذجا"، المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع، بیروت، لبنان،2004م. ص 40

([iv])جون دیوى :"الدیمقراطیةوالتربیة"، ص145

([v]) المصدر نفسه، ص 145

([vi])المصدر نفسه ، ص175

([vii]) المصدر نفسه، ص146

([viii]) جون دیوى :" تجدید فى الفلسفة"، ترجمة أمین مرسى قندیل، مراجعة زکى نجیب محمود، مکتبة الأنجلو المصریة، 1947 م. ص 160

[ix])) المصدر نفسه، ص 167

([x])المصدر نفسه، ص168

 ([xi])زکریا إبراهیم:" دراسات فى الفلسفة المعاصرة"، مکتبة مصر، الطبعة الأولی، القاهرة 1968م، ص 66-67

([xii])محمد جدیدی:" فلسفة الخبرة "جون دیوى نموذجا"، مرجع سابق، ص 84

([xiii]) المرجع نفسه، ص 86

([xiv]) جون دیوى : "تجدید فى الفلسفة"، مصدر سابق، ص 181-182 

([xv]) جون دیوی:" البحث عن الیقین" مصدر سابق، ص 111 

([xvi]) جون دیوى :"تجدید فى الفلسفة مصدر سابق، ص 14

([xvii])جون دیوی:"البحث عن الیقین"، مصدر سابق، ص 227

([xviii]) المصدر نفسه، ص 240

([xix]) جون دیوى :"الدیمقراطیة والتربیة"، ص 150-151

([xx]) المصدر نفسه، ص 151

([xxi]) المصدر نفسه، ص 153

([xxii]) المصدر نفسه، ص154

([xxiii]) جون دیوی:"البحث عن الیقینمصدر سابق، ص111

([xxiv]) جون دیوى :"الدیمقراطیة والتربیة"، مصدر سابق،ص 152

[xxv])) جون دیوى :"الدیمقراطیة والتربیة"، مصدر سابق، ص156-157 . أما نص"دیوی" 

(It is the extent and accuracy of steps three and four which mark off a distinctive reflective experience from one on the trial and error plane. They make thinking itself into an experience). See: Dewey .J.,:" Democracy and Education", Op. Cit .p.163

([xxvi])Dewey .J., :"An Analysis of Reflective Thought", Op.Cit p.31  

([xxvii]) جون دیوى :"الدیمقراطیة والتربیة"، مصدر سابق، ص 170-171

([xxviii])Hirst.P.H.,:" The Logical and Psychological Aspects of Teaching a Subject" in" The Concept of Education",Edited by R.S.Peters,Vol.17,Routledge,London and New York, 2010. pp.17-42. p.34.

([xxix])جون دیوى :"الدیمقراطیة والتربیة"، مصدر سابق، ص182

([xxx]) المصدر نفسه، ص 185

([xxxi]) المصدر نفسه، ص183

([xxxii])المصدر نفسه، ص183

([xxxiii])المصدر نفسه ، ص 184

([xxxiv])المصدر نفسه، ص184

([xxxv])المصدر نفسه، ص 186

([xxxvi])Ryle, G.,:" Thinking and self-teaching" in" Rice Institute Pamphlet-Rice University Studies, volume 58 , number 31,1972. pp. 111-121

([xxxvii])Shermis, S. S.,: "Reflective Thought ,Critical Thinking", in " ERIC, Institute of education sciences, 1999, Digest D143. pp.1-8.                 

([xxxviii])Ryle, G.: Op.Cit .pp.113-114

([xxxix])Ibid.p.114

([xl])Ibid.p.112  

([xli])Shermis, S. S.,: Op.Cit.p.2   

([xlii]) Ibid. p.2

[xliii]) ) جون دیوى :" الدیمقراطیة والتربیة"، مصدر سابق ،ص161

(*) من تلک النماذج ما یلى : 1- یطلب من الطلاب ابتکار طرق بدیلة لتقدیم المعلومات.2- مقارنة التفسیرات المختلفة لنفس الأحداث والأفکار والظواهر.3- إیجاد حلول بدیلة وکتابة نتائج مختلفة .4- حذف أو إهمال معلومات.5- إجراء لعبة " ماذا إذا"؟6- فحص السیاق الاجتماعى لتعبیر ما.7- محاولة تمییز الفرضیات. (Shermis, S. S.: Op.Cit. p.3-4)

([xliv])Ibid .pp.4-5

)[xlv])Ibid. pp.5-6

([xlvi])Facione, P. A. :"Critical thinking: A statement of expert consensus for purposes of educational assessment and instruction". Millbrae, CA: The California Academic Press.1990. p.10.

  1. أولا: المصادر:

    أ- مؤلفات رسل:

    1. Russell. B.,: "Principles of Social Reconstruction", London,George Allen & Unwin ,1916.
    2. -------------:" Education for Democracy ", in "The National Education Association Vol.23,81 1st ed, mar1,1939. pp.6-16
    3. -------------: "Freedom and the Colleges", in "The American Mercury", May, 1940 , pp.24-33
    4. -------------: "The value of free thought, How to Become a Truth-Seeker and Break the Chains of MentalSlavery ", Haldeman -Julius Publication, Girard, Kansas,1944
    5. -------------:"History of Western Philosophy", Simon and Schuster New York Fourth Printing 1945.
    6. -------------:" Why Fanaticism Brings Defeat",in "The Listener,Vol.40  Sept.1948. pp.452-453
    7. -------------:"Philosophy for laymen", in "Unpopular Essays", London George Allen & Unwin, LTD, 1950.pp.35-49.
    8. -------------:" John Stuart Mill", in "Portraits From Memory, and Other Essays", London George Allen & Unwin, LTD, 1956.pp.123-144
    9. -------------:"The Place of Science in a Liberal Education", in " Mysticism and Logic, And Other Essays", London George Allen & Unwin, LTD,1959. pp.33-45
    10. -------------:"University Education", in " Fact and Fiction", London George Allen & Unwin, LTD,1961. pp.150-156.
    11. -------------:"On Education",", London George Allen & Unwin, LTD, 1964
    12. -------------: "Rewards of philosophy(1948)", in "Collected Papers", Vol.11, London: Routledge,1997.pp. 274-278
    13. -------------: "The Spirit of Inquiry(1953)', in "Collected Papers", Vol. 11, London: Routledge,1997. pp.432-440
    14. -------------:"The Duty of a Philosopher in this age(1964)", in Collected Papers Vol.11, London: Routledge,1997. pp.455-463
    15. -------------:"The Problems of Philosophy", OxfordUniversity Press, 2001.
    16. -------------:"Can Men be Rational?" in "Sceptical Essays" , Routledge Classics London and New York, 2004, pp.32-39
    17. -------------:" Free Thought and Official Propaganda", in" Sceptical Essays". Routledge Classics London and New York, 2004. pp.124-143
    18. -------------:"Freedom Versus Authority in Education "in" Sceptical Essays". Routledge Classics London and New York, 2004.pp.157-172.
    19. -------------:"Human Knowledge : Its Scope and Limits". Routledge Classics London and New York, 2009.
    20. -------------: "The Prospects of Industrial Civilization". Routledge Classics London and New York 2010
    21. -------------:"Education and the Social Order", Routledge Classics London and New York.2010.
    22. -------------:"My Ten Commandments", in" free thought Today", May 2010.

    ب- مؤلفات دیوی:

    المؤلفات المترجمة.

    1. جون دیوی :"الدیمقراطیةوالتربیة"، ترجمة، متى عفراوی و زکریا میخائیل، مطبعة لجنة التألیف الترجمة والنشر، القاهرة،1946م.
    2. _______ :" تجدید فی الفلسفة"، ترجمة أمین مرسی قندیل، مراجعة زکی نجیب محمود، مکتبة الأنجلو المصریة، 1947 م.
    3. _______:"البحث عن الیقین"، ترجمة أحمد فؤاد الأهوانی، دار إحیاء الکتب العربیة، مؤسسة فرانکلین للطباعة والنشر،القاهرة –نیویورک، 1960م
    4. _______:"المنطق:نظریة البحث"، ترجمة زکی نجیب محمود،دار المعارف، ط2، 1969م
    5. _______:"الطبیعة البشریة والسلوک الإنسانی"،ترجمة وتقدیم محمد لبیب النجیحی، تصدیر محمد  مدین، المرکز القومی للترجمة العدد،2681 ،2015م

    - المؤلفات الأجنبیة.

    1. Dewey .J.,: "How We Think", D. C. Heath & CO., Publishers Boston New York Chicago,1910.
    2. -------------:" An Analysis of Reflective Thought" in" The Journal of Philosophy, Vol. 19, No.2.(Jan. 19, 1922), pp.29-38.
    3. -------------:" Experience and Nature",London George Allen & Unwin, LTD.1929
    4. -------------:"Democracy and Education ,An Introduction to the Philosophy of Education", Foreword by Krishna Kumar. Published by Aakar Books. Indian Edition, 2004.
    5. ثانیا : المراجع.

      أ- العربیة.

      1. آلک فشر :"التفکیر الناقد،ترجمة یاسر العیتی، دار السید للنشر، الریاض،الطبعة الأولی،2009م

      2. رالف ن .وین:"قاموسجوندیویللتربیة"، مختارات من مؤلفاته"، ترجمة محمد علی العریان، مکتبة الأنجلو المصریة ،1964م

      1. زکریا إبراهیم:"دراسات فی الفلسفة المعاصرة،مکتبة مصر،الطبعة الأولی، القاهرة 1968م.

      4. ستیقن بروکفیلد : "تنمیةالتفکیرالنقدی"، ترجمة سمیر عبد اللطیف هوانه، الکویت. الجمعیة الکویتیة لتقدم الطفولة العربیة، العدد العشرون، 1993م.

      1. ماهر عبد القادر محمد :"المقاربة العلمیة للغة، نیوبوک للنشر والتوزیع، الطبعة الأولی، القاهرة، 2017م.
      2. محمد جدیدی:" فلسفة الخبرة "جون دیوی نموذجا"، المؤسسة الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع، بیروت، لبنان،2004م.
      یمنی طریف الخولی:"فلسفة کارل بوبر منهج العلم..منطق العلم." الهیئة المصریة العامة للکتاب، 1989م.
      1. Drewe .S.B.,:" Russell in Context"in" Inquiry : Critical Thinking Across the Disciplines",Vol. 20 , Issise 2 ,Winter, 2001.pp.45-47
      2. Elgin, C.Z. :"Considered Judgment", Princeton: PrincetonUniversity Press.1996.
      3. Emily R. Lai :"Critical thinking: A literature review", Research report, Pearson ,2011.
      4. Facione, P. A. :"Critical thinking: A statement of expert consensus for purposes of educational assessment and instruction". Millbrae, CA: The California Academic Press.1990.
      5. Hare .W.,:" Bertrand Russell on Critical Thinking",  in"Proceedings of the Twentieth World Congress of Philosophy, published in the Journal of Thought, No.36.2001. pp.1-9
      6. Hirst.P.H.,:" The Logical and Psychological Aspects of Teaching a Subject" in" The Concept of Education",Edited by R.S.Peters,Vol.17,Routledge,London and New York, 2010. pp.17-42
      7. Irvine. A.D.,:"Russell on Indoctrination", in" Inquiry : Critical Thinking Across the Disciplines",Vol.20, Issise 2, Winter , 2001 .pp.20-26
      8. Judith .W. Segal, Susan F. Chipman , :"Thinking and Learning Skills, The contributions of NIE", in "Educational Leadership" September.1984. pp.85-87 
      9. Lewis, A., & Smith, D. :"Defining higher order thinking". in" Theory into Practice", Vol. 32, N.3, Summer 1993.pp.131–137
      10. Lipman. M.,:" Approaches in Teaching for Thinking", in" Thinking in Education"pp.28-63
      11. -------------:" The Emotions in Thinking and in Education" in" Thinking in Education",CambridgeUniversity Press,2003. pp.127-138
      12. -------------:" Education for Caring Thinking" in" Thinking in Education" CambridgeUniversity Press,2003.pp. 261-269
      13. Lyons, N.:"Handbook of reflection and reflective inquiry. Mapping a way of knowing for professional reflective inquiry. New York: Springer.2010
      14. Nicholas Bunnin & Jiyuan Yu : "The Blackwell Dictionary of Western Philosophy", First published  by Blackwell Publishing Ltd 2004.
      15. Paul Hager:" Russell’s Conception of Critical Thinking: Its Scope and Limits", in " Inquiry : Critical Thinking Across the Disciplines " Vol.20 , Issise 2 ,Winter 2001. pp.11-19
      16. Robert H. Ennis:" Critical thinking and subject specificity: Clarification and needed research". in" Educational Researcher, Vol.18, No.3,1989.pp..4–10
      17. Rodgers.C.,:"Defining Reflection: Another Look at John Dewey and Reflective Thinking"in"Teachers College Record,Vol.104, No.4,june 2002.pp.842-886
      18. Ryle, G.,:" Thinking and self-teaching" in" Rice Institute Pamphlet-Rice University Studies, volume 58 , number 31,1972. pp. 111-121
      19. Shermis, S. S.,: "Reflective Thought ,Critical Thinking", in " ERIC, Institute of education sciences,1999, Digest D143.pp.1-8
      20. Sternberg. R, :"Critical Thinking: Its Nature, Measurement, and Improvement", in "Frances R. Link (ed.), Essays on the Intellect (Alexandria, Va.: ASCD, 1985)
      21. The Critical Thinking Community :"Our Concept and Definition of Critical Thinking".

      http://www.criticalthinking.org/pages/our-concept-of-critical-thinking/411

      1. -------------:"A Brief History of the Idea of Critical Thinking".

      http://www.criticalthinking.org/pages/a-brief-history-of-the-idea-of-critical-thinking/408